منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    :في نقد الصور البلاغية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    :في نقد الصور البلاغية Empty :في نقد الصور البلاغية

    مُساهمة   الثلاثاء مايو 04, 2010 10:04 am







    إسماعيل شكري :في نقد الصور البلاغية: مقاربة تشييدية












    1.تقديم



    :في نقد الصور البلاغية Ismailتروم
    هذه الدراسة تقديم مدخل لإعادة بناء الصور البلاغية(figures ) انطلاقا من
    منظور تشييدي_معرفي يتجاوز بعض التصورات القابلة للدحض في البلاغتين
    العربية والغربية، مثل مفهوم الجناس ومفهومي الانزياح والتوازي، مما يسمح
    بتشييد بلاغة معرفية تأويلية تصنف تلك الصور البلاغية تصنيفا زمنيا
    تفاعليا حيث نؤول، مثلا، الاستعارة بناء على آليات زمن الانكماش(الجهة
    المطاطية)، و نقرأ الطباق بالنظر إلى الزمن الفوضوي(الجهة
    المتشابكة)..الخ. وهي قراءات تستلزم بناء مفهوم الجهة البلاغية(شكري 1998
    و2007) على أساس نظرية التشاكل التي تؤطر الصور البلاغية ضمن نسق تفاعلي
    بين المنتج والمتلقي، وتتجاوز ثنائية حقيقة/ مجاز، وثنائية لغة شعرية/ لغة
    عادية، كما تتجاوز النظر إلى الصور البلاغية بوصفها إسقاطات أو محسنات
    معجمية، خاصة أنه ينظر إلى الذكاء البلاغي، وفق هذا المنظور الزمني
    المعرفي، باعتباره قوالب ذهنية تمكن الإنسان من التواصل مع العالم وليس
    مجرد محسن للكلام.(لايكوف 1987 و1988 ).وبذلك نجد الاستعارة في كلام
    الأطفال، والإطناب في الخطابات التواصلية..



    بيد أن مثل هذه القراءة الجديدة تمر أولا عبر تقديم قراءة
    نقدية لتاريخ الصور البلاغية في الثقافتين العربية والغربية انطلاقا من
    مفاهيم تشييدية_ معرفية.ذلك أن تحديد مفهوم الصورة البلاغية في الثقافة
    البلاغية الغربية،والثقافة البلاغية العربية انطلاقا من تحليل نماذج من
    الخطابين ( فونطانيي ، الجاحظ ، الجرجاني ، السجلماسي ... ) بواسطة مفاهيم
    دينامية التلقي، و النظرية الحجاجية، يقودنا إلى التحقق من الفرضية الآتية:



    لقد هيمن نسق الوحدة، و البعد التعليمي على الخطاب البلاغي
    الغربي، بينما هيمن نسق التعدد و البعد الإيديولوجي على الخطاب البلاغي
    العربي.



    وقد كان للوظيفة المهيمنة في الخطابين نتائج هامة، منها؛ عدم
    توفر مفهوم الصورة البلاغية على الكفايتين التفسيرية والتأويلية، ناهيك عن
    تعدد المصطلحات وتداخل مفاهيمها بالنسبة للنسق البلاغي العربي. ومن ثم،
    تبرز ضرورة إعادة بناء الصور البلاغية وفق مفاهيم جديدة.

    بيد أن القول بهيمنة نسق ما لا يعني غياب باقي الأنساق،لأن
    الصراع بين الظواهر الثقافية يقتضي تغليب مقصدية على أخريات ضمن شروط
    ثقافية وتاريخية معينة. فمثلا، القول بهيمنة المقصدية الإيديولوجية على
    البلاغة العربية لا يلغي وجود مؤشرات تظهر عند هذا الكاتب أو ذاك تميل إلى
    البعد التعليمي؛ مثل البلاغة عند السكاكي،أولدى البلاغيين المغاربة(ابن
    البناء وغيره). وسندافع عن أطروحتنا هذه خلال دراستنا لكل نسق بلاغي.





    2. دينامية التلقي



    إن أول تساؤل مشروع يتبادر إلى الذهن، ونحن نتوجه إلى قراءة
    الإرث البلاغي الغربي والعربي، هو: كيف نتلقى هذا الخطاب البلاغي ؟ . ذلك
    أن كل قراءة، محفوفة بمزالق الإسقاط والتأويل المغرق في الذاتية، ناهيك عن
    إمكانية محاكمة القديم بالجديد، أو الجديد بالقديم. ولتجنب ذلك، عمدنا إلى
    تبني منظور دينامي في القراءة يحوي مفاهيم استراتيجية، وأخرى إجرائية،
    تضمن حضورا بنائيا للذات المؤولة من جهة، وتفتح آفاقا هامة للتأويل المحلي
    من جهة ثانية. فانطلاقا من الإطار النظري العام للتشييدية وارتكازها على
    نظرية التلقي ونظرية الأنساق، اعتمدنا استراتيجية "التلقي النسقي" ( ياوس
    1978، محمد مفتاح 1993)، ودينامية " القارئ الضمني " ( إيزر 1976 ) .



    1.2. التــلـــقي النسقــــــي

    يستوجب التلقي النسقي النظر إلى الإرث البلاغي داخل نسقه
    السوسيو-ثـقافي العام. ومن ثم، لا يمكن عزل مفهوم " الأوجه البلاغية " عن
    صيرورة المجتمع، أو عن حضور مفاهيم موازية في ميادين مختلفة ( مثل الفلسفة
    والمنطق والتصوف والفقه... الخ ).

    كما أن التلقي النسقي ينظر إلى هذا التراث البلاغي باعتبار
    مكوناته أجوبة عن بعضها بعض، خاصة في مراحل التناقض والتجاوز التي يصبح
    فيها الحوار ضربا من الصراع الاجتماعي والفكري والسياسي. إضافة إلى هذا،
    تتحاشى القراءة بالنسق الركون إلى نوع من المحاكمات غير العادلة. ذلك أن
    بول ريكور (1983)، على سبيل المثال، حاكم أوغسطين بأرسطو و أرسطو
    بأوغسطين، وفق مفهومي " التوافق " (Concordance)" و اللاتوافق "
    (Discordance). فقراءة "اعترافات " الفيلسوف المسيحي تقود إلى اختراق
    تساؤلات تشككية لا حصر لها بخصوص مفهوم الزمان. ومن ثم، يستحضر
    اللاتوافق لتحديد تضارب المواقف وتنافرها. أما قراءة شعرية أرسطو فهي
    تشخيص للعناصر الدينامية في الخطاب ضمن توافقها وانسجام مكوناتها وإن
    اختلفت وتنوعت هذه العناصر ( عناصر الحبكة ) [1] .

    لقد فوت هذا التلقي المعياري على الباحث فرصة النظر إلى
    المشروعين ضمن نسقيهما، حيث الشروط الثقافية والسياسية وطبيعة الأسئلة
    الفلسفية المطروحة في مباحث أوغسطين ليست مطابقة لمثيلاتها في مباحث
    البلاغة الأرسطية.

    وإذا كان مثل هذه المقاربة أمرا غير وارد بالنسبة لنسق أكبر
    هو الثقافة الغربية، فإنه يبدو أكثر خطورة إذا تعلق الأمر بمقارنة غير
    سوية بين البلاغة الغربية والبلاغة العربية، إذ إن لكل منهما أسئلته
    التاريخية والحضارية.

    وبناء على هذا، يسمح التحليل النسقي (( بأن يؤخذ في الاعتبار
    مجموعة مهمة من العناصر ويستطيع أن يعتبرها مجتمعة ومنفصلة، فالمحلل لا
    يضيع في ركام التفاصيل ولايتيه في معالجة كتلة هائلة من العناصر المتنافرة
    ( معتقدا أن ليس بينها علاقة، أو يحلل بدون تبني إبدال معين ) (... كما أن
    ) دراسة كل العناصر، ودراسة علائقها وتعالقها ودراسة تنظيمها تجعل
    التعميمات ممكنة، هذه التعميمات التي يمكن تأكيدها ( أو نفيها ) في الحال
    (....) على أن هذه المقاربة النسقية لا تستقيم إلا إذا بنيت على فرضيات
    عمل توجهها وتضبط مسارها وغايتها الكبرى وغاياتها الصغرى... )) " [2] .





    ومن هنا، أستحضر لغة واصفة للأنساق المتعلقة بالصور
    البلاغية، حيث ننعت النسق البلاغي الغربي بـ " وحدة المفهوم "، ونطلق على
    النسق البلاغي العربي صفة " تعدد المفهوم ". وذلك ضمن البحث عن الغايات
    والمقصديات المحركة لكل نسق.

    إننا نفترض منذ البدء وجود مقصديتين كبيرتين، هيمنت واحدة
    منهما على البلاغة الغربية، وهي المقصدية التعليمية، والأخرى وجهت البلاغة
    العربية وهي المقصدية الإيديولوجية. غير أن التلقي النسقي يفرض بالتالي أن
    هيمنة إحدى المقصديتين في مرحلة تاريخية معينة من سيرورة الخطاب البلاغي،
    لا يعني إقصاء الأخرى أو اندثارها كليا. ثم إن هذه القراءة النسقية، بقدر
    ما تخضع لتوجيهات نصية تتطلبها ملابسات الحجاج الضمنية، فإنها تستند كذلك
    إلى تجربة القراءة وشروطها التداولية، إذ لا ندعي تلقي الخطاب البلاغي
    بعيدا عن أي تفاعل جمالي و ثـقافي ونقدي في الآن نفسه. وهذا ما يمثل
    استراتيجية " القارئ الضمي [3]







    2.2.القارئ الضمني



    ليس لمفهوم القارئ الضمني ( Lecteur Implicite ) وجود واقعي
    لأنه يمثل مجموع التوجيهات النصية الداخلية التي تجعل كل نص قابلا للتلقي،
    إذ (( لا يصبح النص حقيقة إلا إذا تمت قراءته ضمن شروط التحيين التي من
    المفروض أن يحملها بنفسه، حيث هناك إعادة بناء المعنى من طرف الآخر )) [4]
    .وبذلك، يحيل هذا المفهوم على الأثر النصي، بحيث يمكن افتراض أن كل نص
    يمنح دور القراءة لقارئيه المحتملين، في شكل دور جدلي الاتجاه يقصد إلى
    الكشف عن عالم النص انطلاقا من " منظور الكاتب "، وإلى البحث عن هذا
    المنظور انطلاقا من " منظور النص". ومن هنا، يصبح دور القارئ بنية نصية
    بالأساس، ما دام كل خطاب يحمل شروط قراءته. بيد أن وجود هاته التوجيهات
    الباطنة التي تمكن من جمع مختلف المنظورات ضمن أفق مشترك، ليست بنية معطاة
    بل يتم بناؤها من طرف القارئ نفسه. وهذا ما يخول للقراءة فضاء إنتاج
    متوالية من أفعال التقديم القمينة بأن تجعل من مفهوم القارئ الضمني شرطا
    يعيشه القارئ الواقعي، وليس مفهوما مجردا له، أو تمثيلا لأنا الكاتب
    الثانية. ذلك أن نجاح قراءة ما ليس مرهونا بمدى تلاؤم كل من مقصديتي
    المنتج والمتلقي [5] .



    ومن ثم، فالقارئ الضمني المقصود هنا، قارئ دينامي يتفاعل مع
    المعطيات النصية، أي (( يحدد سيرورة نقل بنيات نصية بواسطة أفعال التقديم
    ضمن مجموع تجارب القارئ )) [6]
    . وإذن، استراتيجية القارئ الضمني تنسجم واستراتيجية التلقي النسقي، إذ
    إن مقاربة الخطاب البلاغي تراهن، في سياق هذه الدراسة، على تحديد بنيات
    نسقية مهيمنة مع تفسيرها وتأويلها وفق معطيات نصية وتداولية. وهذا ما يفسر
    تحليلنا للنص البلاغي القديم من زاوية مفاهيم إجرائية يؤطرها بشكل عام
    التحليل التداولي للخطاب. ذلك أن مفهوم القارئ الضمني مثلا، يمكن اعتباره
    " مضمرا حجاجيا " ( Implicite Argumentatif )[7]
    يمكن تقديم مكوناته بواسطة مفاهيم من قبيل " الأفعال اللغوية " ( أوستين
    1970 ، سورل 1972 ، جرايس 1979 ...)، و "الروابط الحجاجية "( دكرو 1980 ب،
    أنسكوبر و دكرو 1983..)..



    تلك أهم الأسس النظرية التي يرتكز عليها اشتغالنا على النص
    البلاغي في حقل مبحث الصور البلاغية، حيث نفسر البنيات المكونة لنسق
    الوحدة ( في البلاغة الغربية )، ولنسق التعدد( في البلاغة العربية ).



    3. في البلاغة الغربية



    نستحضر في البدء الفرضية التالية:



    تميز تطور مفهوم " الصور البلاغية " ( Figures ) في البلاغة
    الغربية - على الأقل إلى حدود المرحلة الكلاسيكية - بوحدة المفهوم
    والمصطلح وفق هيمنة المقصدية التعليمية على تاريخ هذه البلاغة.



    إن مدخلنا إلى تأكيد هذه الفرضية قول بارت (1970): (( أليست
    البلاغة برمتها(إذا استثنينا أفلاطون) أرسطية ؟ بلى ، بدون شك: كل العناصر
    التعليمية التي تغذي المصنفات الكلاسيكية تعود إلى أرسطو)) [8].ذلك
    أن الإقرار باستمرار بلاغة أرسطو أساسا للخطاب البلاغي الغربي، مؤشر على
    نجاح المصنفات والشروح المحددة للقواعد والأجناس في تحقيق الغاية
    التعليمية بالدرجة الأولى. فإذا كانت البلاغة الغربية قد تطورت من كونها
    فنا للإقناع إلى كونها فنا للتعبير الجيد، فإن الإطار البيداغوجي ظل
    مهيمنا على مختلف مراحلها، بدءا بجورجياس إلى عصر الأنوار والتحولات
    الثـقافية ( ق 18 وق 19 )، حيث نشطت المصنفات الكلاسيكية التعليمية لكل من
    دي مارسيه و فونطانيي. وقد تميز كذلك هذا المسار التعاقبي للبلاغة الغربية
    بالتفاعل مع حقول موازية مثل النحو والمنطق والفلسفة. وسنرى كيف كان للنحو
    والمنطق، على الخصوص، أثرهما البالغ على تصنيف أنواع وأجناس الأوجه
    البلاغية، ناهيك عن أن البلاغة الغربية لم تسلم بذاتها في بعض المراحل
    التاريخية من التأثير الديني المسيحي، بحيث انصب الاهتمام ( مع بيد ( 673
    - 735 ) مثلا ) على الكتاب المقدس، باعتباره حافلا بالأنماط التعبيرية
    البلاغية.





    إن فرضية هيمنة البعد التعليمي على الخطاب البلاغي الغربي،
    تجد مسوغاتها في مفهوم البلاغة ذاتها. فمن بين معاني كلمة " بلاغة " في
    الثقافة الغربية، أنها تقنية قابلة للتدريس. فمنذ العصر الهيليني أصبح
    تدريس البلاغة ليس فقط مادة من المواد ولكنه سلك للدراسات. ثم إن هذا
    الإطار التعليمي لا ينفي عن البلاغة الغربية أصولها الفلسفية. فإذا كانت
    ذات أصول قضائية وذات أصول أدبية، فإنها في الآن نفسه قد دخلت في تفاعل
    حواري مع المنظومة الفلسفية بدءا بالسفسطائيين وأفلاطون وصولا إلى أرسطو
    الذي وضع البلاغة في مكانها ضمن الثـقافة اليونانية، بحيث أدمج النسق
    البلاغي ضمن النسق العام للفلسفة، بعد ما أضحت الممارسة البلاغية علائق
    جدلية بين البينات الححاجية والبنيات الأسلوبية والنفسية. بيد أن الحضور
    الفلسفي في البلاغة الأرسطية، لازمه حضور منطقي كذلك. فمن بين أهم مكونات
    تأسيس الخطاب، نجد مرحلة " الابتكار " تمثل تصور البراهين الواقعية أو
    الخيالية المساعدة على الاستقراء والاستدلال بواسطة القياس. ثم تأتي بعد
    ذلك مرحلة "صياغة العبارة " ( Elocution ) التي تحوي أنماط الصور البلاغية.





    وقد اتخذت البلاغية الغربية ضمن هذا المسار صفة " بلاغة عامة
    " ( بلاغة الإقناع والحكي والإيقاع.... )، خاصة عندما تم تجاوز الفصل بين
    دراسة الخطاب التواصلي ودراسة الخيال الشعري، بحيث اندمجت البلاغة مع
    الشعر على يد أو قيديوس و هوراتيوس [9]
    . غير أن التسليم بهذه الصورة للبلاغة الغربية ( بلاغة عامة تهيمن عليها
    المقصدية التعليمية ) لا يعني في منظور قراءتنا النسقية إقصاء للبعد
    الإيديولوجي الموجه. فقد يبدو من المفارقات استمرار المصنفات البلاغية
    الكلاسيكية في عصر التحولات الثـقافية ( ق 18 ) ، بيد أنها مفارقات تجد
    تفسيرها في استمرار المد الإيديولوجي المحافظ ضمن أنساق كلاسيكية غير
    مبالية بالتحولات الثورية التي أحدثتها الثورة الفرنسية . وقد كان، في
    نظري، الغطاء الشرعي لهذا البعد الإيديولوجي هو المؤسسة التعليمية التي
    تبنت مصنفات فونطانيي (1827) الكلاسيكية.











    في سياق هذا الإطار العام، إذن، يمكن تتبع سيرورة مفهوم "
    الصور البلاغية " في البلاغة الغربية. ذلك أن مصطلح ( Figure ) يجد جذوره
    التاريخية في استعمالات كينتليان ( ق 1 بعد الميلاد ) الذي ظل وفيا
    للبلاغة بمعناها الأوسطي.

    لقد وظف المصطلح اللاتيني( Figura ) بمعنى (( تمثيل شيء ما
    ))، لكنه عند كينتليان أصبح يعني لأول مرة، وبمعنى استعاري، "الصور
    البلاغية للخطاب" التي تبرزه وتشكله[10].
    وهكذا، تم النظر إلى الصورالبلاغية في البلاغة الكلاسيكية داخل سياق
    الإنتاج والتلقي، إذ تلعب دورها في اتجاه إثارة المتلقي والتأثير عليه
    وإقناعه. ومن ثم، فتوظيف الصور البلاغية رهين بعوامل مختلفة مثل نوع
    الخطاب والحالة الذهنية للمتكلم والمتلقي. ولذلك فهي تشمل مختلف مستويات
    تحليل الخطاب، مثل المستوى الصوتي والصرفي، والمستوى التركيبي والمستوى
    الدلالي، والمستوى المنطقي- المرجعي، والمستوى التلفظي... الخ، كما أنها
    تشكل أدوات أسلوبية يستعملها كل خطاب يرتكز على العلاقة: متكلم - متلقي،
    مثل المناظرة، والخطاب السياسي والخطاب الأدبي... [11]



    إن أولى خصائص نسق الوحدة في البلاغة الغربية، إذن، تتمثل في
    هيمنة البعد التعليمي وسيادة روح البلاغة العامة الأرسطية، إضافة إلى وحدة
    المفهوم والمصطلح بالنسبة للصور البلاغية. وهذا ما يقودنا إلى قراءة نماذج
    تمثيلية، يحيلنا طرفها الأول على البلاغة الكلاسيكية وهو المصنف البلاغي
    البيداغوجي لـ فونطانيي: " الصور البلاغية للخطاب "، وذلك لأهميته في
    التصنيف والتعريف. ثم نتناول بعد ذلك نموذجين يمثلان مفهوم الصور البلاغية
    في سيرورة البلاغة الغربية الحديثة. الأول نموذج البنيوية الشعرية ( جون
    كوهن )، والثاني نموذج البلاغة العامة في صورتها الحديثة مع جماعة Mu.

    غير أن تتبع هذا المسار يوجهنا إلى نقد مفهوم أساسي يحاوره
    بحثنا، هو مفهوم "الانزياح" الذي شكل إطارا مرجعيا بؤريا في الثـقافة
    البلاغية الغربية الحديثة، سواء أتعلق الأمر بتأويل نصوص البلاغة
    الكلاسيكية، أم بتفسير النظام اللغوي الشعري خاصة، والوظيفة الشعرية عامة.

    وعلى هذا الأساس، نرصد ثلاثة أنساق صغرى مهيمنة على النسق
    الأكبر للبلاغة الغربية؛ يتعلق الأول بنسق الشكل البارز، والثاني بنسق
    الانزياح، أما الثالث، فهو نسق التحول.









    1.3. الصورة البلاغية شكل بارز



    يقول فونطانيي في مؤلفه (( (.... ) الصور البلاغية للخطاب،
    هي الخصائص، الأشكال أو الأبراج البارزة تقريبا و هي ذات أثر مفرح إلي حد
    ما. فالخطاب المعبر عن الأفكار، والتصورات أو المشاعر يبتعد بواسطتها،
    تقريبا، عما كانت عليه العبارة البسيطة والمشتركة )) [12] .



    نحول هذا النص إلى ثلاثة محاور دلالية ( Axes Sémantiques ) أساسية،

    هي:

    _محور التشكل:الخصائص والأشكال

    _ محور البروز:الأبراج، البارزة

    -محور الأثر: مفرح، المشاعر



    إن هاته المحاور الدلالية، تخصيص لمميزات الصور البلاغية
    التي تمثل الخطاب، تشكله وتبرزه. وهي بذلك نواة المفهوم بدءا بالدرس
    البلاغي عند كينتليان. والملاحظ أن فونطانيي يتحدث عن الصور البلاغية
    للخطاب بمعناه العام دون حصرها في دائرة النص الأدبي. بيد أن التساؤل
    المطروح، هو: لماذا شكل المكون - الفضلة؛ " تقريبا " إطنابا بارزا في هذا
    النص؟



    يمكن اعتبار " تقريبا "، عاملا حجاجيا Opérateur Argumentatif وبالتالي وحدة دلالية تحول أفق الانتظار الملازم لمحتوى النص.

    فإذا كانت لدينا م، أي ملفوظات للمحتوى ق، ولدينا مَ، وهي ملفوظات للمحتوى قَ، فإننا نتوفر على المعادلة التالية:

    (1) - قَ = ق + س.



    حيث إن س عامل حجاجي، يوجد حيثما كانت الإمكانات الحجاجية لـ
    مَ ليست هي نفسها في م، وذلك دون اعتبار للمعلومات التي تحملها س. فالجملة
    (2) تقابل الجملة (3).



    (2) - الصور البلاغية هي الخصائص البارزة.

    (3) - الصور البلاغية هي الخصائص البارزة تقريبا.







    ذلك أن الجملة (3)، وهي مَ، ليست تغييرا في القيمة
    المعلوماتية، ولكنها حاملة لقيمة حجاجية تتطلب سياقا خاصا، وبالتالي
    تأويلا مختلفا [13] .

    إن تأويلنا يتجاوز الجملة إلى النص، لاعتبار أساسي يتمثل في
    تكرار المكون تقريبا، الشيء الذي يعتبر مؤشرا على توظيفه بوصفه عاملا
    حجاجيا في الخطاب.

    إن فرضية العامل الحجاجي، تستدعي استلزاما حواريا بالمعنى
    الذي يجعل س: " تقريبا " "لا تحيل على المعنى القضوي ( نسبية البروز
    والاعتراف بصعوبة التعريف)، بقدر ما تستميل المتلقي إلى تصديق المعلم
    فونطانيي فيما يقدمه من درجة صدق الحد، خاصة أنه يورد هذا التعريف بخط
    بارز ويعتبره محصلا من تـعـريف الأكاديمية الفرنسية، وواردا في سياق
    تعاريف، هي في نظره غير مقنعة، ولم تنل القبول التام من الجميع [14]. ومن ثم، فإقحام س في النص، بحث عن تراض وإجماع.



    نبرهن على ماسبق من خلال الاستدلال التالي:



    - يطرح المتلقي على الكاتب تساؤلا حول ماهية الصور البلاغية، فيجيبه بأنها الخصائص البارزة تقريبا...

    - من المفروض أن يتعاون الكاتب في الحوار ويأتي رده واردا (مبدأ التعاون).

    - الرد الوارد في هذا الحوار يجب أن يكون تحديدا دقيقا لخصائص الصور البلاغية أو تشككا فيها ( مراعاة قواعد الحد ).

    - غير أن رد الكاتب من حيث معناه الحرفي، ليس دقيقا ولا تشككيا رافضا، وبالتالي فهو غير وارد. والمؤشر تكرار المكون " تقريبا ".

    - يعود المتلقي إلى مساق النص ليجد نقد الكاتب لتعاريف غير مقنعة في نظره.

    - يستنتج المتلقي أن الكاتب يميل إلى رأي توفيقي.

    - توظيف س، إذن، تقديم لرأي محصل يرجى منه أن يكون مقبولا ومقنعا.

    - الغرض الإنجازي للجملة (3) تعليمي وحجاجي.

    إننا بتحليلنا لنص فونطانيي، نحاول البرهنة على هيمنة البعد
    التعليمي، الذي يختلط بالحجاجي، في البلاغة الغربية الكلاسيكية. وذلك
    بالنظر إلى أهمية هذا البعد في الحفاظ على انسجام المفاهيم والميل إلى
    الاختزال التوفيقي، كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم الصور البلاغية.

    وهكذا، فقد تميز عند فونطانيي، إضافة إلى ما سبق، بالمنظور النفسي والروحي الذي يجعل الفرح أثرا ناتجا عن تلقي هذه الصور[15].
    كما أنه مرتبط بشرط أساسي هو حرية المتكلم الذي لا يتقيد في هذه الحالة
    بتعليمات القواعد النحوية؛ بالمعنى الذي يجعله لا يصدر في ملفوظا ته
    البلاغية عنها.

    بيد أن المفهوم في هذا السياق الكلاسيكي يكتسي بعدا تصنيفيا،
    وليس إجرائيا، بالنظر إلى تصنيف الصور البلاغية وفق أنواع وأنماط. فقد
    صنفها الكاتب إلى سبع طبقات تنقسم بدورها إلى أجناس وأنواع وتشكلات. ومن
    ثم، فمستوى الطبقة يعادل في الوقت نفسه طبيعة ودرجة التوسيع التراكبي
    للصورة البلاغية التي تقتضي طبيعتها صورا بلاغية للمعنى أو للكلمة مثلا،
    كما تقتضي درجة الامتداد التراكبي الكلمة أو الجملة أوالقضية أو الملفوظ [16] .



    إن هذا التصنيف يظل مهيمنا على البحث البلاغي الغربي رغم
    تطور البحث اللساني والسيميائي. فجماعة m ، مثلا ، لا تحيد عن قاعدتي
    الحذف والزيادة ، في إطار محاولتها إعادة إنتاج مكونات التصنيف الكلاسيكي [17]
    . ثم إننا نجد أثر هذا المفهوم بارزا في معاجم الدراسات البلاغية
    والأسلوبية، بحيث نجد على سبيل المثال تعريف الصورة البلاغية بكونها صياغة
    تستدعى حيثما لا نستطيع اختزال أثرها المعنوي إلى مجرد الأثر المنتوج
    بواسطة الصياغة المعجمية - التركيبية البسيطة للملفوظ[18]
    . وإذا كان فونطانيي قد ركز على مفهوم " الأثر" الذي يلازم تلفظ الصورة
    البلاغية ، فإن هذا يعني التأكيد على الوظيفة النفسية والحجاجية التي دافع
    عنها قديما كينتليان حينما قالSad(كل شيء غير مجد فهو ضار))[19].
    ومن ثم، فلا معنى أن نعتبر الصورة البلاغية في البلاغة الغربية مجرد
    "محسن" أسلوبي ، بالرغم من أننا قد نجد في تاريخ النظرية البلاغية
    الكلاسيكية أثرا للقول بوظيفة التنميق. وبذلك، نسقط ترجمة مصطلحFigure
    بـ"محسن" من اعتبارنا، لأنها ترجمة ضعيفة الحس النظري، إذ لا تغطي المنظور
    البلاغي والجمالي للمفهوم في الثقافة الغربية [20] .



    هكذا يبدوا أن بلاغة فونطانيي، منسجمة مع النسق العام
    للبلاغة الغربية. لكن التلقي النسقي الذي نتبناه، ليس مجرد اختزال لبنيات
    متماثلة أفقيا، بل إنه يستدعي، إضافة إلى مكونات التشابه، مظاهر الاختلاف
    والتغاير داخل النسق الواحد.

    وبناء على هذا، يمكن النظر إلى الدرس البلاغي عند فونطانيي
    باعتباره يتم بين اتجاهين في تاريخ البلاغة الغربية؛ أي بين اتجاه دراسة
    كل الحقول البلاغية للخطاب ( أرسطو ) وبين اتجاه دراسة الصور البلاغية
    للمعنى فقط ( دومارسي ). فهذا يعني أن بلاغته اختارت حقلا وسطا هو: الصور
    البلاغية فقط، لكن كل الصور البلاغية [21].
    و إذا كانت الوحدة المناسبة للبلاغة القديمة هي الملفوظ، وبالتالي هي
    الكلمة بالنسبة لـ دومارسي، فإنها عند فونطانيي الصورة البلاغية في
    امتدادها التراكبي من الكلمة إلى الملفوظ المركب. هذا وقد انشغل الدرس
    البلاغي عنده بتحديد مفهومها وتصنيفها.

    وعليه، فهي " بروز " لعبارة في الخطاب أكثر من غيرها في سياق
    التلقي. وهو تأويل يدفعنا إلى القول بأن وجود العبارات البارزة يعني
    توفرها على خصائص صوتية وتركيبية ودلالية وتداولية، بواسطة التوسيع ( مثل
    الصور البلاغية الخاصة بالإيقاع أو المجاز كالقافية والاستعارة )، أو
    بواسطة القلب ( كما هو وارد في بعض الصور البلاغية التركيبية مثل التقديم
    والتأخير ). وقد نجد قواعد أخرى لهذا " البروز " من قبيل القواعد
    التداولية المؤشرة على قاعدة " الاستلزام الحواري " التي تجعل، مثلا، من
    الاستفهام في سياقات معينة صورة بلاغية. وبناء على ذلك، نقترح الحد التالي:



    الوجه البلاغي عبارة بارزة إدراكيا في الخطاب بواسطة قواعد نصية أو / وقواعد تداولية - سياقية.



    تلك، إذن، قراءة في التراث البلاغي الغربي، مع التركيز على
    نموذج كلاسيكي لفونطانيي، بحيث تابعنا سيرورة مفهوم الصورة البلاغية،
    والذي تم الحفاظ على نواته منذ كينتليان، بل تمت المحافظة على نفس المصطلح
    كذلك، مع وجود متغيرات في مراكز الاهتمام داخل هذا النسق.

    وسندرس في المبحث الموالي تطور المفهوم نفسه ضمن سياق الثقافة البلاغية الغربية الحديثة، إذ نرصد نسقي الانزياح والتحول.



    2.3 . الصورة البلاغية انــــزيــــــاح



    يعتبر مفهوم الانزياح، إطارا نظريا أساسيا لمعرفة تصورات
    البنيوية الشعرية المتعلقة بالصور البلاغية. ذلك أن هذا المفهوم يوجد في
    أدبيات الشعرية الحديثة بشكل صريح وبؤري ( جون كوهن )، أو بشكل مضمر وراء
    مفاهيم موازية مثل " الوظيفة الشعرية " (ياكبسون )، و" الشفافية " ( تودر
    وف).

    وقد كان الباعث على الاهتمام بمفهوم الانزياح البحث عن "
    خصائص مميزة " للغة الأدبية"، مما كان له أثره البالغ على مسار البحث
    البلاغي الحديث، بحيث كاد أن يتجه، في مجموعه وجهة مغايرة لروح البلاغة
    القديمة، أي وجهة بلاغة خاصة، هي بالأساس بلاغة الشعر أو بالأحرى بلاغة
    النص الأدبي. بيد أن هذا المفهوم، قد اعترضته مشوشات نظرية وتطبيقية، من
    قبيل صعوبة بناء المعيار، وكيفية تقليص الانزياح وتأويله، ناهيك عن معضلة
    التوفيق بين وظيفته والوظيفة التواصلية. ومن ثم، حرصنا على استبعاده - بعد
    نقده - لأنه لا يلائم استراتيجيتنا في تشييد نموذج للجهة البلاغية يقوم
    على أساس مفهوم تفاعلي مدمج لمكونات لغوية ومعرفية وبلاغية هو مفهوم
    "العنونة".



    وإذا كانت مؤلفات جون كوهن (1966 و 1970 و 1979)، الممثل
    الأنسب لمفهوم الانزياح لدى المدرسة البنيوية الشعرية، فإننا سنركز على
    عرض أطروحاتها النظرية، مع البحث في نفس المفهوم عند جماعة m في سياق
    دراسة نسق التحول، لنخلص، في الختام، إلى نقد المفهوم وإبراز قصوره النظري
    والإجرائي.

    هكذا، يرى كوهن (1966)، أن الشرط الأساسي والضروري لحدوث
    الشعرية، هو حصول الانزياح، باعتباره خرقا للنظام اللغوي المعتاد، وممارسة
    استيطيقية. ولإبراز هذا التصور، عمد الباحث إلى التمييز بين زمنين اثنين.
    الأول تكون فيه عملية خرق النظام اللغوي مدمرة للمعنى، وفي الثاني، يتم
    تقليص الانزياح من أجل إعادة المعقولية اللغوية. ومن ثم، فالأمر يتعلق ((
    بمقابلة الشعر بالنثر الذي يمكن أن تتخذه معيارا لكونه يمثل اللغة
    السائدة، في حين يمكن أن نعتبر الشعر انزياحا عنه ))[22] .

    يترتب عن هذا، أن اللغة الشعرية تستثمر بتميز، العناصر
    الصوتية والدلالية للغة، الشيء الذي يسمح ببعض التمييزات مثل "الشعر
    المنثور"، و " الشعر الكامل "، و " النثر الكامل "[23]...

    ويطور كوهن (1970)، منظوره للانزياح في إطار تصور منطقي -
    دلالي لنظرية الصورة البلاغية. فالمماثلة، في نظره، ممكنة بين البحث
    اللساني والبحث المنطقي، لأجل ربط علاقة جديدة بين كَريماص و بلونشي، تؤشر
    على جعل المنطق شكلا للمحتوى، وجعل الدلالة محتوى للشكل. وبذلك، فإن مفهوم
    الانزياح ذاته يمتلك دلالة منطقية، إذ نحصل على ازدواجية الانزياح اللغوي
    والانزياح المنطقي، التي تمكن من بناء نموذج منطقي للصور البلاغية الشعرية
    [24].

    ومن ثم، فالصور البلاغية الدلالية تخرق مبدأ عدم التناقض المنطقي الذي يمنع أن نربط القضية بنفي القضية:

    (4) - ق . ق

    إن التناقض الوارد في هذه الصور البلاغية، يتخذ شكل تقابلات
    تختلف من حيث درجة التقابل و التنافر. فهناك درجة تناقض قوية، وأخرى
    ضعيفة، أو محايدة. فعلى سبيل المثال، يشكل المحمول " صغير " نفيا قويا
    للمحمول " كبير " بينما " متوسط "، تفي ضعيف لهما معا.

    وهكذا، تندرج الصورة البلاغية " المناقضة " (L’oxymore)، في إطار الدرجة العالية للتناقض. ومثالها:

    (5) - L’obscure clarté [25] ( النور الحالك )

    فعلاقة التضاد بين قطبي الجملة (5)، ناتجة عن درجة نفي قوية،
    إذ إن " الظلام " نفي " للنور"، والعكس صحيح، أما نفيهما الضعيف ( لا
    نور/ لا ظلام)، فتترتب عنه حالة وسطى، هي " باهت "، والتي يمكن أن تنبثق
    عنها صورة بلاغية آخرى على شاكلة الجملة (6).

    (6) - La lumière blafarde ( الضوء الباهت )





    يترتب عن هذا الطرح، ثلاثة أنماط من العلاقات التي تمثل
    بنيات منطقية للصور البلاغية؛ - علاقة التناقض القوي بين القطبين،
    والعلاقة المحايدة، تم العلاقات المركبة الناتجة عن نفي العلاقة الثانية.



    لاشك، إذن أن مفهوم الانزياح، في النظرية الشعرية عند كوهن
    (1966 و 1970)، قد اتخذ صيغتين أساسيتين؛ الأولى صيغة " الانزياح الخارجي"
    بحيث حدد المعيار في النثر العلمي، والثانية صيغة " الانزياح الدلالي -
    المنطقي ".



    وهكذا، تعرضت الصيغة الأولى لمجموعة من الانتقادات من طرف
    بعض رواد الشعرية والأسلوبية أنفسهم. ذلك أن تودروف، مثلا، يرى عدم
    مصداقية تحديد الشعر عن طريق مقابلته بالنثر، لأنهما يملكان نصيبا مشتركا،
    هو الأدب. أما دولاس، فإنه ينتقد المفهوم قائلا: (( كيفما كانت قيمة وعلم
    المشتغلين بهذا المنهج الذي يدعونه بنيوية في تحليل الأسلوب، فصدقونا، أنه
    ينطوي على بعض العيوب في مبدئه ذاته. ذلك أنه يعوض غياب نمذجة علمية
    للأجناس والسجلات، بثنائية ترهن المطلوب، وتنعت خطأ بكونها بسيطة وإجرائية
    ( نثر، شعر مثلا). وهذا ما يؤدي، في آخر المطاف، إلى التخلي عن المقاربة
    اللسانية، وإرجاع مهمة اقتراح أطر الدراسة إلى الأدب، وإلى تاريخ الأدب ))[26].

    ومن ثم ، فمسألة البحث عن معيار ، تمثل صعوبة في ذاتها ،
    خاصة إزاء المنحى البلاغي العام للبلاغة الغربية الذي يؤكد توفر اللغة
    العادية على الصور البلاغية . كما أن تزايد الاهتمام في الدراسات النقدية
    الحديثة بالمقاربات اللسانية، مؤشر قوي على افتقار مفهوم الانزياح إلى
    البعد الإجرائي، وعلى ضرورة وضع نظرية الأدب في إطار النظرية البلاغية
    العامة. وهذا ما ينسجم مع مباحث علم النفس المعرفي وعلم النفس اللساني
    التي تركز على البعد المعرفي للصور البلاغية؛ كالاستعارة والكناية والحكي[27].

    وقد كان لاعتماد مفهوم الانزياح من لدن بعض الباحثين العرب،
    ( محمد العمري 1990)، خاصة في قراءتهم للتراث البلاغي العربي، نتائج من
    الصعب التسليم بها، مثل اعتبار القرآن الكريم معيارا للانزياحات الصوتية
    في الشعر، والمماثلة بين المدارس الشعرية الحديثة والبلاغة العربية
    القديمة.

    الخلاصة، إذن، أن " نسق الانزياح " ظل مشدودا بشكل نسبي إلى
    البلاغة الكلاسيكية بالعودة إلى أمثـلتها ومصنفاتها، وإلى مصطلحFigure
    وتصنيفاته بالرغم من محاولات البنيوية الشعرية توجيهه نحو بلاغة خاصة؛ هي
    بلاغة الشعر، ناهيك عن أن تفسير الصورة البلاغية في ضوء مفهوم الانزياح،
    يطرح - كما رأينا - صعوبات نظرية وتطبيقية عديدة. ومن ثم، ننظر في " نسق
    التحول" عند جماعة Mu، بحيث نبحث في طبيعة مقاربته للمفهوم السابق (
    الانزياح )، وعلاقته بالبلاغة القديمة، وبمفهوم الصور البلاغية.



    3.3 . الصورة البلاغية تــحــــــــول



    يمكن اعتبار البلاغة العامة لجماعة m (1982)، امتدادا نظريا
    لبلاغة الشعر( جماعة m 1977)، حيث تم تعميم مبدأ الوظيفة البلاغية على
    مختلف الخطابات. وقد جاءت تنظيرات الجماعة للبلاغة البصرية (1992)، لتكمل
    حلقة الاتجاه البلاغي العام، انطلاقا من استراتيجية الاستفادة من البلاغة
    الكلاسيكية، والانفتاح على حقول معرفية معاصرة، مثل، علم النفس المعرفي،
    ونظريات الإعلام والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى الحقول اللسانية
    والسيميائية. لقد دأبت هذه الجماعة على رسم معالم بلاغة عامة جديدة منذ
    سنة (1977)، إذ ركزت، مثلا، على جعل بنية الزمان داخل التراكب، خاصية
    لغوية مشتركة بين مختلف الخطابات. وهذا ما يعتبر، في نظري، تثبيتا لدعائم
    البلاغة العامة بمفهومها الأرسطي القديم، وتدعيما لفرضيتنا المدافعة عن
    أطروحة " نسق الوحدة " المميزة للبلاغة الغربية. ومن هنا، نتساءل: كيف
    يحضر مفهوم " الوجه البلاغي " عند الجماعة ؟



    تعتمد البلاغة العامة أساسا على تقطيع الخطاب إلى وحدات
    صغرى، حيث نجد طبقات من المستويات سواء على مستوى الدال أو المدلول. ذلك
    أن المستوى الواحد يحوي وحدات كثيرة مدمجة داخل وحدة نظام أعلى، وكل وحدة
    منها تدمج بدورها وحدات نظام أدنى [28]
    . غير أن هذا التقطيع يمكن أن يصل إلى مستوى ذري ( Atomique ) يتعذر
    تقسيمه؛ يتمثل على مستوى الدال في « الخصائص المميزة " ( Traits
    Distinctifs ) ، وعلى مستوى المدلول في " المقومات " ) (Sèmes . ومن ثم،
    فإن مستويات التمفصل تفرز صورا بلاغية تنعتها الجماعة "بالتحولات "
    (Métaboles)[29]
    التي تشكل في ذاتها انتقالات وتحولات داخل البنية الشجرية للتمفصل . وإذا
    كانت هناك علاقات بين مستويات هذا التمفصل، فإن الصور البلاغية ترتبط بها
    متجاورة ومتقاربة ( مثل الإبدال على مستوى التراكب: Contrepet ( إذ قلما
    توجد المستويات متباعدة [30] . وهكذا يترتب عن هذا التقطيع الإجرائي تعيين الصور البلاغية ضمن أربعة حقول أساسية:

    أ - تحولات الكلمة على مستوى العبارة ( Métaplasmes )، وهي
    تشتغل على الجانب الصوتي والخطي للكلمة، مثل القوافي و" تشاكلات الصوامت "
    ( Allitérations ) .

    ب - تحولات الجملة على مستوى العبارة ( Métataxes )، وهي جمع
    للتراكبات والمورفيمات المتوفرة على نظام، والقابلة للتكرار. مثل: قلب
    العبارة ( Chiasme ).

    ج - تحولات الكلمة على مستوى المحتوى ( Métasémèmes ) التي
    تعمل على تعويض شبكة من المقومات النووية بأخرى، مثل التشبيه والمجاز
    المرسل والاستعارة والكناية....

    د - تحولات الجملة على مستوى المحتوى (Métalogismes) التي
    تجعل من الجملة جمعا لمقومات مركزة في كلمات ذات نظام وقابلة للتكرار مثل
    المبالغة والمقابلة [31].



    ما يلاحظ على هذا التصنيف مبدئيا، أنه لم يتخل عن النواة
    الصنافية للبلاغة الكلاسيكية. ذلك أن التقطيع عند الجماعة يأخذ بعين
    الاعتبار الثنائية الكبرى ؛ عبارة / محتوى ، التي تؤطر طبقات صرفية
    وتركيبية ودلالية ومنطقية . وهذا ما يوازي - في نظرنا - تصنيف فونطانيي
    للصور البلاغية على أساس الكلمة والدلالة والجملة أو الأسلوب. إضافة إلى
    ذلك، فقد حافظ مصنف الجماعة على المفهوم كما هو وارد في البلاغة
    الكلاسيكيـة. وما يبرهن على هذا القـول، الجدول (1).











    العبارة



    المحتوى



    أ) تحولات الكلمة

    ب) تحولات الجملة

    ج) تحولات الكلمة

    د) تحولات الجملة

    العمليات

    م. المورفولوجي

    م.التركيبي

    م. الدلالي

    م. المنطقي

    I - الحذف :

    1.1- جزئي

    * الترخيم.(استهلالي أو جوفي...) .

    * إدغام وصل.

    * التشبيه.

    * الاستعارة في الحضور.

    * الإثبات بالنفي.

    2.1- تام

    * الحذف.

    * إيجاز حذف.

    * اللامعنى.

    * تعليق.

    * استغناء.

    II - الزيادة :

    1.2- بسيطة

    * فك الإدغام.

    * زيادة بادئة أو لاحقة.

    * الاعتراض.

    * المجاز المرسل.

    * المبالغة.

    2.2- تكرارية

    * القافية.

    * تشاكل الصوامت أو الصوائت.

    * التماثل.

    غير موجودة

    * الطباق.

    * الحشو.

    III-الحذف-الزيادة :

    1.3- جزئي

    * الإيهام.

    * التعليق المعنوى

    * الفصل.

    * الاستعارة في الغياب.

    * التلميح.

    2.3- تام

    * التوليد.

    * الاشتقاق.

    * قلب العبارة

    * الكناية.

    * التمثيل.

    3.3- سالب

    غير موجود

    غير موجود

    * المناقضة أو الاستحالة.

    * السخرية.

    IV - الاستبدال :

    1.4- كيفما كان

    * الإبدال

    * القلب الصوتي (جناس القلب ) .

    * التقديم والتأخير.

    غير موجود

    * قلب منطقي،

    2.4- بواسطة القلب

    * تشاكل الطرد أو العكس

    * القلب.

    غير موجود

    قلب كرونولوجي.

    (1)- التحولات البلاغية العامة [32] ( Métaboles )

    أولى الملاحظات المستخلصة من هذا الجدول، أنه يتضمن صورا
    بلاغية للخطاب بمعناه العام، إذ تتنوع وفق تحولات الكلمة والجملة على
    المستوى المورفلوجي والتركيبي والدلالي والمنطقي. ومن ثم، يمكن طرح
    تساؤلات تشككية حول جدوى تبني مفهوم الانزياح ضمن إطار البلاغة العامة.

    ينضاف إلى ذلك، هيمنة الثنائية التقليدية ( دال / مدلول،
    عبارة /محتوى ) على هذا التقطيع الذي يخلط، في الآن ذاته، بين الصورة
    البلاغية بمعناها الدقيق مثل " الاستعارة "، وبين الخاصية التعبيرية، مثل
    " السخرية "، و بين النوع، مثل " الحكاية الساخرة ". كما أننا نجد في هذا
    الجدول، تحولات الكلمة والجملة من جهة على مستوى العبارة، ومن جهة أخرى،
    على مستوى المحتوى، مما يحيل على تهميش لمبدأ التفاعل بين هاته المستويات
    مجتمعة. هذا زيادة على الغموض الذي يكتنف توزيع الصور البلاغية في الجدول.
    فمثلا، " قلب العبارة " يوضع أمام عملية " الحذف " الزيادة " التامة، ويتم
    إقصاؤه من عملية " الاستبدال بواسطة القلب ".

    وأخيرا، يمكن القول بأن هذا المنصف لم يخرج عن مفهوم معظم
    الصور البلاغية الواردة في المصنفات البلاغية الكلاسيكية، بحيث إن عمليات
    مثل الحذف والزيادة والقلب، ليست غريبة عن هذه البلاغة.

    بيد أن المثير للجدل في النظرية البلاغية عند جماعة m ،
    كونها تميل إلى صياغة نموذج بلاغي عام في الوقت الذي لا تستطيع فيه التخلي
    عن مفهوم أساس دافعت عنه البنيوية الشعرية ، هو" الانزياح ". وذلك في سياق
    دفاع الجماعة من جهتها على ما تسميه " بالشعرية التجريبية ". فكيف نفسر
    هذه المفارقة ؟ أو بالأحرى ما السبيل إلى رفعها ؟



    لنبدأ، أولا، بتحديد هذا المفهوم عند الجماعة (1982).



    إن البلاغة العامة أو " الأصلية " تمكن من معرفة النظرية
    العامة لتحولات اللغة، سواء أتعلق الأمر بالخطاب الشعري أو الحكائي أو
    العامي - الشعبي. وهنا، تتموضع وبدرجات متفاوتة، ظواهر أساسية هي الدرجة
    الصفر، والانزياح والتعاقد.

    فالدرجة الصفر " خطاب بسيط وبدون زخارف ". إنها تمثل
    المقومات الضرورية للخطاب، وهي ما ينتظره القارئ من وضع محدد، انطلاقا من
    افتراضاته ومعارفه الشخصية. ومن ثم، فالدرجة الصفر معيار يتكون من مجموع
    أجزاء الشفرة اللغوية من خط ونحو ومعنى... إلخ. غير أن ما يضمن الحفاظ على
    هذا المعيار هو " الإطناب ". فإذا تعرض الخطاب إلى حذف بعض الوحدات
    الدلالية، ظل مع ذلك قابلا للفهم بفضل خاصية الإطناب التي تمثل في ذاتها،
    " تصحيحا ذاتيا " ( Autocorrection ). وهكذا فالصورة البلاغية، هي التي
    تغير مجموع الإطناب، إما بتقليصه أو بتوسيعه، لأن كل ميدان للبلاغة يتم
    لعبه داخل منطقة إطناب اللغة وبذلك، فتغيير صورة الإطناب تعني وجود
    "انزياح " من داخل اللغة ذاتها، حيث تبدو الانزياحات بالمعنى البلاغي "
    تغيرا محسوسا من الدرجة الصفر.

    إن الانزياح البلاغي، عند الجماعة، يهدف إلى خلق آثار "
    شعرية "، وهو بالتالي، يوجد في الشعر والحكي بل وفي لغة العامة. ثم إنه
    إذا كان تغيرا محليا للدرجة الصفر، فإنه لا يمثل أية خاصية نسقية، لأنه
    غير متوقع دائما. وبذلك يقابل تغيرا آخر يتسم بالنسقية هو التعاقد
    Convention )) الذي يأخذ عند الجماعة، خلافا للمنظور البنيوي الشعري، نفس
    القيمة الجمالية للانزياح، بل يمكن اعتباره شكلا من أشكاله تهدف الرسالة
    من ورائه إلى إثارة انتباه المتلقي، كما تؤطره بعض الصور البلاغية، مثل "
    القافية ".

    وإذا كان الخطاب الأدبي يستخدم الانزياحات والتعاقدات على
    السواء، فهذا معناه تعاقب عمليتين متقابلتين. الأولى تقلص الإطناب، وهي "
    الانزياح "، والثانية تعززه، ويمثلها التعاقد في شكل موازنة بين الإطنابات
    بهدف حفظ وضوح الر

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 6:33 pm