تحليل الخطاب
هبة عبد المعز أحمد
03/03/2009
قراءات: 4534
يهدف الخطاب إلى إعطاء وصف صريح للوحدات اللغوية تحت الدراسة، وذلك من خلال بعدين لهذا الوصف هما:
كمايهدف الخطاب إلى فك شفرة النص بالتعرف على ما وراءه من افتراضات أو ميولفكرية أو مفاهيم؛ فتحليل الخطاب عبارة عن محاولة للتعرف على الرسائل التييود النص أن يرسلها، ويضعها في سياقها التاريخي والاجتماعي، وهو يضمر فيداخله هدف أو أكثر، وله مرجعية أو مرجعيات وله مصادر يشتق منها مواقفهوتوجهاته(2)، إن الخطاب أكبر من النص، وأشمل من الأيديولوجيا، ويؤثر في نوعية وكيفية استخدام اللغة.
يتطلب تحليل الخطاب استرجاع الظروف التي أدت إلى إنتاج النص، وهو ما نسميه بتحليل السياق؛ فالسياق جزء أساسي من عملية تحليل الخطاب(4)،لا تعتمد العمليات الاتصالية فقط على السياق حتى تفهم، بل إنها تغير ذلكالسياق، ويمكن أن ننشئ داخل السياق النصي سياقًا آخر له مسرده الخاص منالمؤشرات وبالفعل يمكن إقحام سياقات جديدة داخل السياقات المركبة(5).
مفهوم الخطاب :
الخطاب Discourse لفظ مشتق من الأصل اللاتيني Discoursus أو Discourere، وتعنى في اللاتينية الحوار، وكماانتقل إلينا عدد من المصطلحات الغربيّة، كالبنيوية، والتفكيكية، أوالتشريحية...، انتقل إلى ساحتنا العربيّة، مصطلح الخطاب مؤكداّ أثناءعملية انتقاله فروقًا واضحةً في الفهم والتعريف من دارس إلى آخر(6)، فقد تعددت الدلالات والمفاهيم الخاصة بالخطاب بتعدد مجالات الدارسين وتخصصاتهم، مما أدى إلىفرض كل حقل معرفي مسلماته وإشكالياته على المفهوم، فبينما يضيقه البعضليقتصر على أساليب الكلام والمحادثة، يوسعه البعض ليجعله مرادفًا للنظامالاجتماعي برمته(7).
تعريف الخطاب :
ابتكر هاريس مصطلح الخطاب وعرفه بقوله:
"إنالخطاب منهج في البحث في أيما مادة مشكلة من عناصر متميزة ومترابطة فيامتداد طولي سواء أكانت لغة أم شيئا شبيها باللغة، ومشتمل على أكثر منجملة أولية، إنها بنية شاملة تشخص الخطاب في جملته.. أو أجزاء كبيرة منه(".
يعرفه بنفنست (Benvenist) بأنه "كل تلفظ يفترض متكلمًا ومستمعًا، بحيث يحاول المتكلم التأثير على المستمع بطريقة ما".
ويعرفه تودروف (Todrouf) إنه "أي منطوق أو فعل كلامي يفترض وجود راوٍ ومستمع وفي نية الراوي التأثير على المستمع بطريقة ما".
ويعرف فوكو(Mechal Fouco) الخطاب أنه "النصوص والأقوال كما تعطي مجموع كلماتها ونظام بنائها، وبنيتها المنطقية، أو تنظيمها البنائي".
ويعرفه هارتمان وستورك (Hartman& Stork) أنه "نص محكوم بوحدة كلية واضحة يتألف من صيغ تعبيرية متوالية تصدر عن متحدث فرد يبلغ رسالة ما".
يرى الفرنسي أوليفي روبول أن المقصود بالخطاب عدةمعانٍ:
المعنى الشائع: أن الخطاب مجموعة منسجمة من الجمل المنطوقة.
المعنى اللساني المختزل: أن الخطاب عبارة عن متوالية من الجمل المشكلة لرسالة.
المعنى اللساني الموسع: أن الخطاب عبارة عن مجموعة من الرسائل بين أطراف مختلفة تعرض
طبائع لسانية مشتركة ...(9).
ويعرفه(بييرف زيما) أنه "وحدة أكبر من الجملة ، تولد من لغة جمالية وتعبر بنيتهاالدلالية (كبنية عميقة) جزءاً من شفرة، ويمكن تمثيل مسارها التركيبيالنحوي بواسطة نموذج تشخيصي سردي".
الخطاب والنص:
يشيراختلاف مصطلح كل من الخطاب Discourse والنصText في اللغة الإنجليزية إلىوجود دلالة لكل مصطلح(10)، وتتعدد وجهات النظر في هذا الشأن؛ فبعضالدارسين يرى أنه لا يوجد فرق بين النص والخطاب؛ وذلك لأن كلاهما مرتبط بحقل الدراسات اللغوية، وكلاهما يبحث في البناء والوظيفة لوحدات اللغة،ويرى آخرون أن النص غير الخطاب؛ فالخطاب يتشكل من نصوص وممارسات اجتماعية،وقد ميز هودج وكريس بين النص والخطاب من ناحية المفاهيم والإجراءاتالنظرية والمنهجية والأهداف، فالخطاب هو العملية الاجتماعية التي تكونالنصوص متضمنة فيها، وتحليل النص جزء من تحليل الخطاب في البحوثالاجتماعية(11).
ومنالضروري أن نميز بين التعامل مع اللغة نصاً والتعامل معها خطاباً، فدراسةاللغة نصاً يستلزم دراسة كل الوحدات التبليغية المتماسكة من حيث التركيبالبنائي لنقل الخطاب، أما الخطاب فهو العملية المعقدة من التفاعل اللغويبين المتحدثين والمستقبلين للنص(12).
وكما يقول Fairclough:عندما ننظر للغة بوصفها خطاباً وممارسة اجتماعية، فإننا نلتزم ليس فقطبتحليل النص و عمليات الإنتاج، ولكن بتحليل العلاقات بين النص والإجراءات،وظروفها الاجتماعية المتعلقة بظروف السياق والمتعلق بالظروف الأبعد خاصةبالتراكيب الاجتماعية والمؤسساتية(13).
إنأسلوب تحليل الخطاب لا يقف عند حد البنية السطحية للنصوص، إنما يتجاوزهاإلى محاولته القراءة التأويلية للنص نحو استنطاق مختلف الرموز والإشاراتالتي يحيل إليها النص، أو ما يعبر عنه بما لم يقله النص أو ما سكت عنه النص.
ويرىسعيد يقطين أن النص أشمل من الخطاب منطلقاً في رأيه من التصورات البنيويةللنص التي فتحته وجعلته عملية إنتاجية غير مرتبطة بالمؤلف، وسمحت بتعدددلالته، وتفاعله مع نصوص أخرى(14).
الخطاب والسلطة (القوة):
طرح ميشيل فوكو نظرة متميّزة للخطاب حين ربطه بالسلطة، وإذا كان هناكارتباط وثيق بين السلطة والخطاب، كما ذهب فوكو؛ فإنّ ذلك ليس مجرّد تخطيط،وتنظيم من قبل السلطة فحسب، وإنما علاقة تجمع بين اللغة وأنماط الهيمنةالاجتماعية(15).
ويتفقفان ديك وروث ووداك وفيركلاو على أن ممارسة القوة في المجتمعاتالديمقراطية الحديثة لم تعد تعتمد على الإكراه بالدرجة الأولى بل علىالإقناع الذي بات أحد العناصر الحاسمة للوصول بالخطاب لمختلف الفئات الاجتماعيةلهذا التحليل للعلاقات، ولاشك أن الاتفاق على فكرة الهيمنة عبر الإقناع وتحقيق إجماع وتعدد شكلي داخلالمجتمع، أو ما يعرف بالهيمنة الناعمة، هو ما دفع مدارس التحليل النقديللخطاب نحو الاهتمام بتحليل الخطاب الإعلامي، الذي يعكس عملية الصراعوالهيمنة عبر الإقناع وتزييف وعي الجماهير(16).
الخطاب والأيدلوجية:
يرىفان ديك أن الأيديولوجية هي النظم الأساسية التي يتم من خلالها إدراك،وتنظيم المواقف الاجتماعية، وتسيطر بشكل غير مباشر على تشكيل سياق الخطاب،ومن التحليل الدلالي لهياكل الخطاب نرصد الأيديولوجيات(17)،إن وجود أكثر من خطاب يؤدي إلى الصراع فيما بينها، وبما أن الأيديولوجيةهي التي تشكل مفاهيمنا لذواتنا، وللعالم من حولنا؛ فإن الصراع الأيديولوجيهو جوهر تركيب تسعى الأيديولوجيات إلى سد الفجوة بين الإدراك الاجتماعيوالإدراك الشخصي، ومعرفة اللغة والخطاب يشكل الإدراك الاجتماعي المشتركللأفراد والجماعات(18).
والإعلام: هو التعبير الموضوعي عن عقلية الجماهير واتجاهاتها؛ فهو من أهم مؤسسات التشكيل الثقافي، ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن جميع مصادر التشكيل الثقافي على تنوعها أصبحت بحوزة الإعلام(19).
الخطاب والحديث (الحوار):
عرّف موشلر الخطاب على أنه "الحوار" ثم قام بإجراءتحليلاته للخطاب وكانت توحي بتأثره بآراء مدرسة بيرفكام التي حصرت الخطابفي "الحوار"، والتي أثرت في تعريفات العديد من اللسانيين الذين يكتبون الإنجليزيةمثل: مايكل هوو في كتابه" حول ظاهر الخطاب" الذي أكد بأنه سيتعامل مع الخطابباعتباره "المونولوج" شفوياً كان أم كتابياً(20)، يمكن إفساح المجال لنوع مختلف من
التفسيربني على منتجات وسائل الإعلام الموجهة للعامة(21) الخطابفي الإعلام يتمثل في مختلف فنونه التحريرية والإخراجية ، مثل المادةالمكتوبة في الصحف، والمسموعة في الإذاعة المسموعة، والمرئية المسموعة فيالإذاعة المرئية، المرئية المقروءة في شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)(22).
وفي تـاريـخ اللسـانـيات نـجـد أن علـماء الـلغة يـفرقون بـين (الخطـاب)،و(الحديث)، ذلك أن (الحديث) يمكن أن يجمع في عينة لغوية واحدة، ويحلل إلىعناصر صغرى بدءاً بالصوت (الفونيم)؛ لأنه أصغر وحدة، بينما تحليل الخطابيسير في اتجاه أخر، إذ إن الجملة هي الوحدة الصغرى التي يحلل إليها(23).
(1) محمود عكاشة، لغة الخطاب السياسي، دراسة لغوية تطبيقية في ضوء نظرية الاتصال، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 2002، ص ب
(2) أحمد زايد، صور من الخطاب الديني المعاصر، القاهرة: دار العين للنشر والتوزيع، 2007، ص 21 - 22.
(4) على بن شويل القرني، الخطاب الإعلامي العربي، المجلة المصرية لبحوث الإعلام، العدد الأول، يناير 1997، ص39.
(5) ج . ب . براون ،بول و.ج، تحليل الخطاب، ترجمة وتعليق محمد لطفي الزلطنى، منير التركي، الجامعة الملك سعود ، 1997، ص 59.
(6) محمد ناصر الخوالده، مفهوم الخطاب كوسيلة اتصالية:
http://www.shrooq2.com/vb/showthread.php?t=1490
(7) محمد صفار تحليل الخطاب وإشكالية نقل المفاهيم، رؤية مقترحة، مجلة النهضة، المجلد السادس، العدد الرابع، أكتوبر، 2005، ص 100
( ديان مكدونيل: مقدمة في نظريات الخطاب، ترجمة د.عز الدين إسماعيل، القاهرة: المكتبة الأكاديمية، ط1، 2001، ص 30
(9) أوليفيي روبو:لغة التربية تحليل الخطاب البيداغوجي، ترجمة عمر أوكان، القاهرة: أفريقيا الشر ،2002، ص ص 41-42
(10) سمير شريف استيتية: اللغة وسيكولوجية الخطاب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ، 2000 ، ص 15، و محمود عكاشة، لغة الخطاب السياسي، مرجع سابق، ص 23
(11) Norman Fairclough, Discourse and Text: Linguistic and Intertextual Analysis within Discourse Analysis , Discourse & Society, Vol. 3, No. 2 , 1992 , 193-217
(12) R. Fowler, linguistic Criticism,oxford university press, 1995, pp 80-90.
(13) N, Failclough , Language and Power , London: Longman, 1990 , p 26
(14) ) سعيد يقطين: من النص إلي النص المترابط ، مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي، بيروت، الدار البيضاء: المركز الثقافي العرب، ط1، 2005، ص ص 116- 121.
(15) Colin B. Grant, Destabilizing Social Communication Theory, Culture & Society, Vol. 20, No. 6 , 2003 , 95-119.
(16) Teun A. van Dijk, Discourse Semantics and Ideology, Discourse & Society, Vol. 6, No. 2 , 1995, p253.
(17) Teun A. van Dijk , Discourse Semantics and Ideology, Op. cit , pp 243-289
(18) Teun A. van Dijk , Ideological Discourse Analysis,
http://www.daneprairie.com/ .
(19) سالم مبارك الفلق، اللغة العربية التحديات والمواجهة،
http://www.saaid.net/book/8/1453.doc
(20) Martyn Hammersley,Conversation Analysis and Discourse Analysis: Methods or Paradigms?, Discourse & Society, Vol 14, No 6 , 2003 , pp 751-781.
(21)Sophie Moirand , Communicative and Cognitive Dimensions of Discourse on Science in the French Mass Media , Discourse Studies, 2003 , Vol 5, No 2 , 175-206
(22) ابتسام الغفير، الخطاب الإعلامي المتوازن ، 2/10/2007
http://www.difaf.net/modules.php?name=News&file=article&sid=598
(23) د . حميدة سميسم، الخطاب ا
لإعلامي العراقي، مؤتمر الأعلام الأول، جامعة بغداد، كلية الآداب، قسم الأعلام، 2001 ، ص2.
هبة عبد المعز أحمد
هبة عبد المعز أحمد
03/03/2009
قراءات: 4534
يهدف الخطاب إلى إعطاء وصف صريح للوحدات اللغوية تحت الدراسة، وذلك من خلال بعدين لهذا الوصف هما:
- النص Text: يعنى بنية الخطاب الداخلية التي تتآلف منها المفردات، والتراكيب، والجمل.
- السياق Context: ويعنى دراسة الخطاب في ضوء الظروف الخارجية والمؤثرات المباشرة عليه وظروف إنتاجه، والخطاب الصحفي خطاب اجتماعي يرتبط بالمجتمع الذي يوجه إليه ويحمل قيمه(1).
كمايهدف الخطاب إلى فك شفرة النص بالتعرف على ما وراءه من افتراضات أو ميولفكرية أو مفاهيم؛ فتحليل الخطاب عبارة عن محاولة للتعرف على الرسائل التييود النص أن يرسلها، ويضعها في سياقها التاريخي والاجتماعي، وهو يضمر فيداخله هدف أو أكثر، وله مرجعية أو مرجعيات وله مصادر يشتق منها مواقفهوتوجهاته(2)، إن الخطاب أكبر من النص، وأشمل من الأيديولوجيا، ويؤثر في نوعية وكيفية استخدام اللغة.
يتطلب تحليل الخطاب استرجاع الظروف التي أدت إلى إنتاج النص، وهو ما نسميه بتحليل السياق؛ فالسياق جزء أساسي من عملية تحليل الخطاب(4)،لا تعتمد العمليات الاتصالية فقط على السياق حتى تفهم، بل إنها تغير ذلكالسياق، ويمكن أن ننشئ داخل السياق النصي سياقًا آخر له مسرده الخاص منالمؤشرات وبالفعل يمكن إقحام سياقات جديدة داخل السياقات المركبة(5).
مفهوم الخطاب :
الخطاب Discourse لفظ مشتق من الأصل اللاتيني Discoursus أو Discourere، وتعنى في اللاتينية الحوار، وكماانتقل إلينا عدد من المصطلحات الغربيّة، كالبنيوية، والتفكيكية، أوالتشريحية...، انتقل إلى ساحتنا العربيّة، مصطلح الخطاب مؤكداّ أثناءعملية انتقاله فروقًا واضحةً في الفهم والتعريف من دارس إلى آخر(6)، فقد تعددت الدلالات والمفاهيم الخاصة بالخطاب بتعدد مجالات الدارسين وتخصصاتهم، مما أدى إلىفرض كل حقل معرفي مسلماته وإشكالياته على المفهوم، فبينما يضيقه البعضليقتصر على أساليب الكلام والمحادثة، يوسعه البعض ليجعله مرادفًا للنظامالاجتماعي برمته(7).
تعريف الخطاب :
ابتكر هاريس مصطلح الخطاب وعرفه بقوله:
"إنالخطاب منهج في البحث في أيما مادة مشكلة من عناصر متميزة ومترابطة فيامتداد طولي سواء أكانت لغة أم شيئا شبيها باللغة، ومشتمل على أكثر منجملة أولية، إنها بنية شاملة تشخص الخطاب في جملته.. أو أجزاء كبيرة منه(".
يعرفه بنفنست (Benvenist) بأنه "كل تلفظ يفترض متكلمًا ومستمعًا، بحيث يحاول المتكلم التأثير على المستمع بطريقة ما".
ويعرفه تودروف (Todrouf) إنه "أي منطوق أو فعل كلامي يفترض وجود راوٍ ومستمع وفي نية الراوي التأثير على المستمع بطريقة ما".
ويعرف فوكو(Mechal Fouco) الخطاب أنه "النصوص والأقوال كما تعطي مجموع كلماتها ونظام بنائها، وبنيتها المنطقية، أو تنظيمها البنائي".
ويعرفه هارتمان وستورك (Hartman& Stork) أنه "نص محكوم بوحدة كلية واضحة يتألف من صيغ تعبيرية متوالية تصدر عن متحدث فرد يبلغ رسالة ما".
يرى الفرنسي أوليفي روبول أن المقصود بالخطاب عدةمعانٍ:
المعنى الشائع: أن الخطاب مجموعة منسجمة من الجمل المنطوقة.
المعنى اللساني المختزل: أن الخطاب عبارة عن متوالية من الجمل المشكلة لرسالة.
المعنى اللساني الموسع: أن الخطاب عبارة عن مجموعة من الرسائل بين أطراف مختلفة تعرض
طبائع لسانية مشتركة ...(9).
ويعرفه(بييرف زيما) أنه "وحدة أكبر من الجملة ، تولد من لغة جمالية وتعبر بنيتهاالدلالية (كبنية عميقة) جزءاً من شفرة، ويمكن تمثيل مسارها التركيبيالنحوي بواسطة نموذج تشخيصي سردي".
الخطاب والنص:
يشيراختلاف مصطلح كل من الخطاب Discourse والنصText في اللغة الإنجليزية إلىوجود دلالة لكل مصطلح(10)، وتتعدد وجهات النظر في هذا الشأن؛ فبعضالدارسين يرى أنه لا يوجد فرق بين النص والخطاب؛ وذلك لأن كلاهما مرتبط بحقل الدراسات اللغوية، وكلاهما يبحث في البناء والوظيفة لوحدات اللغة،ويرى آخرون أن النص غير الخطاب؛ فالخطاب يتشكل من نصوص وممارسات اجتماعية،وقد ميز هودج وكريس بين النص والخطاب من ناحية المفاهيم والإجراءاتالنظرية والمنهجية والأهداف، فالخطاب هو العملية الاجتماعية التي تكونالنصوص متضمنة فيها، وتحليل النص جزء من تحليل الخطاب في البحوثالاجتماعية(11).
ومنالضروري أن نميز بين التعامل مع اللغة نصاً والتعامل معها خطاباً، فدراسةاللغة نصاً يستلزم دراسة كل الوحدات التبليغية المتماسكة من حيث التركيبالبنائي لنقل الخطاب، أما الخطاب فهو العملية المعقدة من التفاعل اللغويبين المتحدثين والمستقبلين للنص(12).
وكما يقول Fairclough:عندما ننظر للغة بوصفها خطاباً وممارسة اجتماعية، فإننا نلتزم ليس فقطبتحليل النص و عمليات الإنتاج، ولكن بتحليل العلاقات بين النص والإجراءات،وظروفها الاجتماعية المتعلقة بظروف السياق والمتعلق بالظروف الأبعد خاصةبالتراكيب الاجتماعية والمؤسساتية(13).
إنأسلوب تحليل الخطاب لا يقف عند حد البنية السطحية للنصوص، إنما يتجاوزهاإلى محاولته القراءة التأويلية للنص نحو استنطاق مختلف الرموز والإشاراتالتي يحيل إليها النص، أو ما يعبر عنه بما لم يقله النص أو ما سكت عنه النص.
ويرىسعيد يقطين أن النص أشمل من الخطاب منطلقاً في رأيه من التصورات البنيويةللنص التي فتحته وجعلته عملية إنتاجية غير مرتبطة بالمؤلف، وسمحت بتعدددلالته، وتفاعله مع نصوص أخرى(14).
الخطاب والسلطة (القوة):
طرح ميشيل فوكو نظرة متميّزة للخطاب حين ربطه بالسلطة، وإذا كان هناكارتباط وثيق بين السلطة والخطاب، كما ذهب فوكو؛ فإنّ ذلك ليس مجرّد تخطيط،وتنظيم من قبل السلطة فحسب، وإنما علاقة تجمع بين اللغة وأنماط الهيمنةالاجتماعية(15).
ويتفقفان ديك وروث ووداك وفيركلاو على أن ممارسة القوة في المجتمعاتالديمقراطية الحديثة لم تعد تعتمد على الإكراه بالدرجة الأولى بل علىالإقناع الذي بات أحد العناصر الحاسمة للوصول بالخطاب لمختلف الفئات الاجتماعيةلهذا التحليل للعلاقات، ولاشك أن الاتفاق على فكرة الهيمنة عبر الإقناع وتحقيق إجماع وتعدد شكلي داخلالمجتمع، أو ما يعرف بالهيمنة الناعمة، هو ما دفع مدارس التحليل النقديللخطاب نحو الاهتمام بتحليل الخطاب الإعلامي، الذي يعكس عملية الصراعوالهيمنة عبر الإقناع وتزييف وعي الجماهير(16).
الخطاب والأيدلوجية:
يرىفان ديك أن الأيديولوجية هي النظم الأساسية التي يتم من خلالها إدراك،وتنظيم المواقف الاجتماعية، وتسيطر بشكل غير مباشر على تشكيل سياق الخطاب،ومن التحليل الدلالي لهياكل الخطاب نرصد الأيديولوجيات(17)،إن وجود أكثر من خطاب يؤدي إلى الصراع فيما بينها، وبما أن الأيديولوجيةهي التي تشكل مفاهيمنا لذواتنا، وللعالم من حولنا؛ فإن الصراع الأيديولوجيهو جوهر تركيب تسعى الأيديولوجيات إلى سد الفجوة بين الإدراك الاجتماعيوالإدراك الشخصي، ومعرفة اللغة والخطاب يشكل الإدراك الاجتماعي المشتركللأفراد والجماعات(18).
والإعلام: هو التعبير الموضوعي عن عقلية الجماهير واتجاهاتها؛ فهو من أهم مؤسسات التشكيل الثقافي، ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن جميع مصادر التشكيل الثقافي على تنوعها أصبحت بحوزة الإعلام(19).
الخطاب والحديث (الحوار):
عرّف موشلر الخطاب على أنه "الحوار" ثم قام بإجراءتحليلاته للخطاب وكانت توحي بتأثره بآراء مدرسة بيرفكام التي حصرت الخطابفي "الحوار"، والتي أثرت في تعريفات العديد من اللسانيين الذين يكتبون الإنجليزيةمثل: مايكل هوو في كتابه" حول ظاهر الخطاب" الذي أكد بأنه سيتعامل مع الخطابباعتباره "المونولوج" شفوياً كان أم كتابياً(20)، يمكن إفساح المجال لنوع مختلف من
التفسيربني على منتجات وسائل الإعلام الموجهة للعامة(21) الخطابفي الإعلام يتمثل في مختلف فنونه التحريرية والإخراجية ، مثل المادةالمكتوبة في الصحف، والمسموعة في الإذاعة المسموعة، والمرئية المسموعة فيالإذاعة المرئية، المرئية المقروءة في شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)(22).
وفي تـاريـخ اللسـانـيات نـجـد أن علـماء الـلغة يـفرقون بـين (الخطـاب)،و(الحديث)، ذلك أن (الحديث) يمكن أن يجمع في عينة لغوية واحدة، ويحلل إلىعناصر صغرى بدءاً بالصوت (الفونيم)؛ لأنه أصغر وحدة، بينما تحليل الخطابيسير في اتجاه أخر، إذ إن الجملة هي الوحدة الصغرى التي يحلل إليها(23).
(1) محمود عكاشة، لغة الخطاب السياسي، دراسة لغوية تطبيقية في ضوء نظرية الاتصال، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 2002، ص ب
(2) أحمد زايد، صور من الخطاب الديني المعاصر، القاهرة: دار العين للنشر والتوزيع، 2007، ص 21 - 22.
(4) على بن شويل القرني، الخطاب الإعلامي العربي، المجلة المصرية لبحوث الإعلام، العدد الأول، يناير 1997، ص39.
(5) ج . ب . براون ،بول و.ج، تحليل الخطاب، ترجمة وتعليق محمد لطفي الزلطنى، منير التركي، الجامعة الملك سعود ، 1997، ص 59.
(6) محمد ناصر الخوالده، مفهوم الخطاب كوسيلة اتصالية:
http://www.shrooq2.com/vb/showthread.php?t=1490
(7) محمد صفار تحليل الخطاب وإشكالية نقل المفاهيم، رؤية مقترحة، مجلة النهضة، المجلد السادس، العدد الرابع، أكتوبر، 2005، ص 100
( ديان مكدونيل: مقدمة في نظريات الخطاب، ترجمة د.عز الدين إسماعيل، القاهرة: المكتبة الأكاديمية، ط1، 2001، ص 30
(9) أوليفيي روبو:لغة التربية تحليل الخطاب البيداغوجي، ترجمة عمر أوكان، القاهرة: أفريقيا الشر ،2002، ص ص 41-42
(10) سمير شريف استيتية: اللغة وسيكولوجية الخطاب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ، 2000 ، ص 15، و محمود عكاشة، لغة الخطاب السياسي، مرجع سابق، ص 23
(11) Norman Fairclough, Discourse and Text: Linguistic and Intertextual Analysis within Discourse Analysis , Discourse & Society, Vol. 3, No. 2 , 1992 , 193-217
(12) R. Fowler, linguistic Criticism,oxford university press, 1995, pp 80-90.
(13) N, Failclough , Language and Power , London: Longman, 1990 , p 26
(14) ) سعيد يقطين: من النص إلي النص المترابط ، مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي، بيروت، الدار البيضاء: المركز الثقافي العرب، ط1، 2005، ص ص 116- 121.
(15) Colin B. Grant, Destabilizing Social Communication Theory, Culture & Society, Vol. 20, No. 6 , 2003 , 95-119.
(16) Teun A. van Dijk, Discourse Semantics and Ideology, Discourse & Society, Vol. 6, No. 2 , 1995, p253.
(17) Teun A. van Dijk , Discourse Semantics and Ideology, Op. cit , pp 243-289
(18) Teun A. van Dijk , Ideological Discourse Analysis,
http://www.daneprairie.com/ .
(19) سالم مبارك الفلق، اللغة العربية التحديات والمواجهة،
http://www.saaid.net/book/8/1453.doc
(20) Martyn Hammersley,Conversation Analysis and Discourse Analysis: Methods or Paradigms?, Discourse & Society, Vol 14, No 6 , 2003 , pp 751-781.
(21)Sophie Moirand , Communicative and Cognitive Dimensions of Discourse on Science in the French Mass Media , Discourse Studies, 2003 , Vol 5, No 2 , 175-206
(22) ابتسام الغفير، الخطاب الإعلامي المتوازن ، 2/10/2007
http://www.difaf.net/modules.php?name=News&file=article&sid=598
(23) د . حميدة سميسم، الخطاب ا
لإعلامي العراقي، مؤتمر الأعلام الأول، جامعة بغداد، كلية الآداب، قسم الأعلام، 2001 ، ص2.
هبة عبد المعز أحمد