[b][b][center]تحليل الخطاب
مجلة الموقف الأدبي - مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 361 ايار 2001
*******
نظرية تحليل الخطاب ـــ د. مازن الوعر
عندما يتناول الباحث موضوعاً كهذا تقفز إلى ذهنه أسئلة كثيرة منها:
-كيف يمكننا تحديد الفروق القائمة بين اللغة الرسمية واللغة غير الرسمية؟ بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة؟ بين اللغة الفصحى واللغة العامية؟
-كيف يمكننا تحديد مفهوم الأدب؟ هل يحق لنا أن نتكلم عن الأدب الشفهي الشعبي)؟ وإذا كان ذلك كذلك فما هي صفات هذا الأدب المتميزة؟
-كيف يمكننا تحديد مفهوم الشعر ضمن إطار الأدب؟
-ثم ماذا عن الشعر الشفهي الزجل، العتابا... الخ)؟ كيف يمكننا تمييزه عن الأغنية أو الأنشودة من جهة وعن النثر العادي من جهة أخرى؟
-وأخيراً وليس آخراً، ما هي الصفات المميزة للحكاية الشفهية؟
سوف نستخدم هنا مصطلحين اثنين يعبران عن كل هذه التساؤلات. وبكلمة أدق، إن كل هذه التساؤلات يمكن أن تنتمي إلى هذين المفهومين وهما: اللغة المنطوقة، واللغة المكتوبة.
هناك مواد مكتوبة في الجرائد والمجلات مثلاً) لا يمكن اعتبارها أدباً على الإطلاق.. وفي الوقت نفسه هناك مواد شفهية كالأساطير اليونانية) تعتبر أعمالاً أدبية عالمية. هذه المسألة تطرح سؤالاً عويصاً يدور حول كيفية تحديد مفهوم اللغة الأدبية.
يقترح اللساني الأمريكي وليام برايت)) W.Bright 1982) أن الأدب هو الخطاب أو النص الذي يحمل قيمة جوهرية ذات انتشار وانتقال ديناميكي مستمر في مجتمع من المجتمعات.
ولكن الأدب الشفهي القيم والنافع والمستمر والمنتشر يطرح سؤالاً آخر ذا بعدين متناقضين هو:
-كيف يمكن للأدب أن يكون قيماً ومثقفاً على الرغم من أنه أدب شفهي غير مكتوب؟ والمثال على ذلك الأدب الشفهي القيم والمثقف والواسع الانتشار وهو أدب الإلياذة والأوديسا، ثم أدب الأساطير الهندية القديمة مهابهاراتا - رامايانا - فيداس))، وأخيراً الشعر العربي الجاهلي عندما كان في حالته الشفاهية وقبل أن يدوّن(1) . الواقع أن هذه النصوص الأدبية كانت بالأصل شفهية ثم سجلت وانتقلت إلينا عبر الكتابة. وإذا قرأنا هذه النصوص على حدين بصوتٍ عالٍ فإننا سنعيدها إلى صفتها الشفهية.
نستنتج من ذلك أن الفرق بين الكلام والكتابة لا يمكن أن يتخذ معياراً أو مقياساً لتحديد أو تعريف الأدب. صحيح أن الأدب الشفهي المألوف يمكن أن يختلف في الكم عن الأدب المكتوب إلا أنهما لا يختلفان أحدهما عن الآخر من حيث النوع والكيف. كثيرة هي الآداب الشفهية التي تصور الموضوعات الفكرية والجمالية نفسها التي تصورها الآداب المكتوبة.
ولكن إلى أيّ حد تستطيع الآداب الشفهية أن تحافظ على نفسها دون تغيير أو تبديل وهي تنتقل من جيل إلى جيل كما هو الأمر في الآداب المكتوبة؟ يرى جاك جودي)) J. Goody 1977) أن الآداب الشفهية يمكن أن تبقى دون تغيير أو تبديل في مستوى البنية ومستوى الاستعمال المتكرر للتعبيرات المقولبة المسكوكة)، أما في مستوى الكلمة المفردة فإنها تتغير وتتبدل.(2)
على أية حال إن الآداب الشفهية تبقى دون تغيير ما دامت القيمة الرفيعة لها تظل ملتصقة بالذاكرة الإنسانية على نحو مضبوط. أضف إلى ذلك أن كثيراً من المناهج والمدارس التي أسست قديماً كانت قد فرضت قواعد صارمة لتعلّم الأدب الشفهي وحفظه من الضياع والتأكد من عدم تغيّره وتبدّله، كما هي الحال في المنهج الذي أسسه العالم الهندي بانيني)) Panini)، ثم قواعد الرواية الصارمة عند العرب القدماء عندما كانوا يتناقلون الأدب شفاهية الرواية مع الدراية كما تقول العرب). حتى إن القواعد التي وضعها بانيني للغة السنسكريتية والتي كانت وصفية ثم أصبحت معيارية، كانت قد وضعت مشافهة دون كتابتها حتى منتصف القرن الثالث قبل الميلاد، أي ولادة النصوص السنسكريتية مكتوبة(3) .
هذا الاعتقاد يمكن دعمه كما يقول لويس رينوا)) L. Renou 1954) من خلال شكل القواعد سوترس Sutras)) التي استعملها بانيني والهندوس الأوائل... تلك القواعد التي سهلت ويسّرت عملية الحفظ والتذكر(4) . وحتى بعد طبع الكتاب الهندي المقدس الفيدا)) لا تزال الوسائل الشفهية لحفظه وتذكره تستعمل حتى وقتنا الحالي.
والواقع أن الغرب المعاصر الذي يتكئ على عكازة الكتابة من أجل العملية التعليمية والتثقيفية يصعب عليه إدراك الطاقات الجبارة للذاكرة الإنسانية التي تمتعت بها شعوب قديمة كالهنود والعرب).
والآن لنحدد مفهوم الشعر. إن المفهوم التقليدي في مجتمعنا والذي ما نزال نأخذ به هو أن الشعر يرجع إلى نص ذي قواعد منظمة على المستوى التركيبي والصوتي والعروضي. وهذا أمر صحيح ذلك أن الشعر لكي يكون شعراً ينبغي أن يكون منظماً على مستوى الشكل من تراكيب وأصوات وقوافٍ وعروض) وعلى مستوى المضمون أهميته وقيمته بالنسبة للمتلقي). إذا حقق الشعر هذه المستويات فإنه سيكون ذا بعد جمالي.
تقترح سالي مكليندون)) S.Mclendon 1982) أن النص الشعري يتألف من عدة أنظمة: صوتية وصرفية ونحوية وعروضية، وقد ترك اللسانيون لنقاد الأدب ما يدعى بالنظام البلاغي الذي يعدُّ من أهم الأنظمة الشكلية التي تؤلف النص الشعري وتؤسس علاقات مضبوطة بين جميع الأنظمة الأخرى(5) .
ينعكس النظام البلاغي في النص المكتوب من خلال أدوات التنقيط وأدوات أسلوبية أخرى كرتبة الكلمات وانزياح المعنى... الخ. أما في النص المنطوق فيتجلى من خلال الوقفة والإشارة والنبرة والنغمة وتوترات الكلام... الخ. هذه الصفات البلاغية تزول عندما يتحول النص من الشفاهية إلى الكتابية، ذلك أن الوقفات في الكلام والنبر وارتفاع الصوت وانخفاضه والسرعة النسبية فيه أو القصدية في التوزيع ودرجات التنفس في أثناء الكلام ودمج الشكل مع المعنى ثم دمج الصفات النغمية فيهما... يسمح ببناء النظام البلاغي في النص الشعري المنطوق، أضف إلى ذلك أن المرء عندما يستعمل أسلوبه الشعري يضيف نكهة بلاغية للمتلقي. هذا بالإضافة إلى الخلفية والحضارية التي ينطلق منها الشاعر لتلوين نصه الشعري بأطياف مختلفة.
النتيجة: هناك بعض الآداب الشفهية القديمة انتقلت إلينا دون تغيير وتبديل على الرغم من أن بعضها الآخر ليس كذلك... وفي الوقت نفسه ينبغي أن نتذكر أن بعض الآداب المكتوبة منذ ظهور الكتابة) لم تنتقل إلينا إلا بعد أن تغيرت وتبدلت.
إن الثبات والتغير في اللغة يطرح علينا السؤال التالي:
كيف يجدّد الأدب الشفهي والكتابي اللغة وعلى أي مستوى من مستوياتها؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نقول إنه من الصعب على الباحث أن يعرّف اللغة ويحددها لأنها في المحصلة الكلية هي: صياغة وتخزين واسترجاع ومعرفة إيصالية وتواصلية وهي بشكلها المنطوق والمكتوب تشكل قوة: قوة الصوت وقوة التوثيق وقوة الإعلام..)) من هنا فإن التغيُّر الذي يفعله الأدب في اللغة له مسوغاته. هذا التغيير يمكن أن يكون نتيجة لعوامل عديدة كما يقترح الباحث اللساني ألتون بيكر)) A. Becker 1982)(6) :
العامل الأول: هو أن السياق الجديد والواقع الفيزيائي الجديد يمكن أن يولدا معاني جديدة في اللغة والمثال على ذلك العالم الجديد الذي انتقل إليه العرب في عصر الفتوحات، والعالم الجديد للأمريكيين في عصر اكتشاف القارات والذي جعلهم يولدون معاني جديدة مختلفة عن المعاني التي كانت سائدة في بلادهم الأصلية. ونحن نعلم أن كل لغة من لغات العالم لها ثلاثة أبعاد: اللغة والطبيعة والفكر))، فاللغة تتألف من إشارات دالة على الطبيعة... والطبيعة هي رمز للروح أو ما ندعوه العقل)). إن الطبيعة صورة عن العقل الإنساني. ذلك لأن الطبيعة المجازية للغة شخص ما تتجلى من خلال ثقافته.
والواقع أن الشخص عندما يتكلم يختار من الطبيعة مجموعة من المعايير لكي يؤسس بنية منسجمة:
(1) سلاسل متقطعة من الكلام.
(2) أبعاد بين المتكلم والمستمع.
(3) الموقف الدرامي الشخصي للمتكلم.
(4) التمييز بين الجنسين.
(5) التقسيم القائم بين الأفعال المتغيرة والأشياء الثابتة.
العامل الثاني من التغير اللغوي: هو أنه لكي نولد لغة جديدة شفهية كانت أو مكتوبة وبعيدة عن الواقع المألوف علينا كما يقول الكاتب إمرسون)) R. Emerson) أن نطور علاقة جديدة مع الطبيعة(7) .
العامل الثالث للتغيير: هو أن المجاز ينبغي أن يكون هدفه واستراتيجيته، أي الابتعاد عن المعيارية والمألوفية. وبعبارة دقيقة رؤية العالم المألوف في طريقة جديدة.
العامل الرابع: هو إمكان الاختيار الذي يمكن أن يحرف اللغة ويبدلها ويولد فيها معاني جديدة.
والواقع إن فلسفة الثبات والتغير في اللغة الشفهية واللغة المكتوبة ينبغي أن تعلمنا كيف نفكر حول اللغة على أنها نظام معرفي، وعالم منظور، وعقل آخر. من هنا فإن النتيجة التي يمكن أن يخرج بها الباحث هي أنه ينبغي أن نغير أنفسنا إلى قرّاء من خلال تخيلنا لعالم يمكن للغة أن تصوره وتعكسه وتتفاعل معه في الوقت نفسه.
إن كل نص أدبي شفهياً كان أم مكتوباً ينبغي عند قراءته أن يُمنح القانون الجوهري للنقد، والحياة المتناغمة مع الطبيعة، والحب الذي يبحث عن الحقيقة والفضيلة، ثم الرغبة التي تطهّر العين من أجل فهم جمالي يعكس العمق الإنساني ويطهره في الوقت نفسه.
هوامش:
(1) Bright, W. 1982 P:271-283). "Literature: Written and Oral". In: Tannen, Ded) 1982). Analyzing Discourse: Text and Talk. Ceorgetown University Press, Washington D.C.
(2) Goody, Jack 1977 P:116-120). The domestication of the savage mind. Cambridge University Press.
(3) Basham A.L 1954 P:387-388). The wonder that was India. New York: Grove.
(4) Renou, Louis 1954 P:144) La Grammaire de Panini. Fasc. 3. Paris: Klincksieck.
(5) Mclendon, S 1982 P:284-305). "Meaning, Rhetorical Structure, and Discourse Organization in Myth". In Tannen, Ded. 1982). Analyzing Discourse: Text and Talk. Georetown University Press, Washington D.C.
(6) Becker, Alton 1982 P:1-11). "On Emerson On Language". In Tannen, D 1982 ed) Analyzing Discourse: Text and Talk. Georgetown University Press. Washington D.C.
(7) Becker, Alton 1982 P:1-11). "On Emerson On Language". In Tannen, D 1982 ed). Analyzing Discourse: Text and Talk. Georgetown University Press. Washington D.C
***************************************************
مجلة الموقف الأدبي - مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 370 شباط 2002
نظرية تحليل الخطاب: النشأة والتطور والبناء ـــ الدكتور: مازن الوعر
مدخل
تتجه الدراسات اللسانية المعاصرة نحو دراسة الخطاب اللساني المنطوق والمكتوب على حد سواء. لقد بينت هذه الدراسات أن هناك فروقاً مهمة بين الخطاب المنطوق والخطاب المكتوب. إن الوظائف اللغوية التي تعمل في ذينك الخطابين هي وظائف تتحدد طبيعتها من خلال ارتباطها بعوامل تفرضها الأنظمة الكتابية والشفهية نفسها رغم وجود تداخل كبير بين هذه الأنظمة كلها. وهذا ما جعل الباحثين يركزون على العلاقات القائمة بين هذه الأنظمة الكتابية والشفهية من جهة وبينها وبين أنظمة العلوم المعرفية الأخرى من جهة ثانية. وقد قادهم البحث في هذه الظواهر إلى محاولة بناء نظرية شمولية قادرة على تحليل الخطاب اللساني، تقوم على أسس علمية معروفة في بناء النظريات الفيزيائية. هذه النظرية يحب علماء اللسانيات الاجتماعية أن يكون لها أبعاد علمية وجمالية في الوقت نفسه لكي تستطيع أن تمس جوهر الطبيعة الإنسانية القابعة في أعماق الخطاب اللساني.
1-تصور مناهج الدراسة في اللسانيات الحديثة
على الرغم من انقضاء حوالي نصف قرن على دعوة اللساني البريطاني جفري فيرث (J.Firth) الباحثين اللسانيين من أجل الالتفات إلى الجانب الكلامي في اللغة، لأنه حسب رأيه "المفتاح لفهم ماهية اللغة وكيفية عملها في الوقت نفسه"(1) إلا أن الدراسة الجدية للخطاب المنطوق ما زالت في بدايتها في حقل اللسانيات. والواقع أن الدراسات الحالية للخطاب المنطوق لم تكن من صنع اللسانيين، بل كانت من الإسهامات التي قام بها علماء الاجتماع وعلماء الأجناس (الأنثروبولوجيا) وعلماء النفس والفلاسفة. وعلى الرغم من أن اللسانيين كلهم يوافقون على أن "الاتصال الإنساني" يجب أن يوصف من خلال مستويات ثلاثة: هي المعنى، والمبنى، والجوهر، إلا أنهم يختلفون حول حدود اللسانيات: من أين تبدأ؟ وأين تنتهي؟
لقد أكد ج. فيرث (1951) أن "الاهتمام الرئيسي للسانيات الوصفية تسجيل الحالات الدلالية للغة"(2). ولكن جزءاً مهماً من معنى الخطاب المنطوق هو نتيجة لتباين المستويين الصوتي والنحوي. ولكي نعزل التباين الدلالي في هذين المستويين علينا أن نستعمل اللغة استعمالاً نظامياً، ولكن شريطة أن يكون هذا الاستعمال لغواً وهراء وكلاماً فارغاً في كلا المستويين الصوتي والنحوي.
إذا وضعنا جملة مثل "ليشرب زيد ماء البحر" في هذين المستويين فإنها لا تفيد شيئاً... ولكننا إذا نقلناها إلى سياق معين فإنها ربما تفيد في ذلك السياق لتدل دلالة خطابية على شيء معين.
ويعني هذا أن فيرث يعتقد أن اللغة في جوهرها طريقة في السلوك وطريقة لجعل الآخرين يسلكون هذا السلوك. ويتبع هذا أن على اللساني أن يهتم باللغة في حالتها السياقية أو حسب مصطلح البلاغيين العرب "في حالتها المقامية". إن اللغة عند فيرث ذات دلالة عندما تكون فقط في سياقها أو مقامها.
ومن جهة أخرى نرى اللساني الأمريكي "ليونارد بلومفيلد" يقود البحث اللساني في اتجاه مخالف تقريباً. فقد وضع المعنى جانباً مركزاً بدلاً من ذلك على المبنى. وطبقاً لرأيه فإن اللساني لا يستطيع أن يعرف المعاني أو يحددها، لذلك عليه أن يستعين بباحثين ينتمون إلى علوم معرفية أخرى.(3)
إن مسألة المعنى عنده مسألة متشابكة تحتاج إلى تضافر جهود معرفية كثيرة لحل إشكالياتها... إن جملة مثل "أنا جائع" يمكن أن يستعملها متسول جائع يستجدي الطعام، ويمكن في الوقت نفسه أن يستعملها طفل عنيد مشاكس يريد أن يتأخر في الذهاب إلى المدرسة عند الصباح أو إلى النوم عند المساء. لقد دافع "بلومفيلد" في كتابة اللغة عن وجهة النظر هذه مؤكداً على اهتمام اللساني بالصفات الصوتية والنحوية والمعجمية المتجلية في النطق الإنساني عامة. فهو لا يريد للساني أن يشرح كيف يمكن أن يكون لجملة واحدة وظائف سياقية مختلفة ولا كيف يمكن للمستمع أن يفك رموز الخطاب لمعرفة معناه.
لقد ركزت اللسانيات البنيوية في أمريكا بعد بلومفيلد على المشكلات المتعلقة بعلم الأصوات وبالوصف الصوتي للغات وبعلم الصرف وبالوصف الصرفي للغات البشرية، ولا سيما المفاهيم المتلعقة بالفونيم والوصف الفونيمي على نحو عام. أي ما يسمى بـ"أساليب الاكتشاف" (Discovery Procedures) التي تهتم بعزل الفونيمات والمورفيمات ثم لتحديد الآلي- الميكانيكي لحدود الفونيم ثم تصنيف الكلمات... الخ.
وعلى الرغم من أن "تشومسكي" اللساني الأمريكي كان قد أدار عجلة اللسانيات باتجاه دراسة الجملة، إلا أن الاهتمامات اللسانية في تلك الفترة كانت ما تزال منصبة على الوصف الشكلي للغات البشرية. يقول تشومسكي بهذا الصدد: "إن الهدف الأساسي للتحليل اللساني هو أن نعزل السلاسل النحوية التي تولد الجمل الصحيحة عن السلاسل غير النحوية التي تولد الجمل الخاطئة ثم أن ندرس البنية التركيبية لهذه السلاسل"(4).
ولكي يثبت تشومسكي استقلالية النحو عن المعنى فإنه قدم مثاله الشهير الذي ليس إلا كلاماً فارغاً غير ذي معنى، على الرغم من أن بناءه وترتيبه سليم قواعدياً. "Colorless green ideas sleep furiasuly" الأحلام الخضراء العديمة اللون تنام بعنف. لقد نقد تشومسكي التحليل اللساني السابق لأن مواد ذلك التحليل وعيناته، على الرغم من أنها كانت كبيرة، إلا أنها ليست ضرورية، ثم إنها لم تكن دقيقة وكافية... فهي لم تشمل أمثلة لكل البنى المحتملة في اللغة، أضف إلى ذلك أنها مواد خاطئة في مستوى الأداء اللغوي، وهذا الخطأ ناتج عن عوامل نحوية غير مناسبة كقصور الذاكرة، وشرود الذهن، والتبدلات في الانتباه والاهتمام، تلك العوامل التي تحصل عند الأشخاص الذين كنا قد حصلنا على المواد اللغوية منهم. وعلى هذا فإن الاهتمام الرئيسي للنظرية اللسانية طبقاً لتشومسكي ينبغي أن ينصب على معرفة "المعرفة العميقة غير الظاهرة للمقدرة اللغوية الموجودة في الدماغ عند المتكلم والمستمع". تلك المقدرة التي يشترك فيها كل بني البشر، والتي يمكن للساني دراستها من خلال انعكاساتها في ِ"الأداء اللغوي" (الإنجاز).
والواقع أن الإسهام الذي حققه تشومسكي وأتباعه كان عظيماً في حقل اللسانيات، إلا أنه مع مرور الزمن بدأت المشكلة اللسانية تتفاقم لتصبح أكثر جدية ودراسة. فالمشكلة حسب رأي نقاد تشومسكي لا تكمن فقط في المفهوم المثالي للمقدرة اللغوية، وإنما تكمن أيضاً في نسبية هذا المفهوم. لذلك أصبح من الضروري أن نتحدث في اللسانيات التوليدية عن درجات القواعدية ودرجات القبولية في اللغة، فهناك أمثلة مهمة وحاسمة اعتبرت على أنها غير نحوية ولكنه تبين أنها "مقبولة في لهجتي أنا". وهكذا، وبمرور الزمن، فإن اللسانيين الاجتماعيين الأمريكيين (Sociolinguistis) في أواخر الستينات أمثال روز، ومكولي، ولايكوف، بدأوا يثبتون أن اللساني لا يستطيع أن يدرس النحو بمعزل عن المعنى. وطبقاً لرأي لايكوف (1972):
"لكي نعرف عمل قواعد لغوية عدة على نحو صحيح علينا أن نرجع إلى السياق الاجتماعي للغة، وكذلك إلى الخلفيات والافتراضات التي يضمنها المتحدثون المشاركون في الخطاب"(5). وهكذا فإن نتائج البحث التجريبي "اللساني- الاجتماعي" دفعت عدة لسانيين في المدرسة التشومسكية لإدراك أهمية السياق ودفعتهم أيضاً لأن ينضموا إلى حقول معرفية أخرى تبحث في العملية الكلامية ضمن سياقاتها المختلفة.
2-المحاولات الأولى لتحليل الخطاب اللساني
على الرغم من أن فيرث، كان قد حث اللسانيين على دراسة اللغة في حالتها السياقية، إلا أنه هو نفسه لم يحقق هذا الهدف، وقد اختار بدلاً منه حقل الصوتيات. ومن يتتبع المحاولات الأولى لتحليل الخطاب سوف يجد أن هناك محاولتين معزولتين لدراسة مستوى ما فوق الجملة. الأولى قام بها اللساني الأمريكي "زيلغ هاريس" الذي اعتمد في محاولته على النص المكتوب. والثانية قام بها اللساني "ف. ميتشال" الذي اعتمد على النصوص المنطوقة. والحقيقة، على الرغم من أن مقالة هاريس تحمل عنواناً مثيراً هو: "تحليل الخطاب" (Discourse Analysis) إلا أنها لم تخرج عن إطار المدرسة البنيوية- البلومفيلدية، ذلك أن هدف هاريس كان صياغة أسلوب شكلي من أجل تحليل الاتصال المنطوق والمكتوب.
لقد لاحظ هاريس من خلال استقرائه النحو أنه من الممكن أن نضع مجموعات من الكلمات ونوزعها بانتظام لننتج بالتالي مجموعة من الصفات (ص) التي تحدث قبل مجموعة الأسماء (س) بالانكليزية، وقد اقترح هاريس أيضاً أن التحليل التوزيعي (Distributive Analysis) يمكن أن يطبق بنجاح على النص كله وذلك لاكتشاف البنية التي تقع فوق بنية الجملة. وقد استشهد على ذلك بنص يحوي الجمل الأربع التالية(6):
(1) تتغير/ الأشجار/ هنا/ حوالي/ منتصف/ الخريف.
(2) تتغير/ الأشجار/ هنا/ حوالي/ نهاية/ تشرين الأول.
(3) يظهر/ الصقيع الأول/ بعد منتصف/ الخريف.
(4) نبدأ/ بالتدفئة/ بعد نهاية/ تشرين الأول.
إن الهدف من التحليل التوزيعي هنا أن نعزل وحدات النص على نحو متساوٍ على الرغم من أنها ليستب بالضرورة متشابهة في المعنى. يمكننا أن نؤسس من الجملتين الأولى والثانية المعادلتين التاليتين:
/منتصف الخريف/ = /نهاية تشرين الأول/.
لا يتم تأسيس المعادلتين على أساس أنهما متساويتان في المعنى، ولكن على أساس أن سياقهما متساوٍ، أي: /تتغير الأشجار هنا/.
أما الخطوة التالية فهي أن نستمر في توزيع الوحدات المتعادلة من الجملتين الثالثة والرابعة لكي نعادلهما مع الوحدات الموجودة في الجملة الأولى والثانية. وهكذا يمكننا أن نساوي بين:
/يظهر الصقيع الأول/ مع /نبدأ التدفئة/.
وبين الجملتين السابقتين مع /تتغير الأشجار هنا/.
والنتيجة من هذا التعادل هو أن كل الجمل الأربع لها بنية متماثلة، أي أن مجموعة X متبوعة بمجموعة Y. وهكذا يستمر التحليل والتوزيع في النص كله على هذه الطريقة.
لقد أشار هاريس إلى أنه في حالة تقييم المنهج الذي اتبعه، فإن السؤال الذي يمكن أن ينهض ضده يتلخص فيما إذا كان الأسلوب أسلوباً عملياً أو فيما إذا كان يقود إلى نتائج صحيحة ومهمة!؟.
والواقع لقد ظل هذا المنهج محصوراً بكاتبه، إذ لم يحاول أحد تطويره وربما كان السبب أن النتائج التي أفرزها لم تكن مهمة. فقد لاحظ هاريس نفسه أن هناك صعوبة في تطبيق هذا المنهج على مستوى ما فوق الجملة، ذلك لأن الضوابط التي تتحكم ببنية ما فوق الجملة هي ضوابط أسلوبية وليست ضوابط نحوية، وهذا يعني أنه لا يمكن تفسير هذه الضوابط إلا من خلال المكون الدلالي.
والحقيقة أن الإرهاصات الدلالية في تحليل الخطاب جاءت على يد اللساني "ف. ميتشال" في مقالته "الشراء والبيع في قورنية"(7). فقد حدد في هذه المقالة طبيعة السياق وعناصره، كما حدد المشاركين المناسبين في هذا السياق. وقد قسّم عملية البيع والشراء إلى مراحل معتمداً بذلك على معايير دلالية محضة، تستند إلى مقولات رئيسية ثلاث:
(1)البيع في المزاد العلني.
(2)التعاملات التجارية الأخرى.
(3)التعاملات في المحلات.
وتشترك كل هذه المقولات بالمراحل الخمس التالية:
-التحية.
-المعرفة الدالة على موضوع البيع.
-البحث عن موضوع البيع.
-المساومة.
-النتيجة.
إن هذه المراحل تمثل البنية المثالية لعملية البيع والشراء، ولكننا نجد في بعض الأحيان، أن المرحلتين الأولى والثانية لا تحدثان، ثم إن المرحلتين الثالثة والخامسة يمكن أن تدركا دون استعمال اللغة.
لقد قدم ف. ميتشال المثال التالي:
-المشتري : هل عندك سرير للبيع؟ /مرحلة 2
-البائع : عندي واحد ولكنه غالي الثمن. /مرحلة 2
-المشتري : دعني أره إذن. /مرحلة 2
-البائع : بالتأكيد، إذا أردته لنفسك فسوف أخفّض لك السعر. /مرحلة 4
-المشتري : كم ثمنه؟ /مرحلة 4
-البائع : 4 جنيهات. /مرحلة 4
-المشتري : وما هو السعر النهائي؟ /مرحلة 4
-البائع : صدقني لو كان واحد غيرك لقلت له 5 جنيهات ونصف. /مرحلة 4
-المشتري : سوف أحدد سعره بثلاثة جنيهات ونصف. /مرحلة 4
-البائع : هذا غير ممكن. دعه في مكانه. /مرحلة 4
-المشتري : اسمع، سوف آتي بعد الظهر، وأدفع لك ثلاث جنيهات وسبعين سنتيماً وآخذه./مرحلة 4
( يتجه المشتري إلى مخرج المحل)
-البائع : ما زال السعر يحتاج إلى زيادة. /مرحلة 5
على الرغم من أن هذا التحليل يحدد بنية البيع والشراء إلا أنه ليس تحليلاً لسانياً، ذلك لأن هذه المراحل حددت وأُدركت من خلال النشاط الذي يحدث فيها وليس من خلال الصفات اللسانية المتميزة على الرغم من تقديم بعض الأمثلة على هذه المراحل كالعبارات والتراكيب اللغوية التي هي مجموعة من الطقوس الدينية التي تحدث ضمن هذه المراحل.
والواقع أن أي نص منطوق ينبغي أن يحلل طبقاً لأربعة مستويات رئيسية:
(1)المستوى الصوتي.
(2)المستوى النحوي (التركيبي).
(3)المستوى الحواري (المحادثة)
(4)المستوى السيميائي.
فكل بنية في مستوى من هذه المستويات يمكن التعبير عنها من خلال وحدات صغرى ينضم بعضها إلى بعض لتشكل وحدات كبرى ولا سيما في المستوى الصوتي والمستوى النحوي اللذين أشبعا بحثاً ودراسة من اللسانيين أنفسهم. أما المستوى الخطابي (الحواري- السيميائي) فليس هناك تعريفات محددة له لأنه لم يشبع دراسة واستقصاء، فقليل هم أولئك الذين يتفقون على تحديد بنية الخطاب.
والواقع أن ما ينقص تحليل ميتشال هو أن وصفه لهذه المراحل كان وصفاً غير لساني. فنحن نستطيع أن نصف بنية الخطاب هنا بشيء من العمق. فالمثالان في المرحلة (2) يتألفان من سلسلة من أزواج السؤال- والجواب. ثم إن التحية عندما تحدث في الخطاب يسهم المتحدث والمستمع فيها. إن القيود المفروضة على المتكلم الثاني لا يمكن أن يعبّر عنها بمصطلح نحوي، فالشكل اللساني للنطق غير مناسب هنا. إن ما هو مهم (بنيوياً) وظيفته اللسانية، وهذا شاهد يبين وجود مستوى آخر وهو مستوى الخطاب الذي يكشف لنا التنظيم النحوي والتنظيم غير اللساني.
3-الوظائف اللغوية في الخطاب اللساني
لكي نعرف طبيعة الخطاب بدقة ونتأكد من أنه لا يتألف من سلسلة من الجمل المصوغة صياغة نحوية جيدة فحسب نقدم بعض الأمثلة التي اقترحها لابوف (1970) والتي هي عبارة عن جمل نحوية جيدة ولكن جزءاً مهماً كان ينقصها أخلّ بمفهوم الخطاب(:
أ.ما اسمك؟
ب.حسناً، دعنا نقل إنك قد فكرت أن لك شيئاً ما من قبل ولكنك لم تحصل عليه بعد ذلك.
أ.سأدعوك العميد.
أ.أشعر بالحرّ الشديد اليوم.
ب.لا.
من الواضح أن (ب) خرق القواعد التي تنتج الخطاب المنسجم. إن هدف تحليل الخطاب معرفة وكشف هذه القواعد التي تصف كيفية حدوث الوحدات وكيفية تركيبها.
وفي بحث آخر نجد "لابوف" (1972) يؤكد أن الخطوة الأولى الأكثر أهمية في تحليل الخطاب هي أن نميز "ماذا قيل" عن "ماذا فُعل"، أي أن تحليل الخطاب يجب أن يهتم بالاستعمال الوظيفي للغة(9). هذا المفهوم يجعل الوحدة اللغوية المحللة تخرج عن نطاق الجملة لتشكل ما يسميه اللساني الأمريكي هايمز "الفعل الكلامي" أو "الحدث الكلامي". وقد أكد هايمز أن "الفعل الكلامي" يمثل مستوى يتميز عن مستوى الجملة ولا يمكن معرفته وتحديده من خلال مستوى النحو(10).
والواقع على الرغم من أن العلاقات بين الوحدات اللغوية للخطاب تعتمد على الوظائف التي تقوم بها إلا أنه ليس هناك اتفاق جماعي حول عدد الوظائف هذه. فقد اقترح أوستين
(1962) أن هناك حوالي عشرة آلاف وظيفة(11). أما سنكلير (1972) فقد اقترح اثنتين وعشرين وظيفة(12). وأخيراً فإن سيرل (1969) اقترح عدداً من الوظائف يتوسط العددين المذكورين، واقترح أيضاً أن هناك وظائف يمكن أن يحل بعضها محل بعض(13).
لقد اعتبر لابوف (1972) وساكس وتشيكلوف (1972) وجفرسون (1973) النطق (الكلام) الوحدة الأساسية للتحليل. ولكن العمل في الأمثلة التالية جعلهم يشعرون بالحاجة إلى وحدة أصغر دعوها بـ"النقلة". ذلك أن النقلات يمكن أن تكون جنباً إلى جنب مع النطق كما هي الحال في المثال التالي الذي يحوي فيه العنصر (أ) نقلتين اثنتين:
أ.هل تستطيع أن تخبرني لماذا تأكل كل هذا الطعام؟
ب.من أجل أن يجعلك قوياً.
أ.من أجل أن يجعلك أنت قوياً. نعم من أجل أن يجعلك قوياً. لماذا تريد أن تكون قوياً؟
إن هذا المثال يدل على أن النطق (الكلام) ليس هو الوحدة الأساسية للتحليل اللساني. وهذا يلقي علينا سؤالاً يتعلق بحجم الوحدة اللغوية المرتبطة بالوظيفة. فبعض هذه الوحدات يُفهم من خلال طول الكلام ونقلاته، وبعضها يُفهم من خلال سلسلة الكلام.
كيف يمكننا إدراك الوظائف اللغوية من خلال أشكالها؟ ما هي العلاقة مثلاً بين شكل "الطلب" وشكل "السؤال" أو بعض الخيارات النحوية المتاحة للمتكلم؟
هناك بعض المحللين أمثال ساكس وتشيكلوف يعتقدون أن معرفة هذه الوظائف تتم عن طريق أوصافها وعلى نحو حدسي. ولكن آخرين أمثال لابوف يعتقدون أنه لا بد أن يكون هناك قواعد معينة من أجل شرح كيف يمكن لبنية نحوية معجمية معينة أن تدرك وظيفة ما في حالة معينة؟.
4-صياغة الخطاب اللساني:
رأينا سابقاً أن اللساني ج. فيرث كان قد أثبت الحاجة إلى وصف النص وتحليله. كما أن اللساني ن. تشومسكي كان قد أثبت أنه ينبغي الاعتماد على الحدس (الذهن). ويقترح جان ليونز (1968) أن هناك ثلاث مراحل من التجريد بين المواد اللغوية الخام والمواد اللغوية المصوغة (بمفهوم المقدرة اللغوية عند تشومسكي):
المرحلة التنظيمية:
وفيها يتجاهل المحلل ظواهر معينة مثل زلات اللسان، والترددات والتكرار والتصحيحات التي يجربها الشخص على نفسه... الخ.
المرحلة المعيارية:
وفيها يتجاهل المحلل التنوع، ويعالج فقط المواد التي يمتحنها والتي تشكل تجانساً في التكوين. ففي مستوى الصرف تعالج التعبيرات المختلفة لنفس الكلمة كما لو أنها واحدة. وفي مستوى الخطاب تعتبر التنوعات في السلسلة التي يُساء فهمها كلها حدوثاً لنفس الوحدة. على أية حال، ليس هناك اتفاق بين اللسانيين على درجة المعيارية وكمية التنوع الذي يمكن أن يوصف وصفاً ناجحاً.
المرحلة السياقية:
وفيها يتم فصل الجمل عن سياقاتها ومعالجتها على أنها وحدات معزولة(14).
والواقع أن عمل الفلاسفة حول الأفعال الكلامية يعتمد تماماً على المواد التي فُكَّت من سياقاتها، وعلى المواد التي لا تعتمد على الجمل التي قبلها أو بعدها. وبكلمة أخرى، ليس هناك اهتمام بالتداخل حتى في مستوى التجريد.
أما النحاة فهم يهتمون بقواعد الجمل وطريقة استعمالها. وهذا يختلف عن محللي الخطاب الذين يهتمون بطرائق الاستعمال اللغوي نفسه، تلك الطرائق التي تصف كيفية صياغة الأفعال الاجتماعية، وكيفية اجتماع الجمل مع بعضها بعضاً لتصوغ النصوص من خلال الروابط التي هي مظاهر للالتحام والتماسك النحوي. أضف إلى ذلك أن مهمة محللي الخطاب معرفة كيفية اجتماع النصوص بعضها مع بعض لتشكل الخطاب. إن العلاقات القائمة بين هذه النصوص من خلال روابط معينة يدلنا على التماسك المنطقي الذي يجمعها.
5-نحو بناء نظرية لتحليل الخطاب اللساني:
تقول الباحثة اللسانية الأمريكية ديبورا تانن (D. Tannen 1982) إن مصطلحي النص (Text) والحديث (Talk) مفهومان منفصلان في نظرية تحليل الخطاب. يقصد بالنص النثر المكتوب، ويقصد بالحديث الكلام المنطوق. هذا هو الاستعمال الشائع لهذين المفهومين، إلا أن مصطلح النص في بعض الأحيان يستعمل محل مصطلح الخطاب (Discourse) والعكس صحيح(15). والواقع أن مصطلح الخطاب يستعمل في طرائق مختلفة ليدل على أي شيء يقع خارج إطار مفهوم الجملة (Sentence) سواء أكان ذلك كتابة أم محادثة. ذلك أن الكتابة والمحادثة وجهان يتداخلان أحدهما مع الآخر ليشكلا كينونة واحدة كما تذهب إلى ذلك تانن.
وهكذا ينبغي على اللساني حسب رأيها ألا يفكر بأن اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة لغتان منفصلتان، بمعنى أن النص هو كل شيء مكتوب والحديث هو كل كلام منطوق. إن الصفات التي تسم اللغة المنطوقة والمكتوبة يمكن أن تجتمع معاً في خطاب واحد سواء أكان منطوقاً أم مكتوباً.
فالباحث اللساني وليم برايت (W. Bright 1982) بيّن أن الخطاب المنطوق يستعمل علامات النظم التي تسم عادة الخطاب الشعري المكتوب(16). وقد بيّن أيضاً اللساني والس تشيف (W. Chaif 1981) أن اللغة المنطوقة لقبيلة سينيكا الهندية- الأمريكية تشترك مع اللغة المكتوبة في صفات عدة(17). وأخيراً وليس آخراً اكتشفت تانن (1982) أن القصص الأدبية المكتوبة تظهر صفات عدة يتوقع حدوثها في الكلام المنطوق(18).
والواقع أن الهدف الأول والأخير الذي يسعى إليه اللسانيون من خلال تحليل أشكال الخطاب كافة معرفة ماهية المبنى والمعنى في الخطاب وكيفية عملهما لخلق التجانس والتماسك والترابط المنطقي في ذلك الخطاب، وبمعنى أدق: معرفة كيفية وضع الناس للكلمات بعضها مع بعض وكيفية جمع كلمات معينة لتوليد المعاني. وباختصار: معرفة الجهاز الذي يجعل الكلمات المفردة المنفرطة تشكل خطاباً.
إن قضية تحليل الخطاب تجعلنا نتساءل عن ماهية كشف ما في العالم وكيفية البرهنة على ما قد يكتشفه الإنسان. إلى أية درجة علمية مثلاً يمكن أن ندرس اللغة؟... وإلى أية درجة نستطيع أن نؤوّل أيضاً؟ هل الأساليب العلمية الرياضية الإحصائية ناجعة في دراسة اللغة وإلى أية درجة؟.
ينبغي على المرء في بعض الأحيان أن يتطلع إلى ما وراء الأطر والقوالب والتقنيات من أجل فهم العالم. وهذا بالضبط ما أثبته تحليل الخطاب بأنواعه المختلفة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي حدٍّ يمكن للسانيات أن تدّعي بأنها علم قائم برأسه وكيف؟ هل هذا العلم واحد من العلوم الطبيعية أو العلوم الإنسانية أو الفنون؟ إن نظرية تحليل الخطاب ودراسة اللغة في سياقاتها المعينة تطرحان تساؤلات عديدة معقدة وشائكة تتعلق بتعليل اللغة والبرهان على قوانينها ثم دور التأويل وطبيعته فيها.
الواقع أن المسألة هنا ليست مسألة اختيار بقدر ما هي مسألة تداخل الاختيارات. ففي مجال إثبات جودسون (1980) أن العلم هو فن نراه يقتبس كلمات بول ديراك (Paul Dirac) الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل ليدعم ما كان قد أثبته. يقول ديراك: "... أن يضع المرء معادلاته العلمية في إطار جمالي جذاب هو أكثر أهمية من أن يجعلها تناسب التجربة التي يقوم بها"(19).
العلم مثله مثل الفن في هذه الحالة، ذلك لأنه عندما يريد اكتشاف الصيغ والعلاقات القائمة بينها ليشرح ويعلل يهدف من هذا إلى فهم الجهد الإنساني الخلاق للعملية الإبداعية وفق قيود وشروط معينة. وهكذا ينبغي أن نفهم العمل اللساني العلمي بهذه الطريقة، إن اللساني يسعى دائماً لاكتشاف الصيغ اللغوية الخلاقة التي بدورها تعكس التجانس والتماسك والترابط المنطقي في المادة المدروسة، سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة. بالإضافة إلى أن اللسانيات مبنية على العلم، إلا أنها تهتم أيضاً بالجمال المخبأ، ذلك لأن الجمال كما يقول آلتون بيكر (A. Becker 1979) هو الحس الذي ينبثق من التجانس والتماسك المنطقي(20).
إن النتيجة التي يتوصل إليها الباحث اللساني على نحو جمالي من خلال دراسته لنص معين تعد في طبيعتها اكتشافاً للمبادئ المتجانسة والمتماسكة التي تؤسس ذلك النص المدروس. إن دراسة الخطاب هي كشف لهذا التجانس والجمال المتجسد في السلسلة المتعاقبة من الكلمات، وهي كشف للقوة السحرية الغامضة التي تتغلغل بين هذه الكلمات وتشعُّ بالأفكار والصور والعواطف.
والحقيقة يسعى كل الباحثين المهتمين بتحليل الخطاب (على اختلاف اختصاصاتهم في اللسانيات أو الأدب أو الرياضيات أو الأنثروبولوجيا... الخ) إلى تحقيق هدف واحد: هو كشف الأبنية والصيغ والعلاقات القائمة في لغة من اللغات. وطبقاً لرأي اللسانية الأمريكية تانن، إن هذه المهنة هي مهنة إنسانية مناسبة وأنيقة وهي مهنة نظرية وتجريبية بل وحتى جمالية(21).
من الموضوعات التي تهتم بها نظرية تحليل الخطاب ما يلي:
(1)تقويم المهارة الشفهية.
(2)استثمار نتائج تحليل الخطاب وتطبيقها على العملية التعليمية ولا سيما في حقل المناهج وأصول التدريس.
(3)تصميم نماذج شكلية كافية للخطاب الطبيعي.
(4)الصمت ووظائفه.
(5)الوظائف النفعية للخطاب.
(6)اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة والفروق القائمة بينهما.
(7)الكتابة وأثرها في تنمية الإدراك.
(الأمراض الكلامية وأنموذج الحديث الواضح.
(9)مناهج تحليل الخطاب لفهم مهارة القراءة.
(10)تحليل الخطاب وعلاقته بالترجمة والتأويل.
والواقع أن كل هذه الحقول المعرفية التي تعمل فيها نظرية تحليل الخطاب تعني شيئاً واحداً يتلخص في أن اللسانيات (Linguistics) من خلال اقترابها من اللغة علمياً وجمالياً تسعى إلى معرفة الجوهر الإنساني القابع في أعماق الخطاب اللساني.
هوامش:
(1) Firth, J. (1957 p:7-33). “The Technique of Semantics” in: papers in Linguistics 1934-1951. London. O, u, p.
(2) Ibid. (1957 p. 7-33).
(3) Bloomfield, L (1933) language. New York, Holt, Renihart.
(4) Chomsky, N (1957) Syntactic Structure. The Hague, mounton.
(5) Lakoff, R (1972 p: 907-927) “Language in context” in: Language 48/4.
(6) Harris, Z (1952 p: 1-30) “Discourse Analysis” In Language. No 28.
(7) Mitchell, F (1957 p: 31-71). “The language of buying and selling in Cyrenaica”. In Hesperis no 44.
( Labov, W (1970 P: 30-87). “The study of language in tis social context”. In studium General. no 23.
(9) Labov, W (1972 P: 120-169). “Rules for ritual insults”. In studies in social interaction New York, free press.
(10) Hymes, D (1972 P: 35-71). “Models of the interaction of language and social life”. In Gumperz, J and Hymes, D (eds). Directions in sociolinguistics. New York. Holt, Renihart and Winston.
(11) Austin, L (1962). How to do things with words. Oxford, clarendon press.
(12) Singlair, McH- Forsyth, J- Couthard, M- and Ashby, C (1972). “The English used by Teachers and pupils”. Final Report to S.S.R.C. Mimeo, Birmingham University.
(13) Searl, R (1969). Speech Acts. London. C.U.P.
(14) Lyons, J (1968). An Introduction to Theoretical linguistics. London, C.U.P.
(15) Tannen, Deborah (1982 P: ix). Analyzing Discourse: Text and Talk (ed). Georgetown University Press Washington, D.C.
(16) Bright, W (1982 P: 271-281). “Literature: written and oral”. In Tannen, D (ed). Analyzing Discourse: Text and Talk. Georgetown University Press. Washington D.C.
(17) Tannen, D (1982 P: x) Analyzing Discourse: Text and Talk. (ed). Georgetown University Press, Washington D.C.
(18) Ibid (1982 P: x).
(19) Judson, Horace free land (1980 P: 11). The search for solutions. New York: Holt Rinehart Winston.
(20) Becker, Alton (1979 P: 211-243). “Text- building, epistemology and aesthetics in Javanese shadow theatre”. In The imiagination of reality. Edited by A. Becker and A. yengoyan. Norwood, N J: Ablex.
(21) Tannen, D (1982 P: xi) Analyzing Discourse: Text and Talk (ed). Georgetown University Press, Washington D.C.
***************************************
مجلة الموقف الأدبي - مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 361 ايار 2001
*******
نظرية تحليل الخطاب ـــ د. مازن الوعر
عندما يتناول الباحث موضوعاً كهذا تقفز إلى ذهنه أسئلة كثيرة منها:
-كيف يمكننا تحديد الفروق القائمة بين اللغة الرسمية واللغة غير الرسمية؟ بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة؟ بين اللغة الفصحى واللغة العامية؟
-كيف يمكننا تحديد مفهوم الأدب؟ هل يحق لنا أن نتكلم عن الأدب الشفهي الشعبي)؟ وإذا كان ذلك كذلك فما هي صفات هذا الأدب المتميزة؟
-كيف يمكننا تحديد مفهوم الشعر ضمن إطار الأدب؟
-ثم ماذا عن الشعر الشفهي الزجل، العتابا... الخ)؟ كيف يمكننا تمييزه عن الأغنية أو الأنشودة من جهة وعن النثر العادي من جهة أخرى؟
-وأخيراً وليس آخراً، ما هي الصفات المميزة للحكاية الشفهية؟
سوف نستخدم هنا مصطلحين اثنين يعبران عن كل هذه التساؤلات. وبكلمة أدق، إن كل هذه التساؤلات يمكن أن تنتمي إلى هذين المفهومين وهما: اللغة المنطوقة، واللغة المكتوبة.
هناك مواد مكتوبة في الجرائد والمجلات مثلاً) لا يمكن اعتبارها أدباً على الإطلاق.. وفي الوقت نفسه هناك مواد شفهية كالأساطير اليونانية) تعتبر أعمالاً أدبية عالمية. هذه المسألة تطرح سؤالاً عويصاً يدور حول كيفية تحديد مفهوم اللغة الأدبية.
يقترح اللساني الأمريكي وليام برايت)) W.Bright 1982) أن الأدب هو الخطاب أو النص الذي يحمل قيمة جوهرية ذات انتشار وانتقال ديناميكي مستمر في مجتمع من المجتمعات.
ولكن الأدب الشفهي القيم والنافع والمستمر والمنتشر يطرح سؤالاً آخر ذا بعدين متناقضين هو:
-كيف يمكن للأدب أن يكون قيماً ومثقفاً على الرغم من أنه أدب شفهي غير مكتوب؟ والمثال على ذلك الأدب الشفهي القيم والمثقف والواسع الانتشار وهو أدب الإلياذة والأوديسا، ثم أدب الأساطير الهندية القديمة مهابهاراتا - رامايانا - فيداس))، وأخيراً الشعر العربي الجاهلي عندما كان في حالته الشفاهية وقبل أن يدوّن(1) . الواقع أن هذه النصوص الأدبية كانت بالأصل شفهية ثم سجلت وانتقلت إلينا عبر الكتابة. وإذا قرأنا هذه النصوص على حدين بصوتٍ عالٍ فإننا سنعيدها إلى صفتها الشفهية.
نستنتج من ذلك أن الفرق بين الكلام والكتابة لا يمكن أن يتخذ معياراً أو مقياساً لتحديد أو تعريف الأدب. صحيح أن الأدب الشفهي المألوف يمكن أن يختلف في الكم عن الأدب المكتوب إلا أنهما لا يختلفان أحدهما عن الآخر من حيث النوع والكيف. كثيرة هي الآداب الشفهية التي تصور الموضوعات الفكرية والجمالية نفسها التي تصورها الآداب المكتوبة.
ولكن إلى أيّ حد تستطيع الآداب الشفهية أن تحافظ على نفسها دون تغيير أو تبديل وهي تنتقل من جيل إلى جيل كما هو الأمر في الآداب المكتوبة؟ يرى جاك جودي)) J. Goody 1977) أن الآداب الشفهية يمكن أن تبقى دون تغيير أو تبديل في مستوى البنية ومستوى الاستعمال المتكرر للتعبيرات المقولبة المسكوكة)، أما في مستوى الكلمة المفردة فإنها تتغير وتتبدل.(2)
على أية حال إن الآداب الشفهية تبقى دون تغيير ما دامت القيمة الرفيعة لها تظل ملتصقة بالذاكرة الإنسانية على نحو مضبوط. أضف إلى ذلك أن كثيراً من المناهج والمدارس التي أسست قديماً كانت قد فرضت قواعد صارمة لتعلّم الأدب الشفهي وحفظه من الضياع والتأكد من عدم تغيّره وتبدّله، كما هي الحال في المنهج الذي أسسه العالم الهندي بانيني)) Panini)، ثم قواعد الرواية الصارمة عند العرب القدماء عندما كانوا يتناقلون الأدب شفاهية الرواية مع الدراية كما تقول العرب). حتى إن القواعد التي وضعها بانيني للغة السنسكريتية والتي كانت وصفية ثم أصبحت معيارية، كانت قد وضعت مشافهة دون كتابتها حتى منتصف القرن الثالث قبل الميلاد، أي ولادة النصوص السنسكريتية مكتوبة(3) .
هذا الاعتقاد يمكن دعمه كما يقول لويس رينوا)) L. Renou 1954) من خلال شكل القواعد سوترس Sutras)) التي استعملها بانيني والهندوس الأوائل... تلك القواعد التي سهلت ويسّرت عملية الحفظ والتذكر(4) . وحتى بعد طبع الكتاب الهندي المقدس الفيدا)) لا تزال الوسائل الشفهية لحفظه وتذكره تستعمل حتى وقتنا الحالي.
والواقع أن الغرب المعاصر الذي يتكئ على عكازة الكتابة من أجل العملية التعليمية والتثقيفية يصعب عليه إدراك الطاقات الجبارة للذاكرة الإنسانية التي تمتعت بها شعوب قديمة كالهنود والعرب).
والآن لنحدد مفهوم الشعر. إن المفهوم التقليدي في مجتمعنا والذي ما نزال نأخذ به هو أن الشعر يرجع إلى نص ذي قواعد منظمة على المستوى التركيبي والصوتي والعروضي. وهذا أمر صحيح ذلك أن الشعر لكي يكون شعراً ينبغي أن يكون منظماً على مستوى الشكل من تراكيب وأصوات وقوافٍ وعروض) وعلى مستوى المضمون أهميته وقيمته بالنسبة للمتلقي). إذا حقق الشعر هذه المستويات فإنه سيكون ذا بعد جمالي.
تقترح سالي مكليندون)) S.Mclendon 1982) أن النص الشعري يتألف من عدة أنظمة: صوتية وصرفية ونحوية وعروضية، وقد ترك اللسانيون لنقاد الأدب ما يدعى بالنظام البلاغي الذي يعدُّ من أهم الأنظمة الشكلية التي تؤلف النص الشعري وتؤسس علاقات مضبوطة بين جميع الأنظمة الأخرى(5) .
ينعكس النظام البلاغي في النص المكتوب من خلال أدوات التنقيط وأدوات أسلوبية أخرى كرتبة الكلمات وانزياح المعنى... الخ. أما في النص المنطوق فيتجلى من خلال الوقفة والإشارة والنبرة والنغمة وتوترات الكلام... الخ. هذه الصفات البلاغية تزول عندما يتحول النص من الشفاهية إلى الكتابية، ذلك أن الوقفات في الكلام والنبر وارتفاع الصوت وانخفاضه والسرعة النسبية فيه أو القصدية في التوزيع ودرجات التنفس في أثناء الكلام ودمج الشكل مع المعنى ثم دمج الصفات النغمية فيهما... يسمح ببناء النظام البلاغي في النص الشعري المنطوق، أضف إلى ذلك أن المرء عندما يستعمل أسلوبه الشعري يضيف نكهة بلاغية للمتلقي. هذا بالإضافة إلى الخلفية والحضارية التي ينطلق منها الشاعر لتلوين نصه الشعري بأطياف مختلفة.
النتيجة: هناك بعض الآداب الشفهية القديمة انتقلت إلينا دون تغيير وتبديل على الرغم من أن بعضها الآخر ليس كذلك... وفي الوقت نفسه ينبغي أن نتذكر أن بعض الآداب المكتوبة منذ ظهور الكتابة) لم تنتقل إلينا إلا بعد أن تغيرت وتبدلت.
إن الثبات والتغير في اللغة يطرح علينا السؤال التالي:
كيف يجدّد الأدب الشفهي والكتابي اللغة وعلى أي مستوى من مستوياتها؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نقول إنه من الصعب على الباحث أن يعرّف اللغة ويحددها لأنها في المحصلة الكلية هي: صياغة وتخزين واسترجاع ومعرفة إيصالية وتواصلية وهي بشكلها المنطوق والمكتوب تشكل قوة: قوة الصوت وقوة التوثيق وقوة الإعلام..)) من هنا فإن التغيُّر الذي يفعله الأدب في اللغة له مسوغاته. هذا التغيير يمكن أن يكون نتيجة لعوامل عديدة كما يقترح الباحث اللساني ألتون بيكر)) A. Becker 1982)(6) :
العامل الأول: هو أن السياق الجديد والواقع الفيزيائي الجديد يمكن أن يولدا معاني جديدة في اللغة والمثال على ذلك العالم الجديد الذي انتقل إليه العرب في عصر الفتوحات، والعالم الجديد للأمريكيين في عصر اكتشاف القارات والذي جعلهم يولدون معاني جديدة مختلفة عن المعاني التي كانت سائدة في بلادهم الأصلية. ونحن نعلم أن كل لغة من لغات العالم لها ثلاثة أبعاد: اللغة والطبيعة والفكر))، فاللغة تتألف من إشارات دالة على الطبيعة... والطبيعة هي رمز للروح أو ما ندعوه العقل)). إن الطبيعة صورة عن العقل الإنساني. ذلك لأن الطبيعة المجازية للغة شخص ما تتجلى من خلال ثقافته.
والواقع أن الشخص عندما يتكلم يختار من الطبيعة مجموعة من المعايير لكي يؤسس بنية منسجمة:
(1) سلاسل متقطعة من الكلام.
(2) أبعاد بين المتكلم والمستمع.
(3) الموقف الدرامي الشخصي للمتكلم.
(4) التمييز بين الجنسين.
(5) التقسيم القائم بين الأفعال المتغيرة والأشياء الثابتة.
العامل الثاني من التغير اللغوي: هو أنه لكي نولد لغة جديدة شفهية كانت أو مكتوبة وبعيدة عن الواقع المألوف علينا كما يقول الكاتب إمرسون)) R. Emerson) أن نطور علاقة جديدة مع الطبيعة(7) .
العامل الثالث للتغيير: هو أن المجاز ينبغي أن يكون هدفه واستراتيجيته، أي الابتعاد عن المعيارية والمألوفية. وبعبارة دقيقة رؤية العالم المألوف في طريقة جديدة.
العامل الرابع: هو إمكان الاختيار الذي يمكن أن يحرف اللغة ويبدلها ويولد فيها معاني جديدة.
والواقع إن فلسفة الثبات والتغير في اللغة الشفهية واللغة المكتوبة ينبغي أن تعلمنا كيف نفكر حول اللغة على أنها نظام معرفي، وعالم منظور، وعقل آخر. من هنا فإن النتيجة التي يمكن أن يخرج بها الباحث هي أنه ينبغي أن نغير أنفسنا إلى قرّاء من خلال تخيلنا لعالم يمكن للغة أن تصوره وتعكسه وتتفاعل معه في الوقت نفسه.
إن كل نص أدبي شفهياً كان أم مكتوباً ينبغي عند قراءته أن يُمنح القانون الجوهري للنقد، والحياة المتناغمة مع الطبيعة، والحب الذي يبحث عن الحقيقة والفضيلة، ثم الرغبة التي تطهّر العين من أجل فهم جمالي يعكس العمق الإنساني ويطهره في الوقت نفسه.
هوامش:
(1) Bright, W. 1982 P:271-283). "Literature: Written and Oral". In: Tannen, Ded) 1982). Analyzing Discourse: Text and Talk. Ceorgetown University Press, Washington D.C.
(2) Goody, Jack 1977 P:116-120). The domestication of the savage mind. Cambridge University Press.
(3) Basham A.L 1954 P:387-388). The wonder that was India. New York: Grove.
(4) Renou, Louis 1954 P:144) La Grammaire de Panini. Fasc. 3. Paris: Klincksieck.
(5) Mclendon, S 1982 P:284-305). "Meaning, Rhetorical Structure, and Discourse Organization in Myth". In Tannen, Ded. 1982). Analyzing Discourse: Text and Talk. Georetown University Press, Washington D.C.
(6) Becker, Alton 1982 P:1-11). "On Emerson On Language". In Tannen, D 1982 ed) Analyzing Discourse: Text and Talk. Georgetown University Press. Washington D.C.
(7) Becker, Alton 1982 P:1-11). "On Emerson On Language". In Tannen, D 1982 ed). Analyzing Discourse: Text and Talk. Georgetown University Press. Washington D.C
***************************************************
مجلة الموقف الأدبي - مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 370 شباط 2002
نظرية تحليل الخطاب: النشأة والتطور والبناء ـــ الدكتور: مازن الوعر
مدخل
تتجه الدراسات اللسانية المعاصرة نحو دراسة الخطاب اللساني المنطوق والمكتوب على حد سواء. لقد بينت هذه الدراسات أن هناك فروقاً مهمة بين الخطاب المنطوق والخطاب المكتوب. إن الوظائف اللغوية التي تعمل في ذينك الخطابين هي وظائف تتحدد طبيعتها من خلال ارتباطها بعوامل تفرضها الأنظمة الكتابية والشفهية نفسها رغم وجود تداخل كبير بين هذه الأنظمة كلها. وهذا ما جعل الباحثين يركزون على العلاقات القائمة بين هذه الأنظمة الكتابية والشفهية من جهة وبينها وبين أنظمة العلوم المعرفية الأخرى من جهة ثانية. وقد قادهم البحث في هذه الظواهر إلى محاولة بناء نظرية شمولية قادرة على تحليل الخطاب اللساني، تقوم على أسس علمية معروفة في بناء النظريات الفيزيائية. هذه النظرية يحب علماء اللسانيات الاجتماعية أن يكون لها أبعاد علمية وجمالية في الوقت نفسه لكي تستطيع أن تمس جوهر الطبيعة الإنسانية القابعة في أعماق الخطاب اللساني.
1-تصور مناهج الدراسة في اللسانيات الحديثة
على الرغم من انقضاء حوالي نصف قرن على دعوة اللساني البريطاني جفري فيرث (J.Firth) الباحثين اللسانيين من أجل الالتفات إلى الجانب الكلامي في اللغة، لأنه حسب رأيه "المفتاح لفهم ماهية اللغة وكيفية عملها في الوقت نفسه"(1) إلا أن الدراسة الجدية للخطاب المنطوق ما زالت في بدايتها في حقل اللسانيات. والواقع أن الدراسات الحالية للخطاب المنطوق لم تكن من صنع اللسانيين، بل كانت من الإسهامات التي قام بها علماء الاجتماع وعلماء الأجناس (الأنثروبولوجيا) وعلماء النفس والفلاسفة. وعلى الرغم من أن اللسانيين كلهم يوافقون على أن "الاتصال الإنساني" يجب أن يوصف من خلال مستويات ثلاثة: هي المعنى، والمبنى، والجوهر، إلا أنهم يختلفون حول حدود اللسانيات: من أين تبدأ؟ وأين تنتهي؟
لقد أكد ج. فيرث (1951) أن "الاهتمام الرئيسي للسانيات الوصفية تسجيل الحالات الدلالية للغة"(2). ولكن جزءاً مهماً من معنى الخطاب المنطوق هو نتيجة لتباين المستويين الصوتي والنحوي. ولكي نعزل التباين الدلالي في هذين المستويين علينا أن نستعمل اللغة استعمالاً نظامياً، ولكن شريطة أن يكون هذا الاستعمال لغواً وهراء وكلاماً فارغاً في كلا المستويين الصوتي والنحوي.
إذا وضعنا جملة مثل "ليشرب زيد ماء البحر" في هذين المستويين فإنها لا تفيد شيئاً... ولكننا إذا نقلناها إلى سياق معين فإنها ربما تفيد في ذلك السياق لتدل دلالة خطابية على شيء معين.
ويعني هذا أن فيرث يعتقد أن اللغة في جوهرها طريقة في السلوك وطريقة لجعل الآخرين يسلكون هذا السلوك. ويتبع هذا أن على اللساني أن يهتم باللغة في حالتها السياقية أو حسب مصطلح البلاغيين العرب "في حالتها المقامية". إن اللغة عند فيرث ذات دلالة عندما تكون فقط في سياقها أو مقامها.
ومن جهة أخرى نرى اللساني الأمريكي "ليونارد بلومفيلد" يقود البحث اللساني في اتجاه مخالف تقريباً. فقد وضع المعنى جانباً مركزاً بدلاً من ذلك على المبنى. وطبقاً لرأيه فإن اللساني لا يستطيع أن يعرف المعاني أو يحددها، لذلك عليه أن يستعين بباحثين ينتمون إلى علوم معرفية أخرى.(3)
إن مسألة المعنى عنده مسألة متشابكة تحتاج إلى تضافر جهود معرفية كثيرة لحل إشكالياتها... إن جملة مثل "أنا جائع" يمكن أن يستعملها متسول جائع يستجدي الطعام، ويمكن في الوقت نفسه أن يستعملها طفل عنيد مشاكس يريد أن يتأخر في الذهاب إلى المدرسة عند الصباح أو إلى النوم عند المساء. لقد دافع "بلومفيلد" في كتابة اللغة عن وجهة النظر هذه مؤكداً على اهتمام اللساني بالصفات الصوتية والنحوية والمعجمية المتجلية في النطق الإنساني عامة. فهو لا يريد للساني أن يشرح كيف يمكن أن يكون لجملة واحدة وظائف سياقية مختلفة ولا كيف يمكن للمستمع أن يفك رموز الخطاب لمعرفة معناه.
لقد ركزت اللسانيات البنيوية في أمريكا بعد بلومفيلد على المشكلات المتعلقة بعلم الأصوات وبالوصف الصوتي للغات وبعلم الصرف وبالوصف الصرفي للغات البشرية، ولا سيما المفاهيم المتلعقة بالفونيم والوصف الفونيمي على نحو عام. أي ما يسمى بـ"أساليب الاكتشاف" (Discovery Procedures) التي تهتم بعزل الفونيمات والمورفيمات ثم لتحديد الآلي- الميكانيكي لحدود الفونيم ثم تصنيف الكلمات... الخ.
وعلى الرغم من أن "تشومسكي" اللساني الأمريكي كان قد أدار عجلة اللسانيات باتجاه دراسة الجملة، إلا أن الاهتمامات اللسانية في تلك الفترة كانت ما تزال منصبة على الوصف الشكلي للغات البشرية. يقول تشومسكي بهذا الصدد: "إن الهدف الأساسي للتحليل اللساني هو أن نعزل السلاسل النحوية التي تولد الجمل الصحيحة عن السلاسل غير النحوية التي تولد الجمل الخاطئة ثم أن ندرس البنية التركيبية لهذه السلاسل"(4).
ولكي يثبت تشومسكي استقلالية النحو عن المعنى فإنه قدم مثاله الشهير الذي ليس إلا كلاماً فارغاً غير ذي معنى، على الرغم من أن بناءه وترتيبه سليم قواعدياً. "Colorless green ideas sleep furiasuly" الأحلام الخضراء العديمة اللون تنام بعنف. لقد نقد تشومسكي التحليل اللساني السابق لأن مواد ذلك التحليل وعيناته، على الرغم من أنها كانت كبيرة، إلا أنها ليست ضرورية، ثم إنها لم تكن دقيقة وكافية... فهي لم تشمل أمثلة لكل البنى المحتملة في اللغة، أضف إلى ذلك أنها مواد خاطئة في مستوى الأداء اللغوي، وهذا الخطأ ناتج عن عوامل نحوية غير مناسبة كقصور الذاكرة، وشرود الذهن، والتبدلات في الانتباه والاهتمام، تلك العوامل التي تحصل عند الأشخاص الذين كنا قد حصلنا على المواد اللغوية منهم. وعلى هذا فإن الاهتمام الرئيسي للنظرية اللسانية طبقاً لتشومسكي ينبغي أن ينصب على معرفة "المعرفة العميقة غير الظاهرة للمقدرة اللغوية الموجودة في الدماغ عند المتكلم والمستمع". تلك المقدرة التي يشترك فيها كل بني البشر، والتي يمكن للساني دراستها من خلال انعكاساتها في ِ"الأداء اللغوي" (الإنجاز).
والواقع أن الإسهام الذي حققه تشومسكي وأتباعه كان عظيماً في حقل اللسانيات، إلا أنه مع مرور الزمن بدأت المشكلة اللسانية تتفاقم لتصبح أكثر جدية ودراسة. فالمشكلة حسب رأي نقاد تشومسكي لا تكمن فقط في المفهوم المثالي للمقدرة اللغوية، وإنما تكمن أيضاً في نسبية هذا المفهوم. لذلك أصبح من الضروري أن نتحدث في اللسانيات التوليدية عن درجات القواعدية ودرجات القبولية في اللغة، فهناك أمثلة مهمة وحاسمة اعتبرت على أنها غير نحوية ولكنه تبين أنها "مقبولة في لهجتي أنا". وهكذا، وبمرور الزمن، فإن اللسانيين الاجتماعيين الأمريكيين (Sociolinguistis) في أواخر الستينات أمثال روز، ومكولي، ولايكوف، بدأوا يثبتون أن اللساني لا يستطيع أن يدرس النحو بمعزل عن المعنى. وطبقاً لرأي لايكوف (1972):
"لكي نعرف عمل قواعد لغوية عدة على نحو صحيح علينا أن نرجع إلى السياق الاجتماعي للغة، وكذلك إلى الخلفيات والافتراضات التي يضمنها المتحدثون المشاركون في الخطاب"(5). وهكذا فإن نتائج البحث التجريبي "اللساني- الاجتماعي" دفعت عدة لسانيين في المدرسة التشومسكية لإدراك أهمية السياق ودفعتهم أيضاً لأن ينضموا إلى حقول معرفية أخرى تبحث في العملية الكلامية ضمن سياقاتها المختلفة.
2-المحاولات الأولى لتحليل الخطاب اللساني
على الرغم من أن فيرث، كان قد حث اللسانيين على دراسة اللغة في حالتها السياقية، إلا أنه هو نفسه لم يحقق هذا الهدف، وقد اختار بدلاً منه حقل الصوتيات. ومن يتتبع المحاولات الأولى لتحليل الخطاب سوف يجد أن هناك محاولتين معزولتين لدراسة مستوى ما فوق الجملة. الأولى قام بها اللساني الأمريكي "زيلغ هاريس" الذي اعتمد في محاولته على النص المكتوب. والثانية قام بها اللساني "ف. ميتشال" الذي اعتمد على النصوص المنطوقة. والحقيقة، على الرغم من أن مقالة هاريس تحمل عنواناً مثيراً هو: "تحليل الخطاب" (Discourse Analysis) إلا أنها لم تخرج عن إطار المدرسة البنيوية- البلومفيلدية، ذلك أن هدف هاريس كان صياغة أسلوب شكلي من أجل تحليل الاتصال المنطوق والمكتوب.
لقد لاحظ هاريس من خلال استقرائه النحو أنه من الممكن أن نضع مجموعات من الكلمات ونوزعها بانتظام لننتج بالتالي مجموعة من الصفات (ص) التي تحدث قبل مجموعة الأسماء (س) بالانكليزية، وقد اقترح هاريس أيضاً أن التحليل التوزيعي (Distributive Analysis) يمكن أن يطبق بنجاح على النص كله وذلك لاكتشاف البنية التي تقع فوق بنية الجملة. وقد استشهد على ذلك بنص يحوي الجمل الأربع التالية(6):
(1) تتغير/ الأشجار/ هنا/ حوالي/ منتصف/ الخريف.
(2) تتغير/ الأشجار/ هنا/ حوالي/ نهاية/ تشرين الأول.
(3) يظهر/ الصقيع الأول/ بعد منتصف/ الخريف.
(4) نبدأ/ بالتدفئة/ بعد نهاية/ تشرين الأول.
إن الهدف من التحليل التوزيعي هنا أن نعزل وحدات النص على نحو متساوٍ على الرغم من أنها ليستب بالضرورة متشابهة في المعنى. يمكننا أن نؤسس من الجملتين الأولى والثانية المعادلتين التاليتين:
/منتصف الخريف/ = /نهاية تشرين الأول/.
لا يتم تأسيس المعادلتين على أساس أنهما متساويتان في المعنى، ولكن على أساس أن سياقهما متساوٍ، أي: /تتغير الأشجار هنا/.
أما الخطوة التالية فهي أن نستمر في توزيع الوحدات المتعادلة من الجملتين الثالثة والرابعة لكي نعادلهما مع الوحدات الموجودة في الجملة الأولى والثانية. وهكذا يمكننا أن نساوي بين:
/يظهر الصقيع الأول/ مع /نبدأ التدفئة/.
وبين الجملتين السابقتين مع /تتغير الأشجار هنا/.
والنتيجة من هذا التعادل هو أن كل الجمل الأربع لها بنية متماثلة، أي أن مجموعة X متبوعة بمجموعة Y. وهكذا يستمر التحليل والتوزيع في النص كله على هذه الطريقة.
لقد أشار هاريس إلى أنه في حالة تقييم المنهج الذي اتبعه، فإن السؤال الذي يمكن أن ينهض ضده يتلخص فيما إذا كان الأسلوب أسلوباً عملياً أو فيما إذا كان يقود إلى نتائج صحيحة ومهمة!؟.
والواقع لقد ظل هذا المنهج محصوراً بكاتبه، إذ لم يحاول أحد تطويره وربما كان السبب أن النتائج التي أفرزها لم تكن مهمة. فقد لاحظ هاريس نفسه أن هناك صعوبة في تطبيق هذا المنهج على مستوى ما فوق الجملة، ذلك لأن الضوابط التي تتحكم ببنية ما فوق الجملة هي ضوابط أسلوبية وليست ضوابط نحوية، وهذا يعني أنه لا يمكن تفسير هذه الضوابط إلا من خلال المكون الدلالي.
والحقيقة أن الإرهاصات الدلالية في تحليل الخطاب جاءت على يد اللساني "ف. ميتشال" في مقالته "الشراء والبيع في قورنية"(7). فقد حدد في هذه المقالة طبيعة السياق وعناصره، كما حدد المشاركين المناسبين في هذا السياق. وقد قسّم عملية البيع والشراء إلى مراحل معتمداً بذلك على معايير دلالية محضة، تستند إلى مقولات رئيسية ثلاث:
(1)البيع في المزاد العلني.
(2)التعاملات التجارية الأخرى.
(3)التعاملات في المحلات.
وتشترك كل هذه المقولات بالمراحل الخمس التالية:
-التحية.
-المعرفة الدالة على موضوع البيع.
-البحث عن موضوع البيع.
-المساومة.
-النتيجة.
إن هذه المراحل تمثل البنية المثالية لعملية البيع والشراء، ولكننا نجد في بعض الأحيان، أن المرحلتين الأولى والثانية لا تحدثان، ثم إن المرحلتين الثالثة والخامسة يمكن أن تدركا دون استعمال اللغة.
لقد قدم ف. ميتشال المثال التالي:
-المشتري : هل عندك سرير للبيع؟ /مرحلة 2
-البائع : عندي واحد ولكنه غالي الثمن. /مرحلة 2
-المشتري : دعني أره إذن. /مرحلة 2
-البائع : بالتأكيد، إذا أردته لنفسك فسوف أخفّض لك السعر. /مرحلة 4
-المشتري : كم ثمنه؟ /مرحلة 4
-البائع : 4 جنيهات. /مرحلة 4
-المشتري : وما هو السعر النهائي؟ /مرحلة 4
-البائع : صدقني لو كان واحد غيرك لقلت له 5 جنيهات ونصف. /مرحلة 4
-المشتري : سوف أحدد سعره بثلاثة جنيهات ونصف. /مرحلة 4
-البائع : هذا غير ممكن. دعه في مكانه. /مرحلة 4
-المشتري : اسمع، سوف آتي بعد الظهر، وأدفع لك ثلاث جنيهات وسبعين سنتيماً وآخذه./مرحلة 4
( يتجه المشتري إلى مخرج المحل)
-البائع : ما زال السعر يحتاج إلى زيادة. /مرحلة 5
على الرغم من أن هذا التحليل يحدد بنية البيع والشراء إلا أنه ليس تحليلاً لسانياً، ذلك لأن هذه المراحل حددت وأُدركت من خلال النشاط الذي يحدث فيها وليس من خلال الصفات اللسانية المتميزة على الرغم من تقديم بعض الأمثلة على هذه المراحل كالعبارات والتراكيب اللغوية التي هي مجموعة من الطقوس الدينية التي تحدث ضمن هذه المراحل.
والواقع أن أي نص منطوق ينبغي أن يحلل طبقاً لأربعة مستويات رئيسية:
(1)المستوى الصوتي.
(2)المستوى النحوي (التركيبي).
(3)المستوى الحواري (المحادثة)
(4)المستوى السيميائي.
فكل بنية في مستوى من هذه المستويات يمكن التعبير عنها من خلال وحدات صغرى ينضم بعضها إلى بعض لتشكل وحدات كبرى ولا سيما في المستوى الصوتي والمستوى النحوي اللذين أشبعا بحثاً ودراسة من اللسانيين أنفسهم. أما المستوى الخطابي (الحواري- السيميائي) فليس هناك تعريفات محددة له لأنه لم يشبع دراسة واستقصاء، فقليل هم أولئك الذين يتفقون على تحديد بنية الخطاب.
والواقع أن ما ينقص تحليل ميتشال هو أن وصفه لهذه المراحل كان وصفاً غير لساني. فنحن نستطيع أن نصف بنية الخطاب هنا بشيء من العمق. فالمثالان في المرحلة (2) يتألفان من سلسلة من أزواج السؤال- والجواب. ثم إن التحية عندما تحدث في الخطاب يسهم المتحدث والمستمع فيها. إن القيود المفروضة على المتكلم الثاني لا يمكن أن يعبّر عنها بمصطلح نحوي، فالشكل اللساني للنطق غير مناسب هنا. إن ما هو مهم (بنيوياً) وظيفته اللسانية، وهذا شاهد يبين وجود مستوى آخر وهو مستوى الخطاب الذي يكشف لنا التنظيم النحوي والتنظيم غير اللساني.
3-الوظائف اللغوية في الخطاب اللساني
لكي نعرف طبيعة الخطاب بدقة ونتأكد من أنه لا يتألف من سلسلة من الجمل المصوغة صياغة نحوية جيدة فحسب نقدم بعض الأمثلة التي اقترحها لابوف (1970) والتي هي عبارة عن جمل نحوية جيدة ولكن جزءاً مهماً كان ينقصها أخلّ بمفهوم الخطاب(:
أ.ما اسمك؟
ب.حسناً، دعنا نقل إنك قد فكرت أن لك شيئاً ما من قبل ولكنك لم تحصل عليه بعد ذلك.
أ.سأدعوك العميد.
أ.أشعر بالحرّ الشديد اليوم.
ب.لا.
من الواضح أن (ب) خرق القواعد التي تنتج الخطاب المنسجم. إن هدف تحليل الخطاب معرفة وكشف هذه القواعد التي تصف كيفية حدوث الوحدات وكيفية تركيبها.
وفي بحث آخر نجد "لابوف" (1972) يؤكد أن الخطوة الأولى الأكثر أهمية في تحليل الخطاب هي أن نميز "ماذا قيل" عن "ماذا فُعل"، أي أن تحليل الخطاب يجب أن يهتم بالاستعمال الوظيفي للغة(9). هذا المفهوم يجعل الوحدة اللغوية المحللة تخرج عن نطاق الجملة لتشكل ما يسميه اللساني الأمريكي هايمز "الفعل الكلامي" أو "الحدث الكلامي". وقد أكد هايمز أن "الفعل الكلامي" يمثل مستوى يتميز عن مستوى الجملة ولا يمكن معرفته وتحديده من خلال مستوى النحو(10).
والواقع على الرغم من أن العلاقات بين الوحدات اللغوية للخطاب تعتمد على الوظائف التي تقوم بها إلا أنه ليس هناك اتفاق جماعي حول عدد الوظائف هذه. فقد اقترح أوستين
(1962) أن هناك حوالي عشرة آلاف وظيفة(11). أما سنكلير (1972) فقد اقترح اثنتين وعشرين وظيفة(12). وأخيراً فإن سيرل (1969) اقترح عدداً من الوظائف يتوسط العددين المذكورين، واقترح أيضاً أن هناك وظائف يمكن أن يحل بعضها محل بعض(13).
لقد اعتبر لابوف (1972) وساكس وتشيكلوف (1972) وجفرسون (1973) النطق (الكلام) الوحدة الأساسية للتحليل. ولكن العمل في الأمثلة التالية جعلهم يشعرون بالحاجة إلى وحدة أصغر دعوها بـ"النقلة". ذلك أن النقلات يمكن أن تكون جنباً إلى جنب مع النطق كما هي الحال في المثال التالي الذي يحوي فيه العنصر (أ) نقلتين اثنتين:
أ.هل تستطيع أن تخبرني لماذا تأكل كل هذا الطعام؟
ب.من أجل أن يجعلك قوياً.
أ.من أجل أن يجعلك أنت قوياً. نعم من أجل أن يجعلك قوياً. لماذا تريد أن تكون قوياً؟
إن هذا المثال يدل على أن النطق (الكلام) ليس هو الوحدة الأساسية للتحليل اللساني. وهذا يلقي علينا سؤالاً يتعلق بحجم الوحدة اللغوية المرتبطة بالوظيفة. فبعض هذه الوحدات يُفهم من خلال طول الكلام ونقلاته، وبعضها يُفهم من خلال سلسلة الكلام.
كيف يمكننا إدراك الوظائف اللغوية من خلال أشكالها؟ ما هي العلاقة مثلاً بين شكل "الطلب" وشكل "السؤال" أو بعض الخيارات النحوية المتاحة للمتكلم؟
هناك بعض المحللين أمثال ساكس وتشيكلوف يعتقدون أن معرفة هذه الوظائف تتم عن طريق أوصافها وعلى نحو حدسي. ولكن آخرين أمثال لابوف يعتقدون أنه لا بد أن يكون هناك قواعد معينة من أجل شرح كيف يمكن لبنية نحوية معجمية معينة أن تدرك وظيفة ما في حالة معينة؟.
4-صياغة الخطاب اللساني:
رأينا سابقاً أن اللساني ج. فيرث كان قد أثبت الحاجة إلى وصف النص وتحليله. كما أن اللساني ن. تشومسكي كان قد أثبت أنه ينبغي الاعتماد على الحدس (الذهن). ويقترح جان ليونز (1968) أن هناك ثلاث مراحل من التجريد بين المواد اللغوية الخام والمواد اللغوية المصوغة (بمفهوم المقدرة اللغوية عند تشومسكي):
المرحلة التنظيمية:
وفيها يتجاهل المحلل ظواهر معينة مثل زلات اللسان، والترددات والتكرار والتصحيحات التي يجربها الشخص على نفسه... الخ.
المرحلة المعيارية:
وفيها يتجاهل المحلل التنوع، ويعالج فقط المواد التي يمتحنها والتي تشكل تجانساً في التكوين. ففي مستوى الصرف تعالج التعبيرات المختلفة لنفس الكلمة كما لو أنها واحدة. وفي مستوى الخطاب تعتبر التنوعات في السلسلة التي يُساء فهمها كلها حدوثاً لنفس الوحدة. على أية حال، ليس هناك اتفاق بين اللسانيين على درجة المعيارية وكمية التنوع الذي يمكن أن يوصف وصفاً ناجحاً.
المرحلة السياقية:
وفيها يتم فصل الجمل عن سياقاتها ومعالجتها على أنها وحدات معزولة(14).
والواقع أن عمل الفلاسفة حول الأفعال الكلامية يعتمد تماماً على المواد التي فُكَّت من سياقاتها، وعلى المواد التي لا تعتمد على الجمل التي قبلها أو بعدها. وبكلمة أخرى، ليس هناك اهتمام بالتداخل حتى في مستوى التجريد.
أما النحاة فهم يهتمون بقواعد الجمل وطريقة استعمالها. وهذا يختلف عن محللي الخطاب الذين يهتمون بطرائق الاستعمال اللغوي نفسه، تلك الطرائق التي تصف كيفية صياغة الأفعال الاجتماعية، وكيفية اجتماع الجمل مع بعضها بعضاً لتصوغ النصوص من خلال الروابط التي هي مظاهر للالتحام والتماسك النحوي. أضف إلى ذلك أن مهمة محللي الخطاب معرفة كيفية اجتماع النصوص بعضها مع بعض لتشكل الخطاب. إن العلاقات القائمة بين هذه النصوص من خلال روابط معينة يدلنا على التماسك المنطقي الذي يجمعها.
5-نحو بناء نظرية لتحليل الخطاب اللساني:
تقول الباحثة اللسانية الأمريكية ديبورا تانن (D. Tannen 1982) إن مصطلحي النص (Text) والحديث (Talk) مفهومان منفصلان في نظرية تحليل الخطاب. يقصد بالنص النثر المكتوب، ويقصد بالحديث الكلام المنطوق. هذا هو الاستعمال الشائع لهذين المفهومين، إلا أن مصطلح النص في بعض الأحيان يستعمل محل مصطلح الخطاب (Discourse) والعكس صحيح(15). والواقع أن مصطلح الخطاب يستعمل في طرائق مختلفة ليدل على أي شيء يقع خارج إطار مفهوم الجملة (Sentence) سواء أكان ذلك كتابة أم محادثة. ذلك أن الكتابة والمحادثة وجهان يتداخلان أحدهما مع الآخر ليشكلا كينونة واحدة كما تذهب إلى ذلك تانن.
وهكذا ينبغي على اللساني حسب رأيها ألا يفكر بأن اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة لغتان منفصلتان، بمعنى أن النص هو كل شيء مكتوب والحديث هو كل كلام منطوق. إن الصفات التي تسم اللغة المنطوقة والمكتوبة يمكن أن تجتمع معاً في خطاب واحد سواء أكان منطوقاً أم مكتوباً.
فالباحث اللساني وليم برايت (W. Bright 1982) بيّن أن الخطاب المنطوق يستعمل علامات النظم التي تسم عادة الخطاب الشعري المكتوب(16). وقد بيّن أيضاً اللساني والس تشيف (W. Chaif 1981) أن اللغة المنطوقة لقبيلة سينيكا الهندية- الأمريكية تشترك مع اللغة المكتوبة في صفات عدة(17). وأخيراً وليس آخراً اكتشفت تانن (1982) أن القصص الأدبية المكتوبة تظهر صفات عدة يتوقع حدوثها في الكلام المنطوق(18).
والواقع أن الهدف الأول والأخير الذي يسعى إليه اللسانيون من خلال تحليل أشكال الخطاب كافة معرفة ماهية المبنى والمعنى في الخطاب وكيفية عملهما لخلق التجانس والتماسك والترابط المنطقي في ذلك الخطاب، وبمعنى أدق: معرفة كيفية وضع الناس للكلمات بعضها مع بعض وكيفية جمع كلمات معينة لتوليد المعاني. وباختصار: معرفة الجهاز الذي يجعل الكلمات المفردة المنفرطة تشكل خطاباً.
إن قضية تحليل الخطاب تجعلنا نتساءل عن ماهية كشف ما في العالم وكيفية البرهنة على ما قد يكتشفه الإنسان. إلى أية درجة علمية مثلاً يمكن أن ندرس اللغة؟... وإلى أية درجة نستطيع أن نؤوّل أيضاً؟ هل الأساليب العلمية الرياضية الإحصائية ناجعة في دراسة اللغة وإلى أية درجة؟.
ينبغي على المرء في بعض الأحيان أن يتطلع إلى ما وراء الأطر والقوالب والتقنيات من أجل فهم العالم. وهذا بالضبط ما أثبته تحليل الخطاب بأنواعه المختلفة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي حدٍّ يمكن للسانيات أن تدّعي بأنها علم قائم برأسه وكيف؟ هل هذا العلم واحد من العلوم الطبيعية أو العلوم الإنسانية أو الفنون؟ إن نظرية تحليل الخطاب ودراسة اللغة في سياقاتها المعينة تطرحان تساؤلات عديدة معقدة وشائكة تتعلق بتعليل اللغة والبرهان على قوانينها ثم دور التأويل وطبيعته فيها.
الواقع أن المسألة هنا ليست مسألة اختيار بقدر ما هي مسألة تداخل الاختيارات. ففي مجال إثبات جودسون (1980) أن العلم هو فن نراه يقتبس كلمات بول ديراك (Paul Dirac) الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل ليدعم ما كان قد أثبته. يقول ديراك: "... أن يضع المرء معادلاته العلمية في إطار جمالي جذاب هو أكثر أهمية من أن يجعلها تناسب التجربة التي يقوم بها"(19).
العلم مثله مثل الفن في هذه الحالة، ذلك لأنه عندما يريد اكتشاف الصيغ والعلاقات القائمة بينها ليشرح ويعلل يهدف من هذا إلى فهم الجهد الإنساني الخلاق للعملية الإبداعية وفق قيود وشروط معينة. وهكذا ينبغي أن نفهم العمل اللساني العلمي بهذه الطريقة، إن اللساني يسعى دائماً لاكتشاف الصيغ اللغوية الخلاقة التي بدورها تعكس التجانس والتماسك والترابط المنطقي في المادة المدروسة، سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة. بالإضافة إلى أن اللسانيات مبنية على العلم، إلا أنها تهتم أيضاً بالجمال المخبأ، ذلك لأن الجمال كما يقول آلتون بيكر (A. Becker 1979) هو الحس الذي ينبثق من التجانس والتماسك المنطقي(20).
إن النتيجة التي يتوصل إليها الباحث اللساني على نحو جمالي من خلال دراسته لنص معين تعد في طبيعتها اكتشافاً للمبادئ المتجانسة والمتماسكة التي تؤسس ذلك النص المدروس. إن دراسة الخطاب هي كشف لهذا التجانس والجمال المتجسد في السلسلة المتعاقبة من الكلمات، وهي كشف للقوة السحرية الغامضة التي تتغلغل بين هذه الكلمات وتشعُّ بالأفكار والصور والعواطف.
والحقيقة يسعى كل الباحثين المهتمين بتحليل الخطاب (على اختلاف اختصاصاتهم في اللسانيات أو الأدب أو الرياضيات أو الأنثروبولوجيا... الخ) إلى تحقيق هدف واحد: هو كشف الأبنية والصيغ والعلاقات القائمة في لغة من اللغات. وطبقاً لرأي اللسانية الأمريكية تانن، إن هذه المهنة هي مهنة إنسانية مناسبة وأنيقة وهي مهنة نظرية وتجريبية بل وحتى جمالية(21).
من الموضوعات التي تهتم بها نظرية تحليل الخطاب ما يلي:
(1)تقويم المهارة الشفهية.
(2)استثمار نتائج تحليل الخطاب وتطبيقها على العملية التعليمية ولا سيما في حقل المناهج وأصول التدريس.
(3)تصميم نماذج شكلية كافية للخطاب الطبيعي.
(4)الصمت ووظائفه.
(5)الوظائف النفعية للخطاب.
(6)اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة والفروق القائمة بينهما.
(7)الكتابة وأثرها في تنمية الإدراك.
(الأمراض الكلامية وأنموذج الحديث الواضح.
(9)مناهج تحليل الخطاب لفهم مهارة القراءة.
(10)تحليل الخطاب وعلاقته بالترجمة والتأويل.
والواقع أن كل هذه الحقول المعرفية التي تعمل فيها نظرية تحليل الخطاب تعني شيئاً واحداً يتلخص في أن اللسانيات (Linguistics) من خلال اقترابها من اللغة علمياً وجمالياً تسعى إلى معرفة الجوهر الإنساني القابع في أعماق الخطاب اللساني.
هوامش:
(1) Firth, J. (1957 p:7-33). “The Technique of Semantics” in: papers in Linguistics 1934-1951. London. O, u, p.
(2) Ibid. (1957 p. 7-33).
(3) Bloomfield, L (1933) language. New York, Holt, Renihart.
(4) Chomsky, N (1957) Syntactic Structure. The Hague, mounton.
(5) Lakoff, R (1972 p: 907-927) “Language in context” in: Language 48/4.
(6) Harris, Z (1952 p: 1-30) “Discourse Analysis” In Language. No 28.
(7) Mitchell, F (1957 p: 31-71). “The language of buying and selling in Cyrenaica”. In Hesperis no 44.
( Labov, W (1970 P: 30-87). “The study of language in tis social context”. In studium General. no 23.
(9) Labov, W (1972 P: 120-169). “Rules for ritual insults”. In studies in social interaction New York, free press.
(10) Hymes, D (1972 P: 35-71). “Models of the interaction of language and social life”. In Gumperz, J and Hymes, D (eds). Directions in sociolinguistics. New York. Holt, Renihart and Winston.
(11) Austin, L (1962). How to do things with words. Oxford, clarendon press.
(12) Singlair, McH- Forsyth, J- Couthard, M- and Ashby, C (1972). “The English used by Teachers and pupils”. Final Report to S.S.R.C. Mimeo, Birmingham University.
(13) Searl, R (1969). Speech Acts. London. C.U.P.
(14) Lyons, J (1968). An Introduction to Theoretical linguistics. London, C.U.P.
(15) Tannen, Deborah (1982 P: ix). Analyzing Discourse: Text and Talk (ed). Georgetown University Press Washington, D.C.
(16) Bright, W (1982 P: 271-281). “Literature: written and oral”. In Tannen, D (ed). Analyzing Discourse: Text and Talk. Georgetown University Press. Washington D.C.
(17) Tannen, D (1982 P: x) Analyzing Discourse: Text and Talk. (ed). Georgetown University Press, Washington D.C.
(18) Ibid (1982 P: x).
(19) Judson, Horace free land (1980 P: 11). The search for solutions. New York: Holt Rinehart Winston.
(20) Becker, Alton (1979 P: 211-243). “Text- building, epistemology and aesthetics in Javanese shadow theatre”. In The imiagination of reality. Edited by A. Becker and A. yengoyan. Norwood, N J: Ablex.
(21) Tannen, D (1982 P: xi) Analyzing Discourse: Text and Talk (ed). Georgetown University Press, Washington D.C.
***************************************