تجليات المكان في الرواية: المفهوم والدلالة والتأويل
الكاتب : د. مصطفى عطية جمعة | ارسال| طباعة| حفظ| تعليق| حجم الخط |
<table cellspcing="9" align="left" cellpadding="5"><tr><td> <table cellspcing="0" style="background-color: rgb(255, 255, 255);" align="center" cellpadding="2"><tr><td align="center"> </td></tr><tr><td> </td></tr></table> </td></tr></table>ليس المكان مجرد عالم مادي يحيط بنا، إنه يؤطرنا، ويستوعب ذواتناوأفكارنا، ويحتضن علامات ثقافتنا، وتظل معالمه مغروسة في لاوعينا، وعندماتذكر أمامنا، أو تطفو علي سطح ذاكرتنا، تأتي ومعها كل إيحاءاتها،ونتوءاتها، وأيضا قيمها. يعتري مصطلح المكان إشكاليات في الدراساتالنقدية، وهي ناتجة عن الترجمة الغربية للمصطلح Space، Espace فلم يتعاملالنقاد الغربيون مع مصطلح "المكان" إلا عرضا. وترجم بعض النقاد العربالمصطلح الأجنبي بـ "الفضاء"، وهو يعني في طياته الخواء والفراغ، وأيضايعني الخلاء المكاني، والبعض يترجمه بـ "الحيز.. "، ويشمل معطيات المكان:النتوء، والوزن، والحجم والشكل، وهو الشيء المبني في فضاء مكاني، وهو أيضاالامتداد المتصور، ويمكن أن يدرس من خلال وجهة نظر هندسية، فالفضاء بمثابةالوعاء الضخم الذي يستوعب بداخله الأمكنة المختلفة: الكون بمجراته ونجومهوكواكبه، والأرض بما عليها، وإن كانت دلالة الفضاء تعني في الذهنيةالعربية: الفراغ والخواء وأيضا العدم . ولفضّ هذه الإشكالية، ما بين إطلاقتسمية المكان أو الحيز أو الفضاء، نعود إلي المفهوم المقصود بدايةً، فهويشير إلي دلالة الموضع الذي يعيش عليه الإنسان علي سطح الأرض، وهذا الموضعيشمل موقع سكنه، وعمله، وسائر أوجه نشاطاته وعلاقاته الإنسانية بكلتداخلاتها وأبعادها، ويتسع أكثر ليشمل الطبيعة من حوله: صحراء، غابات،أنهار، أمطار، وهو تنعكس علي تكوينه، مثلما تتأثر بأنشطته وحياته. والدلالةاللغوية في المعاجم العربية، تشير إلي أن المكان هو: الموضع، وتعني التوسعالمكاني، وتطلق علي وكنات الطير والمنازل ونحوها. وأيضا تعني الاستقراروالوجود والثبات في مكان ما وجمعها أمكنة وأماكن، وبالتالي، فإن المعنيهنا يتفق مع الدلالة المبتغاة، فلا بأس من إطلاق تسمية المكان عليها،فالعبرة بالدلالة المقصودة والمفهومة لدي الباحث والقارئ، خاصة أن المصطلحمستخدم في الدراسات الأدبية العربية منذ عقود، واستقر استعماله بشكل كبير. فعندما يذكر المكان فهو: موضع العيش والإقامة، وموضع السفر والهجرة، وهوالحيز الذي يحوي الإنسان وأنشطته، ويتسع ليشمل الأرض بما عليها. وبعبارةأخري، فإننا نربط المكان بالرؤية الأدبية والنقدية المتفق عليها، وننأي بهبعض الشيء عن المقصود الحرفي للكلمة الأجنبية، التي قد تشمل الفضاءالخارجي، وهذا ما يؤيده الفلاسفة وبعض العلماء، بتحجيم خصائص الفضاء(الحيز) وقصرها علي مجرد علاقات بين الأجسام الحقيقية، فالمكان "مجردوسيلة لغوية تستعمل للتعبير عن هذه العلاقات وهم يرون أن العلاقاتالمكانية بين الأجسام لا تحتاج إلي وجود شيء ملموس قائم بذاته اسمه المكانإلا بقدر ما تحتاج العلاقة بين مواطني بلد ما شيئا ملموسا اسمه المواطنة"،كما يري ديفيز في "المفهوم الحديث للزمان والمكان" (ترجمة د. السيد عطا ،الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، 1998، ص12). وهذا يعني أنالمكان مجرد اصطلاح دال علي وجود، وهذا الوجود: بشر، بيوت، مصالح،تشابكات، تعاركات، ومن وراء ذلك هناك أفكار ومشاعر وأحاسيس ورؤي تتوالد،وهذا ما يترسخ في أعماق الأديب، لتملأ وجدانه، ويفيض بها مداد قلمه. لذافإن مفهوم المكان في الأدب لا يفهم من خلال الوصف المادي فحسب، وإنما فيالعلاقة الجدلية التي بين الإنسان/ البطل/ الأديب والمكان، وفي العلاقةالدافئة أو الحادة، التي تستشعرها الذات الأدبية في علاقتها بالمكان، وهذاما سيتم تفصيله بعدئذ. قد يكون هناك تصور أن لا علاقة بين المكان والزمان؛فشتان بينهما، فالمكان مادي، أما الزمان فهو يدرك ويلاحظ، أي غير مادي،وإن كان يمكن متابعته وقياسه بوسائل مادية. ولكن علماء الرياضياتوالفيزياء لهم رأي مختلف في هذا الشأن، حيث يكاد تعريفهم للمكان يتماثل معتعريفهم للزمان، فهو يرون أن الحركة تعد حلقة وصل بين الزمان والمكان،فدراسة حركة الأجسام والإشارات الضوئية تكشف عن أن المكان والزمان ما همافي الواقع إلا مظهران لبنية واحدة تسمي المكان/ الزمان (حسب ديفيز) أوالزمكانية إذا جاز التعبير، وهذا لا يبدو إلا بالتأمل فيما حولنا، فالسفر،أيا كان برا، بحرا، جوا، وفي الفضاء الخارجي؛ يعبر عن الوحدة الزمانيةوالمكانية، فإذا كنا نقطع الطريق مسافة مئة كيلو متر لمدة ساعة، فهذا يعنيمكان وزمان متحدين. ونفس الأمر في حركاتنا في الفضاء المكاني، فنحن نقضيحوائجنا بحركة أجسادنا في زمن ما علي مكان ما، وهكذا يكون الزمكاني، وبهنقرأ الوجود من حولنا، ونقرأ المكان قراءة شاملة، لا تحصره في المادي فقط،فهو يشمل الزمان والإنسان أيضا. وهذا ما ينطبق علي الحدث في القصّ،فالحدث لا يختزل في مجرد الحركة، وإنما هو دال علي نشاط الإنسان، في فضاءالمكان، خلال فترة من زمن، أي تتطور قراءتنا لأحداث القصص من فهم الحدثكحدث إلي تحليل المكان ودلالته، والزمان وأثره . علي جانب آخر، فقد ثوّرتالنظرية النسبية رؤيتنا للمكان والزمان بوصفهما وحدة واحدة، متجاوزة ماطرحه نيوتن؛ الذي رأي أن المكان ليس مطلقا في وعينا، بينما الزمان مطلق،فالمكان لديه نسبي أما الزمان فثابت، ثم يجيء أينشتين ليعارضه مؤكدا أنالزمان والمكان نسبيان، فكل إنسان لديه إدراكه الخاص للزمان، الذي يشابهالمكان في نسبيته. وكي تتضح الصورة أكثر، فإن إطلاق شعاع من جهاز رادارعلي الأرض إلي القمر، سيختلف إدراكه زمانيا ومكانيا، فلو حسبنا مسافةالشعاع من مركز الشعاع علي الأرض إلي القمر ستكون مختلفة عندما نحسبهاونحن واقفون بعيدا عنها عند القطب الشمالي مثلا، ونفس الأمر في الزمان،فرؤيتنا لزمن الشعاع يختلف من مركز الأرض عنه من قطبي الأرض وهكذا (حسيمايؤكد ستيفن هوكنج في تاريخ موجز للزمان. الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ، 2001 ، ص30 ، 31 ). ولو طبقت هذه النظرة علي الصعيد الأدبي،فإن تعاملنا مع المكان يختلف من فرد لآخر، رغم الاتفاق علي مكوناته،فإدراك البدوي للصحراء التي عاش فيها وتعامل معها؛ يختلف جذريا عن إدراكالجيولوجي لها، وعن إدراك عالم النبات، وأيضا يختلف العصر زمنيا في وعي منعاشَه، عن وعي المؤرخ الذي يسجل أحداثه، أو من يقرأ هذا التسجيل في عصورلاحقة.. إذن وعي الذات للمكان، يختلف زمنيا، فلا يقرأ المكان بمعزل عنالزمان. تحيلنا السيميوطيقا (علم العلامات) في قراءتها للمكان إليإدراك جديد للمكان، يتجاوز ماديات المكان إلي علامات المكان؛ فهو "ليسفضاء فارغا، ولكنه مليء بالكائنات وبالأشياء .. ، والأشياء جزء لا يتجزءمن المكان، وتضفي عليه أبعادا خاصة من الدلالات" . (حسب سيزا قاسم فيالقارئ والنص (العلامة والدلالة) المجلس الأعلي للثقافة ، القاهرة ، 2002، ص48). فالمكان الذي نحيا فيه ليس سلبيا ولا صامتا، ولكنه يحمل دلالةتتخلل جميع الأبعاد والإحداثيات والأركان والظواهر الطبيعية والأشياء، وهيتتمثل خير تمثيل في الفن، فعندما نذكر أشياء من المكان فهي بمثابة علاماتعليه وعلي مكوناته، فلا يحتاج المبدع إلي ذكر تعريف تفصيلي لمدينة شهيرة،وإنما يكتفي باسمها، وبعض معالمها في سياق نصه، وتكون هذه المعالم إحالاتتعطي أبعادا معرفية وتأويلية ونفسية للقارئ . فتتم دراسة الإشاراتالمكانية ضمن منظومة (سيميوطيقية) علاماتية كاملة، وفي ضوء معطيات النصالجمالية والرؤيوية، فليست الأطلال في الشعر الجاهلي - الواردة مجردإحالات معرفية بل إشارات مكانية، إنها رموز علي زمن تولي، كان للشاعرعلاقات مع شخوص عاش معهم فيها، وكانت الأطلال ? كلما مر بها ? شاهدة عليحقبة زمنية، بكل تداعياتها وأحداثها. وتختلف هذه العلامة من شاعر لآخر،مثلما هي تختلف من مكان إلي آخر، ومن زمن إلي آخر، فتكون علامة مميزةللنص، وتفهم من سياقه، وتعكس نفسية شاعره. إن كل نص له علاماتهالمكانية، التي تكون وسيطا بين المبدع والقارئ، وتبدأ هذه العلامة بمعلومةمفصلة أكثر، ثم تتحول في متن النص إلي علامة علي هذه المعلومة، وكلماارتبطت الأحداث بهذه العلامة المكانية، ازدادت إيحاءاتها كلما ذُكِرَت فيالنص، ويتفرع عنها ? في ثنايا النص ? علامات فرعية، تشكل في مجملها شفراتمكانية، تسهم في إنتاج الدلالة بشكل إضافي، إذا قرئت بعناية . فالشفراتالسيموطيقية "توفر إطارا تصوريا، تصبح العلامات فيه مفهومة، أي أنها أدواتتفسيرية تستخدمها الجماعات أو التجمعات التأويلية" (حسبما ورد في معجمالمصطلحات الأساسية في علم العلامات "السيموطيقا"، دانيال تشاندلر، ترجمة:د. شاكر عبدالحميد ، منشورات أكاديمية الفنون، القاهرة ، 2002، ص30). للمكانمظهران؛ المظهر الجغرافي المباشر، الذي يرصد المكان بشكل تقليدي واضح،ويرصد جزئياته بوصف الجبل والطريق والبيت والمدينة وغير ذلك، وهناك المظهرالخلفي غير المباشر للمكان، حيث يمكن تمثل المكان بواسطة كثير من الأدواتاللغوية ذات الدلالة غير التقليدية، مثل سافر، خرج، أبحر، مر بحقل. فيكونالمكان حاضرا كصدي، وضمن الخلفية. وعندما يقرأ النص من منظور مكاني، لايقف القارئ الفطن عند المظهر الجغرافي ولا المظهر الخلفي، وإنما يقرأالمكان ضمن الهرمنيوطيقا (علم تأويل النصوص) وهو "نظام من الممارساتالتفسيرية الضمنية أو المضمرة، يتصف نسبيا بالانفتاح والاتساع، وينشطغالبا علي مستوي اللاشعور، وذلك في مقابل الشفرات الأكثر وضوحا وتحديدا منالناحية الشكلية" (حسب معجم العلامات)، وهذا يحفز القارئ إلي إعادةالتعاطي مع المكان بوصفه عالما يتجاوز المادي إلي اللامادي، وتتفاعل فيأعماقه العلامات التي يوردها السارد عن المكان، ليعيد تلقي النص بشكلمختلف، ولا شك أن قراءة علامات المكان ستسهم في فهم النص بشكل مختلف،وتعطي المزيد من الدلالات والتأويلات. فالمبدع يتعامل مع المكانبإدراكه الخاص، بخياله، وأحاسيسه، وبرؤيته لطبيعة البشر القاطنين فيالمكان أو المرتحلين عبره. وهو يتجاوز الأرضي إلي المكان الفسيح في الكون:نجوما، وكواكب، وسموات، فيمكن أن يصهر كل هذا في نص واحد، وفي جملة واحدة. وعندمانتأمل القص العربي مثلا نجد أن المكان شهد تجليات عديدة، اختلفت حسبرؤية المبدع وعلاقته وتعبيره عن المكان، وحسبما استقر في وعي القارئ، وهذاما يمكن تأويله في محاور أربعة: حيث يكون وعاء للأحداث والشخوص، ومعبراعن روح العصر، وطبيعة المجتمع والعلاقات الاجتماعية الكائنة، وأيضاالعلامات المعمارية فيه. وهذا يبدو في أعمال نجيب محفوظ مثل: زقاق المدق،قشتمر، وثلاثيته: بين القصرين، قصر الشوق، السكرية• فهذه عناوين لأحياءشعبية في القاهرة، فقد جاء المكان كوعاء يحتوي الشخوص وحركتها وتوجهاتهاالفكرية والثقافية، فلا غرابة أن تتعنون الروايات بعناوين الأحياء، فهيليست روايات أحداث وشخوص، إنها روايات عالم بأكمله، يتجاور الأحياءويتحاورون ويتعايشون ويتعاركون فيه، وتتعاقب عليهم الأزمنة في نفس المكان،وتتنوع الأحداث، وتهرم الشخصيات، ويولد الجديد، وتتبدل معالم المكان، ولكنيظل المكان حاويا لكل هذا• وبتعبير نقدي إنه "تماهي الأزمنة، وثباتالأمكنة"، فالمكان ثابت، والأزمنة والشخوص تتبدل، وتتغير الأحداث، وعندماننظر برؤية مكانية (وعائية) إلي روايات نجيب محفوظ سابقة الذكر، نجد أنهيعبر عن أمكنة متقاربة جغرافيا، ولكنها تتسع زمنيا، وتتنوع في أنماط البشروأخلاطهم، فكأن العناوين المكانية معبرة عن ثبات المكان، رغم التسليمبتبدل معالم هذا المكان، وتحولات الشخصيات فيه. حيث يصبح المكان هوالمهيمن والمتحكم في حركة الشخوص ومسببا للأحداث الرئيسة فيه، ونري هذا فيثلاثية عبد الرحمن منيف "مدن الملح"، فقد كان المكان بصحراويته القاحلةالشاسعة الجافة، هو المهيمن علي تصرفات الشخوص، وهو أيضا السبب في قدومشركات النفط الأجنبية، التي قلبت حياة سكان الواحة رأسا علي عقب، ومن ثمتغيرت معالم المكان، وتغيرت النفوس وتصارعت الأحداث، وتبدلت الأفكار. ونفسالأمر نجده في أعمال الروائي الليبي إبراهيم الكوني مثل: الواحة، البئر،التبر، نزيف الحجر، ديوان النثر البري، حيث نري الطبيعة الجبلية مهيمنةعلي سلوك وتكوين الشخصيات، وأحيانا صانعة للأحداث، فعندما تنحدر الصخورالعملاقة من أعالي الجبل تصبح هي الحدث الرئيس الذي تدور حوله أحداثعديدة، وتختفي شخوص، وترحل شخوص. وعندما يجرف السيل قرية بأكملها، تتشتتالجثث، وتتفتت الأسر، فالمكان هو المهيمن في كل ذلك، وهذا ليس مجرد أحداثفرعية، وإنما تبدأ الرواية بوصف المكان، ومن فيه، ومن ثم تتوقف حياةالشخصيات حسب ما ينتج عن المكان من خير أو شر. ويتفرع عن هذا المحور مايسمي "معلم المكان المهيمن" وفيه يكون أحد عناصر المكان هو البطل المهيمن،كما في القصة القصيرة "أم الشعور" ليوسف إدريس مثلا، وفيها نشاهد علاقةشجرة أم الشعور ورعايتها لطفل عاني الفقد والحرمان، فيتعايش معها، وتحتضنهبظلالها، وتعانقه بأغصانها، وتتكون علاقة أشبه بالأمومة بين هذا المعلمالمكاني في بيئة زراعية. وفيه يتراجع المكان، ويكون علي هامش النص، أييكون إطارا وحوافا، فيكتفي السارد بذكر إشارات مكانية بسيطة، تجعل القارئيدرك إطار الأحداث الدائرة، لأن صناعة الحدث هنا تتأتي من معطيات أخري،مثل رواية العيب ليوسف إدريس، فقد اكتفي بذكر القاهرة كإطار جامعللشخصيات، ومن ثم تتفاعل الأحداث، حيث تتعرض البطلة إلي ضغوط الأسرةوحرمان الأخ من دخول الامتحان لعدم دفع المصاريف، ومن ثم ترضخ البطلة إليالإغراءات وتتنازل لزميلها في العمل، في الوقت الذي كان يفكر فيها كزوجة. ويكونالمكان إطارا خادعا أيضا، كما في روايتي " فيينا 1960"، ونيويورك 1980"ليوسف إدريس، فالسارد في الروايتين مبهور عند وصوله إلي المدينتين بمظاهرالحضارة العربية ومعالمها، ولكنه يستسلم لغوي النفس، وبدلا أن يقيم علاقةإيجابية مع المكان (ثقافيا وفكريا)، يصبح المكان خادعا وينحدر الخداع إليدرك علاقة جنسية مع امرأة نمساوية (في رواية فيينا)، وتكون جلّ الأحداثفيها حول هذه العلاقة التي بدأت بتحرش في الباص، ثم مرافقته لها إليمسكنها، ليظل البطل علي هامش المكان، مستسلما لغوايته وهي غواية تقليديةكما اعتدنا في السرد العربي لكل من تعامل مع الغرب مكانيا، ويتكرر الأمرذاته في روايته نيويورك 1980، حيث يقف البطل عند حافة المكان ليكون شاهداعلي قسوة المجتمع الأمريكي، وتهافته، وأيضا تجاوزاته. ويكون حضورالمكان ضعيفا، يكتفي السارد بإشارت بسيطة عن المكان، وهو اتجاه استدعتهضرورة فنية، حين يكون الحدث أو الشخصية هي أساس الرؤية، وأيضا يكون المكانمعروفا مألوفا للمتلقي، فلا يحتاج إلي تفصيل وإيضاح، وإنما هدف القارئالوقوف علي معطيات القص والحدث. وهذا واضح في العديد من الروايات مثلرواية "في عيون الآخرين" للروائي علاء الدين مصطفي، فالمكان شقة يعيش فيهاالبطل مع زوجته وأمه، وتكاد تتلاشي أية خصوصية للمكان فيها، إنها شقة فيمدينة عصرية، وتنصب أحداث الرؤية علي شخصية الزوجة التي تنمحي في شخصياتمَن حولها، فلا نراها إلا من خلال عيونهم، إنها تعيش علي هامشهم، وكلأفعالها صدي لأفعالهم، فتحيا في أزمة وضياع طيلة أسطر القص، لا نكاد نعثرعلي فكر لها، ولا تصرف حاسم يميزها. المصدر : القاهرة(صوت البلد) نشر: 2010-07-28 |