منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التحليل البنيوي للخطاب الشعري

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التحليل البنيوي للخطاب الشعري Empty التحليل البنيوي للخطاب الشعري

    مُساهمة   السبت ديسمبر 12, 2009 10:09 am

    لدراسات
    التحليل البنيوي للخطاب الشعري ـــ د.فاتح علاق



    التحليل البنيوي للخطاب الشعري ـــ د.فاتح علاق

    لقد جاءت البنيوية كمنهج نقدي لتركز على الأدب من حيث هو لغة خاصة، بنية تترابط عناصرها بحيث لا يمكن استبدال كلمة بأخرى أو حذف عنصر أو اختزال النص دون أن يختل. فالنص شبكة من العلاقات الداخلية الخفية التي تربط جملة الوحدات البنائية. واللغة الأدبية لغة بنيوية تختلف عن اللغة الفلسفية والدينية والعلمية التي يمكن استبدالها أو اختزالها لأنها لغة اصطلاحية تؤدي معاني محددة. ويتمثل النقد البنيوي كمنهج لغوي في اكتشاف البنى أولا وتحليلها ثانياً بالتدرج من البنية السطحية من خلال المستويات الصوتية والصرفية والتركيبية إلى البنية الدلالية العميقة. فالبنية ليست مجرد شكل المستويات الصوتية والصرفية والتركيبية إلى البنية الدلالية العميقة. فالبنية ليست مجرد شكل وإنما مضمون أيضاً، هي جوهر اللغة الشعرية (1). ومن ثم فهي ليست جاهزة أو محددة وإنما تكتشف، ذلك أن كل بنية مرتبطة بكل بنية في النصوص تتلون بها وتلونها. ولا يمكن معرفة دلالتها إلا بعلاقتها المتعددة بغيرها من البنيات. فهي تتميز بالكلية والتحول والتحكم الذاتي (2). ومن ثم فالنص بنية متلاحمة العناصر، بنية كبيرة تحتوي على بنى متفاوتة من حيث الطول، فهناك وحدات صغرى كالبنية الصوتية والصرفية، وهناك وحدات أكبر كالبنية التركيبية ووحدات كبرى مثل البنية السردية أو الوصفية أو الحوارية. والمنهج البنيوي ليس منهجاً متعالياً على النص كالمنهج الاجتماعي أو النفسي وإنما هو منهج محايث للنص، يتشكل مع عملية الاكتشاف والتحليل وليس منهجاً جاهزاً يطبق على جميع النصوص بالتساوي(3). فما يصلح لنص ليس بالضرورة أن ينطبق على نص آخر، وما يلائم النص السردي قد لا يلائم النص الشعري. والمنهج البنيوي ليس منهجاً شكلياً يتوقف عند المستوى السطحي للنص بل يتخلل كل البنى ليصل إلى البنية العميقة له. ذلك أن البنية كما أشرنا سابقاً ليست مجرد شكل بل مضمون أيضاً.‏

    على أن البنيوية وإن انطلقت من جهود لغوية أساساً لدوسوسير والشكلانيين الروس وحلقة براغ وغيرها فإنها أخذت أشكالاً مختلفة(4). فالبنيوية بنيويات، فالبنيوية الشكلانية غير البنيوية التكوينية، والبنيوية الفرنسية غير البنيوية الأمريكية، وبنيوية بارت غير بنيوية جينات أو تودوروف وإن كان ثمة جذور مشتركة. ثم إن النقد البنيوي يختلف من دارس إلى آخر بحسب النصوص التي يدرسونها والمدارس التي ينضوون تحتها.‏

    وكما اختلف النقد البنيوي في الغرب كذلك اختلف لدى الدراسين العرب من حيث المنظور والطريقة والإجراءات. ومن أهم هذه الدراسات (الخفاء والتجلي) لكمال أبي ديب و(حركية الإبداع) لخالدة سعيدة، و(معرفة النص) ليمنى العيد، و(الخطيئة والتكفير) لعبد الله الغذامي، و(الشعرية العربي الحديثة) لشربل داغر، و(بنية الخطاب الشعري) لعبد المالك مرتاض وغيرها. ولكل دارس من هؤلاء الدارسين طريقته في تحليل الخطاب الشعري وإن كانت تتفق في بعض المنطلقات النظرية والأدوات الإجرائية. فهي من حيث اهتمامها بالبنية تميز بين اللغة والكلام، وتستند إلى مفهوم النسق والسياق والتزامن، وعلاقات الغياب والحضور كما تهتم بهيمنة عناصر على أخرى في تحديد البنية.‏

    ولعل أهم الدراسات البنيوية في تحليل الخطاب الشعري (الرؤى المقنعة) و(جدلية الخفاء والتجلي) لكمال أبي ديب. أما تحليله للشعر الجاهلي في كتابه الأول فيستند إلى جملة من المعطيات يذكرها في مقدمته هي:‏

    1ــ التحليل البنيوي للأسطورة لليفي شتراوس‏

    2ــ التحليل التشكيلي للحكاية عند بروب.‏

    3ــ معطيات التحليل اللغوي والدراسات اللسانية والسيميائية والبنيوية الفرنسية.‏

    4ــ معطيات أساسية في الفكر الماركسي في معرفة العلاقة بين بنية العمل الأدبي والبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية‏

    5ــ تحليل عملية التأليف الشفهي في الشعر السردي عند ملمان باري وألبرت لورد(5).‏

    ويهدف الباحث من عمله هذا إلى بلورة منهج جديد يأخذ من هذه المعطيات السابقة ويطور صيغة أولية للمنهج بدأت مع دراسته لعبد القاهر الجرجاني وتطورت مع اطلاعه على الدراسات اللغوية الحديثة والنقد الجديد(6). على أن هذا الزعم لا يستقيم له، ذلك أن تحليله للشعر الجاهلي يقترب من التحليل الغربي(7) أولاً، ولأنه لم يطلع على كتب سبقته في هذا المجال باعترافه هو ثانياً. ثم إن عدم إطلاعه وتوصله إلى آراء سبق إليها غيره لا يستقيم مع زعمه أنه يؤسس منهجاً بنيوياً عربياً أصيلاً وجديداً(Cool.‏

    ويميز أبو ديب في حديثه عن بنية القصيدة الجاهلية بين بنية قصائد وحيدة الأبعاد تطغى عليها الذاتية مثل شعر الهجاء والحب وبعض قصائد الخمر والمرثية، وبين بنية القصائد المتعددة الأبعاد(9) التي تقوم على تجربة عميقة وثرية. وهو يحلل في هذا الكتاب قصائد كثيرة لشعراء جاهليين أمثال امرئ القيس وزهير وطرفة وعنترة ولبيد. وهو بعد أن يحلل هذه النصوص الشعرية المتعددة يصل إلى أن الحديث عن بنية ثابتة للقصيدة الجاهلية ((عبث يفتقر إلى أدنى شروط العلمية والمعرفة الشعرية))(10)، ذلك أن لكل قصيدة بنية تختلف عن غيرها. وهو في بحثه هذا يقف عند البنية ومكوناتها وعلاقاتها بعضها ببعض وعلاقتها بالرؤيا(11). على أنه في تحليله لهذه النصوص الشعرية يركز على الثنائية دون غيرها، وعلى الثنائية الضدية أكثر من غيرها.‏

    ((وبالرغم من أن محور الثنائية أساسي في المنهج البنيوي إلا أنه ليس وصفة جاهزة تصلح لاكتشاف الخواص المميزة لكل نص شعري... والاقتصار على المستوى الثنائي المباشر مصادرة قد تمنع الباحث من الاستجابة الحرة الواعية للنص واكتشاف نظامه الخاص))(12).‏

    ونقف في هذه الدراسة عند نموذج معين هو تحليله لمعلقة لبيد بن ربيعة لمعرفة نجاعة الأدوات الإجرائية والمستويات التي وقف عندها في تحليل الخطاب الشعري. يبدأ أبو ديب باكتناه وحدة الأطلال ثم يخصص جزءاً للعناصر المهمة بنيوياً وعلاقاتها بعضها ببعض. وهو يستند في تحليله للقصيدة إلى التحليل البنيوي للأسطورة لليفي شتراوس، ويتحدث عن البنية الأسطورية للقصيدة(13).‏

    يبدأ الباحث تحليله بالإشارة إلى نمو القصيدة بنيوياً من خلال تدرجها من وصف الديار إلى صورة النساء الراحلات مع القبيلة، ثم توتر العلاقة بين الشاعر وبين حبيبته والتي تؤدي إلى الرحلة ووصف الناقة ليعود الشاعر إلى إصراره على قطع علاقته مع حبيبته. ويتطور هذا إلى الاعتزاز بالنفس ونظام القيم الذي يؤمن به ثم يتطور إلى الاعتزاز بالقبيلة.‏

    وهو يقف في تحليله للقصيدة عند الثنائيات فيشير إلى أن القصيدة تنمو عبر الثنائيات الضدية واللفظية. ويضع قائمة لهذه الثنائيات التي تقوم على التضاد والمزاوجة مثل: محلها فمقامها، حلالها وحرامها، ظباؤها ونعامها، نؤيها وثمامها، سومها وسهامها، إرضاعها وفطامها... إلخ. ويرى أبو ديب أن هذه الثنائية تمثل رؤيا الشاعر للوجود باعتباره مكوناً من ثنائيات ضدية ومفارقات ــ وهو هنا يهمل الثنائيات الأخرى التي تطغى على النص، والتي تشكل رؤيا الشاعر ــ فالشاعر يرى أن كل الذوات تقريباً تمتلك طبيعة ضدية إذ إنها سلبية وإيجابية في الوقت نفسه. فالقبيلة ذات إيجابية من حيث إنها توحد بين الفرد والجماعة لكنها تحمل ملمحاً سلبياً يتمثل في ذكر لئامها الذين يميلون إلى أعدائها. والبقرة التي تعطي الحياة تدمر الحياة من أجل أن تنقذ حياة صغيرها. والناقة ذات طبيعة ثنائية: فهي تعين الشاعر على نسيان أحزانه من خلال السفر، ولكنها من جهة أخرى تبعد الأحبة(14).‏

    ويقدم الباحث مخططاً للقصيدة تبين لنا تطورها، فهي تبدأ بالجفاف والمجاعة والموت فتضطر القبيلة على هجرة الديار بحثاً عن الخصب وتصل إلى الأرض الخصبة ولكن بعد معاناة وعذاب وخوف، وتبقى مع ذلك مهددة بالمجاعة والموت والجفاف(15).‏

    وفي هذا التحليل إهمال للمستوى الصوتي والصرفي والنحوي وتركيز على الدلالة. فأين دور الإيقاع والصورة الشعرية في بناء القصيدة؟ فهو يركز على العلاقات بين مكونات القصيدة وعلاقتها بالرؤيا دون اهتمام بالبنية من حيث هي تعبير جمالي مخصوص يكشف عن خصوصية في الرؤيا. ومن ثم ندرك أن تحليل القصيدة يشكو من نقص كثير، وأنه لا يضيء النص بقدر ما يضيعه. فهو يفككه ليصل إلى بنيته العميقة في علاقتها بالواقع الخارجي علماً أن القصيدة فن لا يتحدد بالخارج بل بمنطق داخلي يندرج ضمن سياق اجتماعي وثقافي.‏

    ومثلما ركز في (الرؤى المقنعة) على الثنائية في تحليله للخطاب الشعري كذلك الأمر في كتابه (جدلية الخفاء والتجلي). كما نلاحظ هذا الربط بين البنية اللغوية والرؤيا، بين الفن والحياة. فهو يذكر أن هدف كتابه يتمثل في ((اكتناه جدلية الخفاء والتجلي وأسرار البنية العميقة وتحولاتها طموحاً إلى فهم عدد محدد من النصوص أو الظواهر في الشعر والوجود، بل إلى أبعد من ذلك بكثير: إلى تغيير الفكر العربي في معاينته للثقافة والإنسان والشعر، إلى نقله من فكر تطغى عليه الجزئية والسطحية والشخصانية إلى فكر يترعرع في مناخ الرؤية المعقدة، المتقصية الموضوعية والشمولية والجذرية في آن واحد...))(16). فأبو ديب لا يقف عند البنية اللغوية ذاتها ولكن يتجاوزها إلى البنية العميقة، إلى علاقة اللغة بالوجود. فبنية القصيدة ((تجسيد لبنية الرؤيا الوجودية، بنية الثقافة والبنى الطبقية والبنى الاقتصاــ سية، والبنى الفكر ــ نفسية في الثقافة))(17). على أن أبا ديب لا يتجاوز العلاقة بين الثنائيات في القصائد التي حللها لأبي نواس وأبي تمام وأدونيس وغيرهم. فهو يركز على ثنائية الحياة والموت في أبيات تميم ابن مقبل، وثنائية القيد والإطلاق، الحركة والسكون في أبيات أبي محجن، وثنائية الانغلاق والانتشار في مقطوعة عمر بن أبي ربيعة وغيرهم. ونأخذ هنا مثالاً تحليله لقصيدة أبي تمام التي مطلعها:‏

    رقت حواشي الدهر فهي تمرمر * * * وغدا الثرى في حليه يتكسر‏

    يبدأ الباحث بالإشارة إلى صورة التحول التي تتنامى ((من خلال سلسلة من الثنائيات الضدية أهمها: الزمن الماضي/ الزمن الحاضر، الانقطاع/ الاستمرارية، الأرض/ السماء، التربة/ الزارع. وتخترق هذه الثنائيات جميعاً ثنائية ضدية جوهرية في رؤيا القصيدة هي الطبيعة (الربيع)/ الإنسان (المعتصم) ))(18). وهو يقسم القصيدة إلى حركتين: الحركة الأولى وهي رؤية التحول الجوهري في الزمن عبر ثنائية الأرض/ السماء، الشتاء/ الربيع، المطر/ الصحو، الثرى/ السحاب.‏

    وتبدأ الحركة الثانية بثنائية الله/ الوجود، فالله هو الذي حول الجفاف إلى خضرة. وثنائية المعتصم/ الرعية ((فخلق الربيع هو خلق الإمام وقدرة الربيع على تحويل الطبيعة هي قدرة الإمام إضاءة الوجود وتحويل البلاد إلى زمن خصب))(19).‏

    إن بنية القصيدة حصيلة حركتين: ((الأولى هي حركة التكامل والتناغم التي تؤسس بين سلاسل الثنائيات الضدية عبر القصيدة، والثنائية هي حركة التكامل والتناغم بين علاقتي التشابه والتضاد وسلسلة التشابهات والتضادات الجوهرية بين ذات الربيع الزمن الطبيعي الذي يتخلله من جهة، والمعتصم والزمن التاريخي من جهة أخرى))(20).‏

    ويتناول الباحث الحقول الدلالية في الحركتين فيرى أن الأولى تتكون من أفعال التحول والتغير والتشابك والتداخل والثانية تتألف من أفعال الثبات والديمومة(21).‏

    ويظهر هذا من خلال طغيان الجملة الاسمية في القصيدة والفعل المضارع بدلالته على الحاضر والثابت. ويربط دلالة القصيدة من خلال علاقات التشابه والتضاد بالعناصر اللغوية: الاستعارة والطباق والجناس وغيرها. على أنه يهمل تحليل الصورة، كما يهمل إيقاع القصيدة. وتحليله لهذه القصيدة لا يكاد يختلف عن تحليله لقصيدة لبيد بن ربيعة. فهو يهتم بالعناصر المكونة للقصيدة والحقل الدلالي الذي تنتمي إليه ويبحث في العلاقات القائمة بينها ليصل إلى البنية العميقة أو الدلالة.‏

    أما خالدة سعيد فقد اختارت بعض النصوص الشعرية مثل (الغريب) لإبراهيم ناجي و(النهر والموت) للسياب وبعض النصوص لأدونيس وأنسي الحاج وغيرهم. وقد جمعت بين البنيوية الشكلية والدلالية لاقتناعها أن البنوية الشكلية تركز على الشكل دون المضمون(22). وهي لم تقف عند البنى الصوتية والإيقاعية وإن وقفت عند البنية الإفرادية. على أنها وإن وقفت عند البنى التركيبية في قصيدة ناجي من أساليب النداء والاستفهام والتوكيد والنفي فهي لم تركز إلا على البنى المحورية في نص السياب. ولقد حددت الخطوات التالية في تحليل قصيدة ناجي:‏

    ــ صيغ العبارات ودورها في توليد الدلالة أو المعنى.‏

    ــ المفردات التي تتكون منها القصيدة‏

    ــ الموضوعات التي تطغى على القصيدة‏

    ــ استخراج الصور وتحليلها‏

    ــ الوضعية الجوهرية للشاعر‏

    ــ ملامح العلاقة مع المكان والجماعة(23)‏

    وقد تناولت في دراسة الصيغ صيغة الخطاب التي تدور بين الشاعر (المتكلم) والحبيب (المخاطب)، أما ضمير الغائب فيرد وروداً خاطفاً يمثل جماعة مبهمة، الناس. وهو يكشف عن رؤية رومانسية تستبعد الجماعة. وتتناول أيضاً صيغ التراكيب من نداء واستفهام وتعجب ونفي وإنتاجها للمعنى. فالقصيدة ((تبدأ بالنداء والاستفهام وتوكيد الغربة وتنتهي بالنداء ونفي الصلة بالناس تتوسطها صورة التناقض المستغرب الذي يسكن أحشاء الشاعر))(24).‏

    أما النقطة الثانية فتسعى إلى تحديد الحقل الدلالي لمكونات النص لمعرفة الموضوع الغالب عليه. فهناك كلمات الانفصال مثل: ياتاركي، غربة، ظنون. وكلمات الاتصال مثل لقاء، مجلسنا، وكلمات الوطن مثل وطن وسكن. وتصل إلى أن موضوع الاتصال والانفصال هو الغالب على النص إذ يتكرر ذكرهما ثلاث عشرة مرة. أما بالنسبة إلى الزمن فيكشف لنا تشاؤم الشاعر الذي يعود إلى الماضي لعدم قدرته على تجاوز جو الإحباط والخيبة.‏

    وتحدد بعد ذلك وضعية الشاعر من خلال ثنائيات القصيدة غربة/ وطن، انفصال/ اتصال، جرح/ رحمة، نار/ ابتراد، شقاء/ سعادة... وتصل إلى أن ثنائيات انفصال/ اتصال تشكل إطار القصيدة.‏

    وتشير إلى بعض الصور مثل: ((إن غدا هوة لناظرها)) وفيه تجسيم للغد، و((فيها الظنون ترتعد)) وفيها تشخيص... وتصل إلى أن الشاعر لجأ إلى تجسيد وتشخيص المجردات ليكشف عن حدة الألم الذي يشعر به.‏

    ولا شك أن هذا التحليل قد ربط الشكل بالمضمون في المستوى الصرفي والتركيبي لكنه أهمل المستوى الصوتي والإيقاعي، إضافة إلى أن دراسة الصورة جاءت مختصرة لم تفكك العلاقات اللغوية وتكشف عن الدلالات الفنية البعيدة مع إهمال بعض الصور التي تغني معنى النص وتشكل إطاره. هذا مع تركيز الباحثة على الدلالة أكثر من البنية وأشكالها المختلفة.‏

    وإذا كانت الباحثة قد وضعت لنفسها خطة عمل في تحليل قصيدة ناجي فإنها لم تفعل في دراسة قصيدة (النهر والموت) للسياب. على أننا نستطيع معرفة ذلك بتتبع مراحل هذا التحليل. فقد بدأت دراستها بالوقوف عند هندسة القصيدة لمعرفة المفردات المكونة للقصيدة ووجدت أن الطابع الغالب على المفردات طابع الماء، فهناك42 إشارة إلى الماء تتوزع عبر حقلي الطبيعة والماء، وإضافة إلى وروده منفصلاً عنهما. وهي تستعين بالإحصاء لوضع جدول يبين طغيان نسبة الماء في القصيدة. كما تشير إلى أن القصيدة تقوم على صيغة الخطاب الموجه إلى بويب، أي أنها مسرح بين النهر والشاعر.‏

    وهي تقسم النص من خلال العلاقات المكونة له إلى حركات أربع:‏

    ــ الحركة الأولى: وهي حركة تواتر بين المنغلق والمنفتح، وإيقاع الأبيات فيها إيقاع تحول وولادة.‏

    ــ الحركة الثانية: وهي تنمو من خلال دوائر أربع تمثل تطور الحضورين الإنساني والكوني وتداخلهما.‏

    ــ الحركة الثالثة: وفيها تتوالى التعابير المتعلقة بالرجولة والوعي والواقع.‏

    ــ الحركة الرابعة: وفيها يندفع الشارع إلى أبعاد إنسانية نحو الأفق الميتافيزيقي(25).‏

    وتنتقل الباحثة بعد هندسة القصيدة إلى حيوية النص:‏

    وهي تحدد حيوية النص من خلال العلاقات الموجودة بين محاوره ومستوياته وصوره.‏

    ــ أ ــ دينامية البنية: وتحددها بالعلاقات التي تربط بين محاور القصيدة ومستوياتها.‏

    وهناك محوران أساسيان في القصيدة هما محور الإنسان ومحور النهر. وتتحرك القصيدة في مستويين: مستوى الحلم والأسطورة، والمستوى الاجتماعي والواقعي. وترى الباحثة شبكة من العلاقات بين المحورين والمستويين منها:‏

    ــ علاقة تواز بين محوري النهر والإنسان وتضع لذلك جدولاً.‏

    ــ علاقة تداخل بين المحورين وتقسمها إلى مراحل سبع.‏

    ــ وجود نظام للبدائل وتضع جدولاً لبيان العلاقات بين البدائل الموجودة في النص.‏

    ــ ب ــ الصورة:‏

    وتتناول الصور الأساسية في الحركتين الأولى والثانية دون الثالثة والرابعة، لأن الحركة فيهما تميل إلى المباشرة. أما في الحركة الأولى فتقف عند الصورة البلاغية في تشبيهه النهر بأجراس البرج، وهي صورة توحد بين الهويتين وتبين ذلك من خلال جدول. وتكشف صور الحركة الثانية من خلال علاقة التناظر والتنافر:‏

    ــ أ ــ التناظر المكاني عبر خط النهر‏

    القمر في السماء / القمر في النهر‏

    العصافير على الشجر / والحصى التي تشبه العصافير في قرارة النهر‏

    ــ ب ــ التعارض في قوله إن القمر (يزرع الظلال) فهنا علاقة مفارقة، ذلك أن الزرع فعل ملموس بعكس الظلال، و(يملأ السلال بالماء) مفارقة ثانية.‏

    بنية الصورة: وتتميز ببنية واحدة ثلاثية الحركة: تفاعل ــ انبثاق ــ فعل اختراق وتمثل الطبيعة أو الكون حيز الاختراق في الحركتين الأولى والثانية، فالإنسان يتبطن النهر. وتورد جدولاً لبيان ذلك.‏

    وتنتهي الباحثة إلى خلاصة مفادها أن جمال القصيدة لا تكمن في جزء من أجزائها أو بعض صورها وإنما في علاقة بعضها ببعضها الآخر، ذلك أن القصيدة عالم متكامل من العلاقات التي تشكل بنية دينامية تقوم على جدلية الحياة والموت في نموها التصاعدي(26).‏

    على أن هذه الدراسة لم تستطع الوقوف على المستويات المختلفة في التحليل ذلك أنها تهمل البنية الصوتية والإيقاعية وعلاقتها بدلالة النص. كما أنها تركز على الدلالة أكثر من البنية كما أشار إلى ذلك محمد عزام(27).‏

    أما يمنى العيد فقد حاولت في كتابها (معرفة النص) أن تتعرض لبنية النص في إطار البنية الثقافية والاجتماعية. وكتابها بهذا يندرج فيما يسمى بالبنيوية التكوينية. وهي تصرح بذلك فتقول: ((إني اخترت العمل على النص انطلاقاً من تيار البنيوية التكوينية في خطوطها العريضة، واستناداً إلى الفكر الماركسي في مفهومه للعلاقة بين البنية التحتية والبنية الفوقية التي يتميز عليها الأدب، لا لينعزل بل ليستقل))(28). فالنص بالنسبة إليها ليس معزولاً عن المرجع الخارجي وإن كان ينهض به إلى مستوى فني مستقل عنه(29). ونتناول هنا تحليلها لقصيدة سعدي يوسف (تحت جدارية فائق حسن).‏

    وهي تبدأ كتابها بجملة من الأسئلة عن المنهج الواقعي والمنهج البنيوي منتهية إلى ضرورة ربط المنهج البنيوي بالواقع. وقد وقفت عند التكرار والتمفصل لحركة القصيدة وذلك من خلال تكرار الفعل (تطير) الذي يشكل تكراره فاصلة زمنية في حركة نمو القصيدة.‏

    تطير الحمامات في ساحة الطيران... البنادق تتبعها‏

    تطير الحمامات في ساحة الطيران... وعينا المقاول تتجهان إلى الأذرع المستفزة‏

    تطير الحمامات في ساحة الطيران... تريد جداراً لها ليس تبلغ منه البنادق....‏

    وهي تحاول أن تقف عند معاني الفعل (تطير) من خلال علاقاته اللغوية في سياقاته المختلفة وقد حددت بنية القصيدة في حركتين أساسيتين هما(30):‏

    ــ 1 ــ حركة طيران الحمامات وهي أصلية.‏

    ــ 2 ــ حركة البنادق وهي دخيلة.‏

    وتقوم بين الحركتين صدامية تحدد بنية القصيدة ونموها. وتحاول الباحثة أن تحلل عالم الحركتين من خلال مكونات كليهما والعلاقات التي تربط بينها مستعينة بالرسوم البيانية مع ربط ذلك بالواقع الاجتماعي. فالصراع الموجود في القصيدة إنما يقول الصراع الموجود في المجتمع بين العناصر البانية والعناصر الهدامة(31).‏

    على أن هذه الدراسة تهمل بعض المستويات مثل المستوى الصوتي في الخطاب الشعري والذي كان يمكن إغناء التحليل به وبخاصة الجانب الموسيقي في القصيدة. ذلك أن العلاقات اللغوية لا تنفصل عن الإيقاع العام للنص. كما أنها لم تتجاوز الفعل تطير إلى غيره من البنى الصرفية الموجودة التي تشكل رؤية الشاعر. كما أنها أهملت البنى التركيبية للنص ولغة النص والصور الموجودة فيه. ومن ثم فالمنهج البنيوي هنا اقتصر على الجانب الدلالي وأهمل البنية اللغوية، وركز على الدلالة الاجتماعية بالتحديد دون غيرها من الدلالات، مما يوحي أن الباحثة لم تتجاوز حدود الدراسة الاجتماعية السابقة.‏

    وخلاصة لما سبق يتبدى لنا أن هذه الدراسات لم تستطع أن تطبق المنهج البنيوي على كل المستويات إذ ركز بعضها على الثنائية الضدية دون المستوى الصوتي والإيقاعي، كما ركز بعضها الآخر على الدلالة الفنية دون البنية الصوتية والإيقاعية. على حين اهتمت بعض الدراسات بالدلالة الاجتماعية مهملة البنية الصوتية والإيقاعية والصور الفنية. وهذا يدل على أن الدارسين ركزوا على الجانب البارز في النص الشعري دون الجوانب الأخرى ولهذا ظل التحليل ناقصاً. ذلك أن التحليل البنيوي يتناول النص من حيث إنه كل متكامل وبنى مرتبط بعضها ببعض لأن البنية علاقة. والتركيز على جانب دون آخر لا يفضي إلى الرؤيا الكلية للنص.‏

    الهوامش:‏

    1ــ نظرية الأدب في القرن العشرين: ك.م. نيوتن ــ ترجمة عيسى العاكوب ــ عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية 1988 (ص 143).‏

    2ــ البنيوية: جان بياجيه ــ تر: عارف منيمنة وبشير أوبري ــ منشورات عويدات بيروت، باريس (ط4 ــ 1985) (صCool.‏

    3ــ نظرية الأدب في القرن العشرين: ك.م. نيوتن ( ص 143).‏

    4ــ المرجع السابق (ص7).‏

    5ــ الرؤى المقنعة: كمال أبو ديب ــ الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1986 (ص 6).‏

    6ــ المصدر نفسه (صCool.‏

    7ـ المرايا المحدبة: عبد العزيز حمودة ــ سلسلة عالم المعرفة ــ الكويت، إبريل 1998 (ص29)‏

    8ــ فصول مج7/ ع1/ 2 أكتوبر 1968/ مارس 1987 ـ الرؤى المقنعة ــ عرض حسن البنا عز الدين (ص 277).‏

    9ــ الرؤى المقنعة: كمال أبو ديب (ص 48).‏

    10ــ المصدر نفسه (ص 549).‏

    11ــ المصدر نفسه (ص 11).‏

    12ــ نظرية البنائية في النقد الأدبي: صلاح فضل ـ دار الآفاق الجديدة، بيروت‏

    (ط3 ـ 1985) ص(9).‏

    13ــ الرؤى المقنعة: كمال أبو ديب (ص 51).‏

    14ــ الرؤى المقنعة: كمال أبو ديب (من ص 90 إلى 92).‏

    15ــ المصدر نفسه (ص 95 ـ 96).‏

    16ــ جدلية الخفاء والتجلي: كمال أبو ديب ــ دار العلم للملايين، بيروت (ط3 ـ 1984) ص(Cool.‏

    17ــ المصدر السابق (ص9).‏

    18ــ المصدر السابق(ص 232).‏

    19ــ المصدر السابق (244).‏

    20ــ المصدر السابق (ص 249).‏

    21ــ المصدر السابق (ص 250).‏

    22ــ تحليل الخطاب الأدبي: محمد عزام ــ اتحاد الكتاب العرب ــ دمشق 2003 (ص 103).‏

    23ــ حركية الإبداع: خالدة سعيد ــ دار العودة، بيروت (ط2 ــ 1982) (ص 46).‏

    24ــ المصدر السابق (ص 48).‏

    25ــ حركية الإبداع: خالدة سعيد (ص 154 إلى 162).‏

    26ــ حركية الإبداع: خالدة سعيد (ص 188، 189).‏

    27ــ تحليل الخطاب الأدبي: محمد عزام (ص 103).‏

    28ــ في معرفة النص، يمنى العيد ــ دار الآفاق الجديدة ــ بيروت (ط3ــ 1985) (ص 12).‏

    29ــ المصدر نفسه (ص 12).‏

    30ــ المصدر نفسه (ص 145).‏

    31ــ المصدر السابق (ص 168).‏
    منقول flower

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 2:41 pm