منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التحليل البنيوي للرواية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التحليل البنيوي للرواية Empty التحليل البنيوي للرواية

    مُساهمة   السبت ديسمبر 19, 2009 11:00 am

    التحليل البنيوي للرواية ـــ محمد عزَّام



    التحليل البنيوي للرواية ـــ محمد عزَّام

    1 ـ المنهج البنيوي في النقد الأدبي:‏

    ظهرت البنيوية، أول الأمر، كمنهج علمي تحليلي في حقل الألسنية، أتاحت للغة فرصة الدخول إلى الميدان العلمي التجريبي، قبل أن تصبح منهجاً عاماً تستخدمه العلوم الإنسانية، ومنها النقد الأدبي.‏

    والتحليل البنيوي للأدب يعتبر النص (بنية ذات دلالة)، فيحصر موضوع دراسته في تحليل النص وحده، مستبعداً عنصرين أسهما كثيراً في الابتعاد عن (أدبية) الأدب، هما: المبدع، والظرف الاجتماعي. وهذا يعني أن البنيوية تقوم على مبدأ (المثولية) الذي يقتصر على دراسة النص، بمعزل عن أية مؤثرات كانت تستهلك الأبحاث النقدية والتقليدية، من مثل الأبحاث السوسيولوجية، والسيكولوجية، والبيوغرافية، والتاريخية... الخ. كما أنه لا يُعنى بأغراض الكاتب أو قصده، ونجاحه أو إخفاقه في توصيل (رسالته)، وإنما يهتم بالأثر الأدبي كنص قائم بذاته، فيركز على(النص) وحده، دون أية افتراضات سابقة، ويبحث في مستوياته، وعلاقاته، ونظامه، وأنساقه، وبنيته، ولغته، ومن هنا ابتعاد النقد البنيوي، عن أحكام القيمة على العمل الأدبي، واكتفاؤه بالوصف. وبعد وصف (البنية السطحية) للعمل الأدبي، يبحث النقد البنيوي عن (البنية العميقة =الخفية) للعمل الأدبي، وهي مجموعة (العلاقات) التي تجعل من العمل الأدبي عملاً أدبياً، أي (أدبية) الأدب، دون المضي في شرح هذه العلاقات، أو تفسير النص في ضوء واقعه الاجتماعي أو النفسي، ذلك أن الأدب، عند البنيويين، مستقل عن ظروفه الاجتماعية، والنفسية، ولا علاقة له بالحياة أو بالمجتمع، لأنه (بنية) لغوية مستقلة. أو (نظام) من الدلالات والرموز التي تعيش داخل النص وحده.‏

    كما يتجاهل النقد البنيوي (المعنى) في الأدب، فالقصة، مثلاً عنده، هي مجموعة من (الجمل)، يمكن أن تدرس حسب مستويات: صوتية، وتركيبية، ودلالية،.. الخ، والرواية، عنده، هي (الوظائف) التي تعبّر عن أعمال الأبطال. وهي ثابتة ورغم تعدد الأشخاص، ولذلك ينبغي تحديد هذه الوظائف قبل الانتقال إلى الإشارات الواردة في النّص، من مثل: الزمان، والمكان، والعوامل..‏

    وحين يُعنى النقد البنيوي بالكشف عن (العلاقات) المتشابكة بين عناصر العمل الأدبي، فذلك لأن هذه (العلاقات) هي عين الحقيقة. فما العالم سوى مجموعة من الحقائق، وما الحقائق سوى علاقات راهنة. وهكذا لا يبحث التحليل البنيوي للأدب عن (محتوى) العمل الأدبي، ولا عن (شكله)، وإنما يبحث عن (بنيته) التي تختفي وراء الظاهر، وعن (العلاقات) بين أجزائه، وبينها وبين (الكل). رغم أن هذه (البنية) مجرد فرض، وإنها مرتبطة بالوظيفة، وليس من بنى ثابتة، أو مركزية. فهي تصوّر تجريدي من خلق الذهن، و(نموذج) عقلي يقيمه المحلل، ليفهم على ضوئه، النص المدروس.‏

    أما (عناصر) هذه البنية فينبغي كشفها من خلال الأنساق اللغوية التي تشكل مجموع هذه البنية، وتتمثل هذه العناصر في العلاقات، والرمز، والصورة، والإيقاع، والتواتر، والغموض، والتناص... الخ. في تحليل الرواية. على ضوء المنهج البنيوي، ينبغي أولاً أن نحدد (بنية) النص الروائي، ثم نعالج وظائف اللغة، قبل أن نصل إلى شرح النحو السردي، فالفعلي:‏

    لقد عزل النقد الجديد النص الأدبي عن مؤلفه، وعن العالم الذي يرجع إليه، فلم يعد أمامه سوى (النص)، فأعمل مبضعه في تفكيكه، وتشريحه. وأولى خطوات التفكيك هي البحث عن (البنية). والعمل الأدبي يحتوي عشرات البنى، بل ومئاتها. فهنالك البنى الصوتية، والنحوية، والأسلوبية، والدلالية... الخ.‏

    وحين تقسم الرواية إلى فصول فإن هذه الفصول هي بعض بنيتها. إلا أنه ليس لكل بنية وظيفة، بينما المطلوب هو البحث عن البنية التي لها وظيفة في العمل الفني. ولكن الباحث لا يمكن أن يتبين، بداية، وظيفة البنية إلا بعد اكتشافها، وبالتالي فإن لجوءه إلى المستوى اللفظي، من أجل اكتشاف البنية، يبدو مسوّغاً، فعن طريق تقصّي الألفاظ ذات الجذر المشترك، والتي تدور في حقل واحد، يمكن أن يُظهر بنيات القصة أو الرواية.... الخ. وهكذا فإن البحث عن البنية يبدأ بالبحث عن الوحدات المعجمية..‏

    ولقد أصبحت دراسة جاكوبسون لوظائف اللغة مرجعاً أساسياً في دراسة النص الأدبي، حيث يحدّد جاكوبسون اللغة بأنها ((أداة اتصال)) بين مرسِل، ومرسَل إليه، عبر رسالة. فالمرسل يوجه رسالته، والمستقبل يتلقَّاها فيفك رموزها، والرسالة لكي تصل فإنه يلزمها: سياق تحيل إليه، ورمز code تشكِّله اللغة المشتركة بين المرسل والمرسل إليه، واتصال contact أو قناة تحويل هي وسيلة لإقامة الرابط بين المرسل والمستقبل (وهي الأصوات في الاتصال الشفوي. والحروف في الاتصال الكتابي).‏

    أما الوظائف الست للغة، كما صنفّها جاكوبسون فتتجلى في: الوظيفة الانفعالية أو الانطباعية التأثرية، والوظيفة الإفهامية أو الندائية. والوظيفة الشعرية أو الإنشائية، والوظيفة الانتباهية أو الاتصالية، والوظيفة المرجعية أو الدلالية أو الإحالية، والوظيفة فوق اللغوية أو المعجمية. وهذه الوظائف للغة موجودة في كل كلام. هي وظائف رتبوية مترابطة، تخضع كل وظيفة منها لغيرها، ودرجات ظهورها متفاوتة في أنماط الكلام المختلفة، فقد تطغى وظيفة معينة في كلام ما، وتطغى غيرها في كلام آخر: ففي الكلام العادي مثلاً تهيمن الوظيفة الإفهامية، وفي الكلام الأدبي تهيمن الوظيفة الإنشائية، وفي الكلام العاطفي تهيمن الوظيفة الانفعالية...(1)..‏

    هكذا يظهر النقد البنيوي نقداً (علمياً) محايداً، حين يخلّص النقد من أهواء الناقد وانطباعاته، ومعتقداته الخاصة، كما يخلِّص النص من ظروفه الاجتماعية والنفسية. ويسبغ الصفة العلمية على النقد، حين يستعمل الألفاظ الدقيقة المحددة في الوصف، مبتعداً عن الألفاظ العامة الفضفاضة، والاصطلاحات الانطباعية والتأثرية. وهو لا يتخذ من هذه (العلمية) صنماً يقدسه. لأن المهم هو ألا تغيب عن الرؤية أصالة الموضوع الأدبي. كما أنه عندما يحطم سحر العمل الفني. حين ينظر إليه بطريقة مشابهة لطريقة الفيزيائي الذي يتصدّى لتحليل بنية المادة. فإنه يكون بذلك قد أعطى الأدب والنقد دقة الحقيقة العلمية...‏

    بيد أن هذه المقاربة البنيوية الشكلية تكتفي بتحليل أجزاء البنية في مستوياتها: السطحي والتحتي (الأعمق)، دون أن تتجاوزهما إلى استنباط الدلالات الكامنة وراء هذه الأنساق والعناصر، كما تفعل المناهج السيميائية، والجذرية، والبنيوية، التكوينية..... الخ. ومن هنا قصور المنهج البنيوي الشكلي عن إقامة حوار بين النص والعالم، أو جدل بين الفني والإيديولوجي أو الاجتماعي أو النفسي.‏

    2 ـ التحليل البنيوي للرواية:‏

    بدت المناهج التقليدية طرقاً مسدودة أمام الكشوفات التي توصلت إليها السرديات المعاصرة، وخاصة في فرعيها الرئيسيين: السرديات اللسانية التي تُعنى بدراسة الخطاب السردي في مستواه البنيوي. والعلاقات التي تربط الراوي بالمتن الحكائي. وقد استفاد هذا التيار من البحوث اللسانية المعاصرة، ويمثله: رولان بارت، وجيرار جينيت، وتودوروف.. والتيار الثاني هو السرديات السيميائية، ويُعنى بالدلالات، متجاوزاً المستوى اللساني المباشر، إلى البنى العميقة التي تتحكم بالنص. ويمثله فلاديمير بروب، وكلود بريمون، وغريماس...‏

    وقد أكدت البنيوية (وصف) العمل الأدبي، بدلاً من الاهتمام بالأحكام المعيارية. وانطلق بارت، رائد النقد البنيوي، من ضرورة إيجاد نظرية تمكن من وصف وتحليل الرواية، معتمداً الألسنية نموذجاً أساسياً في هذا المجال. ومحدداً (الجملة) هدفاً، باعتبارها ((أصغر مقطع يمكنه أن يمثل الخطاب بشكل تام))(2). فما الرواية سوى (جملة) كبيرة تحتوي أهم مميزات الفعل. وتتجه اللسانيات نحو دراسة هذه (الجملة الكبيرة)، بذلك أن فهم الرواية، وتحليلها، لا يكون بمتابعة تسلسل الخبر فحسب، بل وأيضاً ـ حسب بارت ـ في بيان طبقات الرواية، وفي إسقاط الترابطات الأفقية ((الخيط)) السردي على محور عمودي ضمنياً، فقراءة رواية ما لا تكون فقط بالانتقال من كلمة إلى أخرى، بل بالانتقال من مستوى إلى آخر...‏

    وقد بدأ التحليل البنيوي للسرد منذ أواسط الستينات، مع ظهور العدد الثامن من مجلة (تواصلات) 1966، الخاص بالتحليل البنيوي، والذي يعدّ المنطلق الأساسي الذي استندت إليه كل الدراسات التالية، والتي حققت تطورات هامة في هذا المجال...‏

    وفي هذا العدد نجد دراسة تودوروف T.Todorov عن (مقولات السرد).‏

    وفيها يتحدث عن صيغ السرد، رابطاً إياها بجهاته، وزمنه. فالجهات أو الرؤيات تتعلق بالطريقة التي يتم من خلالها إدراك القصة من قبل الراوي. وفي كتابه (أبجديات الديكاميرون) وضع تودوروف ثلاثة مظاهر يتصف بها النص الروائي هي: (المعنوي) الذي يعبّر، و(النحوي) الذي يركّب وحدات الكلام، و(البلاغي) الذي يقدّم العبارات...‏

    لقد جاء تودوروف بعد الشكلانيين الروس، وانطلق من أعمالهم، مطوّراً إياها في الوقت نفسه، فأظهر أن لكل (سرد) أدبي مظهرين متكاملين هما: (القصة)، و(الخطاب). (فالقصة) تعني الأحداث في ترابطها وتسلسلها وعلاقاتها بين الفعل والفاعل. أما (الخطاب) فيظهر من خلال وجود الراوي الذي يقوم بتقديم القصة إلى القارئ الذي يتلقى السرد. وما يهم الباحث هو الطريقة التي بوساطتها يجعلنا الراوي نتعرّف على الأحداث.‏

    وفي كتابه (البويطيقا) يعود تودوروف ليطور المنطلقات التي تحدّث عنها في (مقولات الحكي الأدبي). مستفيداً من التطوير الذي أضفاه جيرار جينيت على تحليل الخطاب الروائي، واضعاً تصوّراً متكاملاً ينطلق من تحديد النص الأدبي، من خلال ثلاثة جوانب هي: الجانب الدلالي، والجانب التركيبي، والجانب اللفظي.‏

    ويقترح تودوروف جرداً يسمح بتكوين شبكة وصفية تشمل ثلاثة وجوه للنص الأدبي، وهي تشكل، بالتالي ـ مستويات نقد النص الأدبي:‏

    1 ـ المستوى اللفظي، الذي يدرس الثوابت التي تتم وفقاً لها دراسة الأحداث والوقائع الخاصة بالتجربة، من وجهة نظر أسلوبية، وزمنية (تحليل ترتيب الأحداث، ودوامها، وتواترها)، وكذلك من وجهة نظر المؤلف، وهي رؤيته الذاتية، والموضوعية، الأحادية، أو المتعددة، الثابتة، أو المتحولة..... في العمل الأدبي.... ويبرز تضمّن هذا المستوى لمقولات الصيغة، والزمن، والصوت ، والرؤيا....‏

    2 ـ المستوى التركيبي: الذي يدرس العلاقات التي تقوم بين الوحدات الصغرى في النص، كما نجد في دراسة بروب المشهورة للحكايات الشعبية الروسية. كما يدرس مقولات البنيات والتركيب السردي، والنظام الفضائي....‏

    3 ـ المستوى الدلالي: الذي يدرس الثيمات، والرموز، والاستعارات، ويطرح مسألة العلاقة بين النص والواقع....‏

    *‏

    في تحليل النص السردي يمكن معالجة مستويين، والتحليل وفقهما:‏

    1 ـ الأعمال والوظائف، كما فعل بروب، وبريمون، وبارت.‏

    2 ـ نظام الفاعلين، كما فعل غريماس، وتودوروف، وهامون، وتوماشفسكي.‏

    وأول من قام بالتحليل السردي، حسب الوظائف، هو فلاديمير بروب في كتابه (مورفولوجية الحكايات الخرافية الروسية) 1929، وفيه يحدد (الوحدة) الحكائية غير القابلة للتفكيك بأنها (الوظيفية). والوظيفة هي عمل شخصي محدد من وجهة نظر معناه في مجرى الحبكة. والوظائف هي العناصر الثابتة الدائمة في الحكاية، مهما تبدل الأشخاص، أو تبدلت الوظائف، وما النص الروائي سوى سلسلة من (الوظائف).‏

    وقد عرّف بروب (التحليل المورفولوجي) بأنه: ((وصف للحكايات وفقاً لأجزاء محتواها، وعلاقة هذه الأجزاء بعضها ببعض، ثم علاقتها بالمجموع)). ولكي يحقق بروب هذا الغرض، فقد اكتشف (الوحدة) الأساسية في الحكايات، وسماها (الوحدة الوظيفية)، وهي فعل من أفعال أشخاص الحكاية، بغض النظر عن اختلاف شكل هذه الشخوص من حكاية إلى أخرى، وهذه الوحدات الوظيفية تُعدّ، من وجهة نظر بروب، المحتوى الأساسي للحكايات. ومن واجب الباحث أن يستخلصها أولاً، لأنها العناصر الثابتة في الحكايات الشعبية، بغض النظر عن اختلاف طبيعة الشخوص، والوسيلة التي تنفذ بها.‏

    وقد اهتدى بروب، من خلال دراسته للحكايات الروسية دراسة استقصائية، إلى عدد الوحدات الوظيفية التي تتحكم في جميع الحكايات الروسية، وهي إحدى وثلاثون وظيفة. لا ترد جميعها في كل حكاية، وإنما ما يرد منها في كل حكاية لا يخرج عن حدود هذه الوظائف.‏

    وهذه الوظائف هي: الابتعاد، المنع، الانتهاك. (خرق المنع)، التحرِّي (الاستفهام)، الإخبار، الخداع، الخضوع(التواطؤ القسري)، الإساءة (الإثم)، التكليف (الوساطة)، قرار البطل، الذهاب، الاختبار (إخضاع البطل للتجربة)، ردّ فعل البطل على الاختبار، تلقي الشيء السحري، الانتقال في المكان، الصراع، العلامة، الانتصار، الإصلاح (تعويض النقص أو الإساءة)، عودة البطل، مطاردة المهاجم للبطل، النجدة المقدمة للبطل، الوصول المتستر للبطل، المزاعم الكاذبة، للبطل المزيف، المهام الصعبة المفروضة على البطل، المهام المنجزة، التعرّف على البطل، اكتشاف البطل الزائف، تغيير هيئة البطل، عقاب البطل الزائف (أو المهاجم)، عقاب البطل الزائف، مكافأة البطل.‏

    ثم يحدد بروب (دوائر العمل السبع)، حيث تتجمع عدة وظائف بصورة منطقية وفقاً للدوائر التي تتطابق مع الشخصيات التي تنجز هذه الوظائف. وهي:‏

    1 ـ دائرة موضوع الالتماس، وهو الشيء الجاري البحث عنه، ويمكن أن يكون كنزاً، أو أميرة، أو سوى ذلك (الوظيفة 25 و31).‏

    2 ـ دائرة الموكل: وهو الذي يرسل البطل في مهمة البحث (الوظيفة 9).‏

    3 ـ دائرة البطل الذي يمضي باحثاً (الوظيفة 10 و11)، وعليه أن يتغلب على اختبارات الواهب (الوظيفة12و13و14)، ويصلح الإثم (الوظيفة18-19)، وتتم مكافأته (الوظيفة31).‏

    4 ـ المهاجم، ويقترف الإثم (الوظيفة Cool، فيصارع البطل (الوظيفة 16)، ويطارده (الوظيفة21).‏

    5 ـ الواهب: يخضع البطل، والبطل الزائف لاختبارات (الوظيفة12)، قبل أن يسلمه المساعد (الشيء السحري)، (الوظيفة14).‏

    6 ـ المساعد، هو الشيء السحري الذي يسلمه الواهب للبطل، فيساعده على الانتقال السريع (الوظيفة15)، وعلى النصر(الوظيفة18)، وعلى إصلاح الإثم (الوظيفة 19)، وعلى التخلص من المهاجم (الوظيفة21)، وعلى إنجاز مهمته الصعبة (الوظيفة26)..‏

    7 ـ البطل الزائف، وهو يتابع مسعى موازياً لمسعى البطل، ولكن رد فعله سلبي (الوظيفة13)، ويتميز بادعاءاته الكاذبة (الوظيفة24)..‏

    *‏

    أما أشهر من عالج (الوظائف) وطوّرها، في التحليل البنيوي للقصة، فهو رولان بارت‏

    (1915-1980)، R. Barthes الذي ينطلق، في تحليله البنيوي للقصة، من لغة السرد، ثم يحلل الوظائف، فالأعمال، فالإنشاء، فنظام السرد.‏

    أما (لغة السرد) فتعتبر (الجملة) هي الوحدة الأخيرة في الألسنية، وهي موضع الاهتمام، والقسم الأصغر الذي يمثله النص بأسره، وبما أن السرد (جملة كبيرة)، فإن الألسنية توفر للتحليل البنيوي للسرد مفهوماً خاصاً يكمن في تنظيمه الذاتي، لأنها تلتفت إلى ماهو جوهري في كل نسق معني، وتسمح في الوقت نفسه، بإعلان كيفية ألا يكون السرد مجرد تلاحق عبارات، وتسهم، بالتالي، في تصنيف الأعداد الهائلة للعناصر التي تدخل في تركيب السرد. ويمكن للباحث أن يحلل (الجملة)، ألسنياً، عبر المستويات: الصوتية، والنحوية، والسياقية... الخ.‏

    وأما (الوظائف)، فلها دلالات متفاوتة، ولما كان النسق تراكباً (لوحدات) معروفة الأصناف. وجب تقطيع السرد. وتعيين أقسام الخطاب الإنشائي التي يمكن توزيعها على عدد صغير من الأصناف الشكلية.‏

    ويعتمد بارت (الوظائف) وحدات تكوّن كل أشكال السرد، فإنه لا يحصر (الوظيفة) في (الجملة)، فقد تكون (الوظيفة) في (كلمة) واحدة من الجملة.‏

    كما في كلمة (أربعة) مثلاً حين يستعملها الكاتب ليشير، في الرواية، إلى عدد أجهزة الهاتف إلى جانب البطل، لتدل على مستواه الاجتماعي.‏

    وتأخذ (الوظائف) مكانها ضمن مجموع (العلاقات). وموقعها في (السرد) هو الذي يحدد دورها فيه. فإذا لم تقم (الوظيفة) بدورها، فمعنى ذلك أن هناك خللاً في التأليف. والفن ـ عند بارت ـ هو نسق خالص، وليس هناك أبداً وحدة ضائعة فيه.‏

    وفهم الرواية لا يكون بمتابعة تسلسل الخبر فحسب، بل وفي تبيان (طبقاتها) أيضاً. وكذلك في إسقاط ترابطات (الخيط) السردي الأفقي، على محور عمودي ضمناً، فقراءة رواية ما لا تكون فقط بالانتقال من كلمة إلى كلمة أخرى. بل بالانتقال من مستوى إلى آخر. ويميز بارت ثلاثة مستويات في التحليل البنيوي للرواية، هي:‏

    1 ـ مستوى الوظائف، كما لدى بريمون، وبروب في (مورفولوجيا الحكايات الشعبية).‏

    2 ـ مستوى العوامل، كما هو لدى غريماس في (السيميولوجيا البنيوية).‏

    3 ـ المستوى السردي، كما لدى تودوروف، الذي يهتم بالأفعال.‏

    ففي (مستوى الوظائف) يقسم بارت (الوظائف) إلى نوعين: وظائف توزيعية، ووظائف تكاملية أو اندماجية (أو قرائن)، فالوظائف التوزيعية تتوافق مع وظائف بروب، وهي وظائف (التحفيز) التي أشار إليها توماشفسكي. وأما الوظائف التكاملية (أو القرائن)، فلا تتطلب علاقات فيهما بينها، لأنها لا تحيل إلى فعل لاحق، بل إلى مفهوم ضروري بالنسبة للقصة، وهذه الوحدات تطغى في أنماط السرد الأكثر تعقيداً، كما في الروايات السيكولوجية، بينما تطغى الوحدات التوزيعية في الأنماط الحكائية البسيطة كالحكايات الشعبية.‏

    وفي المستوى الثاني (مستوى العوامل) يركز بارت على دراسة الأفعال (=العوامل).‏

    وفي المستوى الثالث (السردي)، يرى بارت أن هنالك تواصلاً سردياً بين (المرسل)، و(المتقبل)، من خلال (الرسالة)، التي تتضمن إشارات خاصة يتفق عليها الطرفان.‏

    وأما (الإنشاء) فهو ـ عند بارت ـ عمل الكاتب، ووظيفة السرد الأساسية عنده رهن يتواصل آخر، فمن جهة ثمة واهب للسرد، ومن جهة أخرى ثمة منتفع من السرد.‏

    والكل يعلم أن الضميرين: (أنا، وأنت)، في لغة التواصل الألسنية مفترضان، ولهذا لا سرد دون منشئ، ودون مستمع أو قارئ، فمن هو واهب السرد؟. إنه المؤلف، أو الشخصية الروائية، أو الضمير الكلي، أو الضمير الكلي اللاشخصي، وكلها يراها بارت (كائنات من ورق).‏

    والسرد، أو نظام رموز المنشئ، كما في اللغة، لا يعرف إلا نسقين من العلامات: شخصياً، وغير شخصي، وغالباً ما يوجدان معاً، كما في الجملة التالية: ((عيناه (شخصي). الرماديتان (غير شخصي)، حدّقتا (شخصي)، بالمنظر المعروف (غير شخصي)..))..، وتتسم الرواية بأنها مزيج من هذين النسقين، لأنها تحشد علامات شخصية، وغير شخصية.‏

    والمؤلف هو من يحسن ضبط نظام الرموز الذي يتولى استخدامه، ويشرك المستمعيين فيه. ويكون المستوى الإنشائي فيه بارزاً.‏

    *‏

    أما تحليل الخطاب الروائي على أساس العوامل (أو نظام الفاعلين)، كما يتجلّى لدى غريماس، وتودوروف وهامون (في شعرية السرد)، وتوماشفسكي (ضمن نظرية الأدب).‏

    ولعل غريماس A. Greimas أول من أشار إليه، واقترح تصنيف الشخصيات حسب أفعالها، وسمّاها (العوامل)، واعتبر التحليل الوصفي والتحليل الوظيفي متكاملين، وقد نبّه، في كتابه (السيمياء البنيوية) 1966، إلى الخطأ الذي يقع فيه بعض النقاد الذين يجعلون نموذج بروب للحكاية منهجاً لتحليل الرواية. لأن الرواية شكل أشد تعقيداً من الحكاية. رغم أن هذا المنهج كان فتحاً جديداً ـ آنذاك ـ في تحليل الحكاية. وقد استفادت منه الرواية في كشف علاقاتها التركيبية.‏

    والواقع أن تحليل غريماس البنيوي للرواية، والذي يعتمد على (العوامل) إنما يعني (الأشخاص)، لا ككائنات نفسية تتمتع بمزايا خلقية، وإنما كمشاركين لهم مكانتهم ومواقعهم داخل القصة. وهذا يعني أن النظر إليهم إنما يتم كوظيفة نحوية. فتحديد الشخص بالعمل الذي يقوم به، إنما ينبع من مفهوم نحوي. إذ ليس هناك، في النحو، من فعل دون فاعل، أو فاعل دون فعل، وكما أن الفاعل النحوي، على مستوى الجملة، هو الذي يقوم بالفعل، فكذلك الفاعل الفني هو الشخصية على مستوى القصة. والرواية ـ عند غريماس ـ هي مجموعة من الأفعال تقوم بها الشخصيات (=العوامل)، يصل عددها إلى ستة، هي:‏

    1 ـ العامل الذات.‏

    2 ـ العامل الموضوعي.‏

    3 ـ العامل المرسل.‏

    4 ـ العامل المرسل إليه.‏

    5 ـ العامل المعاكس.‏

    6 ـ العامل المساعد.‏

    وهذا الشكل يمكن تطبيقه في جميع مجالات الحياة، لأنه البنية الأساسية لعالم المعنى، مهما تنوعت هذه البنية وتعددت، من مجتمع إلى آخر، فعلى صعيد الفلسفة المثالية مثلاً تتوزع هذه العوامل تبعاً لعلاقاتها بمفهوم التوق أو الرغبة إلى:‏

    1 ـ العامل الذات = الفيلسوف.‏

    2 ـ العامل الموضوعي = العالم.‏

    3 ـ العامل المرسل = الله..‏

    4 ـ العامل المرسل إليه = الإنسانية.‏

    5 ـ العامل المعاكس = المادة.‏

    6 ـ العامل المساعد = الروح.(3)‏

    3 ـ التحليل البنيوي‏

    التكويني للرواية:‏

    يقول رولان بارت إن الأدب ليس سوى لغة معبرة، أي نظام من العلامات. ووجوده ليس في رسالته، بل في نظامه، ولذلك لا يكون النقد إعادة لبناء رسالة الأثر الفني، بل إعادة لبناء نظامه، والناقد ـ بذلك ـ كالعالم الألسني الذي لا يهمه تفسير معنى الجملة، بل إقامة بنيتها الشكلية التي تسمح لهذا المعنى بالانتقال...‏

    و(المنهج البنيوي)، عندما يكتفي باكتشاف وتحليل بنيات العمل الأدبي، وأنساقه، ومستوياته، وعلاقاته، فإنه يعزل النص عن واقعه، ومبدعه، ومن هنا كان مسوّغ الاهتمام بمشروع اختراق البنيات الثقافية والاجتماعية والتاريخية للنص الأدبي، من أجل إقامة نوع من التوازن بين (المنهج الشكلي)، و(المنهج الاجتماعي)، واعتبار الأدب نبتة نمت وازدهرت في وسط بيئي احتضنها ورعاها، فلها عليه واجب الرعاية، وله عليها حق التعبير الصادق عنه.‏

    *‏

    أ ـ المنهج البنيوي التكويني (التوليدي)، في النقد الأدبي:‏

    يرتبط الفن الروائي عضوياً بالوسط الاجتماعي، لأنه يعيش فيه، ويتصل بشرائحه، ويصدر عن وعيه، ولكنه ـ في الوقت نفسه ـ يخضع لقواعد (البنية) المتميزة فيه. ومن تطابق البنية الفنية والمكونات الموضوعية، ينشأ مشروع المنهج النقدي الذي يعتبر المبدع مجرد واضع للصياغة الفنية المناسبة للوعي الجماعي الذي يعتمل في ضمير الجماعة التي ينتمي إليها، أو الطبقة التي يعبّر عنها. فالإبداع مرتهن ـ إذن ـ بالبنية الفكرية للجماعة، وإن بدا أنه من صنع كاتبه، لأن كاتبه لا يستقل بوعيه عن البيئة الاجتماعية التي يعيش بين ظهرانيها.‏

    و(المنهج البنيوي التكويني) اتجاه نقدي يرى أن (المنهج البنيوي الشكلي) قد وصل بالنقد إلى الطريق المسدود، حين اقتصر على النص وحده، دون أن يربطه بظروفه الاجتماعية، فجاء المنهج البنيوي التكويني ليردف الدراسة النصية للأدب دراسة الوسط الاجتماعي الذي‏

    ـ أبدعه ـ.‏

    وأولى خطوات هذا المنهج هي البدء بقراءة ألسنية للنص، وذلك عن طريق تفكيك بنياته إلى وحداتها الصغرى الدالة، وذلك باكتشاف (البنية السطحية) للنص، وبيان بنيات الزمان والمكان فيه. ثم تركيب هذه الأجزاء للخروج منها بتصور عن (البنية العميقة) للنص، أو (رؤية ‎) العالم كما تجسدت في الممارسة الألسنية للنص...‏

    والخطوة الثانية هي إدماج هذه البنيات الجزئية للوحدات الدالة في بنية أكثر اتساعاً. وتفكيك هذه البنية الأشمل أيضاً، للعثور على دلالتها الشاملة. وبهذا ننتقل من (النص الماثل) إلى (النص الغائب)، ذلك أن النص الماثل ليس ذرة مغلقة على نفسها، بل هو نتاج اجتماعي تاريخي، يعبّر عن طموحات فئة اجتماعية أو طبقة اجتماعية. وبذلك تصبح قراءة النص الأدبي كشفاً لبنياته المتعددة، ثم إدماجها في البنية الاجتماعية لبيئة المبدع وعصره.‏

    وهكذا تبحث البنيوية التكوينية في أربع بنيات للنص: البنية الداخلية للنص، والبنية الثقافية (أو الإيديولوجية)، والبنية الاجتماعية، ثم البنية التاريخية. وهذه البنيات متكاملة ومتفاعلة فيما بينها. فإذا كانت القراءة الداخلية للنص تقدم لنا خطوة نحو فهم القوانين المتحكمة في البنية الداخلية، فإن هذا الفهم بحاجة إلى تفسير. وهذا ما ينبغي التماسه في البنية التالية: الثقافية. غير أن هذا التفسير يظل مجرداً، إذا لم يتحول إلى فهم، فيصبح بدوره بحاجة إلى تفسير مما يستدعي مقاربة البنية الثالثة (الاجتماعية).. وهكذا..‏

    ب ـ منهج غولدمان في التحليل البنيوي التكويني:‏

    لعل لوسيان غولمان (1913-1970)، هو الذي أرسى دعائم المنهج البنيوي التكويني، حين اعتمد بعض مقولات أستاذه جورج لوكاش، وطوّرها، فشغل النقد الأوروبي، كما فعل رولان بارت في النقد العالمي، ولعل كتابه (الإله الخفي: دراسة في الرؤية المأساوية في خواطر باسكال ومسرح راسين) 1956، والذي أثار ضجة كبرى، إذ كان أول عمل رائد في النقد الفرنسي الحديث، وقد نال به مؤلفه درجة الدكتوراة في الآداب، وقد درس فيه (الرؤية المأساوية)، في خوطر باسكال، ومسرح راسين، وسعى إلى الإحاطة (بالبنيات) التصورية للنصوص المدروسة. واستخلاص (الكليات) العقلية والاجتماعية التي جعلت الواقعي ممكناً، في علاقة تبادلية بين الإبداع الفردي والحياة الاجتماعية، وتوصّل إلى أن (خواطر) باسكال، ومآسي راسين، ليستا سوى تعبير عن الوضعية المأساوية التي عاشتها نبالة مثقفة موزعة بين أصولها وارتباطاتها البورجوازية. وهي تعبير يتجلّى في رفض العالم لدى الجانسينية(4).‏

    ويستخدم غولدمان، في تحليله، مفهوم هذه الرواية المعبّر عن استحالة تطبيق حياة مقبولة في هذا العالم، ويثبت بأن رفض العالم من قبل الجماعة الجانسينية موجود أيضاً لدى (نبلاء الرداء)، الذي خيّب العالم أملهم، ورأوا في انهيارهم انهياراً للعالم كله، فتبنّوا موقفاً جانسينياً تجلّى في الانسحاب من العالم.‏

    ويقسم غولدمان نتاج راسين إلى ثلاث مجموعات: مسرحيات أولى يرفض فيها البطل كل تسوية مع العالم، ويبقى فيها الإله صامتاً ومتفرّجاً، ومسرحيات ثانية يعبّر فيها راسين عن محاولات الصلح مع العالم، ومسرحيات ثالثة تحاول الصلح مع الكنيسة.‏

    والواقع أن دراسة غولدمان لراسين هي أفضل ما يوضح منهجه البنيوي التكويني، حين يكتشف في مسرح راسين (بنية) معينة من المقولات تتكرر، هي: الإله، والإنسان، والعالم. ويكتشف (رؤية)، خاصة للعالم، هي رؤية بشر ضائعين في عالم خال من القيمة. ومع أن هؤلاء البشر يتقبلون هذا العالم بوصفه العالم الوحيد الممكن، إلا أنهم لا يكفّون عن الوقوف ضد هذا العالم، ليسوّغوا لأنفسهم، باسم قيمة مطلقة غائبة عن الأنظار، وقد عثر غولدمان على أساس هذه الرؤية لدى الجماعة الدينية التي عرفت في فرنسا باسم (الجانسينية) وفسّر (الجانسينية) على أنها نتيجة إزاحة مجموعة اجتماعية في فرنسا، في القرن السابع عشر، هي (نبلاء الرداء)، ومن موظفي البلاط الذين اعتمدوا اقتصادياً على الملك، ثم تضاءلت قوتهم، مع تزايد الحكم المطلق، وأصبح موقفهم متناقضاً. فهم بحاجة إلى (التاج)، وإلى معارضته سياسياً في آن. وهكذا رفضوا العالم، ولجأوا إلى (الجانسينية)، رغبة منهم في الانصراف عن كل حلم بالتغيير التاريخي.‏

    وقد اهتم غولدمان بدراسة (بنية) النص الأدبي دراسة تكشف عن الدرجة التي يجسّد بها النص بنية الفكر (أو رؤية العالم)، عند طبقة أو مجموعة اجتماعية ينتمي إليها الكاتب، والكاتب العظيم ـ عنده ـ هو المتميز الذي ينقل، فنياً، رؤية العالم عند الطبقة أو المجموعة التي ينتمي إليها، ويصوغها بطريقة واضحة، وإن لم تكن واعية. ولذلك يطلق غولدمان على منهجه النقدي هذا اسم (البنيوية التكوينية أو التوليدية)، (بنيوية)، لأن اهتمامه ببنية المقولات التي تكشف عن رؤية خاصة للعالم يفوق اهتمامه بمضمون هذه الرؤية نفسها، و(توليدية)، لأنه يركز على الكيفية التي تتولد بها هذه الأبنية العقلية على المستوى التاريخي، أي يركز على العلاقة بين رؤية العالم والأوضاع التاريخية التي تولّدها.‏

    وإذا كانت الفرويدية تعتمد على تحليلي اللاوعي عند الفرد، فإن البنيوية التكوينية ترتكز إلى الجماعة أو الطبقة، والقاسم المشترك بينهما هو أن السلوك الفردي والجماعي هو جزء من (بنية ذات دلالة).‏

    ومع أن العمل الأدبي يدين للمجتمع، كما ترى البنيوية التكوينية، فإن هذا لا يعني انعدام دينه للمبدع الذي ينشئ بنية عقلية مستقلة تنضح من وعي الجماعة، وتخضع لرؤيا الفنان الخاصة ضمن الدائرة الاجتماعية، ولكن تجربة الفرد الواحد أقصر وأضيق من أن تخلق البنية العقلية التي هي ليست سوى نتيجة نشاط مشترك لعدد كبير من الأفراد، يجدون أنفسهم في موقف مماثل.‏

    ويرى غولدمان أن النص الأدبي يستمد معناه و(بنيته الدلالية)، من (رؤية العالم)، التي يعبّر عنها، وإننا لا نستطيع أن نفهم (البنية الدلالية)، إلاّ إذا ربطناها ببنى أوسع: كالبنى الذهنية، ورؤى الطبقات الاجتماعية للعالم، والبنية الاجتماعية الاقتصادية التي تفرزها حقبة تاريخية معينة....‏

    وعندما نكتشف العلاقة بين العمل الأدبي ورؤية العالم، ينبغي دراسة علاقة هذه الرؤية بالطبقات الاجتماعية التي عبّر عنها، لأن العمل الأدبي ليس إلاّ شكلاً من أشكال الحياة الاجتماعية، ولا يمكن فهمه إلاّ إذا وضعناه في إطاره العام: الاجتماعي، والتاريخي. هكذا يتخلّص الباحث الأدبي، حسب غولدمان، من مقولات التأثر والتأثير التي انتشرت في النقد الأدبي التقليدي، على يد ممثلي الأدب المقارن القدماء، أمثال فان تيغم وغيره.‏

    وقد استعمل غولدمان (البنية الدلالية) في فهم شمولية الظاهرة الاجتماعية التي يعبّر عنّها أحد المبدعين. والمقصود بها المعنى الداخلي لهذه البنية، والذي ينم عن وعي جماعي معين، ((ولا تكون (البنية الدلالية) حاضرة في فكر جميع أفراد المجموعة البشرية، لأنها لا تتحقق إلاّ بشكل استثنائي عن طريق الفكر العلمي، أو الفكر الفلسفي، أو عن طريق العمل الاجتماعي، أو العمل الفني، الذي يقوم به أفراد متميزون أمثال كانط، ونابليون، وراسين)).(5).‏

    ولا تتحقق هذه البنية إلاّ في ظروف خاصة، فلو أتى نابليون بونابرت مثلاً في حقبة أخرى من تاريخ فرنسا لما تأتى له أن يصبح رمزاً أساسياً من رموز الثورة الفرنسية البورجوازية، بالرغم من مزاياه وإمكانياته الشخصية، ويرى غولدمان أن التطابق الممكن بين الإمكانيات الإنسانية الفريدة وبين الوضع التاريخي هي ما نسميه (العبقرية).‏

    إن بناء (الرؤية) التراجيدية تحت تأثير إيديولوجية مجموعة (الجانسينية) في (بور رويال)، هو بمثابة استجابة وظيفية دالة (لنبلاء الرداء)، تجاه موقف تاريخي محدد. وقد كان على راسين الفرد المرتبط بهذه المجموعة وإيديولوجيتها أن يواجه عدداً من المشكلات العملية والأخلاقية، مواجهة أنتجت، في النهاية، عملاً شكّلته رؤية تراجيدية، صيغت بدرجة راقية من التلاحم، ومع ذلك فإنه لا يمكن شرح تولّد العمل الأدبي عند راسين، أو دلالته بمجرد الاقتصار على ربط العمل بسيرة راسين الفرد، أو بسيكولوجيته الخاصة.‏

    وهذا يعني أن غولدمان يحاول ربط الأثر الأدبي بالجماعة، بدلاً من ربطه بالفرد المبدع وحده، كما كانت تفعل الدراسات النفسية التقليدية، ويحاول بيان أن الأثر الأدبي لا يعكس البناء الاجتماعي، أو يعبّر عن شخصية الكاتب فحسب، وإنما هو يبدو كواقعة لها دلالتها الموضوعية التي تتمثل في وجود وحدة بين الفرد والمجتمع، تتم بطريقة جدلية، وهكذا يربط غولدمان الوعي الفردي بالوعي الجماعي، في وحدة كاملة، ويرى أنه لايوجد ـ في الواقع ـ سوى وعي كلي لجماعة معينة من الأفراد، وأنه لا يمكن فهم وعي الفرد إلاّ بوساطة فهم الوعي الكلي للجماعة التي ينتمي إليها.‏

    ويمكن تحديد منهج غولدمان في النقد البنيوي التكويني في النقاط التالية:‏

    1 ـ دراسة ماهو جوهري في النص، وذلك عن طريق عزل بعض العناصر (الجزئية)، من السياق، وجعلها كلّيات مستقلة.‏

    2 ـ إدخال (العناصر) الجزئية في (الكلّ)، علماً بأننا لا نستطيع الوصول إلى كلية لا تكون هي نفسها عنصراً أو جزءاً، فجزئيات العالم مرتبطة ببعضها بعضاً، ومتداخلة بحيث يبدو من المستحيل معرفة واحدة منها دون معرفة الأخرى، أو دون معرفة الكل.‏

    3 ـ دمج العمل الأدبي في (الحياة الشخصية لمبدعه).‏

    4 ـ إلقاء الأضواء على(خلفية النص) الاجتماعية، وذلك بدراسة مفهوم (العالم) عند الجماعة التي ينتمي إليها الكاتب، والتساؤل عن الأسباب الاجتماعية والفردية التي أدت إلى هذه الرؤية كظاهرة فكرية عبّر عنها العمل الأدبي في زمان ومكان محددّين. وهذه الرؤية هي ظاهرة من ظواهر الوعي الجمالي الذي يبلغ ذروة وضوحه في نتاج المبدع.‏

    إن ما يميز سوسيولوجيا الآداب عند غولدمان عن كل شكل آخر من السوسيولوجيا هو التأكيد على أن (الفرد)، في الإبداع الأدبي ليس وحده المبدع، وإنما (الوعي الجماعي)، أيضاً. ويستبعد غولدمان اتجاهين رئيسيين في سوسيولوجيا الآداب هما:‏

    اتجاه يُعنى بالنشر والتوزيع واستقبال الأعمال الأدبية، وصداها لدى القراء، ويمثله في فرنسا روبير اسكاريت ومعاونوه، ممن تجمعوا حول (معهد الآداب والتقنيات الفنية للجماهير) التابع لجامعة بوردو. والاتجاه الثاني يُعنى بدراسة بعض النواحي الجزئية للنصوص الأدبية المعتبرة كمؤثرات وتعبيرات للوعي الجماعي وشمولاته، ويمثله ليولوينتال، أستاذ علم الاجتماع في جامعة بركلي، والذي درس النتاج الأدبي لمجموعات مهنية واجتماعية، ونقل الاهتمام من الفرد المدروس حسب مهنته، إلى السنوات الأولى من طفولته، كما درس مضمون الوعي الاجتماعي في أعمال عدد من المؤلفين المختلفي الجنسيات. ورغم جدوى هذين الاتجاهين، فإن الأجدى هو سوسيولوجيا الأدب التي تعد العمل الأدبي ناتجاً اجتماعياً، بقدر ماهوإبداع فردي، وهو ما تجرّد له غولدمان.‏

    وإذ يؤكد غولدمان هذا الاتجاه الثالث من السوسيولوجيا، فإنه يميّز ـ أيضاً ـ بينه وبين الاتجاه في الدراسة الاجتماعية، والذي يحاول أن يضع علاقة وثيقة بين مضمون الوعي الجماعي للمجتمع ككل، وبين مضمون العمل الأدبي، ويمتد هذا الاتجاه منذ مدام دي ستايل، إلى تين، وعدد كبير من الدراسات الماركسية التقليدية. ورغم أن فائدة أبحاث هذا الاتجاه تبدو ـ أيضاً ـ مؤكدة، فإنها محدودة، أمام الإضافة التي يمثلها لوكاش وتلميذه غولدمان الذي طوّر أبحاث أستاذه، وشق طريقاً جديداً في سوسيولوجيا الآداب، وتطورت معه الدراسات الأدبية فلم يعد العمل الأدبي مجرد انعكاس للوعي ا لجماعي وحده، ولم تعد العلاقة الأساسية على مستوى المضمون وحده، وإنما على مستوى التماثل البنياني، وبهذا أصبحت الأعمال الأدبية تطويراً للنزعات الممكنة للوعي.‏

    *‏

    ج ـ المفاهيم الأساسية لسوسيولوجيا الآداب عند غولدمان:‏

    ضد كل سوسيولوجيا للآداب تجعل من الإبداع الأدبي ظاهرة اقتصادية، أو انعكاساً لوعي جمعي، تقوم السيوسيولوجيا البنيوية التكوينية التي أعطاها غولدمان صياغتها النظرية، وتطبيقاتها العملية، على المفاهيم التالية:‏

    أ ـ مفهوم (البنية الدالة)، الذي يشكل إحدى الركائز الهامة في هذا المنهج، ولكي يفهم الباحث العمل الذي ينوي دراسته عليه أولاً أن يكشف عن (بنيته) الدالة على (كليته)، ثم يكتشف (الدلالة)، الموضوعية للأثر، وذلك بوضع الأثر في سياقه التاريخي والاجتماعي، والنظر إليه من خلال مفهومي (الكليّة) و(التماسك). وقد يدمج الباحث هذا الأثر، موضوع الدراسة، في مجموعة أكبر هي آثار الكاتب. وقد يدمج آثار الكاتب في مجموعة أكبر من آثار معاصريه في الفترة ذاتها. وبهذا ينتقل المنهج البنيوي التكويني من الأثر الأدبي إلى الجماعة، ومن المبدع إلى الإبداع.‏

    و(التماسك)، لا يعني الترابط المنطقي، كما أنه غير تفسير الأثر من خلال تركيبه الباطني كما في النقد (الثيمي) Theme، وإنما هو الرباط ذو الدلالة بين (الأجزاء)، و(الكل)، كما أن (البنية الدالة) تفترض وحدة الأجزاء ضمن (الكلية)، و(العلاقة) الداخلية بين العناصر، والانتقال من (رؤية)، سكونية إلى رؤية دينامية، رغم أن قلة من المبدعين هم وحدهم الذين يحملون (رؤية) عالم الجماعة في ضمائرهم، وفي أشكال إبداعهم.‏

    ب ـ مفهوم (رؤية العالم) يشكل مع (البنية الدالة) وحدة متكاملة. فإذا كانت (البنية الدالة) هي التي تشرح النص الأدبي وتفسره، فإن (رؤية العالم) هي التي تفهمه وتدركه وتضعه في إطاره الاجتماعي المتميز. يقول غولدمان: ((إذا أردت أن أشرح خاطرة لباسكال، يجب عليَّ الرجوع إلى جميع خواطره وفهمها، كما ينبغي عليّ أن اشرح نشأتها، وعندها أضطر إلى الرجوع إلى الحركة الجانسينية، وأستطيع أن أفهم الجانسينية بربطها بطبقة (نبلاء الرداء)، وهكذا......))..‏

    (6).‏

    وهكذا ينبغي على الباحث في سوسيولوجيا الآداب أن يقوم بعمليتين متكاملتين: المقومات الأساسية التي تعطي العمل الفني وحدته، أي بنيته الدلالية.‏

    وهذه تقوم على دراسة العناصر التي تؤلف هذا العمل، بحيث يكون الاقتصار على دراسة زاوية منه فحسب لا تكفي. لأنها لا تعطي فكرة شمولية عنه. وثانيهما إقامة صلة مستمرة بين (البنية الدلالية)، و(رؤية العالم)، وفق منظور الطبقة الاجتماعية التي تفرزها حقبة تاريخية معينة.‏

    إن مؤلفات أي أديب أو مفكر ليست سوى تعبير عن نظرة موحدة وكلية إلى العالم. ولن نفهم هذه المؤلفات حق الفهم إلا إذا تمكنا من إدراك بنية المجموع، وفهم كل مؤلف على أنه (جزء) من (كل). ولكن هذه (الرؤيات) إلى العالم لا تظهر بصفة مباغته، وإنما تستلزم تضافر عدد كبير من الجهود الاجتماعية والتاريخية التي غالباً ما تمتد عبر أجيال عديدة. ومن هنا كان عدد هذه الرؤيات إلى العالم محدوداً.‏

    فهناك عدد معين من النظرات النموذجية إلى العالم: الرؤية العقلانية، والتجريبية، والجدلية، والحدسية، والمأساوية....الخ.‏

    ورغم أن غولدمان قد اقتبس مفهوم (رؤية العالم) من لوكاش، فإنه طوّره بحيث أصبح يعني عنده أن العمل الأدبي الفردي لا يمكن شرحه من خلال الفرد وحده، وإنما لابد من النظر إلى الإطار الذي كتب فيه.‏

    ج ـ وفي (الرؤية المأساوية) يستعرض غولدمان هذه الرؤية عند باسكال وراسين وكانط. ويرى أنها تتميز بمعرفة نظرية للعالم، وبرفض قوي للعالم، لأنه غير مرض أو غير مقنع، إذ يفتقر إلى مبدأ سام، وإلى إعجاب فعلي بالعلم، لأنه يفضي إلى المعرفة، ورفض له لأنه لا يستطيع أن يوجّه الإنسان أخلاقياً، ويرى غولدمان أن هذه الرؤية المأساوية هي وسط بين نزعتين متطرفتين هما: النزعة العقلانية الفردية التي تجلّت لدى ديكارت، والنزعة الجدلية التي تبلورت لدى هيغل وماركس.‏

    وترتكز الرؤية المأساوية إلى ثلاثة أقانيم: الله، والإنسان، والعالم.‏

    فالله خفي لا يدركه إلاّ المختارون، وهو حاضر غائب، خفي ظاهر، والإنسان يجمع بين النقيضين: العالم (الحيوان، والشقاء)، والله (الملاك، والعظمة)، ولذا لا ينبغي للإنسان إلاّ أن يرتد عن مشاركته في العالم، إلى الدخول في كنف الله الخفي. ولن يتم هذا الارتداد نتيجة يقين عقلي، بل حدس قلبي.‏

    وقد اكتشف غولدمان (الرؤية المأساوية) من دراسته لتاريخ ملوك فرنسا بعد عصر النهضة، حيث لجؤوا إلى المجالس النيابية المرتكزة على الطبقة البورجوازية الصاعدة، ليخففوا من نفوذ الأشراف الإقطاعيين والطبقة الارستقراطية. وقد قدمت البورجوازية مجموعة من الضباط الإداريين الذين لعبوا دوراً أساسياً مهيمناً، فكوفئوا على ذلك، واعتبروا (نبلاء الرداء)، مقابل (نبلاء البلاط)، من فلول الارستقراطية المحتضرة. ولكن الردة الرجعية للملوك الذين رغبوا في عودة الحكم المطلق أبعدت (نبلاء الرداء)، عن المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية، مما دفع بهؤلاء إلى البحث عن ملجأ إيديولوجي، فوجدوه في (الجانسينية)، التي كان مركزها دير (بور رويال) في باريس، والتي ظهرت كأيديولوجية تؤكد استحالة تحقيق حياة سعيدة في هذا العالم المبني على الغدر والنكران. وبما أن أتباع هذا المذهب كانوا نزيهين أخلاقياً، فإنهم رفضوا الانتهازية، وآثروا الابتعاد عن الحياة السياسية، وخيبة الأمل هذه التي تعرضت لها هذه الطبقة أدت إلى تشكيل الإيديولوجيا الجانسينية الرافضة لقيم العالم، والمتوجهة نحو الله، مما يترك الإنسان في قلق دائم، ويطور عنده الحس بتفاقم المأساة.‏

    وقد تجلّت هذه الرؤية المأساوية لنبلاء الرداء في (خواطر) باسكال، ومسرح راسين، ففي مسرح راسين يمكن تمييز ثلاثة اتجاهات: اتجاه رفض العالم، والاتجاه نحو الله، واتجاه الحياة في العالم والتلوث فيه حيث تكون نهايتهم مأساوية. واتجاه الوهم الذي يجعل البطل المأساوي يؤمن بأنه يستطيع أن يفرض فكره على العالم، ولكنه ينتهي إلى خيبة الأمل.‏

    د ـ الوعي والواقع الاجتماعي: يرى غولدمان أن الرواية تشكل العمل الأدبي الذي يعكس الحياة اليومية في مجتمع يطبعه نظام السوق، وأن الشكل الروائي يظهر لنا نقلاً للحياة اليومية للمجتمع الفردي الذي يسيطر عليه نظام السوق إلى المستوى الأدبي. فهناك تناسب بين الشكل الروائي والعلاقات اليومية التي تربط البشر بالثروات.‏

    وفي عالم يسوده الكمّ على حساب الكيف. وتحلّ فيه القيم التبادلية محل القيم الاستعمالية، يبرز دور قلّة من (الإشكاليين)، الذين يحاولون أن يستغنوا عن الوسائط، وهم يقدّرون الأشياء بقيمتها الحقيقية، لا بقيم تبادلية شاملة هي المال الذي هو معبود المجتمع المادي، ولذلك فإنهم يظلون على هامش المجتمع. فإذا أنتجوا أدباً روائياً كان البطل، صورتهم، يحاول أن يبحث عن قيم أصيلة في عالم منحط. ولهذا فإن الفنان الحق في العالم الرأسمالي هو إنسان معارض للقيم التي تسود مجتمعه، وناقد، وإشكالي، وما روايته سوى انتقاد يثبت استحالة قيام نمو أصيل للشخصية. وهذا ما يفسر العداء الذي تناصبه البورجوازية لمثل هذا الفن، وترويجها للفن السطحي، المتكلف، الساذج.....‏

    هـ ـ الوعي الممكن: العمل الأدبي، عند غولدمان، ليس مجرد انعكاس لوعي فعلي حقيقي، بل انعكاس لوعي ممكن، ذلك أن كل فئة اجتماعية تبني وعيها وبنياتها الذهنية وفق ممارساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل المجتمع في كليته.‏

    وليس هناك وجود للوعي الجمعي خارج وعي الأفراد. ويتلقى الفرد تأثيرات جماعية لا ينتمي إليها في واقعه الاجتماعي، وهكذا فلا وجود للوعي الجمعي إلاّ كحقيقة ممكنة.‏

    وكإمكانية داخل وعي كل فرد من الجماعة. والوعي الممكن قد يجد تعبيره الفعلي من خلال تأثيرات فكرية أو أعمال خيالية لبعض المبدعين، وهكذا فضد سوسيولوجيا الآداب التي تجعل اهتمامها ينصب على المحتوى، وعلى انعكاس الوعي الجمعي، تقوم سوسيولوجيا جديدة، مغايرة، تهتم بالبنيات، وبالوعي الممكن.‏

    تلك هي المفاهيم الأساسية لسوسيولوجيا الآداب عند غولدمان الذي أعطاها شكلها النظري النهائي، وطبّقها منهجاً نقدياً بنيوياً تكوينياً في دراسة الآثار الأدبية والفكرية لراسين. وباسكال، وكانط، ومالرو، وسارتر... الخ. رافضاً كل نزعة ذرية تريد أن تفهم الأعمال الأدبية بالوقوف عند جزئياتها، ومحاولاً إدراك المجتمع في (كليته)، ورابطاً ماهو اقتصادي بما هو سياسي، بل وحتى بما هو أدبي وفني، ومكتشفاً العلاقات الوظيفية بين المؤسسات الاجتماعية والأعمال الأدبية ومتبنياً مفهوم (الكلية) الذي يرى أن التجربة المجتمعية والتاريخية في كليتها تتكون وتتكشف عن ذاتها من خلال الممارسة الاجتماعية، و(الكليّة) عنده هي مجموع الوقائع التي نعرفها، والأحداث التي ننتجها، وليست (كلاًّ)، متعالياً عن المجتمع والتاريخ كما كانت لدى هيغل مثلاً.‏

    ( الهوامش:‏

    1 ـ محمد عزام ـ الأسلوبية منهجاً نقدياً، وزارة الثقافة ـ دمشق 1989 ـ ص 117 ـ ص8.‏

    2 ـ MARTENET: areflexian sur la phrase". In Languge and Socity. Copenhague. 1961. P:113‏

    3 ـ محمد عزام ـ الأسلوبية منهجاً نقدياً، ص 207.‏

    4 ـ الجانسينية مذهب ديني مسيحي يقوم على فكر اللاهوتي الهولندي جانسينوس (1585-‏

    1638)، الذي سعى إلى إحياء مذهب القديس أوغسطين حول العفو الإلهي والقدر.‏

    5 ـ بيير زيما ـ غولدمان ص 43.‏

    6 ـ غولدمان ـ الإبداع الثقافي في المجتمع الحديث ـ ص 52ط الفرنسية.‏ Wink

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 4:38 am