مختبرالسرديات وماستر الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب، بآداب بنمسيك:
العين الثالثة
سويرتي ، خرماش ، الدغمومي..وسؤال نقد النقد بالمغرب
المصطفى فرحان
برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك-الدار البيضاء ، كان الموعد من جديد مع النقد الأدبي بالمغرب في اللقاء الذي نظمه مختبر السرديات و ماستر الدراسات الأدبية و الثقافية بالمغرب، وذلك يوم الجمعة 2 ماي 2008
بقاعة المحاضرات ،في موضوع:النقد الأدبي بالمغرب: المفاهيم والمرجعيات
كل الدارسين يتفقون اليوم على أن الحركة النقدية المغربية استطاعت بفعل سلسلة من جهود النقاد والباحثين المغاربة، إغناء الرصيد النقدي العربي وإمداده بمجموعة من المساهمات النوعية في مجال تحليل النصوص الأدبية، سواء أتعلق الأمر بالشعر أو بالقصة القصيرة أو بالرواية.
وقد تأتى لهذا الحقل المعرفي بلوغ هذا المستوى من العمق والغنى، نتيجة لاستفادته من التجارب النقدية العربية الأخرى، والتي كانت في أغلبها تنهل من الثقافة الأنـﮒـلوساكسونية، وانفتاحه في الآن نفسه على المنجز النقدي الفرنسي. وهو ما ضمن له نوعا من الخصوصية ومكنه، على هذ المستوى، من إغناء الثقافة العربية وتنويع روافدها.
وقد لعبت الجامعة المغربية دورا حاسما في توجيه المساهمة المغربية في مجال النقد الأدبي هذه الوجهة، حيث شكلت الإطار الذي تخرج منه هؤلاء النقاد ذوي التكوين الجيد، والذين استطاعوا نزع صفة الانطباعية عن النقد المغربي، وإكسابه صفة العلمية التي تحققت له بفعل الاطلاع على أغلب النظريات والمناهج النقدية الحديثة ومفاهيمها المتعددة وتطبيقاتها المختلفة.
ونظرا للمسافة الزمنية التي تفصل بين ظهور النظرية في سياقها الغربي، وانتقالها إلى السياق المغربي، بالموازاة مع انتقال ما يصاحبها من تجارب نقد النقد التي تبرز بعض مواطن القصور التي تعتري المنهج، و نظرا لتلون هذا الأخير ببعض الاجتهادات المحلية، فقد أمكن التجربة المغربية في هذا المجال اختزال الكثير من الجهود والتمتع بنوع من الغزارة المرجعية والمفاهيمية التي تستلزم المراجعة الدورية.
انطلاقا من هذه الرؤية ورغبة منه في تقييم تجارب النقد المغربي الأدبي ومواكبة التقلبات والتطور الذي يعرفه، نظم مختبر السرديات وماستر الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدارالبيضاء، يوم الجمعة 2 ماي 2008 بقاعة المحاضرات مائدة مستديرة في موضوع "النقد الأدبي بالمغرب: المفاهيم والمرجعيات"
وقد تدارس هذا اللقاء ثلاث تجارب نقدية مغربية لكل من محمد سويرتي ،ومحمد خرماش، و محمد الدغمومي؛ قرئت من منظور سؤال النقد ،لكونها تشكل محطات نقدية في سياق تطورخطاب النقد الأدبي بالمغرب و نضجه ، خاصة و أنها تجارب تعكس نماذج من الكتابات المتصلة بوعي للمفاهيم النظرية ،ولخلفياتها الإبستمولوجية فهي نصوص لنقاد كبار يحاولون التأسيس لوعي نقدي مغربي يدعم ما تراكم في الساحة الأدبية العربية ويقويه ، راسمين بذلك نسيجا نقديا قابلا للمساءلة الثقافية، انطلاقا من أسئلة ومقاربات غير مكرورة تحاول ما أمكن تحقيق إدراك نظري بالتصورات واقتراب جمالي من النصوص يساهم في نقض التكرارية والحفز على تطوير أشكال الإبداع والتعبير ،وذلك بهدف جر الذوق الأدبي إلى مغامرة الكتابة الباحثة عن آفاق جديدة .
و في هذا الإطار، وفي ظل الوعي بممارسة النقد على تجارب ما تزال تشتغل وتجتهد، قدمت ثلاث قراءات محكومة بابستمولوجيا نقد النقد ،توخت التركيز على المفاهيم والمرجعيات التي انطلق منها أصحاب التجارب التالية:
- النقد البنيوي و النص الروائي :نماذج تحليلية من النقد العربي لمحمد سويرتي.
- إشكالية المناهج في النقد الأدبي المغربي المعاصر:البنيوية التكوينية بين النظرية و التطبيق لمحمد خرماش.
- نقد الرواية و القصة القصيرة بالمغرب :مرحلة التأسيس لمحمد الدغمومي .
افتتح اللقا ء بكلمة لرئيس الجلسة رشيد الإدريسي الذي شدد على أهمية النقد المغربي،معتبرا أن المغرب من البلدان التي أغنت المجال النقدي العربي بكم متنوع من التجارب.
بعد ذلك تدخلت الباحثة حسنية تغزوان بورقة حول كتاب محمد سويرتي تحت عنوان ":الخطاب الروائي والنقد العربي "، تقصدت من ورائها الباحثة التفكير في مجموعة من الإشكالات التي يطرحها النقد العربي إزاء الخطاب الروائي وذلك بالتركيز على المنهج والمفاهيم انطلاقا من مجموعة من الأسئلة وهي :
- ما مدى تمثل النقاد العرب موضوع البحث البنيوي ومفاهيمه العلمية ؟
- ماهي المفاهيم النقدية التي يمارس النقاد في ضوئها النقد الأدبي ؟
- هل اقتصروا على توظيف المنهج البنيوي أم استنجدوا بمناهج أخرى؟
على أساس هذه الأسئلة استتبعت الباحثة بعض الرؤى النقدية العربية التي حاولت ممارسة المنهج البنيوي في مقاربتها لنصوص الرواية العربية وهم : يمنى العيد، وسيزا أحمد قاسم، وسعيد يقطين .
وقد قسمت الباحثة تغزوان مداخلتها إلى مقدمة وثلاثة محاور: في المقدمة أبرزت أن المنهج البنيوي ابتدعه الغربيون وتبناه النقاد العرب بعد أن تمثلوا أركانه المنهجية، و خصصت المحور الأول للحديث عن الناقدة يمنى العيد التي استفادت من المنهج البنيوي ،التي اتضح للباحثة من خلال تتبع دراستها النقدية أنها قسمتها إلى مرحلتين ،مرحلة أولى تميزت بتطبيقها للمنهج البنيوي منطلقة من تحديد البنية العامة للنص ،ثم تفكيكها إلى عناصر بغية رصد العلاقات التي تربطها فيما بينها .و مرحلة ثانية عملت فيها يمنى العيد على ربط البنية الدالة بالبنيات التي تمثل مرجعياتها المعرفية و الاجتماعية مستعينة بالمنهج البنيوي و التكويني.
في المحور الثاني قرأت الناقدة سيزا أحمد قاسم التي - برأيها - لم تكشف للقارئ عن المقولات البنائية التي انطلقت منها ، مكتفية بالتصريح فقط بأنها ستحلل ثلاثية نجيب محفوظ كوحدة مستقلة من الداخل دون الالتفات إلى ما هو أبعد من الأحكام القيمية استنادا إلى ما جاء به جيرار جينيت وغيره ،دون تحديد منها كذلك للمفاهيم التي تختارها كمنطلقات نقدية،مسجلة عليها تفاوتا بين طموحها باعتبارها كاتبة في أن تقتصر على المنهج البنيوي لوحده في دراستها ،و بين ممارستها النقدية ،إذ استرسلت في التأويل الفلسفي و الاجتماعي بل و حتى الاديولوجي.
أما في المحور الثالث والأخير فقد توقفت فيه الباحثة عند الناقد المغربي سعيد يقطين الذي أشارت إليه بأنه لم يكتف بتطبيق المنهج البنيوي ،بل حاول وضع رؤية خاصة به ، أثارت العديد من الأسئلة ،فقد أضاف برأيها بعض المصطلحات الجديدة التي عرت الهاجس الذي يحمله سعيد يقطين و هو يقتبس الأدوات والمفاهيم النقدية ،وهو تجنب الوقوع في مجرد إسقاط المنهج البراني على المتن العربي ،بل كان يسعى إلى بلورة رؤية لها خصوصية التجربة العربية تقوم على أساس الحوار و الانفتاح على الانجازات الغربية .ولعل أهم المصطلحات التي أضافها تذكر الباحثة :الانزياح السردي،و الميثاق السردي ،و الخلفية النصية ،فضلا عن سلوكه في دراسته البنيوية منهج السرديات البنيوية كما تجسدت في الاتجاه البويطيقي معتمدا تقسيم تودوروف و جينيت الثنائي الحكي ، وهو القصة و الخطاب مكتفيا بتحليل المستوى النحوي ،كما أضاف مفهوم النص ليدرس من خلاله المستوى الدلالي ،وهكذا تعقبته الباحثة يدرس الزمن و الصيغة و الرؤية و الصوت في إطار العلاقة بين الراوي و المروي له.
وانتهت الباحثة في الأخير إلى خلاصة أساسية مؤداها أن الناقد العربي و هو ينهج المنهج البنيوي لم يقتنع بأن الخطاب الروائي مجرد بنية شكلية لا روح فيها ،نظرا لما تمليه طبيعة النص الروائي العربي وخصوصية التجربة و الواقع الاجتماعي ،و هو ماجعل النقاد الثلاثة رغم اعتمادهم المنهج البنيوي بمفهوم البنية التي تحيل إلى البنية الاجتماعية والثقافية يحللون الخطاب الروائي معتمدين على التأويل الذي يتأسس على التركيب استنادا إلى مناهج أخرى كالمنهج النفسي و الاجتماعي.
ورقة الباحث اليديم ناصر انصبت حول قراءة في كتاب محمد خرماش،حملت عنوان ":البنيوية التكوينية في المغرب بين التوفيق و التلفيق".وقد رامت هذه المقاربة إبراز معالم المنهج البنيوي التكويني ،باعتباره منهجا يضفي نوعا من التكامل بين وحدة الأثر و المقاربة الوظيفية ،و يحقق عامل ربط بين العمل الإبداعي وبين الشروط السوسيوثقافية ،و ذلك بتجاوزه للمقاربة الماركسية المنكفئة على الدراسة الموضوعية في ذاتها .انطلاقا من مساءلة مدى تمثل النقد المغربي لهذا كله عبر طرح مجموعة من الإشكالات الابستمولوجية:
- هل المنهج البنيوي التكويني المتمثل في النقد المغربي يعبر عن تصورات لوسيان كولدمان أم أنه أنه منهج يعبر عن أشياء أخرى ؟
- هل البنيوية التكوينية بالمغرب هي توفيق بين التيارين السابقين ،أم أنها تلفيق و خليط بين عدة مفاهيم و تصورات لا يربطها بالبنيوية التكوينية سوى المحدد التعريفي ؟
- ومن ثمة نلفي أنفسنا أمام منهج آخر لا ينقصه سوى التسمية.أم أن البنيوية التكوينية في المغرب قد تم استيعابها أخذا بعين الاعتبار الشروط السوسيوثقافية بين البيئة المصدرة و البيئة المستوردة ؟بهذه الأسئلة شرع الباحث يقارب الدراسة أعلاه مشيرا إلى أنه لا يمكن التعامل مع المناهج و النظريات كمعطيات مقدسة تسقط بشكل قصري على مختلف الأسيقة الثقافية بغض النظر عن الروافد الحضارية /الثقافية،باعتبار أن النقد المغربي تمثل المقاربة البنيوية بشكل مكنه من استثمار الجوانب المتلائمة مع المعطيات السوسيوثقافية .و تبقى البنيوية التكوينية في المغرب نظرية لا يمكنها أن تكون إلا كما كانت ، بنيوية تكوينية بلمسة مغربية .
هذه الإشكالات النقدية برأي الباحث شكلت نبض دراسة الناقد محمد خرماش ،و خلاصتها المكثفة ،حيث أثارت هذه الإشكالات قريحة محمد خرماش النقدية ،الذي عمل على الحسم في هذه الإشكالات محاولا الإجابة عن الأسئلة المطروحة انطلاقا من مساءلة الأعمال النقدية الرائدة في تلك الفترة ،والتي تبنت البنيوية التكوينية تنظيرا و تطبيقا و استثمرت مقولات هذا المنهج و محدداته الإبستمولوجية بعد محاولة استيعابها وتتبع أصولها الغربية .
كما أشار الباحث إلى أن الدراسة، موضوع قراءته ، تظل محاولة للكشف عن العلاقات الاستثمارية بين المنهج البنيوي التكويني كما حدده لوسيان كولدمان وبين تطبيقه في الحقل الثقافي المغربي .
ولعل الخلاصة التي حاول اليديم من خلالها الإجابة عن الإشكالات المطروحة سلفا في ثنايا مداخلته ،هو تركيزه على التزام سعيد علوش - إلى حد ما- بمبادئ التصور المنهجي المعلن عنها في البداية،حيث أنه طبق آليات المنهج و أدواته الإجرائية كما تمثلها آخذا بعين الاعتبار بعض خصوصيات الأسيقة الثقافية ،منتقلا إلى الحديث عن غلبة النزعة الاجتماعية التقليدية على البنيوية التكوينية عند الناقد محمد بنيس ،إذ أن المتأمل لأبعاد دراسة هذا الأخير - برأي الباحث - سيجد أن فعل التغليب قصدي،بالنظر إلى المرونة المطلوبة أثناء تطبيق المنهج ،وذلك راجع لاختلاف السياقين ،السياق الثقافي المنتج للمنهج ، و السياق الثقافي العربي بما في ذلك المغربي . مشيرا إلى أن تطبيق المنهج بمنآى عن المحددات الثقافية ،يجعلنا أمام إسقاطات تعسفية ،هذا لا يعني في نظر الباحث إهمال الإطا رالمفاهيمي باعتباره بنية متكاملة ،إذ لا مفر من تمثل بعض المفاهيم و التصورات المستلزمة لشروط ثقافية حضارية ، واستحضاربعض منها ،لا يعد انزلاقا منهجيا ،بقدر ما هوتطوير لهذا المنهج في إطا ر دينامية و حركية المناهج و النظريات. كما خلص الباحث من مداخلته هاته بنقطة شدد من خلالها على أهمية عمل الناقد محمد خرماش الذي اعتبره بمثابة وثيقة نقدية تؤرخ لمرحلة مهمة من مراحل تطورالمناهج النقدية بالمغرب .
وفي الأخير تدخل الباحث إبراهيم أزوغ بورقة نقدية عنونها ب ":فقر النظرية و عقم الممارسة" :مقاربة في كتاب "نقد القصة و الرواية بالمغرب: مرحلة التأسيس "،لمحمد الدغمومي ،استهلها بالحديث عن الإشكالات التي يطرحها نقد النقد الأدبي ،ذلك أن أي بحث في نقد النقد الأدبي - حسبه - يطرح إشكالات عديدة و متفرقة تجعله غير قابل للتقيد بمرجعية واحدة ، الأمر الذي تلمسه الباحث في عمل الناقد محمد الدغمومي ،الذي يعتبر برأيه خليطا يمزج بين العلم و الثقافة ،فهو من جهة ينتهل من العلوم مفاهيمه النظرية و المنهجية ،ومن جهة أخرى يجعل الثقافة من خلال النص النقدي الذي يشتغل عليه موضوعا له،مما حدا بالباحث كذلك إلى القول بأنه لم يعد بالإمكان إنكار قيمة التفكير في إنجاز مقاربات تبحث في النص النقدي المغربي ،إذ أن جعل النص النقدي موضوعا للنقد كذلك أمر لا محالة يطرح العديد من الإشكالات ،حاول الكشف عن بعضها الباحث أزوغ داخل العمل السابق للناقد محمد الدغمومي.
قبل ذلك أشارالباحث إلى أنه ثمة في تقديره إشكاليتين تحيطان بأي حديث عن نقد النقد وهما :
أ- إشكالية منهج نقد النقد ، بمعنى هل يمكن تناول النص النقدي بمنهج تناول النص الإبداعي ؟ طبعا كان جواب الباحث بالنفي إذ ظل السؤال عالقا : مامنهج نقد النقد؟
ب- وإشكالية موضوع نقد النقد ،إذ النقد الأدبي كموضوع نص معرفي يتطلب لمقاربته معالجة إبستمولوجية (نقد المعرفة ) تعتبر النص يجمع بين عدد من الأنظمة ،بعضها يشكل إطارا قبليا ( الخلفيات ،التصورات، والسياقات ..) و بعضها يتخذ شكلا ملموسا يتمثل في التوظيف والاستعمال (المفاهيم ،الإجراءات والموضوعات ..)وغيرها يشكل حسب الباحث قيمة مضافة كالاستنتاجات و المواقف ..وهي مستويات يصعب الفصل بينها .
وخلص الباحث إلى أن الناقد محمد الدغمومي ارتكز في تصنيفه للمادة النقدية على خلفية تنظيمية تستبعد البعد العلمي ،إذ سجل عليه كأولى ملاحظاته ،أن مفهوم الانطباعية لم يقدم له الدغمومي تعريفا ولم يبرز استخدامه بشكل دقيق ،مشيرا إلى أن الانطباعية لا تشكل اتجاها نقديا ،مثلما لا يمكننا القول بالنقد الانطباعي و إن وجدت نقود وسمت بالانطباعية. ولعل من الملاحظات التي أبداها الباحث ، خلال قراءته لنص الدغمومي هو تفكيك النص النقدي باحثا في إطاراته النظرية و التصورات و المنهج و المفاهيم.
في ختام هذا اللقاء ، والذي ستتبعه لقاءات أخرى حول الدرس النقدي بالمغرب ،تدخل عدد من المناقشين من بينهم محمد أغليمو،نعيمة أسوكا ،سعيد سهمي ،المصطفى فرحان ،عبير شوقي وشعيب حليفي ، حيث أعادوا طرح السؤال حول المنهج والتحليل وما ينتجانه من علاقات. .
العين الثالثة
سويرتي ، خرماش ، الدغمومي..وسؤال نقد النقد بالمغرب
المصطفى فرحان
برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك-الدار البيضاء ، كان الموعد من جديد مع النقد الأدبي بالمغرب في اللقاء الذي نظمه مختبر السرديات و ماستر الدراسات الأدبية و الثقافية بالمغرب، وذلك يوم الجمعة 2 ماي 2008
بقاعة المحاضرات ،في موضوع:النقد الأدبي بالمغرب: المفاهيم والمرجعيات
كل الدارسين يتفقون اليوم على أن الحركة النقدية المغربية استطاعت بفعل سلسلة من جهود النقاد والباحثين المغاربة، إغناء الرصيد النقدي العربي وإمداده بمجموعة من المساهمات النوعية في مجال تحليل النصوص الأدبية، سواء أتعلق الأمر بالشعر أو بالقصة القصيرة أو بالرواية.
وقد تأتى لهذا الحقل المعرفي بلوغ هذا المستوى من العمق والغنى، نتيجة لاستفادته من التجارب النقدية العربية الأخرى، والتي كانت في أغلبها تنهل من الثقافة الأنـﮒـلوساكسونية، وانفتاحه في الآن نفسه على المنجز النقدي الفرنسي. وهو ما ضمن له نوعا من الخصوصية ومكنه، على هذ المستوى، من إغناء الثقافة العربية وتنويع روافدها.
وقد لعبت الجامعة المغربية دورا حاسما في توجيه المساهمة المغربية في مجال النقد الأدبي هذه الوجهة، حيث شكلت الإطار الذي تخرج منه هؤلاء النقاد ذوي التكوين الجيد، والذين استطاعوا نزع صفة الانطباعية عن النقد المغربي، وإكسابه صفة العلمية التي تحققت له بفعل الاطلاع على أغلب النظريات والمناهج النقدية الحديثة ومفاهيمها المتعددة وتطبيقاتها المختلفة.
ونظرا للمسافة الزمنية التي تفصل بين ظهور النظرية في سياقها الغربي، وانتقالها إلى السياق المغربي، بالموازاة مع انتقال ما يصاحبها من تجارب نقد النقد التي تبرز بعض مواطن القصور التي تعتري المنهج، و نظرا لتلون هذا الأخير ببعض الاجتهادات المحلية، فقد أمكن التجربة المغربية في هذا المجال اختزال الكثير من الجهود والتمتع بنوع من الغزارة المرجعية والمفاهيمية التي تستلزم المراجعة الدورية.
انطلاقا من هذه الرؤية ورغبة منه في تقييم تجارب النقد المغربي الأدبي ومواكبة التقلبات والتطور الذي يعرفه، نظم مختبر السرديات وماستر الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدارالبيضاء، يوم الجمعة 2 ماي 2008 بقاعة المحاضرات مائدة مستديرة في موضوع "النقد الأدبي بالمغرب: المفاهيم والمرجعيات"
وقد تدارس هذا اللقاء ثلاث تجارب نقدية مغربية لكل من محمد سويرتي ،ومحمد خرماش، و محمد الدغمومي؛ قرئت من منظور سؤال النقد ،لكونها تشكل محطات نقدية في سياق تطورخطاب النقد الأدبي بالمغرب و نضجه ، خاصة و أنها تجارب تعكس نماذج من الكتابات المتصلة بوعي للمفاهيم النظرية ،ولخلفياتها الإبستمولوجية فهي نصوص لنقاد كبار يحاولون التأسيس لوعي نقدي مغربي يدعم ما تراكم في الساحة الأدبية العربية ويقويه ، راسمين بذلك نسيجا نقديا قابلا للمساءلة الثقافية، انطلاقا من أسئلة ومقاربات غير مكرورة تحاول ما أمكن تحقيق إدراك نظري بالتصورات واقتراب جمالي من النصوص يساهم في نقض التكرارية والحفز على تطوير أشكال الإبداع والتعبير ،وذلك بهدف جر الذوق الأدبي إلى مغامرة الكتابة الباحثة عن آفاق جديدة .
و في هذا الإطار، وفي ظل الوعي بممارسة النقد على تجارب ما تزال تشتغل وتجتهد، قدمت ثلاث قراءات محكومة بابستمولوجيا نقد النقد ،توخت التركيز على المفاهيم والمرجعيات التي انطلق منها أصحاب التجارب التالية:
- النقد البنيوي و النص الروائي :نماذج تحليلية من النقد العربي لمحمد سويرتي.
- إشكالية المناهج في النقد الأدبي المغربي المعاصر:البنيوية التكوينية بين النظرية و التطبيق لمحمد خرماش.
- نقد الرواية و القصة القصيرة بالمغرب :مرحلة التأسيس لمحمد الدغمومي .
افتتح اللقا ء بكلمة لرئيس الجلسة رشيد الإدريسي الذي شدد على أهمية النقد المغربي،معتبرا أن المغرب من البلدان التي أغنت المجال النقدي العربي بكم متنوع من التجارب.
بعد ذلك تدخلت الباحثة حسنية تغزوان بورقة حول كتاب محمد سويرتي تحت عنوان ":الخطاب الروائي والنقد العربي "، تقصدت من ورائها الباحثة التفكير في مجموعة من الإشكالات التي يطرحها النقد العربي إزاء الخطاب الروائي وذلك بالتركيز على المنهج والمفاهيم انطلاقا من مجموعة من الأسئلة وهي :
- ما مدى تمثل النقاد العرب موضوع البحث البنيوي ومفاهيمه العلمية ؟
- ماهي المفاهيم النقدية التي يمارس النقاد في ضوئها النقد الأدبي ؟
- هل اقتصروا على توظيف المنهج البنيوي أم استنجدوا بمناهج أخرى؟
على أساس هذه الأسئلة استتبعت الباحثة بعض الرؤى النقدية العربية التي حاولت ممارسة المنهج البنيوي في مقاربتها لنصوص الرواية العربية وهم : يمنى العيد، وسيزا أحمد قاسم، وسعيد يقطين .
وقد قسمت الباحثة تغزوان مداخلتها إلى مقدمة وثلاثة محاور: في المقدمة أبرزت أن المنهج البنيوي ابتدعه الغربيون وتبناه النقاد العرب بعد أن تمثلوا أركانه المنهجية، و خصصت المحور الأول للحديث عن الناقدة يمنى العيد التي استفادت من المنهج البنيوي ،التي اتضح للباحثة من خلال تتبع دراستها النقدية أنها قسمتها إلى مرحلتين ،مرحلة أولى تميزت بتطبيقها للمنهج البنيوي منطلقة من تحديد البنية العامة للنص ،ثم تفكيكها إلى عناصر بغية رصد العلاقات التي تربطها فيما بينها .و مرحلة ثانية عملت فيها يمنى العيد على ربط البنية الدالة بالبنيات التي تمثل مرجعياتها المعرفية و الاجتماعية مستعينة بالمنهج البنيوي و التكويني.
في المحور الثاني قرأت الناقدة سيزا أحمد قاسم التي - برأيها - لم تكشف للقارئ عن المقولات البنائية التي انطلقت منها ، مكتفية بالتصريح فقط بأنها ستحلل ثلاثية نجيب محفوظ كوحدة مستقلة من الداخل دون الالتفات إلى ما هو أبعد من الأحكام القيمية استنادا إلى ما جاء به جيرار جينيت وغيره ،دون تحديد منها كذلك للمفاهيم التي تختارها كمنطلقات نقدية،مسجلة عليها تفاوتا بين طموحها باعتبارها كاتبة في أن تقتصر على المنهج البنيوي لوحده في دراستها ،و بين ممارستها النقدية ،إذ استرسلت في التأويل الفلسفي و الاجتماعي بل و حتى الاديولوجي.
أما في المحور الثالث والأخير فقد توقفت فيه الباحثة عند الناقد المغربي سعيد يقطين الذي أشارت إليه بأنه لم يكتف بتطبيق المنهج البنيوي ،بل حاول وضع رؤية خاصة به ، أثارت العديد من الأسئلة ،فقد أضاف برأيها بعض المصطلحات الجديدة التي عرت الهاجس الذي يحمله سعيد يقطين و هو يقتبس الأدوات والمفاهيم النقدية ،وهو تجنب الوقوع في مجرد إسقاط المنهج البراني على المتن العربي ،بل كان يسعى إلى بلورة رؤية لها خصوصية التجربة العربية تقوم على أساس الحوار و الانفتاح على الانجازات الغربية .ولعل أهم المصطلحات التي أضافها تذكر الباحثة :الانزياح السردي،و الميثاق السردي ،و الخلفية النصية ،فضلا عن سلوكه في دراسته البنيوية منهج السرديات البنيوية كما تجسدت في الاتجاه البويطيقي معتمدا تقسيم تودوروف و جينيت الثنائي الحكي ، وهو القصة و الخطاب مكتفيا بتحليل المستوى النحوي ،كما أضاف مفهوم النص ليدرس من خلاله المستوى الدلالي ،وهكذا تعقبته الباحثة يدرس الزمن و الصيغة و الرؤية و الصوت في إطار العلاقة بين الراوي و المروي له.
وانتهت الباحثة في الأخير إلى خلاصة أساسية مؤداها أن الناقد العربي و هو ينهج المنهج البنيوي لم يقتنع بأن الخطاب الروائي مجرد بنية شكلية لا روح فيها ،نظرا لما تمليه طبيعة النص الروائي العربي وخصوصية التجربة و الواقع الاجتماعي ،و هو ماجعل النقاد الثلاثة رغم اعتمادهم المنهج البنيوي بمفهوم البنية التي تحيل إلى البنية الاجتماعية والثقافية يحللون الخطاب الروائي معتمدين على التأويل الذي يتأسس على التركيب استنادا إلى مناهج أخرى كالمنهج النفسي و الاجتماعي.
ورقة الباحث اليديم ناصر انصبت حول قراءة في كتاب محمد خرماش،حملت عنوان ":البنيوية التكوينية في المغرب بين التوفيق و التلفيق".وقد رامت هذه المقاربة إبراز معالم المنهج البنيوي التكويني ،باعتباره منهجا يضفي نوعا من التكامل بين وحدة الأثر و المقاربة الوظيفية ،و يحقق عامل ربط بين العمل الإبداعي وبين الشروط السوسيوثقافية ،و ذلك بتجاوزه للمقاربة الماركسية المنكفئة على الدراسة الموضوعية في ذاتها .انطلاقا من مساءلة مدى تمثل النقد المغربي لهذا كله عبر طرح مجموعة من الإشكالات الابستمولوجية:
- هل المنهج البنيوي التكويني المتمثل في النقد المغربي يعبر عن تصورات لوسيان كولدمان أم أنه أنه منهج يعبر عن أشياء أخرى ؟
- هل البنيوية التكوينية بالمغرب هي توفيق بين التيارين السابقين ،أم أنها تلفيق و خليط بين عدة مفاهيم و تصورات لا يربطها بالبنيوية التكوينية سوى المحدد التعريفي ؟
- ومن ثمة نلفي أنفسنا أمام منهج آخر لا ينقصه سوى التسمية.أم أن البنيوية التكوينية في المغرب قد تم استيعابها أخذا بعين الاعتبار الشروط السوسيوثقافية بين البيئة المصدرة و البيئة المستوردة ؟بهذه الأسئلة شرع الباحث يقارب الدراسة أعلاه مشيرا إلى أنه لا يمكن التعامل مع المناهج و النظريات كمعطيات مقدسة تسقط بشكل قصري على مختلف الأسيقة الثقافية بغض النظر عن الروافد الحضارية /الثقافية،باعتبار أن النقد المغربي تمثل المقاربة البنيوية بشكل مكنه من استثمار الجوانب المتلائمة مع المعطيات السوسيوثقافية .و تبقى البنيوية التكوينية في المغرب نظرية لا يمكنها أن تكون إلا كما كانت ، بنيوية تكوينية بلمسة مغربية .
هذه الإشكالات النقدية برأي الباحث شكلت نبض دراسة الناقد محمد خرماش ،و خلاصتها المكثفة ،حيث أثارت هذه الإشكالات قريحة محمد خرماش النقدية ،الذي عمل على الحسم في هذه الإشكالات محاولا الإجابة عن الأسئلة المطروحة انطلاقا من مساءلة الأعمال النقدية الرائدة في تلك الفترة ،والتي تبنت البنيوية التكوينية تنظيرا و تطبيقا و استثمرت مقولات هذا المنهج و محدداته الإبستمولوجية بعد محاولة استيعابها وتتبع أصولها الغربية .
كما أشار الباحث إلى أن الدراسة، موضوع قراءته ، تظل محاولة للكشف عن العلاقات الاستثمارية بين المنهج البنيوي التكويني كما حدده لوسيان كولدمان وبين تطبيقه في الحقل الثقافي المغربي .
ولعل الخلاصة التي حاول اليديم من خلالها الإجابة عن الإشكالات المطروحة سلفا في ثنايا مداخلته ،هو تركيزه على التزام سعيد علوش - إلى حد ما- بمبادئ التصور المنهجي المعلن عنها في البداية،حيث أنه طبق آليات المنهج و أدواته الإجرائية كما تمثلها آخذا بعين الاعتبار بعض خصوصيات الأسيقة الثقافية ،منتقلا إلى الحديث عن غلبة النزعة الاجتماعية التقليدية على البنيوية التكوينية عند الناقد محمد بنيس ،إذ أن المتأمل لأبعاد دراسة هذا الأخير - برأي الباحث - سيجد أن فعل التغليب قصدي،بالنظر إلى المرونة المطلوبة أثناء تطبيق المنهج ،وذلك راجع لاختلاف السياقين ،السياق الثقافي المنتج للمنهج ، و السياق الثقافي العربي بما في ذلك المغربي . مشيرا إلى أن تطبيق المنهج بمنآى عن المحددات الثقافية ،يجعلنا أمام إسقاطات تعسفية ،هذا لا يعني في نظر الباحث إهمال الإطا رالمفاهيمي باعتباره بنية متكاملة ،إذ لا مفر من تمثل بعض المفاهيم و التصورات المستلزمة لشروط ثقافية حضارية ، واستحضاربعض منها ،لا يعد انزلاقا منهجيا ،بقدر ما هوتطوير لهذا المنهج في إطا ر دينامية و حركية المناهج و النظريات. كما خلص الباحث من مداخلته هاته بنقطة شدد من خلالها على أهمية عمل الناقد محمد خرماش الذي اعتبره بمثابة وثيقة نقدية تؤرخ لمرحلة مهمة من مراحل تطورالمناهج النقدية بالمغرب .
وفي الأخير تدخل الباحث إبراهيم أزوغ بورقة نقدية عنونها ب ":فقر النظرية و عقم الممارسة" :مقاربة في كتاب "نقد القصة و الرواية بالمغرب: مرحلة التأسيس "،لمحمد الدغمومي ،استهلها بالحديث عن الإشكالات التي يطرحها نقد النقد الأدبي ،ذلك أن أي بحث في نقد النقد الأدبي - حسبه - يطرح إشكالات عديدة و متفرقة تجعله غير قابل للتقيد بمرجعية واحدة ، الأمر الذي تلمسه الباحث في عمل الناقد محمد الدغمومي ،الذي يعتبر برأيه خليطا يمزج بين العلم و الثقافة ،فهو من جهة ينتهل من العلوم مفاهيمه النظرية و المنهجية ،ومن جهة أخرى يجعل الثقافة من خلال النص النقدي الذي يشتغل عليه موضوعا له،مما حدا بالباحث كذلك إلى القول بأنه لم يعد بالإمكان إنكار قيمة التفكير في إنجاز مقاربات تبحث في النص النقدي المغربي ،إذ أن جعل النص النقدي موضوعا للنقد كذلك أمر لا محالة يطرح العديد من الإشكالات ،حاول الكشف عن بعضها الباحث أزوغ داخل العمل السابق للناقد محمد الدغمومي.
قبل ذلك أشارالباحث إلى أنه ثمة في تقديره إشكاليتين تحيطان بأي حديث عن نقد النقد وهما :
أ- إشكالية منهج نقد النقد ، بمعنى هل يمكن تناول النص النقدي بمنهج تناول النص الإبداعي ؟ طبعا كان جواب الباحث بالنفي إذ ظل السؤال عالقا : مامنهج نقد النقد؟
ب- وإشكالية موضوع نقد النقد ،إذ النقد الأدبي كموضوع نص معرفي يتطلب لمقاربته معالجة إبستمولوجية (نقد المعرفة ) تعتبر النص يجمع بين عدد من الأنظمة ،بعضها يشكل إطارا قبليا ( الخلفيات ،التصورات، والسياقات ..) و بعضها يتخذ شكلا ملموسا يتمثل في التوظيف والاستعمال (المفاهيم ،الإجراءات والموضوعات ..)وغيرها يشكل حسب الباحث قيمة مضافة كالاستنتاجات و المواقف ..وهي مستويات يصعب الفصل بينها .
وخلص الباحث إلى أن الناقد محمد الدغمومي ارتكز في تصنيفه للمادة النقدية على خلفية تنظيمية تستبعد البعد العلمي ،إذ سجل عليه كأولى ملاحظاته ،أن مفهوم الانطباعية لم يقدم له الدغمومي تعريفا ولم يبرز استخدامه بشكل دقيق ،مشيرا إلى أن الانطباعية لا تشكل اتجاها نقديا ،مثلما لا يمكننا القول بالنقد الانطباعي و إن وجدت نقود وسمت بالانطباعية. ولعل من الملاحظات التي أبداها الباحث ، خلال قراءته لنص الدغمومي هو تفكيك النص النقدي باحثا في إطاراته النظرية و التصورات و المنهج و المفاهيم.
في ختام هذا اللقاء ، والذي ستتبعه لقاءات أخرى حول الدرس النقدي بالمغرب ،تدخل عدد من المناقشين من بينهم محمد أغليمو،نعيمة أسوكا ،سعيد سهمي ،المصطفى فرحان ،عبير شوقي وشعيب حليفي ، حيث أعادوا طرح السؤال حول المنهج والتحليل وما ينتجانه من علاقات. .