منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الصوت لفظاً ومعنى

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الصوت لفظاً ومعنى Empty الصوت لفظاً ومعنى

    مُساهمة   الأحد أكتوبر 24, 2010 12:03 pm




    • الصوت لفظاً ومعنى



      لكلصوت دلالة، ولكن دلالات الأصوات المفردة نادراً ما تظهر في التعاملاللغوي، ذلك أن المعاني المتداولة لا تكون إلا مركبة من دلالات مختلفة،أدناها ثلاث في الغالب، بحيث يعكس كل منها واحدا من أبعاد المعنى، وبعبارةأخرى، فإننا نرى المعنى أشبه بالتفاحة من حيث هي كتلة ولون وشكل، لأنالغالب في الشيء أن لا يعرف ما هو بالتحديد دون أن نعرف ثلاثاً منمواصفاته...

      ويمكنأن نقول، من طريق آخر، إن دلالة الصوت الواحد على المعنى تمثل الجزيء الذيلا يقبل التجزئة من هذا العنصر أو ذاك. ولنأخذ، لتوضيح ما تقدم، جسما منالأجسام أو شكلاً من الأشكال... فكم هي الأمور التي لا بد لنا من معرفتهالمعرفة ذلك الجسم أو الشكل...؟ إنها في الغالب ثلاثة فما فوق، ونادراً ما تكون اثنين أو واحداً...

      نبدأ بالواحد... فإن الجسم الذي نحتاج إلى مواصفة واحدة لمعرفته، هو الجسم الذي يكون بين يدي الناظر، أو_ بعبارة أدق _ هو الجسم الذي يكون موضوعاً للحس المباشر. ترى الجمل فتدركأنه الجمل! ونظير ذلك من الدلالات ما وقعت عليها الحواس، كأن تسمع رعداًأو ترى سيارة مقبلة نحوك فتجفل. وهنا يُكتفى بكلمة واحدة في الغالب. أما الاثنان، فمن الأمثلة التي تحتاج إلى معرفين أو تحديد صفتين لمعرفتها: المطر، والبر، والبحر ونحو ذلك حيث يمكن أن نعبر عن المطر بقولنا: ماء السماء، وعن البر: بنقيض البحر، وعن البحر بنقيض البر وهكذا. ويلاحظ هنا أن هذا النوع من الأشياء فريد في حاله: وليس هناك ما يشترك معه في صفته، ولا يكون أصلاً إلا في ما كان منه اثنان: كالليل والنهار، والسماء والأرض، أو اشتهر حتى صار كذلك.

      أماالثلاثة، فمن أمثلة الأشياء التي نحتاج لمعرفتها بشكل محدد إلى ثلاثةأوصاف، ما كان كثيراً معروفاً، كالطائر ( جسم حي يطير)، والسفينة ( جسميركب في البحر)... ولكن إذا أردنا أن نعرف أي نوع من الطيور هذا، وأي سفينة من السفن تلك، فإنعلينا أن نزيد في عدد المفردات المعرّفة، ومن هنا كان التعبير عن الأشياءالمعنوية بحاجة إلى ألفاظ أكثر مما يحتاج إليه التعبير عن الأشياءالمادية، وكلما دق المعنى كان أحوج إلى مزيد من الألفاظ.

      ولكنأطراف العملية اللغوية لا يلجؤون إلى التعبير عن الأشياء بما يعرّفها منالألفاظ، أعني أنهم لا يقولون مثلاً: يعيش السمك في نقيض البر، ولا: يعتبر" الجسم الحي ذو السنام " صديقاً للإنسان! وإنما يعبرون عنهما باسميهما:البحر والجمل. وهذا المعبر به هو اللفظ المفرد، ومعناه الذي يقع عليه معنى مفرد. وهذا هو الأصل في اللغة أن يكون لكل لفظ معنى، ولكل معنى لفظه المعبر به عنه...
      وتعامل الناس يتم في معظمه بالمعاني المركبة، التي يعبرون عنها بألفاظ مركبة ( في جمل )، وإن بدا لك غير ذلك من استدلال بالألفاظ الموجزة أو باللفظ الواحد أحياناً على المعاني الكثيرة فذلك من باب الاختزال والتواضع، وتحميل القليل معنى الكثير، تماماً كالاستدلال بالبعرة على البعير.

      وفي المقابل، في مجال الأصول اللغوية، فإن دلالة الصوت ( الحرف ) الواحد لا تكفي بمفردها لتعريف دلالته، ولكنها ضرورية ضرورة قولنا "حي" من حد الطائر " جسم حي يطير"، وقولنا "نقيض" من حد البر " نقيض البحر". وبعبارة أخرى فإن المعنى المفرد، كالمعنى المركب، كلاهما يتكونان من دقائق وآحاد أصغر، وكذلكفإن اللفظ المفرد ( الكلمة ) كاللفظ المركب ( الجملة والكلام) كلاهما مركبمن أجزاء يقوم كل منها بتغطية جزء من المعنى مفرداً كان أم مركباً: الكلمةمن أحرفها ( أصواتها ) والجملة من مفرداتها وكلماتها.

      وقريب من ذلك الأعداد: المفردة، من 0 9 والمركبة من عشرة فما فوق، ذلك أن دلالة الرقم تختلف باختلاف موضعه، وهي هنا قيمته، وأنها قابلة للتركيب كالحروف. وتشبه الأرقام أصوات اللغة المفردة حيث تكون دلالتها مبهمة، ولكن، فكما أن الأصل اللغوي يصبح ذا دلالة واضحة بالتئام شمل أحرفه؛ فإن الأرقام تغدو ذات دلالة واضحة بالتئام شملها مع المعدود، وقلمثل ذلك في الكلمة المفردة كالمشي مثلاً حيث تعطي معنى ولكنه يظل مبتوراًما لم تتصل بكلمة أخرى فتكونان معاً معنى مفيداً... لجملة مفيدة.

      وقريبمن ذلك الأجسام... حيث لا كينونة لجسم ما لم يكن ذا ثلاثة أبعاد... أماالخط المستقيم __ وهو يمثل بعداً واحداً __ فهو ضرب من الوهم لا وجود له، وكذلك المثلث، لأنه يمثل بعدين هما الطول والارتفاع، وما أشبه دلالة الخط بدلالة الرقم"1" ودلالة المثلث بدلالة الرقم "111" دون أن يذكر معهما معدود ما. أو قل بدلالة الحرف الأول، والحرف الأول فالثاني فالثالث من الأصل اللغوي.

      والذي نراه أن الناس قديماً كانت تكتفي بالمفرد وأجزائه، سواء في ذلك الأصوات والمعاني... لأن حاجتها إلى المركب تولدت مع تطور الحياة وتقدم نمطها، فكان الإنسان يشعر بحاجته إلى صيغ صوتية جديدة للتعبير عن المعاني المتجددة باستمرار، بل إن هذا هو ما يحدث في حقيقة الأمر، ويمكنالتأكد من ذلك بدراسة شمولية رجعية لما كان من عدد الألفاظ والمعاني قبلقرن من الزمان... وقد نكتفي بالحقيقة المتمثلة في أن اللغة تتسع وتتطور، لا تضيق وتتراجع.

      دلالة الأصل على المعنى:

      لكل أصل لغوي دلالة تقع على معنى واحد في الأصل. ولهذا المعنى وجوه وصور لا حصر لها، فهو مبهم إلى حد بعيد، ولنأخذ مثلا معنى الشدة... فما هي الشدة المعنية وما صفتها؟ إنها تتراوح ما بين اللين والصلابة... وهل هناك من يستطيع أن يحصي كم بين اللين والصلابة من الصفات التي تأخذ من كليهما بنسب مختلفة؟ ولتوضيح ذلك أكثر نأخذ معنى السواد... فأي درجة منه نقصد... إنه درجات تتراوح ما بين 50% إلى 100%، بل إن كل واحد بين هذين الرقمين قابل للتجزئة إلى درجات كثيرة...، وهذا يجعلنا نميل إلى القول إن المعاني كروية، والكرة لا يرى إلا نصفها في أحسن الأحوال، غير أن نصفها الآخر يمكن إدراك كثير من خصائصه بالعقل. وإن المعاني لتتشابه وتتماس، في هذا الجانب أو ذلك وهكذا.

      ونعتقد أن الحد الفاصل بين معنيين هو منتصف المسافة بين ممتدهما، ذلك أن كل معنى يرتبط بنقيض، وهذه الظاهرة حية في كل الكائنات... لكل ذكر أنثى ولكل نقيض، ولكل سالب موجب وهكذا، فنقيض الشدة هو اللين... والحد الفاصل بينهما هو المنتصف الذي يجمع بينهما‍ فإن زاد فيه عنصر الشدة فتلك شدة، وإن زاد فيه عنصر اللين فذلك لين... ويمتد اللين في الاتجاه الآخر درجة أخرى يلتقي في أولها بمعنى آخر هو السيولة، فإذا كان آخرها بدأ معنى جديد في التولد هو السيولة... وهكذا.

      كمال حد السيولة كمال حد اللين كمال حد الشدة

      حيز التدخل بين حيز التدخل بين حيز التدخل بين حيز التدخل بين
      الغازية و السيولة السيولة و اللين اللين و الشده الشده و الصلادة



      50% ليونة
      100% سيولة

      50% سيولة
      50% غازية


      50% صلادة
      50% شدة

      100% شدة
      .%ليونة ليونة

      50% شدة
      100% ليونة

      0% شدة
      100% ليونة

      .% ليونة
      100% سيولة



      إن حد الخمسين في المائة هو الفاصل بين حيزي المتناقضين، وعن يمينه يكون حد كمال السالب ( اللين ) ( والسيولة) وعن شماله يكون حد كمال الموجب(الشدة) و ( اللين قياسا بالسيولة)، وهكذاإلى أن نصل إلى طريق مسدود بحكم طبائع الأشياء أو بحكم محدودية عقلالإنسان في قدرته على التصور والإحاطة بالطبائع التي قد تكون قائمة.

      وتكوندلالة الأصل اللغوي على المعنى كدلالة قولنا: " جسم حي ذو سنام" على جملبعينه، ذلك أن قولنا المذكور ينصرف لدلالة مبهمة تفيد معنى ولكنه نكره. أي أنه لا بد من زيادة في قولنا السابق ليصبح دالاً على جمل بعينه كأن نقول: جسم حي ذو سنام لإبراهيم.

      والغالب في الأصول اللغوية المستخدمة أن تكون من ثلاثة أحرف، ويناظرالزيادة التي أضفناها على قولنا السابق ( لإبراهيم ) – التي جعلته أوضحدلالة – كل من أحرف الزيادة التي تلحق بالأسماء المشتقة والأفعال، والمبنىالذي تصاغ فيه.. فالأصل ( غ ر ب) ينصرف لدلالة تقع على معنى الحجبوالاحتجاب... ولكن الزيادات التي طرأت عليه في كل من: غريب... ومغرب، وغروب، واغتراب، وغيرها هي التي رشحت كل كلمة لمعناها الأصلي ؟؟ ومع ذلك، فإن الأصل ( غ ر ب) يظل هو القاسم المشترك الصوتي للمفردات آنفة الذكر، كما تظل الدلالة التي تقع على معنى ( الحجب والاحتجاب ) هي القاسم المشترك المعنوي للمعاني التي تنصرف لها تلك المفردات.

      وتشبه هذه الزيادات – في ما ترى – الفضلة في الجملة، ذلك أنها قد يستغنى عنها، وتظل الجملة مفيدة، غير أن بقاءها يضفي على الجملة معنى، ويكسب معناها الأصلي وضوحاً وعمقاً وتحديدا.

      ونعتقدأن الناس قديماً لم تكن بحاجة إلى تطويل الكلام – والألفاظ - للتعبير عننفسها ... ويلاحظ في هذا المجال أن الإشارة والأصوات التي لا تكتب والجملالقصيرة، والمفردات المستقلة كانت أداة العملية اللغوية. وما نرى الإنسان الحديث مضطراً للتوسع في استخدام المؤشرات والجمل الطويلة ( والكتب...) إلا لاتساع مجالات المعرفة، وتشعبها، وتطور أنماط الحياة، وخبو توقد ذهنه وضعف ذاكرته وكثرة اشتغاله.

      ولوطبقنا ذلك على اللغة لصح لنا أن نقول " جسم حي " فيفهم السامع أن المقصودهو الجمل ... " وجسم يطير " ليفهم أن المقصود و الطائر ... ذلك لأن الإبلكانت هي الحيوان الوحيد الذي يعتمدون عليه في لبن ولحم وحمل وركوب وجلدووبر وقربة... ولأن الطائر كان هو المحلق الوحيد في سمائهم في زمان لم تكنفيه الطائرات قد اخترعت.

      ولوطبقنا ذلك على الأصول اللغوية لوجدنا أن الحرفين الأول والثاني قد يقومانمقام " جسم حي" ومقام " جاء محمد " دون قولنا " راكبا " ونعتقد أن الإنسانقد تكلم بذلك بادئ الأمر، وصرف هذين الحرفين لدلالة تقع على معنى تترجمه حركة جهاز النطق حال التصويت بهما وما يصاحبها من عمل كخروج الهواء أو غيره، وبطريقة أو أخرى وهكذا.

      ثم تطورت الحياة وتعقدت، فجدّت معان، فاضطر إلى زيادة صوت ثالث؛ لأن كل تغير في المعاني يحتاج إلى ما يعبر عنه، ولما كان الصوتان 1، 2 لدلالتهما الأولى، فاتسعت هذه الدلالة، كان لا بد من الاتساع في الأصوات... ولا مجال لذلك إلا بالزيادة، فكان ثالث، فاحتاج إلى أكثر، فزاد حرفاً رابعاً، وتوصل بحكم ما مر به من تجارب إلى أسلوب جديد في تغطية العجز فكان الاشتقاق وملحقاته. ثم التركيب، تركيب الجمل فالكلام والكتب وهكذا... وإذاسرنا في الاتجاه المعاكس كان للحرف الأول من الأصل دور الأساس في البناء.وما أشبه التعامل اللغوي بهذه الصورة بما كانوا عليه من مقايضة ... يشتريأحدهم ليأكل لا ليتاجر.

      ونتوقف هنا عند الأصول اللغوية التي تبدأ بالنون فالفاء، وذلك لتقليب ما تقدم من الكلام مطبقاً عليهما فنقول:
      النون حرف أنفي: ( وكذلك الفاء في بعض صورها، بل لعل الأنف مسمى لعلاقته بها حيث يمكن أن تخرج منه). النون والميم مخرجهما الأنف... من الخيشوم، ولانجد أصلا تتصدره النون إلا كان لدلالة على ابتداء حركة ... وما ندري إنكان لهذا علاقة بكون الأنف مبتدأ عملية التنفس التي هي أساس حركة الإنسانوبدايتها... وقبل أن نستطرد نتوقف عند الأصول التالية: نبت، نبث، نشر، نقل، نفر، نعب، نصب... أي أن الفاعل أو المفعول كان ساكناً ثم تحرك ... وفي المقابل، فإنها في آخر الأصل تصرفه لدلالة تقع على معنى انتهاء حركة، ولك أن تتبصر في: سكن، أمن، حزن ( والحزن إلى سكون ) مدن ( بالمكان )، عمن بالمكان أيضا، سجن، سدن ... الخ.

      ونعتقد أن حرف النون لم يرد في كلمة "أنف" صدفة، كما نعتقد أن أصل "الأنف " هو "نف" الذي هو حكاية الصوت المعروف عند إخراج ما فيه بضغط هواء الزفير. وقد يقال ما هذه الهمزة؟ فنقول إنها همزة الحضور ! كهمزة ( أنا أنت أنتم ) وهمزة ( أخ وأب وأم ) وهي همزة القطع ... تعكس بروزه في موضعه فكأنه انقطع عن سائر الرأس. ثمتولدت معاني الأنفة والاستئناف اشتقاقاً من ( الأنف ) لتقدمه على سائرالبدن ولشموخه في موضعه ... إضافة إلى ما اكتسبته الألفاظ المشتقة منه منالمباني المصوغة فيها.

      ومنمعنى الخروج الذي يترجمه الحرفان ( نف) تولد المعنى العام الذي هو القاسمالمشترك بين المعاني التي تقع عليها دلالات جميع الأصول اللغوية التي تبدأبالنون فالفاء مثل:
      نفى » الحاكم المجرم ... أخرجه من البلد.
      نفث » الحنش السم، وفي العقدة إذا أخرج السم والهواء. وكذلك الطائرة النفاثة.
      نفج » النافجة والنفوج الريح السريعة، فكأن الدنيا تنفخ بها.
      نفح » بمعنى نفخ.
      نفخ » على النار إذا أخرج هواء الزفير قويا ..
      نفد » الدقيق من وعائه إذا لم يعد فيه شيء منه ( خرج منه ).
      نفذ » السهم من الرمية إذا خرج منها ...
      نفر » الظبي من كناسه إذا خرج منه مسرعاً.
      نفس » تنفس الصعداء إذا أخرج هواء الزفير على نحو ما.
      نفط » زيت الأرض إذا خرج منها.
      نفض » الثوب إذا أخرج ما كان عليه بتحريكه بشدة.
      نفق » النفق والنافقاء من المخارج. ومنهما النفاق.

      وقد يمر بنا من الأصول ما لا ينطبق الكلام على دلالته، فيكون هذا النوع من الدلالات بحاجة إلى معالجة تأمل، فقد تكون الدلالة معنوية، فلا بد عندئذ من الرجوع إلى الدلالة الأصلية، وهي دلالة مادية لا محالة، ولكن قد تكون بائدة، أوقد تكون كدلالة اللونين الأزرق والأصفر على اللون الأخضر ... الذي يتكونبمزجهما معاً... وهذا يستدعي أن نعود بالخيال إلى نمط الحياة الذي صاحبتكوّن اللفظ لدلالته.

      ويمكن أن نوجز ما تقدم، بعبارة مختلفة، تتمثل في أن الحرفين "نف" يعكسان جملة من مسند ومسند إليه، والحرف الثالث بعدهما هو فضلة في تلك الجملة، يوضح معناها ويوجهه. فالنون تفيد ابتداء الحركة، والفاء تفيد معنى الخروج، وهذا يعني أننا أمام دلالة متداخلة من معاني الحركة والخروج، فكأننا قلنا " جسم يطير " بمفهوم الناس قديماً، أو جاء شخص ما ، أو ما هي كلمة حرفها الأول س وحرفها الثاني ج ؛ ولترجمة هذا التداخل نقول:
      ن ف + س » حركة هواء خارج ( زفير )
      }جسم يطير ( بالمفهوم القديم) » طائر ( معنى مفرد )
      }جسم يطير + حي ( بالمفهوم الحديث ).
      س ج + ن » حبس ( لفظ مفرد )
      جاء شخص ما + مسرعاً » ( معنى مركب ) ( هناك خبر !)

      وهكذا، فإن الحرف الثالث من الأصل اللغوي يناظر الفضلة في الجملة، يحدد المعنى ويوجهه، ويخصصه، وهما يشبهان تماًماً ما يعرف ب " تشطيبات " البناء، ذلك أن الأصل فيه هو أسسه وأركانه، كمايشبهان الإطار من الصورة والغلاف من الكتاب ونحو ذلك مما يمكن الاستغناءعنه عند الضرورة... وتوجيه ذلك كله بأن دلالة الأصل تكون قد تحددت بنسبةعالية جدا بحرفيه الأول والثاني، وقل مثل ذلك في الهدف من البناء في الأسس والأركان، ومن الصورة بذاتها، ومن الكتاب بمحتواه. وكلّما زادت المكملات ( إن كان ذلك ممكناً وسائغاً) زادت الدلالات.

      ونعتقد أن أصولا كثيرة تتحدد دلالتها بحرفها الأول، ويكون الحرف الثاني في هذه الحالة شبيهاً بالثالث في دوره في تحديد المعنى، وهذا يؤكد أن أحرف الأصل تأتي مرتبة بحسب قيمتها وأهميتها في تخطيط الدلالة. وتأكيداً لذلك نورد الحقائق اللغوية التالية:
      أ. ما من أصل يتصدره صوت الغين إلا كان لدلالة تقع على معنى الحجب والاحتجاب جزئياً أو كلياً، ونورد في ما يلي طائفة من الأمثلة:
      غاب – النجم وفلان: اختفيا عن الأنظار.
      غاث- ( دلالته معنوية ) ولكنها تفيد معنى سد الحاجة، والسد حجب. ولا بد أنه كان لدلالة مادية تفيد نفس المعنى، وما أطلق الغيث على المطر إلا من هذا القبيل لأن فيه ما يسد حاجة النبات والإنسان والحيوان.
      غار – النجم والماء اختفى: ذلك وراء الأفق، وهذا في الأرض.
      الغائط .. من الأرض، هو المنخفض الذي لا يرى ما فيه إلا حين الاقتراب منه. وهذا من الاحتجاب والحجب.
      غام – والغيم إنما سمي به لعلاقة بدوره في الحجب والاحتجاب. والغين مثله.
      غال _ ومنه قولنا أغيَلت المرأة. وذلك إذا حملت وهي ترضع، هذاالمعنى مأخوذ من الغَيْل وهو الماء يجري تحت الحجارة وبينها.وهناك حمل تحتإرضاع ( متخالفان ) وهنا سيولة تحت صلابة الحجارة ( متخالفان ) إضافة إلىما في ذلك من اختفاء هذا وراء ذاك. والغِيل أيضاً، هو الأجمة الملتفة، ومن شأنها أن تحجب ما يكون فيها ...

      وقد يطول بنا استعراض الأصول الغينية، ولكن، تقريباً للصورة من ذهن الدارس، نورد في ما يلي طائفة منها دون بيان لدلالتها، تاركين ذلك للتأمل والتبصر، فمن ذلك: غبار، والزمن الغابر، والغباء ( احتجاب العقل )، والغفوة، والغفير( السحاب الذي يكلل الجبال) والغرق والغرف، والغروب، وانغمام الهلال، والغمام، والغلاف، والغلسوالغُدفة ( ما يلقى على الجبين من غطاء الرأس ) والغدر، الغرر ( على حينغرة) وقد يقال هنا: ماذا نقول في الغرة من قولنا أغر محجل؟ فنجيب عن هذاالسؤال بأن الغرة – وهي بياض في لون سائر الجسم – تخفي لون البقعة التيتقع فيها ...
      ب . الحرفان الأول والثاني يقومان بالدلالة:
      قلنا سابقاً إن الشيء قد يعرف بحدين، وكذلك الشكل، فالمثلث على سبيل المثال يمكن تخطيط ضلعه الثالث بمجرد معرفتنا بضلعيه الأول والثاني، وتستطيع أن ترسم مربعاً أو مستطيلاً أو أي شكل ذي زوايا منتظمة بمجرد معرفتك بضلعين من أضلاعه هكذا:


      ( الضلعان المعلومان خطان متصلان، والأضلاع المستكملة مرسومة بالنقط)

      والمعنى المركب أيضا ... مثل قولنا: محمد تلميذ ... ولو لم نقل مجتهد... وكثيرا ما يمكن إكمال الجملة بألفاظ مناسبة استدلالاً بالمقاموالقرينة والحال ... ولتوضيح ما تقدم بالمثال اللغوي نأخذ الفعل الرباعي(الأصل) زقزق، ووزنه الصرفي فعفع، وليس فعلل كما يشاع، لأنه قائم علىتضعيف الحرفين الأول والثاني للذين هما قوام الأصل الأول ... (زق) وينصرفلدلالة تقع على معنى إخراج صوت معين ( من الطيور ونحوها) ولما كان ذلك منالطيور لا يكون إلا على نحو متكرر متلاحق فقد عبروا عنه بتكرار الأصل ( زق+زق ).

      ويقطعبهذا التوجيه ما أسلفنا من أن ثمة أصلاً آخر ينصرف لدلالة تقع على صوت نوعمن الطيور يضم عقب الزاي والقاف ألفا ( واواً ) وهو ( زقا ) يزقو، بمعنى صاح يصيح، ويخص بالهامة والبوم، وقد يطلق على أصوات الطيور بعامة.

      بعبارة أخرى، أكتُفي بتكرار الحرفين اللذين يعدّان قوام الأصل، واللذينينهضان بالدلاله على تكرر حدوث الصوت المعهود من العصافير ... وبإضافة (واو – ألف) لهما للنهوض بالدلالة على حدوث صوت آخر مشابه. ويمكن أن نتعقبهذه المسألة في المفردات والأصول التالية:

      دلدل » دلا ( ومنه الدلو ) وأدلى _ دلّ؛ يدلو، يدلي: والدليل يكون متقدماً على صاحبه كالدلو على الرشاء، وكلاهما على طريق ممتدة: قُلُب البئر أو الرشاء وذلك على الطريق...
      جرجر » جرى
      فرفر » فرى ( بمعنى شق ( وقطع ) الجلد).
      رقرق » رقى بمعنى جف.
      سفسف » سفى

      وليس هذا شأن ما ثُلّث بألف ( واو أو ياء )، بل يصح في ما ثلث بأي حرف، ولك أن تتعقب ذلك في:
      زلزل » زلق أو زل أو زلج أو زلف ...
      ( والمعنى الجامع هو التحول عن المكان، أما زلزل فتحول متكرر لأن الزلزلة رج وهز، وهذان من التكرار).
      زقزق » زقا، زقر (الديك:صاح).
      خلخل » خلا، خلق، خلب ،خلع ،خلص ،خلف ، خلس ، خلج !
      (والمعنى الجامع هو الإزاحة والتحويل والانتقال ).

      وجديربالذكر أن عامة الناس حين يريدون التعبير عن معنى يتكرر حدوثه بشكل متصلأو متقطع، غالبا ما يستخدمون أفعالا على وزن ( فعفع ) كشمشم ولفلف ورخرخ وسبسب ومغمغ ومرمر..الخ. .

      ويلاحظفي الأمثلة السابقة أن الأصول من وزن ( فعفع ) تنصرف لدلالات تقع على معانمتقطعة متكررة ... ولا متكرر إلا كان لتقطع، بينما الأصول التي تثلثها ألف( واو أو ياء) فهي لدلالة على المعاني نفسها، لكن دون الاتصاف بالتكرروالتقطيع ... فالخلخلة إلى تكرار، اما الخلا – بمعنى القطع، والقطع إزاحةوتحويل – فهو لا يتضمن معنى التكرار، وكذلك زقزقة الطيور و زقو الهامة ...ويصدق الكلام إلى حد بعيد جدا – على ما ثلثه حرف غير الالف ...

      وجدير بالذكر أن جل المعاني التي تنصرف لها المفردات من وزن ( فعفع ) –إن لم نقل كلها – تدل على أصوات بعينها، وتفسير ذلك أن المعنى المتقطعالمكرر أليق ما يكون بالأصوات، بل إن هذه هي حقيقة الأصوات، وإلا لماذااستمرت لبعض الوقت، وتميز بعضها عن بعض. وقد تنبه رفائيل نخلة في غرائباللغة ( الكاثوليكية، الطبعة الثانية ص (44-49) ) إلى هذه الحقيقة دون أنيحللها أو يعلل ظواهرها.

      وتقودناهذه الحقيقة إلى تساؤل خطير يتمثل في قولنا: أليست المعاني جميعا متحولةعن أصوات تماما مثلما هي الألفاظ التي تعبر بها عنها ؟ فكأن هذه أصوات منمستوى أولي والمعاني من مستوى آخر ( معنوي ) ويرشح ذلك أن كلا من الأصوات( الألفاظ ) والمعاني هي حركات لكن من أجناس مختلفة،تماما كما هي العلاقةبين الكهرباء والصوت من الراديو، أو الكهرباء والمغناطيس من أي مولد.

      ج- ومما يؤكد ما تقدم أن القلب المكاني لا يحدث إلا بين الحرفين الثاني والثالث من أحرف الأصل. ذلك أنهما مسندان للحرف الأول الذي هو العمود الفقري لدلالة، ومن ذلك:
      عسف » عفس
      جذب » جبذ
      عقرب» عرقب
      صاعقة» صاقعة

      أماما يقال عن حادي (عشر ) من أنها مقلوب ( واحد ) فله تخريج آخر يتمثل فيأن( واحد عشر ) يقتضي تحريك خمسة أحرف متوالية هي الحاء والدال والعينوالشين والراء، وهذا مما يستثقل، أما حادي ( عشر ) فهو مما يستخف، ولذلككان القلب، هذا ما لم نقل إن حادي (عشر ) فاعل من حدا يحدو (العيس والعشر) والحادي هو الذي يكون في مؤخرة القافلة يستحث الإبل على السير ... وكذلكالواحد بعد العشرة حيث يصح تشبيهه بذلك. ومما يرشح التخريج بالعدول عمايستثقل إلى ما يستخف أنهم يجيزون أن نقول " الواحد والعشرون " لنقص عددالأحرف المتحركة المتوالية.

      أصول مهملة:
      يقف المطالع في المعاجم على أن ثمة أصولا مهملة، وقد علل اللغويون قديما (ابن جني ) هذه الظاهرة بأن بعض الحروف لا تجتمع معا في كلمة واحدة كالجيموالقاف، ولكن هذا التعليل لا يصدق على بعض الظواهر التي تندرج تحتالموضوع، حيث نجد بعض الحروف اجتمعت في أصل ما لدلالة بعينها، ولكنها تأبىأن تجمع في أصل آخر بترتيب مختلف، أو، بعبارة أخرى، إذا كان الأصل منثلاثة أحرف، فإنه يتولد لدينا بتقليب أحرفه ستة أصول مختلفة، ينبغي أنيكون لكل منها دلالته الخاصة مثال:
      ح م ل – الحِمل ترفعه و...
      ح ل م – الحُلم تراه في نومك و...
      ل م ح – اللمح بالبصر...
      ل ح م – اللحم نأكله و...
      م ح ل – المحل الجدب و...
      م ل ح – الملح في الطعام و...
      غير أنا نجد أصولا تأبى حروفها أن تتقلب على هذا النحو، مثل:
      ن ص ر: النصر من عند الله
      ن ر ص ؟
      ص ر ن ؟
      ص ن ر: الصنارة نصطاد بها السمك !
      ر ص ن: رصين ثقيل ...
      ر ن ص ؟
      ومثال آخر :
      ع م ل: العمل والعمال ...
      ع ل م: الله عليم بذات الصدور ...
      م ع ل ؟
      م ل ع : المليع البعيد ...
      ل ع م ؟
      ل م ع : السراب والمرآة والبرق ...
      حيثنلاحظ أن ثمة ( أصولا ! ) لم يرد منها في الكلام شيء ولو كان لفظا واحدا،إن في هذه الحقيقة ما يدعو إلى إعادة النظر في تعليل ابن جني لهذه الظاهرةوإلى البحث عن توجيه آخر لها.


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 2:00 am