الإيقاع في القصيدة المعاصرة
الأستاذ الدكتور محمد عبد الحي
İ– ملاحظات تمهيدية
الإيقاع اتفاق الأصوات وتوقيعها فيالغناء، أي بناء، ألحان الغناء على مواقعها وميزانها . يقول ابن منظور فياللسان:"الإيقاع، من إيقاع اللحن والغناء، وهو أن يوقع الألحان ويبينها، وسمى الخليل رحمه الله كتابا من كتبه في ذالك المعنى كتاب الإيقاع "[1] ويقول الفيروزأباذي في القاموس المحيط :" والإيقاع إيقاع ألحان الغناء، وهو أن يوقع الألحان ويبينها"[2].ويقول ابن سينا في كتاب الشفاء: " الإيقاع، من حيث هو إيقاع، هو تقدير مالزمان النقرات، فإن اتفق أن كانت النقرات محدثة للحروف المنتظم منها كلامكان الإيقاع شعريا "[3].
فالإيقاع، إذا، مصطلح موسيقي استخدممجازا للنظام الصوتي اللغوي، باعتبار توافق العناصر الصوتية والزمانية، وضوابط الانتظام قبل أن يرقي إلى مستوى المصطلح ... وفي تعريف ابن سيناله ما يدل على أنه قد أصبح حينئذ مصطلحا للنظام الصوتي الشعري، الإيقاعالشعري، كما هو مصطلح للنظام الصوتي الموسيقي: "تقدير ما لزمان النقرات."
ويركز ( جان كانتينو) في تعريفه على المسموع :"تردد ارتسامات سمعية متجانسة بعد فترات ذات مدى متشابه"[4].وبينما لا يبعد أبو ديب البعد المسموع المتأتي من الوزن، فإنه يركز علىالحركة الداخلية التي لا يحسها إلا المتلقي الحاذق ذي الحساسية المرهفة، فهو " حركة داخلية ذات حيوية متنامية تمنح التتابع الحركي وحدة نغميةعميقة عن طريق إضفاء خصائص معينة على عناصر الكتلة الحركية، تختلف تبعالعوامل معقدة "[5].ولعل هذه " العوامل المعقدة " هي ما جعل الآراء تتضارب حول ما صدقاته، فالبعض يراه يشمل الوزن الذي " هو كل ما يمكن تنميطه من ضروب الإيقاع ومابين النصوص أنه ينظم مجموعات كبيرة منها، ويتحكم في جميع الوحداتالكلامية في النص الواحد "[6]إلى جانبا الإيقاع غير المرتبط بالوزن القائم على "المادة الصوتية الموظفةفي النصوص الشعرية توظيفا متنوعا من نص إلى آخر، بل من موضع إلى موضع آخر،في صلب النص الواحد أيضا، وهو الذي يلاحظ من خلال تكرار الحروف والمفرداتوالجناس و الطباق، وتوازن الجمل، وتوازيها "[7]، غير أن من الباحثين من أقصى الوزن وموسيقى الحشو من الإيقاع، ومحضهللجوانب غير الصائتة من وسائل الانتظام و الحركة في القصيدة، أي النسقالداخلي المتحكم في تناسق الكلام، وهناك من لم يخرج الجانب الصوتي تماما، ولكنه يعتبره ثانويا، ويعتبر أن عناصر الإيقاع الأساسية هي المتعلقةبأنساق الحركة و المعني و الفكرة و المضمون، أي إيقاع الفكرة، ونظامالنقط، ومحلات البياض .
على أن الكثير من الدارسين يحصر الإيقاعفي النظام الصوتي المتمثل في نظام الأوزان، وفي موسيقي التكرار، ويسميالبعض نظام الأوزان موسيقي خارجية باعتبار أنها مقننة خارج نص بعينه، ويسمي نظام التكرار موسيقي داخلية باعتبار أنها تتحدد داخل النص، وليسضابط يضبطها خارجه . ويعكس البعض الآية فيسمي الأولى موسيقي داخليةباعتبار أنها شيء يحس به داخل السطور، وليس شيء يتمظهر في حروف أو كلمات، أوصيغ أتراكيب لها مظهر خارجي . وفي هذا المنحي الذي يحصر الإيقاع فيالبعد الصوتي يسير التعريف القائل :"إن الإيقاع توظيف خاص للمادة الصوتيةفي الكلام، يظهر، في تردد وحدات صوتية في السياق على مسافات متقايسةبالتساوي أو بالتناسب لإحداث الانسجام و على مسافات غير متقايسة أحيانالتجنب الرتابة "[8]، فالصفة الجوهرية إذن في الإيقاع حسب هذا التعريف هي "الصوتية "، ثم الانسجام، الانسجام الذي يحكم التنوع، حتى لا يسقط الإيقاع في الرتابة، وتسمي هذه الوحدة الصوتية بالنواة الإيقاعية، وهي" صفة جوهرية، أوثانوية في صوت أو مجموعة أصوات مطابقة للوحدة الدالة الدنيا أو غير مطابقة"[9]، وقد تكون "نغمة مسموعة من توالي المفردات المكونة لتراكيب مخصوصة "[10] . والحالة الأخيرة غير مقيدة بضوابط النص ولا مقننة. ويجد الإيقاع في مستويين:
مستوي المسموعات: ويوجدفي مستوي موسيقي الإطار، وتتجلى في الأوزان والقوافي، وفي مستوى موسيقيالحشو غير المقننة التي تقوم على خصائص الصوت المعزول عن الإطار الدلالي، وخصائص الأصوات المحصورة في الإطار الدلالي، كالترديد والتكرار والجناس... وخصائص الإطار الدلالي الموسع، وضروب التقطيع التي يقوم عليها، وخصائص القافية والترصيع "[11].
مستوي الملموسات: وهوالقائم على عنصر الحركة في النص،أي النسق الداخلي المتحكم في تناسق الكلاممن حيث الحركة والمعني والفكرة والمواءمة بينها، وجمع النظائر والأضداد.وما يولده من صرا ع، واللعب بالكلمات والأفكار تبعا للإظهار والإخفاء .
والإيقاع قد تكون نواته "الإيقاعية صفةجوهرية أو ثانوية في صوت، أو مجموعة أصوات، مطابقة لجملة أصوات الوحدةالدلالة أو غير مطابقة، كما قد تكون نغمة مسموعة من توالي المفرداتالمكونة لتراكيب مخصوصة...وهو عمل النص تحس به النفس ويقننه الدرس"[12].وبذلك فإن هذه الحركة لابد أن تتمظهر في نغمات تولدها اللغة عن طريق تواليالمفردات المكونة للتراكيب، ويمكن تصنيفها إلى أصناف أربعة:
- اثنان منها يتعلقان بنسق الخطاب ومتوالياته، النحوية، يربط بينهما أنهما يقومان على المقابلة التي تولد إيقاع الفكرة، هما:
1- الحركة: وهي: وضعية المتقابلين في سياق واحد ونظام واحد، من حيث تحركهما في اتجاهات معينة ".[13]
2- التوتر: وهو: مقابلة احتفظ فيها كل منالمتقابلين بمنزلته ضد الآخر، فلم ينزع المتقابلان في تحركهما إلىالالتقاء، والجمع بينهما في سياق واحد يكون لغاية إبراز التوتر فيعلاقتهما .
-أما الصنفان الآخران فيقومان على فضاء النص وطريقة كتابته، وهما:
3- علامتا الترقيم اللتان تشيران إلىتمفصل سيكولوجي ونحوي في آن معا، ويوجد بينهما تدرج، فالنقطة تسجل نهايةالجملة أي نهاية مجموع يمكن أن يوجد منفصلا لأنه يحمل معنى كاملا في نفسه، أما الفاصلة فإنها تفصل بين مجموعتين لا يمكن أن توجدا منفصلتين ولكنهما تتمتعان مع ذالك بقدر من الاستقلال .[14]
4 – محلات البياض ... والبياض هو العلامةالطباعية للوقفة أو السكوت، وعليه فهو علامة طبيعية إذ غياب الحروف يرمزبالطبع إلى غياب الصوت .[15]
وبعكس علامتي الترقيم وحتى علامتيالتنغيم : إشارتي الاستفهام والتعجب ( ؟ ! ) التي هي حديثة العهد، فإنمحلات البياض ملازمة للشعر قديما وحديثا، فالوقفات العروضية التي سنتحدثعنها في العروض باعتبارها توقفا عن النطق، إنما يعبر عنها البياض الفارغ، في البيت وبعده، والبيت نفسه محدد بالفراغ قبله وبعده، وأحيانا فيمنتصفه، والموشح يحدده تنظيم البياض الفاصل بين أجزائه، وفي الحديث،يحد الفراغ بين المقاطع تقاسيم النص. غير أن جانبا آخر مهما من هذاالإيقاع يقوم على لعبة النص، يتجلى في لعبة الإظهار و الإخفاء الملازمةللشعر قديمه وحديثه. يقوم هذا الجانب على الإظهار المرتكز على سيرورةالكلمة من دلالتها الأساسية إلى دلالتها السياقية الحافة التي، وإن كانتثانوية في المبتدأ، فإنها بفعل الاستعمال، قد تظهر على الأولى حتى تحجبها،فتنفصل الكلمة عن دلالتها المعروفة لتدخل في دلالة متموجة غير محددةالمعالم. ويقابل الإظهار المحو الذي هو الحد الأقصى للإظهار، فبقدر ماتظهر الدلالة الحافة الثانوية أصلا للكلمة، تتراجع الدلالة الأصليةالأساسية لها، حتى تمحي امحاء، فننسى المعنى الأول برمته.
والعنصر الثالث من هذا الجانب من لعبةالنص يتمثل في الحذف، والحذف منه مخبر به بواسطة نقاط الحذف الثلاث، أونقاط الاسترسال، ومنه ما هو غير مخبر به، كما في حذف الفعل أو المنفي، وقديكون الحذف ملتبسا بحيث يعسر أن نركن إلى تأويل حاسم له، كما يكثر فيالكتابة الجديدة، ففي سطر من قصيدة أدونيس: هذا هو اسمي، يقول:
دخلت إلى حوضك أرض تدور حولي أعضاؤك ...[16] .
فلا يمكن بأي وجه من الوجوه أن نحسمالرأي في أمر فاعل (تدور)، هل هو( أرض)؟ أم هو (أعضاؤك)؟ فهناك حذف ملتبسمثير، وهو أمر يكثر في الشعر المعاصر. وهي لعبة تكثف إيقاع النص تكثيفاقويا يعتمد على صراع الأفكار وتوترها.
كل هذه العناصر وغيرها تسهم في نسيجالشبكة الإيقاعية المتعددة الأبعاد التي تكون شعرية الإيقاع التي يخلقهاالشاعر دون وعي منه، وقد يتمكن الناقد من اكتشاف بعض عناصرها البارزة،اعتمادا على خبرته، وقدرته على القراءة، وتوفره على الزاد المعرفي الكافي.
ولئن تضاربت الآراء حول الإيقاع فانحصرعند البعض في الوزن دون غيره، وتعداه عند البعض الآخر، فضم إلى الوزن كافةالظواهر الصوتية الأخرى، ثم اتسع عند آخرين ليضم إلى كل الظواهر المسموعة،ظواهر أخرى ملموسة، أي أنواع الحركة الداخلية النفسية غير المسموعةالمتعلقة بالصراعات بين الأفكار، بل وانحصر عند بعض رابع في هذا النمطالأخير غير المسموع، على نحو ما فصلنا في الصفحتين السابقتين، فإن الجميعمتفق على أن الإيقاع من أركان الشعر، وقد سبق في فصل سابق يتعلق بتعريفالشعر أن بينا أن المنظِّرين العرب يتفقون بدون استثناء، على أن الوزن سمةقارة من سمات الشعر، ولئن لم يركز الرومانسيون والرمز يون على البعدالإيقاعي الصوتي بصورة خاصة، فإن المتأثرين بالمدارس اللسانية الحديثةيتفقون على الإلحاح على اعتبار العنصر الإيقاعي الدال الأكبر والعنصرالأبرز من مكونات الشعر، فالنص الشعري عند كافة هؤلاء هو أنظومة منالأوزان تتولد من قاعدة اتحاد وانسجام بين مختلف مستوياته، ويشكل العروضالجانب الأبرز في الشعرية، ويقوم على مبدأ أوزان البحر التي تعمل علىتعزيز التشاكلات في المستويات الصائتة: (القوافي، تكرار الحروف، الجناس،وغيرها)، وفي المستويات النحوية: (التوازي...)، وفي المستويات الدلاليةالاستعارة...).
والقصيدة المعاصرة نعني بها ذلك النصالشعري الذي أسسته – انطلاقا من بيروت منذ أواخر العقد السادس من القرنالعشرين- رؤية رومانسية رمزية ابتدأت باعتبار الشعر هندسة أصوات يعمر بهاالشاعر في نفوس الآخرين عالما يشبه عالمه الداخلي، بغية تحفيز الطاقةالثورية الشعورية لديه ودفعها إلى ممارسة عملية التحرر الاجتماعي السياسي،وبانحسار في استعمال الأشكال الشعرية العربية المهمشة قديما، وتزايد فياستخدام الأشكال والإيقاعات والصور المقتبسة من الشعر الأوروبي، خاصةالشعر الحر، والقصيدة النثرية. ولم تلبث هذه المرحلة أن تحولت إلى تياررمزي جارف يقوم على اعتبار الشعر كتابة إبداعية مادتها اللغة، وهذهالكتابة هي عمل تجريبي ينحت في اللغة، ليخلق منها كيانا يختلف عن لغةالتداول وعن لغة المنطق السببي، يتفاعل فيه العقل بالتداعي الحر، وتيارالأحلام، ويرمي إلى خلق فاعلية جمالية مبتكرة تستطيع تغيير الطرق فيالتعامل مع اللغة والموروث اللذين يتحكمان في إدراكنا للموضوعات ووعينابها، من أجل طرح الأسئلة التأسيسية الأكثر صميمية لفهم أبعد وأعمق للإنسانوالكون، وبالتالي تحرير الطاقات تحريرا شاملا يقوم على الطاقتين الباطنيةاللاشعورية، والاجتماعية الشعورية معا، أي الحيوية الذاتية والثوريةالاجتماعية.
وانعكست هذه الرؤية فنيا، في البحث عنأشكال وإيقاعات وصور جديدة مختلفة عما هو متداول، فاستحدثت أشكالاوإيقاعات وصورا متحولة، من أبرز لحظاتها في الأشكال لحظتا القصيدةالشبكية، وملحمة الكتابة، واعتمدت في إيقاعها على الحركة الداخلية للنصوعلى البعد الدرامي. واعتمدت في الصورة على المجاز التوليدي الرمزي..واتخذ هذا البحث مصدرا له التراث الشعري والنثري، والديني والأسطوري،العربي العالمي، وتوليد أشكال وإيقاعات وصور جديدة مختلفة عن كل هذا.. وهيمرحلة مرجعها النظري وثيق الصلة بالرمزية الفرنسية، كما تأسست عند (بدلير)و(ملارميه) وغيرهما.
وباعتبار الظاهرتين الأبرز دلاليا فيأسلوب النص الشعري هما: الإيقاع والصورة، فإننا سنتفحص هذا التحولالأسلوبي الجديد من خلال دراسة التحول الذي عرفته الظاهرة الأولى:الإيقاع، في لشاعرين معاصرين حملا راية هذا التحول الجديد تنظيرا، وسعياإلى تطبيق ما دعوا إليه في نصوصهما الإبداعية.
ورغم أننا صنفنا الإيقاع إلى سمعي، وحركيلمسي بمعنى ما، باعتبار الحركة عنصرا غير مسموع، وإن كان ذلك محل نظر، لأنالحركة النفسية غالبا ما تتمظهر في شكل لغوي بطريقة أو بأخرى، فإننا ـ وإنقبلنا إجرائيا هذا التقسيم: إيقاع صوتي يضم قسمين هما: أ-العروض والقافيةوالوقفتان، ب- موسيقى الحشو. ثم إيقاع حسي يتجسد في الحركة النفسيةللأفكار.- سنجد أنفسنا مضطرين منهجيا، إلى تقسيم القسم الأول إلى قسميه:أ-العروض والقافية والوقفتان، ب- موسيقى الحشو، وبالتالي سنعالج الموضوع –بعد ضبط مدونته التي سنستنطق - في ثلاث فقرات تترتب كما يلي:
أ-العروض والقافية والوقفتان،
ب- موسيقى الحشو.
جـ- موسيقى الأفكار: حركة النص.
İİ- المدونة والتحليل:
İİ- أولا/ المدونة:
نعالج فيما يلي المظاهر الإيقاعية في ستةنصوص مختارة من المرحلة الثالثة من مراحل تطور القصيدة العربية الحديثةللشاعر الناقد السوري علي أحمد سعيد الملقب أدونيس(ولد.1930) والشاعرالناقد المغربي محمد بنيس(ولد.1948)، ونورد فيما يلي طوالع هذه النصوصالستة، والطوالع هنا ستكون المقطع الأول، أو جزءا منه إن كان طويلا، وهيعلى التوالي:
النص الأول: اللؤلؤة: لأدونيس، (الوزن فاعلاتن. القافية: متواتر. الروي: متنوع، 34 سطرا)
كيف أمشي نحو شعبي، نحو نفسي.
كيف أمضي نحو تهيامي وصوتي، كيف أصعد؟
لست إلا نهرا يرفضُّ، يخبو، يتوقد
غامرا لؤلؤة الكون الخفية
لابسا وسوسة الشمس،
وإلا
حلما-
أني حمى نبويه ...[17]
النص الثاني: هذا هو اسمي: (المقاطع الأولى الثلاثة: أدونيس. الوزن: (فاعلاتن + مستفعلن) القافية: غير مقفاة، 24 مقطعا.
ماحيا كل حكمة هذه ناري
لم تبق آية - دمي الآية
هذا بدئي
دخلت إلى حوضك أرض تدور حولي أعضاؤك
نيل يجري طفونا ترسبنا تقاطعت في دمي قطعت
صدرك أمواجي انهصرت لنبدأ: نسي الحب شفرة الليل
هل أصرخ أن الطوفان يأتي؟ لنبدأ صرخة تعرج المدينة
والناس مرايا تمشي إذا عبر الملح التقينا هل أنت؟ [18]
النص الثالث: سيمياء (المقطع الأول): أدونيس. منثور (الجزء الثالث من مفرد بصيغة الجمع).
سيرى أيتها الحقول، بخطوات من القش
اخلع قميصك أيها الجبل
الضوء يعبر وتعبر حشراته
الأدغال تعبر
وتعبر خواصر التلال... [19]
النص الرابع: موسم النيل: محمد بنيس. الوزن: (فاعلن، فاعلاتن، فعولن، متفاعلن)، لاقافية، 7 مقاطع.
1
هل هذا الماء ردائي
في شطحات السامق يسأل نخلته
وترافق كفي
أصداء ندوب نهضت من بدني
تصعد
يا أيتها النخلة من علمني
كيف أحيل
الخوف يقينا
بين عواصف ذاكرتي وعظامي
من ذاك بوجهي يرحل هذا الآن... [20]
النص الخامس: من ورقة البهاء: محمد بنيس، الوزن: (7مقاطع) (فاعلن، متفاعلن. فعولن)، لا قافية.
يكلمني نورس من مساء بعيد على
هيئة الخيزان عن الذاهبين معي
لجنوب الغواية مندفعين بحبر تسيل
عذوبته شعلا منصتين لماء سبو لم
تقم بيننا حجة هو هذا المساء له أمم
تتآلف في جرس تتحدر من يقظة
الورقات جداول آبقة تتوجس ساعتها... [21]
النص السادس: قطوف: محمد بنيس، الوزن: متفاعلن. القافية: نادرة 31سطرا.
وتكون من صمت
قطوف سلالة
الأصداء
تأتي الواشمات الشاحبات
تأتي الزائرات بريحهن
الحشرجات
السيدات [22]
***
تشترك هذه المجموعة في ظاهرتين تميزانها هما:
ـ التخلص التام من قالب البيت.
ـ حضور النثر إلى جانب النظم أحيانا.
وهي نصوص تختلف في الطول والقصر: فالنصان1و3 قصيران نسبيا. والنصان 2و4 كلاهما مقتطع من نص مطول يشكل ديوان شعربكامله ويمتاز النص 1 بالالتزام ببحر واحد وزنا. كما يمتاز النص 3 المقتطعبالنثرية الخالصة، وإن كان النص الأصل لا يخلو من فقرات موزونة. ويمتازالنصان الأخيران كلاهما باستعمال بحور مختلفة الأوزان عبر النص الواحد،وبوجود بعض الفقرات المنثورة الخالصة من الوزن، وبصعوبة التمييز بنالموزون والمنثور أحيانا.
وفيما يلي نعالج كل نص على حدة:
İİ-ثانيا: التحليل:
İİ ــ 2-1- موسيقى الإطار:
İİ ــ 2-1-1- الوزن:
النص 1- اللؤلؤة لأدونيس. وهو موزونبكامله في تفعيلة البحر الرمل (فاعلاتن --ب-)، وقد جاء النص في 34 سطرامتفاوتة الطول على النحو التالي: 13سطرا من تفعيلة واحدة 10 أسطر منتفعيلتين اثنتين، 07 أسطر من ثلاث تفعيلات، 04 أسطر من أربع تفعيلات، أيما مجموعه 70 تفعيلة، وقد جاءت هذه التفعيلة على ثلاث صور: (فاعلاتن-ب (--الأصل، تواترت 41 مرة بنسبة 58.57%. فعلاتن المخبونة ب ب (--تواترت 28مرة، بنسبة 40% فاعل المقطوعة (- -) ولم ترد إلا مرة واحدة، أي بنسبة1.43% وهذه الأخيرة وردت في الحشو أي في غير الضرب بخلاف ما يجوزه العروضالتقليدي.
النص 2- (هذا هو اسمى) لأدونيس موزون فيتفعيلتي البحر الخفيف: (فاعلاتن -ب- -) (مستفعلن- - ب -) وقد جاءت المقاطعالثلاثة المدروسة (لا فتة) و(منشور سري(=2)) مدورة غالبا، غير مكتوبةبالبيت ولا السطر باستثناء حالات من ستة أسطر في المقطع الثالث.
وقد جاء عدد التفعيلات في هذه المقاطع233 تفعيلة منها 127 أي نسبة 54.50% من نوع الأولى فاعلاتن بصغتيها التامةوالمخبونة: التامة 56 أي 24% من المجموع والمخبونة فعلاتن ب ب 71 --تفعيلة أي نسبة 30.47% أما الثانية مستفعلن --) ب (- فعددها 106 أي 45.49%منها تامة 77 أي نسبة 33% ومنها مخبونه (متفعلن ب-ب- ) 29 تفعيلة، أي12.44% من المجموع.
وتعتري كلا النفعيلتين أحيانا أعراضزيادة: ترفيل أي زيادة سبب خفيف (مقطع طويل) في فاعلاتن بصيغتيها فتصبحفاعلاتن تن (-ب (---وفي مستفعلن بصيغتيها فتصبح مستفعلن تن (--ب--)وتعتريها أحيانا أخرى أعراض حذف: فقد تقبض فاعلاتن فتصبح (فاعلات -ب- ب)،وقد تقطع فتصبح فاعلا(-ب-)، وقد تقطع ويحذف خامسها الساكن فتصبح فاعل(-بب)، أما مستفعلن فقد تقطع فتصبح مستفعل(- - -)، أو متفعل ب - -)، وقد يحذفوتدها بكامله فتصبح مستف (- -)، غير أن أعراض الحذف والزيادة في كلتاالتفعيلتين نادرة، فنسبتها في الزيادة لا تتعدى 03.5% وفي النقص لا تتجاوز12.87%. وهي أعراض تصنف في خانة العلة لا الزحاف حسب القواعد العروضية،ولكن النص في الغالب مدور، لذلك فهي هنا واردة حشوا، أي في حكم الزحاف.والزحافات أساسها الخبن في التفعيلتين إذ هو فيهما معا بنسبة 42.91% كمامر، ولم يعتر (فاعلاتن) غيره وقد اعترى مستفعلن زحاف الطي مرتين وزحافالخبل أي (خبن + طي) مرة ... فهناك إذن التزام بقواعد الوزن عام، وإن كانهناك إخلال يتعلق بتحويل العلة إلى زحاف.
النص 3- سيمياء (المقطع الأول) لأدونيس.وسيمياء هي الفقرة الرابعة من فقرات نص مفرد بصيغة الجمع وهو نص من الشعرالمنثور في مجمله، أي أنه يعتمد في موسيقاه على أنماط من الإيقاع ليسبينها الوزن.
النص 4: موسم النيل: لمحمد بنيس. وهو نصاستخدم عدة أوزان، وكتب بطريقة تختلف عن طريقة البيت العمودي والسطر الحروالمنثور في أغلب مقاطعه. وقسم إلى مقاطع سبعة، اشترك منها الأول والثانيوالخامس، والسادس في استعمال تفعيلتين دون انتظام هما (فاعلاتن- ب- -)الرمل و (فعلن ب ب -) المتدارك، واستعمل الرابع الأخيرة (فعلن ب ب -)صافية. وانفرد الثالث باستعمال تفعيلة (فعولن ب - -) المتقارب. كما انفردالسابع بتفعيلة (متفاعلن ب ب ـ ب ـ) الكامل، وكان عدد تفعيلات كل مقطع علىالنحو التالي: الأول 82. الثاني90 الثالث35. الرابع 46. الخامس54.السادس57. السابع25 = 389. وهي ترجع إلى أربع تفعيلات بين ثلاث منها كثيرمن التشابه هي: فعلن. فاعلاتن فعولن، وتنفرد عنها متفاعلن، وقد وردتالأولى في 4 صور بينما وردت الثلاث الأخيرة كل منها في صورتين. وكان تواتركل صورة على النحو التالي (فعلن) المتدارك وردت: (فعلن ب ب -)175 مرة أيبنسبة 63.17%. (فعلن - -) 93مرة بنسبة 33.57%، (فعل ب-) 04 مرات، بنسبة01.44%، (فعل-ب) 05مرات، بنسبة 01.80%.
أما (فاعلاتن - ب - -) الرمل فوردتفاعلاتن - ب - -) السليمه 15 مرة، بنسبة 17.44%. و(فعلاتن ب ب - -))المخبونة 71 مرة بنسبة 82.56%. ثم (فعولن ب - -) المتقارب. ووردت في أصلها(فعولن ب - -) 37مرة بنسبة 58.73% و(فعول ب-ب) المقبوضة 26 مرة بنسبة41.27%. ثم (متفاعل ب ب-ب-) الكامل. ووردت في صورتها الأصلية (متفاعلن بب-ب-) 13 مرة بنسبة 52%. وبصورتها الفرعية المضمرة (متفاعلن- -ب-) 12 مرة.
النص5- مقاطع من (ورقة البهاء): لبنيس.وتتكون من تسعة مقاطع متمايزة خطيا، ومتفاوتة طولا وقصرا، وهي من نص مطوليتوخى طريقة الكتابة الإبداعية التي تسعى إلى الخروج عن تصنيف نظريةالأجناس، فيما يبدو، وهو في ظاهره أقرب إلى المنثور منه إلى الموزونالمنظوم، ولكن الكثير من مقاطعه عند التحليل تقبل التصنيف في الأوزانالشعرية المعروفة، فالمقطع الأول من المقاطع المختارة موزون في تفعيلةالمتقارب (فعولن ب --) وقد تكررت فيه صحيحة 15 مرة بنسبة 35.75% ومقبوضة(فعول ب-ب) 27 مرة بنسبة 64.29% أما المقاطع الثاني والرابع والخامسوالسابع والتاسع ففي تفعيلة المتدارك (فعلن) التي وردت على صورتين: (فعلن- -) 147 مرة، بنسبة 43.62% (فعلن بب-)165 مرة بنسبة 48.96%، ثم صورتيننضمهما للمتدارك رغم أن إحداهما (فعلاتن ب ب --) هي في الأصل للرمل، ولكنبترفيل فعلن = (فعلن تن) تصبح (فعلاتن وكذلك (فعل ب -) هي أقرب إلى(فعولن) المتقارب المقطوعة (فعو) ولكن نظرا لتداخلهما مع (فعلن) وقلةتواترهما صنفناهما معها (فعلن تن ب ب --) و (فعل ب -): الأولى وردت 23مرةبنسبة 06.82% والثانية مرتان بنسبة 00.60%. أما المقطعان السادس والثامنفقد وردا في تفعيلة الكامل: (متفاعلن ب ب -ب-) وقد وردت في صورتها الأصل(متفاعلن ب ب -ب-) 11مرة بنسبة 68.75 %. وبصورتها المضمرة (متفاعلن- -ب-)05 مرات بنسبة 31.25%. أما المقطع الثالث فكان منثورا خاليا من أي وزنمنتظم.