بين هواء دمشق وشجرة قصابين
أزين النبات
فكت الأرض أزرارها
هطل ماء لا
أخذت غصن زيتون
ورسمت علي التراب دورة أحشائي
وقفت السماء جانبا، وابتدأ هدير كأنه بدء التكوين
ازدوج كل شيء، واشتعلت أعماقي هجرة وتقاسمتني
الأقاصي. [66]
2
الضوء يعبر، وتعبر حشراته:
الأدغال تعبر
وتعبر خواصر التلال [67]
3
من أين لأحشائي هذه الوسوسة؟
من أين لقدمي هذا السمع؟
تدحرج، أيها الشبح،
أينا الشراع أينا الريح؟
استمسك
استصرخ المد المد المد
استسلم
كن الغرق، وخذني... [68]
4
سيري أيتها الحقول بخطوات من القش
اخلع قميصك أيها الجبل [69]
5
أخطو كمن يصل جمرة بجمرة
هاوية بهاوية [70]
6
وأنا
مكسوا بالزمن ورماده
يرميني الشجر من نوافذه
يتلقفني فضاء تسيجه أفخاذ غير مرئية (...)
حيث ترفعني صارية اللذة وتختلط الصخور بالأشرعة
حيث الجسد سرداب والشهوة قلعة محاصرة ... [71]
7
أيها الحب المقبل الجسد المقبل [72]
8
في الجسد وحل
لوحله طيبة الورد
في الجسد ذل
لذله نكهة التأله [73]
9
كل حجر حارس يسهر معي
كل شجرة مظلة تتشبه بالجسد...
لم يعد الفضاء إلا رقعة تتبلل بالقتل (...) [74]
لم يعد الهواء إلا نبض قلب يتجه نحو الرماد ... [75]
ففيالمثال الأول نجد الماضي يتكرر 12مرة في فقرة واحدة، وفي الثاني يتكررالمضارع أربع مرات في أربع جمل قصيرةوبلفظه، وفي المثالين الثالث والرابعيتكرر فعل الأمر ثماني مرات ست فيالثالث واثنتان في الرابع، ويتكررالاستفهام أربع مرات والإشارة مرتينوالنداء مرتين وفي الخامس يتكرر اسمان.وفي السادس يتكرر الحال مفردا مرةوجملة فعلها مضارع مرتين، ويتكرر الظرفمرتين. وفي السابع يتكرر النعتمرتين، وفي الثامن والتاسع تتكرر ثلاث جملبتغيرات طفيفة.
وفيالنص أربع فقرات لها طالع واحد تتغيرمنه الكلمة الأخيرة من فقرة لأخرىوالفقرات مرقمة (أ.ب.ج-.د) ولها عنوانمشترك "فواصل " والطالع المكرر هو:
أ- تخرج فراشة، تدخل فراشة والمسرح بهيئة الجسد [76]
ب- تخرج فراشة تدخل فراشة والمسرح بهيئة الشجر [77]
ج- تخرج فراشة تدخل فراشة والمسرح بهيئة الفضاء [78]
د- تخرج فراشة تدخل فراشة والمسرح بهيئة الطبيعة [79]
ففيهذا الطالع تكراران: تقطيع تقسيمي،يقسم النص إلى أربعة مقاطع، كل منهااستئناف، وفيه توزيع أفقي كما في(تخرج ... تدخل...) وورد على هذا النحوسطران آخران في غير طالع، لكنالكلمات حينئذ تغيرت ألفاظها وبقيت صيغها، معبعض من تبادل الأدوار حيث أنالتركيب الإضافي ورد في الأول منهما قبلالاستدراك ولكنه ورد في الثانيبعده:
كتبنا على جذوع الشجر لكن الشجر لم يقرأ كتابتنا
رقدنا على العشب لكن زغب العشب لم يأنس إلينا [80]
ومنه يتبين مدى تشبع النص بالموسيقىالداخلية، موسيقى الحشو، رغم نثريته واتكائه على البث (المونولوج) الدراميعلى حساب البعد الغنائي.
النص4: موسم النيل لبنيس:ظاهرة التكرارهي البارزة في هذا النص فلا نكاد نجدغيرها من الظواهر الأخرى، ومنمظاهرها في المقطع الأول تكرار (من)الاستفهامية:
ياأيتها النخلة من علمني (...) [81]
... من ذاك بوجهي...[82] من يحمل خلجان الأعضاء(...)[83]
من يسويني التهابا... [84]
ومع(من) الاستفهامية تكررت ياء المتكلم(الضمير) ثلاث عشرة مرة في المقطعالأول وفي الثاني إحدى عشرة مرة. وتكررفعل الأمر في المقطع الثاني مراتعديدة نورد منها خمسا أربع منها تكررالكلمة ذاتها:
اقتربوا مني بوادي النيل والنيل دروع (...) [85]
اقتربوا ... [86]
فاقتربوا مني بوادي النيل شمس طافت... [87]
شدوا رأسي بالسوسن واقتربوا... [88]
ويمتاز المقطع الثالث بتكرار فعل بذاته ثلاث عشرة مرة، وهو ما اعتبرناه من قبل نمطا من القافية الداخلية:
أقول لمن يشتهي سدة في الفراغ.
تخون الصباح السخي، تخون الكواكب بين الكروم تخون دماء
الأحبة وهي تسافر في رحم الأغنيات تخون الرياح التي
اعتمرت بالفؤوس تخون الهوى المستريح على رقعه الضوء أنت
تخون
وكم خنت فينا صفاء من العندليب تخون المياه تخون
رمالا تحلقن حولي تخون المنازل خفت حنينا إليهم
تخون انتشاء تدلى على كتفي بارتعاش رحيم تخون الشوارع
واسعة بالغبار وبالومض سيدة
وتخون [89]
فالفعل(تخون) شكل النص: ستة أفعال منهمضارعة ثم يأتي ماض واحد ثم تأتي ستةمضارعة بعده، وهو في الجميع مسندللمخاطب في شكل تاء الضمير أو تاء المضارع.
ويمتازالمقطع الرابع بأنه فقرتانكلتاهما من ستة أسطر يتكرر فيهما الأول والأخيردون تغير وتختلف الأواسطمعجميا، ولكن بينها نمط من التقارب تركيبيا:
الأولى: الثانية:
ماذا يكتب في جبهته الغراء ماذا يكتب في جبهته الغراء
لطخات طيور مطفأة أشلاء صلاة
تدوين رثاء علق فوق سطوح بيضاء صورة مريم في زنزانتها
شعل تنكسر بين يديه مرايا قداس الذبح
أقداح فارغة تفتت سارية
وفناء وفناء [90]
وليسفي المقطعين الخامس والسادس تكراريذكر، أما السابع فيمتاز بتلاحق الجملالفعلية البادئة بفعل مضارع مسندلنون المتكلمين، ثم "لياء" الغائب ( النونوالياء للمضارعة لا للضمير):
هاهم إلى أقصى شفاعتهم ولا ينسون نخرج
من مذاودهم نبارك حفلنا الشمسي نستهدي بماء النيل نجمع رجلنا.
زادا تؤلفنا الطريق عمامة برقا يفك مناعة الأسوار نترك صوتنا يختار.
وردته فنعلم أن هذا الماء يرفع حجبه سرا.
ويندلق [91]
وفيما عدا هذه الظواهر فليس ثمة تقطيع تقسيمي، ولا تواز تركيبي، ولا تقفية خاصة.
النص5- (ورقة البهاء) لبنيس:يقومالإيقاع الصوتي لهذا النص على سلسلة منالتوازيات هي عمدته في المجالالصوتي، وهي ليست مفرطة في الكثافة منها:
تكرار الحال مفردا وجملة بصيغته لا بلفظه، كما في:
عن الذاهبين معي لجنوب الغواية/ مندفعين بحبر (...)
منصتين لماء سبو [92]
هو هذا المساء له أمم/ تتآلف في جرس
تتحدر من يقظة الورقات
(...) تتوجس ساعتها ... [93]
كأس أخرى/ شعشعناها
نقطناها
استيقظ يا صاحبي
استيقظ سترى.
كلمني من قصب...
خبئني في صدفات الحلم.
اعمرني بالنار أنا الموؤودة دثرني
انظروا إلي..
خذوا منها
ضعوها على مدينة فاس
انظروا إليها.... [94]
كل هذه الجمل تحمل تجانسا يعطي إيقاعا صوتيا بينا. وإضافة إليها فثمة جملة من التكرارات مثل:
كن للنجمة/ كن للوردة / كن للطعنه[95]
اتبعني لسطوع سعار.../ اتبعني لبلايا.../ اتبعني لنعزي... [96]
ومثلها أنماط من التكرار تشير إلى محذوف مكرر كتكرار لام الجر التي تعد الفعل بالاكتفاء به في المرة الأولى فقط:
هل هيأ للحكمة (...) للخشية (...) للشطحة (...) [97]
أو بدال سياقي ما، كما في:
أهلها يتلاشون.
بنيانها
وأسوارها
وماؤها [98]
فحذف حرف العطف الأول من "بنيانها" نبه إلى المسند المحذوف في الجمل الثلاث: "يتلاشون"...
ومثلهذا التكرار ورد ضمن مقطعين يكررأحدهما الآخر، مع تغير لكافة الكلمات ماعدا المبتدأ الأول، وحرف الجر فيالجار والمجرور الذي يمثل الخبر المكرر أوينبه إليه. وذلك في:
(حجر لشاهدة/ لمئذنة/ لقوس غير منتصر/ لأسوار المدينة/ للجسور... [99]
وهاتانالفقرتان تعكسان أيضا تكرارالتوازي المتأتي من التتابع الخطي للفواصلالمتساوية كما يعكس تكرارالثانية للأولى بعد مقطع يفصل بينهما، نمطا منالتقطيع التقسيمي باعتبارأن كلا من الفقرتين طالع لمقطع. ويرد التقطيعالتقسيمي أثناء المقطعالرابع من النص حيث يتألف النص من ثلاث ثلاثيات، أولكل منها طالع متكررعلي النحو التالي:
فاس عن فاس نأت
1-مجذوب يستقصي أخبار الجوع
وينبت فيها نخل صرخته
فاس عن فاس نأت
2- فقر يتجول بين منازه منهدمة
ويدون تشريعات إقامته
فاس عن فاس نأت
3- دمن تتراسل في عيد ممنوع
ويحصنها وسواس مياه منسحبه [100]
فالنصيحمل بعض مظاهر إيقاع الحشو الصوتيبصورة متقطعة، ولكن من القراءة الأولىوالبسيطة، قد لا يتبينه القارئ لأولوهلة، شأنه في ذلك شأن الأوزان فيه.فالإيقاع السمعي فيه عموما: الموسيقىالخارجية الموسيقى الداخلية، ليس منالبروز بالقدر الذي يوجد في النصالغنائي المعتاد.
النص 6- قطوف: محمد بنيس:
يقسم الظواهر الصوتية في هذا النص خمسة أصناف هي:
تكرار الحرف المعزول عن الإطار الدلالي:
كاللام في: سلالة: "قطوف سلالة " [101]
وفي ظلاله: "بين ظلاله
وظلاله الأخرى " [102]
وكالدال في ضد.حدود، دم . تعود:
"يصد حدوده
بدم
تعود أن يسافر" [103]
وكالراء في سريرة: "ومن شعل السريرة » [104]
وكالهمز في أصداء: "الأصداء"[105]
وكالواو والشين في وشوشات: "مراقي وشوشات فارغات " [106]
الجناس كما في: الواشمات. الشاحبات. الزائرات، الحشرجات السيدات. وشوشات. فارغات.:
تأتي الواشمات الشاحبات
تأتي الزائرات بريحهن
الحشرجات
السيدات [107]
مراقي وشوشات فارغات [108]
التكرار كما في أوقدت:
أوقدت
ما أوقدت
ما أوقدت [109]
ما أوقدت... [110]
وكما في ظلاله:
بين ظلاله
وظلاله الأخرى...[111]
وكما في صمت:
وتكون من صمت... [112]
كان الصمت مكتملا... [113]
صمت يكاد يشع... [114]
وكما في كان:
وتكون من صمت (س1) [115]
كان الصمت مكتملا
وكانت ناري [116]
التقسيم التقطيعي: كما في جزء المقطع الوارد في آخر المقطع الأول والمكرر خرجة للنص.
تأتي الواشمات الشاحبات
تأتي الزائرات بريحهن الحشرجات
السيدات [117].
ثم تكررت:
والواشمات الشاحبات
تأتي الزائرات بريحهن
الحشرجات
السيدات [118]
التوازي: وقد ورد في الرباعية السابقة:
تأتي الواشمات الشاحبات
تأتي الزائرات بريحهن
الحشرجات
السيدات
وفي: مراقي وشوشات فارغات [119]
وكما ورد في الحال والجار والمجرور بعده في الأسطر:
... خيمة للحلم
عاصفة لكل متاهة بين الدواخل.
موجة لشواطئ النسيان
خطا لانفلات تصدع... [120]
كلهذه أبرزت البعد الإيقاعي السمعيللنص، وخاصة منه هذا الجانب غير المنضبطبشكل يقبل التقنين. ولكنه رغم عدمانتظام تواتره يثري هذا البعد دون أنيكون الطابع الأبرز في النص،وبالتالي دون أن يثقله بلفظية فارغة.
هذهالنصوص الستة تتفق من حيث بروز ظاهرةالتكرار في المقام الأول، يليها فيالأهمية التوازي التركيبي، ثم التقطيعالتقسيمي، وتمتاز عن غيرها بسماتنذكر أربعا من أبرزها هي:
- سيطرة ضمير المتكلم (بي. ثم أنا ثم ت). وهو ما يحيل دلاليا إلى الظاهرة الثانية:
- هيمنة أسلوب البث الداخلي (المونولج).وهو ما يخلق درجة من التوتر عالية يتولد عنها التكرار، وتتولد عنها كذلكالظاهرة الثالثة هنا:
-تواتر الأسلوب الطلبي: خاصة منه الاستفهام الذي يحيل إلي السؤال محور التجربة الحداثية.
-تقهقر دور القافية الصوتي إذ تتعقدالشحنة العاطفية وتنتشر على امتداد النصفلا تجد لها في أحيان كثيرة حداتتوقف عنده، وحتى إذا كان التكرار معبرا عنهذا التوتر فإن بإمكانه أنيتحكم في بداية الجملة أكثر مما يتحكم فينهايتها.
ويمتازنصا بنيس: موسم النيل وورقةالبهاء، بتفاوت مستوى فقرات النص من حيثالإيقاع الصوتي، إذ تراه يبرزنسبيا في بعض الفقرات، ثم إذا به يتلاشىويختفى في البعض الآخر.
وبذلكفالنصوص الستة تتفاوت فيما بينهاتفاوتا ملحوظا. فرغم هيمنة أسلوب البثالداخلي عليها كلها- مما يرجح كفةالعنصر الدرامي على العنصر الغنائي- فإننصي "اللؤلؤة" و"قطوف" برز فيهماالجانب الإيقاعي الصوتي، سواء أتعلقبتكرار الدال، أم بتوازي التراكيب أمبتكرار الطوالع التقسيمية. ويقتربمنهما في ذلك نصا (هذا (هو اسمي)و(سيمياء). ويأتي نصا (موسم النيل) ومقطع(ورقة البهاء) دون ذلك. ورغم أنالأول من هذين نص مستقل ضمن مجموعة نصوص،فهو قصير نسبيا، وأن الثاني نصمقتطع من نص واحد طويل، مما يؤهل الأول لشيءمن الغنائية أكثر من الثاني،فإنهما مع ذلك متقاربان من حيث مستوى بروزالبعد الإيقاعي الصوتي فيهماسواء في ذلك ما يتعلق بالموسيقى الداخلية أمبالخارجية.
وارتكازالتكرار علي البث الداخلي يتفقمع رأي ألح عليه كل من أدونيس ومحمد بنيس فيمقارباتهما النظرية. وهوضرورة الوصول إلي الأسرار التي تصل بين الكلمةوالنفس، بين الإنسانوالحياة [121]فيالتعامل مع إيقاع الكلمة وتناغمها الضروريين لأي شعر، كما يقول أدونيس.ذلكأن الربط بين الوحدات الصوتية، والوحدات النحوية، والوحدات الدلاليةتبعالإيقاع النفس هو ما يؤسس إيقاعا مغايرا له صيحة المغامرة وحجةالتجربةوالممارسة وألق الخروج"[122] كما يقول بنيس.
فالشعر"تكرير دوال" كما يقول بنيس غيرأن " الإيقاع والتناغم" وإن كانا ضروريينلأي شعر فإنهما لا يكفيان وحدهماكما يقول أدونيس الذي يرى أن التعبيرالشعري الجديد "تعبير بمعاني الكلماتوخصائصها الصوتية والموسيقية"[123]وهيخصائص طغت عليها في الماضي- حسب رأيه- العناية بالعروض، عند ما "لميكنلتكرار الصوت في فواصل منتظمة، وتساوي اللحظة الموسيقية في الأبياتأوتواقتها"[124]منوظيفة سوى تسهيل الغناء، أما اليوم فإن الشكل الشعري الجديد. حسبالرأينفسه- هو بمعني ما " عودة إلى الكلمة العربية، إلى سحرها الأصلي،وإيقاعهاوغناها الموسيقي والصوتي" الذي لا يمثل الوزن إلا جانبا منه[125]
ويتضحمن ذلك أن النصوص المحللة متأثرةلحدما بهذه الآراء النظرية، فهذه النصوصتستعمل العروض، ولكنها لا تعتمدعليه، وتستعمل التكرار ولكن في حدود، بل إنبعض مقاطع النصين (4و5) قدتتخلى عنه، ولكن الأهم أن ما استعمل منه كاناستعماله لصيقا بحالة وجدانيةيعبر عنها إيحاء، وذلك هو الشرط.
İİ ــ 2-3: موسيقى الحركة:
النصالأول: اللؤلؤة: أدونيس، حركة النصهنا قائمة على صراع الماضي والحاضر معالمستقبل الآتي نهرا يغمر، وحريقايخلص الحقل من أعشاب الماضي الطفيليةالتي تمنع البذور من الانبثاق. حريقيقضي على ركام الماضي: التاريخ،الحضارات، الجيل الحاضر الحامل لفيروسالماضي ولكن هذا الجيل ذاته يلد جيلالأطفال الآتي مع المستقبل الذي سيلدهمع هذا الجيل الجديد رماد الجيلالحاضر والتاريخ والحضارة، إنه جيل آت منالحلم- الشاعر، أو الشاعر- الحلم-النبوءة. أو الشاعر النهر الذي يغمرالحلم والنبوءة، أوالجوهر الإنسانيالفردي الجمعي/ اللؤلؤة الكامنة فيالشاعر التي تعيش صراع الظهوروالاختفاء: حلم. حمى نبوية«، احتواء للكون،مخاض به، شعاع يطوق ظلامالحاضر/ الماضي مبشرا بفجر نائم ليبث يقظة الحبلهبا، فجر كامن كمون الطاقةفي المادة... طاقة يحولها الصراع إلى نارتحرق، صراع الفرد/ الجماعة. ناروقودها الدم/ النهر، نهر الحياة المتحول،شعلتها التي لا تهمد، شعلتها التيتحرق ركام الماضي المنهار: أجساد عصورتتجرجر«. إنه الحريق الذي أصبحتجلبته مسموعة وشرره مرئيا:
لا، دعوني:
إنني أسمع أصواتا تغني في رمادي
إنني ألمحها تمشي كأطفال بلادي [126]
فكلا المقطعين قائم على حركة: حركة الأول متجهة نحو الدواخل: هي بحث عن الطريق إلى الذات في سبيل الوصول إلى الغير، "شعبي".:
كيف أمشي نحو شعبي، نحو نفسي [127]
فلكيتتم الحركة نحو الغير يجب أولا أنتتم نحو الذات: "نحو نفسي" وحركة الشاعررائدها السؤال الذي يبحث عن حقيقةالذات غائصا في العمق لاكتشاف كلمة السر:"اللؤلؤة الخفية":النهر/ الحلم :
أني حمى نبويه...
أنني ضوء يلف الليل يعرى...
سائحا في جسد الليل
وأني جامح أحتضن الأرض كأنثى
وأنام
موقظا حبي فيها
لهبا يفتح يستنزل فيها
آية أني كتاب
ودمي حبر
وأعضائي كلام [128]
ثم تنطلق الحركة الثانية عبر الذات إلى الغير" شعبي":
كيف أمشي نحو نفسي، نحو شعبي[129].
فهوكتاب يحمل رسالة التغيير ولكنه ليسالكتاب الجماد فحبره من دم يغلى ناراتشتعل وتشعل. وإن صدره ليحتضن الكونبكامله فيحترق ليحيله رمادا يصبح سمادالبذور الحياة الجديدة القادمة،فالدم ماء وضياء، والموت عبور إلى الحياة:
... أسندوا صدري ...
في صدري حريق
ومزامير،
جبال وكروم
ومسافات
وأجساد عصور تتجرجر
ونجوم
والتواريخ مرايا
والحضارات مرايا
تتكسر [130]
وحركةالنص تتجه من الحاضر نحو المستقبل،لذلك خلا من الماضي، فالأفعال كلها فيصيغة المضارع، وداخلة في سؤال موجهنحو المستقبل: كيف أمشي(...) "كيفأصعد"؟ فحتى القفل الذي لا يدخل في بنيةأحد السؤالين فهو يجري في سياقهمالذلك يبدأ بنهي وأمر. والسؤال والأمروالنهي كلها طلبية تتجه نحو المستقبلفالأفعال التسعة عشر الموجودة فيالنص كلها مضارعة والصفات الأربع الموجودةمعها زمانية تسير معها في السياق نفسه.
يقومالنص 2: (هذا هو اسمي) لأدونيس -أوالمقطعان المدروسان منه- على جزأين:الجزء الأول منهما يتكون من مقطعواحد، والآخر من مقطعين. والجزء الأولمختوم بعبارة (لافتة) والثانيبعبارة (منشور سري). و(اللافتة) إظهاروإشهار، والمنشور السري) إخفاء وستروكتمان.
ما هي هذه اللافتة وما هو مضمون المنشور؟، وما هو محور التقابل بينهما؟
اللافتةإعلان عن محو الحكمة والعرفوالقانون وتأسيس الفعل والجنون والخروج،والتأسيس حفر في الأعماق وخوض فيرحم الحب والحياة/ المرأة /الأرض، مركزالخلق وفعل الحياة، ومنطلق التحولمن منزلة الجبر إلى منزلة القدرة علىالفعل وطاقة الفعل: النار الدم، منمنزلة الهامش إلى منزلة المحور مدارالكون:
ماحيا كل حكمة هذه ناري
لم تبق آيه - دمي الآية
هذا بدئي
دخلت إلى حوضك أرض تدور حولي أعضاؤك ... [131]
إنهتأسيس لبدء جديد، بعث جديد، حياةجديدة، وتجاوز لحياة قديمة. هل هي بدايةالطوفان كما في قصة نوح، أم بدايةخلق جديد كما في قصة البعث والنفخ فيالصور، إيذانا بموت العالم النسبي،وميلاد العالم المطلق؟ فتتأسس المدينةالجديدة على أنقاض المدينة القديمة،إخصاب الأرض التي بارت بترسبات أملاحالزمن، إنه اللقاء:
دخلت إلى حوضك أرض تدور حولي أعضاؤك
نيل يجري طفونا ترسبنا تقاطعت في دمي قطعت
صدرك أمواجي انهصرت لنبدأ: نسي الحب شفرة الليل
هل أصرخ أن الطوفان يأتي؟ لنبدأ: صرخة تعرج المدينة
والناس مرايا تمشي، إذا عبر الملح التقينا هل أنت ؟ [132]
و(هل) تأرجح بين الشك واليقين. ويأتي الجواب صوتا من بعيد مؤذنا بوجود حب وحياة لا سبيل إليهما إلا عبر الموت:
- حبي جرح.
جسدي وردة على الحب لا يقطف إلا موتا.
لأن حياتها استسلمت واستقرت فدخلت دائرة الموت:
دمي غصن أسلم أوراقه استقر.... [133]
لكنه بيات شتوي يختزن الحياة. إنها نبع الحياة والجمال:
هل الصخر جواب؟ هل موتك السيد النائم يغوي؟
عندي لثدييك هالات ولوع لوجهك الطفل وجه مثله [134]هيثنائية الحضور/ الغياب المسيطرة: غيابفي الظاهر المرئي، حضور في العقلوالوجدان والتصور، لذلك فالفعل يبقى،يستمر: إزالة الأنقاض الحاجبة،واستخراج الطاقة الكامنة القابلة للتحول منالقوة إلى الفعل إلى اللهبالماحي إلى الدخول إلى رحم الخلق إلى حوض الفعلقاض مدينة الماضي، الفعل الذي يحمل مشروع اللمستقبل