أبو شلاخ البرمائي
بقلم : د. حسين المناصرة
شلخة في منطقتنا تعني مبالغة عظيمةhttp://www.07ksa.org/vb/avatars/u23008.html?dateline=1163363250 وفشرة خطيرة وكذبة عوْدة. وأبو شلاخ هو صاحب الشلخات الدائمة المتكررة.
أبو شلاخ البر مائي
ليس بوسعنا أن نتحدث عن شخصية أبو شلاخ البرمائي،البطل الوحيد المطلق في رواية غازي القصيبي، التي تحمل الاسم نفسه( أبو شلاخ البرمائي)، بصفتها شخصية إنسانية واقعية، أو على أية صلة حميمة بالواقع، من جهة تكوين أو وجود البعد البشري المألوف والمعروف لدينا، في تكوين هذه الشخصية على المستوى النفسي، أو الاجتماعي، أو المادي، أو الزمكاني، أو القدرات، أو الإنجازات، أو ما إلى ذلك!!
تبدو هذه الشخصية مجرد بنية سردية إشكالية ذات صوت لغوي أحادي، لا يمكن أن يتحقق صوتها في الواقع المعيش، وإن كانت هذه الشخصية تحمل قضايا الواقع وهمومه، منذ خلق الإنسان إلى لحظة انتهاء السارد من كتابة هذه الشخصية، على اعتبار أن السارد (القصيبي) يستطيع أن يبدع أية شخصية متخيلة ورقية، و في الوقت نفسه بإمكانه أن يحمّلها من الواقع ما يريده أو ما يهمّه منه؛ ولكن لا يمكن أن يكون أبو شلاخ البرمائي كإنسان – لا كفكر-جزءاً حميماً من هذا الواقع الذي ننتمي إليه ونعيش تفاصيله.
إذا كان بجماليون قد نحت المرأة جالاتيا وهو يكره كل النساء؛ فإنه يجد نفسه ،في المحصلة، قد أحب ما كره؛وهكذا فإن القصيبي استطاع أن ينحت لنا هذه الشخصية الورقية الخارقة في كل شيء، وأن يصبّها في عدد من الصفات والأسماء من دائرة الكذب الساخر والمكشوف؛ لينجز شخصية لا يمكن أن تُحَب، بقدر كونها ستبقى تعبيراً عن السخرية السوداء، وأنها من هذه الناحية تغدو باهرة بأفعالها، وثقافاتها،وإبداعها، وسلطاتها، وعلاقاتها، وأكاذيبها ، ونرجسيتها …!!
إن الكلام بصفته خطاباً إنشائياً مكذوباً، بل مبالغاً في أكاذيبه إلى درجة تفوق التخييل، مع الحرص على أن يُسْرد هذا الكلام للمروِي له في صيغة سردية منطقية، مستلة من طبيعة تكوين هذه الشخصية الإشكالية، الخارقة براً وبحراً وجواً_ هو المعيار الحاسم في إحالة شخصية أبو شلاخ البرمائي إلى مجرد ظاهرة صوتية أو لغوية، بإمكانها أن تفضي إلى شعرية الكذب، انطلاقاً من أن الإبداع الفعلي هو الذي يسيّد الفانتازيا والأسطرة، ليس على سبيل بناء شخصية من لحم ودم على أية حال ، وإنما انطلاقاً من توليد حركية لغوية متدفقة بالأفكار والأحداث والرغبات(التابوهات) من خلال شخصية غرائبية متجددة، تحيي بؤر العبث والمغامرة والتجريب في الكتابة السردية، عوداً بهذه الكتابة إلى ينبوعها الفطري؛ عندما كانت لغة خرافية أو أسطورية، تنجز إيقاع الحياة المُستحَب وجمالياتها المعشوقَة في الواقع المعيشي المكدود المنهك بالغربة والضياع وآلام الحياة!!
الحوار الصحفي بين توفيق وأبو شلاخ ، والسؤال المختصر جداً من توفيق، والجواب المسترس
المزيد
الإيقاع في الرواية
نيسان 18th, 2008 كتبها د. حسين المناصرة نشر في , قراءات في الرواية,
لا تعليقات
الإيقاع في الرواية بقلم : د. حسين المناصرة
"دراسة الإيقاع في الرواية تكشف عن عمق العلاقات بين الناس والأشياء، وحركة الأشياء، ومعنى "جديد" للزمان والمكان والعلاقات…" نورثروب فراي
لا خلاف إطلاقاً حول حرية أي قارئ في مقاربة الرواية من الوجهة التي يريدها ، حتى لو وصل الأمر بهذا القارئ إلى الادعاء بأنه فاتح لمنهجية لم يسبقه إليها أحد رمياً بـ " هل غادر الشعراء من متردم …" بعرض الحائط الإسمنتي..إنما من الضروري أن تكون هذه القراءة المشروعة مبدئياً أو تلك في أساسها الديموقراطي منجزة ( وواهبة للمحار لا للردى )عندما تتحول بدورها إلى خطاب مقروء على مستوى " قراءة القراءة " أو "قراءة النقد " ، وإلا فإنها تصبح مضللة ، واستعراضية واستغفالاً بطريقة أو بأخرى …
عنوان كتاب أحمد الزعبي " في الإيقاع الروائي نحو منهج جديد في دراسة البنية الروائية "يثير على المستوى التنظيري قضية مألوفة في القراءات الشعرية المهتمة بالموسيقى والإيقاع في القصيدة المحدودة المساحة والغنائية ، وإلى حد ما قضية مألوفة في القراءات الشعرية للرواية من المنظورات الكلاسية التي تختصر وتختزل الرواية إلى مجموعة من الجمل والأساليب الإيقاعية ، لكنه عنوان يتمطى "الجديد"،وهو يعلن أنه قراءة للإيقاع في سياق " البنية الروائية "، وهذا ما جعلني على الأقل أترصد الفرصة المناسبة لأدخله ضمن الثقافة المنهجية السردية ..وفي الجماليات تحديداً.
وفي تصور القارئ المتجدد الواعي أن البنية الإيقاعية للرواية يجب أن تكون مخالفة إلى حد كبير لما يمكن أن ينتج على مستويات الشعر أو التشكيل أو الدراما، دون أن تلغي هذه المخالفة التقاطع فيما بين هذه الأجناس من جوانب متشابهة متعددة، لأن الأجناس بطبيعتها متواصلة ومتراسلة ومتفاعلة بعضها مع بعض.. ومعنى هذا أن الخطورة تكمن - وكما أنجزت في النقد التقليدي الأكاديمي - في رصف المقولات الخاصة بالإيقاع من فضاء الشعر لتنجز بطريقة إسقاطية في فضاء الرواية دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية التي تتمتع بها الرواية أو السرديات عموماً في هذا المجال ، وقد حارب باختين في" الخطاب الروائي " بشكل خاص هيمنة المقولات الشعرية على الفضاء السردي ، وأيضاً عالج حميد لحمداني هذه الإشكالية في كتاب مستقل بعنوان "أسلوب الرواية" ، إذ لديهما ( باختين ولحمداني) سياق إيقاعي لغوي ورؤيوي خاص بالرواية، و هو سياق متميز عن إيقاع الفنون الأخرى كالشعر والتشكيل و الدراما …
في المدخل والمقدمة النظرية يحاول الزعبي في كتابه التنظير للإيقاع في الرواية تمهيداً لدراسة هذا الإيقاع في خمس روايات عربية مشهورة ، هي : السفينة ، والمستنقعات الضوئية،وموسم الهجرة إلى الشمال ، واللص والكلاب، وتلك الرائحة. وما نكتشفه فعلاً في الخمس والعشرين صفحة لا يتجاوز تكرار ثلاثة أو أربعة أفكار، بحيث يمكن تلخيص مساحات الصفحات كلها في ثلاث أو أربع صفحات فقط …ومع تقديري لبعض كتابات أحمد الزعبي الأخرى إلا أنه في هذا الكتاب تحديداً يجسد حالة من الضياع المؤدية إلى طريق اللغة المجانية ..ربما بسبب عدم وضوح فكرة الإيقاع عموما كإشكالية سردية.
هذا ما وجدته في المدخل والمقدمة السالفين ،حيث يوجد تكرار لتعريف ضبابي للإيقاع ، وتكرار لتميز كل رواية بإيقاعها الخاص ، وريادة دراسة الباحث في مجالها، وتثبيت لبعض المقولات الخاصة بالإيقاع في الشعر لجرها على السرد تحت الشعار " الرواية فن كفن الشعر "، المقولة الكلاسية ذات الإيقاع الثقافي الرسمي الاحتكاري .
ولعلي أشير إلى نمطية تكرارية تعريف الإيقاع الذي يذكره المؤلف بين الفينة والأخرى محاولة منه لتعريف الإيقاع الروائي ، لكنه يصل في النهاية -ربما- إلى الفشل واللاجدوى والعجز عن الوصول إلى تعريف مقنع ، ومن تعريفاته المتكررة ما يلي:
· " ..تحاول هذه الدراسة أن تحلل وتركز على الإيقاع الروائي من خلال حركة الأحداث وتطور الشخصيات وتغيرها وتعاقب الأزمنة وتغير الأمكنة وتوظيفها" .
· " إن المقارنة التي تقدم في هذه الدراسة ما بين حركة الزمان والمكان والأحداث من جهة ، والتغير الذي يطرأ على الشخصيات سواء في عالمهم النفسي/ الداخلي أو عالمهم المرئي الخارجي من جهة ثانية ستكون مصدر إغناء وتعميق لفهم الرواية على المستويين الفني والمضموني.. " وهذا هوالإيقاع .
· " الإيقاع في الرواية يشكل ويرصد عالم الأمكنة والأزمنة والأحداث في حركتها وتغيرها وبنائها ومدلولاتها ،ويرسم هذه الخطوط الإيقاعية المنتظمة فيما بينها التي هي بناء الرواية ومعمارها وهندستها . كما يشكل الإيقاع في الرواية ويرصد العالمين : الخارجي / المرئي الظاهري للشخصية نفسها والحدث نفسه .. الخ . حركة العالم الخارجي تلتقي / تنفصل / تتداخل مع حركة العالم الداخلي للشخصيات ، وتشكل إيقاعاً معيناً وعلاقة معينة ما بين داخل الشخصية وخارجها..".
· " الإيقاع في هذه الحالة يرصد هذه العلاقة الجدلية ..هذه الخطوط / هذه الحركات صعوداً وهبوطاً / داخلاً وخارجاً فيما
المزيد
جمالية القراءة اليوتوبية
نيسان 18th, 2008 كتبها د. حسين المناصرة نشر في , قراءات في الرواية,
لا تعليقات
جمالية القراءة اليوتوبية
بقلم : د. جسين المناصرة
"إن رؤية ديكارت الفلسفية يمكن اعتبارها تخييلاً وتصوراً للعالم على شكل آلة ضخمة ، ألا يشابه ذلك العالم أيضاً اليوتوبيا التي تصور "آلات " وعوالم أخرى بديلة ، وربما أفضل من هذه الآلة ، أو هذا العالم "محمد كامل الخطيب .
يبدو أن أهم ما أفرزته السرديات على المستوى النقدي العربي المعاصر هو تلك الفاعلية السردية في الخطاب النقدي نفسه أو في القراءة النقدية بمعنى أدق ، إذ ثمة آليات جمالية سردية لا بد أن يلحظها قارئ المقاربات السردية عموماً ، وذلك ابتداء من الحبكة التي تسردها المقاربات لحكاية رواية ما … ومرورا بالشخصية والحدث والزمكانية واللغة .. وانتهاء بالتقطيع ، والحكاية داخل الحكاية ، والدلالات العميقة ، والمستويات المتعددة لتفسير اللغة… وأشياء كثيرة أخرى جمالية ومشوقة يمكن أن نكتشفها في بعض الكتب النقدية في فضاء السرد، إلى حد يصبح النقد حركية روائية/ سردية مشوقة ومثيرة ومجازية ، وهو أمر قد لا نكتشفه في كتب النقد التي تعالج الشعر أو الموسيقى على سبيل المثال.
بكل تأكيد كنا نشعر دوماً بجماليات خاصة ترافق قراءة "الأغاني" و"العقد الفريد" و" نهاية الأرب" و" نفح الطيب"و"الحيوان"…إلى آخر ذلك من كتب تراثية مهمة،لكن مثل هذه الكتب التي عالجت تاريخ الأدب وقضايا ثقافية متعددة كانت تغيّب مسائل المنهجية المحددة الصارمة الشاملة على الأقل من الناحية النقدية ، وأيضاً لا تحتفل بشمولية العلاقات بين الخطابات الثقافية المختلفة في إطار فلسفي شامل كما ظهر الأمر مثلاً في رسائل" إخوان الصفا " أو في فلسفة ابن رشد أو في كتب الجاحظ.
ولعل أهم ما جاءت به المقاربات السردية التي لم تخضع إطلاقاً لهامشية الطرح النقدي الشكلاني، أو حتى للمنهجيات الأكثر علمنة للغة مثل اللسانيات وبعض المنهجيات البنيوية،هو ذلك الوعي السردي الجمالي في المقاربات نفسها؛مما يجعل من بعض المقاربات وعياً سردياً منتجاً للسرد بطريقة نقدية حكائية مشوقة ؛ كأن يصبح كتاب مثل كتاب الرواية العربية لعلي الراعي مجموعة روايات مصغرة مختزلة لعدد كبير من الروايات العربية.
ومن خلال هذه الرؤية الجمالية التي نتصورها في النقد السردي يغري كتاب"الرواية واليوتوبيا" لمحمد كامل الخطيب بقراءتين: إحداهما القراءة النقدية وهي الأولى في مقاربة كل كتاب نقدي، والأخرى القراءة الجمالية في توصيل القراءة النقدية ذاتها بطريقة سردية إلى المتلقي، وهذه الجمالية التوصيلية بكل تأكيد قدرة يمتلكها كل ناقد/قارئ متميز، يستطيع من خلال هذه القدرة أن يحول كتابته التي يفترض أن تكون علمية فلسفية إلى فضاء إبداعي لا يخلّ بآليات النقد المنهجي، وإنما يساعد النقدي على توصيل رؤاه النقدية وجمالياته الفنية إلى دائرة التلقي بيسر وإمتاع.
وهذه الاحتفالية الجمالية في النقد بدأت تأخذ مجراها في النقد الأكثر معاصرة، وخاصة في كتابات إدوار الخراط ونبيل سليمان وعبد الملك مرتاض ونور الدين صدوق ومحمد برادة .. وكثير من النقاد الشباب المتنورين في التسعينيات الذين اهتموا بحالات الإمتاع في الكتابة النقدية ضد الهيكلية الشكلية التي سادت فضاء النقد البنيوي…
لذلك كان كتاب محمد كامل الخطيب يفجر جماليات المقاربة السردية بكل أبعادها، معمقاً للقدرة الشاعرية في مستويات اللغة التي يقدمها كلغة جدلية سهلة فنية ذات شفافية عالية وهي تناقش العلاقة بين الرواية و اليوتوبيا(أحلام اليقظة) والواقع منذ نشوء الرواية الحديثة، ثم تطورها حتى نهايات هذا القرن … في صياغة نقدية سردية تبدأ من عام 1492، وتنتهي بعام 1992م تاريخ الانتهاء من تأليف الكتاب.
ففي أول فقرة من الكتاب نكتشف الحركية القصصية حيث يضعنا المؤلف بداية من التقديم في أجواء اللحظة التاريخية للتحول من سيادة العالم القديم المنهار إلى سيادة العالم الجديد المنفتح حيوية وشباباً ، و بالتحديد من نهاية العرب في أوروبا( نهاية العالم القديم ) ،وبداية اكتشاف أميركا(بداية العالم الجديد ) يقول :"تزامن في عام 1492حدثان فريدان وذوا دلالتين مختلفتين ، إن لم نقل متعاكستين، ففي هذا العام قضي على آخر الممالك العربية في أوروبا، " في أسبانيا". وسقطت غرناطة رسمياً ، أما الحدث الثاني فهو وصول كريستوف كولمبس إلى "العالم
المزيد
فاعلية الفتنة بين النقد والسرد
نيسان 18th, 2008 كتبها د. حسين المناصرة نشر في , قراءات في الرواية,
لا تعليقات
فاعلية الفتنة بين النقد والسرد
بقلم : د. حسين المناصرة
" الوله والاختلاف .. يداورانني منذ سنين في وصف ما بين السرد والنقد …وكانت الجمالية في الكلمة والتشكيل ، كما كان التخييل والأدلجة والتجديد مناط الفتنة " نبيل سليمان.
ما زالت المقاربات النقدية التي تحتفل بجماليات السرد وفتنته محدودة، بل إن عددها المحدود هذا غالباً ما يجيء من روائيين أو قاصين أدركوا أبعاد الجمالية أو الفتنة التي شعروا بها وهم يمارسون الكتابة السردية ، أو وهم يمارسون مغامرة الكتابة النقدية من خلال تجاربهم الذاتية في سردياتهم أو من خلال قراءاتهم لسرديات الآخرين ، كما نجد ذلك واضحاً في مقاربات نبيل سليمان وإدوار الخراط والربيعي وجبرا ومنيف وغالب هلسا وإلياس خوري ومحمد برادة وواسيني الأعرج وحليم بركات ورضوى عاشور وغسان كنفاني …وغيرهم .
يبدو أن كتاب نبيل سليمان " فتنة السرد والنقد " يجسد ممارسة مهمة لإشكاليات الجمالية على مستويي الكلمة والتشكيل… وإشكاليات الفتنة على مستويات التخييل والأدلجة والتجديد… في العديد من النصوص السردية ، ومن خلال تجربة نبيل سليمان نفسه الروائية ومن ثم النقدية الحافلة بقضايا عديدة تخص العلاقة الحميمية بين السرد والنقد …
ولعل تتبع بعض النصوص أو الأسماء أو العناوين في كتابه " فتنة السرد والنقد " يفضي إلى تشكيل الفضاء الجديد الذي تتمحور فيه المقاربات، فمن أبرز العناوين في الكتاب نجد: الأدب والحرام / ما بعد الحداثة في الرواية العربية /شعرية السرد وسردية الشعر / جمالية الكلمة الروائية /تجربة في تجديد السرد الروائي / الجمالي في القص .
* * *
نتوقف بداية مع الفصل الأخير من الكتاب وهو بعنوان " الجمالي في القص " حيث يناقش نبيل سليمان من خلال القصة الإماراتية إشكالية الجمالي في السرد مشبهاً هذه الجمالية بصورة الجمالية المتحققة في الرمال المتحركة ، وكأنه يشير من خلال هذا التشبيه إلى الصورة الجمالية الظاهرية التي ينطوي في أعماقها نظام معقد مليء بالتفاصيل والتجليات الفنية ، لتصبح الجمالية من وجهة نظر النقد متابعة للكثير من الجزئيات التي تتشاكل داخل بنية السرد ، وفي هذا يقول المؤلف :
" يتكلم السارد أو يصف ، يجري الفعل ، ينجز الفاعل أو يشهد أو يحاور أو يفكر أو يستنبط أو يستذكر أو يحلم . وكل ذلك يكون في إطار محدد من الزمان والمكان، إطار جغرافي وتاريخي ، نفسي واجتماعي . والكل المتخلق يرتسم في علاقات ووظائف تشكلها المخيلة ، ولا فرق في ذلك بين القص المتأسس في الوثيقة أو الواقعة ، والقص المستغرق في النشاط اللغوي أو التخييلي. كذلك ينهض عالم جديد بقدر ما يقدر عليه المبدع ، يشع بدلالاته ، يمارس في المتلقي أثراً ما ، هو المعنى المسرود ، لا المعنى بإطلاق ، هو جوهر الخطاب المنجز ، رسالته ، وليس خطاباً بإطلاق ، هو شحنة الترميز ، لا معادلاته ، فالمسرود هو السرد المنجز في العملية السردية،هو القول والفعل وسائر ما يضمره ويوحي به ذلك النظام الخاص للقص.يبدأ السبيل إلى الجمالي بمعاينة هذا النظام المعقد في أدق تفاصيله وسائر تجلياته ، كذلك ينطلق التحليل ، ويدأب على مدى السبيل" .
فهذه الشبكة المعقدة التي يمكن من خلالها متابعة الجمالي في السرد جاءت من خلال متابعة المؤلف لعدة محاور أهمها : القص والحكي /إنجاز اللحظة السردية / ديمقراطية السارد/الزمن /الفعل/الفاعل-الشخصية /المكان - الفضاء/الجمالية أساساً ودوماً .
كأنّ أهم ما ينجز في هذا الجانب هو أن الجمالية ليست مسألة انطباعية لغوية، وإنما هي مسألة وعي ثقافي بأبعاد السرد الذي تختلف كثيراً عن أبعاد الشعر الذي يمكن أن تتحقق فيه ( أي الشعر)جمالية مباشرة من خلال آليتي الصورة والموسيقى ، الآليتين الحاسمتين في تعميق الجمالية في اللغة الشعرية وأيضاً في النثر الذي يعمق اللغة الشعرية ، إلا أن القصة/ الرواية رغم شاعريتها هي ، كما يقول نبيل سليمان، " كائن اجتماعي وثقافي وحضاري ، فيه مكابدة وموقف ونظر وبشر وعلاقات وفضاء، فيه نسغ التاريخ بدءاً أو انتهاء بالراهن الاجتماعي أو السياسي والذاكرة الجماعية أو الفردية وإيقاع الفنون الأخرى … مما لا يفي بحقه أن يجري درس عنصر من عناصر تقنيته.فلا السارد وحده ، ولا المسرود ، ولا وسائل الخداع السردية أو الفعل أو النشاط التخييلي أو اللغوي أو الدلالي ينتج قصة،
المزيد
في نظرية الرواية (2)
نيسان 17th, 2008 كتبها د. حسين المناصرة نشر في , قراءات في الرواية,
لا تعليقات
في نظرية الرواية (2)
الرواية الجديدة /الشخصية
بقلم د. حسين الناصرة
" الرواية الجديدة تثور على كل القواعد، وتتنكر لكل الأصول ، وترفض كل القيم والجماليات التي كانت سائدة في كتابة الرواية التي أصبحت توصف بالتقليدية " عبد الملك مرتاض
"بحث في تقنيات السرد" هو العنوان التفسيري لكتاب " في نظرية الرواية" لعبد الملك مرتاض ، وتقنيات السرد كما نعرف هي الإشكاليات الفنية والجمالية المتصورة التي تنشأ عليها الكتابة السردية عموماً ، والرواية سيدة السرد تحديداً ، بما تمتلكه من عجائبية وسحرية ، جعلت عبد الملك مرتاض يبدأ كتابه في السطور الأولى من المقدمة بقوله :" الرواية ؛هذه العجائبية . هذا العالم السحري الجميل ، بلغتها وشخصياتها ، وأزمانها وأحيازها ، وأحداثها ، وما يعتور كل ذلك من خصيب الخيال ، وبديع الجمال ، ما شأنها؟ وما تقنياتها ؟ وما مشكلاتها ؟ وكيف نكتبها إذا كتبناها؟ وكيف نبني عناصرها إذا بنيناها ؟ وكيف نقرؤها إذا قرأناها؟ ". حيث يظهر هنا إشكالية نظرية الرواية التي ما زالت تشغل الدارسين على اعتبار أن عمرها الفعلي في ثقافتنا الإبداعية لا يزيد على قرن تقريباً .
ففي مقالة هذا الكتاب الأولى ( يتكون الكتاب من عشر مقالات)، وهي بعنوان "الرواية : الماهية ، والنشأة والتطور " يشير المؤلف ، كما أشار غيره من النقاد العرب من قبل،معتمدين على نقد الآخر ، وخاصة على نقد باختين ، إلى أن الرواية " تتخذ ..لنفسها ألف وجه ، وترتدي في هيئتها ألف رداء ، وتتشكل أمام القارئ ، تحت ألف شكل ، مما يعسر تعريفها تعريفاً جامعاً مانعاً ".لذلك ينشغل مرتاض مثل غيره في التفريق بين الرواية وبين أجناس أدبية أخرى كالملحمة ، والشعر ، والمسرحية؛ ليتوصل من مقارناته هذه إلى أن الرواية خطاب منفرد بذاته ، وفي الوقت نفسه جنس أدبي له ارتباطات وثيقة بعامة الأجناس الأدبية الأخرى ، لتبدو الرواية كأنها عالم شديد التعقيد ، متناهي التركيب ، متداخل الأصول ،لها علاقة قوية بالتاريخ ، والمجتمع، حاملة في بنيتها رؤية العالم.وهنا تصير الكتابة النقدية في ماهية الرواية كأنها كتابة إبداعية يتغزل فيها شاعر ما بسطوة حبيبته التي تملك كل الجماليات .
ويتحدث عن أثر المدرسة الأمريكية في تطور الرواية،وعن نوعين مهمين في فضاء الرواية ،وهما رواية التجسس المنتشرة في الغرب، والرواية الحربية أو الوطنية التي تعد أشهر الأنواع الروائية في الأدب العربي ،معتذراً عن متابعة الحديث عن أنواع الرواية الأخرى، وخاصة روايات الوثائق، والمسلسلة، والغرامية، والجنس، والطفل، والنفسية…
ولا نعتقد أن هذا الفصل ، أو هذه المقالة حملت شيئاً جديداً ، مفارقاً لما جاء في كتابات الموسوي تحديداً ، ونبيل سليمان ، وسامي سويدان ، وسعيد يقطين ، وغيرهم، وأبحاث الروائيين العرب في مؤتمراتهم المختلفة ، أو مفارقة لما جاء في كتاب "الخطاب الروائي" لباختين …وإشارات الكتاب كافية في توثيق كثير من الاقتباسات والمرجعيات الغربية، وكان يجدر بالمؤلف أن يهتم بكتابات النقاد والساردين العرب المحدثين للتأسيس لنظرية الرواية ، حتى يشعرنا بضرورة أهمية فاعليتنا الثقافية المعاصرة ، لا أن يجعلنا صدى سلبياً
المزيد
في نظرية الرواية (3)
نيسان 17th, 2008 كتبها د. حسين المناصرة نشر في , قراءات في الرواية,
لا تعليقات
في نظرية الرواية (3)
اللغة السردية
بقلم : د. حسين المناصرة
"أمر الكتابة قائم على العمل البارع باللغة والنسج بألفاظها،في دائرة نظامها،وليس هذا النسج الرفيع الكريم إلا في مقدور الفنانين المتألقين، والكتاب البارعين المتأنقين"عبد الملك مرتاض .
لم تكن مشكلة ازدواجية اللغة العربية تواجه اللغة الشعرية في تاريخها الطويل مثلما واجهت السرديات ، إذ كانت اللغة الشعرية أحادية شبه متوحدة ثقافياً، لأنها مستلة من لغة الثقافة الرسمية العليا المعبرة عن تمترس الشعراء في سياق اللغة الفصيحة العليا نسبياً،طبعاً نستثني من هذا التصور لغة الشعر الشعبي المكتوب باللهجات المحكية الدارجة،والذي لم تحفظ منه ثقافتنا اللغوية التراثية إلا الشيء القليل الشائع في السير والملاحم الشعبية.
وإذا كانت اللغة الشعرية تعتز دوماً بأنها لغة ممتلئة بمفردات المعاجم والثقافة اللغوية العليا،فإن اللغة السردية لم تحتفل بهذا السياق،لا في ماضيها،ولا في حاضرها.فهي كانت وما زالت تراعي ضرورة التواصل مع جمهور المتلقين بمختلف مستوياتهم،كما تحرص على التشبع بالتراكيب الشعبية العادية المألوفة في سياق الفصيح أو غير الفصيح …
وما دمنا نعترف بأن اللغة العربية التي نتعايش معها هي عدة مستويات ، أبرزها من الناحية الآلية اللغة المعجزة، واللغة الفصيحة العليا ، واللغة الفصيحة الثقافية ، واللغة الوسطى الصحفية ، واللغة الدارجة .. ومن الناحية الاجتماعية والثقافية متعددة بتعدد الأشخاص ..فإن هذا التصور لتعددية المستويات يجعل الكتابة السردية ، وهي التي تتفاعل مع شخصيات اجتماعية مختلفة ، ذات مستويات لغوية متعددة، بأصوات متداخلة ومتجاورة في السرد، ومن ثمّ لا يمكن أن تصنف اللغة السردية نفسها في سياق اللغة الشعرية الأحادية ، لأنها في نهاية الأمر لغة سردية متعددة بتعدد الأصوات ، و متنوعة بتنوع التراكيب الثقافية المنتجة في تصور الكاتب عن الشخصيات .
ولعل الإشكالية الرئيسة التي تبرز في لغة السرد هي إشكالية ازدواجية اللغة الفصيحة والعامية ، فهناك من يتشبث برفض دخول العامية إلى لغة الإبداع ، طالباً من الكتاب أن يراعوا في سردياتهم لغة الحال لا لغة اللسان .. ويقابل ذلك وجود فئة أخرى ، وخاصة من الكتاب السرديين أنفسهم الذين يرون ضرورة كتابة السرد أحياناً بلغة اللسان التي تنطق بها الشخصيات، وهي غالباً لهجات دارجة.
وإجمالاً كانت هاتان الرؤيتان أهم ما أنتج في النقد السردي في جانبه اللغوي، وكان الميل العام إلى أن تكون اللغة العربية الفصيحة الوسطى الصحفية التعليمية المبسطة هي لغة الكتابة السردية ، فتكون بذلك حافظت هذه اللغة على آلية الفصيحة من جهة ، وحافظت على حميمية العلاقة مع جمهور المتلقين من جهة ثانية . ولا مانع في كل الأحوال سردياً أن تكون اللغة العربية الفصيحة متعددة المستويات إذا كانت الغاية هي الحرص على الكتابة بلغة فصيحة مبسطة ، في سبيل التقليل من استخدام العامية الدارجة في لغة السرد .
وإجمالاً، فإن التراكيب الفصيحة هي التي تعتمد على سلامة التركيب النحوي ، وسلامة الاشتقاق اللغوي،وسلامة نطق الحركات… في حين تتحول الفصيحة إلى دارجة عامية عندما تكسر واحدة من هذه السلامات الثلاث أو غيرها.فإذا قلنا (سافر الرجلين) أو (دعيتهم إلى الندوة )، أو (كِيْفْ حالك ) نكون في سياق العامية ، وأن الأمر يحتاج إلى تحويرات بسيطة للغاية لنصبح في سياق الفصيحة، وهو سياق (سافر الرجل
المزيد
تقنيات السرد الشكلية (2)
نيسان 17th, 2008 كتبها د. حسين المناصرة نشر في , قراءات في الرواية,
لا تعليقات
تقنيات السرد الشكلية(2) بقلم: د. حسين المناصرة
" إن مسألة الشكل ليست مسألة شكلية ، بل هي مسألة معرفة موضوعها الشكل ؛ أي بنية القول" يمنى العيد.
إن أية رؤية تتقصد رفض المناهج الشكلية بكافة اتجاهاتها التي تقدس الشكل وتبتذل المضامين والرؤى والدلالات ، هي رؤية لا تعني إطلاقاً الاعتراض على ما ينجز من تقنيات فنية شكلية في فضاء المناهج الشكلية ؛ لأن مثل هذا الإنجاز يقدم صياغات مهمة في تفعيل كل نقد إشكالي منتج مهما كانت نوعية السقف المنهجي الذي يدور في فلكه … بل إن المشكلة المعمقة لرفض المناهج الشكلية تكمن في تلك القدسية الخاصة التي تعطى للشكل مقابل التنكر للتأويل وقراءة المضامين والرؤى ، الأمر الذي يولد المأزقية المنهجية في بنى مثل تلك المنهجيات الشكلية ، مما يعني حدوث ردود الفعل الرافضة ، ومن هذه الناحية يمكن أن ندرك المفارقة الكيرى بين البنيوية التوليدية والبنيوية الشكلية ؛ حيث تنجز التوليدية علاقة انسجام نصية بين سياقي المعنى والمبنى في النص، في حين تبقى الشكلية دائرة في فضاءات ظاهراتية إحصائية عدمية مفرغة …
ومعنى ذلك أن القراءات الشكلية لن تصبح مهمة أو منجزة إلا بقدر تفعيلها للجانب المنسي من النص في مقارباتها،بحيث تطور من جدلية العلاقة بين الشكل والمضمون في سياق تلاحمي يدخل التقنية والمنتج في لغة دينامية حميمية ترفض أن تكون شكلية فحسب…
ولعل الفشل الذي حظيت به المناهج الشكلية على مستويات التلقي العام يشابه إلى حد ما الفشل الذي حظيت به مناهج المضامين في النقد المعاصر ، وذلك عندما أهملت منهجيات المضامين أية تقنيات شكلية أو جمالية ، قاصرة النص الأدبي على أطر تاريخية واجتماعية ورؤيوية وتفسيرية … معرية مقارباتها من فاعلية جوهرية يجب أن يمتلكها كل نص إبداعي متميز ، ونقصد بهذه الجوهرية جماليات النص وتقنياته الفنية التي تفصل بين الفني وغير الفني … ومن ثمّ لا صلاحية لحجج تقال للفصل بين المتلاحمين ، كأن يقال:" جودة النص مفروغ منها " في مناهج المضامين ،أو " رسالة النص يصل إليها كل قارئ" في مناهج الأشكال …!!
* * *
ما أنجزته يمنى العيد من خلال النقد الغربي على مستوى تقنيات الحكاية الشكلية في السرديات في كتابها " تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي " يبقى سياقاً شكلياً إحصائياً للأفعال والشخصيات والحوافز ،وأنه لن يصبح ذا قيمة معرفية وجمالية إلا إذا أدمج في إطار الكشف عن الرؤى والدلالات لتأويل النص من خلال سياق التلاحم بين بعدي المبنى والمعنى ، مما يفضي باللغة إلى غاية أو هدف أو سياق رسائلي جمالي معرفي إنتاجي .وبذلك فعلى الأفعال والشخصيات والحوافز المشكلة للحكاية ألا تبقى رهينة الشكل كوسيلة وغاية ، إذ لا بد من دخولها إلى فضاء التأويل الذي ينجز قيمتين : إحداهما رؤيوية، والأخرى جمالية.
* * *
في الفصل الخاص ببنية العمل السردي الروائي م
المزيد
الرواية والشكل التراثي
نيسان 11th, 2008 كتبها د. حسين المناصرة نشر في , قراءات في الرواية,
لا تعليقات
الشكل التراثي وتطبيقاته في الرواية العربية
بقلم : حسين المناصرة
" الرواية أكثر قدرة من الخطابات العربية الأخرى إبداعية وفكرية في التفاعل مع النص التراثي" . سعيد يقطين
من يتابع الدراسات النقدية المغربية يجد احتفالية منهجية خاصة بالتراث العربي والإسلامي، ولعل مرد هذه الاحتفالية يعود إلى تعميق التفاعل العربي التراثي مع المنهجيات الغربية وخاصة الفرنسية.. لذلك تصبح العلاقة مع النصوص علاقة نوعية متخصصة لا علاقة كمية أفقية قائمة على الشرح وتـناول الظواهر .
ها هو سعيد يقطين يعلن بمرارة في كتابه " الرواية والتراث السردي من أجل وعي جديد بالتراث " ( المركز الثقافي العربي ، بيروت والدار البيضاء ، 1992م) تألمه من الصورة التي يتصورها المشارقة عن المغاربة؛ وذلك عندما يتصورونهم بأنهم دعاة تغريب، أو عندما يتعجبون من حديثهم بعربية فصيحة بلا أخطاء ولا لحن.
إن كتابات سعيد يقطين مثل" انفتاح النص الروائي" و"تحليل الخطاب الروائي" و"الرواية والتراث السردي" ..تحاول جادة استقراء علاقة النص الروائي بالتراث؛ لأن الرواية من وجهة نظره " أكثر قدرة من الخطابات العربية الأخرى إبداعية وفكرية في التفاعل مع النص التراثي ومع الواقع العربي ومع العصر الحديث الذي نعيش فيه " .
صورتان للتناص:
يحدد يقطين العلاقة التواصلية للرواية العربية الحديثة مع التراث السردي في صورتين :
الأولى : الانطلاق من نص سردي قديم كشكل واعتماده منطلقاً لإنجاز نص روائي حديث .. كأن يتم الانطلاق من أسلوب المقامة أو الرسالة أو الرحلة أو كتابة المشاهدات وحكي الوقائع …ومن الروايات المهمة في هذا الجانب "رحلة ابن فطومة" لمحفوظ ، و"تغريبة بني حتحوت" لمجيد طوبيا ، و"الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد آبي النحس المتشائل" لإميل حبيبي، و"حدث أبو هريرة قال" لمحمود المسعدي.
الثانية : الانطلاق من نص سردي قديم محدد الهوية مثل انطلاق "الزيني بركات" لجمال الغيطاني من "بدائع الزهور" لابن إياس، و"ليالي ألف ليلة" لنجيب محفوظ من ليالي "ألف ليلة وليلة"، و"نوار اللوز : تغريبة صالح بن عامر الزوفري" لواسيني الأعرج من "تغريبة بني هلال"، و "ليون الأفريقي" لأمين معلوف من "وصف أفريقيا" للحسن بن محمد الوزان …ومن هذه الزاوية ينطلق سعيد يقطين في معالجة مادة كتابه..حيث يستفيد كثيراً من نظرية جيرار جينيت في التناص؛ وذلك عندما يحدد الأخير أنواع التعالق النصي في ستة أنواع هي :المحاكاة الساخرة، والتحريف، والمعارضة، والمغالاة، والمواضعة، والاختراع .
والرواية العربية الحديثة كما يقول يقطين " قدمت لنا قراءات خاصة لهذا التراث، تبرز خصوصيتها في الكتابات الروائية التي تظهر إنتاجيتها في تقديم نصوص جديدة ؛ تتأسس على قاعدة استلهام النص السردي القديم، واستيعاب بنياته الدالة، وصياغتها بشكل يقدم امتداد التراث في الواقع ،وعملها على إنجاز قراءة للتاريخ وتجسيد موقف منه بناء على ما تستدعيه مقتضيات ومتطلبات الحاضر والمستقبل" .
فضاءات التناص : بناء الشكل
تحت عنوان الرواية والتراث جدل التفاعل والإبداع ،يقدم سعيد يقطين قراءة متميزة تحاول ترسيم العلاقة بين الرواية الحديثة وبعض النصوص السردية التراثية، فهو يقدم أربعة أنساق أساسية تقيم جدلية التفاعل والإبداع ؛ بحيث تكون الرواية نصاً عميق الصلة بالتراث وخاصة الحكاية والسيرة الشعبية والرحلة والتاريخ ،وفي الوقت نفسه تتحقق روائية الرواية؛ لأنها نص إبداعي " يستدعي الأنواع القديمة ويسلبها نوعيتها معيداً بذلك نظمها وصياغتها … الشيء الذي يجعل القارئ يرى في هذه النصوص أنها بقدر ما تتعلق بالسرد التراثي الذي تفاعلت معه تفترق عنه، وبقدر ما تعيد بناءه تهدمه، وبقدر ما تحاكيه تحوله وتعارضه " .
لكن المهم هو أن سعيد يقطين يرسم أربعة جوانب للعلاقة بين الرواية والتراث هي :
1. المادة الحكائية : وهي الشخصيات والفضاء والزمان والأحداث …والمادة الحكائية تحكمها تيمة ثنائية التحويل / المحاكاة ؛ فأبو زيد - على سبيل المثال- هو أحد أبطال التغريبة الأشاوس ،ولكنه يصيح في رواية نوار اللوز انتهازياً خائفاً قواداً …أما "ألف ليلة وليلة" خزان النصوص فتصبح في ليالي نجيب محفوظ نصاً منسجماً له بداية ونهاية …
2 . الخطاب : وهو الزمن السردي والمنظور السردي؛ فالرواية الجديدة تقوم على تكسير خطية الزمن التسلسلي وتكسير عمودية السرد التي تميز النصوص التراثية .. يضاف إلى ذلك وجود تعددية صوتية سردية في الرواية مقابل محدودية ذلك كمنظور سردي في التراث .
3 . الأسلوب : وهو المحاكاة أو التحويل في اللغة والذي يجيء في الرواية المتأثرة بالتراث في صياغة الثقافة الشعبية أو في صياغة الثقافة الرسمية .
4 . الدلالة : لعل هناك تشابهاً كبيراً في الدلالة بين النصين الروائي والتراثي؛ لأن "الكاتب وهو ينجز نصه يقوم بذلك ضمن سياق ثقافي واجتماعي وسياسي محدد القضايا والسمات والمشاكل ".
وينتهي يقطين إلى تأكيد أن الرواية العربية المعاصرة ما هي إلا " تمثيل لجدل التفاعل مع النص والواقع الذاتي والعصر، وأنها أخيراً تعبير عن جدل الإبداع الروائي في تفاعله مع التاريخ والواقع " .
وتتحدد مناخات التراث السردي المستقصد في بعض الروايات التي يتناولها هذا الكتاب بفضاءات الحكاية والسيرة الشعبية والرحلة والتاريخ .
الحكاية :
استطاع نجيب محفوظ في رواياته الأخيرة أن " يقيم علاقات خاصة مع بعض الأشكال السردية العربية الكلاسيكية، ويسعى إلى ترهينها من خلال إبداع روائي جديد، كما نجد في رحلة ابن فطومة وملحمة الحرافيش وبالأخص في ليالي ألف ليلة " .
تتوالد الحكايات في "ألف ليلة وليلة" تحت نسق الانطلاق من العجيب إلى الأعجب إلى الأكثر عجباً في ظل حكاية إطارية كبرى تحوي مجموعة كبيرة من الحكايات العجيبة؛ لتنتهي الليالي بالعفو عن شهرزاد .
ويسمي يقطين هذه الحركة السردية بمبدأ الزمن -العجب ؛ وهو المبدأ نفسه الذي يتحقق في ليالي ألف ليلة لنجيب محفوظ. فهذه الرواية تشابه النص الأصلي " في مادة حكيه وبعض ميزاته النوعية وبالأخص بعده العجائبي الناظم والمولد للعديد من الأحداث والشخصيات …(مع) تحويل النص السابق إلى نص جديد مغاير للنص المحول" .
السيرة الشعبية :
تعد التغريبة في التراث العربي من أهم السرديات ذات البناء الملحمي القائم على التتابع الزمني .
وتتلخص حكاية التغريبة في خروج بني هلال من نجد إلى المغرب؛ حيث تقع الحرب بينهم وبين قوم الزناتي خليفة، فينتصر بنو هلال لتقع الحرب بين أفراد القبيلة على الأرض والسلطة …
ويبدو أن هناك روايات كثيرة حاولت أن تتخذ من تغريبة بني هلال فضاء للكتابة، كما هو حال رواية " تغريبة بني حتحوت" لمجيد طوبيا ، و رواية " نوار اللوز: تغريبة صالح بن عامر الزوفري " لواسيني الأعرج التي يقيم عليها يقطين مقاربته .
إذ هناك تشابه في المضمون بين الرواية والتغريبة، خاصة أن صالح بن عامر الزوفري هو رمز لآخرين متشابهين معه، جاهدوا في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، وبعد أن تحرروا من الاستعمار بدأت الحرب بينهم أنفسهم في مثل مواصفات بني هلال :
" كان بنو هلال متحدين وهم يواجهون مقاومة المغاربة، لكن ما أن انتهى الأمر إليهم حتى انقسموا وكل يكيد للآخر لا فرق بين الزمن الماضي والجديد كما أنه
المزيد
أسلوبية الرواية بقلم :حسين المناصرة
نيسان 11th, 2008 كتبها د. حسين المناصرة نشر في , قراءات في الرواية,
تعليق واحد
أسلوبية الرواية
التعددية الحوارية والرؤيوية وثقافة نقد الشعر.
"عندما نتحدث عن بلاغة الرواية ينبغي أن نجعلها متصلة بميدان أوسع ، وهو الأسلوبية بمعناها الوظيفي…الرواية ككل يمكن النظر إليها هي نفسها باعتبارها استعارة تمثيلية كبرى…وأن الطابع الأسلوبي للرواية يتحدد بزاوية نظر الراوي؛ مما يكون له أثر مباشر على تحديد هوية الرواية ، أي فيما إذا كانت :منولوجية أم حوارية". حميد لحمداني
ما مدى المفارقة بين أسلوبية الشعر وأسلوبية الرواية ؟ وما مدى الخلط المنهجي بين الأسلوبيتين؟ وما هي منهجية الخروج من مأزقية هيمنة ثقافة الشعر على ثقافة الرواية من الناحية الأسلوبية ؟ وكيف يمكن التأسيس لثقافة نقدية سردية في مجال الأسلوبية ؟
يناقش كتاب " أسلوبية الرواية : مدخل نظري " (منشورات دراسات سال ، الدار البيضاء ،1989) لحميد لحمداني قضية إشكالية طريفة في مجالها العربي ، ولها ريادتها بكل تأكيد ، فالكتاب تأسيس للرواية في مجال الأسلوبية اعتماداً على ما قدم في الثقافة النقدية الغربية . علماً بأن الأسلوبية التقليدية من الصعب أن تكون آلية فاعلة في الرواية التي تتميز بشبكة معقدة من العلاقات الفنية والحياتية العصية على أسلوبية تقليدية شاعت في الدراسات الشعرية عموماً.
فالمؤلف يطرح بداية تساؤلين مهمين : الأول " لماذا لم تقم في العالم العربي (وفي الغرب إلى حد ما) بلاغة أو أسلوبية خاصة بالرواية ؟" . والثاني يتصوره مطروحاً من النقاد العرب الذين مارسوا أسلوبية الشعر، وهو :" كيف يمكن لفن (الرواية) يفسح المجال لكل ضروب وأصناف الأساليب الاجتماعية " المنحطة " أن يضاهي لغة الشعر العليا ؟"
من هذين السؤالين يجيء الكتاب كما يقول مؤلفة "محاولة أولى في العالم العربي-حسب علمنا-لوضع إشكالية ما يسمى ببلاغة الرواية وأسلوبيتها على بساط البحث بهذا المستوى من الإسهاب".
ويقر المؤلف بداية بأهمية أبحاث ميخائيل باختين في فضاء أسلوبية الرواية ، فهو رائد في هذا المجال ، حيث حدد المفارقات بين الأسلوبيتين من خلال تعددية اللغة، وتعددية الأصوات وحواريتها في الرواية ، مقابل أحادية ذلك كله في الشعر ، الأمر الذي أغفله الإرث النقدي الأسلوبي التقليدي ، لذلك سعى الوعي السردي الجديد إلى التميز أسلوبياً عن الشعر ، فـ" صوت الكاتب في الشعر الغنائي يعتبر جوهرياً ، بحيث يبدو لنا تعريف الأسلوب بأنه الكاتب ، صالحاً للتطبيق دون خطورة كبيرة (..لكن ) الخاصية الجوهرية في النوع الروائي - مونولوجياً كان أم حوارياً - فتتعارض بمستويات مختلفة ، مع أي توجه أسلوبي أحادي وفردي مباشر ، لأنّ الفن الروائي يقوم بالضرورة على مبدأ التعددية الأسلوبية".
أما البلاغة العربية فهي لم تقدم فضاء أسلوبياً أو بلاغياً لقراءة الرواية ، ولعل هذا ناتج عن طبيعة الرواية التمثيلية والتشخيصية ، ويكون المبدع فيها مدفوعاً إلى تنويع الأبطال من مختلف المستويات الاجتماعية والفكرية ، وما دام القصور موجوداً في السياق التراثي؛ فإن المؤلف يعدّ باختين المرجع الرئيس لكل أسلوبية معاصرة للفن الروائي … مضيفاً إلى ذلك أهمية الفصل بين نوعين من الرواية من الناحية الأسلوبية وهما : الرواية المونولوجية ، والرواية الديالوجية ؛ ليتم بعد ذلك التمييز بين أسلوبي السرد والحوار، مراعاة للتفريق بين لغة المؤلف واللغة التي يتصورها للشخصيات التي تشتغل في السرد .وهنا يناقش مقاربات باختين وبوزيمان ولبوك .. وهي مقاربات تؤكد أن " الروائي لا يقول ما يريده بواسطة أسلوبه الفردي الخاص ، ولكن بواسطة مزج كامل لأسلوبه بأساليب الآخرين ، أي بواسطة أسلوب مؤسلب ".
* * *
وفي جانب آخر غير تعددية اللغات ، تتمظهر أسلوبية الرواية في المفارقة بين الرؤية الأحادية ( الشعر والرواية المنولوجية ) وبين الرؤية الشمولية ( الرواية الديالوجية أو الحوارية )، فأسلبة الرؤية تتحدد في ثلاثة أساليب رئيسة هي :
1. النظرة الحوارية التي يقدم فيها المؤلف وجهات النظر المتعددة للواقع .
2. النظرة الذاتية التي يقدم فيها الروائي منظوره الخاص .
3. النظرة الإديولوجية المباشرة ؛ حيث يميل الروائي " إلى نفي الرؤى والتصورات الأخرى ليترك المجال لعرض مشروعه الخاص ".
من هذه النظرات ينشأ الواقع في الرواية من خلال رؤية شمولية ، أو رؤية أحادية تمويهية، أو رؤية أحادية .
ولعل المقارنة بين روايتي الديالوجية والمنولوجية على أساس الرؤية ، يظهر المفارقة الجمالية بين الروايتين ، حيث " الرواية الديالوجية تخلق جماليتها من خلال توزيع الأدوار وتعددية الرواة
المزيد
الرواية وعقدة الذنب
نيسان 11th, 2008 كتبها د. حسين المناصرة نشر في , قراءات في الرواية,
لا تعليقات
أنقد للذات أم عقدة ذنب؟!
بقلم : د. حسين المناصرة
"في الأدب العربي كان الإحساس بالذنب قد تبلور إلى نقد للذات، وفي الأدب الإسرائيلي كان الإحساس بالذنب الزائف يبرر بالواقع "
مصطفى عبد الغني
إشكالية الكتاب :
يعد مصفى عبد الغني من النقاد المكثرين ، حيث تجاوزت مؤلفاته الخمسة والعشرين كتاباً حتى زمن صدور كتابه " نقد الذات في الرواية الفلسطينية"( سينا للنشر ، القاهرة ، 1994م ) . وأغلب كتبه قراءات في المضامين الأدبية والفكرية ، بالرغم كون عناوينها مثيرة وإشكالية على نحو: " شهرزاد في الفكر العربي الحديث "، و" عبد الرحمن الشرقاوي متمرداً " ، و " نجيب محفوظ : الثورة والتصوف "، و " الخروج من التاريخ : مدن الملح "، و " المثقفون والخليج"، ومن ثمّ تصبح كتبه ذات طابع إعلامي لا نقدي عمودي .
ولعل كتابه " نقد الذات في الرواية الفلسطينية " من أكثر الكتب إثارة بالنسبة لي على أقل تقدير؛ إذ تبدو الإثارة من جهة عنوانه أولاً .وقد لا يكون العنوان مثيراً لدى بعض القراء البعيدين عن فضاء القضية الفلسطينية في تاريخها التصارعي الطويل مع الاحتلال الصهيوني، كما أن نقد الذات قد يكون من جهة أخرى إشكالية متوافرة في أي رواية عربية ..!! .
على أية حال ، إن المفارقة التي يبني عليها المؤلف كتابه مثبته في السفر الأول من كلامه، وذلك من خلال قوله: " في الأدب الفلسطيني ليس لدينا عقدة ذنب ، وإنما هو نقد للذات (..) العقدة عند اليهودي - تنشأ في الأصل لتبرير الجرائم التي ارتكبت ضد العرب ، ويزخر بها أدبهم منذ 1948 ".
وبذلك ينفي المؤلف عقدة الذنب عن الخطاب الأدبي الفلسطيني ، وفي الوقت نفسه يثبتها في دائرة الأدب اليهودي أو بالأحرى الصهيوني ..ولعل هذا الموقف من المحتمل أن يدخل المؤلف في الدائرة التبريرية ، ومن ثمّ في التنظير السياسي من خلال إشكالية " سيانفسية " .
الرواية مجال خصب للإسقاط :
قد يكون هناك من وجهة نظر نقدية " اجتماعية- نفسية " فوارق بسيطة بين عقدة الذنب ونقد الذات، لكنهما على المستوى العمودي تتعايشان في تضاد عميق ، إذ هما مصطلحان متناقضان ، فنقد الذات ظاهرة إيجابية يحاكم فيها الإنسان نفسه ، وتصرفاته؛ ليتجاوز عيوبه، محققاً حالة من الانسجام مع الذات والآخر، والإنسان من هذه الناحية يتشكل في بنية إيجابية ، هدفها تفعيل الذات ، وتخليصها من الأمراض الشوفينية والعصابية .
في حين تعد عقدة الذنب مرضاً نفسياً يدخل الفرد في صراعات ذاتية وعلائقية قد تفضي به إلى سلوكين عنيفين ، هما المازوخية ( جلد الذات ) والسادية ( جلد الآخر).
ما فعله المؤلف هو استعراض لبعض الروايات الفلسطينية وبعض النصوص اليهودية تحت سقف " عقدة الذنب / نقد الذات ، مقسماً الروايات الفلسطينية في عدة تيارات فكرية هي : التمرد ، والتحرر ، والتغيير ، والغضب ، والانتفاضة ، واستشراف المستقبل .
وبكل تأكيد سيجد المتلقي في هذه المحاور أو التيارات لغة نقدية تعميمية ، تلوي أعناق النصوص لإثبات الفرضيات الإسقاطية المسبقة . ليس من حقنا إلغاء أية مقاربة ممكنة لأي نص ، إنما من حقنا كمتلقين أن نختلف ونتجادل ، ليبقى الباب مفتوحاً ومشرعاً لقراءات متعددة لغوية وتاريخية واجتماعية ونفسية وجمالية وفكرية …
الرواية الفلسطينية رواية عربية :
يعرف المؤلف عقدة الذنب على أساس أنها " نوع من مركب نقص تعكس لدى صاحبها انفعالاً لا شعورياً كامنا في الأعماق (..) يظل تأثيره ضاغطاً على الوجدان البشري(..) مرجعه في الغالب إلى الإحساس بالعجز أمام ما يواجه ، ومن ثم السقوط في هوة العجز التام (..مما ) يولد حساً بضرورة الخلاص منه ، وفي حالة استمرار هذه الحالة الضاغطة العنيفة يتولد " حساً " آخر يقترن بالتبرير ومحاولة سوق الحجة تلو الحجة للخلاص (..) أو للتطهير من ربقة هذا الشعور القاسي ".
فهذا التعريف الحاد ( القاسي ) يصبح من خلال استعراض المؤلف لعقدة الذنب الموجودة في ع