وع الرسالة: سيميائية العنونة في رواية "عاهرة ونصف مجنون " لحنا رد مع اشارة الى الموضوع Back to top
سيميائية العنونة في رواية "عاهرة ونصف مجنون " لحنا مينا
الكاتب: بسمات سالم
تقع الرواية في ست وثمانين صفحة من القطع المتوسط ،صدرت عن دار الآداب –بيروت عام(2008) وحدد الكاتب الجنس الأدبي بـ"رواية ، يبدو العنوان أو الواجهة الإعلامية للنص "عاهرة ونصف مجنون " لافتا لنظر القارئ أومن يرتاد المكتبة لابتياع بعض الكتب لما فيه من جرأة ،لم نعتدها في عناوين روايات الكاتب حنا مينا السابقة ، ويثير العنوان تساؤلا: فلماذا نعت المرأة بـ العاهرة ولماذا هو بـ " نصف المجنون " ؟.
يتكون العنوان من ثلاث كلمات تشكل جملة اسمية ، وتدل على الشخصيتين الرئيسيتين في الرواية (لورانس شعلول وفايز غضنفر) وهما محور الأحداث ، وحين تدلف لقراءة المتن الحكائي تجد أن الكاتب حنا مينا قسمه إلى أربعة أجزاء مرقمة من 1-4 دون عنونه .
تدور الأحداث في الأجزاء الثلاثة الأولى عن بطلة الرواية العاهرة المثقفة اللاتنمائية " " لورانس شعلول ". يستغرق الجزء الأول الصفحات(5-18 ) يقص فيها عن الأسباب التي أدت إلى انحراف البطلة ، والجزء الثاني (19-29 ) يقص فيه عن لورانس ضحية الفقر والبؤس ونتعرف إلى فلسفتها في الحياة، وأنها على الرغم من انحرافها إلا أنها أصبحت كاتبة معروفة ، وفي الجزء الثالث (31-45 ) يقص عن علاقة البطلة بالسيدة الثرية الشاذة "بدور" التي حولتها إلى امرأة شاذة، سحاقية ، ليقص عنها في سبع وثلاثين صفحة باترا الموضوع، مثيرا التساؤل في ذهن القارئ . وفي الجزء الرابع في الصفحات (47- 93 ) نكتشف أن الكاتب يقص عن ذاته مستخدما ضمير المخاطب ناعتا نفسه بنعوت كثيرة منها " أيوب القرن الواحد والعشرين " " ومكررا صفة " فصيح " وهنا نطلع على السيرة الذاتية لحنا مينا في ست وأربعين صفحة ، ليعود في الصفحات ( 93-95) يؤكد على قضية لورانس ويعد أن يكمل قصتها في رواية متكاملة .
العلاقة بين العنوان والنص
نرى أن العنوان في نصفه الأول " عاهرة " كاشف لأنه تحدث عن معاناة العاهرة الشبقة السحاقية لورانس شعلول ، ويتوقع القارئ أن يقرأ مغامراتها مع نصف المجنون وخاصة انه "غضنفر" وهي " شعلول " ليفاجأ أن نصف المجنون هو المؤلف نفسه حنا مينا متحدثا عن جنون المتعقل في سيرة ذاتية مراوغة، فلم يفز فايز غضنفر بقبس من شعلول فكانت كل قصة تعكس معاناة بطلها .
ان شذوذ لورانس وانحرافها سببه الفقر، ومحنتها حولتها إلى امرأة عاهرة تتكسب بجسدها ،وهي لا تتجاوز الثانية عشرة من عمرها . فكانت طفلة تنام على خاصرة أمها تعانى حين كان والدها يقوم بواجبه الزوجي ظنا منه أن أطفاله نائمون ، فقد أصبح معروفا لدى الأطفال متى يقوم الزوج بواجبه، كونه لا ينام بجانب زوجته إلا مرة أو مرتين في الأسبوع حين يعلن ،" الليلة سأنام على السرير "ص5 .
كان حظ لورنس الأسوأ ؛ لان أخوتها يفترشون الأرض وهي تنام في حضن أمها ولعدم قدرة الزوج على كبح غرائزه الجنسية ، تعيش الطفلة أحداث اللعبة الجنسية بين والديها، وتتذوق معاناة والدتها التي تقاوم رغبة الزوج الجامحة فكانت" تسمع ما يجري بشكل مبهم ، بعض الكلمات المعروفة بأسمائها ، تحبس أنفاسها قدر المستطاع ،تتعذب ، تحب أمها ، تكره والدها ، تريده أن يموت ، أن يكف عن النوم مع أمها "ص11 .
وما يزيد من معاناة شعلول تعرفها بالثرية الشاذة " بدور" التي كانت " تكره الرجال، وتحب الكواعب حب الموت" ص35 ، وتعمل لورانس بحنكة فتجعل السيدة " بدور" تدمنها ،فلا تستطيع العيش بدونها فتحصل لورانس على الأموال والحلي والملابس الفاخرة ، وتلتحق بكلية الآداب لتنفق عليها بدور مقابل الاستمرار في الحصول على اللذة والمتعة ، وبهذا استغلت إمكاناتها الجسدية بعقلانية ودهاء ، فحققت العلم والمال والمتعة .
لم يطلعنا الكاتب على الملامح الشخصية للورانس وإنما اكتفى بوصف مبتسر لما يفتن من أوصاف مادية للجسد الذي تكسبت به كونها رأت انه التجارة الرابحة .ولم نتعرف على شخصية لورانس من الداخل كونها الشخصية الرئيسة في الرواية ، وإنما طوع الشخصية كأداة لتصوير الأحداث ونقل الوقائع المثقلة بالهموم ،و تعكس بؤس الواقع العربي ، وما يعانيه من الجهل و الفقر المدقع ، وما يترتب على ذلك من أثار نفسية ، ومشكلات اجتماعية ، واقتصادية .. ، ويطرح الكاتب من خلال قصة لورانس العلاقة بين الفقر والجنس وكيف تتحول العلاقة بين الزوجين بمرور الزمن إلى أداء واجب ، ، وأكد أن الفقر يقتل الحب ، ويميت اللذة ، ويجعل الأزواج يتبادلا الشتائم وقت الاتصال، فقد كان الأب ينعت الأم بقوله يا عاهرة .. يا عايبة يا... فكأن الحب تحول إلى اغتصاب مقزز لا متعه وراحة للنفس والجسد ومن ذلك " لا تكمل وإلا رفستك برجلي.. فاهم ؟أنت، في هذه الشغلة على نار .. نار تحرقك أن شاء الله .. " ص10"
أما نصف المجنون فنقرأ في الرواية عن طفولته مولدة عن فقره ومعاناته طفلا، وشابا وكهلا ،فقره الذي اضطره للعمل غير عمل، حيث عمل أجيرا عند مؤجر دراجات ، وفي صيدلية ، و مربيا للأطفال ، حلاقا، وحمالا ، وبحارا ، ونقرأ عن معاناته من الفقر في أكثر من موضع ،الفقر الذي أدى بأمه وأخواته للخدمة في البيوت ومن ذلك "الفقر نوعان : ابيض الذي تعيشه الآن ، وأسود الذي عشته منذ وعيت الوجود ،حين كنت عريان إلا من خروق تستر لحمك ، وكنت حافيا ، جائعا "ص55 .
ونقرأ في غير موضع عن حبه للاذقية ودمشق ،وشغفه بالبحر ، عن غربته، عن نفيه ، وسجنه، ومشاركته بالمظاهرات ضد الاستعمار الفرنسي .. ونقرأ قصصا ومواقف عن مفاصل حياته عاشها، وتعلم منها ،وعكست فلسفته في الحياة ، وعن أحلامه وأماله وخيباته المتكررة ، وتنقله في البلاد حاملا حكمة جارته مبدأ يحصنه من الانزلاق " اسمع يا فصيح ، الرجل لا تذله سوى شهوته فلا تدع شهوتك تذلك " ص58.
ويعالج الكاتب في متنه الحكائي قضايا عدة منها ظاهر الكتابة عند المرأة ، ورغبة بعضهن بالشهرة السريعة ، و قضية تحرر المرأة،ويتحدث عن أصول الكتابة الروائية ، وأدوات الروائي وأهمية علم النفس للروائي مضمنا روايته الكثير من الأقوال ، والأشعار، وأراء الحكماء، والشعراء ، والكتاب ، وعلماء النفس ، ويقحم في روايته الكثير من القصص والحكايا معللا ذلك بكونه حكاء " هذا لأنك حكّاء ، وكاتب الرواية حكّاء ، ويرش على حكاياته " بودرة الفن ، إخفاء لعيوبها ، ومخادعة للقراء " ص76 و يؤكد الكاتب في نهاية الرواية أنه خلق شخصية لورانس وتعلم منها " كاتب هذه السطور هو الذي خلق لورانس شعلول وهو الذي تعلم منها أشياء كثيرة " ص95.
في خضم هذه السيرة ينسى القارئ اسم البطل "فايز غضنفر" الذي لم يأت على ذكره سوى مرة أو مرتين لتطغى بالمقابل شخصية الكاتب حنا مينا، وتستحوذ على تفكير القارئ.
نجد في ثنايا الرواية إشارات كثير تحيلنا بشكل دائم إلى العنوان منها " إن شريك لورانس في تحبير هذه الرواية نصف عاقل نصف مجنون "ص53-54 " وأيضا حين يؤكد مرارا حبه لنصفه المجنون أكثر " نصف مجنون نصف عاقل ، وتحب نصفك المجنون أكثر !" ص65 " أنا نصف مجنون نصف عاقل ، وأفضل نصفي المجنون على نصفي العاقل " ص70 و يخاطب ذاته بتكرار لفظة "يا فصيح " قد يكون بذلك ساخرا ومناقضا للعنوان فالفصيح عاقل وليس مجنونا، ولماذا لم ينعت لورانس بنصف مجنونة ؟ ! ففي نصفها العاقل كانت امرأة جامعية مثقفة وكاتبة مشهورة وفي نصفها المجنون كانت عاهرة ، ومن منا لا تخرجه الأحداث عن تعقله وتفقده صوابه .
رأى حنا مينا وهو على مشارف الثمانين من العمر أن يخرج عصارة تجاربه وفلسفته في الحياة للقراء ليقف في هذه السيرة موقف الناصح ، والمعلم مبرزا أهمية وعي الذات ، وكيف استطاع ان يحفر الصخر ، ويركب ظهر المجن ليصبح شخصية مشهورة مرموقة وبهذا جمع الكاتب بين الخاص والعام في روايته .
والسؤال ما الرابط بين القصتين التي جمعت بين الخيال في الأولى والواقع الشخصي لحنا مينا في الثانية ؟ لعل بؤس الواقع العربي وتشرذمه والفقر والجهل هي قواسم مشتركة بين المتخيل والواقع في الرواية، وعلى هذا يأتي العنوان واضحا ولكنه يتضح أكثر بعد قراءة النص ، وليكشف الصلة بين العنوان والنص .
سيميائية العنونة في رواية "عاهرة ونصف مجنون " لحنا مينا
الكاتب: بسمات سالم
تقع الرواية في ست وثمانين صفحة من القطع المتوسط ،صدرت عن دار الآداب –بيروت عام(2008) وحدد الكاتب الجنس الأدبي بـ"رواية ، يبدو العنوان أو الواجهة الإعلامية للنص "عاهرة ونصف مجنون " لافتا لنظر القارئ أومن يرتاد المكتبة لابتياع بعض الكتب لما فيه من جرأة ،لم نعتدها في عناوين روايات الكاتب حنا مينا السابقة ، ويثير العنوان تساؤلا: فلماذا نعت المرأة بـ العاهرة ولماذا هو بـ " نصف المجنون " ؟.
يتكون العنوان من ثلاث كلمات تشكل جملة اسمية ، وتدل على الشخصيتين الرئيسيتين في الرواية (لورانس شعلول وفايز غضنفر) وهما محور الأحداث ، وحين تدلف لقراءة المتن الحكائي تجد أن الكاتب حنا مينا قسمه إلى أربعة أجزاء مرقمة من 1-4 دون عنونه .
تدور الأحداث في الأجزاء الثلاثة الأولى عن بطلة الرواية العاهرة المثقفة اللاتنمائية " " لورانس شعلول ". يستغرق الجزء الأول الصفحات(5-18 ) يقص فيها عن الأسباب التي أدت إلى انحراف البطلة ، والجزء الثاني (19-29 ) يقص فيه عن لورانس ضحية الفقر والبؤس ونتعرف إلى فلسفتها في الحياة، وأنها على الرغم من انحرافها إلا أنها أصبحت كاتبة معروفة ، وفي الجزء الثالث (31-45 ) يقص عن علاقة البطلة بالسيدة الثرية الشاذة "بدور" التي حولتها إلى امرأة شاذة، سحاقية ، ليقص عنها في سبع وثلاثين صفحة باترا الموضوع، مثيرا التساؤل في ذهن القارئ . وفي الجزء الرابع في الصفحات (47- 93 ) نكتشف أن الكاتب يقص عن ذاته مستخدما ضمير المخاطب ناعتا نفسه بنعوت كثيرة منها " أيوب القرن الواحد والعشرين " " ومكررا صفة " فصيح " وهنا نطلع على السيرة الذاتية لحنا مينا في ست وأربعين صفحة ، ليعود في الصفحات ( 93-95) يؤكد على قضية لورانس ويعد أن يكمل قصتها في رواية متكاملة .
العلاقة بين العنوان والنص
نرى أن العنوان في نصفه الأول " عاهرة " كاشف لأنه تحدث عن معاناة العاهرة الشبقة السحاقية لورانس شعلول ، ويتوقع القارئ أن يقرأ مغامراتها مع نصف المجنون وخاصة انه "غضنفر" وهي " شعلول " ليفاجأ أن نصف المجنون هو المؤلف نفسه حنا مينا متحدثا عن جنون المتعقل في سيرة ذاتية مراوغة، فلم يفز فايز غضنفر بقبس من شعلول فكانت كل قصة تعكس معاناة بطلها .
ان شذوذ لورانس وانحرافها سببه الفقر، ومحنتها حولتها إلى امرأة عاهرة تتكسب بجسدها ،وهي لا تتجاوز الثانية عشرة من عمرها . فكانت طفلة تنام على خاصرة أمها تعانى حين كان والدها يقوم بواجبه الزوجي ظنا منه أن أطفاله نائمون ، فقد أصبح معروفا لدى الأطفال متى يقوم الزوج بواجبه، كونه لا ينام بجانب زوجته إلا مرة أو مرتين في الأسبوع حين يعلن ،" الليلة سأنام على السرير "ص5 .
كان حظ لورنس الأسوأ ؛ لان أخوتها يفترشون الأرض وهي تنام في حضن أمها ولعدم قدرة الزوج على كبح غرائزه الجنسية ، تعيش الطفلة أحداث اللعبة الجنسية بين والديها، وتتذوق معاناة والدتها التي تقاوم رغبة الزوج الجامحة فكانت" تسمع ما يجري بشكل مبهم ، بعض الكلمات المعروفة بأسمائها ، تحبس أنفاسها قدر المستطاع ،تتعذب ، تحب أمها ، تكره والدها ، تريده أن يموت ، أن يكف عن النوم مع أمها "ص11 .
وما يزيد من معاناة شعلول تعرفها بالثرية الشاذة " بدور" التي كانت " تكره الرجال، وتحب الكواعب حب الموت" ص35 ، وتعمل لورانس بحنكة فتجعل السيدة " بدور" تدمنها ،فلا تستطيع العيش بدونها فتحصل لورانس على الأموال والحلي والملابس الفاخرة ، وتلتحق بكلية الآداب لتنفق عليها بدور مقابل الاستمرار في الحصول على اللذة والمتعة ، وبهذا استغلت إمكاناتها الجسدية بعقلانية ودهاء ، فحققت العلم والمال والمتعة .
لم يطلعنا الكاتب على الملامح الشخصية للورانس وإنما اكتفى بوصف مبتسر لما يفتن من أوصاف مادية للجسد الذي تكسبت به كونها رأت انه التجارة الرابحة .ولم نتعرف على شخصية لورانس من الداخل كونها الشخصية الرئيسة في الرواية ، وإنما طوع الشخصية كأداة لتصوير الأحداث ونقل الوقائع المثقلة بالهموم ،و تعكس بؤس الواقع العربي ، وما يعانيه من الجهل و الفقر المدقع ، وما يترتب على ذلك من أثار نفسية ، ومشكلات اجتماعية ، واقتصادية .. ، ويطرح الكاتب من خلال قصة لورانس العلاقة بين الفقر والجنس وكيف تتحول العلاقة بين الزوجين بمرور الزمن إلى أداء واجب ، ، وأكد أن الفقر يقتل الحب ، ويميت اللذة ، ويجعل الأزواج يتبادلا الشتائم وقت الاتصال، فقد كان الأب ينعت الأم بقوله يا عاهرة .. يا عايبة يا... فكأن الحب تحول إلى اغتصاب مقزز لا متعه وراحة للنفس والجسد ومن ذلك " لا تكمل وإلا رفستك برجلي.. فاهم ؟أنت، في هذه الشغلة على نار .. نار تحرقك أن شاء الله .. " ص10"
أما نصف المجنون فنقرأ في الرواية عن طفولته مولدة عن فقره ومعاناته طفلا، وشابا وكهلا ،فقره الذي اضطره للعمل غير عمل، حيث عمل أجيرا عند مؤجر دراجات ، وفي صيدلية ، و مربيا للأطفال ، حلاقا، وحمالا ، وبحارا ، ونقرأ عن معاناته من الفقر في أكثر من موضع ،الفقر الذي أدى بأمه وأخواته للخدمة في البيوت ومن ذلك "الفقر نوعان : ابيض الذي تعيشه الآن ، وأسود الذي عشته منذ وعيت الوجود ،حين كنت عريان إلا من خروق تستر لحمك ، وكنت حافيا ، جائعا "ص55 .
ونقرأ في غير موضع عن حبه للاذقية ودمشق ،وشغفه بالبحر ، عن غربته، عن نفيه ، وسجنه، ومشاركته بالمظاهرات ضد الاستعمار الفرنسي .. ونقرأ قصصا ومواقف عن مفاصل حياته عاشها، وتعلم منها ،وعكست فلسفته في الحياة ، وعن أحلامه وأماله وخيباته المتكررة ، وتنقله في البلاد حاملا حكمة جارته مبدأ يحصنه من الانزلاق " اسمع يا فصيح ، الرجل لا تذله سوى شهوته فلا تدع شهوتك تذلك " ص58.
ويعالج الكاتب في متنه الحكائي قضايا عدة منها ظاهر الكتابة عند المرأة ، ورغبة بعضهن بالشهرة السريعة ، و قضية تحرر المرأة،ويتحدث عن أصول الكتابة الروائية ، وأدوات الروائي وأهمية علم النفس للروائي مضمنا روايته الكثير من الأقوال ، والأشعار، وأراء الحكماء، والشعراء ، والكتاب ، وعلماء النفس ، ويقحم في روايته الكثير من القصص والحكايا معللا ذلك بكونه حكاء " هذا لأنك حكّاء ، وكاتب الرواية حكّاء ، ويرش على حكاياته " بودرة الفن ، إخفاء لعيوبها ، ومخادعة للقراء " ص76 و يؤكد الكاتب في نهاية الرواية أنه خلق شخصية لورانس وتعلم منها " كاتب هذه السطور هو الذي خلق لورانس شعلول وهو الذي تعلم منها أشياء كثيرة " ص95.
في خضم هذه السيرة ينسى القارئ اسم البطل "فايز غضنفر" الذي لم يأت على ذكره سوى مرة أو مرتين لتطغى بالمقابل شخصية الكاتب حنا مينا، وتستحوذ على تفكير القارئ.
نجد في ثنايا الرواية إشارات كثير تحيلنا بشكل دائم إلى العنوان منها " إن شريك لورانس في تحبير هذه الرواية نصف عاقل نصف مجنون "ص53-54 " وأيضا حين يؤكد مرارا حبه لنصفه المجنون أكثر " نصف مجنون نصف عاقل ، وتحب نصفك المجنون أكثر !" ص65 " أنا نصف مجنون نصف عاقل ، وأفضل نصفي المجنون على نصفي العاقل " ص70 و يخاطب ذاته بتكرار لفظة "يا فصيح " قد يكون بذلك ساخرا ومناقضا للعنوان فالفصيح عاقل وليس مجنونا، ولماذا لم ينعت لورانس بنصف مجنونة ؟ ! ففي نصفها العاقل كانت امرأة جامعية مثقفة وكاتبة مشهورة وفي نصفها المجنون كانت عاهرة ، ومن منا لا تخرجه الأحداث عن تعقله وتفقده صوابه .
رأى حنا مينا وهو على مشارف الثمانين من العمر أن يخرج عصارة تجاربه وفلسفته في الحياة للقراء ليقف في هذه السيرة موقف الناصح ، والمعلم مبرزا أهمية وعي الذات ، وكيف استطاع ان يحفر الصخر ، ويركب ظهر المجن ليصبح شخصية مشهورة مرموقة وبهذا جمع الكاتب بين الخاص والعام في روايته .
والسؤال ما الرابط بين القصتين التي جمعت بين الخيال في الأولى والواقع الشخصي لحنا مينا في الثانية ؟ لعل بؤس الواقع العربي وتشرذمه والفقر والجهل هي قواسم مشتركة بين المتخيل والواقع في الرواية، وعلى هذا يأتي العنوان واضحا ولكنه يتضح أكثر بعد قراءة النص ، وليكشف الصلة بين العنوان والنص .