السردية الغنائية
في ديوان " أحوال الحاكي " للشاعر السماح عبد الله
دراسة : عبد الجواد خفاجى
1ـ بين سلطة النص وسلطة الذائقة :
القارئ لديوان السماح عبد الله المُعَنْون " أحوال الحاكي " الذي صدر عام 2002 عن سلسلة " كتابات جديدة " عن الهيئة المصرية العامة للكتاب , والذي حصل به شاعرة على جائزة الدولة التشجيعية .. سيتوقف بالضرورة عند علامات محددة في تجربة الكتابة , في معظمها شكلية , وربما سيسائل التجربة من داخلها عن أهمية مثل هذا الاهتمام الشكلي المسرف التنميق , الحريص على المغايرة الشكلية , بداية من الكتابة على يسار الصفحة , وترك الجهة اليمنى بيضاء , إضافة إلى ترك مساحات واسعة من البياض في الصفحات , والاكتفاء بإيراد بعض أسطر قليلة في كثير من الصفحات , قد تصل إلى أقل من عشر كلمات , ثم إلى ترك صفحات خالية من الكتابة تماماً , ثم إلى إسقاط العنونة تماماً ، والاكتفاء بالإشارة إلى النص بجملة من صلب بنيته ، لكأن البنية النصية بيت بلا مداخل ، اضطر أهلوه إلى إحداث ثقب في أحد حوائطه للدخول منه إلى البيت دون يقين منهم أن هذا الذي يدخلون منه هو في الحقيقة بوابة مناسبة ، مثلما نقرأ تحت العنوان :"ذات نهارٍ بعيد " النص التالي :" ـ ولمن يتشوق ذو البندقية بين ظلال المساء / ، الكثار؟ ./ـ لخطاه الصغيرة / ، في طرقات الطفولة /، حين رأى رجلاً /، يحمل البندقية /، ذات نهارٍ بعيد / فعاينه / ، بانبهار ." صـ58
ومن الواضح أن بوابة النص / عنوانه هو جزء مستقطع من جسد النص دون أن يكون مرتبطاً بكليته لا على المستوى النحوي أو الدلالي .
أما عن وسائل التنميق الشكلي الأخرى في ديوان السماح فهي كثيرة ، وفى معظمها لا ترتبط حقيقة بجوهر التجربة ،وإن كانت دالة فى التصنع لا الصنعة . فلسنا بالضرورة مجبرين على تقبل نمط من عينة :
، ليس يرى قطع الدم الساقط من رئتيه
، وعينيه
، وكفيه
، وقدميه
‘ وآهٍ
, لو تدرك ص56
على أنه نمط إبداعي ما لم يكن لذلك مبرر فني يستدعيه ، وما لم يكن دالاً في التجربة ، فلسنا مع الابتداع ، والشاعر عموماً مبدع حرفي لا مبتدع حرفة ، إضافة إلى أن أي جديد ما لم يكن يحمل معناه ودلالته فليس من الإبداع في شئ , فكل المرضى النفسيين يأتون بسلوك جديد , ومع ذلك لا نعتبر أحداً منهم مبدعاً , ذلك لأن سلوكهم بلا قيمة في الأساس من ناحية أخرى : إذا كان ديدن التجربة وسياجها الأول هو الحكىُّ الذي تحول معه الشاعر إلى حاكى يوظف آليات السرد في التعبير فالأولى أن يكون النمط الكتابي السابق أفقياً ؛ ذلك لأن التقطيع الرأسي سواء على يمين الصفحة أو على يسارها يبدو بلا قيمة فنية , سواء على المستوى الإيقاعي أو النحوي أو الدلالي ؛ فإذا كانت الأوصال مقطعة نازفة هابطة فإن التأوه والتمنى ليسا جزءاً منها , ومن ثم فالتوالي الرأسي على نحوما صنع الشاعر يبدو اعتباطياً .
ومن ناحية أخرى إيقاعية : إذا جاز لنا أن نسلم بتوالى دفقات كمية متساوية إيقاعياً من عينة : " وعينيه ـ وكفيه ـ ومقدميه " فكيف نسوَّغ توالى : آهٍ ـ لو تدرك " بعدهم وهما ليستا متساوقتين كمياً معهم ؟ ومن ثم فإن تواليهما يبدو ـ أيضاً ـ اعتباطياً . إضافة إلى أن " آهٍ ـ لو تدرك " جملة نحويةٍ واحدة , ومن ثم فإن تقطيعها على نحو ما صنع الشاعر ما لم يدل دلالة ما فهو أيضاً تقطيع اعتباطي.
من ألوان التنميق الأخرى في النصوص وضع دائرة سوداء ضخمة بعد الجملة النَّصَّية الأولى , ودائرةٍ مثلها بعد آخر كلمة فى النص , وكذلك ترك مساحة خاليةٍ بعد الجملة الأولى , ثم استئناف الكتابة بعد هذه المساحة البيضاء , حتى لأنَّ القارئ يخال هذه الجملة الأولى المعزولة عن النص والتى جاءت أسفل اللافتة العنوا نية , يخالها عنواناً ثانياً , في حين أنها ليست كذلك , وليس من مبرر لفصلها عن جسد النص على هذه الشاكلة التي جعلت منها بناءً في فراغ .
ثمة ما يمكن أن يثير التساؤل أيضاً أن يبدأ كل سطر شعرى بفاصلة كلازمة من لوازم الكتابة , بغير ضرورة , فهي ترِد بين الصفة و الموصوف , وبين الفعل والفاعل , وبين التمييز والمميز , وبين المبتدأ والخبر , وبين الفاعل والمفعول , وبين الحال وصاحبه .. وهلمِِِِِِِِِجره . هي ترد كجُشْأَةٍ لاتريم بعد كل لقمة تصل البلعوم , ومن أمثلة ذلك:
1ـ " , أو قف تمر النخيل عليك لمدة عشرين / , عاماً " صـ31
2ـ " امرأةٌ / , تلبس فستاناً " صـ 15
3ـ " وشيخاً / , طاعناً فى السن " صـ 38
4ـ " أوار السيد / , الأكبر " صـ 42
5ـ " لأين ترى ذهبت /, طفلة المدرسة " صـ7
6ـ كتبت لها حلَّ / , أسئلةِ الامتحانات " صـ7
7ـ " وفى يده / , الأشجار المزدهرة " صـ13 .. وهكذا .
لو تتبعنا طريقة استخدام الشاعر لهذا الفاصلة لوجدنا عجباً , غير أن الكتابة مثيرة للتساؤل حول قواعد الإملاء أيضاً , ونخشى كذلك أن يكون الأمر تقليعةً , فالمعروف أن الهمزة المتوسطة تُرسم على الياء متى ما كانت مكسورة , أو كان ما قبلها مكسوراً , لكن الشاعر أعطى ظهره لهذه القاعدة , وكتب " تبتدئان " هكذا : تبتدأن . هكذا وردت في عنوان النص صـ15, وكما وردت في صلب النص صـ18، ومثلها أيضاً همزة " براءتها " صـ54 في قول الشاعر : " من فرط براءتها الكذابة " .
وغير ذلك إصرار الشاعر على إثبات همزة الوصل خطاً , من عيَّنة : " السنوات " صـ11و" امرأة " صـ 15 , و" البرابرة " صـ25, ومن المعروف أن همزة الوصل إذا جاءت بداية الكلام تنطق دون أن تُكْتَب. وثمة ما هو أغرب من ذلك أن يؤنث الشاعر المؤنث المعنوي مثل"شمس" بعلامة تأنيث لتصبح "شمسة" صـ19.
* * *
يمكنني أن أتفاءل بأن ثمة دراسة سيميائية يمكن أن تكون خادمة في دراسة هذا الشكل الكتابي الذي يسعى إلي التمظهر المغاير, بَيْدَ أننا ـ ورغم تفاؤلنا ـ لن ننجذب لمثل هذا المسعى السيميائي؛ لأن أي تأسيس عقلي تحمله أية نظرية يجب أن يقودنا إلي وعى جديد تتقبله الذائقة دون تعارض معها, خاصة في الشعر, فهدف الفن عموماً الارتقاء بالذائقة لا التعارض معها. إضافة إلي أن أي تأسيس نظري مهتم بدراسة الأداء الشكلي لابد أن يكون مهتماً بالكيفية التي يكون بها هذا الأداء فعالٌ فعلاً عند نقطة الاستهلاك, وإلا كان تأسيساً نظرياً بلا قيمة, ويتحدى ذائقتنا هو الأخر.
لقد قرأت الديوان لأكثر من عشرين مرة خلال عام أو يزيد, ولم تدلني ذائقتي ـ ولو مرة ـ إلى أن هذا الأداء فعال فعلاً .
لاشك أن أي تمظهر نصي يهدف إلى تأسيس هيئة نصَّيَّة هو بالضرورة جزء من سلطة النص . ومادام النص لم يمارس بعد سلطته علىَّ ـ كقارئ ـ فى الاتجاه الذي يحدده الشكل , فإننا أمام احتمالين : إما أن الشكل مفتعل , ومنفصل عن مضمون النص , وإما أن النص بلا سلطة في الأساس .
من ناحية أخرى : إن استدعاء منهج سيميائى لدراسة مثل هذه النصوص استدعاءً يقوم أساساً على افتراضٍ جدلىًّ أن هذا المنهج هو الأنسب لدراسة هذه النصوص , هذا الافتراض الجدلي يجب أن تقودنا إليه الذائقة أيضاً , وما دامت لم تقدني إليه بعد , فلا معنى للآن أنجذب إليه . وقد يعترض معترض بالقول : إن ما يقودنا إلى المنهج والنظرية هو العقل وليست الذائقة ومع وجاهة الاعتراض , إلا أنه ليس صحيحاً تماماً , فسلطة العقل لا تسير وحدها في الحقل الأدبي , غير أنى مضطر لاحترام ذائقتي لأنها عاشت معي قبل عقلي , وصدق الشاعر العراقي " عبد الرزاق عبد الواحد " إذ يقول : " لا تُلبِسِ القلب عقلاً كي تبرئه قد يصبح العقل حيناً أكبر التُّهم " وأخيراً .. لم يبدِ النص سلطة لاعلى عقلي , ولا على ذائقتي إلا في الاتجاه الذي أسير فيه الآن . فإذا كان للنص سلطته فإن للذاتقة سلطتها , وبين اتفاقهما أو تعارضهما تتحدد مدخل القراءة ومناهجها .
عبدالجواد خفاجى
E.m:khfajy58@yahoo.com
في ديوان " أحوال الحاكي " للشاعر السماح عبد الله
دراسة : عبد الجواد خفاجى
1ـ بين سلطة النص وسلطة الذائقة :
القارئ لديوان السماح عبد الله المُعَنْون " أحوال الحاكي " الذي صدر عام 2002 عن سلسلة " كتابات جديدة " عن الهيئة المصرية العامة للكتاب , والذي حصل به شاعرة على جائزة الدولة التشجيعية .. سيتوقف بالضرورة عند علامات محددة في تجربة الكتابة , في معظمها شكلية , وربما سيسائل التجربة من داخلها عن أهمية مثل هذا الاهتمام الشكلي المسرف التنميق , الحريص على المغايرة الشكلية , بداية من الكتابة على يسار الصفحة , وترك الجهة اليمنى بيضاء , إضافة إلى ترك مساحات واسعة من البياض في الصفحات , والاكتفاء بإيراد بعض أسطر قليلة في كثير من الصفحات , قد تصل إلى أقل من عشر كلمات , ثم إلى ترك صفحات خالية من الكتابة تماماً , ثم إلى إسقاط العنونة تماماً ، والاكتفاء بالإشارة إلى النص بجملة من صلب بنيته ، لكأن البنية النصية بيت بلا مداخل ، اضطر أهلوه إلى إحداث ثقب في أحد حوائطه للدخول منه إلى البيت دون يقين منهم أن هذا الذي يدخلون منه هو في الحقيقة بوابة مناسبة ، مثلما نقرأ تحت العنوان :"ذات نهارٍ بعيد " النص التالي :" ـ ولمن يتشوق ذو البندقية بين ظلال المساء / ، الكثار؟ ./ـ لخطاه الصغيرة / ، في طرقات الطفولة /، حين رأى رجلاً /، يحمل البندقية /، ذات نهارٍ بعيد / فعاينه / ، بانبهار ." صـ58
ومن الواضح أن بوابة النص / عنوانه هو جزء مستقطع من جسد النص دون أن يكون مرتبطاً بكليته لا على المستوى النحوي أو الدلالي .
أما عن وسائل التنميق الشكلي الأخرى في ديوان السماح فهي كثيرة ، وفى معظمها لا ترتبط حقيقة بجوهر التجربة ،وإن كانت دالة فى التصنع لا الصنعة . فلسنا بالضرورة مجبرين على تقبل نمط من عينة :
، ليس يرى قطع الدم الساقط من رئتيه
، وعينيه
، وكفيه
، وقدميه
‘ وآهٍ
, لو تدرك ص56
على أنه نمط إبداعي ما لم يكن لذلك مبرر فني يستدعيه ، وما لم يكن دالاً في التجربة ، فلسنا مع الابتداع ، والشاعر عموماً مبدع حرفي لا مبتدع حرفة ، إضافة إلى أن أي جديد ما لم يكن يحمل معناه ودلالته فليس من الإبداع في شئ , فكل المرضى النفسيين يأتون بسلوك جديد , ومع ذلك لا نعتبر أحداً منهم مبدعاً , ذلك لأن سلوكهم بلا قيمة في الأساس من ناحية أخرى : إذا كان ديدن التجربة وسياجها الأول هو الحكىُّ الذي تحول معه الشاعر إلى حاكى يوظف آليات السرد في التعبير فالأولى أن يكون النمط الكتابي السابق أفقياً ؛ ذلك لأن التقطيع الرأسي سواء على يمين الصفحة أو على يسارها يبدو بلا قيمة فنية , سواء على المستوى الإيقاعي أو النحوي أو الدلالي ؛ فإذا كانت الأوصال مقطعة نازفة هابطة فإن التأوه والتمنى ليسا جزءاً منها , ومن ثم فالتوالي الرأسي على نحوما صنع الشاعر يبدو اعتباطياً .
ومن ناحية أخرى إيقاعية : إذا جاز لنا أن نسلم بتوالى دفقات كمية متساوية إيقاعياً من عينة : " وعينيه ـ وكفيه ـ ومقدميه " فكيف نسوَّغ توالى : آهٍ ـ لو تدرك " بعدهم وهما ليستا متساوقتين كمياً معهم ؟ ومن ثم فإن تواليهما يبدو ـ أيضاً ـ اعتباطياً . إضافة إلى أن " آهٍ ـ لو تدرك " جملة نحويةٍ واحدة , ومن ثم فإن تقطيعها على نحو ما صنع الشاعر ما لم يدل دلالة ما فهو أيضاً تقطيع اعتباطي.
من ألوان التنميق الأخرى في النصوص وضع دائرة سوداء ضخمة بعد الجملة النَّصَّية الأولى , ودائرةٍ مثلها بعد آخر كلمة فى النص , وكذلك ترك مساحة خاليةٍ بعد الجملة الأولى , ثم استئناف الكتابة بعد هذه المساحة البيضاء , حتى لأنَّ القارئ يخال هذه الجملة الأولى المعزولة عن النص والتى جاءت أسفل اللافتة العنوا نية , يخالها عنواناً ثانياً , في حين أنها ليست كذلك , وليس من مبرر لفصلها عن جسد النص على هذه الشاكلة التي جعلت منها بناءً في فراغ .
ثمة ما يمكن أن يثير التساؤل أيضاً أن يبدأ كل سطر شعرى بفاصلة كلازمة من لوازم الكتابة , بغير ضرورة , فهي ترِد بين الصفة و الموصوف , وبين الفعل والفاعل , وبين التمييز والمميز , وبين المبتدأ والخبر , وبين الفاعل والمفعول , وبين الحال وصاحبه .. وهلمِِِِِِِِِجره . هي ترد كجُشْأَةٍ لاتريم بعد كل لقمة تصل البلعوم , ومن أمثلة ذلك:
1ـ " , أو قف تمر النخيل عليك لمدة عشرين / , عاماً " صـ31
2ـ " امرأةٌ / , تلبس فستاناً " صـ 15
3ـ " وشيخاً / , طاعناً فى السن " صـ 38
4ـ " أوار السيد / , الأكبر " صـ 42
5ـ " لأين ترى ذهبت /, طفلة المدرسة " صـ7
6ـ كتبت لها حلَّ / , أسئلةِ الامتحانات " صـ7
7ـ " وفى يده / , الأشجار المزدهرة " صـ13 .. وهكذا .
لو تتبعنا طريقة استخدام الشاعر لهذا الفاصلة لوجدنا عجباً , غير أن الكتابة مثيرة للتساؤل حول قواعد الإملاء أيضاً , ونخشى كذلك أن يكون الأمر تقليعةً , فالمعروف أن الهمزة المتوسطة تُرسم على الياء متى ما كانت مكسورة , أو كان ما قبلها مكسوراً , لكن الشاعر أعطى ظهره لهذه القاعدة , وكتب " تبتدئان " هكذا : تبتدأن . هكذا وردت في عنوان النص صـ15, وكما وردت في صلب النص صـ18، ومثلها أيضاً همزة " براءتها " صـ54 في قول الشاعر : " من فرط براءتها الكذابة " .
وغير ذلك إصرار الشاعر على إثبات همزة الوصل خطاً , من عيَّنة : " السنوات " صـ11و" امرأة " صـ 15 , و" البرابرة " صـ25, ومن المعروف أن همزة الوصل إذا جاءت بداية الكلام تنطق دون أن تُكْتَب. وثمة ما هو أغرب من ذلك أن يؤنث الشاعر المؤنث المعنوي مثل"شمس" بعلامة تأنيث لتصبح "شمسة" صـ19.
* * *
يمكنني أن أتفاءل بأن ثمة دراسة سيميائية يمكن أن تكون خادمة في دراسة هذا الشكل الكتابي الذي يسعى إلي التمظهر المغاير, بَيْدَ أننا ـ ورغم تفاؤلنا ـ لن ننجذب لمثل هذا المسعى السيميائي؛ لأن أي تأسيس عقلي تحمله أية نظرية يجب أن يقودنا إلي وعى جديد تتقبله الذائقة دون تعارض معها, خاصة في الشعر, فهدف الفن عموماً الارتقاء بالذائقة لا التعارض معها. إضافة إلي أن أي تأسيس نظري مهتم بدراسة الأداء الشكلي لابد أن يكون مهتماً بالكيفية التي يكون بها هذا الأداء فعالٌ فعلاً عند نقطة الاستهلاك, وإلا كان تأسيساً نظرياً بلا قيمة, ويتحدى ذائقتنا هو الأخر.
لقد قرأت الديوان لأكثر من عشرين مرة خلال عام أو يزيد, ولم تدلني ذائقتي ـ ولو مرة ـ إلى أن هذا الأداء فعال فعلاً .
لاشك أن أي تمظهر نصي يهدف إلى تأسيس هيئة نصَّيَّة هو بالضرورة جزء من سلطة النص . ومادام النص لم يمارس بعد سلطته علىَّ ـ كقارئ ـ فى الاتجاه الذي يحدده الشكل , فإننا أمام احتمالين : إما أن الشكل مفتعل , ومنفصل عن مضمون النص , وإما أن النص بلا سلطة في الأساس .
من ناحية أخرى : إن استدعاء منهج سيميائى لدراسة مثل هذه النصوص استدعاءً يقوم أساساً على افتراضٍ جدلىًّ أن هذا المنهج هو الأنسب لدراسة هذه النصوص , هذا الافتراض الجدلي يجب أن تقودنا إليه الذائقة أيضاً , وما دامت لم تقدني إليه بعد , فلا معنى للآن أنجذب إليه . وقد يعترض معترض بالقول : إن ما يقودنا إلى المنهج والنظرية هو العقل وليست الذائقة ومع وجاهة الاعتراض , إلا أنه ليس صحيحاً تماماً , فسلطة العقل لا تسير وحدها في الحقل الأدبي , غير أنى مضطر لاحترام ذائقتي لأنها عاشت معي قبل عقلي , وصدق الشاعر العراقي " عبد الرزاق عبد الواحد " إذ يقول : " لا تُلبِسِ القلب عقلاً كي تبرئه قد يصبح العقل حيناً أكبر التُّهم " وأخيراً .. لم يبدِ النص سلطة لاعلى عقلي , ولا على ذائقتي إلا في الاتجاه الذي أسير فيه الآن . فإذا كان للنص سلطته فإن للذاتقة سلطتها , وبين اتفاقهما أو تعارضهما تتحدد مدخل القراءة ومناهجها .
عبدالجواد خفاجى
E.m:khfajy58@yahoo.com