منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    العلاقة بين الدلالة والتركيب

    أروى55
    أروى55


    عدد المساهمات : 235
    تاريخ التسجيل : 07/10/2009
    العمر : 32

    العلاقة بين الدلالة والتركيب  Empty العلاقة بين الدلالة والتركيب

    مُساهمة  أروى55 الجمعة ديسمبر 10, 2010 2:22 pm

    [center]العلاقة بين الدلالة والتركيب . دراسات تطبيقية لبعض آيات النفس في القرآن الكريم أ. د عطية سليمان أحمد الجزء الأول

    الإثنين 14 يونيو 2010 - 18:00 من طرف المشرف العام
    الباب الأول :
    (( الدلالة التركيب ))
    إن مفهوم النحو في القديم يعني دراسة نظام ترتيب الجمل والنظام الصوتي والنظام الصرفي ، وهو ما يظهر في مؤلفات القدماء في موضوع النحو ، ويبدو أكثر في تعريفهم لعلم النحو ، قال ابن جني في باب القول على النحو ( هو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره ، كالتثنية والجمع ، والتحقير والتكسير والإضافة ، والنسب ، والتركيب وغير ذلك ( 1 )
    واعتبر كثير من علماء العربية وظيفة القواعد النحوية دلالية ، ولم ينظروا إلى تلك القواعد نظرة سطحية لا تتجاوز ترتيب الألفاظ على نظام القواعد فحسب ، بل تخطوا ذلك إلى العلاقة بين المفردات والتركيب ، قال السكاكي ( اعلم أن علم النحو هو أن تنحو إلى معرفة التركيب فيما بين الكلم لتأدية أصل المعنى مطلقا بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب وقوانين مبنية عليها ليحترز بها عن الخطأ في التركيب من حيث تلك الكيفية ، وأعني بكيفية التركيب تقديم بعض الكلم على بعض ، ورعاية ما يكون من الهيئات إذ ذاك ) (2)
    والصرف وثيق الصلة بالتركيب ولا يمكن الفصل بينهما ، فوظائف المفردات في التراكيب تحدد من خلال بنيتها الصرفية ، فالبنية الصرفية هى التي تحدد زمن الفعل وفاعله ، وتدل الصيغة أيضا على أبنية الفاعل والمفعول والصفة ، وصيغ المبالغة ، وتوظيف الكلمات في التراكيب بناء على صيغتها الصرفية . ولهذا فعلم الصرف هو الذي يحدد دلالة مفردات التركيب في الجمل ، وعلم النحو هو الذي يضع ترتيبها ، ويحدد وظيفتها بناء على دلالتها الصرفية والمعجمية (3)
    ( الدلالة التركيبية )
    ظهر علم جديد يسمى علم الدلالة التركيبية ، وهو العلم الذي يهتم ببيان معنى الجملة أو العبارة ، وقد عرف هذا النوع من دراسة دلالة الجملة بعلم الدلالة التركيبية أو علم دلالة الجملة في الغرب ، وقد بدأ عند الغربيين من خلال البحوث الدلالية التركيبية في علم النحو التحويلي ، ومعنى الجملة عند الغربيين يعني وظيفة معاني أجزائها ، أو معنى الوحدات القاموسية والصلات الدلالية بين مكونات الجملة ، كما بحثوا معنى الوحدات الصرفية ( المورفيمات المفردة ) والمعاني التي تتحقق من الصلات النحوية بين هذه الوحدات .
    إن القضية التي ندرسها ليست قضية وظيفة معنى لفظ في تركيب ، بل المقصد هو دلالة التركيب أو الجملة ، وعلاقته المتماسكة وأثرها في المعنى ، والمتلقي يدرك بوعيه اللغوي مقاصد اللغة ، ومعاني الألفاظ ترتبط بالسياق النصي العام الذي جاءت فيه ، وتعد دراسة النص من خلال تركيبه هي الأساس في فهم دلالته ، لأن التركيب متى افتقد لدلالة افتقد قيمته ، وقيمة المفردات في وظائفها الدلالية (4)
    إن النحو يقوم ببحث العلاقات التي تربط بين الكلمات في الجملة الواحدة ، وبيان وظائفها

    1 ـ الخصائص لابن جني تحقيق محمد على النجار دار الكتب المصرية 1952 ج1/34
    2 ـ مفتاح العلوم ، السكاكي ، أبو يعقوب يوسف ابن أبي بكر ، طبعة التقدم القاهرة 1348 ص33
    3 ـ التحليل اللغوي في ضوء علم الدلالة د . محمود عكاشة ، دار النشر للجامعات القاهرة 2005 ص 117
    4 ـ أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث ، توفيق الزيدي الدار العربية للكتاب تونس 1984 ص 73
    إذ أنه وسيلة نحو التفسير النهائي لتعقيدات التركيب اللغوي ، والدلالة هى التي تبرز الاختلاف بين التراكيب المختلفة ، فالنحو والدلالة يتعاونان معا على توضيح النص وتفسيره واتجهت الدراسات اللغوية الحديثة إلى الربط بينهما في بناء اللغة ) إن الدلالة التركيبية هى الدلالة الناشئة عن العلاقة بين وحدات التركيب أو المستمد من ترتيب وحداته على نحو يوافق القواعد ، فالنظام التركيبي ذو فاعلية في خلق المعنى المتعدد ، فهو جزء أساسي من حيوية اللغة .
    الفصل الأول
    رأي القدماء في العلاقة بين المعنى والتركيب :

    لقد بذل القدماء ما في وسعهم من أجل توضيح العلاقة بين المعنى والتركيب ، فهم يرون أن النظام التركيبي ذو فاعلية في خلق المعنى المتعدد ، فاتجهوا إلى المعنى ، فالجملة تشكل شبكة من العلاقات السياقية التي يقوم كل علاقة منها عند وضوحها مقام القرينة المعنوية ، والتي تعتمد في وضوحها على التآخي بينها وبين القرائن اللفظية في السياق ، فقد خرج النحو من إطار الكلمة ووظيفتها في التركيب إلى نطاق السياق ، بل امتد دور النحو في دراسة النص جميعه ، فلقد تخطى دور النحو الإعراب ومشكلاته على مستوى الكلمة ، وتعداه على مستوى التركيب ، وما يتعلق به من وظائف الكلمات والعلاقة المعنوية التي تربط مفرداته ومسائل نظم الكلام وتأليفه ) (2)
    وقد استطاع ابن جني وعبد القادر الجرجاني أن يكشفا العلاقات الداخلية بين المفردات التي يتألف منها التركيب ، وجعل ابن جني المعنى أساس صحة التركيب النحوي وقبوله ، كما أن عبد القاهر رأى أن اللفظ مفرداً لا يشكل قيمة دلالية ، ولا نستطيع تقييمه منفرداً بعيداً عن السياق اللغوي ، كما أن تأليف الكلام أو نظمه على قواعد النحو ، ليس أساساً في صحة التركيب ، بل الأساس اتساق التركيب في المعنى مع قواعد التركيب .
    يقول عبد القاهر الجرجاني في هذا ( واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه
    ( علم النحو ) وتعمل على قوانينه وأصوله ، وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها ، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك ، فلا تخل بشيء منها .....هذا هو السبيل ، فلست بواجد شيئا يرجع صوابه إن كان صوابا ، وخطؤه إن كان خطأ ، إلى النظم ، ويدخل تحت هذا الاسم إلا وهو معنى من معاني النحو ، قد أصيب به موضعه ، ووضع في حقه ، أو عومل بخلاف هذه المعاملة فأزيل عن موضعه ، واستعمل في غير ما ينبغي له ، فلا ترى كلاما قد وصف بالصحة نظم أو فساده ، أو وصف بمزية وفضل فيه ، إلا وأنت تجد مرجع تلك الصحة وذلك الفساد وتلك الميزة وذلك الفضل ، إلى معاني النحو وأحكامه ، ووجدته يدخل في أصل من أصوله ويتصل باب من أبوابه (3)
    1 ـ أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث ، توفيق الزيدي ، الدار العربية للكتاب تونس 1984م ص 73
    2 ـ دراسات في علم اللغة القسم الثاني د . كمال بشر ، دار المعارف ط 2/1971م ص94
    3 ـ دلائل الإعجاز ، عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق محمود شاكر ، مطبعة المدني 1992م ص81
    قام ابن جني بدراسة رائدة في علاقة النحو بالمعنى فأطلق على معنى التركيب اسم الدلالة المعنوية
    ويقصد بها ( المعنى الذي يتحقق من تراكيب الكلام . وذلك من خلال العلاقات الإعرابية أو العلاقات التي يقيمها نظام الإعراب ، وهى علاقات معنوية تنشأ في التركيب ....ويؤكد ابن جني أن وظيفة الألفاظ في التركيب تبين من ناحية المعنى لا من ناحية اللفظ ( فقد عملت أن دلالة المثال على الفاعل من جهة معناه ) (1)وسيطرت فكرة الدلالة التركيبية أو الدلالة الجملة على ابن جني ولهذا نجده يحكم بفساد التركيب لفساد معناه ، وإن صح التركيب شكلاً ( ومن المحال أن تنقض أول كلامك بآخره ، وذلك كقوله : قمت غداً ، أو سأقوم أمس ) (2)
    واستشهد ابن جني على فساد بعض التراكيب لتناقضها في المعنى ، مثل الياقوت أفضل الطعام، وزيد أفضل الحمير ........وتبين من ذلك أن التركيب يصبح فاسداً إذا تناقض منطقياً أو استحال قبول معناه عقلا ، وهذا سبق فريد من ابن جني حيث ربط بين المعنى والشكل ، فرفض التراكيب الشكلية المصنوعة التي لا تتسق مع الواقع والعقل ، فالدلالة عنده تقوم على صحة الشكل والمضمون معاً ، فلا يكفي صحة الإعراب في بناء الجملة بل من الضروري اتساق المعنى مع الواقع وقبوله منطقيا . وتوسع في ذلك فربط بين المضمون والعالم الخارجي ، وذهب إلى ضرورة اتساق المضمون مع العالم الخارجي ) (3)
    عبد القاهر الجرجاني :
    وذهب عبد القاهر مذهب ابن جني ، فأبطل كثيرا من التراكيب التي يستحيل حدوث معناها ، كعموم النفي في مثل : ما أكلت شيئاً ، ومارأيت أحداً من الناس ، وأنت مبصر ...وضرب عبد القاهر كثيراً من الأمثلة على فساد التركيب نحو قول الفرزدق يمدح إبراهيم بن هشام خال هشام بن عبد الملك الخليفة قائلا :
    وما مثله في الناس إلا مملكا أبو أمه حي أبوه يقاربه
    أي وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملك أبو أمه أبو يعني المملك هشاماً ، وأبو أم ذلك المملك أبو هذا الممدوح .
    ويعقب على تلك الشواهد بقوله : وفي نظائر ذلك مما وصفوه بفساد النظم ، وعابوه من جهة سوء التأليف
    أن الفساد والخلل كانا من أن تعاطى الشاعر ما تعاطاه من هذا الشأن على غير الصواب ، وصنع في تقديم أو تأخير أو حذف أو إضمار أو غير ذلك مما ليس يصنعه ، وما لا يسوغ ولا يصح على أصول هذا العلم ) (4)
    وتعد نظرية النظم التي وضعها عبد القاهر وآراؤه التي دارت في رحا التركيب والمعنى صدى لجهود ابن جني ( ت391 هـ ) والنتائج التي توصل إليها ثمرة القضايا اللغوية التي عالجها ابن جني في كتابه الخصائص ، فنظرية النظم ليست إلا تطويراً لما قاله ابن جني
    1 ـ الخصائص ج3 /99
    2 ـ الخصائص ج3 /331
    3 ـ التحليل اللغوي في ضوء علم الدلالة 132
    4 ـ دلائل الإعجاز ص84
    من ضرورة مراعاة المعنى في صناعة التركيب ، واتساق معنى التركيب مع الفكرة وعدم مخالفة الواقع ، كما أنه اهتم بالشكل التركيبي ، وجعل المعنى العلاقة التي تربط بين عناصره (1)
    يعد عبد القاهر أكثر علماء العربية القدماء اهتماما بدراسة العلاقات التركيبية ، ومعنى التراكيب وإمامه في ذلك ابن جني ، وذلك من خلال نظرية النظم التي تقوم على تناسق دلالة الألفاظ ، وتلاقي معانيها على الوجه الذي اقتضاه العقل ، وأن يأتي ترتيب توالي الألفاظ في النص على ترتيب المعاني في النفس ، قال وأن يتوخى المتكلم في ذلك معنى الإعراب وقواعد اللغة واعتبر عبد القاهر دور الفكرة في النظم( فينبغي أن ينظر في الفكر ، بماذا تلبس ؟ أبالمعاني أو بالألفاظ ؟ فأي شيء وجدته الذي تلبس به فكرك من بين المعاني والألفاظ ، فهو الذي تحدث فيه صنعتك ) (2)
    ويرى عبد القاهر ضرورة مراعاة قواعد اللغة الشكلية والعلاقات الداخلية التي تربط بين أجزاء التراكيب ، والتي تتمثل في المعنى و الألفاظ عنده لبن هذا البناء أو المادة التي يقوم عليهانظم الكلام ، وتأتي في المرحلة الثانية بعد المعاني ( بان بذلك أن الأمر على ما قلنا ، من أن اللفظ تتبع للمعنى في النظم ، وأن الكلم ترتب في النطق بسبب ترتيب معانيها في النفس ......فالألفاظ خدم للمعاني ، فمعرفة المعاني تأتي في المقام الأول ، ثم مطابقة الألفاظ المعاني ، ثم ترتيب المعاني في النفس ثم تأتي في المرحلة الأخيرة وهى ترتيب الألفاظ بما يتفق مع الفكر أو على نسق الفكر ) (3)
    ابن الأثير :
    وقد ذهب ابن الأثير مذهب الجرجاني في أن التفاضل يقع في تركيب الألفاظ أكثر مما يقع في مفرداتها
    فقال ( واعلم أن تفاوت التفاضل يقع في تركيب الألفاظ أكثر ما يقع في مفرداتها ، لأن التركيب أعسر وأشق ، ألا ترى ألفاظ القرآن الكريم من حيث انفرادها قد استعملها العرب ومن بعدهم ، ومع ذلك فإنه يفوق جميع كلامهم ويعلو عليه ، وليس ذلك إلا لفضيلة التركيب (4) ، ثم يذكر مثالاً على ذلك فيقول ( وهل تشك أيها المتأمل لكتابنا هذا إذا فكرت في قوله تعالى ( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ، وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودي ، وقيل بعداً للقوم الظالمين ) (هود 44 )
    أنك لم تجد ما وجدته لهذه الألفاظ من المزية الظاهرة إلا لأمر يرجع إلى تركيبها ، وأنه لم يعرض لها هذا الحسن إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية ، والثالثة بالرابعة ، وكذلك إلى آخرها ، فإن ارتبت في ذلك فتأمل هل ترى لفظة منها لو أخذت من مكانها ، وأفردت من بين أخواتها كانت لابسة من الحسن مالبسة في موضعها من الآية ، ومما في كلام آخر فتكرهها ، فهذا ينكره من لم يذق طعم الفصاحة ولا عرف أسرار الألفاظ في تركيبها وانفرادها(5)

    1 ـ التحليل اللغوي في ضوء علم الدلالة 133
    2 ـ دلائل الإعجاز 51
    3 ـ المرجع السابق 56 ـ 54
    4 ـ المثال السائر في أدب الكاتب لابن الأثير تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ـ المكتبة العصرية ـ لبنان 1990م ج1 /151
    5 ـ المرجع السابق ج 1/ 152
    رأي المحدثين في القديم العلاقة بين الدلالة والتركيب :
    إن مصطلح النحو في الدرس العام له دلالة عامة في الدرس القديم ، ودلالة خاصة في الدرس الحديث ، فمصطلح syntax لا يعني النحو بمعناه العام وإنما يعني فرع من فروع النحو grammar ، والأخير هو الذي يقابل المعنى العام القديم ، والتركيب syntax يعني التأليف أو نظم المفردات في شكل معين ، وهو لا يعني الجملة المفيدة في كل السياقات ، فقد يعني تأليف الحروف لتكوين كلمة ، وهو ما يعرف بنظم حروف الكلمة ومصطلح syntax استخدمه التقليديون على أنه أحد فروع النحو grammar ، الذي يعالج نظام ترتيب الجملة والعلاقات التي تربط بين أجزائها وأثرها في المعنى ، وأثر إعادة ترتيب الجملة ما قد ينجم عن تلك العلاقات من تغيرات تصريفية .
    وتدخل الدلالة التركيبية حديثا تحت مايطلق عليه ( علم دلالة الجملة ) أو علم الدلالة التركيبي ، وهو العلم الذي يهتم ببيان معنى الجملة أو العبارة ، وقد عرف هذا النوع من الدراسة عند الغرب بعلم الدلالة التركيبي أو علم دلالة الجملة ، وقد بدأ عند الغربيين من خلال البحوث الدلالية في علم النحو التحويلي .
    ومعنى الجملة عند الغربيين يعني وظيفة معاني أجزائها ، أو معنى الوحدات القاموسية ، والصلات الدلالية بين مكونات الجملة ، كما بحثوا حتى الوحدات الصرفية ( المورفيمات المفردة ) والمعاني التي تتحقق من الصلات النحوية بين هذه الوحدات .
    وقد تنبه علماء اللغة المحدثين إلى تطبيق النحو في الدلالة فاتجه البحث إلى دراسة الجمل من ناحية العلاقات السياقية أو السنتاجماتية suyntagmatic relations في مقابل الصرف الذي يدرس العلاقات الجدولية أو البراديجماتية paradigmatic (1)، وأرى أن هذا الرأي لا يتسق مع آراء النحاة العرب في وظيفة النحو ، فليست دراسة الجملة في ضوء الدلالة من صنع المحدثين ، بل هم في ذلك تابعون للقدماء من العرب ، ودراسة شكل الجملة فقط تنسب إلى البنيوية وغيرها من المذاهب الشكلية (1) والنظام التركيبي ذو فاعلية في عمل المعنى المتعدد ، فهو جزء أساسي من حيوية اللغة ، وقد بذل المتقدمون ما في وسعهم من أجل توضيح هذه الفاعلية ، فانتظام الكلمات ونوع الترابط والانفصال بين العبارات والتفاوت الملحوظ بين صيغ الكلمات في العبارة كل أولئك كان مجالا واسعاً يكشف إمكانيات غير قليلة ) (3)
    لقد بالغ بعض النحاة العرب فذهبوا إلى كلمات مستترة وكلمات مقدرة ، بل لقد أعطوا هذه الكلمات أحكاما إعرابية وألزموها ضماً أو كسراً أو فتحاً ، وهذه الكلمات لا وجود لها ، وهذه الأحكام التقديرية التي تقوم على كلمات مفترضة ، وأحكام ظنية وعوامل متوهمة تشكل عقبة في طريق الدرس اللغوي الحديث ، الذي يبحث عن أيسر المناهج لتعليم اللغة ، فرأى بعض العلماء ضرورة التخلص مما ليس له وجود أو مما ليس فيه فائدة ، ويشكل عبئا على المتعلم

    1 ـ مناهج البحث في اللغة د . تمام حسان ص229 دار الثقافة 1400 هـ - 1979 م
    2 ـ التحليل اللغوي في ضوء علم الدلالة 124
    3 ـ دراسة لغوية لصور التماسك النصي د . مصطفى قطب ، دار العلوم 1417 هـ ـ 1996م ص17
    وقد رأت المدرسة البنيوية أو الشكلية ـ أن تفرق بين عنصري العبارة اللغوية ( عنصر اللفظ وعنصر المعنى ) وأن تحلل كلا منهما على حدة وفقا لطبيعة كل منهما ، وذلك لأن المعنى أمر نسبي يخضع تحديده للظروف الخارجية ، الانطباعات الجانبية والحالة النفسية ، أما العبارة فهي كيان مادي محدد الأجزاء ثابت الصورة ) (1)
    ولم تفصل المدرسة البنيوية بين الشكل والمعنى إلا فصلا مرحليا ، فدراسة الصورة اللفظية منفصلة عن المضمون الدلالي لا يعني إهمال الدلالة ، وذلك لأنه على الباحث أن يربط كل صورة لفظية بقالبها الدلالي .
    وقد رأى فيرث أن المعنى موجود حتى على المستوى الصوتي ، وهو في هذا يعتمد على نظرية تقول إن تمييز فرد من أفراد مجموعة عن سواه يعني تحديد مدلوله ، والتاء غير الهاء والقاف غير الكاف لما بين كل فرد من أفراد هاتين المقابلتين من وجوه شبه ووجوه اختلاف تميز واحداً منها عن الآخر ، وهذا التمييز في حد ذاته دلالة على مستوى هذه المقارنة ، وتوجد على المستوى الصرفي عناصر الدلالة أيضاً ، فالصرف morpheme مجموعة من الأصوات ذات الدلالة ، والعلاقة النحوية تتضمن دلالة كذلك ، أما الدلالة القاموسية فأوضح من أن تعرف ) (2)
    ويتبين من ذلك أهمية دور النحو في تحديد المعنى ، فالغاية من دراسة النحو هى فهم تحليل بناء الجملة تحليلاً لغوياً يكشف عن أجزائها ، ويوضح عناصر تركيبها ، وترابط هذه العناصر ببعضها الآخر ، لتؤدي معنى مفيدا ، ويبين علائق هذا البناء ، ووسائل الربط بينه ، والعلامات اللغوية الخاصة بكل وسيلة من هذه الوسائل ) (3)
    تشوسكي : كانت قضية المعنى من أسباب ثورة تشومسكي على المنهج البنيوي حيث لاحظ أنه غير على شرح العلاقات التي يمكن أن تقوم بين مختلف الجمل ، فقد تشترك جملتان في الشكل على حين تختلفان اختلافاً جذرياً في المعنى نحو :
    1 ـ صراخ المجرم لم يؤثر في الناس
    2 ـ عقاب المجرم لم يؤثر في الناس
    فالجملتان من حيث الشكل الخارجي متشابهتان تماماً ، في علاقة المفردات ببعضها .......ومع ذلك فالمعنيان مختلفان ، فتحليل ظاهر اللغة أو شكلها الخارجي لا يفسر دائما المعنى ، فالجملتان متشابهان في المظهر الخارجي ويحللان شكلياً بصورة واحدة ،ولكن المعنى مختلف تماماً ) (4)
    لقد ميز علما اللغة الحديث بين الجمل غير المقبولة لأسباب نحوية ، والجمل غير المقبولة لأسباب قاموسية أو لأسباب تتعلق بالمعنى ، فالجملة قد تكون صحيحة نحوياً ، ولكنها ليست كذلك دلالياً ، وقد ذكر تشوسكي جملة أصبحت شهيرة في الدراسات اللغوية المعاصرة للدلالة على ذلك ، وهى الأحلام أو الأفكار الخضراء عديمة اللون تنام غاضبة

    1 ـ التحليل الدلالي للجملة العربية د . عبد الرحمن أيوب ، المجلة العربية للعلوم الإنسانية عدد /10م 3/1983 ص108
    2 ـ المرجع السابق ص109
    3 ـ التحليل اللغوي في ضوء علم الدلالة 127
    4 ـ العلوم اللغوية ونظرية تشوسكي د . عطية سليمان أحمد الأصمعي 2006 الدمام
    فالجملة صحيحة من ناحية الشكل ومنحرفة قاموسياً ، أو غير مقبولة من ناحية المعنى ، ومن ثم فقد رأى تشومسكي أنها ليست نحوية أيضاً (1)
    هذه الآراء حول صلة الدلالة والمعنى بالتركيب تحدث عنه كما رأينا القدماء بما يتضح معه مدى الحاجة إلى دراسة تطبيقية لتوضيح مدى الترابط بين العلمين ( علم الدلالة وعلم النحو ) وقد قمت بهذا العمل من خلال دراسة بعض النصوص القرآنية التي تتصل بالنفس الإنسانية ، وقسمتها إلى محاور ـ كما يبدو من الدراسة التطبيقية ـ وجمعت الآيات المتشابهة من حيث المعنى والتركيب وتدور حول شيء واحد هو محور هذه المجموعة من الآيات ، فلاحظت أوجه الخلاف والاتفاق بينهما وإلى أي مدى يخدم هذا الخلاف أو الاتفاق المعنى أو أي مدى نجحت التراكيب اللغوية للآية في تصور المعنى المقصود منها .
    1 ـ علم الدلالة د . محمود جاد الرب مطبعة عامر بالمنصورة 1991 ص33
    دراسات تطبيقية لبعض آيات النفس في القرآن الكريم
    وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تحتوي على كلمة نفس ، فلماذا هذه الكلمة دون غيرها ؟ .
    لقد كانت هذه الكلمة خير تعبير عن الذات الإنسانية , حيث ترتبط الإنسان قبل ولادته حتى بعثه
    ودخوله الجنة أو النار ، فالمقصود بها هذا الشيء كائنا ما كان ( إنسان ـ حيوان ـ جماد ـ ملاك ـ شيطان )
    في كل حالاته حياً ميتا مبعوثاً بعد الموت في الدار الآخرة .
    فهي لفظة شاملة لكل شيء ، وللشيء في كل حالاته ( مادياً أو معنوياً ) محسوساً أو مفهوما ‘ ولهذا يعبر
    الحق عنها في القرآن الكريم كشيء مجسد محسوس حتى بعد فناء صاحبها لأنها الشيء الذي لا يفنى ،
    فأصبح قوله تعالى ( كل من عليها فان ) (1) يقصد به فناء الجسد ، أما النفس فما زالت باقية فيه ، فهي
    لا تفنى ، فتشهد حياة البرزخ ، ثم البعث والحساب وينتهي بها المآل إلى جنة أو إلى النار ،
    ولهذا كان التعبير بكلمة نفس دون غيرها أصح وأدق الألفاظ وذلك لإشارتها إلى شيء خالد لا يموت .
    أما كيف تناولها التعبير القرآني ، فإن هذا هو مدار الحديث في هذا البحث ، حيث نتناول هنا جانبين من
    القضية .
    الأول : المواقف أو الموضوعات التي تخص النفس الإنسانية وتعرض لها القرآن الكريم ، وإن كنا
    سنختار أهم الموضوعات وليس كل الموضوعات التي ذكرها القرآن الكريم
    الثاني : الطريقة اللغوية التي عبر بها القرآن الكريم عن تلك المواقف ، ويأخذ هذا الأمر عدة جوانب
    حيث ندرس بناء الجمل التي وردت فيها كلمة نفس من الجانب الصوتي والدلالي والبنائي والتركيبي .
    وكذلك المقارنة بين الآيات المتشابهة لمعرفة أوجه الخلاف والتشابه بينها، وسبب ذلك ، ونحاول
    أن نصل من خلال الآيات إلى أن نطابق بين المقصود من العبارة القرآنية ، وما قاله المفسرون وما يقوله
    النص من خلال التحليل اللغوي له ، وهو الهدف من الدراسة ، فهي دراسة لغوية لآيات النفس في القرآن
    الكريم ، وكذلك يمكن أن نعرف ما هى النفس الإنسانية من خلال تحليل الآيات القرآنية
    ( أهم المحاور التي تدور حولها لفظ نفس في القرآن الكريم )

    1 ـ خلق الإنسان
    2 ـ موت الإنسان
    3 ـ طبيعة النفس الإنسانية
    جزاء النفس في الآخرة
    تكليف النفس
    هداية النفس
    ظلم النفس
    البخل و الشح ومقاومتها
    1 ـ الرحمن 55/26
    الفصل الأول
    اللغة وطبيعة النفس القرآنية

    عبرت الآيات القرآنية عن النفس الإنسانية في حالاتها مختلفة ( موت ـ البدء ـ الهدى ـ الضلال ....... )
    بعبارات متنوعة تصور كل حالة على حدة وبطريقة متباينة ، فتقوم اللغة بالتعبير عن تلك الحالة
    بوسائلها المختلفة ، ونحن هنا إذ ندرس اللغة من خلال معاني النفس في القرآن ، نحاول أن نلقي الضوء على تل الوسائل .
    موضحين دورها الدلالي والتركيبي في التعبير عن خصائص هذه الحالة ، وإلى أي مدى نجحت تلك الوسائل
    في توضيح معنى الآية والمقصود منها .
    كما ذكرت آنفاً أن الآيات تناولت الحديث عن النفس بصور وحالات مختلفة ، ونحاول هنا أن نتناول بعض
    تلك الحالات باعتبارها محاور للبحث ، فكان أول محور للدراسة هو :
    ’’ حالة البدء ’’
    ( خـلق الإنسان )

    وهى بداية خلق الإنسان ، قد جاءت آيات كثيرة تعبر عن تلك المرحلة في حياة الإنسان ( بداية الخلق ) وهى في أغلبها جاءت بنص واحد مع اختلاف في المقام الذي تقال فيه ، وما يحيط بالقالب اللغوي الواحد من عبارات مختلفة ، وقد قسمت الآيات لمجموعتين
    ( أ ) المجموعة الأولى
    1 ـ النساء 4/1( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً
    كثيراً ونساء )
    2 ـ الأنعام 6/98 ( وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع )
    3 ـ الأعراف 7/189 ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ‘ وجعل منها زوجها ليسكن إليها )
    4 ـ الزمر 39/6 ( خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها )
    المجموعة الثانية ( ب )
    1 ـ الروم 3/21 ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة )
    2 ـ لقمان 31/28 ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير )
    3 ـ الشمس 91/7 ( ونفس وما سواها )
    في المجموعة ( أ )
    أولا ً : أوجه الاتفاق بين الآيات : ( المجموعة الأولى من الآيات ) ( أ )
    نجد الحق تبارك وتعالى يخبرنا أنه خلقنا من نفس واحدة ، وهى كما أجمع المفسرون آدم ، وخلق منه زوجته حواء ، والقالب اللغوي الذي عبر عن ذلك هو قوله تعالى
    الذي خلقكم من نفس واحدة (النساء )
    هو الذي أنشأكم من نفس واحدة ( الأنعام )
    هو الذي خلقكم من نفس واحدة ( الأعراف )
    خلقكم من نفس واحدة ( الزمر )
    الفعل (خلقكم ) + من + نفس + واحدة
    فهو توضيح وتأكيد من الحق تبارك وتعالى أنها نفس واحدة ، فنجد لفظة واحدة تشمل الفعل والفاعل
    والمفعول ، وهي ( خلقكم )أفادت معنى كاملا ،ً وهو الخلق ( الفعل ) مسند إلى صاحبه تبارك وتعالى
    ( الله )
    ومع مخلوقاته ، وصنعته هو البشر ، كل هذا نفهمه من كلمة واحدة ( خلقكم ) فلا حاجه هنا إلى الإطالة
    فهو حكم يصدره الحق تبارك وتعالى على الخلائق بأنهم جميعاً صنعته ، ولهذا تكررت أربع مرات بنفس القالب اللغوي في صورة لفظة واحدة لتختصر كل ما يقال حول ذلك من أكاذيب ، وجاء فعلها في زمن الماضي إعلاماً بأن هذا الأمر قد مضى وانتهى ، ثم كرر كلمة نفس أربع مرات وكذلك وصفها بواحدة لتأكيد المعنى .
    وقد تناوبت الآيات بين الفعل ( خلقكم والفعل أنشأكم )فجاء الفعل خلق ثلاث مرات
    أنشأ مرة واحدة ، فالأول مكون من ثلاثة أحرف والثاني من أربع أحرف ، فكان الثلاثي أكثر لتتحقق فيه صفة الحكم على البشر في كلمة واحدة أحرفها أقل ، وتلك طبيعة الحكم الصادر على الشيء بأن عبارته أوجز ، فكان الفعل الأكثر تكراراً هو الأقل عدداً في الأحرف ( خلق ) وتأتي باقي العبارة
    (من نفس واحدة ) فنجد أنه استخدم حرف الجر ( من ) دون غيره للتعبير عن مصدر الخلق وهو نفس آدم ، لماذا ؟ .
    إن ( من تجئ للتبعيض ولبيان الجنس ولابتداء الغاية في غير الزمان كثيرا ، وفي الزمان قليلا (1)ً ومن بين معاني ( من ) يكون المعنى هنا للتبيعض حيث يشير إلى أنها بعض هذه النفس فكل أبناء آدم بعض من نفسه .
    ثم تأتي كلمة (نفس ) لتطرح سؤالاً كبيراً ، هل هذا الجزء الذي خلقت منه حواء ، أهو جزء من النفس أم من الجسد ؟
    لقد أجمع المفسرون على أنه خلق حواء من ضلع آدم قال الطبري ( خلقكم من نفس واحدة يعني آدم ثم خلق منها زوجها حواء خلقها من ضلع من أضلاعه (2)
    إذن كيف يقول الحق تبارك وتعالى ( من نفس واحدة ) وهو من جسد آدم ؟
    هذا من باب المجاز المرسل حيث أطلق الكل وأراد الجزء ( علاقة كلية ) فالنفس يقصد بها الإنسان كله
    جسده وروحه ، فأطلق الكل ( النفس ) وأراد الجزء ( ضلع آدم ) وهذا أيضاً كما يقول أصحاب المعاجم أن كلمة نفس يقصد بها الروح والجسد ففي كتاب التكملة والذيل والصلة لما فات صاحب القاموس للزبيدي ( النفس بالفتح الإنسان جميعه : روحه وجسده ، إنما عبر بها عن الجملة لغلبة أوصاف الجسد على الروح حتى صار يسمى نفسا ) (3)
    (كلمة واحدة ) جاءت لتأكيد فكرة محددة وهى أن المصدر الذي أتت منه الأنفس جميعاً هو نفس واحدة ( نفس آدم ) ولهذا كان الحكم على بني إسرائيل بأن من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً بالعودة إلى المصدر حيث تساوت هذه النفس المقتولة في المكانة والعظمة عند الله بالنفس الأولى ( نفس آدم )
    1 ـ شرح ابن عقيل 2/17 المكتبة العصرية صيدا ـ بيروت
    2 ـ الطبري 13/198 المكتبة التوفيقية القاهرة
    3 ـ التكملة والذيل والصلة للزبيدي مجمع اللغة العربية ج 3 / 46
    وكأن هذه النفس المقتولة شعبة من النفس الأولى من حيث التمام والكمال في التكوين ، وهذا حق
    فكل الأنفس تطابق نفس آدم تماما بكل صفاتها فيكون مجمل المعنى المنشود من العبارة ( أن النفس التي خلق منها البشر جميعاً هى نفس آدم ) وأن هذا الخلق من صنع الله ، وأنه عبر عن خلق البشر وتناسلهم
    من مصدر واحد أتى منه جميع البشر بكلمة واحدة هى ( نفس ) ، ولا يفهم من ذلك إلا أنه إعجاز من الله ، حيث جعل الأنفس جميعاً تأتي من نفس واحدة ، ويجعل السؤال حول كنه النفس وماهيتها محيراً .
    ثانياً : الاختلاف بين الآيات :
    رغم اتفاق هذه المجموعة من الآيات السابقة في إصدارها حكماً واحداً ، وهو أن الله الذي خلقنا من نفس واحدة إلا أن هذه الآيات تختلف فيما يحيط بهذا القالب اللغوي
    [ هو + الذي + خلقكم + من + نفس + واحدة ]
    [ مبتدأ + خبر (اسم موصول) + صلة الموصول (جملة فعلية )+ حرف جر + اسم مجرور +صفة مجرورة ]


    فعل فاعل مفعول
    وهذا الشكل العام للتركيب الخاص بهذه الجمل إلا أن هناك ثلاث جمل من بين الأربع جمل والتي جاءت في هذا الشكل اتبعت بما يعرف بخاتمة الآية ، والحدث عن حواء قائلا : وجعل منها زوجها ـ ثم جعل منها زوجها ـ وخلق منها زوجها وجاءت الآيات بهذا الشكل لتفيد الترتيب في مراحل الخلق ، وتشير إلى المرحلة التالية لخلق آدم ، فحوت أدوات توضح ذلك منها .
    1 ـ الثلاث جمل تحتوي على ضمير واحد هو ( ها ) يعود على النفس [ منها < من + ها ]وهو يوضح أن هذه النفس ( نفس آدم ) هى مصدر الخلق التالي لآدم < حواء .
    فيظهر أمر التناسل في البشر منذ أخذ فرع من آدم لخلق حواء ( ضلع منه )وهو نوع من التكاثر موجود بين النبات ، فيصبح مصدر الخلق جميعا ( آدم ) رغم كثرتهم .
    2 ـ استخدم في الثلاث جمل كلمة واحدة إشارة إلى حواء ( زوجها ) وهذا لأنه يشير إلى شخص واحد في هذه الجمل ، فلا يصح التنويع خشية التضليل ، فكانت أسماء الأشخاص ثابتة : آدم = نفس ( زوجها ) + حواء .
    3 ـ التنوع في الفعل : ( جعل )جاء مرتين ، ( خلق ) مرة واحدة ، كان جعل مرتين ليشير إلى التحول في الخلقة من حيث النوع من ذكر إلى أنثى ، ثم جاء الفعل خلق ليذكرنا بأن إيجاد حواء خلق كخلق آدم
    ، وصناعة تماثل صناعته الأولى ولهذا تحتاج إلى هذا الإيجاد الثاني ولكن من نتفس مادة المخلوق الأول ، حتى لا ينفر منها ، بل يأنس إليها ، ويتم التآلف بينهما .
    ثم كان الفاعل في الثلاث جمل واحداً ، وهو الله سبحانه وتعالى والمفعول واحد ( المخلوق ) حواء
    4 ـ حرف العطف بين الجملتين : خلقكم من نفس واحدة + [ وجعل منها ـ ثم جعل منها ـ وخلق منها ] يشير هذا التنوع بين الواو وثمإلى اختلاف بين الجمل الثلاث في المواضع المختلفة منها ، فهي بين الواو ،وثم ، ولا اختلاف بين المفسرين في الواو ، حيث هي للعطف فقط ، فهي تجميع أنواع العطف ( اختصت الواو ـ من بين حروف العطف ـ بأنها يعطف بها ، حيث لا يكتفي بالمعطوف عليه ) (1)
    أما ( ثم ) فحولها خلاف كبير ‘ فعلم الدين السخاوي يقول ( فإن قلت ما وجه دخول ثم في قوله ثم جعل منها زوجها ، قلت هما آيتان عظيمتان دالتان على قدرته ووحدانيته ، ثم شعب هذا الخلق الكثير الذي لا يحصر من رجل واحد ، ثم خلق الزوجة من الرجل ، وجعلها من جنسه ليكون الأنس أتم .....فعظمها بثم للدلالة على أنها أتم في كونها آية ، فهو من التراخي في الترتيب ، وقيل التقدير : خلقكم من نفس وجدت ، ثم شفعها الله تعالى بزوج ، وقيل أخراج ذرية آدم من ظهره كالذر ، ثم خلق بعد ذلك حواء (2)
    فقد أفادت ثم هنا الترتيب مع التراخي ، وفي هذا القول الأخير للسخاوي نرى كيف كان خلق البشر جميعا من آدم وحده ، رغم أن التناسل لا يتم إلا من ذكر وأنثى ‘ فقد خلق آدم أولا ، ثم خرجت منه ذريته ، ثم خلقت حواء من قصيراه ، ثم تتابع التناسل منهما معاً .
    ويقول الرازي ( فإن قيل كيف يقول هذا والزوج مخلوق قبل خلقهم ؟ قالوا إن كلمة ثم كما تجئ لبيان كون إحدى الواقعتين متأخرة عن الثانية ، فكذلك تجئ لبيان تأخر أحد الكلامين عن الآخر ، كقولك : بلغني ماصنعت اليوم ، ثم ما صنعت الأمس كان أعجب ( 3 )
    وهو ما قاله من قبله الطبري من أن العرب ربما أخبر الرجل منهم عن رجل بفعلين ، فيرد الأول منهما في المعنى ب( ثم ) إذا كان من خبر المتكلم ، كما يقال : قد بلغني ما كان منك اليوم ، ثم ما كان منك أمس أعجب
    1 ـ شرح ابن عقيل 2/208
    2 ـ تفسير القرآن العظيم للسخاوي 2/1210 رسالة دكتوراة جامعة الفيوم كلية دار العلوم
    3 ـ التفسير الكبير 13/223
    ،فذلك نسق من خبر المتكلم (1) ولكن الطبري نفسه يأخذ برأي آخر هو [ والقول الذي قاله أهل العلم أولى بالصواب وهو أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه قبل أن يخلق حواء ] (2) وهذا يعني أن ثم أفادت الترتيب مع التراخي بين الحدثين خلق آدم وخلق حواء ، ليكو ن بين ذلك إخراج ذرية آدم من9 فيما بين الحدثين .
    ثالثاً : مكملات الآيات :
    تختلف الآيات السابقة من حيث الإطار الذي ترد فيه في كل موضع ، مما يدل على أن هذا التكرار لم يأت عبثا ، بل جاء في إطار سياقات مختلفة لكل سياق هدفه الخاص ، ما بين الإيجاز في عرض القضية ، والإطالة في توضيح كل جوانبها مع الربط بين هذه القضية والموضوع الخاص بهذا الموضع .
    أ ـ الإيجاز :
    1 ـ ( هو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع ) ( الأنعام 6/98)
    وهنا نرى ايجازاً شديداً في عرض القضية ، كما يقول القطبي ( هو الذي أنشأكم من نفس واحدة ) يريد آدم عليه السلام ...... قال ابن مسعود : فلها مستقر في الرحم ومستودع في الأرض التي تموت فيها....وأكثر
    أهل التفسير يقولون : المستقر ما كان في الرحم والمستودع ما كان في الصلب (3)
    ورغم الاختلاف في معنى المستودع ، فهذا الكلام يشير إلى بداية الخلق ونهايته بايجاز شديد ، لأن هذا الكلام ورد في إطار تعدد دلائل قدرة الله في موضع يحتاج إلى الإيجاز يقول الفخر الرازي ( هذا نوع رابع من دلائل وجود الإله وكمال قدرته وعلمه وهو الاستدلال بأحوال الإنسان فنقول لا شبهة في أن النفس الواحدة هى آدم وهى نفس واحدة ، وحواء مخلوقة من ضلع من أضلاعه فصار كل الناس من نفس واحدة وهى آدم (4)
    إذن فقضية خلق الناس جميعا من نفس واحدة ، استقرت بالرحم ، وانتهت بالقبر ضمن قضايا الإعجاز الإلهي لا يحتاج الموضع أكثر من هذا مع الحفاظ على القالب اللغوي الذي يتكرر في كل آية من الآيات الأربعة [ وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة ]
    2 ـ [ خلقكم من نفس واحدة ، ثم جعل منها زوجها ] الزمر 39/6
    وقد جاءت هذه الآية في نفس الإطار الذي ذكرناه آنفا وهو إطار تعدد إعجاز الله وآيات قدرته يقول فخر الدين الرازي (إنه تعالى أتبع ذكر الدلائل الفلكية بذكر الدلائل المأخوذة من هذا العالم الأسفل ، فبدأ بذكر الإنسان ( خلقكم من نفس واحدة ، ثم جعل منها زوجها ) ودلالة تكون الإنسان على الإله المختار قد سبق بيانها مراراً كثيرة ...... واعلم أنه تعالى لما ذكر الاستدلال بخلقه الإنسان على وجود الصانع ذكر عقيبه الاستدلال بوجود الحيوان عليه فقال ( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ، وهى الإبل والبقر والضأن والمعز وقد بينا كيفية دلالة هذه الحيوانات على وجود الصانع(5)

    1 ـ الجامع لأحكام القرآن 13/198
    2 ـ المرجع السابق 13/198
    3 ـ المرجع السابق 7/299
    4 ـ التفسير الكبير مجلد 7/ص84 ـ 86
    5 ـ المرجع السابق مجلد 13/ص224
    وهذا الكلام يوضح أن في الآيتين إيجاز فرضه موضع الحدث ،وهو تعدد آيات قدرة الله وكمال صنعه ، مع الحفاظ على القالب اللغوي هنا أيضا ( خلقكم من نفس واحدة ) ، ثم جاءت زيارة استدعاها أيضاً سياق الحديث في سورة الزمر عكس ما في الأنعام ، وهى قوله( ثم جعل منها زوجها ) سوف يستفيض فيه في باقي الآيات بعد ذكر الأنعام ، فهو تفصيل أتى بعد الإجمال وهو قوله في نفس الإية ( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث
    ب ـ الإطالة :
    1 ـ قال تعالى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) النساء4/1
    هذه آية واحدة ذكر فيها الحق تبارك وتعالى بدء خلق الإنسان من آدم ، ثم انتشار النسل بعد خلق حواء منه ، فخلق رجالاً ونساءً كثيرا ، وجاءت ضمن أمر وجهه الله لعباده وهو التقوى ، وقد جعل الحق تبارك وتعالى هذا المطلع لسورتين كما قال الرازي ( في سورة النساء وسورة الحج وهو قوله ( يا أيها الناس اتقوا ربكم ) ، ثم أنه علل الأمر بالتقوى في هذه السورة بما يدل على معرفة المبدأ ، وهو أنه تعالى خلق الخلق من نفس واحدة ، وهذا يدل على كمال قدرة الخالق وكمال علمه....، وعلل الأمر بالتقوى في سورة الحج بما يدل على كمال معرفته بالمعاد ، وهو إن زلزلة الساعة شيء عظيم ، فجعل صدر هاتين السورتين دلالة على معرفة المبدأ ومعرفة المعاد ، وقدم السورة الدالة على المبد أعلى السورة الدالة على المعاد ...اعلم أنه تعالى أمرنا بالتقوى وذكر عقيبه أنه تعالى خلقنا من نفس واحدة ،وهذا مشعر بأن الأمر بالتقوى معلل بأنه تعالى خلقنا من نفس واحدة ، ولابد من بيان المناسبة بين هذا الحكم وبين ذلك الوصف ، فنقول قولنا أنه تعالى خلقنا من نفس واحدة ، يشتمل على قيدين أحدهما أنه تعالى خلقنا ، والثاني كيفية ذلك التخليق ، وأنه تعالى إنما خلقنا من نفس واحدة ولكل واحد من هذين القيدين أثر في وجوب التقوى ) (1)
    هذا القول للرازي يربط فيه بين الأمر المذكور في أول الآية ، والوصف الذي ذكر فيه قدرة الله على الخلق بما يستوجب علينا تقواه ، ثم لتمام عظمة هذا الحدث ( خلق آدم ) تطرق الحديث إلى حواء ، ثم السلالة التي جاءت منهما ، ثم الحث على التقوى بتكرار الفعل ( اتقوا ) مرة أخرى مشيراً إلى شيء من جنس خلق آدم وحواء وأبنائهم ، وهو ما بينهم من صلة رحم ، فهم من آدم وحواء وبينهم هذا النسب الأصيل ، فيجب أن يحافظوا على تلك الصلة التي بينهم ويتقوها
    ويناقش التركيب اللغوي لهذه الإضافة ( وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ) قائلاً ( لم يقل : وبث منهما الرجال والنساء ، لأن ذلك يوجب كونهما مبثوثين عن نفسهما وذلك مجال ، فلهذا عدل عن هذا اللفظ إلى قوله ( وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ) فإن قيل : لم لم يقل وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً وكثيراً ؟ ولم خصص وصف الكثرة بالرجال ودون النساء ؟ قلنا : السبب فيه ، والله أعلم ، أن شهرة الرجال أتم ، فكانت كثرتهم أظهر فخصوا بوصف الكثرة (2)
    1 ـ التفسير الكبير مجلد 5/135
    2 ـ المرجع السابق مجلد 5 /138
    إذن فالإطالة هنا لغرض ما ، وهو توضيح عملية التكاثر والتناسل بين البشر من البداية ( آدم ) ، ثم حواء ، ثم بث منهما الرجال والنساء . ( فإن قيل كيف يصح أن يكون الخلق أجمع من نفس واحدة مع كثرتهم وصغر تلك النفس ؟
    يقول فخر الدين الرازي : ( قلنا قد بين الله المراد بذلك لأن زوج آدم إذا خلقت من بعضه ، ثم حصل خلق أولاده من نطفتهما ، ثم كذلك أبداً ، جازت إضافة الخلق أجمع إلى آدم (1)
    وهذا يعني صحة القول : ( من نفس واحدة ) ليطلق على كل البشر ، فكانت هذه الآية تفصيلاً وتوضيحا لكيفية أن الله خلقنا من نفس واحدة ، كل هذا التوضيح مع الحفاظ على القالب اللغوي في الآية [ الذي خلقكم من نفس واحدة ] كما في الآيتين السابقتين
    2 ـ هو الذي خلقكم من نفس واحدة ، وجعل منهما زوجها ليسكن إليها ، فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به ، فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين ، فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما ، فتعالى الله عما يشركون ) الأعراف 7/189 ، 190
    هذه الآية أكثر طولا ، وقد تعرضت لعملية الخلق بتفصيل أكثر من سابقتها ، حيث أشارت إلى خلق الإنسان منذ بدايته من آدم ، ثم خلق حواء ، ثم عملية التناسل بين البشر بداية بالجماع الذي أوجد الإنسان من نطفة ، ثم حمله ، وولادته ، كل هذا التفصيل ليوضح فضل الله على البشر وحفظه لهم في كل هذه المراحل ، ليقول في النهاية : فإذا هم يكفرون بي بعد هذه الفضائل والتجليات التي مننت عليهم بها ، فكان يجب الإطالة في هذا المقام حتى تنتفي العلة في الكفر بعد تلك الآيات المعجزة
    قال السخاوي موضحا الرابط بين الآية الأولى والثانية ( وقيل هو الذي خلقكم يا معشر العرب من نفس واحدة ، وهى قصى ، وجعل من جنسها زوجها إلى أن قال : جعلا له شركاء فسموا أولادهم عبد مناف وعبد شمس وعبد الدار ، وهذا مال إليه الزمخشري ، وهذا لا يبقى عليه سؤال إلا بعد اللفظ عن إرادة قصى بن كلاب بن مرة ) (2)
    ويؤكد هذا الرأي ما نجده لدى الرازي رداً على من قال : إن المقصود بهذا القول آدم وحواء فهما اللذان دعوا الله ، ثم جعلا لله شركاء فيما آتاهما ، قال : ( إن هذا التأويل فاسد ويدل عليه وجوه
    الأول : أنه تعالى قال ( فتعالى الله عما يشركون ) ، وذلك يدل على أن الذين أتوا بهذا الشرك جماعة
    الثاني : قال بعده ( أيشركون مالا يخلق شيئاً وهم يخلقون ) مما يدل على أن المقصود الرد على من جعل الأصنام شركاء لله تعالى
    الثالث : لو كان المراد أبليس لقال : أيشركون من لا يخلق شيئاً ، ولم يقل : مالا يخلق شيئاً ، لأن العاقل : إنما يذكر بصيغة ( من ) لا بصيغة ( ما ) (3)

    1 ـ المرجع السابق 5/137
    2 ـ التفسير الكبير مجلد 8 ص71
    3 ـ الكشاف 2/109
    وذكر إلى جانب ذلك أسباباً أخرى يرد بها هذا الرأي ، والذي نلاحظه هنا ونقلناه من قوله في الرد استخدامه وسائل لغوية لتوجيه الآية ، واختبار رأي ما في تفسير الآية ، ثم يذكر تأويل القفال ( فقال : إنه ذكر هذه القصة على تمثيل ضرب المثل ، وبيان أن هذه الحالة صورة حالة هؤلاء المشركين في جهلهم ، وقولهم بالشرك ، وتقرير هذا الكلام كأنه تعالى يقول : هو الذي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة ، وجعل من جنسها زوجها إنساناً يساويها في الإنسانية ، فلما تغشى الزوج زوجته، وظهر الحمل دعا الزوج والزوجة ربهما ، لئن آتيتنا ولداً صالحاً سوياً لنكوننً من الشاكرين لآلائك ونعمائك ، فلما آتاهما الله ولداً صالحاً سويا ، جعل الزوج والزوجة لله شركاء فيما آتاهما ،
    لأنهم تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائع .......وتارة إلى الكواكب .....وتارة إلى الأصنام (1)
    وكل هذه المجموعة من الآيات (أ) نجد القالب اللغوي يتكرر وهو ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) إشارة وتذكرة لهذا الفضل ، وحكم له بالإعجاز في خلق كل البشر من شيء واحد في البداية ، ثم خلق الشريك الآخر لتتم عملية التكاثر والتناسل من نقطة البدء هذه ( آدم ) ، وتلك معجزة أخرى بعد البدء ، وهى عملية التكاثر إن عملية الخلق بهذه الخاصية ( التكاثر ) لم يصنعها أحد من قبل أو من بعد سوى الله وتلك قمة الإعجاز في خلق البشر ، ولهذا لا يتحدى بالبعث لأن البدء أصعب من الإعادة بالبعث .
    المصاحبات اللغوية لبيان المعنى :
    وهذا المعنى الإعجازي قد بينته الآيات السابقة بمكملاتها وبواسائلها اللغوية المختلفة فمنها :
    1 ـ استخدام قالب لغوي واحد لتأكيد المعنى ، وإظهاره في صورة حكم قاطع يسهل تكراره ، وهو قوله ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) وقد تكرر في أربع آيات من القرآن الكريم .
    2 ـ استخدام كلمة نفس للإشارة إلى آدم دون غيرها من الكلمات مثل رجل أو إنسان للإشارة إلى الجانب الحي في الإنسان ، وهو عنصر التنفس الذي هو أساس الحياة ، فقد خلقكم من شيء حي ، يتنفس ، فمن فقد التنفس فقد الحياة ، والقدرة على التوالد ، فكان التعبير بالنفس أدق .
    3 ـ وصف النفس بالواحدة للتأكيد على جانب الإعجازي في الخلق ، فكل الخلق جاء من نفس واحدة هى آدم، ثم خلق حواء من آدم ، فالناس جميعاً خلقوا قبل خلق أمهم حواء ، ولذلك قال بعدها : ( وخلق منها زوجها ) من آدم ، ثم خلق بعد ذلك حواء ، فمن ممن يدعى أنه إله قد فعل ذلك ؟ وهو سبحانه يتحدى بهذه العملية ( الخلق ) كل من أشرك به ، ولكنهم لا ينكرون ذلك رغم شركهم .
    1 ـ المرجع السابق المجلد الثامن ج 15 ص72
    4ـ تكرار هذه الآيات التي فيها إشارة إلى أنه خالق الخلق ، مما يدل على أنه يعتز بصناعته ، وهى خلق الناس من نفس واحدة ، وحق له أن يعتز ويفتخر ويقسم بما صنع
    5 ـ استخدام الضمير ( هو ) بدلا من أنا ، ومن لفظ الجلالة ( الله ) هو تعظيم لا يدركه إلا من أنار الله بصيرته ، وحيث يعني الضمير ( هو ) الإشارة إلى الحاضر الغائب ، فهو سبحانه الحاضر في كل صنعة صنعها ، وعلى رأسها خلق الناس من نفس واحدة ، والغائب عن عيون خلقه العاجزة عن أن تبصره لضعف إيمانها فلو آمنت به حق الإيمان لرأته في كل ما خلق .
    وأيضا لإثارة انتباه السامع بالبحث عن العائد عليه الضمير ( هو ) في الجملة . 6 ـ استخدام ضمير المخاطب ، وميم الجمع في خلقكم ، للإشارة على عموم البشر ، وتوجيه الخطاب إليهم وليصبح الخطاب موجهاً مباشرة إليهم وبدون وسيط ، ولهذا وجب عليهم الرد بالنفي ، إذ ا كان هناك خالق غيره ، ولم يحدث ، فثبت بذلك أحقيته في أنه الخالق سبحانه وتعالى
    7 ـ جعل الاسم الموصول خبراً ، وهو المعروف بافتقار ه إلى جملة الصلة ، فكان عنصر تشويق لمعرفة جملة الصلة ، وإزالة الإبهام عن الاسم الموصول بقوله ( خلقكم ) ، وجعلها فعلية للدلالة على الحدث
    وهو الخلق ، وفعلها ماض للدلالة على انتهاء هذا الحدث .
    8 ـ جعل تبارك وتعالى الإعجاز في شيئين عبر عنهما بكلمتين ، الأولى : خلقكم ، والثانية من نفس واحدة ، فكانت الأولى تعبيراً عن الحدث المعجز ، وهو أنه سبحانه خلقنا ، وهذا الفعل المعجز لم ينسبه أحد لنفسه سوى الله ، والثانية أن هذا الخلق جميعه جاء من نفس واحدة ، وتلك معجزة أخرى ، وهى القدرة على التوليد للأشياء من شيء واحد ، لم يصنعها أي صانع أو خالق سوى الله .
    المجموعة ( ب ) ما يتصل بالبدء من آيات

    1 ـ الشمس 91/7 ( ونفس وما سواها )
    هذه الآية تتصل بأمر خلق الإنسان وبالنفس الإنسانية ، فنجد الحق تبارك وتعالى يقسم بالنفس لعظمتها عنده ، وأعظم ما فيها خلقها وصناعتها ، ولهذا أقسم بعملية الخلق بعد القسم بالنفس ، يقول القرطبي ( سواها : سوى خلقها وعدل ، وهذه الأسماء كلها مجرورة على القسم ، أقسم جل ثناؤه بخلقه لما فيه من عجائب الصنعة الدالة عليه (1)على أن المراد بالنفس آدم كما قال الألوسي (2) ، ورأى الرازي أن تنكير النفس فيه وجهان ، أحدهما أن يريد به نفساً خاصة من بين النفوس ، وهى النفس القدسية النبوية ، .....ونفس إشارة إلى تلك النفس التي هى رئيسية لعالم المركبات رياسة بالذات، الثاني : أن يريد كل نفس ، ويكون المراد من التنكير التكثير عل الوجه المذكور في قوله ( علمت نفس ما أحضرت ) ( 4 )
    ويذكر الطبري رأياً أخر في النفس قائلاً ( يعني جل ثناؤه بق

    تعاليق: 3

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 8:46 pm