[center]
بعض الأمثلة: شهرة آدم ـ وصيّ آدم
أولا مرحلة التكوين :
نوع العلاقة : من الجزء المكون إلى الخاصية المميزة ، حيث كونّا من صفة آدم ، وهـي أنه أشهر الخلق فهو أبو البشر ، ومن كون آدم الوصيّ على أبنائه هذا التركيب الإضافي ، وهـــو في مرحلة التكوين ، فقامت العلاقة هنا بين المتضايفين على رابط استعاري يعمل في إتجاه أفــقي، وهويربط بين صفة الشهرة والنمط النموذجي (دراجة عمرو) الدال على الملكية بعلاقة تســــمى
( من الجزء المكون إلى الخاصية المميزة ) على اعتبار أن هناك علاقة بين الجزء المكون فـــي نحو:حديد السيارة ومعنى الخاصية المميزة في نحو : قوة الشخصية ، بناء على استعارة تصورية مفادها أن الخصائص المميزة أجزاء مكونة )(1) لقد تكون من إضافة الصفة المميزة إلى الشخص ذلك التركيب الإضافي:شهرة آدم ـ ووصيّ آدم ، بناء على تلك العلاقة (من الجزء المكون إلـــى الخاصية المميزة له) .
ثانيا : مرحلة الإبداع والتوليد :
تأتي استعارة أخرى ، وهي إطلاق هذا التركيب الإضافي على كل شخص يـحمل ضـــــمن خصائصه المميزة تلك الصفات الشخصية مثل : الشهرة والوصاية ، فيأتي الإبداع في االربط بين الشخصين ، لاجتماعهما على صفة واحدة (الشهرة ـ الوصاية ) فيطلق اسم الشخص القديـــــم (النموذج الأصلي )على الشخص الجديد ، فيقال لفلان أنت وصيّ آدم ، وأنت لك شهــــــرة آدم ، بناء على اجتماعهما (آدم وفلان) علي صفة واحدة تعد من الصفات الشخصية المميزة لهما .
ويمكن رسم العلاقة الدلالية هنا وتطورها بالشكل الآتي :
شهرة آدم _ (علاقة من الجزء المكون إلى الخاصية المميزة ) لكل إنسان له شهرة آدم.
صبر أيوب ـ داء الأنبياء ـ فقر الأنبياء
أولا : مرحلة التكوين : نوع العلاقة: من المالك إلى المُعانى
هذه التراكيب تكونت بناء على علاقة هي ( من المالك إلى المُعاني ) ففي استعارات مثل : لا يملك هذا الرجل شفقة ولا رحمة ، فيبدو أن هناك علاقة بين المُعاني في نحو: حزن زيد ، ومعنى المالك في نحو: دراجة عمرو ، مثلا ، بناء على رابط استعاري مفاده أن المُعاني مالك لمعاناته ، فالحزن ملك لزيد ، وكذلك الصبر ملك لأيوب ، وهو مالك له ، وهو المعاني منه ، وكذلك :فقر الأنبياء ، و داء الأنبياء ، فهم يملكون الفقر، والداء ويعانون منهما .
ثانيا : مرحلة التوليد والإبداع :
ثم يأتي جانب التوليد في استعارة هذه العبارات التي تقوم على : علاقة الملكية > من المالك إلى المُعاني > للدلالة على إنسان يمر بنفس المعاناة ، فيقال :فلان له صبر أيوب،وفلان عنده داء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1)النظرية اللسانية والدلالة العربية المقارنة 103
الأنبياء ، وفلان لديه فقر الأنبياء، وهو انتقال دلالي على مستوى الأشخاص ، وليس على مستوى الصفات ( الصبر ـ الداء ـ الفقر ) أي أننا استعرنا الصفات من الأشخاص في النمط النموذجـي للتعبير عن تلك الصفات لدى أشخاص آخرين مع اصطحاب أسماء هؤلاء الأشخاص من النــمط النموذجي للتعبير عن بلوغ الغـاية في تلك الصفة الموجودة لدى هؤلاء الأشخاص في الــنمط النموذجي،فأصبحت لدى قوم آخرين معاصرين ، يعانون من نفس الأشياء ، فكل الناس بهم صبر وفقر وداء ، ولكن عند إضافتها للأنبياء، فهو دليل على بلوغهم الغاية في هذه الصفات.
ويمكن تصور هذه العلاقة الدلالية بهذا الشكل :
صبر + أيوب (من المالك إلى المُعاني) تقال لمن بلغ الغاية في الصبر
داء + الأنبياء ( من المالك إلى المُعاني) تقال لمن يحمل داء شديدا كالأنبياء .
دم يحيي بن زكريّا
أولا مرحلة التكوين : نوع العلاقة : من المالك إلى الضحية
وجود جمل مثل :نال زيد عقابا شديدا ... تشير إلى وجودعلاقة بين معنى الضحية في نحو : حادثة زيد،ومعنى الملكية على أساس رابط استعاري مفاده أن ما يقع لنا يعتبر ملكا لنا،وكذلك ما وقع ليحيي من قتل حوله إلى ضحية عبر عنها بكلمة دم مع إضافتها إليه فقلنا :دم يحيي، فارتبط كل منهما (الدم ويحيي) برابط استعاري مفاه أن ما يقع لنا هو ملك لنا ، فالدم الذي سال ظلما من يحيي هو ملك له .
ثانيا مرحلة الإبداع :
ويأتي الإبداع من توليد معان جديدة من هذا التركيب ، حيث يستعار للتعبير عن كل مقتول ظلما، فيقال : هذا دم يحيي ، لرجل ظلم في عمله أومسكنه ،أو أي شيء غير القتل ،فتتحول العبارة إلى رمز للظلم، يستحضر في مواقف ، والنطق بها اختصارا(كعبارة مسكوكة ) لحديث طويل.
علاقات جديدة بين المتضايفين
هناك علاقات كثير تقوم بين المتضايفين من تــحت عـباءة علاقة الملكية ، بسبب الروابط الاستعارية المختلفة التى تنشأ بينهما ،غير العلاقات التى ذكرها د. غاليم تحت مــــسمى الروابط الاستعارية الأفقية ، منها :
1 ـ علاقة معرفية :
إن ما نملكه من معرفة يعتبر ملكا لنا، ولهذا تعتبر عبارة مثل :طب عيسى ، تقوم على علاقة الملكية ، أي طب لعيسى ، وهي بذلك ترتبط بالنمط النموذجي (دراجة عمرو ) بناء على رابط استعاري مفاده أن ما نعرفه من علوم ومعرفة ملك لنا ، فهذا الطب ملك لــــعيسى ، وقد وهبه الله القدرة على شفاء كل المرضى ، ولهذا تـــحول عيسى بعلمه في الطب إلى مكانة القمة في مجال الطب ، بل هو مضرب المثل في هذا الباب ، فاســتخدمت هذه العبارة (طب عيسى) للإشارة لمن برع في هذا الباب ، وهنا تأتي مرحلة التوليد ، والإبداع في تــوظـيف هذه العبارة لموقف جديد مشابه للموقف الأصلي للعبارة،وتتحول العبارة إلى عبارة مسكوكة،ترمز لمن له علم في الطب.
2ـ علاقة تاريخية :
مرحلة التكوين: إن ما يمر بالإنسان من أحداث تعد تاريخا له ، وملكا له ، ولهذا تقوم بين الحدث وصاحبه علاقة أساسها الملكية،فهي ملك له، وضمن تاريخه الشخصي،بل يمكن أن نؤرخ له بناء على هذا الحدث ،ففي عبارة مثل(سنو يوسف) وهي السنوات التي عاشها المصريون في شدة وقحط ، وكانت ســـــــــــبعا متواترة،وهنا رابط استعاري سمح لنا أن نقيم هذه العلاقة بين المتضايفين في ما سميناه بمرحلة التكوين ، وهي العلاقة التاريخية بين تلك السنين، والقائم على خزائن المال فيها وهو يوسف عليه السلام ، فأصبحت ملكا له ، أي سنوات ليوسف ، بتقدير اللام
ثم تأتي مرحلة التوليد والإبداع في توظيف هذه العبارة للدلالة على المعنى نفسه (الشدة والقحط) فنقول على قوم في شدة :إنهم يعيشون في سنو يوسف .
ومثلها عبارة : عمر نوح ، وهو يعد تاريخا ،لارتباطه بزمن هو عمرنوح ليعبر بها بعد ذلك عن طول العمر ، فيقال : فلان له عمر نوح .
3 ـ علاقة آلية:
يرتبط الإنسان بالآلة التي يعمل بها ،بناء على رابط استعاري مفاده أن ما لدينا من آلات ملك لنا ،أي على أساس علاقة ملكية ،وهي علاقة الملكية نفسها الموجودة في النمط النموذجي (دراجة عمرو) ويدخل من هذا الباب كثير من العبارات التي ذكرها الثعالبي ، منها ما كان جمادا أو حيوانا ،وهى تكون هنا معجزات الأنبياء وكتبهم:
درع داود ـ مزامير داود ـ خاتم سليمان ـ عصا موسى ـ قميص يوسف ـ سفينة نوح ـ غراب نوح ـ صحف إبراهيم ـ ناقة صالح ـ نار موسى ـ نارإبراهيم ـ يد موسى ـ حوت يونس ـ جن سليمان ـ حمار عزير .
يقوم المتكلم باستعارة هذه العبارات لمواقف مشابهة ، لوجود رابط استعاري ما يسمح له باستعارتها ، كل عبارة تستخدم في الموقف الذي يناسبها
الباب الثالث من كتاب الثعالبي
فيما يضاف وينسب إلى الملائكة والجن والشياطين
جمع الثعالبي في هذا الباب كل الأشياء الغيبية التي لا ترى بالعين ( الملائكة والجن والشياطين ) وهذه المخلوقات قد وضعتها نظرية الحقول الدلالية تحت مسمى الكائنات الخفية متفرعة من حقل أعلى ،وهوحقل الموجودات ،كما في هذا الشكل :
حقل الموجودات >> الموجودات الحية >> قوى وكائنات فوق الطبيعة >> كائنات خفية
وارتبطت هذه المخلوقات بحياة البشر بشكل كبير لأسباب كثيرة منها :
1ـ أنها شرط من شروط الإيمان بالله أن تؤمن بالغيب : من ملائكة وكتب ورسل وجن وشياطين.
2ـ حاجة الإنسان إلى قوى أكبر منه تحميه من الشر ،ولذا بحث عنها في الغيب: ملاك أوشيطان
3 ـ اعتبارهذه المخلوقات نمطا نموذجيا عند كل البشر ممثلا للخير (فيما يضاف إلى الملائكة ) وممثلا للشر(فيما يضاف إلى بالشاطين).
في ضوء هذه الأسباب السابقة يمكننا أن فهم طبيعة العلاقة التي تربط بين المتضايفين في كل عبارة ، وخصوصا السبب الثالث ، حيث يشير إلى أن أبطال هذه العبارات صور تحتذى في الخير والشر ،وعلى هذا الأساس يمكن أن نفسر العبارات الإضافية المختلفة ، بل يمكن أن نقسم العلاقات التي تربط المتضايفين هنا على قسمين كبيرين :
الأول: فيما يختص بالملائكة الثاني :فيما يختص بالشياطين والجن
الملائكة
ذكر الثعالبي تحت هذا الاسم مجموعة من العبارات مثل : خط الملائكة ، طاوس الملائكة ، غسيل الملائكة ، قوط الملائكة ، سيرة الملائكة ، جناح الملائكة ،جناح جبريل .)(1)
الشياطين والجن
ويذكر تحت هذا الاسم مجموعة عباراتن منها:سحر هاروت،رماح الجن ، ديك الجن ، كلاب الجن،ذبائح الجن ، جند إبليس،إبليس الأباليس ، صديق إبليس ، قبح الشيطان ، خطوات الشيطان، أصابع الشيطان،رقى الشيطان،مكيال الشيطان ،ظل الشيطان ،لطيم الشيطان ، مخاط الشيطان ، بريد الشيطان ، وكر الشيطان ،حبائل الشيطان ،خمر الشيطان ،رءوس الشيطان )(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ثما رالقلوب 63
2) المرجع السابق 63
أولا : الإضافة إلى الملائكة
1 ـ خط الملائكة :
مرحلة التكوين : لقد تكونت هذه العبارة بناء على علاقة بين كلمتي الإضافة ،و هـــــي علاقة الملكية، فهذا الخط ملك للملائكة ، وعلى رابط استعاري أفقي، هو العلاقة بين الآلة وصــاحبها ، وهي العلاقة التي تربط بين الخط كآلة للكتبة (الملائكة) ،وهوغير واضح أو معروف ،رغم أن الحق قال عنهم (كراما كاتبين )[الإنفطار82] ونظرا إلى أن الناس لم يشاهدواهذا الخــــــط ،وأن أحسن الخط أبينه، أعتبر الناسُ خط الملائكة نموذجا للخط الرديء .
مرحلة الإبداع : قام الناس بتوظيف هذه العبارة للدلالة على الخط الرديء، لعلاقة المشابهة التي تربط بين الخط الرديء وخط الملائكة،وهذا الشبه هو عدم الوضوح، فاستعيرت هذه العبارة للدلالة على هذا المعنى في كل خط ردئ للإنسان بأنه كخط ملائكة .
2ـ طاوس(1) الملائكة :
مرحلة التكوين:يقصد به جبريل،لقد ارتبطت كلمتي الإضافة في هذه العبارة بشيئين مختلفين ، و بعالمين متباينين ، هما عالم الطيور، وعالم الملائكة ،عالم ظاهر ، وعالم خفي، ولاتوجد علاقة بينهما ، إذن ما الرابط بينهما ؟
ننظر إلى مكانة كل من الشخصين ( المضاف والمضاف إليه) في عالمهما،فنجد الطاوس زعيم الطـــــيور، وملكهم ؛ نظرا لشدة جماله ، وكذلك جبريل زعيم الملائكة ، ولهذا جاز هذا التركيب (طاوس الملائكة ) لما اجتمع في الشخصين من علو المكانة والزعامة في عالمهما ، فالسبب في هذا التركيب والرابط فيه هوعلاقة المشابهة ، التي أجازت استعارة صفة الزعامة في الجمال من الطاوس ، لتضيف لجبريل إلى جانب صفة الزعامة في القيادة صفة الزعامة في الجمال، ويمكن تصور ذلك من خلال هذا الشكل :
كلمتي الإضافة : طاوس + الملائكة(جبريل)
1ـ الصفةالخاص لكل منهما: الزعامة في أ) الجمال + ب) القيادة
2ـ الصفة الجامعة بينهما الزعامة
3ـ المحصلة الدلالية للعبارة : بلوغ جبريل الغاية في القيادة والجمال
إن العلاقة التى تربط بين الكلمتين هنا علاقة ملكية ،ولكن بتقدير (من ) للدلالة على التبعيض ، أي للملائكة أفراد ، والطاوس بعض من هؤلاء الأفراد ،أي هو واحد منهم، ذلك على افتراض أن للملائكة طاوس، ولكن المقصود بالطاوس هنا هو استعارة صفة الجمال من الطاوس لخلعها على جبريل،فهو رابط استعاري يقوم على علاقة المشابهة التى بينهما، وهي بلوغ الغاية في صفتهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) هكذا كتبت في كتاب ثمار القلوب (طاوس ) فكتبتها بهذا الرسم في كل النص في هذا الكتاب
مرحلة الإبداع :
ويأتي الإبداع والتوليد في توظيف هذه العبارة للدلالة على معان جديدة ، فنــقول: فلان طاوس الملائكة ، لـــنخلع عليه صفة الجمال والقيادة ، بل من الممكن أن نأتي منها بمعــان متباينة حسبما يرى المبدع ، وحسبما يبتكر عقله وخياله ،مثل معنى :التكبر، والعظمة، والتعالى. كظلال يولدها المعنى الأصلي ، فا ستدعاء صورة الطاوس من الذاكرة في ( البنية التصورية ) يستدعــــي معه حركته ومشيته ، التى توحي بالخيلاء والتكبر ، إلى جانب شكل الريش الجميل ، ويمكن أن نطور في العبارة بالحذف ، فنقول فلان طاوس ،وبهذه الصورة تعطي العبارة معان جديدة مختلفة منها : فلان متكبر ـ فلان أو فلانة بلغ القمة في الجمال فعلا ـ وممكن أن يكون ذلك سخرية منه أو منها.
ويمكن أن نتصور النمو الدلالي الذي حدث لهذه العبارة من خلال هذا الشكل :
مرحلة التكوين:أ) مفردات العبارة والمقصود بها : طاوس + الملائكة = جبريل
ب) تكوين المعنى (بلوغ جبريل الغاية في) :الجمال + القيادة = الزعامة فيهما
مراحل التطور والإبداع : [الصور الجديدة]
(1)التطور الأول : كما في هذه العبارة (فلان طاوس الملائكة )
المحتوي الدلالي للكلمتين : طاوس (جمال .كبرياء.عظمة)+ ملائكة (قيادة .قوة.بركة.خير)
المعنى الناتج عن اجتماع كلمتى العبارة : فلان بلغ الغاية في الجمال والقيادة والبركة.
(2)التطور الثاني (بالحذف) :فلان طاوس .
المعاني الناتجة عنه : 1ـ شديد الجمال 2 ـ متكبر 3ـ متفاخر بنفسه 4ـ بارع في عمله
(3)التطورالثالث ( بالقصر) نحو:فلان عامل فيها طاوس،وهونتيجة للتطور الذي يحدث للغة بتطور مفاهيم المجتمع الذي تعيش فيه ، والتطور الفكري ، والحضاري ،فتصبح العبارة قاصرة على معنى واحد، وهو وصف هذا الرجل بالتكبر،والخُيلاء ، والإعجاب بالنفس ، وفي هذه الحالة يتناسى الناس المعنى الأصلي للعبارة نتيجة لحذف المضاف إليه (وهو أحد أركان المعنى السابق) ويُحذف نتيجة لذلك معنى الخير ، والبركة،والقوة والقيادة التي كانت يوما ضمن معاني العبارة ، وتبقى المعانى الخاصة بالمضاف فقط.
(4) التطور الرابع :المعاني المتوقعة من هذه العبارة المبتورة (فلان طاوس) :
نستطيع أن نقول : إن المعاني الجديدة المتوقعة منها ،أي التي سيولدها المتكلم من هــــذه العبارة لا يعلمها أحد،ولا عباقرة اللغة،وذلك لأن هذا الأمر مرتبط بقضايا كثيرة تتحكم فيه منها: نوع التطور الذي سيحدث في المجتمع ، وما سيحتاجه المجتمع أو الفرد ( كأحد لبنات المجتمع) من متطلبات ستفرض عليه توظيف هذه العبارة ،وتحميلها بدلالات جديدة،فمنذ عشرين عاما فقط مَـــن مِنّا كان يعرف أن كلمة (محمول) سوف تحمل في يوم ما دلالتها الحالية (أي الدلالة على جهاز الهاتف المتنقل)؟
هذه هي اللغة ، وهذا هو سر الإبداع فيها ، وهوالتجدد ،والإبتكار، والتطور ، الذي ينم عن الطاقة الكامنة، والمتجددة في العقل البشري ،وغير المتوقعة .
3 ـ غسيل الملائكة :
مرحلة التكوين : يطلق هذا الاسم على حنظلة بن أبي عامر الأنصاري ، غسلته الملائكة ، وذلك أنه خرج يوم أحد فأصيب ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : هذا صاحبكم قد غسلتـــه الملائكة، فسئلت عن ذلك امرأته فقالت : إنه كان معي على ما يكون عليه الرجل مع امرأتــــــه ، فأعجلته حطمة بالمسلمين منعته عن الاغتسال، فخرج فأصيب )(1)
أضيفت كلمة غسيل، وهي مصدر من الفعل غسل إلى الملائكة ،وهم في أصل التركيب فاعل هذا الحدث (أي غسل الملائكةُ حنظلةَ) فتحول التعبير بالجملة الفعلية إلى مركب إضافي (غسيل الملائكة) ليعطى هذا المعنى، وتحول الفعل إلى اسم، ولهذا لا يمكن أن تكون العلاقة بين الكلمتين علاقة ملكية مباشرة ،ولكن من خلال علاقة(من أصل الحدث إلى سببه) حيث تبيّن من هذا الرابط الاستعاري في هذه الجملة أنه يعاني من الوحدة ، وأن أسباب الأحداث تتصور باعتبارها أصـولا أو مصادر مجردة، فيكون معنى السبب في نحو(ألم الوحدة ) توسعا في معنى الأصل أو المصـدر في نحو: ماء العين ، بناء على رابط استعاري مفاده أن : الأسباب أصول أو مصادر ، فالوحــــدة مصدر الألم )(2)والملائكة مصدر الحدث الغسيل .
إن الإبداع في مرحلة التكوين هنا جاء من التعبير عن الجملة الفعلية بالمتضايفين ،فأدى المعنى نفسه ، فعبارة د غاليم (إن أسباب الأحداث تتصور باعتبارها أصولا ،أو مصادر ) فإذا أعدنا صياغتها بطريقة نحوية لقلنا :إن فاعل[أي سبب الحدث] الفعل[الحدث] يعتبر هو مصدر الفعل وأصله ، وبناء على هذا الرابط الاستعاري جاز تحويل الاسم ليعطي معنى الحــــــــدث في التركيب الإضافي الآتي : غسل الملائكة حنظلة >> غسيل الملائكة >> حنظلة الأنصاري
مرحلة التوليد والإبداع :
تأتي هذه المرحلة مع توظيف هذه العبارة في تراكيب جديدة، تستخرج مكنون المعنى الموجود فيها ، وهذا الأمر يأتي من الاستخدام الفعلي للعبارة ، أو القياس عـليها ، فننسب كل عمل نريد أن نمجده إلى الملائكة، فنقول :غسيل الملائكة، ونقصد بذلك ثيابا نقيا طاهرا ، وقياسا على ذلك نقول على عمل ما : صنع الملائكة .
وقياسا على ذلك أيضا تأتي هذه العبارة:قوط الملائكة، تبركا بالملائكةلتطلق على مكان مـــبارك يُدِرُّ الماء العذب على الناس والأنعام، ولا يُعرف من حفره، ولهذا نسب إلى الملائكة ،فهم مصدر كل خير للناس .
ومثلها هذه العبارة أيضا :سيرة الملائكة ،فتطلق على كل شخص محمود السيرة ،فهو كالملائكة في حسن السيرة .
وعبارة جناح الملائكة ، يقول الثعالبي : وقد يضرب المثل بجناح جبريل في البركة والشفاء )
لقد أصبح كل شىء يقترن بهم به الخير والبركة .(3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1)ثمـار القلوب 64
2) النظرية اللسانية و الدلالة العربية المقارنة 101
3) ثمار القلوب ( كل هذه العبارات موجودة في ثمار القلوب ) 66
4ـ حربة أبي يحيي :
مرحلة التكوين :
يقول الثعالبي ( أبو يحيي هو ملك الموت ، وإنما كنى بهذه الكنية عن الموت ، كما كنى عن اللديغ بالسليم ، وعن المهلكة بالمفازة ...وحربة أبي يحيي يراد بها مقدمة من مقدمات الموت على جهة التمثيل والاستعارة )(1)
لقد فعلت الاستعارة فعلها في تكوين هذه العبارة، حيث كونت من أشياء متنافرة صورا جديدة، فالعنصر الأساسي لتكوين هذا البناء ـ كما قال الثعالبي ـ هو التمثيل والاستعارة،أي أن هناك رابط استعاري سوغ لنا هذا البناء ، ومن خلال الاستعارة يمكن لهذا المعنى أن يتسع ، ويــستوعب كل جديد .
يقول بول ريكور معرفا الاستعارةSad الاستعارة تهتم بعلم دلالة الجملة ، قبــــــل أن تهتم بعلم دلالة الكلمة المفردة ، وما دامت الاستعارة لا تحظى بالمغزى إلا في قول ، فهى إذاً ظاهرة إسناد لاتسمية . حين يتحدث الشاعر عن {صلاة زرقاء أو غطاء الأحزان}فإنه يضع كلمتين في علاقة تنافر، وليس إلا الجمع بينهما ما يشكل الاستعارة ، وهكذا لايجب أن نتحدث عن اســـــــــــتعمال استعاري لكلمة معينة ، بل عن قول استعاري كامل . فالاستعارة هي حاصل التوتر بين مفردتين في قول استعاري ) (2)
ويقول عن دور المشابهة في الاستعارة Sad الاستعارة تنطوى على اختزال للصدمة المتولــــــدة عن فكرتين متناقضتين ، إذاً ففي ذلك اختزال هذه الفجوة أو المسافة تلعب المشابهة الدور المنوط بها ...وهو إظهار قرابة ما ، حيث لا ترى النظرة الاعتيادية أية علاقة ... يجمع بين أشياء متفرقة لا تجتمع ، وبواساطة سوء الفهم الواضح هذا تقيم الاستعارة علاقة معنوية جديدة لم تُلحط حتــــى الآن، تنبجس من بين المفردات التى تجاهلتها أنظمة التصنيف السابقة )(3)
ثم يقول عن خلق المعنى :لا تنتبه البلاغة التقليدية للخلق الجديد للمعنى ،بل إلى آثاره ونتائجه، فهي لا تستطيع أن تفسر خلق المعنى،ولكن في النظرية التى تذهب إلى وجود توتر في الاستعارة كالتى نقابل بها هنا نظرية الاستبدال،تنبثق دلالة جديدة ، تضم في داخلها الجملة كلها،بهذا المعنى تكون الاستعارة خلقا تلقائيا،وابتكارا دلاليا، لا مكان له في اللغة السائدة ،...ولذلك تشبه الاستعارة حل لغز ، أكثر مما تشبه اقترانا قائما على المشابهة ،لأنها تتكون أصلا من حل لغز التنافر الدلالي)(3)
ويقول في النهاية عن الاستعارة الحية : ( هي استعارات الابــــتكار التى تكون فيها الاستجابة للتنافر في الجملة توسيعا جديدا للمعنى )(3)
في إطار ما سبق يمكن أن فهم هذه العبارة (حربة أبي يحيي ) علي أنها:
1) جمعت بين متنافرين هما: الموت والحياة في اسم أبي يحيي ، و يــــقصد به ملك الموت .
2) وجمعت بين الحربة التى يستخدمها المحارب،وهي شيء مادي، وإضافتها إلى ملك الموت، وهو شيء لا يُرى بالعين ، أي معنوي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ثمار القاوب 66
2) نظرية التأويل الخطاب وفائض المعنى ،بول ريكور ، ترجمة سعيد الغانمي ، المركز الثقافي العربي بيروت90
3) المرجع السابق 90 ـ 93
هذه التوليفة غير المتجانسة ،التى جمعت المتنافرات المختلفة،هي التى أوجد ت لنا هذاالخلق الجديد للمعنى ، بناء على ذلك الرابط الاستعاري الذي أوجد علاقة بين الموت والحياة هي : علاقة التنافر بينهما ،فاستعيرت كلمة أبي يحيي للدلالة على ملك الموت ، كما في البصير للدلالة على الأعمى،والسليم للدلالة على اللديغ، والمفازة للدلالة على المهلكة (كما قال الثعالبي) وبذلك تكون علاقة التنافر هذه وسيلة لابتكار دلالات جديدة ( كما قال ريكور) وأيضا نشأت من جملة ، أي تركيب { المضاف والمضاف إليه}وليس من كلمة .
وهذا أيضا يقوم على علاقة الملكية ،أي أب يملك يحيي، وترتبط الكلمتان {أب ـ يحيي} برابط استعاري ؛يقوم على علاقة القرابة بين أب ويحيي ،وهذا الرابط مفاده أن الأقارب ملك لنا.
والعلاقة التى تربط بين (حربة)و( مقدمات الموت ) جاءت على وجهة الاستعارة والتمثيل (كما يقول الثعالبي ) وعلاقة تمثيل هنا (إذا جاز لنا استعارة كلمة الثعالبي)تطابق الواقع الفعلي للفكرة، فهي تجسيد وتمثيل للمعنوي، وهوالموت في صورة حربة المقاتل ، والحربة شيء مادي،وهي تمثيل آخر للحركة في مقدمات الموت، وهي تهجم لتقتل الناس ،وحركة الحربة تهجم على الناس أيضا ،كنوع من التمثيل وتجسيد للمعنوي في صورة المادي .
ومن خلال هذه العبارة (حربة أبي يحيي ) خرجنا بع
الجزء الثالث والاخير من العلاقة الدلالية بين المتضايفين بين التوليد والتأويل في ضوء النظريات اللغوية الحديثة من خلال ثمار القلوب للثعالبي الأستاذ الدكتور: عطية سليمان أحمد
مُساهمة المشرف العام في السبت 21 أغسطس 2010 - 22:56
البنية التصورية والنمط النموذجي التاريخي
في هذا الحقل الذي يتصل بأشحاص لهم ماض تاريخي ، وقد تحولوا إلى أنماط نموذجية لدى أجيال قريبة العهد بهم ، فهم يعرفونهم،ويلمون بتاريخهم، وقد ارتبطوا بأحداث تاريخية عُرفوا بها وسجلها التاريخ بأسمائهم ، مـــماجعلهم يتحولون إلى نمط نموذجي سُجل في أذهان هؤلاء القوم ، فأصبحوا في البنية التصورية لهم يتمثلون بهم، فأصبح اسم قارون يستحضر عند ذكره من الذهن صورة الغنى المتكبر، واســــــم ثمود يستحضر صور القوم الذين قتلوا ناقة الله ، فاقترن اسم كل شخص من هؤلاء بالحدث التاريخي المعروف عنه،فكوّن صورة ذهنية ناتجة عن اقتران الشيئين معا ، فكون لنا هذا الشكل :
المركب الأصلي = شخص +شيء ما عرف عنه = مركب إضافي يمثل الصورة الذهنية لهما.
النيجة: أن مجرد ذكر المركب الإضافي يستدعى من الذاكرة الشخص+الحدث (الصورة الذهنية)
مرحلة الإبداع = مركب إضافي قديم + موقف مشابه = المركب الإضافي القديم + دلالة جديدة.
فيصبح كل شخص في إطار المركب الإضافي عبارة عن نمط نموذجي لهذه الصفة ، ويصبح مجرد ذكر الاسم فقط استحضارا للصفة المقترنة به ، فنقول :قارون ، فهذا يساوي قولنا : فلان يتصف بالغنى الشديد والكبر، مثل قارون الذى كان من قوم موسى ، ويكفي أن نقول :كان جنودنا البواسل صاعقة عاد على الأعداء ، لنستحضر شدة الهلاك الذي انزلوه بأعدائهم .
إن البنية التصورية تقوم بتحديد منزلة المعنى ، والتمثيل له صوريا في مستوى البنية التصورية التى هي مظهر من مظاهر التمثيلات المعرفية، يقوم عليه الفكر لدى الإنسان،إن البنية التصورية إحدى الأطر الذهنية التى تمكن من تخزين التجربة ،والربط بينها، وبين الذاكرة المرحلية وخطط العمل المستقبلي. ويمكن تصور هذه البنية التصورية من خلال هذا الشكل :
البنية التصورية = البنية الذهنية (التى ترمزها اللغة ،أي تحولها اللغة إلى صورة قابلة لتواصل )
فالبنية التصورية نسق مركزي من أنساق الذهن ، وهي بنية جبرية مكونة من عناصر منفصلة ، وهي ترمز تمييز الأنماط من الواردات والمقولات التى نفهم من خلالها العالم . والعلاقات بين مختلف الأفراد والمقولات .
وفي إطار ما سبق يمكن أن نطرح سؤالا : كيف تتم عملية التواصل اللغوي بالبنية التصورية ؟
إن هذا يتم من خلال التأويل الدلالي ، فبناء الدلالة في الـلغات الطبــــيعية يرتبط بمجموع أنساق السمات ، أو المكونات التى يقوم عليها القالب الدلالي ( أو البنية التصورية )
أهم السمات التى تكون المقولات التصورية ( قاعدة تفكيك التصورات )
لو افترضنا كيانا معينا ( تفاحة ـ طائرة مثلا ) فإننا عند النطق بهذا اللفظ تنطلق في أذهاننا مجموعة من الأنساق الفرعية المركزية من السمات هي على التوالى :
1 ـ نسق المكونات التصورية : ( كالحدث والشيء ، والتمميز بين الورود والنمط )وهذا النسق يقوم بتحليل كل من الحدث {أي الفعل وما يتصل به من ملابسات ومتطلبات }والشيء { وما له من صورة ذهنية تكونت من الخبرات السابقة حول هذا الشيء}والتمييز بين الصورة الواردة في الحوار{مكتوب أو منطوق}عن الشيء،والنمط{أي الصورة المتمثلة في الذهن حول هذا الشيء}
2 ـ بنية الموضوعات ( أو البنية الدالية التى تشير إليها هذه الموضوعات )
3 ـ نسق سمات الحقول الدلالية :ومن خلال هذا النسق يمكن تحديد ملامح الشيء ، ومكوناته
4 ـ السمات الجهية المتعلقة بالمحدودية . 5ـ والبنية الداخلية ، والبعد ،والاتجاه.
تفكيك التصورات إلى أنساق يمكن من خلالها تحليل الكيان ( الوحدة المعجمية ) فــــالوحدات الجوهرية في البنية التصورية عبارة عن مكونات تصورية ،تنتمي إلى لائحة كلية مــــحدودة من المقولات الأنطولوجية الرئيسية (أو أقسام الكلم التصورية) فنقوم بتحليل المقولات بنـــاء على ما يظهر في البنية التصورية ، حيث نميز الواردات من المقولات ،أو الأنماط التى تنتمي الـواردات إليها ،أو لا تنتمي ، مثال : كلمة سرحان عندما نسمعها (أي تكون في الواردات) باعتبارهـا اسم جواد ، تسقط في تصورات الورود في البنية التصورية ، وتسقط اللغات الطبيعية في تصــورات الورود أسماء الأعلام التي تعين الأفراد مثل سرحان (اسم لشخص) بينمـــــا تسقط في تصورات النمط أسماء الأجناس مثل جواد .
وهناك مجموعة من المكونات التصورية تمكن من رصد ما تحيل عليه التعابير اللغوية،فرجل أو طاولة يحيلان على شيء، وهنا وهناك يحيلان على مكان .... وكما يقول دغاليم : إن ما ســبق يرتبط بتصور توليدي لمعنى الوحدات المعجمية،أي بعدد محدود من الأوليات والسمات والآليات التوليدية يسمح ببناء التعابير الدلالية الممكنة ، فالأمر لا يتعلق بتعيين لائحة مثبتة من الوحدات ، مهما كان طولها، أو بتعيين ذاكرة معجمية محصلة ، مهما كان غناها ، وإنما بتخصيص مجموعة لا متناهية من التصورات الممكنة انطلاقا من عدد محدود من الأوليات ومبادئ التأليف والسمات التى تشكل مجتمعة نسقا لازما لبناء الدلالة اللغوية ،وذلك في إطار تصور قالبي يقوم فيه النحو على هندسة ثلاث مستويات ، فيتخذ فيها المعجم دور مسوغ التوافق )(1)
إن هذا القول يشير إلى ضرورة فهم الوحدة المعجمية في إطار أكبر ، وهو قدرة هذه الوحدة على إنتاج ، وتوليد عدد كبير من التعابير الدلالية الممكنة ، وهـــــذا الأمر يقوم على مجموعة لا متناهية من التصورات الممكنة الراسخة في الذهن حول تلك الوحدة ، وباستخدام الوسائل اللغوية المختلفة إلى جانب السمات الخاصة بالوحدة ومبادئ التأليف ،يمكن لهذه الوحدة أن تنتج عددا لا نهائيا من الدلالات المتولدة عنها ، ويكون دور المعجم في هذا الحالة إعطاء الأصل الدلالي الذي تنطلق منه باقي الدلالات ، ويسوغ لنا أن ننتجها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) النظرية اللسانية والدلالة العربية المقارنة 37،38
ولو حاولنا تطبيق هذا على الألفاظ التاريخية التى تناولناها في التراكيب الإضافية السابقة ، كما في ( ريح عاد ـ صاعقة ثمود ـ جور سدوم ـ صرح هامان ـ سد الاسكندر ـ كنوز قارون ...)
وكل عبارة تتكون من رأس الإضافة {المضاف } والمضاف إليه ، والجزء الأول لاعلاقة له بالتاريخ ، أما الكلمة الثانية فهي كوحدة معجمية تمثل في البنية الصورية للمتكلم تاريخا أرتبطت به ، هو تاريخ هؤلاء الأشخاص ( عاد ـ ثمود...) المحفور في ذاكرة المتكلم .
وعند النطق باسم أحدهم ، فإن هذا يثير في البنية التصورية للمتكلم مجموعة من السمات الانتقائية الخاصة بـ (عاد ـ ثمود ...) التى تمكن الآليات التوليدية من بناء دلالات جديدة من هذه الكلمات، حيث الأمر يتعلق بتحديد مجموعة لا متناهية من التصورات ،التى يمكن أن تتكــون من هذه السمات المحدودة ، وفي إطار ما تسمح به القوالب النحوية كما في باب الإضافة الذي نـحن بصدده ،فكلمة قارون تحمل في البنية التصورية للمتكلم مجموعة من السمات الانتقائية المحددة ، مثل الغنى الشديد ـ الكبر ـ عدم شكر الله على نعمه ـ تجاهل صاحب النعمة والفضل ـ وغيرها من السمات الانتقائية التى تثيرها هذه الكلمة ، وما يمكن أن نستلهمه من هذه الوحدة المعجمية ، ومثل ذلك ما يمكن أن تثيره كلمة فرعون وعاد والاسكندر وثمود من سمات الانتقائية نتيجة لما لها في البنية التصورية للمتكلم من صورة ذهنية ذات ملامح محتلفة .
وتأتي الكلمة الأولى كلمة المضاف ( رأس الإضافة ) لتقيد غير المحدود من السمات بحدودها،
فتجعلها قاصرة على تصور واحد ، هو المقصود بالعبــارة كما في : كنوز قارون ،التى حددت الصورة الذهنية المقصودة من العبارة،والسمات الانتقائية الخاصة بهذا التركيب،وهي سمة كثرة المال فقط ، ونترك باقى السمات التى ذكرتها من قبل مثل : التكبر ـ تجاهل المنعم .
ثم تأتي القدرة التوليدية للكلمة لتوجه العبارة إلى دلالات جديدة في المجتمع المـعاصر ، عندما يستعيرها متكلم معاصر، ويطلقها على صديق له ، فيقول: فلان عنده كنوز قارون،فإنه يستخدمها بناء على رابط استعاري جديد مفاده استحضار الحدث القديم للموقف الجديد نتيجة للمشابهة التى بينهما ، وبغرض المبالغة في صفة الغنى ، فلا يوجد شخص معاصر لديه كنوز قارون مهما كان غنيا ، فيصبح هذا الشخص (قارون) نــمطا نموذجيا لقمة الغنى في ذكرة كل الناس ، وبنيتهم التصورية والصورة الذهنية لهم .
إن هذا يعطى تصورا للقدرة التوليدية للوحدة المعجمية ، بواسطة الآليات ، والسمات التوليدية مما ينتج عنه بناء تعابير دلالية لا متناهيـــــة ، ويقول دعبد القدر الفاسي مؤكدا هذه الفكرة وهي القدرة التوليدية لدى المفردات : إن المفردات ما هي إلا بنيات مركبية مكبوسة (compressed) والكلمة تجميع لما كان يمكن أن يكون جملا ، ومن هنا كان تحليل المفردة لا يختلف أساسا عن تحليل الجملة )(1)وهذه الخاصية المميزة للكلمة جعلها متجددة متولدة في كل عصر،ولهذا فالعملية التوليدية هنا لم تنته عند عصر الثعالبي ، ولا عند عصرنا ، بل هي مستمرة إلى ما شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) المعجمة والتوسيط نظرات جديدة في قضايا اللغة العربية 10
الباب الخامس من كتاب الثعالبي :
فيما يضاف وينسب إلى الصحابة والتابعين
هنا نمط جديد من الإضافة؛وهو الإضافة إلى المشاهير أصحاب التاريخ العظيم، من الصحابة والتابعين، ثم اتخاذهم قدوة، و مثل يضرب لتلك الصفات التى يتمتعون بها ، وقد تحولوا في البنية التصورية لـــهذا المجتمع إلى نمط نموذجي يقاس عليه ، ومن خلال الصفات تأتي دلالات جديدة توحى بها ، وتتولد منها في كل يوم .
يقول الثعالبي : ( سيرة العمرين ، درة عمر ، قميص عثمان ، فضائل على ، صدق أبي ذر، مشية أبي دجانة ، دهاء معاوية ، فقه العبادلة ، وليمة الأشعث ، حلم الأحنف ، زكن إياس ، زهد الحسن ، ورع ابن سيرين ،سجع المختار ، شجة عبد الحميد )(1)
1ـ سيرة العمرين :
مرحلة التكوين : هما أبو بكر وعمر رضى الله عنهما ، جُمع بينهما لسيرتهما الطيبة ، وغلب اسم عمر على أبي بكر، يضرب بسيرتهما المثل إذ لا عهد بمثلهما بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال بعض البلغاء يصف بعض الملوك : رأيت صورة قمرية ، وسيرة عمرية .
والعلاقة التى تقوم بين المتضايفين هي علاقة الملكية بناء على علاقة هي( من الجزء المكون إلى الخاصية المميزة ) فتكون سيرة العمرين هي الخاصية المميزة لهما،وهما يمتلكاها.
مرحلة الإبداع :وذلك باستعارة هذه العبارة في مواقف مشابهة للتعبير عن المبالغة في حسن سيرةالشخص ،بأن له سيرة كسيرة العمرين، وهنا تتحول هذه الصورة الذهنية المتمثلة في العبارة إلى نمط نموذجي يقاس عليه في الوصف بحسن السيرة .
2ـ درة عمر :
مرحلة التكوين :قال الشعبي : كانت درة عمر أهيب من سيف الحجاج ، وهذا يعنى أن هذه الدرة أصبحت نمط نموذجي لآلة العقاب الشديد فهي أشد من سيف أشد الحكام وهو الحجاج.
العلاقة بين المتضايفين علاقة ملكية كما في النمط النموذجي كما في دراجة عمرو .
مرحلة الإبداع : كان ذلك بتوظيف العبارة لوصف كل آلـــة عقاب بالشدة ، فأصبحت تمثل في الصورة الذهنية لأبناء هذا المجتمع في النمط النموذجي لآلة العقاب .
3 ـ قميص عثمان :
مرحلة التكوين : هو قميصه المضرج بالدم الذي قتل فيه ، ويضرب به المثل للشيء يكون سببا للتحريش ،والعلاقة هنا علاقة ملكية كما في النمط النموذجي ( دراجة عمرو)
مرحلة الإبداع : يكون ذلك بتوظيف العبارة في مواقف مشابهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ثمار القل
وتتنوع هذه العبارات في صور مختلفة ودلالات متعددة ،ويمكن أن نعرض لها في هذا الشكل:
العبارة الأصلية العلاقة متضايفين مرحلة الإبداع العلاقة الجديدة
فضائل على الخاصية المميزة فلان له فضائل على التمثيل للشبه بينهما
صدق أبي ذر الخاصية المميزة فلان له صدق أبي ذر التمثيل للمشابهة
دهاء معاوية الخاصية المميزة فلان له دهاء معاوية التمثيل للمشابهة
فقه العبادلة الخاصية المميزة فلان له فقه العبادلة التمثيل للمشابهة
وليمة الأشعث الملكية كالنموذج لفلان وليمة أشعث التمثيل للمشابهة
حلم الأحنف الخاصية المميزة لفلان حلم الأحنف التمثيل المشابهة
زهد الحسن الخاصية المميزة لفلان زهد الحسن التمثيل المشابهة
الخلاصة :
تتكرر هذه العبارات في صور مختلفة يمكن أن نخرج من هذا الباب بظاهرة عامة تشمل كل العبارات ، وهي أن هؤلاء الأشخاص تحولوا إلى نمط نموذجي له صورة ذهنية،تمثل هذه الصفة في ذاكرة أبناء هذا المجتمع ، يمكن استحضارها للتمثيل بها في مواقف مشابهة ، فقد أصبـــحت مضرب المثل ، بما تحمله من صفات محبوبة أو مكروة على السواء.
الباب السادس من كتاب الثعالبي :
في ذكر رجالات العرب في الجاهلية والإسلام مختلفى الألقاب والمراتب
مضافين إلى أشياء مختلفة يضرب بأكثرهم الأمثال
امتدادا لهذه الظاهرة وهي تحول الأشخاص إلى نمط نموذجي وبناء صورة ذهنية لهم في ذاكرة الأمة يتمثل بها ،جاء هؤلاء الرجال من العصر الجاهلي والإسلامي ليكملوا هذه الصورة الذهنية والبنية التصورية للأنماط النموذجية الممثلة لفكر هذه الأمة فيما تحب وتكره من صفات حملها هؤلاء الرجال من خلال أسمائهم المعروفة ، ومواقفهم المشهورة عند الناس .
وفي هذا الباب تقوم عملية الإضافة ـ إلى جانب ما سبق ـ على هذا التقسيم :
1ـ أعلام أضيفوا إلى قومهم نحو : حاتم الطائي ـ كليب وائل ـ سحبان وائل ـ عرّاف اليمامة ـ شيخ مَهْو ـ مجنون بني عامر ـ حواري النبي ـ أشج بني أمية ـ جبار بني العباس .
2 ـ أعلام أضيفوا إلى بلادهم نحو : وضاح اليمن ـ قريش الأباطح
3ـ أعلام أضيفوا إلى ملامحهم الخاصة نحو : شيبة الحمد ( أبو طالب )
4 ـ أعلام أضيفوا إلى قدراتهم الخاصة نحو :أبو عروة السّباع ـ زيد الخيل ـ سحبان وائل ـ عروة الصعاليك ـ ضيف الحناتم ـ وافد البراجم ـ سعد المطر ـ ملاعب الأسنة ـ أزواد الركب ـ سعد العشيرة ـ يسار الكواعب ـ طفيل الأعراس ـ سعد القرقرة ـ شيخ المضيرة ـ أمين الأمة ـ رباني الأمة ـ حبر الأمة .
هؤلاء الأعلام اتصفوا بصفات مختلفة أُضيفوا لها ، ثم أصبحوا مضرب المثل في هذه الصفات ، بل تحولوا في ذاكرة الأمة إلى صورة ذهنية في البنية التصورية لأفراد المجتمع كأنماط نموذجية لهذه الصفات .
وهذا الأمرينطبق على كثير من أبواب الكتاب فنجد في :
الباب السابع :ما يضاف وينسب إلى القبائل نحو إيلاف قريش ـ جود طيّئ ـ لؤم باهلة ـ مُهوركندة
الباب الثامن:مايضاف وينسب إلى رجال مختلفين :حكمة لقمان ـ جود كعب ـ بخل مادرـ يداعدل
الباب التاسع :فيما يضاف وينسب إلى العرب : تيجان العرب ـ جمرات العرب ـ أثافي العرب
الباب العاشر: فيما يضاف إلى الإسلام والمسلمين :سهم الإسلام ـ بيضة الإسلام ـ عصا المسلمين
الباب الحادى عشر:ما يضاف إلى القراء والعلماء:فقة أبي جنيفة ـ جامع سفيان ـ طفرة النظام
الباب الثانى عشر:فيما يضاف إلى أصحاب المذاهب:خف الرافضي،نجدة الخارجي،أكل الصوفي
الباب الثالث عشر:فيما يضاف إلى ملوك الجاهلية :أخلاق الملوك ،شقائق النعمان،جوه الخلافة
ويستمر الثعالبي في عرض أبواب كتابه على هذه الطريقة ذاكرا فى كل باب منها حقلا من حقول الحياة ، و مـا ينسب ويضاف إلى هذا الحقل من تراكيب إضافية ، تــــوضح علاقة ما بين المتضايفين ، وهي فى غالبها متكررة ، ولهذا اختصرت فى عرضها خشية الإطالة والملـــــل، و التكرار.
الباب التاسع عشر : فيما يضاف وينسب إلى أهل الصناعات
وتستوقفني بعض أبواب الكتاب لما فيها من علاقات جديدة بين المتضايفين، وأفكار تحتاج إلى دراسة وتحليل،منها هذا الباب،ففي كل مجتمع مجموعة من الحرف والصناعات،يمكن أن نتعرف على هذا المجتمع من خلال أصحاب هذه الحرف،وما يتكون حول أسمائهم من تراكيب إضافية ، ولذا سندرس كل عبارات الثعالبي في هذا الباب .
1 ـ سُرى القين :
مرحلة التكوين: يقول الثعالبي ( أصله أن القين ـ وهو الحداد بالبادية ـ ينتقل في مياه القوم ، فإذا كسد عليه عمله قال لأهل الماء : إني راحل عنكم الليلة ـ وإن لم يرد ذلك ، ولكنه يشيعه ليستعمله من الناس من يريد استعماله ـ ولما كثر ذلك من قوله قالوا : إذا سمعت بسرى القين ، فاعلم أنــــه مصبح )(1)
هذه العبارة تلخص حدثا هاما في حياة أهل البادية ، وهو كذب هذا الرجل (القين)في حديثه ، ثم تحولت هذه العبارة إلى رمز يشير إلى معنى يمكن استحضاره بها ، هو : فلان كاذب ،وإن لم نقل ذلك ، فعندما نقول : سُرى القين = حديث كذب
كما نقول في عصرنا : كلام الليل = كلام كذب
المعنى غير المنطوق
من خلال الحديث السابق يمكننا أن نعطى ملاحظة جديدة ، وهي ما أطلقنا عليه {المعنى غير المـنطوق } حيث تصل الفكرة ، أوالمعنى المطلوب إلى عقل المستمع دون أن ينطق بها المتكلم ، وهذا الأمر شائع في اللغة ، فعلى كل متكلم أن يحسب عدد الأفكار ، والـــــمعانى التى ينقلها إلى المستمع وعدد الكلمات التى تعبر فعلا عن تلك الأفكار ، فسنجد أن كثيرا من المعانى والأفكار قد وصلت إلى المستمع دون أن ننطق بها،اعتمادا على فهم المتكلم ، ومعرفة المجتمع بأصل القصة.
إننا نكون من إضافة مصدر الفعل (سُرى)إلى فاعله تركيبا إضافيا لنصل إلى معنى غير منطوق، وهنا تقوم بين المتضايفين علاقة جديدة هي علاقة صرفية نحوية كونت دلالة جديدة :
مصدر الفعل(سُرى) + الفاعل (القين) = دلالة جديدة (فلان كاذب) ، يقول الثعالبي : يضرب مثلا لمن يظهر الشخوص وهو مقيم ، ويعرف بالكذب فلا يصدّق وإن صدق ) (2) لقد تحول من شخص تطلق عليه هذه العبارة (سرى القين ) وهو الحداد إلى موصوف بالكذب وإن صدق.
مرحلة الإبداع : تكـون في توظيف تلك العبارة بتحويلها إلى عبارة يُكنُّ بها عن الشخص معروف بالكذب ، حتى لا يفضح أمره بين الناس.
وهنا نلاحظ أن الكلمة الموحية كما في كلمة :جن ( وتوحي بالشر،والمهارة في العمل ) وكلمة ملائكة ( وتوحي بالخير والبركة ) ليست وحدها هي القادرة فقط على الوحي ، ولــكــن قد تكون العبارة كذلك موحية يكن بها عن المعنى غير المنطوق ،فتظر ذلك كما في العبارة السابقة :
سرى القين = شخص كاذب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ثمار القلوب 240
2) المرجع السابق240
2 ـ راية بيطار:
مرحلة التكوين : قال الثعالبي (يضرب مثلا في الشهرة ، فيقال :أشهر من راية بيطار )(1) ومن الباب السابق نفسه نرى هذه العبارة مما تحمل دلالة غير منطوقة ، حيث نعنى بعبارة : راية بيطار، أن هذا الشخص مشهور مثل شهرة راية بيطار ، رغم أننا لم ننطق بهذا في العبارة.
والعلاقة بين المتضايفين هنا علاقة ملكية كما في النمط النموذجي (دراجة عمرو)
مرحلة الإبداع : عندما يستعير المتكلم هذه العبارة فيقول : فلان راية بيطار ، أي مشهور كشهرة راية البيطار ، فإنه يكون قد أقام علاقة غير منطوقة بين هذا الموقف الذي هو بصدده وبين أصل العبار ، وهو كما نقول اليوم : فلان نار على علم ، بدلا من قولنا : فلان مشهور كشهرة النار عندما توضع فوق الجبل .
3 ـ راحة صباغ :
مرحلة التكوين : أي الذي يصنع الأصباغ ،قال الثعالبي( يضرب مثلا لما يستقبح ،ويشبه بها ما
ليس يستنظف)(2) والعلاقة هنا علاقة ملكية من خلال رابط استعاري مفاده أن أجزاء جسمنا ملك لنا ، فهي علاقة الكل بالجزء ، ولكنه حملها دلالة جديدة هي التعبير عن الشيء القذر المستقبح ، وهو كما قلنا من قبل الدلالة غير المنطوقة للعبارة ، حيث لم ينطق المتكلم بلفظة : وسخ ، أو غير نظيف التى فهمت من العبارة ، وهذا راجع إلى ما استقر في البنية التصورية للمتكلم ، والمستمع عن هذه اليد ،وما يعلق بها من أشياء غير نظيفة ، إذن هنا تلعب البنية التصورية دور المستودع لذاكرة المتكلم التى توضع فيها الصور الذهنية، والخبرات السابقة عن الأشياء، لاستحضارها عند الحاجة، حيث تستدعى من الذاكرة على الفور،وتمثل الصور المرئية في الذهن للكلمة المنطوقة ، والمعنى المقصود غير المنطوق للكلمة .
مرحلة الإبداع : وهذه الطريقة القديمة ، وهي الإشارة للمعنى دون الـنطق به موجودة في كل عصر ، كما نقول : يد ساحر ، لمن كان بارعا في عمله كالطبيب مثلا ، رغم أنـــــنا لم نذكر في العبارة كلمة ماهر أو بارع في عمله ، إنه توظيف للحواس للتعبير عن المعانى غير المنطوقة .
4ـ بيت الإسكافي :
مرحلة التكوين : يقول الثعالبي ( يضرب به المثل ، فيقال : بيت الإسكافي فيه من كل جلد رقعة ، ومن كل أدم قطعة ، كما يقال : هم كبيت الأدم ، إذا كانوا مختلفين،وفيهم الشريف والوضيع)(3) والعلاقة التى تربط بين المتضايفين علاقة ملكية حيث بيت الإسكافي ملك له كما في النمط النموذجي،لكن تم توظيف هذه العبارة للدلالة على معنى غير منطوق هو أن فلان الذي بيته كبيت الإسكافي قد جمع فيه بين المتناقضات ، وأن فيه من كل شيء جزء ، وإن كان مختلفا عما جاوره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ثمار القلوب 240
2) المرجع السابق241
3) المرجع السابق241
مرحلة الإبداع : وذلك بالنظر إلى جانب آخر من العبارة ، وهودلالتها على معنى : هـــو( إهمال الصانع لنفسه فلا يقدم أفضل صنعته لبيته ، فهو كبيت الإسكافي الذي يصنع الأحذية من الجلود، ومع ذلك نجد بيته به من كل جلد رقعة ، وهذا ما لا يصنعه مع الزبائن ، وهذا يساوي ما في عصرنا من عبارة :باب النجار ، اختصارا لقولنا: باب النجار مخلّع ،أي أنه رغم كونـه صاحب الحرفة،وصاحب الباب ومالكه إلا أن بابه متهالك،وهويدخل أيضا في باب المعنى غير المنطوق
5 ـ جنون المعلم ـ رغفان المعلم :
مرحلة التكوين : تكون في البنية التصورية لهذا المجتمع صورة ذهنية للمعلم كنموذج للشخص محل السخرية من الآخرين ، كشخصية المهرج ، وذلك لسلوكه مع الناس ومع التلاميذ ، فأصبح كل شيء يضاف إلى اسم معلم يكتسب منه هذه الصفة ، فنقول: رغفان المعلم إشارة إلى الرغفان التى يأخذها المعلم مقابل عمله، وهو أقل مبلغ يأخذه عامل عن عمله ، وكذلك عبارة جنون المعلم دليل آخر على مدى فقدان هؤلاء القوم لعقولهم ،وأنــــهم محل سخرية من الناس في هذا
بعض الأمثلة: شهرة آدم ـ وصيّ آدم
أولا مرحلة التكوين :
نوع العلاقة : من الجزء المكون إلى الخاصية المميزة ، حيث كونّا من صفة آدم ، وهـي أنه أشهر الخلق فهو أبو البشر ، ومن كون آدم الوصيّ على أبنائه هذا التركيب الإضافي ، وهـــو في مرحلة التكوين ، فقامت العلاقة هنا بين المتضايفين على رابط استعاري يعمل في إتجاه أفــقي، وهويربط بين صفة الشهرة والنمط النموذجي (دراجة عمرو) الدال على الملكية بعلاقة تســــمى
( من الجزء المكون إلى الخاصية المميزة ) على اعتبار أن هناك علاقة بين الجزء المكون فـــي نحو:حديد السيارة ومعنى الخاصية المميزة في نحو : قوة الشخصية ، بناء على استعارة تصورية مفادها أن الخصائص المميزة أجزاء مكونة )(1) لقد تكون من إضافة الصفة المميزة إلى الشخص ذلك التركيب الإضافي:شهرة آدم ـ ووصيّ آدم ، بناء على تلك العلاقة (من الجزء المكون إلـــى الخاصية المميزة له) .
ثانيا : مرحلة الإبداع والتوليد :
تأتي استعارة أخرى ، وهي إطلاق هذا التركيب الإضافي على كل شخص يـحمل ضـــــمن خصائصه المميزة تلك الصفات الشخصية مثل : الشهرة والوصاية ، فيأتي الإبداع في االربط بين الشخصين ، لاجتماعهما على صفة واحدة (الشهرة ـ الوصاية ) فيطلق اسم الشخص القديـــــم (النموذج الأصلي )على الشخص الجديد ، فيقال لفلان أنت وصيّ آدم ، وأنت لك شهــــــرة آدم ، بناء على اجتماعهما (آدم وفلان) علي صفة واحدة تعد من الصفات الشخصية المميزة لهما .
ويمكن رسم العلاقة الدلالية هنا وتطورها بالشكل الآتي :
شهرة آدم _ (علاقة من الجزء المكون إلى الخاصية المميزة ) لكل إنسان له شهرة آدم.
صبر أيوب ـ داء الأنبياء ـ فقر الأنبياء
أولا : مرحلة التكوين : نوع العلاقة: من المالك إلى المُعانى
هذه التراكيب تكونت بناء على علاقة هي ( من المالك إلى المُعاني ) ففي استعارات مثل : لا يملك هذا الرجل شفقة ولا رحمة ، فيبدو أن هناك علاقة بين المُعاني في نحو: حزن زيد ، ومعنى المالك في نحو: دراجة عمرو ، مثلا ، بناء على رابط استعاري مفاده أن المُعاني مالك لمعاناته ، فالحزن ملك لزيد ، وكذلك الصبر ملك لأيوب ، وهو مالك له ، وهو المعاني منه ، وكذلك :فقر الأنبياء ، و داء الأنبياء ، فهم يملكون الفقر، والداء ويعانون منهما .
ثانيا : مرحلة التوليد والإبداع :
ثم يأتي جانب التوليد في استعارة هذه العبارات التي تقوم على : علاقة الملكية > من المالك إلى المُعاني > للدلالة على إنسان يمر بنفس المعاناة ، فيقال :فلان له صبر أيوب،وفلان عنده داء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1)النظرية اللسانية والدلالة العربية المقارنة 103
الأنبياء ، وفلان لديه فقر الأنبياء، وهو انتقال دلالي على مستوى الأشخاص ، وليس على مستوى الصفات ( الصبر ـ الداء ـ الفقر ) أي أننا استعرنا الصفات من الأشخاص في النمط النموذجـي للتعبير عن تلك الصفات لدى أشخاص آخرين مع اصطحاب أسماء هؤلاء الأشخاص من النــمط النموذجي للتعبير عن بلوغ الغـاية في تلك الصفة الموجودة لدى هؤلاء الأشخاص في الــنمط النموذجي،فأصبحت لدى قوم آخرين معاصرين ، يعانون من نفس الأشياء ، فكل الناس بهم صبر وفقر وداء ، ولكن عند إضافتها للأنبياء، فهو دليل على بلوغهم الغاية في هذه الصفات.
ويمكن تصور هذه العلاقة الدلالية بهذا الشكل :
صبر + أيوب (من المالك إلى المُعاني) تقال لمن بلغ الغاية في الصبر
داء + الأنبياء ( من المالك إلى المُعاني) تقال لمن يحمل داء شديدا كالأنبياء .
دم يحيي بن زكريّا
أولا مرحلة التكوين : نوع العلاقة : من المالك إلى الضحية
وجود جمل مثل :نال زيد عقابا شديدا ... تشير إلى وجودعلاقة بين معنى الضحية في نحو : حادثة زيد،ومعنى الملكية على أساس رابط استعاري مفاده أن ما يقع لنا يعتبر ملكا لنا،وكذلك ما وقع ليحيي من قتل حوله إلى ضحية عبر عنها بكلمة دم مع إضافتها إليه فقلنا :دم يحيي، فارتبط كل منهما (الدم ويحيي) برابط استعاري مفاه أن ما يقع لنا هو ملك لنا ، فالدم الذي سال ظلما من يحيي هو ملك له .
ثانيا مرحلة الإبداع :
ويأتي الإبداع من توليد معان جديدة من هذا التركيب ، حيث يستعار للتعبير عن كل مقتول ظلما، فيقال : هذا دم يحيي ، لرجل ظلم في عمله أومسكنه ،أو أي شيء غير القتل ،فتتحول العبارة إلى رمز للظلم، يستحضر في مواقف ، والنطق بها اختصارا(كعبارة مسكوكة ) لحديث طويل.
علاقات جديدة بين المتضايفين
هناك علاقات كثير تقوم بين المتضايفين من تــحت عـباءة علاقة الملكية ، بسبب الروابط الاستعارية المختلفة التى تنشأ بينهما ،غير العلاقات التى ذكرها د. غاليم تحت مــــسمى الروابط الاستعارية الأفقية ، منها :
1 ـ علاقة معرفية :
إن ما نملكه من معرفة يعتبر ملكا لنا، ولهذا تعتبر عبارة مثل :طب عيسى ، تقوم على علاقة الملكية ، أي طب لعيسى ، وهي بذلك ترتبط بالنمط النموذجي (دراجة عمرو ) بناء على رابط استعاري مفاده أن ما نعرفه من علوم ومعرفة ملك لنا ، فهذا الطب ملك لــــعيسى ، وقد وهبه الله القدرة على شفاء كل المرضى ، ولهذا تـــحول عيسى بعلمه في الطب إلى مكانة القمة في مجال الطب ، بل هو مضرب المثل في هذا الباب ، فاســتخدمت هذه العبارة (طب عيسى) للإشارة لمن برع في هذا الباب ، وهنا تأتي مرحلة التوليد ، والإبداع في تــوظـيف هذه العبارة لموقف جديد مشابه للموقف الأصلي للعبارة،وتتحول العبارة إلى عبارة مسكوكة،ترمز لمن له علم في الطب.
2ـ علاقة تاريخية :
مرحلة التكوين: إن ما يمر بالإنسان من أحداث تعد تاريخا له ، وملكا له ، ولهذا تقوم بين الحدث وصاحبه علاقة أساسها الملكية،فهي ملك له، وضمن تاريخه الشخصي،بل يمكن أن نؤرخ له بناء على هذا الحدث ،ففي عبارة مثل(سنو يوسف) وهي السنوات التي عاشها المصريون في شدة وقحط ، وكانت ســـــــــــبعا متواترة،وهنا رابط استعاري سمح لنا أن نقيم هذه العلاقة بين المتضايفين في ما سميناه بمرحلة التكوين ، وهي العلاقة التاريخية بين تلك السنين، والقائم على خزائن المال فيها وهو يوسف عليه السلام ، فأصبحت ملكا له ، أي سنوات ليوسف ، بتقدير اللام
ثم تأتي مرحلة التوليد والإبداع في توظيف هذه العبارة للدلالة على المعنى نفسه (الشدة والقحط) فنقول على قوم في شدة :إنهم يعيشون في سنو يوسف .
ومثلها عبارة : عمر نوح ، وهو يعد تاريخا ،لارتباطه بزمن هو عمرنوح ليعبر بها بعد ذلك عن طول العمر ، فيقال : فلان له عمر نوح .
3 ـ علاقة آلية:
يرتبط الإنسان بالآلة التي يعمل بها ،بناء على رابط استعاري مفاده أن ما لدينا من آلات ملك لنا ،أي على أساس علاقة ملكية ،وهي علاقة الملكية نفسها الموجودة في النمط النموذجي (دراجة عمرو) ويدخل من هذا الباب كثير من العبارات التي ذكرها الثعالبي ، منها ما كان جمادا أو حيوانا ،وهى تكون هنا معجزات الأنبياء وكتبهم:
درع داود ـ مزامير داود ـ خاتم سليمان ـ عصا موسى ـ قميص يوسف ـ سفينة نوح ـ غراب نوح ـ صحف إبراهيم ـ ناقة صالح ـ نار موسى ـ نارإبراهيم ـ يد موسى ـ حوت يونس ـ جن سليمان ـ حمار عزير .
يقوم المتكلم باستعارة هذه العبارات لمواقف مشابهة ، لوجود رابط استعاري ما يسمح له باستعارتها ، كل عبارة تستخدم في الموقف الذي يناسبها
الباب الثالث من كتاب الثعالبي
فيما يضاف وينسب إلى الملائكة والجن والشياطين
جمع الثعالبي في هذا الباب كل الأشياء الغيبية التي لا ترى بالعين ( الملائكة والجن والشياطين ) وهذه المخلوقات قد وضعتها نظرية الحقول الدلالية تحت مسمى الكائنات الخفية متفرعة من حقل أعلى ،وهوحقل الموجودات ،كما في هذا الشكل :
حقل الموجودات >> الموجودات الحية >> قوى وكائنات فوق الطبيعة >> كائنات خفية
وارتبطت هذه المخلوقات بحياة البشر بشكل كبير لأسباب كثيرة منها :
1ـ أنها شرط من شروط الإيمان بالله أن تؤمن بالغيب : من ملائكة وكتب ورسل وجن وشياطين.
2ـ حاجة الإنسان إلى قوى أكبر منه تحميه من الشر ،ولذا بحث عنها في الغيب: ملاك أوشيطان
3 ـ اعتبارهذه المخلوقات نمطا نموذجيا عند كل البشر ممثلا للخير (فيما يضاف إلى الملائكة ) وممثلا للشر(فيما يضاف إلى بالشاطين).
في ضوء هذه الأسباب السابقة يمكننا أن فهم طبيعة العلاقة التي تربط بين المتضايفين في كل عبارة ، وخصوصا السبب الثالث ، حيث يشير إلى أن أبطال هذه العبارات صور تحتذى في الخير والشر ،وعلى هذا الأساس يمكن أن نفسر العبارات الإضافية المختلفة ، بل يمكن أن نقسم العلاقات التي تربط المتضايفين هنا على قسمين كبيرين :
الأول: فيما يختص بالملائكة الثاني :فيما يختص بالشياطين والجن
الملائكة
ذكر الثعالبي تحت هذا الاسم مجموعة من العبارات مثل : خط الملائكة ، طاوس الملائكة ، غسيل الملائكة ، قوط الملائكة ، سيرة الملائكة ، جناح الملائكة ،جناح جبريل .)(1)
الشياطين والجن
ويذكر تحت هذا الاسم مجموعة عباراتن منها:سحر هاروت،رماح الجن ، ديك الجن ، كلاب الجن،ذبائح الجن ، جند إبليس،إبليس الأباليس ، صديق إبليس ، قبح الشيطان ، خطوات الشيطان، أصابع الشيطان،رقى الشيطان،مكيال الشيطان ،ظل الشيطان ،لطيم الشيطان ، مخاط الشيطان ، بريد الشيطان ، وكر الشيطان ،حبائل الشيطان ،خمر الشيطان ،رءوس الشيطان )(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ثما رالقلوب 63
2) المرجع السابق 63
أولا : الإضافة إلى الملائكة
1 ـ خط الملائكة :
مرحلة التكوين : لقد تكونت هذه العبارة بناء على علاقة بين كلمتي الإضافة ،و هـــــي علاقة الملكية، فهذا الخط ملك للملائكة ، وعلى رابط استعاري أفقي، هو العلاقة بين الآلة وصــاحبها ، وهي العلاقة التي تربط بين الخط كآلة للكتبة (الملائكة) ،وهوغير واضح أو معروف ،رغم أن الحق قال عنهم (كراما كاتبين )[الإنفطار82] ونظرا إلى أن الناس لم يشاهدواهذا الخــــــط ،وأن أحسن الخط أبينه، أعتبر الناسُ خط الملائكة نموذجا للخط الرديء .
مرحلة الإبداع : قام الناس بتوظيف هذه العبارة للدلالة على الخط الرديء، لعلاقة المشابهة التي تربط بين الخط الرديء وخط الملائكة،وهذا الشبه هو عدم الوضوح، فاستعيرت هذه العبارة للدلالة على هذا المعنى في كل خط ردئ للإنسان بأنه كخط ملائكة .
2ـ طاوس(1) الملائكة :
مرحلة التكوين:يقصد به جبريل،لقد ارتبطت كلمتي الإضافة في هذه العبارة بشيئين مختلفين ، و بعالمين متباينين ، هما عالم الطيور، وعالم الملائكة ،عالم ظاهر ، وعالم خفي، ولاتوجد علاقة بينهما ، إذن ما الرابط بينهما ؟
ننظر إلى مكانة كل من الشخصين ( المضاف والمضاف إليه) في عالمهما،فنجد الطاوس زعيم الطـــــيور، وملكهم ؛ نظرا لشدة جماله ، وكذلك جبريل زعيم الملائكة ، ولهذا جاز هذا التركيب (طاوس الملائكة ) لما اجتمع في الشخصين من علو المكانة والزعامة في عالمهما ، فالسبب في هذا التركيب والرابط فيه هوعلاقة المشابهة ، التي أجازت استعارة صفة الزعامة في الجمال من الطاوس ، لتضيف لجبريل إلى جانب صفة الزعامة في القيادة صفة الزعامة في الجمال، ويمكن تصور ذلك من خلال هذا الشكل :
كلمتي الإضافة : طاوس + الملائكة(جبريل)
1ـ الصفةالخاص لكل منهما: الزعامة في أ) الجمال + ب) القيادة
2ـ الصفة الجامعة بينهما الزعامة
3ـ المحصلة الدلالية للعبارة : بلوغ جبريل الغاية في القيادة والجمال
إن العلاقة التى تربط بين الكلمتين هنا علاقة ملكية ،ولكن بتقدير (من ) للدلالة على التبعيض ، أي للملائكة أفراد ، والطاوس بعض من هؤلاء الأفراد ،أي هو واحد منهم، ذلك على افتراض أن للملائكة طاوس، ولكن المقصود بالطاوس هنا هو استعارة صفة الجمال من الطاوس لخلعها على جبريل،فهو رابط استعاري يقوم على علاقة المشابهة التى بينهما، وهي بلوغ الغاية في صفتهما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) هكذا كتبت في كتاب ثمار القلوب (طاوس ) فكتبتها بهذا الرسم في كل النص في هذا الكتاب
مرحلة الإبداع :
ويأتي الإبداع والتوليد في توظيف هذه العبارة للدلالة على معان جديدة ، فنــقول: فلان طاوس الملائكة ، لـــنخلع عليه صفة الجمال والقيادة ، بل من الممكن أن نأتي منها بمعــان متباينة حسبما يرى المبدع ، وحسبما يبتكر عقله وخياله ،مثل معنى :التكبر، والعظمة، والتعالى. كظلال يولدها المعنى الأصلي ، فا ستدعاء صورة الطاوس من الذاكرة في ( البنية التصورية ) يستدعــــي معه حركته ومشيته ، التى توحي بالخيلاء والتكبر ، إلى جانب شكل الريش الجميل ، ويمكن أن نطور في العبارة بالحذف ، فنقول فلان طاوس ،وبهذه الصورة تعطي العبارة معان جديدة مختلفة منها : فلان متكبر ـ فلان أو فلانة بلغ القمة في الجمال فعلا ـ وممكن أن يكون ذلك سخرية منه أو منها.
ويمكن أن نتصور النمو الدلالي الذي حدث لهذه العبارة من خلال هذا الشكل :
مرحلة التكوين:أ) مفردات العبارة والمقصود بها : طاوس + الملائكة = جبريل
ب) تكوين المعنى (بلوغ جبريل الغاية في) :الجمال + القيادة = الزعامة فيهما
مراحل التطور والإبداع : [الصور الجديدة]
(1)التطور الأول : كما في هذه العبارة (فلان طاوس الملائكة )
المحتوي الدلالي للكلمتين : طاوس (جمال .كبرياء.عظمة)+ ملائكة (قيادة .قوة.بركة.خير)
المعنى الناتج عن اجتماع كلمتى العبارة : فلان بلغ الغاية في الجمال والقيادة والبركة.
(2)التطور الثاني (بالحذف) :فلان طاوس .
المعاني الناتجة عنه : 1ـ شديد الجمال 2 ـ متكبر 3ـ متفاخر بنفسه 4ـ بارع في عمله
(3)التطورالثالث ( بالقصر) نحو:فلان عامل فيها طاوس،وهونتيجة للتطور الذي يحدث للغة بتطور مفاهيم المجتمع الذي تعيش فيه ، والتطور الفكري ، والحضاري ،فتصبح العبارة قاصرة على معنى واحد، وهو وصف هذا الرجل بالتكبر،والخُيلاء ، والإعجاب بالنفس ، وفي هذه الحالة يتناسى الناس المعنى الأصلي للعبارة نتيجة لحذف المضاف إليه (وهو أحد أركان المعنى السابق) ويُحذف نتيجة لذلك معنى الخير ، والبركة،والقوة والقيادة التي كانت يوما ضمن معاني العبارة ، وتبقى المعانى الخاصة بالمضاف فقط.
(4) التطور الرابع :المعاني المتوقعة من هذه العبارة المبتورة (فلان طاوس) :
نستطيع أن نقول : إن المعاني الجديدة المتوقعة منها ،أي التي سيولدها المتكلم من هــــذه العبارة لا يعلمها أحد،ولا عباقرة اللغة،وذلك لأن هذا الأمر مرتبط بقضايا كثيرة تتحكم فيه منها: نوع التطور الذي سيحدث في المجتمع ، وما سيحتاجه المجتمع أو الفرد ( كأحد لبنات المجتمع) من متطلبات ستفرض عليه توظيف هذه العبارة ،وتحميلها بدلالات جديدة،فمنذ عشرين عاما فقط مَـــن مِنّا كان يعرف أن كلمة (محمول) سوف تحمل في يوم ما دلالتها الحالية (أي الدلالة على جهاز الهاتف المتنقل)؟
هذه هي اللغة ، وهذا هو سر الإبداع فيها ، وهوالتجدد ،والإبتكار، والتطور ، الذي ينم عن الطاقة الكامنة، والمتجددة في العقل البشري ،وغير المتوقعة .
3 ـ غسيل الملائكة :
مرحلة التكوين : يطلق هذا الاسم على حنظلة بن أبي عامر الأنصاري ، غسلته الملائكة ، وذلك أنه خرج يوم أحد فأصيب ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : هذا صاحبكم قد غسلتـــه الملائكة، فسئلت عن ذلك امرأته فقالت : إنه كان معي على ما يكون عليه الرجل مع امرأتــــــه ، فأعجلته حطمة بالمسلمين منعته عن الاغتسال، فخرج فأصيب )(1)
أضيفت كلمة غسيل، وهي مصدر من الفعل غسل إلى الملائكة ،وهم في أصل التركيب فاعل هذا الحدث (أي غسل الملائكةُ حنظلةَ) فتحول التعبير بالجملة الفعلية إلى مركب إضافي (غسيل الملائكة) ليعطى هذا المعنى، وتحول الفعل إلى اسم، ولهذا لا يمكن أن تكون العلاقة بين الكلمتين علاقة ملكية مباشرة ،ولكن من خلال علاقة(من أصل الحدث إلى سببه) حيث تبيّن من هذا الرابط الاستعاري في هذه الجملة أنه يعاني من الوحدة ، وأن أسباب الأحداث تتصور باعتبارها أصـولا أو مصادر مجردة، فيكون معنى السبب في نحو(ألم الوحدة ) توسعا في معنى الأصل أو المصـدر في نحو: ماء العين ، بناء على رابط استعاري مفاده أن : الأسباب أصول أو مصادر ، فالوحــــدة مصدر الألم )(2)والملائكة مصدر الحدث الغسيل .
إن الإبداع في مرحلة التكوين هنا جاء من التعبير عن الجملة الفعلية بالمتضايفين ،فأدى المعنى نفسه ، فعبارة د غاليم (إن أسباب الأحداث تتصور باعتبارها أصولا ،أو مصادر ) فإذا أعدنا صياغتها بطريقة نحوية لقلنا :إن فاعل[أي سبب الحدث] الفعل[الحدث] يعتبر هو مصدر الفعل وأصله ، وبناء على هذا الرابط الاستعاري جاز تحويل الاسم ليعطي معنى الحــــــــدث في التركيب الإضافي الآتي : غسل الملائكة حنظلة >> غسيل الملائكة >> حنظلة الأنصاري
مرحلة التوليد والإبداع :
تأتي هذه المرحلة مع توظيف هذه العبارة في تراكيب جديدة، تستخرج مكنون المعنى الموجود فيها ، وهذا الأمر يأتي من الاستخدام الفعلي للعبارة ، أو القياس عـليها ، فننسب كل عمل نريد أن نمجده إلى الملائكة، فنقول :غسيل الملائكة، ونقصد بذلك ثيابا نقيا طاهرا ، وقياسا على ذلك نقول على عمل ما : صنع الملائكة .
وقياسا على ذلك أيضا تأتي هذه العبارة:قوط الملائكة، تبركا بالملائكةلتطلق على مكان مـــبارك يُدِرُّ الماء العذب على الناس والأنعام، ولا يُعرف من حفره، ولهذا نسب إلى الملائكة ،فهم مصدر كل خير للناس .
ومثلها هذه العبارة أيضا :سيرة الملائكة ،فتطلق على كل شخص محمود السيرة ،فهو كالملائكة في حسن السيرة .
وعبارة جناح الملائكة ، يقول الثعالبي : وقد يضرب المثل بجناح جبريل في البركة والشفاء )
لقد أصبح كل شىء يقترن بهم به الخير والبركة .(3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1)ثمـار القلوب 64
2) النظرية اللسانية و الدلالة العربية المقارنة 101
3) ثمار القلوب ( كل هذه العبارات موجودة في ثمار القلوب ) 66
4ـ حربة أبي يحيي :
مرحلة التكوين :
يقول الثعالبي ( أبو يحيي هو ملك الموت ، وإنما كنى بهذه الكنية عن الموت ، كما كنى عن اللديغ بالسليم ، وعن المهلكة بالمفازة ...وحربة أبي يحيي يراد بها مقدمة من مقدمات الموت على جهة التمثيل والاستعارة )(1)
لقد فعلت الاستعارة فعلها في تكوين هذه العبارة، حيث كونت من أشياء متنافرة صورا جديدة، فالعنصر الأساسي لتكوين هذا البناء ـ كما قال الثعالبي ـ هو التمثيل والاستعارة،أي أن هناك رابط استعاري سوغ لنا هذا البناء ، ومن خلال الاستعارة يمكن لهذا المعنى أن يتسع ، ويــستوعب كل جديد .
يقول بول ريكور معرفا الاستعارةSad الاستعارة تهتم بعلم دلالة الجملة ، قبــــــل أن تهتم بعلم دلالة الكلمة المفردة ، وما دامت الاستعارة لا تحظى بالمغزى إلا في قول ، فهى إذاً ظاهرة إسناد لاتسمية . حين يتحدث الشاعر عن {صلاة زرقاء أو غطاء الأحزان}فإنه يضع كلمتين في علاقة تنافر، وليس إلا الجمع بينهما ما يشكل الاستعارة ، وهكذا لايجب أن نتحدث عن اســـــــــــتعمال استعاري لكلمة معينة ، بل عن قول استعاري كامل . فالاستعارة هي حاصل التوتر بين مفردتين في قول استعاري ) (2)
ويقول عن دور المشابهة في الاستعارة Sad الاستعارة تنطوى على اختزال للصدمة المتولــــــدة عن فكرتين متناقضتين ، إذاً ففي ذلك اختزال هذه الفجوة أو المسافة تلعب المشابهة الدور المنوط بها ...وهو إظهار قرابة ما ، حيث لا ترى النظرة الاعتيادية أية علاقة ... يجمع بين أشياء متفرقة لا تجتمع ، وبواساطة سوء الفهم الواضح هذا تقيم الاستعارة علاقة معنوية جديدة لم تُلحط حتــــى الآن، تنبجس من بين المفردات التى تجاهلتها أنظمة التصنيف السابقة )(3)
ثم يقول عن خلق المعنى :لا تنتبه البلاغة التقليدية للخلق الجديد للمعنى ،بل إلى آثاره ونتائجه، فهي لا تستطيع أن تفسر خلق المعنى،ولكن في النظرية التى تذهب إلى وجود توتر في الاستعارة كالتى نقابل بها هنا نظرية الاستبدال،تنبثق دلالة جديدة ، تضم في داخلها الجملة كلها،بهذا المعنى تكون الاستعارة خلقا تلقائيا،وابتكارا دلاليا، لا مكان له في اللغة السائدة ،...ولذلك تشبه الاستعارة حل لغز ، أكثر مما تشبه اقترانا قائما على المشابهة ،لأنها تتكون أصلا من حل لغز التنافر الدلالي)(3)
ويقول في النهاية عن الاستعارة الحية : ( هي استعارات الابــــتكار التى تكون فيها الاستجابة للتنافر في الجملة توسيعا جديدا للمعنى )(3)
في إطار ما سبق يمكن أن فهم هذه العبارة (حربة أبي يحيي ) علي أنها:
1) جمعت بين متنافرين هما: الموت والحياة في اسم أبي يحيي ، و يــــقصد به ملك الموت .
2) وجمعت بين الحربة التى يستخدمها المحارب،وهي شيء مادي، وإضافتها إلى ملك الموت، وهو شيء لا يُرى بالعين ، أي معنوي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ثمار القاوب 66
2) نظرية التأويل الخطاب وفائض المعنى ،بول ريكور ، ترجمة سعيد الغانمي ، المركز الثقافي العربي بيروت90
3) المرجع السابق 90 ـ 93
هذه التوليفة غير المتجانسة ،التى جمعت المتنافرات المختلفة،هي التى أوجد ت لنا هذاالخلق الجديد للمعنى ، بناء على ذلك الرابط الاستعاري الذي أوجد علاقة بين الموت والحياة هي : علاقة التنافر بينهما ،فاستعيرت كلمة أبي يحيي للدلالة على ملك الموت ، كما في البصير للدلالة على الأعمى،والسليم للدلالة على اللديغ، والمفازة للدلالة على المهلكة (كما قال الثعالبي) وبذلك تكون علاقة التنافر هذه وسيلة لابتكار دلالات جديدة ( كما قال ريكور) وأيضا نشأت من جملة ، أي تركيب { المضاف والمضاف إليه}وليس من كلمة .
وهذا أيضا يقوم على علاقة الملكية ،أي أب يملك يحيي، وترتبط الكلمتان {أب ـ يحيي} برابط استعاري ؛يقوم على علاقة القرابة بين أب ويحيي ،وهذا الرابط مفاده أن الأقارب ملك لنا.
والعلاقة التى تربط بين (حربة)و( مقدمات الموت ) جاءت على وجهة الاستعارة والتمثيل (كما يقول الثعالبي ) وعلاقة تمثيل هنا (إذا جاز لنا استعارة كلمة الثعالبي)تطابق الواقع الفعلي للفكرة، فهي تجسيد وتمثيل للمعنوي، وهوالموت في صورة حربة المقاتل ، والحربة شيء مادي،وهي تمثيل آخر للحركة في مقدمات الموت، وهي تهجم لتقتل الناس ،وحركة الحربة تهجم على الناس أيضا ،كنوع من التمثيل وتجسيد للمعنوي في صورة المادي .
ومن خلال هذه العبارة (حربة أبي يحيي ) خرجنا بع
الجزء الثالث والاخير من العلاقة الدلالية بين المتضايفين بين التوليد والتأويل في ضوء النظريات اللغوية الحديثة من خلال ثمار القلوب للثعالبي الأستاذ الدكتور: عطية سليمان أحمد
مُساهمة المشرف العام في السبت 21 أغسطس 2010 - 22:56
البنية التصورية والنمط النموذجي التاريخي
في هذا الحقل الذي يتصل بأشحاص لهم ماض تاريخي ، وقد تحولوا إلى أنماط نموذجية لدى أجيال قريبة العهد بهم ، فهم يعرفونهم،ويلمون بتاريخهم، وقد ارتبطوا بأحداث تاريخية عُرفوا بها وسجلها التاريخ بأسمائهم ، مـــماجعلهم يتحولون إلى نمط نموذجي سُجل في أذهان هؤلاء القوم ، فأصبحوا في البنية التصورية لهم يتمثلون بهم، فأصبح اسم قارون يستحضر عند ذكره من الذهن صورة الغنى المتكبر، واســــــم ثمود يستحضر صور القوم الذين قتلوا ناقة الله ، فاقترن اسم كل شخص من هؤلاء بالحدث التاريخي المعروف عنه،فكوّن صورة ذهنية ناتجة عن اقتران الشيئين معا ، فكون لنا هذا الشكل :
المركب الأصلي = شخص +شيء ما عرف عنه = مركب إضافي يمثل الصورة الذهنية لهما.
النيجة: أن مجرد ذكر المركب الإضافي يستدعى من الذاكرة الشخص+الحدث (الصورة الذهنية)
مرحلة الإبداع = مركب إضافي قديم + موقف مشابه = المركب الإضافي القديم + دلالة جديدة.
فيصبح كل شخص في إطار المركب الإضافي عبارة عن نمط نموذجي لهذه الصفة ، ويصبح مجرد ذكر الاسم فقط استحضارا للصفة المقترنة به ، فنقول :قارون ، فهذا يساوي قولنا : فلان يتصف بالغنى الشديد والكبر، مثل قارون الذى كان من قوم موسى ، ويكفي أن نقول :كان جنودنا البواسل صاعقة عاد على الأعداء ، لنستحضر شدة الهلاك الذي انزلوه بأعدائهم .
إن البنية التصورية تقوم بتحديد منزلة المعنى ، والتمثيل له صوريا في مستوى البنية التصورية التى هي مظهر من مظاهر التمثيلات المعرفية، يقوم عليه الفكر لدى الإنسان،إن البنية التصورية إحدى الأطر الذهنية التى تمكن من تخزين التجربة ،والربط بينها، وبين الذاكرة المرحلية وخطط العمل المستقبلي. ويمكن تصور هذه البنية التصورية من خلال هذا الشكل :
البنية التصورية = البنية الذهنية (التى ترمزها اللغة ،أي تحولها اللغة إلى صورة قابلة لتواصل )
فالبنية التصورية نسق مركزي من أنساق الذهن ، وهي بنية جبرية مكونة من عناصر منفصلة ، وهي ترمز تمييز الأنماط من الواردات والمقولات التى نفهم من خلالها العالم . والعلاقات بين مختلف الأفراد والمقولات .
وفي إطار ما سبق يمكن أن نطرح سؤالا : كيف تتم عملية التواصل اللغوي بالبنية التصورية ؟
إن هذا يتم من خلال التأويل الدلالي ، فبناء الدلالة في الـلغات الطبــــيعية يرتبط بمجموع أنساق السمات ، أو المكونات التى يقوم عليها القالب الدلالي ( أو البنية التصورية )
أهم السمات التى تكون المقولات التصورية ( قاعدة تفكيك التصورات )
لو افترضنا كيانا معينا ( تفاحة ـ طائرة مثلا ) فإننا عند النطق بهذا اللفظ تنطلق في أذهاننا مجموعة من الأنساق الفرعية المركزية من السمات هي على التوالى :
1 ـ نسق المكونات التصورية : ( كالحدث والشيء ، والتمميز بين الورود والنمط )وهذا النسق يقوم بتحليل كل من الحدث {أي الفعل وما يتصل به من ملابسات ومتطلبات }والشيء { وما له من صورة ذهنية تكونت من الخبرات السابقة حول هذا الشيء}والتمييز بين الصورة الواردة في الحوار{مكتوب أو منطوق}عن الشيء،والنمط{أي الصورة المتمثلة في الذهن حول هذا الشيء}
2 ـ بنية الموضوعات ( أو البنية الدالية التى تشير إليها هذه الموضوعات )
3 ـ نسق سمات الحقول الدلالية :ومن خلال هذا النسق يمكن تحديد ملامح الشيء ، ومكوناته
4 ـ السمات الجهية المتعلقة بالمحدودية . 5ـ والبنية الداخلية ، والبعد ،والاتجاه.
تفكيك التصورات إلى أنساق يمكن من خلالها تحليل الكيان ( الوحدة المعجمية ) فــــالوحدات الجوهرية في البنية التصورية عبارة عن مكونات تصورية ،تنتمي إلى لائحة كلية مــــحدودة من المقولات الأنطولوجية الرئيسية (أو أقسام الكلم التصورية) فنقوم بتحليل المقولات بنـــاء على ما يظهر في البنية التصورية ، حيث نميز الواردات من المقولات ،أو الأنماط التى تنتمي الـواردات إليها ،أو لا تنتمي ، مثال : كلمة سرحان عندما نسمعها (أي تكون في الواردات) باعتبارهـا اسم جواد ، تسقط في تصورات الورود في البنية التصورية ، وتسقط اللغات الطبيعية في تصــورات الورود أسماء الأعلام التي تعين الأفراد مثل سرحان (اسم لشخص) بينمـــــا تسقط في تصورات النمط أسماء الأجناس مثل جواد .
وهناك مجموعة من المكونات التصورية تمكن من رصد ما تحيل عليه التعابير اللغوية،فرجل أو طاولة يحيلان على شيء، وهنا وهناك يحيلان على مكان .... وكما يقول دغاليم : إن ما ســبق يرتبط بتصور توليدي لمعنى الوحدات المعجمية،أي بعدد محدود من الأوليات والسمات والآليات التوليدية يسمح ببناء التعابير الدلالية الممكنة ، فالأمر لا يتعلق بتعيين لائحة مثبتة من الوحدات ، مهما كان طولها، أو بتعيين ذاكرة معجمية محصلة ، مهما كان غناها ، وإنما بتخصيص مجموعة لا متناهية من التصورات الممكنة انطلاقا من عدد محدود من الأوليات ومبادئ التأليف والسمات التى تشكل مجتمعة نسقا لازما لبناء الدلالة اللغوية ،وذلك في إطار تصور قالبي يقوم فيه النحو على هندسة ثلاث مستويات ، فيتخذ فيها المعجم دور مسوغ التوافق )(1)
إن هذا القول يشير إلى ضرورة فهم الوحدة المعجمية في إطار أكبر ، وهو قدرة هذه الوحدة على إنتاج ، وتوليد عدد كبير من التعابير الدلالية الممكنة ، وهـــــذا الأمر يقوم على مجموعة لا متناهية من التصورات الممكنة الراسخة في الذهن حول تلك الوحدة ، وباستخدام الوسائل اللغوية المختلفة إلى جانب السمات الخاصة بالوحدة ومبادئ التأليف ،يمكن لهذه الوحدة أن تنتج عددا لا نهائيا من الدلالات المتولدة عنها ، ويكون دور المعجم في هذا الحالة إعطاء الأصل الدلالي الذي تنطلق منه باقي الدلالات ، ويسوغ لنا أن ننتجها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) النظرية اللسانية والدلالة العربية المقارنة 37،38
ولو حاولنا تطبيق هذا على الألفاظ التاريخية التى تناولناها في التراكيب الإضافية السابقة ، كما في ( ريح عاد ـ صاعقة ثمود ـ جور سدوم ـ صرح هامان ـ سد الاسكندر ـ كنوز قارون ...)
وكل عبارة تتكون من رأس الإضافة {المضاف } والمضاف إليه ، والجزء الأول لاعلاقة له بالتاريخ ، أما الكلمة الثانية فهي كوحدة معجمية تمثل في البنية الصورية للمتكلم تاريخا أرتبطت به ، هو تاريخ هؤلاء الأشخاص ( عاد ـ ثمود...) المحفور في ذاكرة المتكلم .
وعند النطق باسم أحدهم ، فإن هذا يثير في البنية التصورية للمتكلم مجموعة من السمات الانتقائية الخاصة بـ (عاد ـ ثمود ...) التى تمكن الآليات التوليدية من بناء دلالات جديدة من هذه الكلمات، حيث الأمر يتعلق بتحديد مجموعة لا متناهية من التصورات ،التى يمكن أن تتكــون من هذه السمات المحدودة ، وفي إطار ما تسمح به القوالب النحوية كما في باب الإضافة الذي نـحن بصدده ،فكلمة قارون تحمل في البنية التصورية للمتكلم مجموعة من السمات الانتقائية المحددة ، مثل الغنى الشديد ـ الكبر ـ عدم شكر الله على نعمه ـ تجاهل صاحب النعمة والفضل ـ وغيرها من السمات الانتقائية التى تثيرها هذه الكلمة ، وما يمكن أن نستلهمه من هذه الوحدة المعجمية ، ومثل ذلك ما يمكن أن تثيره كلمة فرعون وعاد والاسكندر وثمود من سمات الانتقائية نتيجة لما لها في البنية التصورية للمتكلم من صورة ذهنية ذات ملامح محتلفة .
وتأتي الكلمة الأولى كلمة المضاف ( رأس الإضافة ) لتقيد غير المحدود من السمات بحدودها،
فتجعلها قاصرة على تصور واحد ، هو المقصود بالعبــارة كما في : كنوز قارون ،التى حددت الصورة الذهنية المقصودة من العبارة،والسمات الانتقائية الخاصة بهذا التركيب،وهي سمة كثرة المال فقط ، ونترك باقى السمات التى ذكرتها من قبل مثل : التكبر ـ تجاهل المنعم .
ثم تأتي القدرة التوليدية للكلمة لتوجه العبارة إلى دلالات جديدة في المجتمع المـعاصر ، عندما يستعيرها متكلم معاصر، ويطلقها على صديق له ، فيقول: فلان عنده كنوز قارون،فإنه يستخدمها بناء على رابط استعاري جديد مفاده استحضار الحدث القديم للموقف الجديد نتيجة للمشابهة التى بينهما ، وبغرض المبالغة في صفة الغنى ، فلا يوجد شخص معاصر لديه كنوز قارون مهما كان غنيا ، فيصبح هذا الشخص (قارون) نــمطا نموذجيا لقمة الغنى في ذكرة كل الناس ، وبنيتهم التصورية والصورة الذهنية لهم .
إن هذا يعطى تصورا للقدرة التوليدية للوحدة المعجمية ، بواسطة الآليات ، والسمات التوليدية مما ينتج عنه بناء تعابير دلالية لا متناهيـــــة ، ويقول دعبد القدر الفاسي مؤكدا هذه الفكرة وهي القدرة التوليدية لدى المفردات : إن المفردات ما هي إلا بنيات مركبية مكبوسة (compressed) والكلمة تجميع لما كان يمكن أن يكون جملا ، ومن هنا كان تحليل المفردة لا يختلف أساسا عن تحليل الجملة )(1)وهذه الخاصية المميزة للكلمة جعلها متجددة متولدة في كل عصر،ولهذا فالعملية التوليدية هنا لم تنته عند عصر الثعالبي ، ولا عند عصرنا ، بل هي مستمرة إلى ما شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) المعجمة والتوسيط نظرات جديدة في قضايا اللغة العربية 10
الباب الخامس من كتاب الثعالبي :
فيما يضاف وينسب إلى الصحابة والتابعين
هنا نمط جديد من الإضافة؛وهو الإضافة إلى المشاهير أصحاب التاريخ العظيم، من الصحابة والتابعين، ثم اتخاذهم قدوة، و مثل يضرب لتلك الصفات التى يتمتعون بها ، وقد تحولوا في البنية التصورية لـــهذا المجتمع إلى نمط نموذجي يقاس عليه ، ومن خلال الصفات تأتي دلالات جديدة توحى بها ، وتتولد منها في كل يوم .
يقول الثعالبي : ( سيرة العمرين ، درة عمر ، قميص عثمان ، فضائل على ، صدق أبي ذر، مشية أبي دجانة ، دهاء معاوية ، فقه العبادلة ، وليمة الأشعث ، حلم الأحنف ، زكن إياس ، زهد الحسن ، ورع ابن سيرين ،سجع المختار ، شجة عبد الحميد )(1)
1ـ سيرة العمرين :
مرحلة التكوين : هما أبو بكر وعمر رضى الله عنهما ، جُمع بينهما لسيرتهما الطيبة ، وغلب اسم عمر على أبي بكر، يضرب بسيرتهما المثل إذ لا عهد بمثلهما بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال بعض البلغاء يصف بعض الملوك : رأيت صورة قمرية ، وسيرة عمرية .
والعلاقة التى تقوم بين المتضايفين هي علاقة الملكية بناء على علاقة هي( من الجزء المكون إلى الخاصية المميزة ) فتكون سيرة العمرين هي الخاصية المميزة لهما،وهما يمتلكاها.
مرحلة الإبداع :وذلك باستعارة هذه العبارة في مواقف مشابهة للتعبير عن المبالغة في حسن سيرةالشخص ،بأن له سيرة كسيرة العمرين، وهنا تتحول هذه الصورة الذهنية المتمثلة في العبارة إلى نمط نموذجي يقاس عليه في الوصف بحسن السيرة .
2ـ درة عمر :
مرحلة التكوين :قال الشعبي : كانت درة عمر أهيب من سيف الحجاج ، وهذا يعنى أن هذه الدرة أصبحت نمط نموذجي لآلة العقاب الشديد فهي أشد من سيف أشد الحكام وهو الحجاج.
العلاقة بين المتضايفين علاقة ملكية كما في النمط النموذجي كما في دراجة عمرو .
مرحلة الإبداع : كان ذلك بتوظيف العبارة لوصف كل آلـــة عقاب بالشدة ، فأصبحت تمثل في الصورة الذهنية لأبناء هذا المجتمع في النمط النموذجي لآلة العقاب .
3 ـ قميص عثمان :
مرحلة التكوين : هو قميصه المضرج بالدم الذي قتل فيه ، ويضرب به المثل للشيء يكون سببا للتحريش ،والعلاقة هنا علاقة ملكية كما في النمط النموذجي ( دراجة عمرو)
مرحلة الإبداع : يكون ذلك بتوظيف العبارة في مواقف مشابهة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ثمار القل
وتتنوع هذه العبارات في صور مختلفة ودلالات متعددة ،ويمكن أن نعرض لها في هذا الشكل:
العبارة الأصلية العلاقة متضايفين مرحلة الإبداع العلاقة الجديدة
فضائل على الخاصية المميزة فلان له فضائل على التمثيل للشبه بينهما
صدق أبي ذر الخاصية المميزة فلان له صدق أبي ذر التمثيل للمشابهة
دهاء معاوية الخاصية المميزة فلان له دهاء معاوية التمثيل للمشابهة
فقه العبادلة الخاصية المميزة فلان له فقه العبادلة التمثيل للمشابهة
وليمة الأشعث الملكية كالنموذج لفلان وليمة أشعث التمثيل للمشابهة
حلم الأحنف الخاصية المميزة لفلان حلم الأحنف التمثيل المشابهة
زهد الحسن الخاصية المميزة لفلان زهد الحسن التمثيل المشابهة
الخلاصة :
تتكرر هذه العبارات في صور مختلفة يمكن أن نخرج من هذا الباب بظاهرة عامة تشمل كل العبارات ، وهي أن هؤلاء الأشخاص تحولوا إلى نمط نموذجي له صورة ذهنية،تمثل هذه الصفة في ذاكرة أبناء هذا المجتمع ، يمكن استحضارها للتمثيل بها في مواقف مشابهة ، فقد أصبـــحت مضرب المثل ، بما تحمله من صفات محبوبة أو مكروة على السواء.
الباب السادس من كتاب الثعالبي :
في ذكر رجالات العرب في الجاهلية والإسلام مختلفى الألقاب والمراتب
مضافين إلى أشياء مختلفة يضرب بأكثرهم الأمثال
امتدادا لهذه الظاهرة وهي تحول الأشخاص إلى نمط نموذجي وبناء صورة ذهنية لهم في ذاكرة الأمة يتمثل بها ،جاء هؤلاء الرجال من العصر الجاهلي والإسلامي ليكملوا هذه الصورة الذهنية والبنية التصورية للأنماط النموذجية الممثلة لفكر هذه الأمة فيما تحب وتكره من صفات حملها هؤلاء الرجال من خلال أسمائهم المعروفة ، ومواقفهم المشهورة عند الناس .
وفي هذا الباب تقوم عملية الإضافة ـ إلى جانب ما سبق ـ على هذا التقسيم :
1ـ أعلام أضيفوا إلى قومهم نحو : حاتم الطائي ـ كليب وائل ـ سحبان وائل ـ عرّاف اليمامة ـ شيخ مَهْو ـ مجنون بني عامر ـ حواري النبي ـ أشج بني أمية ـ جبار بني العباس .
2 ـ أعلام أضيفوا إلى بلادهم نحو : وضاح اليمن ـ قريش الأباطح
3ـ أعلام أضيفوا إلى ملامحهم الخاصة نحو : شيبة الحمد ( أبو طالب )
4 ـ أعلام أضيفوا إلى قدراتهم الخاصة نحو :أبو عروة السّباع ـ زيد الخيل ـ سحبان وائل ـ عروة الصعاليك ـ ضيف الحناتم ـ وافد البراجم ـ سعد المطر ـ ملاعب الأسنة ـ أزواد الركب ـ سعد العشيرة ـ يسار الكواعب ـ طفيل الأعراس ـ سعد القرقرة ـ شيخ المضيرة ـ أمين الأمة ـ رباني الأمة ـ حبر الأمة .
هؤلاء الأعلام اتصفوا بصفات مختلفة أُضيفوا لها ، ثم أصبحوا مضرب المثل في هذه الصفات ، بل تحولوا في ذاكرة الأمة إلى صورة ذهنية في البنية التصورية لأفراد المجتمع كأنماط نموذجية لهذه الصفات .
وهذا الأمرينطبق على كثير من أبواب الكتاب فنجد في :
الباب السابع :ما يضاف وينسب إلى القبائل نحو إيلاف قريش ـ جود طيّئ ـ لؤم باهلة ـ مُهوركندة
الباب الثامن:مايضاف وينسب إلى رجال مختلفين :حكمة لقمان ـ جود كعب ـ بخل مادرـ يداعدل
الباب التاسع :فيما يضاف وينسب إلى العرب : تيجان العرب ـ جمرات العرب ـ أثافي العرب
الباب العاشر: فيما يضاف إلى الإسلام والمسلمين :سهم الإسلام ـ بيضة الإسلام ـ عصا المسلمين
الباب الحادى عشر:ما يضاف إلى القراء والعلماء:فقة أبي جنيفة ـ جامع سفيان ـ طفرة النظام
الباب الثانى عشر:فيما يضاف إلى أصحاب المذاهب:خف الرافضي،نجدة الخارجي،أكل الصوفي
الباب الثالث عشر:فيما يضاف إلى ملوك الجاهلية :أخلاق الملوك ،شقائق النعمان،جوه الخلافة
ويستمر الثعالبي في عرض أبواب كتابه على هذه الطريقة ذاكرا فى كل باب منها حقلا من حقول الحياة ، و مـا ينسب ويضاف إلى هذا الحقل من تراكيب إضافية ، تــــوضح علاقة ما بين المتضايفين ، وهي فى غالبها متكررة ، ولهذا اختصرت فى عرضها خشية الإطالة والملـــــل، و التكرار.
الباب التاسع عشر : فيما يضاف وينسب إلى أهل الصناعات
وتستوقفني بعض أبواب الكتاب لما فيها من علاقات جديدة بين المتضايفين، وأفكار تحتاج إلى دراسة وتحليل،منها هذا الباب،ففي كل مجتمع مجموعة من الحرف والصناعات،يمكن أن نتعرف على هذا المجتمع من خلال أصحاب هذه الحرف،وما يتكون حول أسمائهم من تراكيب إضافية ، ولذا سندرس كل عبارات الثعالبي في هذا الباب .
1 ـ سُرى القين :
مرحلة التكوين: يقول الثعالبي ( أصله أن القين ـ وهو الحداد بالبادية ـ ينتقل في مياه القوم ، فإذا كسد عليه عمله قال لأهل الماء : إني راحل عنكم الليلة ـ وإن لم يرد ذلك ، ولكنه يشيعه ليستعمله من الناس من يريد استعماله ـ ولما كثر ذلك من قوله قالوا : إذا سمعت بسرى القين ، فاعلم أنــــه مصبح )(1)
هذه العبارة تلخص حدثا هاما في حياة أهل البادية ، وهو كذب هذا الرجل (القين)في حديثه ، ثم تحولت هذه العبارة إلى رمز يشير إلى معنى يمكن استحضاره بها ، هو : فلان كاذب ،وإن لم نقل ذلك ، فعندما نقول : سُرى القين = حديث كذب
كما نقول في عصرنا : كلام الليل = كلام كذب
المعنى غير المنطوق
من خلال الحديث السابق يمكننا أن نعطى ملاحظة جديدة ، وهي ما أطلقنا عليه {المعنى غير المـنطوق } حيث تصل الفكرة ، أوالمعنى المطلوب إلى عقل المستمع دون أن ينطق بها المتكلم ، وهذا الأمر شائع في اللغة ، فعلى كل متكلم أن يحسب عدد الأفكار ، والـــــمعانى التى ينقلها إلى المستمع وعدد الكلمات التى تعبر فعلا عن تلك الأفكار ، فسنجد أن كثيرا من المعانى والأفكار قد وصلت إلى المستمع دون أن ننطق بها،اعتمادا على فهم المتكلم ، ومعرفة المجتمع بأصل القصة.
إننا نكون من إضافة مصدر الفعل (سُرى)إلى فاعله تركيبا إضافيا لنصل إلى معنى غير منطوق، وهنا تقوم بين المتضايفين علاقة جديدة هي علاقة صرفية نحوية كونت دلالة جديدة :
مصدر الفعل(سُرى) + الفاعل (القين) = دلالة جديدة (فلان كاذب) ، يقول الثعالبي : يضرب مثلا لمن يظهر الشخوص وهو مقيم ، ويعرف بالكذب فلا يصدّق وإن صدق ) (2) لقد تحول من شخص تطلق عليه هذه العبارة (سرى القين ) وهو الحداد إلى موصوف بالكذب وإن صدق.
مرحلة الإبداع : تكـون في توظيف تلك العبارة بتحويلها إلى عبارة يُكنُّ بها عن الشخص معروف بالكذب ، حتى لا يفضح أمره بين الناس.
وهنا نلاحظ أن الكلمة الموحية كما في كلمة :جن ( وتوحي بالشر،والمهارة في العمل ) وكلمة ملائكة ( وتوحي بالخير والبركة ) ليست وحدها هي القادرة فقط على الوحي ، ولــكــن قد تكون العبارة كذلك موحية يكن بها عن المعنى غير المنطوق ،فتظر ذلك كما في العبارة السابقة :
سرى القين = شخص كاذب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ثمار القلوب 240
2) المرجع السابق240
2 ـ راية بيطار:
مرحلة التكوين : قال الثعالبي (يضرب مثلا في الشهرة ، فيقال :أشهر من راية بيطار )(1) ومن الباب السابق نفسه نرى هذه العبارة مما تحمل دلالة غير منطوقة ، حيث نعنى بعبارة : راية بيطار، أن هذا الشخص مشهور مثل شهرة راية بيطار ، رغم أننا لم ننطق بهذا في العبارة.
والعلاقة بين المتضايفين هنا علاقة ملكية كما في النمط النموذجي (دراجة عمرو)
مرحلة الإبداع : عندما يستعير المتكلم هذه العبارة فيقول : فلان راية بيطار ، أي مشهور كشهرة راية البيطار ، فإنه يكون قد أقام علاقة غير منطوقة بين هذا الموقف الذي هو بصدده وبين أصل العبار ، وهو كما نقول اليوم : فلان نار على علم ، بدلا من قولنا : فلان مشهور كشهرة النار عندما توضع فوق الجبل .
3 ـ راحة صباغ :
مرحلة التكوين : أي الذي يصنع الأصباغ ،قال الثعالبي( يضرب مثلا لما يستقبح ،ويشبه بها ما
ليس يستنظف)(2) والعلاقة هنا علاقة ملكية من خلال رابط استعاري مفاده أن أجزاء جسمنا ملك لنا ، فهي علاقة الكل بالجزء ، ولكنه حملها دلالة جديدة هي التعبير عن الشيء القذر المستقبح ، وهو كما قلنا من قبل الدلالة غير المنطوقة للعبارة ، حيث لم ينطق المتكلم بلفظة : وسخ ، أو غير نظيف التى فهمت من العبارة ، وهذا راجع إلى ما استقر في البنية التصورية للمتكلم ، والمستمع عن هذه اليد ،وما يعلق بها من أشياء غير نظيفة ، إذن هنا تلعب البنية التصورية دور المستودع لذاكرة المتكلم التى توضع فيها الصور الذهنية، والخبرات السابقة عن الأشياء، لاستحضارها عند الحاجة، حيث تستدعى من الذاكرة على الفور،وتمثل الصور المرئية في الذهن للكلمة المنطوقة ، والمعنى المقصود غير المنطوق للكلمة .
مرحلة الإبداع : وهذه الطريقة القديمة ، وهي الإشارة للمعنى دون الـنطق به موجودة في كل عصر ، كما نقول : يد ساحر ، لمن كان بارعا في عمله كالطبيب مثلا ، رغم أنـــــنا لم نذكر في العبارة كلمة ماهر أو بارع في عمله ، إنه توظيف للحواس للتعبير عن المعانى غير المنطوقة .
4ـ بيت الإسكافي :
مرحلة التكوين : يقول الثعالبي ( يضرب به المثل ، فيقال : بيت الإسكافي فيه من كل جلد رقعة ، ومن كل أدم قطعة ، كما يقال : هم كبيت الأدم ، إذا كانوا مختلفين،وفيهم الشريف والوضيع)(3) والعلاقة التى تربط بين المتضايفين علاقة ملكية حيث بيت الإسكافي ملك له كما في النمط النموذجي،لكن تم توظيف هذه العبارة للدلالة على معنى غير منطوق هو أن فلان الذي بيته كبيت الإسكافي قد جمع فيه بين المتناقضات ، وأن فيه من كل شيء جزء ، وإن كان مختلفا عما جاوره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ثمار القلوب 240
2) المرجع السابق241
3) المرجع السابق241
مرحلة الإبداع : وذلك بالنظر إلى جانب آخر من العبارة ، وهودلالتها على معنى : هـــو( إهمال الصانع لنفسه فلا يقدم أفضل صنعته لبيته ، فهو كبيت الإسكافي الذي يصنع الأحذية من الجلود، ومع ذلك نجد بيته به من كل جلد رقعة ، وهذا ما لا يصنعه مع الزبائن ، وهذا يساوي ما في عصرنا من عبارة :باب النجار ، اختصارا لقولنا: باب النجار مخلّع ،أي أنه رغم كونـه صاحب الحرفة،وصاحب الباب ومالكه إلا أن بابه متهالك،وهويدخل أيضا في باب المعنى غير المنطوق
5 ـ جنون المعلم ـ رغفان المعلم :
مرحلة التكوين : تكون في البنية التصورية لهذا المجتمع صورة ذهنية للمعلم كنموذج للشخص محل السخرية من الآخرين ، كشخصية المهرج ، وذلك لسلوكه مع الناس ومع التلاميذ ، فأصبح كل شيء يضاف إلى اسم معلم يكتسب منه هذه الصفة ، فنقول: رغفان المعلم إشارة إلى الرغفان التى يأخذها المعلم مقابل عمله، وهو أقل مبلغ يأخذه عامل عن عمله ، وكذلك عبارة جنون المعلم دليل آخر على مدى فقدان هؤلاء القوم لعقولهم ،وأنــــهم محل سخرية من الناس في هذا