<table class="dcitbce" align="center" border="0" cellpadding="0" width="98%"><tr><td><table style="border-collapse: collapse;" border="0" cellpadding="4" width="98%"><tr><td valign="top"> شعــرية العـــتـبات الــنـصـية فــي رواية "القارورة" لـيــوســـف الــمــحـيــــمــيـــد إبراهيم الحجري* يواصل الروائي السعودي يوسف المحيميد سلسلة مغامراته السردية والروائيةبهمة عالية وبشطارة وصنعة قل نظيريهما، نظرا لما تتأسس عليه تجربة الكتابةمن صراحة جارحة ومنطق سردي تشريحي داهش، وقدرات هائلة على الوصف واختراعالمسارات والتداخلات، مما يجعل العوالم السردية تنغل بالكثير من جراحالذات وعفونات الواقع المر، وتنضح بأجواء الإثارة والمتعة المغلفتين بشيءمن الألم والسخرية والضيم، إن عوالم المحكيات المحيميدية إضافة إلى كونهاتتميز بانسيابية السرد وترقرقه بشكل تلقائي ساحر تحس من خلاله بتدفقالتجربة دون عناء مثل شلال هادر، فهي تزخر أيضا بقدرة هائلة على التشريحالواقعي لتفاصيل الزيف التي يعج بها المجتمع العربي، والكشف الجريء لمواقعالالتماع داخل التجارب الإنسانية وما يشوبها من تشويه وتناقض وازدواجيةونفاق اجتماعيين. إن قوة السرد وسحره يتأتيان من كون الروائي يمتلك مهارات عالية على حصرعوالمه وتكثيفها، وعصر العالم برمته ثم تحويله إلى جسد المحكي في لغة لاتخلو من الشاعرية ولا تنشف من أثر الندى وإدام الجماليات التعبيرية زيادةعلى كونه – أي الروائي – ذا اطلاع شاسع وشمولي على التجارب الإنسانية بكلتفاصيلها الصغرى والكبرى، بحيث أنه يطلق العنان لرواته كي ينفذوا إلىأقاصي الذات الإنسانية قصد استجلاء خباياها، منطوقها ومضمرها، ظاهرهاومستورها، موظفا كل ما يتيح له إلمامه بطرائق السرد وتقنياته ومشغلا كل ماتراكم في ذاكرته من وسائط الخطاب السردي ، حاشدا رؤاه ومعارفه وفلسفاتهتجاه الكون والقيم، مازجا لتركيبة الذات بما يلتبس بها من علائق المحيطبشتى تجلياته، وقد خولت له مكنته السردية وباعه الثر في مجال الكتابةالروائية، تشييد كون، فيه من المتخيل والواقعي، ما يجعل التجربة غنية إلىدرجة يصعب معها القبض على كل الرؤى والأبعاد والتأويلات والتفاصيل، ومثيرةإلى حد أنها تأسر المتلقي فلا يستطيع من فخاخها فكاكا، نظرا لما تحبل بهالتجربة الروائية من لبوســــات شعورية * كاتب من المغرب تمتد من الذات لتطال عوالم قريبة من كل قاريء حتى ليخيل إليه أنه داخلفيها ومتورط في علائقها الدلالية بشكل أو بآخر، ومن هنا تتأسس شعريةالتجربة وتفيض ملامحها الاستتيقية وتنبع فرادتها وتصميمها الداهش فتصيرالرواية كونا يشكل فيه كل عنصر بنية جوهرية يصعب التغافل عنها، فحتى ما هوهامشي، أو ما يبدو لنا كذلك، دال وفاعل ودينامي في إطارها مشيته1. ويؤكد البناء العام الذي تختاره تجربة يوسف المحيميد الروائية، أن الكتابةمشروع مفتوح لنشر غسيل الذات والآخر في علاقتهما الجدلية مع المحيطالمجتمعي وتجلية ما تفسخ فيه من قيم وما توارى من سحن زائفة ومغالطات فجةينبني عليها الجسد الثقافي ويتوارثها ويتداولها فتضحي قواعد وأعرافاوثوابت مالها من سلطان، إنها تسعى، بعبارة أخرى، إلى فك رموز المنظومةالثقافية والفكرية بشكل ساخر ونقدي في قوالب سردية بليغة الرؤى وشديدةالإثارة، رهانها في ذلك يتأسس على مفهوم التشخيص2 وتعرية المستور وفضحالحقائق المسكوت عنها وانتهاك القيم الساذجة المختلة التي يتشبت بها العقلالعربي بصلف وقرف وتعصب، هكذا تكون الكتابة مشروعا فكريا وأدبيا وأخلاقيايريد وضع النقط على الحروف وتسطير منطلقات التصحيح التي يجب أن نبدأ منها،ألا وهي رؤية ذواتنا وواقعنا مشرَّحيْن على المرآة حتى نتمكن من التنصل منالذاتية العمياء والحكم على القيم والأشياء بحياد وموضوعية تليقان بمستوىما نطمح إليه من تحديات، فتجلية مكامن الداء واستكشاف مواطن النقص وتشخيصمواقع التوتر هي المداخل الأساسية لرسم أية بادرة للتصحيح، وهي فوق ذلكالعتبات الأولية لاستئصال بؤر التصدع ومواقع الخلل في أي جسد مهما كانتتربته. فبعد (فخاخ الرائحة) 3 التي حاولتْ أن تغوص في أعماق الشخصية العربيةلتفجر آلامها ومنغصاتها، أحلامها وإخفاقاتها المتعددة في شكل بوح سرديمؤلم وكاشف، تأتي تجربة (القارورة) لترقى بهذا التشخيص من مستوى الذاتيإلى مستوى فكري وثقافي عام يسائل التجربة الحياتية المرة التي تعيشهاالمرأة في غمرة الندءات الصادحة عالميا بمنحها الحرية والمساواة، تجربةتسلط الضوء على جراح المرأة من منظور ذكوري كاشف وعميق وتتقصى خيوطالتجربة النسائية في علاقتها بعوائق الداخل والخارج وفي تجاوز مستمر للخطالدقيق الفاصل بين الذاتي والموضوعي من أجل إثبات التحقق الجوهري للوجودالمشروط والكينونة المستحقة لكائن اسمه المرأة داخل المجتمع السعوديالمعاصر. وسوف نحاول من خلال هذه المقاربة قراءة التجربة انطلاقا من مساءلة العتباتالنصية لهذا المنجز، لسنيا وسيميائيا، في علاقتها الجدلية والديالكتيكيةمع باقي المكونات التي تشكل العالم الروائي، أملا في أن نجد الخيط الرابطالذي يصل العتبة بالتجربة وأن نستكشف مساهمة الخطاب المقدماتي في بناءالدلالة العامة إلي يفيض بها المنجز ككل، فنحن نؤمن بأن المنجز لا يدل إلافي إطار كليته، ونحن بذلك لا نميل إلى تجزيء الدلالة بقدر ما نميل إلىتجزيء الدوال. لوحــــــة الغــــــلاف : تتخذ لوحة الغلاف أهميتها من كونها دالا بصريا موازيا يكتنز بين تضاريسهالإشارية العديد من الإيحاءات السيميائية والتأويلات المحتملة لقراءاتمتعددة ومفتوحة، فهذا الفضاء المثير، إضافة إلى كونه يعتمر حيزا مهما فيالمنجز خارجيا، وإضافة إلى كونه العتبة الأولى التي تدعو المتلقي وتشدهوتستفزه، مادامت تخاطب فيه لغة العين، فهي أيضا تمتلك القدرة على حبكخيوطها الواصلة بلب العمل وجوهره بطريقتها الخاصة، فهي تفترض قراءة من نوعآخر تستند إلى الحس البصري الذكي، وعلى قوة الملاحظة والربط بين المؤشراتالدلالية المشكلة للخطاب، وهي فوق ذلك تفرض على المتلقي التسلح بآلياتجديدة للتأويل والتشريح وتستلزم نوعا من الموازاة بين ما هو كاليغرافيوبين ما هو تشكيلي وبين العمل الأدبي كان نثرا أو شعرا، كل هذه التواطؤاتوالتشاكلات القرائية من شأنها أن تدعم فعل القراءة وتعزز (Renforcement)انتشار الدلالة وتوسع بناء احتمالات تسربها. وبتأملنا للوحة غلاف (القارورة) نلفي وجود نوع من التآلف المكشوف والتواطؤالواضح بين العنونة كمقولة كاليغرافية لسنية واللوحة كأيقونة، وبالتاليفإننا لن نجازف إذا قلنا بأن العلاقة بينهما تكاد توسم بنفس التعاقد الذيصممه سوسير بين الدال والمدلول4، فالصورة تكشف عن نفسها في شكل قارورةمزخرفة بشكل مثير، فالعلاقة بين العنوان وصورة الغلاف هي علاقة تعزيزوتثبت وتعضيد وتجاور، ولهذا الجانب أهمية خاصة في بناء استراتيجية قرائيةتتأسس على دينامية الربط الجدلي بين العتبات وتفاصيل الدلالات الثاوية عبرثنايا المنجز الروائي، وتشكيل رؤية حدسية افتراضية تنطلق من العتبة لفتحمغاليق النص الروائي وحل شفراته وتفعيل العلائق والوشائج بين كل عناصرالعالم الروائي بما فيها العرضية والهامشية. وبالرغم من كوننا نعتقد بتجاور العتبتين الأوليتين للقراءة (العنونةواللوحة)، إلا أن هذا الافتراض قد يتضاءل كلما أمعنا النظر في هذهالقارورة التشكيلية، حيث ندرك أنها خرجت من حيزها الواقعي لتفيض بأبعادهاومؤشراتها السيميائية نحو التجريد والدلالات الإيحائية، إذ تصبح القارورةهذه، فضاءً تشكيليا بامتياز، يحبل بإشارات سيميائية ثرية تزيد من توسعالرؤية التأويلية وتحفز على البحث عن القرائن الدلالية المفصلة داخل العملالروائي، فالقارورة كشكل أو قالب تشكيلي، أصبح ذات طبيعة ميتة أو صامتة (Nature morte )، ولن تحيا إلا باعتبار فضائها الداخلي وفك طلاسمه وحلشفرات العناصر المشكلة له، لكونها تمنحه أبعادا إضافية ورموزا محشوةبالدلالات، وتغنيه كفضاء بصري بشحنات إيحائية مفتوحة ترهن المتلقي بعناصرالحكي. ويمكننا بناءً على عمليات الملاحظة والتأويل والربط المنسجم مع المداخلالنصية أن نحدد مكونات اللوحة في العناصر التالية رابطين إياها بمؤشراتنصية داعمة لتواجدها الاستتيقي والسيميولوجي. القارورة كفضاء حامل وكقماش وأرضية حبلى بالدلالة التي ما يفتأ النصيعززها كل حين، وذلك بالنظر إلى قيمتها الاستراتيجية لدى العامل الذات فيالنص الروائي (منيرة الساهي)، فقد كان هذا الفضاء المجازي مرتعا لتصريفبؤر التوتر وتبعات الأحزان وقبرا لتصريف ودفن ما علق بالذات من أدران وماحصدته من جروح وإخفاقات. إذ كانت تطوي أحزانها مثلما يلف خبير سجائر تبغرخيص، فتدسها في فم قارورة عتيقة، على سطحها نقوش هندية فضية، طار معظمهابفعل لمس يديها طوال سنوات بعيدة5. الطائر المتأهب للطيران تاركا عشه وبيضه محاولا الخلاص من شرنقة القارورةالتي ما عادت الغوث والمجير والملاذ، فمن خلال ملامح هذا الطائر ذي اللونالأبيض يتضح أنه يحيل على احتمالين، أولهما طائر النورس الحزين الدال علىالقرف والحظ التعس والشؤم، وثانيهما الحمام البري الذي يرمز إلى السلموالأمان، وإن كانَ أحيانا يذَكر بالحزن ويشعر بالأسى والندم والوحشة كماحدث لأبي فراس الحمداني وهو في السجن، عندما داهمته حمامة نائحة فأجابهاشعرا: أقول وقد ناحت بقربي حمامــة أيا جارتا هل تشعرين بحالي أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا تعالي أقــاسمك الهـــم تعالي 6 وبالعودة إلى المتن الحكائي يتقوى لدينا الاحتمال الثاني حيث كان طائرحمام بري ينقر من حين لحين زجاج نافذة منيرة الساهي مداهما وحدتها ومكسراخلوتها، فما تكاد تعود إلى سريرها بقميص النوم القصير جدا حتى يتناهى إلىسمعها حمام القماري البلدي وهو ينوح وينقر زجاج النافذة7. الوردة المقطوفة بصلف والمرمية في القاع دليل على حصول انتكاسة فيالبرنامج الشعوري والإنساني، مادام الورد دائما يحيل على العاطفة الجياشةويرمز إلى المفاهيم الحية التي تخاطب في الإنسان المناطق الحساسة والقــيمالجوهرية النبيلة . وفي المــتـن الروائي لهــذه ( القارورة ) نجد أنمنيرة مفتونة بالورد الذي كان يزين ملابسها والأوراق التي تكتب فيهاأحزانها وشكاواها وتدون فيها الإخفاقات اليومية. الحثالة التي تملأ القاع، أقصد قاع القارورة، تلك الترسبات ما هي سوى غسيلالذات الذي ترمي به منيرة الساهي [العامل – الذات في الرواية] في القارورةالتي أهدتها لها جدتها كي تخبيء فيها أحزانها وتغتسل فيها من لبوساتاليومي العفنة [وما أكثرها!]، فكانت تفرغ فيها كل ما يثقل خاطرها من ضنكوضيم وما يفسد حياتها من ذكريات سوداء وجراح، كل ليلة كانت تفعل ذلك كيتتخلص من أشواك السقوط وتتنصل من عوالق الأزمنة التعسة. ويمكن أن نضيف أيضا العناصر الإيحائية التي تحبل بها مكونات [البيض والعش]، لما لهما من دلالات قوية تشعر بوجود رغبة منتكسة وأحلام مجهضة في تأسيسمشروع اجتماعي يسوده الاستقرار والاطمئنان، نستدل على هذا بتنامي إشاراتالإخفاق المتمثلة في نفور الطائر واغتيال الوردة وما يحيلان عليه منمؤشرات سيميائية تأويلية لها ارتباط وثيق جدا بالحمولات الدلالية التييحفل بها المتن ويطفح بها المضمون. وفي كلمة الناشر على ظهر الغلاف، تشرح الشهادة قوانين اللعبة السرديةورهاناتها وتفضح عري موضوعتها في ارتباط وثيق بالذات والآخر والعلاقةالواصلة بينهما وفي ظل راهن مجتمعي مليء بالتناقض والزيف والخداع، إذ فيغمرة هذا المكر وسيادة هذه الذئبوية البشرية لا يسع الطيبين إلا أن يموتواببطء أو أن يختفوا إلى الأبد رغم أنوفهم. الــــعــــــــنــــــــــونــــــــة : يتبوأ العنوان مكانة استراتيجية في ترسانة المفاهيم الإجرائية التي يحفلبها التحليل النصي، باعتباره عنصرا جوهريا في مكونات النص وبؤرة دلالية قدتكون المفتاح السحري الذي يتسلح به المحلل للولوج إلى أغوار النص العميقةقصد استنطاقها وتأويلها وحل شفراتها الملغزة، إذ يستطيع هذا الكون أن يقومبتفكيك النص، من أجل تركيبه، عبر استكناه بنياته الدلالية والرمزية، وأنيضيء لنا في بداية الأمر ما أشكل من النص وغمض، وهو أيضا مفتاح تقني نجسبه نبض النص وتجاعيده وترسباته البنيوية وتضاريسه التركيبية على المستويينالدلالي والرمزي7، وقـد اعتبر بعض الدارسين العنوان مسندا إليه عاما وباقيالمكونات النصية فروعا معززة ومسندات له8، فيما اعتبره البعض الآخر نصاموازيا (paratexte) يندرج ضمن النص المحيط9، ومهما تعددت زوايا النظر إلىهذا المكون الاستراتيجي، فإنه يظل من أهم العتبات الأولية التي بواسطتهانتمكن من ولوج أعــــماق النــص وفضاءاته الرمزية المتشابكة10. وبتمعننا في مقولة العنونة الواسمة لهذه الرواية نلفيها ذات وظيفتين،الأولى هي الإغراء والثانية هي الإيحاء، ومن هنا فهي تمتلك سلطة نصية تجعلمنها نواة نصية دلالية ورمزية، تكثف النص وتسهم في بناء شعريته وتأسيسأبعاده ودواله وتصميم جمالياته النثرية، فالقارورة كمقولة لغوية مفردةتكتنز العديد من الإيحاءات وتحبل بالكثير من العلامات السيميائية التييمكن أن توجه فعل التلقي وتغني مستوى الـتأويل وتساعد على تشريح التفاصيلالجسدية للمحكي الروائي ثم إعادة تركيبه بشكل يجلي مقوماته البويطيقيةويمظهر بنياته المستورة خلف الحجب السيميائية واللغوية والإشارية الأخرىالمشكلة للخطاب عموما. " القارورة" مقولة مفردة معرفة تستضمر كائنا لغويا آخر يكمل جانبها اللسنيوالدلالي، فهي تشكل عنصرا أولا في تركيبة جملة اسمية تتشكل من مبتدأ وخبر،وهي بذلك مبتدأ لخبر مستتر جوازا يمكن تقديره، وكونها عنصر ابتداء في جملةاسمية، يوحي بجانب الإقرار والثبات لحال معين أو وظيفة رمزية مقصودة،وللتعريف أيضا نصيبه من الإيحاء والتأويل نظرا لما يحيل عليه من قدرةحصرية للمعنى وسلطة تعيينية، فالتعيين دليل هنا، راسخ على أن هذه القارورةعنصر بؤري في المتن ومؤشر له امتداداته في الداخل النصي للرواية. وفي شقها الدلالي والاصطلاحي نجد من بين معانيها وسياقاتها اللغويةالمتعددة معنى التقرير والبوح والاعتراف، فالقارورة واحدة من القواريروأصلها من الزجاج، والعرب تسمي المرأة قارورة وتكني عنها بها، إذ قصد صلىالله عليه وسلم في حديثه عن القوارير النساء لضعف عزائمهن وقلة دوامهن علىالعهد، والقوارير من الزجاج يسرع إليها الكسر ولا تقبل الجبر، والقارورةأيضا يقصد بها في بعض السياقات حدقة العين، ومن معانيها الجوهريةالاستقرار والإقرار والاعتراف11. وبربطنا لهذه الدلالات السياقية التي جردناها انطلاقا من إمكانياتاستعمالها المتعددة، بمدلولاتها داخل المتن الروائي نلفي بعض التقاطعاتالإشارية المحتملة: سياقات المتن الروائي سياقات الاستعمال المتداولة العواطف سريعة التأثر تتشكل من زجاج سريع الكسر يصعب جبرها الـقــارورة لا يجبر كسرها منيرة الساهي تحيل على المرأة الاعتراف بجراحاتها الاعتراف تقرر وثبوت الإقرار تقرر وثبوت حالة الخديعة والهزيمة يتوضح، من خلال هذه الخطاطة، أن هناك خيوطا وجيهة تربط بين المدلولات التييحيل عليها مصطلح القارورة في المنجزات الكلامية سياقيا، وبين المرموزاتالسيميائية التي يعج بها المتن الروائي، فمنيرة الساهي (العامل–الذات داخلالرواية) تهشمت مشاعرها وتحطمت أحلامها في تحقيق برنامجها السردي (الزواجوالاستقرار) نتيجة ثقتها العمياء برجل ثعلبي تنكر لحبها بدافع الانتقام منأخيها، فلم تجد ما يجبر كسر زجاجها [وهي القارورة] سوى أن تدون الخداعالذكوري والسذاجة الأنثوية وما يترجرج بينهما من جراحات وخسارات ثم ترميهافي قارورة أسطورية أهدتها لها جدتها منذ الصغر لتخبئ فيها أحزانها. تقول منيرة الساهي وهي تحكي مأساة حبها وجراحها (كنت أفكر قبل أن أوقفقلمي عن نسج المأساة، كيف لقارورة أسراري أن تتسع لكل هذه الأحزان؟ كيفتستوعب ذلك دون أن تنفجر وتتشظى؟ مسكينة أيتها القارورة، يا مستودع أسراريوأوراقي وحزني12. هكذا يتضح أن القارورة دال سيميائي عميق ذو بعد أسطوري رمزي يحيل على قوةالتحمل والصبر والذاكرة وأشياء أخرى تحفل بها الذات الإنسانية المقهورة،خاصة إن كانت امرأة. التعــيين الجنسي: ترد هذه الإشارة في أعلى فضاء الغلاف دلالة على أهميتها في توجيه القراءة،وهي إعلان من الكاتب عن نوع التعاقد الذي سيؤطر العلاقة بين المكوناتالأساسية لفعل التلقي [الكاتب – المنجز– القاريء]، وهي إشارة تفضح بصراحةنوعية العمل، وبالتالي تسهل على المتلقي عملية اختيار أدواته وبناءاستراتيجياته القرائية وافتراض نوعية الأسلحة التي يجب أن يتأبطها من أجلمواجهة العمل وتشريح جسد المحكي. فضل المؤلف أن يدخل عمله هذا ضمن خانة الجنس الروائي، في زمن أصبحتالدعوات فيه تتعالى لإلغاء الحدود الفاصلة بين الأنواع وتبني انفتاحا نصياتتعايش فيه القوالب والأشكال وتنزاح عن كل التصنيفات والتمايزات، لقداختار عن وعي مسبق هذا التجنيس، وهو يعرف أن عمله وفي للمعايير وعناصر هذاالنوع الأدبي الفذ الذي ناضل إلى جانب الإنسان قرونا طويلة من أجل أن يشبهالذات ويعلن لغة التحرر، فإذا كان داروين وماركس وفرويد قد قاموا بتغييروجه الحضارة الغربية فإن البعض يعتبر أن تأثير الرواية كان أعظم من تأثيرهؤلاء الثلاثة مجتمعين13، فالوعي الأجناسي للكتابة لدى المؤلف اقتضى بناءًعلى مواقف نوايا تواصلية اختيار هذا النوع باعتباره الأقرب إلى كشفالأنساق والبنيات الذهنية والثقافية والاجتماعية للإنسان العربي، وبكونهالجنس القادر على تشخيص بؤر التصدع في المجتمع واحتضان الهم الإنساني فيكونيته وشموليته، واحتواء فوضى العالم والحواس، وإعادة تركيب هذه الشتاتاتوخلق انسجام من أقصى التوترات، وبعبارة أدق، فالجنس الروائي أشد الأنواعجرأة وجسارة واحتفاء بالتمرد والتعبير الصريح عن الذات الإنسانية في شتىمواقفها السعيدة والتعسة. العــتبة الإشهارية: ويسميها البعض أيضا بالعنوان الإشهاري14،وهو يتجاوز المستوى الفني ويتخطى الجانب الدلالي إلى المستوى التجاريوالإشهاري، فيؤشر على مكان إصدار المنتوج. والمطبعة التي سهرت على طبعالكتاب ونشره وتوزيعه وعنوان المطبعة ومكتب المؤسسة وشعارها، وكل هذايندرج ضمن حيثيات النشر وسوسيولوجية التسويق، وتتسم رواية القارورةبالثراء الإشهاري، حيث تحفل ثلاث صفحات بهذه المؤشرات (صفحتا الغلافوالصفحة رقم 4)، وقد صدر هذا المنجز عن المركز الثقافي العربي للنشروالتوزيع وهو مؤسسة ذائعة الصيت تسبقها شهرتها إلى كل أنحاء العالم العربيوغيره، وبوجود المؤشرين المكانيين [الدار البيضاء –بيروت] والبلدين[المغرب –لبنان] والقرينين الطبيعيين [النيل والفرات] يتضح البعد الوطنيوالقومي الذي يمتد لينشر عباءته على الكون بشكل شمولي، وهذا ينسجم مع مطمحالمؤلف الذي ينطلق بسرده محليا ليرفع صوته صداحا إلى كل المسارب والمناطق!أليس المقصود هو الذات الإنسانية في شتى تجلياتها؟ العــتـــبـــة التــنـــبــيـــهـــية: فضل الكاتب أن يستهل العمل بإشارة مهمة ليرتقي بعمله من إمكانية الإسقاطالواقعي المحض الذي يمكن أن يلتبس به، نظرا لغزارة الإشارات الواقعية التييحبل بها، سواء المكانية منها أو التاريخية خاصة وأنها تتضمن أحداثا تتناصمع وقائع معاصرة بشكل سافر، لذلك ارتأى، بحكمة ونباهة، توجيه فعل القراءةوالدفع به إلى استحضار خصيصات العمل الإبداعي، والتي يعتبر التخييل عنصراجوهريا فيها، إذ لابد من محاكمة العمل وتناوله على أنه ابتكار وليس تأريخاولا تسجيلا خطيا لأحداث سبق أن وقعت أو لم تقع، ولابد من استحضارالتقاطعات والتوازيات التي تتحكم في إفراز التجربة الإبداعية، التي يتداخلفيها ما هو شخصي بما هو كوني إنساني، دون أن نغيِّب إمكانية حضور الواقعيوتأثيره في هذا العمل بشكل ظاهر أو ضمني، لكن ليس بالدرجة التي تجعلنانخلط المفاهيم ونطأ الحدود، وعموما لابد من تمثل الوشائج والتداخلاتالمحيطة بلحظة الإشراق الإبداعي قصد القبض على الظاهرة النصية بشكل شموليدون إجحاف ولا تقصير. وقد وردت هذه الإشارة التمييزية، التي تذكرنا بالإشارات التي تسبق بعضالأعمال السينمائية، في الصفحة الخامسة من رواية (القارورة) لتفصل – معسبق الإصرار والترصد– بين شخوص العمل ووقائعه وبين أحداث المجتمع السعوديوملابساته، حتى لا تنزع عن الرواية طابعها الإبداعي لأية اعتبارات أخرىمهما كان نوعها [وما أكثر ما أولت الأعمال الإبداعية إيديولوجيا بشكل ظالموقاس مما عانى معه بعض المبدعين العرب الأمرين في عصرننا الحالي]، وهيعتبة تنبيهية بالأساس لأنها تتركز على فعل التلقي وتروم توجيه فعل القراءةوتصحيح مسار التأويل وتذكير الحس النقدي لدى القاريء علَّ الذكرى تنجي منمغبة السقوط في فخاخ الشرك الإيديولوجي المجحف [وما أقساه !]. العتبـــة التمـــــهيدية: تتضمن الصفحة السابعة مقطعا افتتاحيا (نصا موازيا) اختار أن يصدر بهالروائي عمله، وهذا الاختيار المتعمد لا يخلو من دلالة، فهو البوابةالمشرعة التي سيعبر منها القاريء، بمعنى آخر أنها آخر العتبات التي سيطؤهاالمتلقي قبل الغوص في لجية النص ومتاهاته السردية، ومع ذلك فهي تحبلبالعديد من الإشارات الفاضحة للمقول النصي، إذ يمكننا فرز عدة مقولاتمهيمنة دلاليا ونصيا: - الــنـتـــشــــوية كفكر فلسفي يرتكز على الذات الإنسانية في علاقتهابالواقع والوجود، وفي استحضار أبدي للصراع الدائر بين هذه العناصرالجوهرية في الحياة، وفي تمثل مستمر لمكابدات النوع الإنساني عبر التاريخمن أجل البقاء وتحقيق التوهج الكوني باعتباره مدار الفعل الوجودي وقطبالرحى فيه، وصلب التساؤلات الملحاحة التي تفجر دائما النزوع على التجديدفي الرؤى والتمثل / إن استفتاح المنجز بقولة لنتشه المعروف بنزعتهالعنصرية الأرستقراطية المشبعة بالحس الصراعي المبني على التعصب للأناوالذات بدعوى الحفاظ على رقيها ونقائها، مؤشر جدير بالاعتبار وعنصر مقوليداعم لتوجيه فعل التلقي وتمثل العناصر السردية للمقروء. - الـــــحــــــــب كمقولة مبأرة في المقطع لها أيضا ما يبررها من شحناتدلالية، خصوصا حينما يرتبط بالصراع بين الذات [المحب / العاشق] والآخر[المحبوب / المعشوق]، فيتحول إلى حرب، بوجهة نظر نتشوية، بين الجنسين[الذكر والأنثى] بفعل الصراع الخفي والحقد الملتبس الذي يضمره كل عنصرللعنصر الآخر، أليس كل واحد من المحبين يريد امتلاك الطرف الآخر بأية طرق؟ - الـــــحــــــــرب: يرد هذا الملفوظ مجاورا لعنصر [الحب]، بل يضحي فيالمقطع التمهيدي هذا، وجها آخر، معكوسا له، هما إذن وجهان لعملة واحدة،الحب بهذا التصور الصفقة الخاسرة بين الجنسين الرئيسين في الكونين الحقيقي[الواقع] والمتخيل [الرواية] مادام أنهما يفضيان إلى مقولة مدمرة سماهانيتشه الحب، وأية حياة تعسة هذه التي تستطيع العيش طيلة التاريخ في نزوعدائم نحو إشباع نَهَم قيَم سخيفة تستضمرها الذات بجِبلة وغريزية! كم سيدرك المتلقي فيما بعد [أي بعد اجتياح المتاهة النصية]، أن هذاالتناحر النتشوي بين المقولتين [حب – حرب] وما يتواشج بينهما من خيوطحكائية هو محور العقدة التي سينبني عليها التراكم الحشوي للمقول السرديبرمته: (لم يكن واضحا أي حرب تعني، حرب الصواريخ، وعاصفة الصحراء، أم حربقلبها وعواصفه التي انطلقت بشغف العاشق لتحصد اليباب!) 15. ولا يمكننا أن نتناسى الدور الذي يمكن أن تضطلع به عتبات أخرى في سبيلتشكيل مسار التأويل وبناء صرح الدلالة الأولية وتأثيث القراءة الافتراضيةوتوجيهها، حيث إنه يتاح لنا أن نطل من خلال بوابة النص الأولى [في صباحبارد من أواخر فبراير 1991 م] كوضعية انطلاق فعل الحكي على أجواء الحربالتي يؤرخ لها العام 1991 م وهي حرب الخليج الثانية التي شنتها أمريكاوحلفاؤها على العراق بعد اجتياح للكويت، كما مكننا أن نُوَلد من وضعيةالختم [وعلى صوت الحمام البلدي، ينوح ناقرا زجاج النافذة، دخلت في نومعميق] معنى التعب والحزن الذي يحيل عليه صوت الحمام النائح والنوم المتعبالذي يحل بعد العراك كاستراحة محارب. من خلال هذين المؤشرين نستشف بوادر الصراع والحرب التي يحفل بها النص الروائي. العـــتـــبـــة الــزمـــكانـــيــــة : كتبت الرواية ما بين نوفمبر 2002 ومارس 2003، أي أن فعل الكتابة استغرقسنة واحدة تقريبا وهو وقت قياسي بالنظر إلى حجم الرواية وطريقة تصميمهاوبنائها ونوعية القضايا التي تحفل بها، وهذا مؤشر حقيقي على القوة الخارقةالتي يتمتع بها الروائي على الحكي الاسترسالي وعلى التحكم في سيرورةمحكيه، مما يؤكد بُعدَ التمرس والمران الذي يسِم القلم الروائي في هذاالمنجز، إن كاتبا يتمتع بهذه القدرة التخييلية ويمتلك ذاكرة مغناطيسيةويدرك من آليات اشتغال عوالمه الشيء الكثير، ويسيطر على فضاءات الحكيوتقاطعاتها الخارجية والداخلية، لكفيل بأن ينتج عملا مميزا يمتلك كل سماتالتفرد والامتداد والتأصل. ولعل ورود مؤشر "الرياض" كرمز مكاني وفضاء واقعي له تداعياته الحضاريةوالتاريخية والثقافية، لمن الأشياء التي تعزز الارتباط بأمكنة سعوديةوهيمنتها على أمكنة أخرى مجاورة، أو لمن الأشياء المحيلة على أن السعوديةكفضاء متخيل وواقعي هو مركز اللغة الحكائية والبؤرة التي ينطلق من بركانهاالسردي القصف العلائقي مع كل أفضية الكون الروائي أو غيره . أما العتبة البيبليوغرافية فهي تشهد على أن جنس الرواية يتخذ موقعا مهمافي تجربة الكاتب، فرواية (القارورة) تأتي في مرتبة ثالثة بعد (لغط موتى)و(فخاخ الرائحة) ومسار حافل وطويل مع الكتابة السردية القصصية. يلزم التنبيه في الأخير إلى أن هذه العتبات لا تدل إلا في إطار نظرةشمولية للعمل الروائي لكونها مجرد محطات افتراضية تأويلية توجه المتلقيللعمل وتساعده على بناء استراتيجية مسبقة لحشد آلياته لمواجهة المتن، ولايمكنها أبدا أن تقدم انطباعا عاما بمعزل عن مكونات العالم الروائي الأخرى،وتبقى كل المقولات الدلالية الأولية التي شيدناها انطلاقا من قراءة عناصرالخطاب المقدماتي مجرد افتراضات تحتاج إلى قراءة تحليلية تفصيلية تتناولالمنجز من زوايا متعددة، وتفتق ورْدَته الفواحة التي تستحق عن جدارة أكثرمن رائحة وأكثر من فخ!. الــهــوامــش: 1- بدري عثمان: "بناء الشخصية الرئيسية في روايات نجيب محفوظ" دار الحداثة، بيروت، لبنان، 1987، ص32. 2-يعود هذا المفهوم للناقد الروائي المغربي محمد يرادة، وهو مفهوم راهن عليه في تجربته الروائية. 3-المحيميد يوسف: "فخاخ الرائحة"، رواية، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت 2003م. 4- يمكن العودة إلى كتاب فردنا نددي سوسير . 5- القارورة ، ص 15. 6- يمكن العودة إلى ديوان أبي فراس الحمداني للاطلاع على باقي الأبيات الجميلة التي يحاور فيها حمامة ويبثها لواعجه وحزنه. 7- القارورة ، ص 217. 7- حمداوي جميل :" السيميوطيقا والعنونة: عالم الفكر، المجلد 25 العدد 3 مارس 1997، ص 96. 8- روبرت شولز: (سيمياء النص الشعري) اللغة والخطاب الأدبي، ترجمة واختيارسعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ط1 ، 1993 م ص 161. 9- Gerard venette : seuil ed secuil . coll.poétique , paris 1987. p7 10- Ibid : p.9 11- يمكن العودة إلى معجم لسان العرب ، باب ( قرر). 12- القارورة ، ص 186. 13- ولسون كولن :" فن الرواية" ترجمة محمد درويش، دار المامون للترجمة والنشر بغداد 1986، ص 28. 14- حـمـداوي جـمـيـل: مقاربة عنوانية في شعر عبد الرحمن بوعلي، ملحق الاتحاد الاشــتــراكي ( فكر وإبداع ) ع 7811 ، ص 3. 15- " القارورة" ص 14. </td></tr></table></td></tr></table> |
شعــرية العـــتـبات الــنـصـية فــي رواية "القارورة
خنساء محبة السماء- عدد المساهمات : 96
تاريخ التسجيل : 02/11/2009
العمر : 34
- مساهمة رقم 1