منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    (الأنا والآخر في الخطاب السردي)

    خنساء محبة السماء
    خنساء محبة السماء


    عدد المساهمات : 96
    تاريخ التسجيل : 02/11/2009
    العمر : 34

    (الأنا والآخر في الخطاب السردي) Empty (الأنا والآخر في الخطاب السردي)

    مُساهمة  خنساء محبة السماء الأحد ديسمبر 12, 2010 12:06 pm

    (الأنا والآخر في الخطاب السردي) 22
    <table class="dcitbce" align="center" border="0" cellpadding="0" width="98%"><tr><td><table style="border-collapse: collapse;" border="0" cellpadding="4" width="98%"><tr><td valign="top">لم أقلب نعلي حتى في نورج!
    (الأنا والآخر في الخطاب السردي)


    حين تأملت محاور ملتقى السرديات الدولي، شعرت بأهمية موضوع الهويَّةالذي تتماس معه خطاباتنا السردية دونما وعي أو قصد، منذ اللحظات الأولىيدخل الكاتب العربي في صراع مع ذاته ومع الآخر، أيَّاً كان هذا الآخر،ولعل الأمر يكون أكثر وضوحاً حين يكون بيننا وبين الآخر مسافة كبيرةوواضحة، كالغرب مثلا. لكنني أتساءل: هل يجب أن نعيش في الغرب حتى لا نكتشفالآخر فحسب، بل نكتشف ذواتنا، ونتلمَّس هوياتنا، فننكفىء أحياناً إلىالداخل، بدلا من الخروج والوضوح والتماهي مع حياة الآخر لفهم هويته عبرمفهوم المثاقفة لا المتابعة والتسليم والانقياد، فكل ثقافة حديثة وقديمةقدَّمت الكثير من المعرفة إلى الحضارة الإنسانية العامة.
    بمعنى ما، هل كان على "هيكل" أن يقيم في الخارج ليكتب روايته "زينب"، وهلعلى توفيق الحكيم أن يقيم في فرنسا ليكتب روايتيه "عودة الروح" و"عصفور منالشرق"، وكذلك يحيى حقي في "قنديل أم هاشم" والطيب صالح في "موسم الهجرةإلى الشمال" وسهيل إدريس في "الحي اللاتيني"، وهل كان عليَّ أيضاً أن أقيمفي مدينة "نورج" شمال شرق لندن قرب القنال الإنكليزي لأكتب قصتي "لا تقلبنعلك حتى في نورج"؟ في مجموعتي القصصية "أخي يفتَّش عن رامبو" الصادرةمؤخراً، هذا السؤال الجذري يقودني إلى محاولة فهم مفتاح العلاقة مع الآخر،من حيث التصادم أوالتماهي، من حيث انتقاد ذواتنا أو ذات الآخر، ومن حيثاكتشاف وفهم ذواتنا في مرآة الآخر، فنحن دائماً بحاجة إلى الآخر المختلفكي نفهم أنفسنا ونخرج قليلاً من كينونتنا كي نشمَّ هواء كينونة الآخر:
    (جئتُ إلى "نورج" بعقل أمي، وأحلامها، وإيمانها، وتقاليدها، فظللت أقلبالأحذية على بطونها، وما أن أرى حذاءً مقلوباً تجاه السماء، حتى أفزّمرعوباً وأعدّل هيئته، لأترك أوساخه وأثر الشوارع فيه باتجاه الأرض، الأرضالتي يسكن بطنها الشيطان، وما أن رأتني السيدة كاترين أكثر من مرّة أعدّلهيئة الحذاء المقلوب، حتى سألتني سؤالا لم أفهمه، فكتبته على ورقة، قمتبترجمته بالقاموس الإلكتروني، فنفيت أن أكون مريضاً نفسياً، حاولتُ أنأشرح لها بلغة مكسَّرة، أن مثل ذلك حرام كما أوصتني أمي في طفولتي، لمأعرف استخدام كلمة مكروه، وتعلمت كلمة حرام، من زميل متديِّن في الصف، كانيلاحق الطالبات اليابانيات، وينصحهن بستر أجسادهن، قبل أن يقدِّمن شكوىتحرُّش ضدَّه إلى مدير المدرسة).
    هكذا بدأ الصراع بين رجل عربي قروي لم يفهم أناه، ولم يستطع أن يتماهى معأنا الآخر وحضارته، وبين سيدة غربية ترى فيه مجرَّد مريض نفسي يجب الحذرمنه، ولابد في النهاية من إيداعه مصحة نفسية هناك، هذه الشخصية الساردةالتي ترى أن اللعنة ستحل فيمن يكفر بالنعمة، ولا يقدِّرها حق قدرها، بدءاًبملاحقته بقايا الساندويتش التي يرميها شاب، واستخراجها من صندوق النفايةوتقبيلها ثم وضعها على حافة زجاج محل تجاري، ليتلقى سيلاً من الشتائم،وحتى مهاجمته مضيفته السيدة كاترين وهي تهين نعمة الحليب، كما في هذاالمقطع نهاية النص:
    (ما الذي حوّل البشر أمامي إلى قِرَدة؟ كنت أحلم بمرآة لأرى وجهي، ما إذاكان آدمياً أم قرداً بملامح صحراء بعيدة، اقتربت ذاكرتي من القريب للغاية،كيف صرخت وأنا أدخل منزل مدام كاترين عائداً من المدرسة، كيف انهلتُ عليهامجنوناً وقد سدَّت مسلك مغسلة اليدين، وبدأت تسكب الحليب على يديها ووجههاوعنقها وبلاطة صدرها الشاسعة، ثم تغرف ما تجمّع منه في حوض المغسلة وتغسلوجهها بالحليب بعدما دهنته بصفار البيض وخيار وغيره، كان صوت أمي وراءالبحار يقول لي: من يسكب اللبن على السجاد يصير قرداً، كانت ملامح أميجادَّة وصارمة، كنت أنصت إليها، في هذه اللحظة، في "نورج"، كما لو كنتُ فيالسادسة، كما لو كنت أعود متأرجحاً ومرهقاً بحقيبة المدرسة الضخمة.
    لحظة اقتربت من مدام كاترين قرب مغسلة اليدين لأمنعها، التفتت صوبي بوجهغريب، لم يكن وجهها الذي أعرفه إطلاقاً، أقسم أنه كان وجهاً مشعراً، بفكينبارزين، دون ما شفتين، كان رأسها رأس قرد عجوز أرعبني، صرخت وقفلت راجعاً،فاصطدمت بطرف الدرابزين، وسقطت، حاولت أن أنهض، فكان قرد ضخم الجثة يقفعلى رأسي، وينحني بشخير عال، ولم أعد أتذكر شيئاً، سوى هذا الوجه الذي يقفقربي الآن وأنا مستلق على سرير أبيض محاصر بجيش قرود، ربما كانت تتشاورفيما بينها بشأن إجراءات نقلي إلى مصحة نفسية).
    هل كان الصراع هنا بين الأنا والآخر هو صراع الشرق والغرب؟ هل هو صراعالميتافيزيقي والفيزيقي، هل هو صراع المتخيَّل والعقلاني؟ هل هو صراعالأسطوري والمنطقي؟ أشعر أن ثمَّة صراع وتصادم في الرؤى وفهم العالموتفسيره بين عالم قديم يستخدم الغيبي والماورائي لفهم كثير من الظواهر،وبين عالم جديد عقلاني يحيل كل شيء إلى منطق السبب والنتيجة، ذلك العالمالذي خرج من عصور الظلام إلى عصر الأنوار، رغم أن ثمَّة بحث دؤوب في بعضجوانب السيكولوجيا بغرض فهم بعض الظواهر العصيِّة وغير المفهومة بالعقلالمجرَّد، كدراسة علم الباراسيكولوجيا لهذه الظواهر والحالات المدهشة.
    بعد نشر نصي القصصي هذا، أشعر الآن أن من الضروري فهم ذات الآخر بشكل أكثرعمقاً في الرؤية، ليس ذلك الفهم التبسيطي والتعميمي أحياناً، بل فهمها منحيث هي أيضاً نتاج ثقافات وحضارات متعدّدة، أي أنها ذات شائكة ومعقَّدة،متذبذبة ومتغيرة من آن لآخر، ومن مكان لآخر، بالتالي على هذه الذات فيخطابنا السردي أن تكون إنعكاساً حقيقياً لهذا التذبذب والتعقيد، فلا تصبحشخصية سطحية، تظهر دائماً كشخصية غالبة متفوقة عقلانية ومتحرِّرة، بينماتظهر شخصية الآنا في خطابنا السردي شخصية مهزومة منكسرة متخلِّفة روحانية،أظن أن صور الذوات الإنسانية تبقى غالباً نسبية، فالتفوق نسبي، والعقلنةنسبية، والروحانية نسبية أيضاً، فلم تزل تقع بين أيدينا نصوص سردية تقدِّمشخصية الآخر بشكل حاسم على أنها إما متفوقة ومتحرِّرة ومبدعة، أو شخصيةمنفلتة وتافهة ولا أخلاقية، لذا أظن أننا لا نكفّ أبدا عن توظيف عواطفنافي فهم الآخر، تلك العاطفة المنبثقة من هويتنا ومعتقداتنا التي تتخذاليقين أساساً لها، تلك العاطفة التي غرَّرت بنا كثيراً في تبني رؤى حاسمةوجازمة، لا رؤى مشكِّكة وقلقة ومساءلة، تلك الأسئلة التي تقود حتماً إلىمزيد من الأسئلة والمعارف الجديدة.
    هذه النظرة إلى الأنا إزاء الآخر، والمستخدمة في خطابنا السردي العربي، هيإما نتاج استقبالنا تسويق الآخر في خطابه المكتوب والمرئي للأنا العربيةبشكلها الهمجي المتخلف، التي تعتمد اليقين والسحر والإيمان بالغيبيوالماورائي مقابل تحييد العقل وتهميشه، أو نتاج خطابنا الإسلامي في وجههالأحادي لا المتعدّد، والمتكئ غالباً على هيمنة عادات وتقاليد، من الصعبزحزحتها أو مراجعتها باستخدام العقل، ومن هنا غابت الأنا كذات طبيعيةحرَّة، خائفة ومتوجسة، مقهورة ومتآمرة، متساءلة ومتذبذبة، تتنازعهاالأفكار والحالات السيكولوجية والأوضاع السوسيولوجية المحيطة، هذه الأناأصبحت تظهر في الخطاب السردي العربي في نمط جاهز ومتكرِّر غالباً، إذ تقعتحت سطوة الآلة الإعلامية الغربية الضخمة، أو تحت سطوة الخطاب الدينيالمعلن في كره الآخر ومحاربته وتشويهه والانتقاص منه.
    هكذا إذن، إذا أردنا أن نتوقف عن انتقاد الغرب وما تفرزه الآلة الإعلاميةالضخمة لديه من تكريس صورة نمطية لإنسانه المتفوِّق أو المخلِّص أوللإنسان العربي الهمجي والوحشي سواء في الخطاب السردي الغربي أو الخطابالبصري المرئي الغربي، علينا أيضاً أن نتوقف لوهلة ونتفقد ما وقعنا نحنفيه من تنميط صورة الأنا والآخر في خطابنا السردي العربي، علينا أن نراجعهذه الصورة مراراً، ونحاول أن نكسر نمطيتها، وأن ننتصر للإنسان فحسب، ذلكالإنسان الذي يتعرِّض إلى المرارة والاستلاب اليومي، أمام سطوة الآلةوجبروتها.
    أظن أن كثيراً من النصوص الروائية العربية، حتى وإن لم تظهر فيها شخصيةالآخر، فإن ظهور الأنا واكتشافه، كانت نقطة أساسية بالنسبة لكثير منالروائيين والدارسين العرب، ففي الرواية السعودية الجديدة ظهر الإنسان كماهو، ببساطته وتعقيداته، بوضوحه وازدواجيته، بوحدة رؤيته وخطابه وتعددشخصيته وتشظيها، ظهر ككائن له تركيبة متعددة ومعقدة، مثله مثل أي إنسانآخر في هذا العالم، بعد أن كان المجتمع المحافظ يخفي الكثير من المكائدوالمؤامرات ويتحفظ على قول كثير من السلوكيات، هكذا أصبحت قراءتنا للآخر،سواء كان هذا الآخر عربياً أم أجنبياً، زاداً مهماً لتقديم الآنا بشكلهاالحقيقي والعميق، بعد نفي صفة القداسة عنها، تلك القداسة التي تضفي عليهاصفات النبل والنزاهة والصدق، لتظهر الأنا المتشككة والمضطربة والمتآمرةوالمخادعة، فاقتحمت الرواية السعودية- كما أظن- مناطق المسكوت عنهوالمحرم، وقدّمت شخوصها محدَّدين وواضحين دونما حجاب، وحاولت أن تلامسالهامش السياسي والاجتماعي وتكشفه، حتى وإن تخفَّف الخطاب الروائي فيالسعودية من القبض على جماليات الرواية الحديثة وشروطها الفنِّية مؤقتاً،فإن ذلك سيظهر بجمال في تجربة رواية التسعينيات الميلادية، مثلما ظهرتالقصة القصيرة الجديدة في أعلى تجلياتها الفنِّية والجمالية مع جيلالثمانينيات السابق.
    رغم ذلك، لم تزل حساسية الإنسان في السعودية تظهر جليَّة آن ينظر فجأةًإلى نفسه عارياً أمام مرآة النص السردي، فيثور ويغضب ويشتم ويتهم، تماماًكما تعرضت له الآنسة "منيرة الساهي" الشخصية المحورية في روايتي الأخيرة"القارورة"، من اتهام بالمبالغة والتشويه للمرأة السعودية، التي لا يمكنأن تبدو هكذا ساذجة وتافهة ومتلهفة على الحب، لندخل بذلك في نفق المطالبةفي التعميم والتنميط لشخصية الأنا، وكأن علينا مرة أخرى أن نُظهر الآناقوية وذكية ومتماسكة ونبيلة ونزيهة و..و..ألخ. فضلاً عن آراء أخرى ترى أنعلينا ألا ننشر غسيلنا أمام الآخرين، وأن لا نتحامل وندين مجتمعنا بمبالغةوقسوة، وذلك تحت شعار مللنا سماعه، وهو أن ليس كل ما يُعرف يقال، لأقولبثقة، بل علينا أن نقول ما نعرف، ولكن الأهم هو ما هي طريقة القولوأسلوبه، ما هي طريقة الخطاب السردي وجمالياته المقترحة، ما هي اللغةالمكتوب بها هذا الخطاب، ما هي لعبة النص ولذته المستخدمة هنا، كل هذهالعوامل هي التي ستنقل النص بفتنةٍ من خطابيته السياسية والفكرية المباشرةوالجامدة إلى طراوته الفنية ومعماره الجمالي البديع.
    كل ما أخشاه في النص الروائي لدينا، هو الوصول إلى مسلَّمات ويقينيات يصعبتجاوزها، منها النظرة إلى الأنا عبر تنميطها ونمذجتها، سواء تمثَّل هذاالتنميط في القبض على شيطنتها أو ملائكيتها، سواء تمثَّل في تضخيم القيمالسلبية فقط في الشخصية، أو محاولة تكريس القيم الإيجابية فحسب، فالنفسالبشرية كما أرى متشابهة في وسوساتها وتعقيداتها، وتداخل الإنساني فيها معاللاإنساني، تضارب الخير مع الشر، تنازع الشك مع اليقين. هذه الأنا بكل مايحيط بها من نوازع وظروف بيئية واجتماعية هي من الصعوبة أن تنمذج وتنمَّطوتوحَّد، إزاء تعددها وتغيّرها وتشظيها.
    لعل ذلك سيبدو أمراً مقلقاً فعلاً، بأن تنتقل الشخصية الحيَّة والحقيقيةإلى الورق بعد تصفيتها من الشوائب عبر قصدية الرقيب الذاتي أو المجتمعي،حتى يتم قولبتها كما تشاء الذاكرة الجمعية أو النسق الجمعي، تماماً كما هوطموح البطل في قصة "لا تقلب نعلك حتى في نورج" الذي يلاحق ويركض خلف مايعارض هويته ومفهومه وخطابه الواحد، ويحاول أن لا ينمذج شخصيته فحسب، بليحلم أن ينمذج ثقافة مجتمع آخر بأكمله وفق رؤاه، إذ لم يكن لديه القدرةعلى التماهي والتمازج مع ثقافة وحياة أخرى، كيف ذلك وهو يملك اليقينوالتسليم والحسم في رؤيته تجاه الحياة.
    هكذا تبدو مسألة الأنا والآخر متشعبة ومتعددة إلى درجة يصعب التحكم فيقيادها داخل النص، هكذا أحلم أن تتحرَّر الأنا في الخطاب السردي من صورتهاالجاهزة، وأن نكتشف الآخر أيضاً بعد أن نتخلَّص من رؤانا السابقة، هكذاأنتظر أن تظهر "أنا" جديدة ومغايرة للسائد والمألوف في الخطاب السرديالعربي.
    ـــــــــــــــــــــــ
    شهادة مكتوبة لملتقى السرديات الدولي في جامعة بشار بالجزائر- عام2005م.

    </td></tr></table></td></tr></table>

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 2:10 pm