منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    مقلات نقدية

    خنساء محبة السماء
    خنساء محبة السماء


    عدد المساهمات : 96
    تاريخ التسجيل : 02/11/2009
    العمر : 34

    مقلات نقدية Empty مقلات نقدية

    مُساهمة  خنساء محبة السماء الأحد ديسمبر 12, 2010 12:40 pm

    حس المفارقة اللاذع

    «مزيدا من الوحشة» للقاصة بسمة النسور
    رفقة محمد دودين
    (الأردن) مقلات نقدية Basma_alnasoorتبدوالكتابة القصصية الجديدة مدونة سردية حافلة بجماليات غير مألوفة، خصوصاتلك الجماليات التي استقرت في التناول النقدي، وصارت راسخة وقابلةللمحاكاة والقياس عليها فيما يتعلق بكل حيثيات المسرود التي نبنيهامنطلقين من دراستنا للنص في درجة الصفر أو اللامعنى، بانين عددا لا نهائيمن مدلولات تبني بدورها لا نهائية دلالية (جاد، 2002: 490)، وبوصف أن كلعمل سردي قابل لأن يتكلم ويجعل العالم ظاهرا ماثلا بواسطة القول كفعلإنساني يتم بواسطة فعل لغوي يجلي الوجود نفسه في كل نص إبداعي جديد،فالمبدع كيان انساني يبني اللغة وتبنيه اللغة، ويبحث بواسطة اللغة عما ليسماثلا ولا واضحا ولا مباشرا ولا قاصدا مستقيما (ناصيف، 2000: 94؛ 98).والنص الإبداعي اللغوي نص كتابي، وكتابته هي لعبة الاختلافات التي لايمكن حسمها حيث أن الأثر الجمالي: هو تأسيس لاختلاف بموقع التأويل نفسهفيه، ويجعله نصا لا يمكن حسمه في فضاء الاختلاف، على أن التأويل هو الذييعلم ممارسة الاختلاف في قراءة النص، وهو درس في الحرية، يعني أن تسأل لاأن تجزم، ليكون محل اختبار رسالته الجمالية والأخلاقية في كيفية قراءتهالتي تؤسس هويته الاختلافية بوصليتها وتعالقها بهويات أخرى متأثرة بالعرق،والجنس والحضارة ومحيلة على الآخر ايضا، وهذا يعني أن اختلافه ليس خالصاما دام محتفظا بحقه في الهوية الخصوصية.إن إبداع هوية الاختلاف هذه رغم أن النص يموههها وينقشها في شبكةالمعنى التي تظل قابلة للتأويل، وكأن النص يمارس إرجاء لا متناه للمدلولالمتحدد أحيانا بالعالم والعرق والتاريخ، وكأن ثمة انعتاقا تاما بين الدالومدلوله وهو المؤسس لجماليات ما بعد الحداثة في النصوص الإبداعية التيتجعل المعنى يكتسب وسط نظام من الاختلافات اصطلح على تسميتها بمناطق المابين، وهي الأمكنة الذي يصبح الاختلاف فيه هوية ويشغله التأويل، وهي أيضاأمكنة اللغة التي تتكلم في مناطق الما بين، مكمن الوعي، ومكمن تخطي النصذاته وتجاوزه للإفصاح عن تكميلية تنبي بكونه شيئا أكثر مما هو عليه حقيقة(سلفرمان، 2002: 42 130؛ بتصرف).
    سؤال المعنىمقلات نقدية Basma_alnasoor_bookإنسؤال المعنى في الكتابة الجديدة المتمثلة لجماليات ما بعد الحداثة يبدووجيها حين يكون غير محسوم أبدا، ونتاجا لفعل تأويلي، إضافة الى إمكانيةاختباره ووصفه، فالمعنى المتحرك يدور حول ثابت مدمج في وجودنا، من حقالمعنى أن يستنطقه، وأن يتساءل عن حقيقته، وفق معادلة تجاوز الدلالة دالهاالمؤتلف أيضا وفق قوانين المصاحبة المعجمية مع مدلوله، وهذا يعني أن مابعد الحداثة تتمثل مفاهيم الموضوعات التي يمكن أن تعالجها كيف شئت (ناصيف،2000: 160؛ سلفرمان، 2002: 33)، كما يمكن للمبدع أن يتناولها كيف شاء أيضا.وضمن أطروحة الكتابة القصصية ما بعد الحداثية تقع مجموعة بسمة النسور«مزيدا من الوحشة» (نسور، 2006) متمثلة لمفردات هذه الكتابة المستجيبةللإيجاز المكثف وحس المفارقة الفاجع، والخطاب المتحرر من كل رعاية سردية،والمتصدر علاوة على ذلك للمشهد منذ البداية، وأحيانا فهو خطاب المستخفالذي يطمس آثار المقام السردي، ويعطي الكلمة فورا للشخصية (جينت، 1997:187)، ذلك يتضح جيدا في قصة قصيرة جدا هي قصة «أدوار»، حيث يختفي المقامالسردي وتعطى الكلمة فورا للشخصية، لدرجة أن يصبح القارئ حاضرا منذ السطورالأولى في تفكير الشخصية الرئيسة، يصبح التفكير بحد ذاته خطابا، والتسلسلالمتصل لذلك التفكير، هو الذي حل محل شكل الحكاية المألوف، وأخبرنا بماتفعله الشخصية وما يحدث لها (جينت، 1997: 187)، فالقصة «أدوار» من سطرينمتواليين فقط:، «هو يواصل ارتكاب الخطايا هي: تواصل الغفران»، (النسور،2006:90).
    وعبر مونولوج مباشر خادع تتكلم الشخصية فيه بصوت السارد،يتلاشى السارد فتحل الشخصية محله، وهذا يستغرق الحكاية كلها، حيث ثمةتداخل بين الأسلوب المباشر في طرح الشخصية: هو الذي يواصل ارتكاب الخطايا،وهي التي تواصل الغفران، والخطاب المروي الذي سيضع القارئ أمام استحقاقتكميلية النص بأن يكون أكثر مما هو عليه حقيقة، بقراءات متعددة، وتأويلاتغير محسومة ولا قاطعة، على أن ثمة قراءة قد تبدو محددة ستسود وستعني تبعيةالمرأة للرجل، وغفرانها لخطاياه، وخضوعها لقسمة الأدوار ما دام يشكلمركزية للفعل، وتشكل هي هامشا لردود الأفعال، عبر علاقة منحازة مشوهة تطالالرجل والمرأة معا، وتجعل المتلقي أمام مثل هذا النص المكثف الموجز ماضيافي بناء أفق توقعاته بما ينسجم ومنظومته الفكرية القيمية، ومدى قابليتهعلى تعين المعنى المتمخض عن فعله التأويلي، وكأن العلاقة بين المرأةوالرجل عبر تداعياتها التاريخية تشكل الثابت، في حين أن المعاني هيالمتحركة وسط نظام من اختلافات الرؤى والأحكام القيمية. وتبدو هذه القصة القصيرة جدا بلا نهاية محسومة، وهذه من جمالياتالكتابة الجديدة التي اصطلح على تسميتها بكتابة: «مرحلة ما بعد الحداثة»التي تجد نفسها في اللامحدد، واللامحسوم واللا ثابت، وفي المقصي، والمهمش،والمطمور في المعطى الاجتماعي والإنساني عبر مئات من السنين، دون أن تأبهتلك الكتابة بما قد تثيره من لبس وتنافر وتضاد، وهي بذلك تغاير ما اتفقعليه في الكتابة القصصية، ونال المصداقية والموثوقية من أن القصة ترتبطبمعمار فني له بداية ونهاية، حيث النهاية في القصة يعول عليها لحظةالتنوير فتشبه القنبلة الملقاة من طائرة لكي تدمر الهدف بكل قوتها وسرعتهاكما يقول: «ايخنباوم» (جاد، 2006: 286).
    الفكاهة السوداءفقصة أدوار تبدو غير معنية ولا مكترثة بالنهاية وبلحظة تنويرها، بلإنها تعلق صراعها على محك اختبار أطروحتها الجمالية والأخلاقية المفتوحةعلى آفاق التسوية المقترحة للمتلقي حسب أفق توقعاته، وكما يحلو له أن يرىالأمر دون فرض أي نوع من أنواع الوصاية، وهذا يجعل المفارقة الدرامية فيهذا النص تصبح موقفا بحد ذاتها، ورؤية عالم يتخذها الأديب إزاء واقعهوقضاياه (جاد، 2006، 476).
    وتحفل مجموعة بسمة النسور «مزيدا منالوحشة» بالمفارقات، وحس الفكاهة السوداء، تقنية أساسية من تقنيات الكتابةالقصصية، وكأنها متقصدة لذاتها، بوصف أن الفكاهة القائمة على مستوىالتوظيف المباشر للمفارقة، تتضمن شيئا من التسامي الناجم عن انتصارالنرجسية في مناعة الأنا التي ترفض أن يلحق بها الأذى، أو أن يفرض عليهاالألم عن طريق الحقائق الخارجية، وترفض كما في سياقات مشابهة القبول: بأنكدمات العالم الخارجي يمكن أن تمسها، وفوق ذلك فهي تبرز أن هذه الكدماتيمكن أن تنقلب إلى مناسبات تمنحها اللذة)سرمك ، 2004:52)، فالمرأة في قصة«وقت» (النسور،2006:83)، التي أكد لها الأطباء أن السرطان اكتسح جسدها،عجلت في شك حبات الخرز على ثوب زفاف ابنتها، الذي كانت تعده على مهل، تمنحالمفارقة هنا الشخصية نوعا من التعويض اللذيذ على فظاعة الحدث، وسر مثلهذا الموقف أنه يرتكز على الإمكانية القصوى لدى الإنسان في رفع الحركةالنفسية لحظة الخطر الشديد عن أناه ليردها إلى الأنا الأعلى، بعدم الخضوع،ورفض الانحناء أمام العوامل الاجتماعية المؤثرة، إنها توضح إرادة الأنا فيالتحرر رغم ركام اليأس (سرمك، 2004:54).من هنا تقيم المفارقة علاقتها الراسخة بالكوميديا السوداء، وما يتبعهامن أجناس فرعية كالهجاء والمعارضة وفن التهكم، وأدب العبث والصورةالمريعة، والحفل الغرائبي والكاريكاتير، كمثال للخلط بين المتعة والرعب فياللحظة والمكان (الرويلي،البازعي،2002:206)، فالعاشقة في قصة ادخار خبأتألق عينيها والدموع التي لا يجلبها سوى الفرح، وليس الحزن كما هو راسخوسائد في زاوية سحيقة من روحها التي أنامتها في سبات طويل مكتفية هذهالعاشقة بالحراك كجثة وسط الجموع غير المنتبهة إلى لوعة انتظارها،(النسور،2006:78)، إنها الصورة المريعة التي بات عليها الإنسان والتي تحبطتوقعات المتلقي، رغم أنها تقول له أن ما أرويه على غرابته هو الحقيقةالمحضة التي تعطي النص سلطته، وتداوليته، ومقروئيته دونما تضليل أو تزييفأو تزيين، وهنا فإن كتابة ما بعد الحداثة تقض مضجع الثابت، والساكن،والراكد، والمألوف، والسائد، والمهيمن المكتسب لموثوقيته، وصدقيته منسلسلة من الإذعانات، والتواطؤات التي صارت راسخا ثابتا يحتاج إلى تقويضوتفكيك كوسيلة من وسائل التحرر، والانعتاق، وإعطاء معنى النصوص ارجاءمفتوحا غير مغلق على معنى واحد محدد، ورؤيا أحادية يقينية.
    قلق الكتابةوالمفارقة التهكمية أيضا تشتغل على اللغة بطريقة تحمل معنى باطنا موجهالجمهور خاص مميز، ومعنى آخر ظاهرا موجها للأشخاص المخاطبين أو المعنيينبالقول (سليمان،1999:14)، هذه النخبوية في إظهار معنى وإبطان آخر نجدها فيقصة «إصرار»، فالمرأة التي خانها ذكاؤها لتدرك أن رجلها لم يعد يحبهاكالسابق، ظلت متشبثة بذراعه، وهما في طريقهما إلى القبر (النسور،2006:85)، وهنا فإن المفارقة أحدثت أبلغ الأثر بأقل الوسائل تبذيرا كمايقول ماكس بيربوم، كما أنها قادت كما يرى رولان بارت إلى نوع من القلقالمطلوب في الكتابة، فجوهر الكتابة أن يمنع أي جواب عن السؤال، وكأن ثمةتأجيلا أبديا للمغزى (سليمان،1999:16).
    مثل هذا التأجيل للمغزى،وإرجائه، وانفتاحه على تعددية المعنى بوجهيه الباطن والظاهر، نجده في قصة«عواء»، فالكلب الصغير الذي كان محبوبا من جميع أعضاء جمعية الرفقبالحيوان، قد أصبح عوائه مبتذلا، وكفى بدلالة العواء المقترنة بالابتذالإيحاءا بحسم الموقف من وجهة، ومن وجهة أخرى فهي تعيده إلى مربعه الأول،حيث نعلم أن أعضاء الجمعية قرروا تنحية السيدة رئيسة جمعية الرفق بالحيوانعن منصبها بسبب هذا الكلب الذي تصر هي على عواءه قد صار مبتذلا، أية سخرية؟ أي تهكم ؟ أي ازدراء ؟ في لوحة سردية تبدو متنافرة بوصف التنافر جزءا لايتجزأ من احتمالية الانسجام، ثمة سؤال آخر: فما الذي يعنيه الابتذال وكيفيتحدد ؟ ولماذا ابتذل عواء الكلب، ولم تحس سوى السيدة رئيسة جمعية الرفقبالحيوان بابتذاله ؟ وهل تتسم جميع الشخصيات، وهم أعضاء جمعية الرفقبالحيوان بالغفلة، في حين أن السيدة رئيسة الجمعية وحدها من تمتلك زمامالحقيقة.
    المفارق الدراميةفي مثل هذه القصة تقوم المفارقة الدرامية الممسرحة على توفير التشويقالمفعم بالحيوية لمعرفة ما وراء المواقف، والبواعث في وضع يتصف بالتناقض،بحيث يجبر المتلقي على إعطاء كل موقف حقه من التعاطف والتساؤل، في الوقتالذي تدرك فيه كما يرى بيثروول أنه ليس من قوة بإمكانها أن توفق بينالموقفين المتناقضين (سليمان،1999:36)، وهما في هذه القصة متمثلان فيإصرار السادة أعضاء جمعية الرفق بالحيوان على تنحية السيدة رئيسة الجمعيةعن منصبها بسبب أنها أشاحت بوجهها من الكلب الصغير المدلل، وإصرار السيدةالرئيسة على الإشاحة عن وجه هذا الكلب المدلل بسبب من عوائه الذي صارمبتذلا، وكما في توظيف المفارقة تقنية فنية متقصدة لا يوجد في المقامالسردي المفترض أنه راعي النص ما يشي بحسم أحد الموقفين المتناقضين، وعدمالحسم هذا من مرامي كتابة ما بعد الحداثة التي تروم إلى خلخلة كل السلالمالهرمية لليقينية في منظومة القيم الراسخة دون أن تضع بدائلها بالضرورةمكتفية بالهدم والتقويض، والإعلاء من شأن الحقائق المتغيرة غير الثابتةونزعها عن أي مدع بامتلاكها كاملة غير منقوصة، وإبقائها على محك الاختلافوالجدل المتسم بالسجال أيضا.
    وتحفل المجموعة القصصية أيضا بمفارقاترومانسية، حين يقوم المبدع بخلق عالم جمالي ثم يقوم فجأة بتدمير هذاالعالم من خلال ملاحظة عابرة أو تغيير في النبرة أو الأسلوب(سليمان،1999:30)، ففي قصة «رنين» تتحول المرأة المسبوكة بالشوق والتوقإلى كومة أجراس معلقة في عنق الانتظار، لا تكف عن الرنين من حول رجلهاالمشغول بأشياء ليست أجمل منها، ولكنه ضجر من الرنين (النسور،2006:88)،وفي قصة «صفقة» يصر الرجل على إنهاء قصة الحب قبل أن يداهمها خرابالاعتياد والوقت، في حين تصر المرأة المحبة على الذهاب مع الحبيب إلىالرقص في المساء (النسور،2006:94)، وكأن شخصيات هذه القصص والمستندة إلىثنائية الهو والهي على طرفي نقيض لتحقق المفارقة أعلى مدياتها بكل ماتحتمل من خداع للنفس، وخداع للآخر أيضا في العلاقة التي ما تفتأ ناظمةللحياة بينهما بالضرورة.
    إنسانية الضحاياوالناظر في قصص المجموعة القصصية سيجد أن تقنية المفارقة بكل أشكالتجلياتها في نصوص هذه المجموعة ما قصر منها وما طال، قد صارت عنصرا مهيمنامحوريا في النصوص، ينظم العناصر والمكونات السردية الأخرى، وكما يقولياكوبسون: يقوم هذا المكون المهيمن بضمان تماسك البنية الفنية وتلاحمها(سليمان،1999:69)، ومثل هذا التوظيف المتقصد للمفارقة في بناء النصوصالقصصية لا يعني فقط كما من السخرية والفكاهة السوداء، ونبرة التهكماللاذع، وعشوائية العالم، وغموضه، وانسداده أحيانا أمام فسحة الأمل، وإنمايتضمن أيضا موقفا إنسانيا متقدما من ضحايا هذا العالم الذي بات مفتونابالحضارة ومقتنياتها على حساب إنسانيته، وعلى حساب قيم الحب والبذل، وعلىحساب حاجة الإنسان للإنسان في كل آن.
    ثمة مسألة أخرى تنماز بها هذهالمجموعة القصصية للقاصة بسمة النسور، وتتمحور حول ما سبق الالتفات إليهحين الحديث عن كتابة ما بعد الحداثة التي تجد نفسها متجلية في كتابةالواقع بكل ما فيه من أحداث قد تبدو من فتاته، وخاصة تلك الأحداث المقصاةالمهمشة المطمورة التي لا تجد من يلتفت إليها في كتابة الإبداع المحاكيللقضايا النخبوية السائدة التي تجد نموذجها المتحقق في كتابة الرجل التيرسخت عبر ميراث هائل من الأدب وتأريخ الأدب، صارت معاييره ومحدداتهأنطولوجية يعاد إنتاجها من جديد بمعيارها الأخلاقي الذي حسم تراتيبة الأدبومركزيته، وصار أمام الكتابة الجديدة استحقاقات نقض وتقويض هذه المعاييرالراسخة بنماذج ضدية، تساجل هذه البنى، وتهدم تضاد الآخر فيها، ما يؤكد حقالخصوصية والاختلاف في الكتابة النسوية، موجدة لذاتها وإبداعها حيزا جديداومهما لخبراتها الجسدية وذاتيتها الداخلية والأخلاقية التي رسمت لها ثقافةالحداثة بارتكازها على مبدأ العقلانية والتنوير موقعا ملحقا بالآخرالمركزي العقلاني المستنير. تبدو مساجلة نصوص هذه المجموعة واضحة جلية حين تسعى للتوفر على موقعمتقدم لوعي المرأة التي صارت هي ذاتها أسيرة ترسيمات لم تضع المرأة نفسهاهامشا لها بخيار فردي، بل وضعت فيه تاريخيا بسبب دورها البيولوجي، وتأثيرسلوكيات هذا الدور على المعيار الأخلاقي الذي حسم وضعها بالجنس الآخر غيرالمؤهل أخلاقيا لإصدار أحكام تنماز بالعقلانية والسداد والجرأة مثلا، فهاهي بطلة قصة «تأجيل»، تستجمع شجاعتها وتهم بالرحيل مغادرة موقعا ما فرضعليها لظروف شتى متعددة، وفجأة ينكسر كعب حذائها العالي، فتؤجل قرارهابالرحيل، وهو قرار يشي بأنها غير قادرة على ممارسة فعل الحرية، وتحملالمسؤولية، واتخاذ القرار الحاسم، تستمر هذه السيدة في اتخاذ قراراتالتأجيل وستظل مستمرة في ذلك ما دامت لم تمتلك جرأة الرحيل حافية القدمين(النسور، 2006: 79) فارتهان هذه السيدة لكعب حذائها العالي هو ارتهانلصورة المرأة التي فرضها المجتمع وظلت أسيرة لها غير قادرة على اتخاذ موقفنقيض تماما، ويتمثل برحيلها وسيرها ليس بحذاء بلا كعب عال فقط، بل بلاحذاء البتة، عليها أن تسير حافية القدمين. في قصة «تراجع» لا تبتعد البطلة عن محك مساجلة وتقويض كل البنى الراسخةفي الحياة، والتي وفرت للآخر وهو الرجل مساحات من الثقة بالنفس والمصداقيةوالموثوقية حد الهذر باختراع أحداث مثيرة، وتفاصيل عديدة تقبلها الحاضرونكونهم أمام شخصية معتدة بنفسها وتمتلك زمام الأمور، وحدها تلك المرأةأصمتته بنظراتها التي كانت تحمل له كما من رثاء واضح جلي (النسور ، 2006:82) تلك هي الكتابة وفق معايير هوية الاختلاف التي تتحدد بالجنس والعرق،وتجد مكانها في مناطق المابين، في الحواف مكمن الوعي والوعي بالاختلافالذي يدمج الثابت والراسخ في وجودنا في حين أنه يسمح بتداوليه المعنىوتجاوزه والأهم من ذلك كله باختلافه، فلم يعد معيار الكتابة الحقةبالمجاورة والإضافة الكمية بقدر ما صار يعني المجاوزة والاختلاف.
    الهوامش

    1. محمد جاد، عزت،2002، نظرية المصطلح النقدي، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
    2. ناصيف، مصطفى، 2000، نظرية التأويل، النادي الأدبي الثقافي، ط1، جدة.
    3. سلفرمان، ج، هيو، 2002، نصيات بين الهرمنيوطيقا والتفكيكية، ترجمة حسن ناظم، وعلي حاتم صالح، المركز الثقافي العربي، ط1.
    4. النسور، بسمة، 2006، مزيدا من الوحشة، دار الشروق، ط1.
    5. جينت، جيرار، 1997: خطاب الحكاية، ترجمة محمد معتصم وزميله، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، ط2.
    6. حسن، حسين سرمك، 2004، ميسلون هادي وأدب عصر المحنة، دار الشروق للنشر والتوزيع، ط1.
    7. سليمان، خالد، 1999، المفارقة والأدب، دراسات في النظرية والتطبيق، دار الشروق، ط1.

    الرأي
    لجمعة 7 نيسان 2006م

    مقلات نقدية Up

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 3:05 pm