نحو نظرية نقدية عربية
كتبهاعبدالله ، في 13 مارس 2007
الساعة: 08:34 ص
نحو نظرية نقدية عربية
بعد كتابه” المرايا المحدبة.. من البنيوية الى
التفكيك “ والذي اثار ضجة كبيرة يتحف الدكتور عبد العزيز حمودة المكتبة
العربية بكتاب جديد هو” المرايا المقعرة.. نحو نظرية نقدية عربية “.
فبعد ان وضع مستوردو المناهج النقدية الغربية
الحداثوية وما بعدها من النقاد العرب انفسهم ومناهجهم امام مرايا محدبة
خدعتهم بحجوم وانجازات مكبرة تفوق ما تحقق فعلاً على الارض الواقع وهو ما
كشفه الدكتور”حمودة “ في كتابه الاول يعود ليكشف الخطيئة الثانية التي وقع
فيها هؤلاء المستوردون حين وضعوا منجزات التراث العربي الباهرة امام” مرايا
مقعرة “ صغرت حجمها وقللت من شانها.
”وما افعله في الدراسة الحالية،
كما يقول المؤلف في التمهيد، ليس اكثر من محاولة لأنصاف البلاغة العربية
والعقل العربي، اردت بها ان استبدل بالمرايا المقعرة مرايا عادية، ليست
محدبة تضخم من حجم تلك البلاغة وانجازاتها، كما انها ليست مقعرة تقلل من
شانها وتصغر من حجمها، مرايا تعكس الحجم الحقيقي لانجازات العقل العربي
والبلاغة العربية، وفي ذلك لا ارى الا انني انسان صاحب قضية احاول اثباتها
“.
بعد التمهيد يقع الكتاب في جزأين، الاول هو:الحداثة والقطيعة مع
التراث ويتكون من فصلين، الاول يتناول” ثقافةالشرخ “ والذي يتبين فيه
الكاتب ان العقل العربي يعيش منذ القرن التاسع عشر شرفا يتمثل في التوتر
المستمر بين الجذور الثقافية العربية والثقافات الغربية التي اتجه اليها
المثقف العربي بعد عصر التراجع والانحطاط. وقد ازداد الشرخ اتساعا مع بداية
القرن العشرين، ثم اصبح خطرا يهدد الهوية الثقافية مع التحول الحداثي في
نهايته حينما استغل البعض الرغبة الصاقة في” تحديث “ العقل العربي في اعقاب
هزيمة 1967 لينقلوا عن الحداثة الغربية في انبهار اعماهم عن” الاختلاف “و ”
الخطر “ بل ان البعض ذهبوا في تحمسهم للتمرد على التقليدي والمألوف وهو
جوهر الحداثة، لا الى الدعوة الى قطيعة معرفية مع التراث العربي فقط بل الى
التقليل من شانه وهكذا جاءت الى الوجود ثنائية” الانبهار “ بمنجزات العقل
الغربي و”احتقار منجزات العقل العربي. هذا الاحتقار الذي امتد منذ”غربال “
ميخائيل نعيمة الى”جدلية الخفاء والتجلي “ لكمال أبي ديب. ويطرح الكاتب
احتمالا خطيراً هو ان المخابرات الامريكية هي التي طورت” موضة “ النخب
الحداثية في بقاع مختلفة من العالم كما حصل من خلال” رابطة حرية الثقافة “
والتي مولت العديد من هذه النخب في اماكن عديدة من العالم ومنها الوطن
العربي من خلال مجلة”حوار “ ومجلة” شعر “ في بيروت واخر الادلة في ذلك هو
كتاب الباحثة الانجليزية” فرانسيس سوندرز “” من دفع اجرة العازف؟ “ والصادر
في بداية عام 1999 .
في الفصل الثاني وعنوانه” من النتائج الى المقدمات
“ يبين الكاتب ان اصحاب النقد الحداثي وما بعد الحداثي العربي تبنوا
مصطلحا نقديا لا هو عربي ولا هو غربي لانه من ناحية انتقل بعوالقه المعرفية
التي تختلف عن القيم المعرفية للثقافة الجديدة التي نقل اليها، ولانه، من
ناحية ثانية، تعرض في اثناء الانتقال الى عملية تشويه وتحريف وسوء فهم وزاد
الطين بلة اننا حينما انتقلنا الى التطبيق او التعامل مع الابداعات
العربية مستخدمين ادوات الحداثة وما بعد الحداثة النقديتين دخلنا مرحلة
الفوضى الكاملة. وتتمثل اوجه هذه الفوضى، حسب رأي المؤلف، في:-
1-
الغموض المقصود وغير المقصود . الاول بسبب سوء فهم النص الحداثي او سوء
نقله الى العربية والثاني بسبب مجاراة واعية لغموض النص الحداثي وكلاهما
خطيئتان لا تغتفران. فهذا نص لـ” سليمان عشراني “ عنوانه:-” قراءة القراءة
:الخطاب القرائي .. وادبية القراءة والتلقي “ تنقله” لطفية ابراهيم “ في
مقالة لها في مجلة” علامات “ وكلاهما عبارة عن شفرات ولعب لفظي يشوش فكر
القارئ وحتى الناقد. ويقدم المؤلف مثالا اخر صارخا عن تحول اسلوب” جابر
عصفور “ قبل وبعد ايمانه بـ” فتنة البنيوية “ كما سماها.
2-الترجمة-
حيث يشير الى عبثية بل مأساوية المأزق الذي وصلنا اليه ثقافيا امام النقل
الرديء والترجمة السيئة عن اصول اجنبية وتتضح هاتان المعضلتان في جوانب
كثيرة جدا لكن المؤلف يتوقف عند أنموذجين لابرز افكار الحداثة الغربية وما
بعدها ليعرض التشويهات اللانهائية التي قام بها الحداثيون العرب:
1- الحضور والغياب والتي ساء فيها وشوهها عدد من النقاد الحداثين العرب مثل كمال ابو ديب وعبد الله الغذامي .
2-
مصطلح” poetics “ النقدي الغربي الذي قدم له الحداثيون العرب احدى عشرة
ترجمة: الشعرية، الانشائية، من النظم، فن الشعر، بوطيقيا.. الخ “ فما الذي
سيختاره منها كاتب حداثي عربي متاخر؟.
اما الجزء الثاني الموسوم بـ” وصل
ما انقطع : نحو نظرية نقدية عربية “ فيتكون من مدخل وفصلين .في المدخل
يحاول المؤلف تحديد موقفه من التراث النقدي العربي وسط تيارين اساسيين
الاول رافض للقديم كله مثل ميخائيل نعيمة” المهاجر “ المقيم في امريكا
والمنبهرون بالعقل الشرقي الاجنبي” الثورة البلشفية انذاك “ واخر يدعو الى
التحديث والحداثة محاولا اثبات صحة اتجاهه البنيوي ، مثل ابي ديب ، من خلال
قراء ة التراث العربي وليس العكس .وبدعوى” القطيعة المعرفية مع التراث “
فشل الحداثيون في تطور نظرية نقدية عربية وفتحوا ابواب الجحيم والفوضى .
والصحيح
حسب راي المؤلف هو قراءة التراث اللغوي والنقدي العربي في عصره الذهبي
الذي امتد لمدة اربعة او خمسة قرون ماجت بالتيارات اللغوية والنقدية ،
قراءته وغربلته دون انبهار بمنجزات العقل الغربي وسوف يتبقى الكثير منه
الذي يستطيع تطوير نظرية لغوية ونظرية نقدية متكاملتين .
ويخصص المؤلف
الفصلين الاخيرين لمشروع النظريتين السابقتين ففي الفصل الاول يبدا بطرح
اركان النظرية اللغوية الحديثة كما صاغها” دي سوسير “العالم اللغوي
السويسري ويتبين كيف ان النقاد اللغويين العرب وفي مقدمتهم” عبد القاهر
الجرجاني “ الذي امتلك نظرية في اللغة تماشي ماوصل اليه علم اللسان الحديث
من اراء حسب تعبير” محمد مندور “ ويبين المؤلف ان البلاغيين العرب سبقوا
سوسير وشومسكي وغيرهما من علماء اللغة الغربيين في تاسيس اركان النظرية
اللغوية وبشكل خاص اعتباطية العلاقة اللغوية وثنائية الكلام واللغة وثنائية
اللفظ والمعنى وتعدد الدلالة ومراوغة المدلول للدال والتزامن الراسي
والتزامن التعاقبي .. الخ وكلها امور تقع في اقل من النقد الجدي والنقد
الحداثي وفي صلب النظرية البنائية والتفكيكية .
اما في الفصل الثاني
فيحاول المؤلف الاجابة على سؤال : هل افرز العقل العربي ، في اثناء العصر
الذهبي للبلاغة العربية ، نظرية ادبية ؟ وقبل الاجاية يبين ان اتصال
المفكرين العرب بانتاج الفكر اليوناني بصفة عامة وانبهار البعض بافكار
ارسطو في كتابه” فن الشعر “ بصفة خاصة دفع البلاغيين العرب ، ليس بالضرورة
الى رفض التاثير اليوناني بل الى مقاومته بانتاج بديل عربي .ثم يبين ان
تعامل البلاغي العربي لايختلف في جوهره عن النموذج البنيوي مع فارق جوهري
هو : انه لايتوقف في جمود عند الية تحقق الدلالة او عند” كيف يتحقق المعنى “
بل يتخطاها الى المعنى نفسة وماهيته فهي مزيج مبكر من النقد التحليلي
والنقد البنيوي . ثم يشرح الكيفية التي وظف بها البيانيون العرب مفهوم
المحاكاة الارسطي وماذا اضافوه من تعديلات وماذا كانت رؤيتهم النهائية
للعلاقة بين الادب والواقع الذي يحاكيه وفيه يكمن انجاز علم البيان العربي
الحقيقي ثم يطرح المؤلف اركان النظرية الادبية العربية باسهاب ويحددها بما
يلي :
ـ الادب بين المحاكاة والابداع حيث ترى النظرية ان الابداع يعتمد
على خلق علاقات جديدة وان التجرية الابداعية ليست نقلا حرفيا للتجربة
الواقعية تماما كما قال” اليوت “ بعد سبعة قرون كاملة حين شبه العملية
الابداعية بعملية تفاعل كميائي ينتج عنها مركب جديد بالكامل .
ـ الركن الثاني : الابداع باللغة ـ حيث تتعامل النظرية مع النص الادبي من مدخل لغوي يهتم بالية تحقق الدلالة وبالدلالة نفسها .
ـ الركن الثالث : الصدق والكذب ويقوم على فصل الحقيقة الابداعية عن الحقيقة الواقعية ورفض استعارت احكام غريبة على طبيعة الشعر .
ـ الركن الرابع : السرقات الادبية /التناص
ـ الركن الخامس : الموهبة والتقليد .
ـ الركن السادس : الشكل والمضمون .
وفي
الختام ينبهنا المؤلف بقوة الى حقيقة ان الثقافة العربية لم تكن مفلسة ولم
يكن العقل العربي ، قط ، متخلفاً ، كل ماحدث هو اننا في انبهارنا بانجازات
العقل الغربي وضعنا انجازات البلاغة العربية امام مرايا مقعرة صغرت من
حجمها وقللت من شأنها .
د. حسين سرمك حسن