منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تقنيات السرد الروائي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تقنيات السرد الروائي Empty تقنيات السرد الروائي

    مُساهمة   الأربعاء ديسمبر 15, 2010 1:08 pm

    [تقنيات السرد الروائي
    )

    عيسى الحلو

    نتحدث هنا عن مصطلحين هما «التقنية» و«السرد»
    فما المقصود بهما لغوياً وتقنياً؟
    من أجل تسهيل البحث نرى أن كلمة تقنية تعني تحديداً علمياً واضحاً..
    هو العلم الذي يتبع منهجاً في دراسة ظاهرة لغوية ما كما في جملة
    «تقنيات السرد».. إذاً «فتقنية» تعني المنهج الذي اتخذناه هنا لنحدد
    «السرديات» .. فهي إذاً تعني طريقة النظر للأمور موضع الدرس.
    أما كلمة «سرد» أو «سرديات» فهي في اعتقادنا مترادفات لفظية
    لمعنى واحد هو الحكي أو الروى..
    وهي مصادر لأفعال «حكى، روى، سرد».
    ومن ثم فإن الأفعال «حكى، سرد، روى» تعد صيغاً لفظية توصف
    وقوع أحداث وأفعال قام بها أشخاص. وهناك من يرى ان السيرة
    الذاتية والتاريخ العام يمكن ان يدخلا في مجال السرديات.
    ...
    تعريف السرد اصطلاحاً:
    هناك تحديدات نقدية مصطلحية نفضل ان نعرضها هنا تمهيداً لإرضاء
    الطرح قبل عرض الأفكار وتحليلها والوصول بها إلى نتائجها. إذ إنه
    يبدو جلياً من المقدمة التي سقناها حول تحديد مصطلح السرد أن كلمة
    سرد تختلط بكلمات أخرى مثل «حكاية، قصة، حبكة». ولعل أقوال الناقد
    جيرار جينيت هنا تبدو أكثر وضوحاً إذ يرى أن السرد هو إرسال لفظي..
    وهناك نوعان من السرديات «جينيت». أحدهما موضوعاتي هو خاص
    بالمضامين. والآخر شكلي يوصف «الحكاية» نمط تمثيلي. ثم يضيف
    جينيت: «وعندي أنه حالما يكون هناك حدث أو فعل فهناك قصة لأن
    هناك تحولاً، مروراً من حالة سابقة إلى حالة لاحقة وناتجة.
    كما في قولك «أمشي». ونلحظ هنا أن الفعل أمشي يمتلئ باحتمالات
    متوقعة كثيرة وهذه الاحتمالات تفجرها لحظة التوقع والتي يسميها النقد
    القصصي والروائي المسافة الجمالية أو حق الانتظار كما هو عند
    الروائي والناقد أومبرتو إيكو. وهذا كله يعتمد علي تعقيدات التأليف
    والتركيب النصي. ويأتي جينيت بالتمييز الشهير بين القصة والحيلة
    كما أخذها أ.م. فورستر، إذ يقول الأخير إن القصة هي قولك:-
    «مات الملك ثم ماتت الملكة».
    أما الحبكة فهي قولك: «مات الملك ثم ماتت الملكة حزناً عليه».

    الزمان والمكان السرديان:
    القص هو سرد أفعال، والأفعال تحدث بفعل فاعل «شخصيات».
    فالفعل لا يتم إلاَّ عبر مكان وزمان. ولهذا فإن السرد يعتمد على
    هذين الركنين اعتماداً أساسياً وحتمياً. إلا إذا استثنينا أدب اللا
    معقول عند صاموئيل بيكيت ويوجين يونيسكو وذاك حديث آخر.
    المكان:
    يقول الناقد أحمد زياد: بداية لا بد من الاتفاق على أن المكان في الرواية
    أياً كان شكله، ليس هو المكان كما هو في الواقع الخارجي ولو أشارت
    إليه الرواية وعينته أو سمتهم بالاسم.. يظل المكان عنصراً فنياً من
    عناصر الرواية، فالمكان هو المكان اللفظي «المتخيل» أي المكان الذي
    صنعته اللغة انصياعاً لاغراض التخيل الروائي. فالنص الروائي يخلق
    عن طريق الكلمات مكاناً خيالياً له مقوماته الخاصة وأبعاده المميزة.
    أما سيزر القاسم فتقول إن المكان في الرواية قائم في خيال المتلقي
    وليس في العالم الخارجي وهو مكان تستثيره اللغة من خلال قدرتها
    على الإيحاء ولذلك كان لا بد من التمميز بين المكان الخارجي والمكان
    في العالم الروائي. «انتهي».
    لهذا فإن مدينة لندن في رواية «موسم الهجرة.. »للطيب صالح ليست
    هي لندن. وإن باريس مارغريت دوراس هي ليست باريس إيليا أهرنبورغ.
    والقاهرة عند نجيب محفوظ ليست هي قاهرة «عمارة يعقوبيان» عند
    علاء الدين الأسواني، رغم أن علاء الدين الأسواني استعار الكثير من
    قاهرة محفوظ.
    ما الذي يجعل المكان ليس هو ذات المكان؟..
    والجغرافيا هي ليست ذات الجغرافيا؟
    الإجابة عن هذا السؤال يحددها المنظور الذي ننظر من خلاله إلى المنظر،
    من الذي ينظر إلى المشهد الذي يتوجه إليه قصد الإدراك؟ وهذا يقود بناء
    على افتراضات جيرار جينيت للشخصية التي تنظر فتدرك فتصف المشهد
    هل هو الراوي أم هو الشخصية الروائية؟ وفي كلتا الحالتين كما يقرر
    جينيت ان الذي يصف المشهد هو شخصية روائية حتى وإن كان هو
    السارد. وهذا بدوره يقول إلى بؤرة الإدراك أو الوعي الذي يدرك ويعي
    المشهد.. وهنا نجد أنفسنا أمام إشكال تقني حقيقي هو ذاك الخلط بين
    الصوت والصيغة.. هل الصوت هو صوت المؤلف «السارد»؟
    أم هو صوت الشخصية الروائية؟..
    وبمعنى آخر هل المؤلف يعير صوته إلى شخصياته أم ان الشخصيات
    هي التي تستعير وعي المؤلف؟. لم يستطع جينيت ان يصل إلى حلول
    متقدمة في هذا. وإذا رجعنا إلى الناقد الأقرب إلى الشكلانية «تزفيتان
    تودوروف»، نجده هنا يحل الإشكال «بالإحالة إلى أقوال باختين» في
    كتابه «شعرية دوستويفسكي» إذ يقول باختين مفرقاً ما بين الصوت
    والصيغة ويكون للحياة معنى وتصبح بالتالي مقوماً ممكناً في البناء
    الجمالي فقط إذا نظر إليها من الخارج «المنظور» ككل.
    إذ ينبغي ان تكون محاطة بالكامل بأفق شخص آخر. وبالنسبة للشخصية
    التخيلية «الروائية» هذا الشخص هو المؤلف بالطبع وهذا ما يسميه
    باختين التخارج. إن الخلق الجمالي هو إذاً نموذج مكتمل بشكل خاص
    لنمط من العلاقة الإنسانية: ذاك الذي يحيط فيه أحد الشخصين الآخر
    بشكل كامل ويكمله بذلك ويحييه. إنها علاقة غير متناسقة من خارجية
    وفوقية.
    ولهذا يخلص باختين إلى ان ليس للمؤف امتياز على بطله بل ان حقوقهما
    متساوية. ويضيف إلى هذا قوله: إن آراء دوستويفسكي «المفكر» إذ
    تدخل رواياته المتعددة الأصوات فتنخرط في حوار كبير مع آراء وأصوات
    الشخصيات الأخرى».
    ولهذا بالضبط يصبح منظور المكان السردي الروائي ملوناً بهذا الحوار
    وهذا الجدل ومن ثم يختلف تقنياً المكان الواحد في الرواية عن تلك التي
    تتكلم عن نفس المكان. كما يظل الناظر «السارد» أو الشخصية الروائية
    التي تصور المشهد عبر صوتها ليست هي المؤلف الحقيقي، ولكنها
    المؤلف المفترض. ولهذا ايضاً يظل صحيحاً أن مصطفى سعيد ليس هو
    الطيب صالح وأن كمال عبد الجواد ليس هو نجيب محفوظ «الثلاثية».
    فالمؤلف بوصفه صوتاً يعد صوتاً يتشظى داخل الأصوات الأخرى.
    أضف إلى كل هذا أن المكان كمنظور تحدده نظرة الشخصيات.
    وفي قصة «ماذا فعلت الوردة؟» لكاتب هذه السطور نجد أن المنظور لا
    يثبت على حالة واحدة بل هو يتشكل بناءً على تغير رؤية الشخصيات.
    فكل شخصية تسقط ذاتها الخاصة على المكان فتلونه بلون هذه الذات.
    وهذا أيضاً ما فعله القاص الإيطالي لويجي بيرنديللو في قصته «لكل
    حقيقته»، وما فعله نجيب محفوظ في روايته «ميرامار» وما فعله
    لورنس داريل في روايته «رباعية الاسكندرية».

    وليس معنى هذا ان الشخصية تسكن ذاتها من دون مراعاة للواقع
    الخارجي ولكنها تنظر إلى هذا الواقع وفق ثقافتها ومكوناتها، من
    هنا تأتي موضوعية رؤيتها ونسبيتها في ذات الوقت. ففي رواية
    «المترجمة» للروائية السودانية ليلى أبو العلا نجد ان الكاتبة
    تشترك مع الروائي الكبير الطيب صالح في تصور ذات المكان،
    بل هي تعالج ذات الموضوع. ولكن تتناقض رواية «المترجمة»
    مع رواية «موسم الهجرة» ولا تصل «المترجمة» لذات النتائج.
    إذن فكل رواية تحاول تطبيع المكان بناء على الرؤية الروائية
    الخاصة بالنص. وكما يقول البحراوي إن المكان الروائي ليس
    ديكوراً بل هو الفضاء الذي يضم شبكة علاقات شديدة التعقيد من
    وجهات نظر شخصيات المكان «الرواية» وللمادة الحكائية، فهو
    مكون روائي أساسي. ولهذا، وكما يقول البحراوي، إن الوصف
    الروائي يراعي إيقاع كل هذه العناصر.
    الزمان الروائي:
    هنا نجد عدة أزمنة ذات طبائع مختلفة. فهناك زمن الكتابة.. أي الزمن
    الذي تدور فيه الأحداث المتخيلة. وهناك زمن القراءة. وهناك الزمن
    الداخلي للنص.. وهناك الزمن الذي تستغرقه الأحداث.
    فزمن الأحداث قد يكون زمناً استطرادياً.. الآن وأمس وغداً. وهناك زمن
    استرجاعي «Flash Back» . وهناك الزمن المتقطع الذي يتقدم ثم
    يتراجع. وهناك زمن تيار الشعور حينما تشتغل الذاكرة من دون انتظام
    استطرادي كما هو في رواية «الصخب والعنف» لوليم فولكنر، أو رواية
    «عوليس» لجيمس جويس، أو كما في رواية «ثلاثية الولايات المتحدة»
    لدوس باسوس. وهو زمان ميتولوجي ذاتي. ويقول الدكتور عبد الملك
    مرتاض: «إن الحدث من حيث هو يجب ان يتسم بالزمانية، والزمن
    يجب ان يتصف بالتاريخية. فالزمن والتاريخ هما شئ واحد.
    ولكن ليس بمعنى أن يصبح الروائي مؤرخاً من دون ان يسعى لمعالجة
    المشكلات الاجتماعية والجمالية». ويضيف الدكتور عبد الملك «المرجع
    نفسه» قائلاً: «إن تودوروف صوّر لنا الأمر على أن الذي يحكي «مؤلف
    الرواية» يجسّد الزمن الحاضر، وأن ما يحكيه يمثل الزمن الماضي وأن
    عليه ان يزيح الزمانين ليتدرج نحو المستقبل على أساس أن المتلقي
    يأتي حتماً متأخراً إذاً فهذا الأمر يقوم على تمثل علاقة طولية متعددة
    متتابعة لا تلتقي خطوطها أبداً».
    الضمائر السردية:
    الضمائر هي الأصوات التي تأخذ على عاتقها الكشف عن مجريات
    الأحداث والوقائع التي تدور على مسرح الرواية.
    فهناك الضمير «هو» يستخدم من قبل السارد كوسيلة أو أداة تكشف
    الأحداث أو تلقى عليها ضوءاً. وهو أكثر الضمائر استخداماً في السرد
    الروائي.
    وهناك الضمير «أنا» والذي يتدعم مع صوت السارد. وهو أكثر الضمائر
    قدرة على الكشف عن مكنونات الذات وأقلها قدرة على مراقبة الأحداث
    المحيطة في زمان ومكان واحد كما يفعل هذا الضمير هو.
    والضمير «هو» لا يستطيع النفاذ إلى دواخل الشخصيات. وهذا ما انتقده
    جان بول سارتر عند فرانسوا مورياك حينما يتدخل الراوي في ضمائر
    وعقول شخصيته.
    ومن الضمائر أنت ونحن وهم. وكل هذه الضمائر تعبر في استخداماتها
    عن المسافة التي تجعل السرد قريباً جداً من الحدث أو بعيداً عنه.
    ولكن الضمير أنت يمتاز بأنه يوحد ما بين السارد والمتلقي وأحياناً
    يمثل صوتاً جامعاً لصوت السارد والشخصية.
    ويقول الروائي الفرنسي ميشيل بيتور: «ما يلفت الانتباه في استخدام
    الضمير «أنت» هو دعوة القارئ إلى المشاركة بنشاط في حركة السرد.
    فهذا الضمير يؤدي جميع الأدوار. إنه دعوة إن هناك دوراً سحرياً
    ووضعه في الشخصية ليس قطعياً. وهناك أوقات حيث يتلاشى هذا
    السحر، ونعمل على أن نشعر به كما لو كان يمثل الشخصيات في
    الرواية».
    كل هذه العناصر تعمل بدورها في صناعة الشخصية الروائية إذ إن
    الشخصية الروائية هي بنية فكرية ووجدانية وعاطفية تمتلئ بالحياة
    وتتحرك داخل الفضاء الروائي بناء على الحركة الكلية التي تسيطر
    .............
    البناء الفني للشخصية الروائية:
    ربما يتصور البعض بشكل خاطئ أن المؤلف ينقل لنا شخصيات من الواقع
    كما تنقل الكاميرا الصورة. إلا أن الشخصية الروائية هي تفاعل حقائق
    كثيرة. هي أولاً تلك الفكرة العامة عن الناس كنماذج تحددها خبرة الكاتب
    «المؤلف» الوجودية وهم أيضاً ثقافة المؤلف وكل تلك الرؤى التي يكونها
    عن الحياة. أضف إلى ذلك أنها داخل هذا الأفق هي جزء من شخصيته هو
    ذاته وهذا ما قصد إليه «باكتين» في كتابه «شعرية دوستويفسكي»،
    إذ وصل باختين في بحثه هذا إلى تقرير أن المؤلف «مطلق مؤلف روائي»
    تتشظى ذاته إلى عناصر من الفكر والعاطفة داخل أجساد هؤلاء الأشخاص
    عبر التخيل الروائي. ولهذا فإن تركيب البنية للشخصية الروائية هو ناتج
    لخلق إبداع بخلط بين الواقع والخيال. ولهذا السبب كان نجيب محفوظ
    يقول في رده على النقاد الذين أرادوا ان يطابقوا بين شخصيته وشخصية
    بطله كمال عبد الجواد في الثلاثية: «إنني لست كمال عبد الجواد وكمال
    ليس هو أنا».. وذات الشئ قاله الطيب صالح حينما أتهم بأنه مصطفى
    سعيد بشحمه ولحمه. أما فلوبير الذي قال: «أنا مدام بوفاري» مشيراً
    إلى بطلته «إيما» في رواية «مدام بوفاري» فكان يريد ان يؤكد هذا
    الجمع العجيب ما بين الموضوعي والذاتي.. الواقعي والخيالي.


    وهناك كتاب روائيون تطرفوا جداً في تأكيد الجانب التحريري في رسمهم
    لأبطالهم بوصفهم أفكاراً اكتست بالدم واللحم من خلال السرد الروائي.
    فالكاتب التشيكي فرانز كافكا جعل من شخوصه أرقاماً وحروفاً ترمز
    لفرداتهم وخصوصيتهم.. فكافكا يسمى بطل روايته المسخ الحرف
    «ك»، وذلك لأنه كان يرى أن الإنسان في عالمنا المعاصر أصبح رقماً
    بين الأرقام، وضاعت حقيقة الإنسانية وتميزه وتفرده بوصفه ذاتاً تمتلئ
    بحقائقها الخاصة. وهكذا يتكور مضمون وشكل الشخصية الروائية في
    الأدب المعاصر. وها هو ألبير كامو يصور لنا بطله «ميرسو» هذا
    الإنسان الغريب الذي يشعر بالغربة لأن المجتمع الصناعي الاستهلاكي
    الحديث حوله إلى رقم مما أفقده القدرة على التفاعل مع المجتمع، بل
    فقد المشاعر الإنسانية حتى تلك التي تربط الابن بأمه.

    لقد انقلبت الأوضاع تماماً في أدبنا الحديث.. فإذا كان البطل الأغريقي
    هو ابن الآلهة البطل الملحمي في العصور المتقدمة هو صوت الجماعة،
    فإن البطل الحديث أصبح يتوزع بين ذاته وغيريته.
    وقد لعبت التحولات الاجتماعية التي صنعتها الأوضاع الاقتصادية في
    وضع الشخصية الإنسانية المعاصرة بين حجري الرحى، بين تأكيده
    لذاته كذات مهمشة ومقهورة، وبين تعاطفه مع الجماعة مثل هذا البطل
    تجده في روايات الروائي السوداني أبكر آدم إسماعيل رواية «أبواب
    المدن المستحيلة»، حيث يسعى الهامش الثقافي لغزو عواصم ومراكز
    السلطة الثقافية والاقتصادية، تماماً كما فعل مصطفى سعيد على
    الصعيدين العالمي والكوني.

    أما الشخصية في الرواية التقليدية في أساس هذه الرواية، يقول الدكتور
    عبد الملك مرتاض: «لا يمكن تصور هذه الرواية من دون طغيان
    شخصية مثيرة يقحمها الروائي فيها إذ لا يضطرم الصراع العنيف إلا
    بوجود شخصية أو شخصيات تتصارع في ما بينها داخل العمل السردي.
    ولهذا يركز الروائيون على رسم ملامح الشخصية والسعي لإعطائها دوراً
    خطيراً تنهض به تحت المراقبة الصارمة للروائي التقليدي الذي يعرف كل
    شئ».

    لكن الروائي الجديد يقلل من دور الشخصية كما فعل كافكا في روايته
    «المحاكمة» بإعطاء الشخصية رقماً يعبر عن هذه الشخصية.
    وتقول ناتالي ساروت: إن روح السارد البروستي «مارسيل بروست»
    موصوف على نحو نقي حتى ليكاد ان يكون غير صحيح.
    أما صاموئيل بيكيت فيقول: ليس هناك كاتب يملك الحق في أن يحمل
    صورة الحياة كلها بجميع معانيها الإنسانية لمجرد شخصية روائية.
    وأسوأ من ذلك ان يكلفها بحمل رسالة.
    إن الفرق هنا في بنائية الرواية التقليدية والسردية الجديدة هي فروق
    حضارية أساساً وهي التي أوجدت هذا الاختراق الخاص بتقنية بناء
    الشخصية.
    التخطيط الروائي «المخطط»:
    كل عمل روائي «سردي» يجري كقص داخل مخطط.. حيث يوزع
    النص إلى فصول «البداية- الوسط- النهاية». ولكل فصل محتوياته
    التي يضعها الروائي وفق ترتيب يرتبط بمنطق الرواية. فهناك المخطط
    الطولي والمخطط الدائري مثلاً. فالمخطط الدائري يبدأ فيه السرد من
    نقطتين زمانية ومكانية محددتين. ثم يتصاعد السرد حتى يصل إلى
    نهايته تماماً كمسار خط الدائرة حيث تبدأ الرواية بالنهاية وتنتهي
    بالبداية، كما في ثلاثية نجيب محفوظ أو «قصة مدينتين» لتشارلز
    ديكنز مثلاً.

    وهناك المخطط البلوفيني الذي يبدأ بسيمة روائية «فكرة» ثم يفرع هذه
    الفكرة إلى روافد صغيرة تجرى في النسيج العام لتعود مرة أخرى لتصب
    في القيمة الأساسية.. وهذا ما أكده الروائى التشيكي ميلان كونديرا في
    كتابه «فن الرواية» . حيث أوضح طريقته في العمل.
    وهذا المخطط هو المخطط الذي تتخذه الرواية «الكلاسيكية الجديدة»
    كما نجده في رواية غابريال غارثيا ماركيز «مائة عام من العزلة».
    والمخطط الأول هذا قد يضعه الكاتب كتخطيط هندسي لبناء روايته
    ويتقيد بتعقيده، وهناك من لا يتقيد بتخطيط صارم كمثل هذا بل يجعل
    البداية هي التي تعمل بطريقتها الكيميائية الخاصة لتعطي في النهاية
    النتيجة العامة لكل التفاعلات الممكنة كأنما النص كان موضوعاً ما
    بين الحتمية والاحتمالية. وهناك من يستعيد الغالب في النص
    الموسيقي الذي يوزع روايته إلى أصوات موسيقية تتداخل كما سبق
    وأن أشرنا كما فعل هيرمان هسه في روايته «الكرات الزجاجية».
    اللغة كعنصر سردي:
    النص السردي هو نص لغوي في الأساس، فنحن نرى الحياة عبر
    المسرود الذي تبدعه اللغة ولهذا يأتي الوصف لتأكيد عنصري الزمان
    والمكان كما ترسم اللغة الملامح الداخلية للشخصية.. واللغة هنا
    تشتغل داخل النص بوصفها كائناً حياً شديد المرونة والقدرة علي
    التكيف عبر مسارها الدرامي الحكائي.
    ولكن استخدامات اللغة هنا تعتمد على الطريقة التي ينظر فيها الكاتب
    للحياة. فإن كان الكاتب يريد تصوير الحياة «الواقع» كما هو عبر
    نقل الواقع كما هي من دون ان تستطيع اللغة القيام بالكشف عن أسرار
    هذه الحياة، وهذا ما تفعله الرواية الواقعية كما عرفت وحددت نقدياً
    بمصطلح «الواقعية» وقد حددها النقد برواية القرن التاسع عشر
    الميلادي ونموذجها الناصع هنا هو رواية هونوريه دو بالزاك
    المولعة بالوصف الخارجي لعالمها الروائي.

    فاللغة هنا هي لغة ذات غاية خارج ذاتها، وغايتها توصيل وحمل المعنى
    الذي يقصده الكاتب الواقعي وهو ما يسميه سارتر الالتزام في كتابه
    «ما هو الأدب؟». أما الشكلانيون فيرون ان اللغة شئ كالاشياء
    الأخرى الموجودة في العالم وأنها مقصودة لذاتها ومن هنا أصبحنا
    أمام الشعرية أو الأدبية وجاء ما يمكن ان نسميه الواقعية الأدبية.
    وهي موقف جمالي يعني في الأساس بتشكيل اللغة.
    وهنا يقول الشكلاني جاكوبسون: «ينبغي تصنيف الظواهر الألسنية
    بناء للغاية» التي من أجلها يستعمل المتكلم في كل حالة خاصة.
    فإذا استعمل الكاتب اللغة لغاية عملية صرفة من الاتصال فإن الأمر
    يتعلق بنسق اللغة العملية «الفكر الكلامي» وهي ليست إلاَّ وسيلة
    اتصال. لهذا تجد اللغة العملية تدبيرها خارجها الذي تحدده وظيفتها
    الايصالية، أما لغة الشعر فهي تتميز بطابعها المحسوس لتركيبها
    وهي لا تعتقد شيئاً آخر غير ذاتها.

    إن الموقف المبدئي للشعرية أو الأدبية السردية هو أنها تنطلق من
    كونها تنظر للعالم من خلال رؤية شعرية حيث ان الاشياء ليست هي
    الأشياء.. فهي لغة ما ورائية وما بعد عقلية وليست الشعرية الأدبية
    هي استخدام القصائد أو طرائق بناء القصائد داخل السرديات كما يفعل
    كثير من الكتاب بشكل خاطئ. وحتى تلك اللغة التي تستخدم في بعض
    السرديات تخدعنا بمظهرها الشعري الظاهري فنظن أنها قصائد منشورة
    هي حقيقة تعبر عن هذا الموقف وإن كان تعبيرها جزئياً..
    حينما يقول الراوي في «موسم الهجرة»«بلاد تموت من البرد حيتانها »
    فاللغة هنا تكثف وتختزن المشهد لكي تركز القيمة الروائية ومن ثم تصبح
    هذه القيمة هي ذاتها عنصراً يدفع بالحركة الدرامية لتتقدم في خطها
    الدرامي المتنامي.
    الفضاء السردي:
    يبدو إلىَّ أننا في هذا الذي يحدثنا قد لحظنا كل عناصر هذا الفضاء أو
    على الأقل المعوقات الأساسية لهذا الفضاء.
    ولكن السؤال: هل كل هذا الذي جئنا به هو الذي يمكن المبتدئين من
    السرد الروائي بالمعني الحصري والحرفي والمهني؟ بالطبع لا.
    فالكتابة السردية تحتاج إلى موهبة وإلى ثقافة جمالية وحرفية وفوق
    كل هذا تحتاج إلى خبرة وجودية وخبرة مهنية، وإن الموقف الحقيقي
    والفعال في أن كل كاتب عليه واجبات ومسؤوليات تجاه اللغة التي
    تجمع كل عناصر هذا الفضاء الذي حاولنا هنا اختصاره في بعض
    الملامح.
    وفي اعتقادنا بأن كل كتابة هي عمل تجريبي داخل الصيغ السردية
    التي تتراكم عبر تاريخ هذا الفن على المستوى المحلي والمستوى
    العالمي، وعلى كل كاتب أن يبحث عن طريقته الابداعية الخاصة
    داخل هذا الفضاء السردي التاريخي ليبدع نصه ومن ثم يبدع زمانه
    وعصره.
    وعلينا أن نلاحظ أن الكاتب الموفق في عمله هو ذاك الذي لا يأتي على
    ذكر عنصر سردي داخل فضاء الكتابة إلاَّ واستخدمه.
    وكما يقول انطوان تشيخوف إذا أورد الكاتب داخل النص أن هناك
    مسماراً على الحائط فمما لا شك فيه ان البطل سيشنق نفسه بواسطة
    هذا المسمار.
    فالنص السرد لا يحيا إلاَّ بهذا الإحكام البنائي وما تقنيات السرد إلا
    الأدوات التي تساعده في إحكام هذا البناء شريطة أن يتعامل معها
    بالمرونة اللازمة وأن يدعمها بجهده الخاص.
    [/frame]

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 11:58 pm