سيميـــاء اسم العلم الشخصي في الرواية العربية
الدكتور جميل حمداوي
توطئـــة:
أثار اسم العلم بصفة عامة، والاسم الشخصي بصفة خاصة، الكثير من النقاشات قديما وحديثا ، ولاسيما في مجال المنطق ، والفلسفة، وفقه اللغة، والقانون، والشريعة، والأنتروبولوجيا، واللسانيات، والشعرية، والنقد الأدبي … وظهرت مجموعة من البحوث والدراسات التي تتناول اسم العلم بالدرس والتحليل والتمحيص، مستعملة في ذلك مختلف المناهج والمقاربات، بغية استجماع المعطيات والمعلومات حول اسم العلم: بنية ودلالة ووظيفة. ومازالت الدراسات إلى يومنا هذا جارية ومستمرة في هذا المجال العويص، وذلك بسبب النتائج النسبية التي توصل إليها الباحثون عبر مختلف الأزمنة والأمكنة، ورغبتهم الملحة في تجريب مناهج أكثر حداثة وعصرنة لتشريح اسم العلم تفكيكا وتركيبا، والإحاطة به فهما وتفسيرا. وقد صدق فيليب هامون PH.Hamon حينما قال:” إن قضية أسماء العلم كانت فرصة لمناقشات لاتنتهي ما بين المناطقة من جهة، واللسانيين من جهة أخرى.”
ومن المعروف أن اسم العلم قد يطلق على شخص أو مكان أو حيوان أو شيء، ولكننا سنحصره في هذه الدراسة فيما ما يطلق على الشخص من تسميات وتعيينات وإحالات وضمائر. ومن ثم، نبعد الأسماء العلمية الدالة على الأمكنة والحيوانات والأشياء.
إذاٌ، كيف تعامل الدارسون والمبدعون العرب والأجانب مع اسم العلم الشخصي؟ وماهي أهم المناهج والمقاربات التي شغلوها للإحاطة باسم العلم دالا ومدلولا ومقصدية؟ وماهي أهم التصورات السيميائية حول اسم العلم الشخصي في مجال الرواية؟ تلكم هي أهم الأسئلة التي سوف ننكب عليها في بحثنا هذا.
مفهـــوم اســم العلــم:
ثمة تعاريف عديدة لاسم العلم، فهو في اللغة بمعنى العلامة، والوسم، والعلم، والرسم، والجبل، والأثر، والراية . أما في التعريف الاصطلاحي، فالعلم هو الاسم الذي يعين مسماه مطلقا. وقد يدل على اسم شخص، أو اسم حيوان، أو اسم مكان، أو اسم شيء. ويقول ابن مالك في ألفيته بصدد حديثه عن اسم العلم :
اسم يعيــن المسمى مطلقا علمــــه كجعفر وخرنقــا
وقرن، وعدن، ولاحـــــق وشذقم، وهيلة، وواشـق
وغالبا ما يتكون اسم العلم الشخصي من الاسم، واللقب، والكنية ( محمد بن عبد الرحمن مثلا). وبالتالي، فهو الذي يحدد هوية الإنسان أو الكائن البشري، و يبرز طبيعته الشخصية. وبعد ذلك، يعين مرتكزاتها الأنطولوجية والقانونية والشرعية، فيحدد سماتها ومواصفاتها ومكوناتها الخلقية (بضم الخاء) والخلقية(بكسر الخاء)، ثم يجلي كينونتها داخل المنظومة الواقعية والحضارية. كما يشكل اسم العلم ، حسب كلود ليفي شتروس C. L. Strauss، استعارة للشخص . ويرى رولان بارت R.Barthes بأن اسم العلم، إذا جاز التعبير، أمير الدوال، إيحاءاته غنية، إنها اجتماعية ورمزية .
هذا، ويتمثل مفهوم اسم العلم الشخصي في مجال الرواية بأنه تعيين للفرد، و خلق تطابق بين اسمه و حالاته النفسية والوصفية والاجتماعية، بل هو قناع إشاري ورمزي وأيقوني، يدل على عوالم الشخصية الداخلية والخارجية. ” وفي الجملة، فإن معظم المحللين والبنيويين للخطاب الروائي قد أصروا على أهمية إرفاق الشخصية باسم يميزها، فيعطيها بعدها الدلالي الخاص. وتعليل ذلك عندهم أن الشخصيات لابد أن تحمل اسما، وأن هذا الأخير هو ميزتها الأولى؛ لأن الاسم هو الذي يعين الشخصية، ويحدد طبيعتها، ويبين جوهرها، ويجعلها معروفة وفردية. وقد يرد الاسم الشخصي مصحوبا بلقب يميزه عن الآخرين الذين يشتركون معه في الاسم نفسه، كما يزيد في تحديد التراتب الاجتماعي للشخصية الذي تخبرنا عنه المعلومات حول الثروة أو درجة الفقر. بل إن المعلومات التي يقدمها الروائي عن المظهر الخارجي للشخصية وعن لباسها وطبائعها وحتى عن آرائها تأتي كلها لتدعم تلك الوحدة التي يؤشر عليها الاسم الشخصي، بحيث تشكل معها شبكة من المعلومات تتكامل مع بعضها، وتقود القارئ في قراءته للرواية”.
والمقصود من هذا أن اسم العلم الشخصي يعكس بشكل دلالي ومرئي الشخصية الروائية بكل أبعادها الدلالية والاجتماعية والفردية؛ لأن ثمة تطابقا منطقيا ومرجعيا بين الشخصية واسم العلم. وقد آن الأوان كما يقول أيان وات Watt لكي يدرس النقاد والباحثون:” الطريقة الخاصة التي يعلن بها الروائي عن قصده تقديم شخصية ما على أنها فرد معين، وذلك بتسمية الشخصية بالطريقة ذاتها التي يسمى بها الأفراد في الحياة الاعتيادية.”
وعلى العموم، فاسم العلم الشخصي هو المحرك الديناميكي للشخصية الروائية؛ لأنه هو الذي يكسبها تفردا وتميزا وتعيينا وتخصيصا. وبالتالي، يساعدها على الظهور والبروز ، وذلك ضمن المسار السردي القائم على تعاقب وتوالي البرامج السيميائية التي تقوم بها العوامل والفواعل النصية أثناء صراعها الكارثي من أجل تحصيل الموضوع المرغوب فيه.
اســم العلــم بين الاعتباطية والقصدية:
قد تكون العلاقة بين اسم العلم (الدال)ومسماه (المدلول) علاقة اعتباطية أو اتفاقية أو اصطلاحية كما يذهب إلى ذلك فرديناند دوسوسيرF.D.Saussure، وقد تكون العلاقة طبيعية بين الدال والمدلول كما ذهب إلى ذلك أفلاطون Platon قديما، أو علاقة علية وسببية واصطناعية مقترنة بقصدية ما كما عند إميل بنيفيست E.Benivinste. ويرى الدكتور محمد مفتاح أن هناك من كان يدافع عن القصدية أو الاعتباطية منذ القديم إلى الآن. فهناك التيار الكراتيلي(نسبة إلى Cratyle) الذي كان يدافع عن وجود علاقة طبيعية بين الأسماء والأشياء التي تعنيها. وصاغ هذا التيار قولا شهيرا:” من تعرف على الأسماء تعرف على الأشياء”، وقد ألفت كتب عديدة لإثبات صحة هذا الرأي طوال قرون عديدة ، حتى إنه في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ظهرت بحوث تدعي وجود علاقة بين أصوات اسم العلم وبين خصائصه الجسدية والنفسية، ولكن أهم رجة أصابت هذا الاتجاه، وزحزحته عن مكانه هي التيار البنيوي القائل باعتباطية اللغة. وهناك التيار الديمقراطي (Démocrite) الذي كان يقول بالاعتباطية والاصطلاحية، وهناك تيار وسط، وله ممثلون عديدون ذكر أسماءهم ” جان مولينو/ Molino” و”تامين / Tamine” في كتابهما:”مدخل إلى التحليل اللساني للشعر” ، ويرى هذا التيار أن طبيعة تلفظ بعض الأصوات(كالأمامية الانفتاحية والشفوية) مرتبطة بالأشكال، وأن دلالة بعض الأصوات تعتمد على شكلها في البصر .
وإذا كان البنيويون واللسانيون والمناطقة يرون أن علاقة الاسم بمسماه علاقة اعتباطية غير مقصودة ، فإن كثيرا من الأنتروبولوجيين والشعريين يرون في المقابل أن أسماء الأعلام والشخوص والأمكنة ، ولاسيما في النصوص الشعرية والخطابات الإبداعية، لها دلالات مقصودة معللة بوظائفها ومقاصدها حسب السياق النصي والذهني.
هذا، وتخضع أسماء الأعلام في مجال الرواية بدورها لثنائية الاعتباطية والمقصدية، فهناك من الروائيين من يستعمل اسم الشخصية بطريقة اعتباطية غير معللة، ولكن هناك من يشغلها بطريقة مقصودة ، يريد بها دلالات معينة. وفي هذا الصدد يقول الباحث المغربي حسن بحراوي:”يسعى الروائي وهو يضع الأسماء لشخصياته أن تكون مناسبة ومنسجمة بحيث تحقق للنص مقروئيته، وللشخصية احتماليتها ووجودها. ومن هنا، مصدر ذلك التنوع والاختلاف الذي يطبع أسماء الشخصيات الروائية. وهذه المقصدية التي تضبط اختيار المؤلف لاسم الشخصية ليست دائما من دون خلفية نظرية، كما أنها لاتنفي القاعدة اللسانية حول اعتباطية العلامة، فالاسم الشخصي علامة لغوية بامتياز. وإذاً، فهو يتحدد بكونه اعتباطيا، إلا أننا نعلم أيضا أن درجة اعتباطية علامة ما أو درجة مقصديتها يمكن أن تكون متغايرة ومتفاوتة. ولذلك، فمن المهم أن نبحث في الحوافز التي تتحكم في المؤلف، وهو يخلع الأسماء على شخصياته.”
ويعني هذا أن توظيف الأسماء العلمية لتحديد هوية الشخصيات، وتبيان أنماطها السلوكية ، وتعيين مواطنها ونسبها ولقبها، ليس ذلك عملا اعتباطيا دائما، بل قد يهدف الروائي من وراء اختيار الأسماء الإحالة على دلالات وأبعاد ومقاصد ، وذلك لإثارة المتلقي واستفزازه، وتأزيم الأحداث، أو تحريكها حسب سمات الشخصيات، وتفعيلها بشكل كارثي على ضوء علاماتها الفيزيولوجية، وانفعالاتها السيكولوجية، سواء أكانت شعورية أم لاشعورية . ومن هنا، فاسم الشخصية يشكل :” دلالة إضافية لا تخلو من أهمية في تتميم صورة الشخصية. والمفترض أن تكون هناك خلفية لاسم البطل وأسماء الشخصيات المساعدة. أولا، لأن تسمية الشخوص ضرورية، إذا ما تعددت في النص القصصي الواحد. وثانيا، لأن تسمية شخصية باسم خاص تشكل العنصر الأبسط من التمييز كما يقول توماشفسكي. وثالثا، لأن التسمية جزئية بنائية كباقي الجزئيات المؤلفة للشخصية. فاختيار اسم لشخصية، وإطلاق لقب على أخرى، ليس منطلقه الفلكلورية، وإنما الفنية، وما فيها من ضرورة، تلزم أن يكون الاختيار مؤسسا على فهم كامل للعمل القصصي وطبيعته.”
ويلاحظ كذلك أن الروائي حر في توظيف هذه القصدية وتعليلها، وليس مجبرا على قواعد معينة، فهو حر في الاختيار والتعيين والاستبدال والتسمية. ومن ثم، فبإمكانه أثناء وضع أسماء شخصية لأبطاله أن يطلق:”عليهم ألقابا مهنية (الأستاذ- المقدم- الخماس..)، أو يعينهم بألفاظ القرابة( الأب- العم- الجد -إلخ…)، كما يكون في وسعه كذلك أن يسميهم نسبة إلى مواطن إقامتهم (التدلاوي- التطواني- الحسناوي…)، بل إننا نجده في بعض الأحيان يطلق عليهم أسماء صفات أو عاهات تميزهم أو تجعلهم مختلفين عن غيرهم(العرجاء- الأبله- بوراسين- إلخ…)، أو يضع لهم أسماء مجازية أبعد ما تكون في الدلالة عليهم. وأخيرا، فهو ربما استعاض عن تلك الوسائل جميعها باستعمال الضمائر النحوية المختلفة، وتوظيفها للدلالة على الشخصيات في الرواية” .
ومن جهة أخرى، يشير فيليب هامون Ph.Hamon في هذا الصدد إلى الهم الهوسي الذي:”يحمله جل الروائيين في عملية اختيار أسماء أو ألقاب لشخصياتهم، أحلام بروست حول لقب غيرمانت Guermantes أو لقب المناطق الإيطالية أو البريطانية، ولقد جرب زولا قبل أن يتوقف عند روغان أو ماكار مجموعة كبيرة من أسماء العلم مختبرا تباعا، الترخيم، والإيقاع، والمجموعات المقطعية أو مجموعات الحركات أو الصوامت”. كما يورد رونيه ويليك R.Wellek وأوستين وارين A.Warren في كتابهما: ” نظرية الرواية” ببليوغرافية شاملة للدراسات المقامة حول تسمية الشخصيات في مؤلفات ديكنز، وهنري جيمس، وبلزاك، وغوغول .
وهكذا، يتبين لنا بأن المبدعين والروائيين غالبا ما يوظفون أسماء شخصياتهم الروائية، وذلك بعد تفكير وأناة وروية واختبار وتمحيص ودراسة، بغية تحقيق أهداف فنية وجمالية وتعبيرية وإيديولوجية. وبالتالي، لم تكن تلك الأسماء بشكل من الأشكال اعتباطية ومجانية، بل كانت تتحكم فيها متطلبات فنية وسياقية وأهداف تداولية معينة، ينبغي للقارئ أن يستكشفها من وراء الأسطر ، ويستجليها عبر خبايا الخطاب المضمرة وغير المعلنة.
الآليات السيميائية للتسمية العلميـــة الشخصية:
ثمة مجموعة من الآليات التي تستعمل في بناء الأسماء العلمية الشخصية وتركيبها، ويمكن الإشارة إلى الآليات التالية:
1- الإحالــــة: من المعلوم أن أسماء الأعلام تحمل في طياتها حمولات ثقافية ، وتتضمن خلفية معرفية وإحالية واسعة بمثابة مستنسخات تناصية في شتى المجالات والتخصصات. ومن ثم، تحمل أسماء الأعلام:”تداعيات معقدة تربطها بقصص تاريخية أو أسطورية، وتشير قليلا أو كثيرا إلى أبطال وأماكن تنتمي إلى ثقافات متباعدة في الزمان وفي المكان.”
ويعني هذا أن أسماء العلم الشخصية قد تحضر داخل النصوص والخطابات، وهي محملة بالإرث الثقافي في شكل علامات مرجعية ورموز نصية وسيميائية ، تستوجب من المتلقي أثناء التعامل معها أن ينطلق من خلفية معرفية مزودة بمعلومات مسبقة لتحقيق اتساق النص وانسجامه كما هو الحال أثناء التعامل مع روايات الكاتبة السعودية المتميزة: رجاء عالم.
2- الاشتقـــاق: من المعروف أن توليد أسماء الأعلام الشخصية لا يتم إلا عن طريق الاشتقاق بكل أنواعه، وقد يتحقق هذا الاشتقاق صوتيا وإيقاعيا وصرفيا وتركيبيا ودلاليا وبلاغيا. وقد يخضع هذا الاشتقاق لثنائية التعيين والتضمين، أو ثنائية التقرير والإيحاء ، أو ثنائية القاعدة والانزياح. ومن هنا، فقد اشتقت مجموعة من الأسماء العلمية الشخصية من اللغة الراقية أو الشعبية نقلا وارتجالا، أو استمدت من اللغة البدائية أو اللغة المتحضرة نهلا ونحتا وتركيبا وتوليدا، وذلك باعتبارها أصواتا رمزية لمدلولات معينة، وعلامات تحمل في طياتها دلالات قصدية أو علية. أي انتقلت هذه الأسماء العلمية عبر الاشتقاق من الاعتباطية الاصطلاحية إلى القصدية والرمزية الذاتية.
ويتبين لنا من كل هذا أن الاشتقاق له دور كبير في قصدية الأعلام وتوسيعها اطرادا وتكثيفا واستخداما. وغالبا ما يتم الاشتقاق الصرفي بتطويع الجذر والسوابق واللواحق، ومراعاة التصغير والتوليد والتصحيف والتضعيف والتحوير، وذلك أثناء وضع أسماء الأعلام الشخصية، وتوظيفها في النصوص الإبداعية…
3- الوصـــف: تعمل الأوصاف المحددة بشكل جوهري في فرز علم من علم آخر، ويعني هذا أن لدينا أسماء أشخاص كثيرين متشابهة ، مثل: مصطفى أو علي أو حسن، فما الذي يفرق بين هذا وذاك، فهنا نلتجئ إما إلى الكنية أو اللقب :” ولكن هذا التحديد أيضا، إذ كل ” علي” يكنى بأبي الحسن في العرف، وكثير من الناس يلقبون بـ” سيف الله”. ومع ذلك، فإن الكنية واللقب يضيقان من ماصدقية اسم العلم، وإذا ماقبلنا اعتبارهما كوصفين محددين، فإنهما-إذاً- خطوة أولى للتفرقة بين أسماء الأعلام.”
أما المقصود بالأوصاف المحددة، فتتمثل في التحليل بالمقومات السيميائية الجوهرية (صفات ثابتة ملاصقة بجنس الإنسان)، والمقومات العرضية (وقد تصبح جوهرية مثل الكنية واللقب…) وأعراض ( مايفرق بين إنسان وآخر) .
ويعني هذا أن الوصف قد يصبح معيار سيميائيا للتسمية ، وقد يساهم في تسهيل قراءة النص، وتحقيق تشاكله واتساقه وانسجامه النصي والذهني والافتراضي.
4- الضمائر: غالبا ما نجد الضمائر تكلما وخطابا وغيبة تعوض أسماء الأعلام، وتحيل عليها وصلا وتكرارا، ولاسيما في النصوص الروائية الجديدة التي تتميز بالانزياح والتجريب وتكسير النمط الكلاسيكي، فتحضر الضمائر بكثرة إلى درجة المبالغة والغموض والإسهاب.
كما تدل تلك الضمائر على اندماج الشخصية في الزمان والمكان ، وخاصة إذا كان الضمير شخصيا، مثل: ضمير المتكلم في علاقته بضمير المخاطب، أو قد يحيل على شخصيات غير مندمجة ولا متجذرة في الزمان والمكان، ولاسيما إذا كان الضمير غير شخصي، مثل: ضمير الغياب (هو- Il -He – El…) والضمير المجهول في اللغة الفرنسية:(On) مثل: On marche
5- العـــنونة: وقد يتخذ الاسم الشخصي بنية عنوانية للعمل الأدبي، تضيء دلالاته، وتوضح مقاصده، وتبرز أبعاده الاجتماعية والإيديولوجية، مثل رواية ” زينب” لمحمد حسين هيكل، و” سارة” للعقاد، و” إبراهيم” لإبراهيم عبد القادر المازني… بيد أن هذا لا يعني:” أن النص مدلول خالص لدال هو العنوان، بل إن ترابط العنوان بالنص هنا ترابط دلالي يتيحه الاستعمال الأدبي الخصوصي للاسم عامة، ولاسم العلم خاصة. وقولنا بأن العنوان اسم شخصي للنص يدخل في باب التناظر في الوظيفة لا أكثر.”
وهكذا، فالعنوان يساعد بشكل من الأشكال على تأكيد التسمية، وتبئيرها لسانيا ودلاليا وتداوليا، فيغرسها في ذهن المتلقي بشكل دائم ومستمر. لذا، فلقد تلبست مجموعة من الروايات العربية والأجنبية على حد سواء بأسماء علمية شخصية دالة ومشهورة مثل رواية:” مدام بوفاري” لفلوبير.
6- الاستعـــارة: هناك الكثير من الأسماء العلمية التي ترتكن إلى توظيف الاستعارة تصويرا وتشبيها وتجسيدا وأنسنة وتكنية وإحالة . أي إن تلك الأسماء الشخصية تتجاوز بعدها التقريري الحرفي إلى أبعاد مجازية واستعارية، وذلك من خلال التلاعب بأصوات الأسماء الشخصية تنغيما وإيقاعا، وتطويع صيغها الصرفية لمقاصد خاصة وعامة، وأهداف مباشرة وغير مباشرة. و من هنا، فتوجد مجموعة من الأسماء العلمية الاستعارية في الروايات البوليسية وروايات المغامرات والمطاردة.
7- الإيحـــاء: يتجاوز اسم العلم الشخصي في كثير من الأحيان طابع التعيين والتقرير، لينتقل بعد ذلك إلى مرتبة التضمين والإيحاء. ويعني هذا أن الاسم الشخصي ، ولاسيما في الخطاب الروائي ، نص دلالي رمزي قائم على تعدد الإيحاءات، ورمزية المقاصد الوظيفية. ومن هنا، يؤكد جان مولينو J.Molino :” الطبيعة التداولية الجوهرية لوظيفة اسم العلم، وإمكانيته في الانفتاح الدائم نحو الإيحاء بدلالات لامتناهية؛ ذلك أن الاسم الشخصي، لا يمتلك أصليا أية حمولة دلالية، كما أن لعبة الإيحاءات فوق الرمزية، والمحيطة بالرمزي، والتي تكون متحررة من أي عائق، تمكن الاسم العلم من وظيفة فريدة من نوعها.”
والمقصود من كل هذا أن اسم العلم الشخصي كلما تم تركيبه في الرواية على أساس إيحائي وانزياحي كان هو الأفضل، بدلا من توظيف اسم علم شخصي حرفي وتقريري. وبالتالي، تغدو دلالاته محددة مسبقا، ومسيجة بتأويلات معينة، لا تترك الفرصة أمام المتلقي ليستخدم عقله وقدراته الافتراضية من أجل التأويل والاستكشاف، واستنطاق العلامات السيمائية للتسمية المعطاة.
7- القنــاع: يتحول اسم العلم في كثير من الأحيان ، ولاسيما في السرد والمسرح، إلى قناع رمزي وأيقوني للتعبير عن مجموعة من الدلالات السياقية والذهنية التي يبنيها القارئ أو المتلقي أو الراصد، وذلك من خلال تتبع مسار ذلك القناع ، بنية استكناه دلالاته، واستكشاف وظائفه ، ورصد مقاصده المباشرة وغير المباشرة. ويعني هذا أن اسم الشخصية عبارة عن قناع أو تطابق لنفسية الذات التي تلبس ذلك العلم المحدد والمميز لعوالمها الداخلية والخارجية. ومن ثم، فليس” فقط وصف الأشياء، أو ما يعرض أمام البصر- حسب الشكلاني الروسي توماشفسكي – هو ما يمكن أن يستعمل كقناع، بل كل وصف آخر، وحتى اسم البطل يمكن أن تكون له هذه الوظيفة. في هذا الصدد تتجلى تقاليد الأسماء- الأقنعة الخاصة بالكوميديا كأمثلة لها أهمية.”
ومن هنا، نستنتج بأن التسمية العلمية الشخصية قد تتحول إلى أقنعة رمزية وعلامات سيميائية دالة ومعبرة عن مدلولاتها المنتشرة فوق مساحة النص أو الخطاب الإبداعي أو الروائي.
8- النسبــة المكانيــة: كثير من الأسماء العلمية تخضع للتسمية المكانية، فينسب الاسم الشخصي إلى ذلك المكان، أو إلى إقامة ولادته ونشأته. أي:إن الأسماء في هذه الحالة خاضعة للتوزيع المكاني كالحلبي، والبغدادي، والجزائري، والتونسي، والقاهري، والتطواني، والطنجاوي، والبيضاوي،” وكلها تحيل على المنطقة أو المدينة التي تنتسب إليها الشخصية. وهذا النمط من الأسماء يلغي الأسماء الشخصية، ويحل محلها في الوظيفة والدلالة، ويمكن أن نعثر ضمنه على تنويعات كثيرة بحسب الأوضاع المختلفة التي يأتي عليها في الروايات. ويصنف هامون تلك الأسماء التي ينشئها الكاتب بالوسائل الاشتقاقية المعتادة ، مما يجعل القارئ يتعرف بسهولة على العناصر المكونة لها.”
وعليه، فهذه التسمية المكانية ذات طابع جغرافي وطيبوغرافي موقعي، تحدد بيئة المبدع أو الشخصية المحورية في النص ، وذلك عن طريق رصد ملامحها النفسية والأخلاقية والاجتماعية ، وتبيئتها دلاليا وسيميولوجيا وقيميا وتداوليا.
9- اللقـــب : يقصد به ما يدل على ذات معينة مشخصة بمدح أو ذم بشكل صريح ، مثل بسام- الرشيد- جميلة- السفاح- صخر- عرجاء…). وغالبا ما يوظف المبدع أو الروائي مجموعة من الألقاب المستهجنة أو المستحسنة لوصف الشخصيات تمجيدا أو تعييرا، و تعظيما أو تقبيحا. ومن المعروف أن تلك الألقاب غالبا ما تشتق وتوظف اعتمادا على أفعال الشخصيات، وطبيعة مواصفاتها الجسدية والنفسية والأخلاقية، و اعتمادا أيضا على أفعالها السردية ، وبناء كذلك على أدوارها الاجتماعية والقيمية.
10- الكنيـــة: من المعروف أن اسم الكنية يتصدر بألفاظ القرابة(أب- أم- ابن- بنت- أخ- أخت- عم- عمة- خال- خالة…)، ولكن في صيغة تركيب إضافي مثل: ابن عبد الله، وبنت عبد الرحمن، وابن خلدون… وتدل الكنية على مسمى الشخصية، وتدل معه على المدح والذم كاللقب، ولكن من طريق التعريض، لا من طريق التصريح؛ لأن المتكلم حين يكنى عن شخص فيقول عنه: ” أبو علي” مثلا أو ” أم هانئ” ولا يصرح بالاسم أو باللقب، فإنما يرمي من وراء ذلك إلى تعظيمه أو تحقيره بعدم ذكر اسمه .
وعليه، فالكنية هي الدلالة على مسمى معين ، وذلك عن طريق توظيف ألفاظ القرابة بواسطة التركيب الإضافي ، ويراد به إما التعيين ، وإما المدح وإما الذم.
11- التشخيص : يقوم اسم العلم بدور هام في مجال التشخيص الوصفي والبلاغي تصويرا وخرقا وانزياحا، وذلك عن طريق تقديم التشبيهات والاستعارات والمجازات مدحا وذما. ومن هنا، فقد ركز المبدعون والروائيون على توظيف أسماء علمية شخصية إيحائية واستعارية وكنائية موجزة أو موسعة، وذلك لتقوم بوظيفة التشخيص الوصفي والبلاغي.
12- التعريـــف: لا أحد ينكر أهمية اسم العلم في التعيين والتسمية والتخصيص والتعريف بالفرد ، و إبراز هوية الشخصية السردية أو القصصية أو الروائية، وتبيان طبيعتها الوظائفية داخل المسار السردي ، و تصوير حالتها وجوهرها الوجودي . وغالبا ما يكون التعريف بالاسم والكنية واللقب والوصف والتعريض والتشخيص.
13- التفريـــد: من المعروف أن اسم العلم يفرد الشخصية، ويميزها عن باقي الشخصيات الأخرى التي يتفاعل معها الراوي أو السارد إخبارا وسردا وحكيا. وهذا ما يثبته السيميائيون كذلك حينما يعترفون بأن اسم العلم يحدد هوية الفاعل التيماتيكي، ويفرده عن باقي العوامل المجردة الكونية ضمن المخيال البشري، بينما الفاعل يتحدد باسم العلم الذي يبرزه اجتماعيا وثقافيا وسياسيا ودينيا واقتصاديا. وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد الداهي:” تتشكل الشخصية تدريجيا من الإشارات الصورية المتراكمة، ولا تتوضح معالمها وصورتها الكاملة إلا في الصفحة الأخيرة، وذلك بواسطة عملية التذكر التي يقوم بها القارئ. ويمكن أن يحل محل هذه العملية ذات الطابع النفسي الوصف التحليلي للشخوص(قراءتها بمعنى الفعل السيميائي) الذي يجب أن يسعف على استخلاص التمظهرات الخطابية التي يتشكل منها، واختزالها في الأدوار الموضوعاتية التي يضطلع بها. ويكمن المحتوى الدلالي للفاعل في مقوم التفريد الذي يظهره كصورة مستقلة للعالم السيميائي، ويتخذ أشكالا متعددة، نذكر منها كونه موسوما باسم علم ، وقادرا على إنجاز دور موضوعاتي، ومتميزا بمحتوى دلالي.”
ويعني هذا أن الشخصية في الحقيقة تتحدد بثلاثة مقومات أساسية ، وهي: الدور الموضوعاتي، واسم العلم، والمحتويات الدلالية والقضوية. وبالتالي، فلابد من مراعاتها أثناء التحليل السيميائي للنص الأدبي بصفة عامة، والنص الروائي بصفة خاصة.
أنـــواع أسمــاء العلـــم:
يمكن الحديث عن أنواع عدة من أسماء الأعلام الشخصية التي ترد في النصوص والخطابات الإبداعية والروائية، ونذكر منها: الأسماء الدينية(إسماعيل- إدريس- سليمان- محمد- إبراهيم- عيسى…)، والأسماء الاجتماعية(الأستاذ- الخماس- الفنان- الحلاق- العسكري- المعلم التدلاوي- والفقيه الرافعي- …)، والأسماء التاريخية (تيمور- أبو عنان- صلاح الدين الأيوبي- هارون الرشيد…)، والأسماء الأسطورية (بدر زمانه- شهراموش- شهريار- شهرزاد- سندباد…)، والأسماء المجازية(العرجاء- سارة- بهية- سلام- سلمى-…)، والأسماء المكانية ( التطواني، والبغدادي، والحلبي، والقاهري…)، والأسماء الطبيعية ( ياسمين- وقمر- وشمس- وضحى…)، والأسماء المحورة(كريمو- فيطونة- أحمامدو- حسين- حسنين- سوسو- فيفي…)، والأسماء السياسية (جمال عبد الناصر- أنور السادات- كينيدي- خروتشوف…)، والأسماء الفكرية ( سارتر- الفارابي-ابن رشد- نيتشه- شوبنهاور- بروطابوراس…)، والأسماء الصوفية والمناقبية ( ابن العربي- ابن سبعين- الحلاج- الحسن البصري- ابن مشيش…)، والأسماء الأدبية والفنية ( المتنبي-أم كلثوم- فريد الأطرش- محمد عبد الوهاب- صلاح السعدني- أحمد شوقي… )،والأسماء الفانطاستيكية(الدمكمك- الجنية- العملاق- العفريت-إبليس- الشيطان…) ، والضمائر الإحالية (أنا- أنت- هو- هي..) ، وأسماء الكنية (عبد الرحمن بن خلدون- بنت البتول- سعيد بن سعيد…)، واللقب(سالم- رشيد- بهية- يسري…)، والأسماء الموصوفة ( محمد بوراسين- بومعزة- العجوز-بوطاجين…)، والأسماء السيميائية من حروف وأصوات وأرقام وأشكال وعلامات بصرية وأيقونية(صفر وأربعة لدى الكاتبة السعودية رجاء عالم في روايتها:”أربعة/ صفر” …)، والأسماء الأمازيغية ( بامو- طامو- يوبا- حمو- غنو-… )، والأسماء الغربية والأجنبية ( ماري- مارية- يوليوس- مادلين- مورينو…)…
وتحضر هذه الأسماء العلمية بشكل من الأشكال داخل السرود الروائية. ومن ثم، فهي تحمل في طياتها دلالات سياقية وذهنية وافتراضية. وبالتالي، فلابد من استقرائها واستكشافها داخل النص تفكيكا وتركيبا وتصنيفا وتحليلا وتأويلا.
مقـــاربات اســم العلــم:
من المعروف أن ثمة مجموعة من المقاربات والمناهج التي حاولت رصد اسم العلم بالتعريف والتحليل والدرس والمناقشة والتفكيك والتركيب، ويمكن حصرها في المقاربة النحوية، والمقاربة المنطقية، والمقاربة القانونية، والمقاربة الشرعية، والمقاربة الاجتماعية، والمقاربة اللسانية، والمقاربة الأسلوبية، والمقاربة البنيوية السيميائية… وإليكم مجمل هذه المقاربات بنوع من الاختصار والاقتضاب والإيجاز:
1- المقاربــــة النحويـــة:
خصص النحاة العرب لاسم العلم منذ سيبويه إلى يومنا هذا بابا نحويا للتعريف به في اللغة والاصطلاح، فقسموه إلى علم شخص وعلم جنس، وقسموه باعتبار اللفظ إلى مفرد ومركب، وقسموه أيضا باعتبار أصالته في العلمية وعدم أصالته إلى مرتجل ومنقول، وقسموه كذلك باعتبار دلالته على معنى زائد على العلمية أو عدم دلالته إلى اسم وكنية ولقب. ويقول ابن مالك في ألفيته :
ومنه منقـــول: كفضــل وأســـد
وذو ارتجال: كسعــــــاد وأدد
وجملــــــة، ومابمــــزج ركــبا
ذا إن بغيــر ” ويه” تـــم أعربا
وشاع في الأعلام ذو الإضافه
كعبــــــــد شمس وأبي قحافه
وقد قد يكون العلم اسم شخص، أو اسم حيوان، أو اسم مكان، أو اسم شيء. وعلم الشخص هو اللفظ الذي يدل على تعيين مسماه تعيينا مطلقا كأفراد الناس، مثل: علي، وسمير، وشريف، ونبيلة… وغيرهم من أفراد الأجناس التي لها عقل وقدرة على الفهم كالملائكة والجن، مثل: جبريل، وإبليس. وسمي بالعلم الشخصي؛لأن مدلوله في الغالب شيء مشخص ومجسم ومحسوس ومتميز. ومن وظائف العلم الشخصي: التعيين، والتسمية، والتخصيص، والتحديد، والتفريد. والعلم مقصور على مسماه، وشارة خاصة به، وهي وافية في الدلالة عليه وحده.
2- المقـــاربة القـــانونية:
يرى المقترب القانوني أن شخصية الإنسان تتميز بخصائص تميزه عن غيره، وهي:
1- الاسم الذي يتعرف به على ذاته.
2- الحالة التي تحدد مركزه بالنسبة إلى الدولة، وبالنسبة إلى الأسرة، وبالنسبة إلى الدين.
3- الموطن الذي يمكن معه التعرف على محل إقامته.
4- الأهلية التي بموجبها يستطيع مباشرة نشاطه الإداري.
5- الذمة المالية التي تتكون من مجموعة أمواله ومجموع ديونه، حيث تعتبر جميع أمواله ضامنة للوفاء بجميع حقوق دائنيه.
وهكذا، فالشخص في المقاربة القانونية هو الذي يحمل علما شخصيا يميزه عن غيره تفريدا وتخصيصا وقانونا وحقا. لذلك، غالبا ما نرى ذلك الاسم الشخصي الحرفي غير كاف، فيلتجئ القانون إلى إرداف ذلك الاسم الشخصي بالكنية واللقب أو الاسم العائليPrénom )).
هذا، ويتكون اسم العلم في المشرق العربي من الاسم الشخصي والكنية واللقب، أو يتبع الاسم في مصر باسم الأب واسم الجد. أما في المغرب، فقد جرت العادة، باستعمال الاسم الشخصي، مضافا إلى اسم الأب، ويضاف إليه غالبا نسبة إلى مدينة أو قرية أو قبيلة، كقولنا : محمد بن علي الوجدي، وإبراهيم بن أحمد التمسماني، إلخ…خصوصا عندما يستقر الشخص في مكان غير مكان أصله، فتبقى تلك النسبة بمثابة اسم عائلي .
وإذا كان القانون قد أوجب على كل شخص أن يحمل اسما عائليا إلى جانب اسمه الشخصي، وتكفل بحماية هذا الاسم، فإنه بالمقابل اشترط أن يكون هذا الاسم صالحا؛ لأن يتخذ اسما عائليا . بيد أن المشرع المغربي منع مجموعة من الأسماء الأمازيغية ؛ لكونها تعبر عن رغبات وطموحات إثنية وسياسية وإيديولوجية ؛ وذلك لكونها لاتتلاءم مع أهداف السلطة المغربية التي فرضت على مواطنيها أسماء معينة لا يمكن الخروج عنها بأي حال من الأحوال.
وهكذا، فالاسم الشخصي هو الذي يحدد الحالة العائلية، و يحدد هوية الشخص الوطنية والجنسية، ويكسبه حق التصرف القانوني والإداري والمالي ، وإن حق الإنسان في اسمه كحقه في شخصيته، ليس حقا ماليا، بل هو من الحقوق اللاصقة بشخص الإنسان كحق الحرية الشخصية وحرية الرأي والعقيدة…إلخ.
ويترتب على ذلك أنه لايجوز للشخص أن يتصرف في اسمه، أو يتنازل عنه لغيره بعوض أو بدون عوض ، ولا يسقط الاسم أصلا بعدم الاستعمال ولو طالت مدة تركه إياه .
ويلاحظ في الدول الغربية أن اسم العائلة هو الذي يستعمل كثيرا في المعاملات القانونية، وهي عادة ورثوها عن الرومان، بعكس الحالة في الدول الشرقية، فإن الاسم الشخصي هو السائد في المعاملات، مع إضافة اسم الأب والجد عند اللزوم .
ومن هنا، يتضح لنا بأن المقاربة القانونية قد نصت على أهمية اسم العلم بالنسبة للشخص باعتباره رمزا قانونيا لوجوده وكينونته وأس وجوده، وأساس جنسيته ومواطنته. وبالتالي، فقد استفادت الرواية العربية من المقاربة القانونية في استثمار البعد التشريعي والحقوقي في توظيف أسماء الشخصيات بشكل من الأشكال.
3- المقاربـــة الشرعيـــة:
إذا انطلقنا من المقترب الديني أو الشرعي، فإن الله تعالى كرم الإنسان أيما تكريم، وخلقه في أحسن صورة وتقويم، وميزه عن باقي الكائنات بالعقل والهداية، وجعل لكل شخص اسما يميزه عن غيره من البشر، وذلك ابتداء من أبينا آدم وأمنا حواء.
هذا، ولقد تناولت الشريعة الإسلامية مسألة الألقاب، فحرمت المناداة بالألقاب التي فيها سخرية وتنقيص وازدراء واحتقار للإنسان مصداقا لقوله تعالى:” يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولانساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم، ولاتنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان.”
كما ركزت الشريعة الإسلامية كثيرا على مسألة اختيار الاسم الشخصي، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:” أحب الأسماء إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة.”
ويصح التسمية بأسماء الملائكة والأنبياء كطه، ويس. وقال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزى، وعبد هبل، وعبد عمر، وعبد الكعبة، حاشا عبد المطلب .
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التسمي بالأسماء الآتية: يسار، ورباح، ونجيح، وأفلح؛ لأن ذلك ربما يكون وسيلة من وسائل التشاؤم. ففي حديث سمرة أن النبي (ص) قال:” لاتسم غلامك يسارا ولارباحا ولانجيحا ولا أفلح، فإنك تقول: أثم هو- فلا يكون- فيقول: لا” (رواه مسلم).
وهكذا، يتبين لنا بكل جلاء ووضوح أن المقاربة الدينية قد تعاملت مع أسماء العلم الشخصية من الوجهة الشرعية، فحددت مجموعة من الشروط والأحكام والمقومات الأخلاقية التي تراعى في اختيار الأسماء الصالحة والمفيدة للإنسان. ومن ثم، فكثير من النصوص الروائية العربية الكلاسيكية قد وظفت شخصيات ذات مسميات دينية كعبد الرحمن، ومحمد، وإدريس، وعائشة، وخديجة، وزينب، وحسين، وعلي…
4- المقاربـــة الاجتماعيــة:
يلاحظ على المستوى الاجتماعي أن الأسماء العلمية الشخصية بمثابة أقنعة اجتماعية، وعلامات مرجعية سوسيوثقافية، تعبر عن مهن ووظائف وأدوار اجتماعية، وتعكس أوضاعا سوسيولوجية معينة، بل قد تحمل في طياتها ما يدل على التفاوت الطبقي في المجتمع الواحد. فمعظم الأسماء التي : ” يخلعها الكتاب المغاربة مثلا على شخصياتهم الروائية تكون، كما في معتاد الحياة الواقعية مأخوذة من بين أسماء الرسل والأولياء وأبطال الإسلام” .
ومن ثم، فهذه الأسماء تؤكد التراتب الاجتماعي والديني، ولعل من أهم:” الوظائف التي تؤديها تلك الأسماء والألقاب إلى جانب دورها في تحديد شخص بعينه من بين أشخاص آخرين يشاركونه نفس الاسم الشخصي، هي أن بعضها قد يضفي على الشخص أو يؤكد فيه سمة معينة، وبعضها يحدد المكانة الاجتماعية التي يحتلها الشخص. وهي بذلك تؤدي دورا هاما في تحديد الطريقة التي يمكن أن يتعامل بها هذا الشخص، وما ينبغي أن يراعيه الآخرون في سلوكهم وتصرفاتهم إزاءه.”
ومن هنا، فالرواية العربية قد وظفت مجموعة من الأسماء العلمية الشخصية المحددة بالأدوار والوظائف الاجتماعية، والتي تساعد المتلقي على استنطاق دلالاتها، وتشخيص وضعية الشخصية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومعرفة أثر المجتمع بحال من الأحوال على هذه الشخصية سلبا أو إيجابا.
5- المقاربــــة المنطقيـــة:
اهتم المناطقة كثيرا باسم العلم ، وربطوه ربطا جدليا بالمرجع والحقيقة الصورية والواقعية، فكان شغلهم الشاغل هو التركيز على مناقشة إشكالية معنى اسم العلم، والأوصاف المحددة، والمرجعية… وكان هناك من المناطقة من ربط دلالات الأسماء بالمرجع والنظرية الوصفية ككوتلوب فريجه Gottlob Frege، وبرتراند راسل B.Russel، وبيرس Peirce…
ومن أهم الدراسات المنطقية في هذا المجال، نذكر: كتاب:” منطق أسماء الأعلام” لصول كريبك Saul Kripke ، وكتاب:” مشاكل المرجع: الأوصاف المحددة وأسماء الأعلام” لجورج كليبر George Kleiber ، و” أسماء الأعلام” لسورل J.S.Searle …
وثمة نظريات عديدة في مجال المنطق والدلالة التي تتعامل مع أسماء الأعلام ، وذلك من خلال ربط مسمياتها وحقائقها الدلالية بمراجعها الواقعية حقيقة وصدقا وكذبا وتخييلا .
6- المقاربـــة الأسلوبيــة:
هناك من الدارسين من اهتم بدراسة اسم العلم على ضوء المقاربة الأسلوبية كما فعل لورانس بوكول Laurence Bougault في كتابه:”المقاربة الأسلوبية لأسماء الأعلام في ” التماعات” ريمبو Rimbaud”…
وتستند هذه المقاربة إلى الاستعانة بأدوات البلاغة واللسانيات والأسلوبية في تحليل أسماء الأعلام الشخصية، كالانطلاق من ثنائية التعيين والتضمين، وثنائية التقرير والإيحاء، وثنائية القاعدة والانزياح، وثنائية الدال والمدلول، وثنائية اللغة والكلام، وثنائية المشابهة والمجاورة، وثنائية الاستبدال والتأليف. كما تعمد هذه المقاربة إلى ربط أسماء الأعلام الشخصية بمساراتها التصويرية والمعجمية والنحوية والبلاغية والتداولية. بالإضافة إلى رصد الأساليب الإنشائية، والتعابير المجازية، والعبارات المسكوكة، والبحث عن بنياتها وتراكيبها ودلالاتها ومقاصدها المباشرة وغير المباشرة.
7- المقــاربة البنيوية والسيميائية:
يرى البنيويون اللسانيون والسيميائيون بأن اسم العلم عبارة عن علامة سيميائية ذات دلالة ، وإحالة مرجعية ، وقد يكون هذا الاسم – إذا استعرنا مفاهيم شارل بيرس CH.Peirce – بمثابة رمز اتفاقي أو اعتباطي ، أو إشارة تضمينية أو إيحائية أو تعريضية، أو قد يكون أيقونا ، وذلك إذا اتخذ هذا الاسم طابعا بصريا أو كاليغرافيا أو طباعيا… ويتم تقديم الشخصية وتعيينها داخل النص من خلال دال لامتواصل، والذي يتمثل في مجموعة متناثرة من الإشارات والسمات والخصائص التي تميز الشخصية من الداخل والخارج.
هذا، وهناك مجموعة من الباحثين والدارسين الذين درسوا اسم العلم إما على ضوء مقاربات بنيوية لسانية شكلانية، وإما على ضوء مناهج سيميائية ودلالية ، ونستدعي في هذا الصدد: جان مولينو J.Molino ، وفرانسوا ريكاناتي Recanati ، وكريماص Greimas، وفيليب هامون PH.Hamon، ورولان بارتBarthes ، وكلود ليفي شتروسStrauss ، وتودوروف Todorov …
فإذا انتقلنا مثلا إلى المقاربة السيميوطيقة السردية، فكريماص Greimas لا يميز بين أسماء الأعلام التي تحضر في المتن السردي كعوامل منجزةActants ))، وذلك أثناء الحديث عنها ضمن البنية العاملية (المرسل والمرسل إليه، والذات والموضوع، والمساعد والمعاكس) ؛ لأن هذه الأسماء الشخصية ترد داخل السرود والبرامج الحكائية بمثابة بنيات مجردة عامة وكونية تحدد المخيال الإبداعي البشري. ولكن هذه الأسماء تصبح ذات خصوصية فردية متميزة، وذات هوية ثقافية واجتماعية ونفسية واقتصادية أثناء الحديث عنها باعتبارها فاعلا Acteur)). ويعني هذا أن الشخصية السردية تتفرد كينونة ووجودا، وتتشخص ملامحها الفيزيقية والنفسية والأخلاقية ، وتتميز بنيويا ودلاليا ورؤيويا داخل الحكاية أو القصة المسرودة بواسطة اسم العلم.
ويعني هذا أن الشخصية الروائية بصفة خاصة أو السردية بصفة عامة تتبين داخل المسار القصصي بواسطة اسم العلم، وبواسطة الوحدات التصويرية المعجمية، وأيضا عن طريق الوصف وعملية التذكر والاسترجاع. ويقول كريماص في هذا الصدد:” إن شخصية الرواية، مع افتراض إدراجها حاملة لاسم علم مثلا، تبنى تدريجيا من خلال مجموعة من الوحدات التصويرية المتوالية والمبثوثة على مستوى النص، ولا تتخذ صورتها المكتملة إلا في الصفحة الأخيرة، بفضل التذكر الذي ينجزه القارئ. ويمكن أن يحل محل هذا التذكر، بصفته ظاهرة سيكولوجية، الوصف التحليلي للنص(قراءته بمعنى الفعل السيميوطيقي) الذي يسمح بتحديد التصويرات الخطابية التي يتكون منها وباختزالها إلى الأدوار التيماتيكية التي ينجزها.”
ويلاحظ أن الممثل عند كريماص يمكن أن ينجز دورا عامليا(المستوى السردي التركيبي النحوي) ودورا تيماتيكيا(المستوى الدلالي والخطابي):”فالممثل هو فضاء لقاء واتصال بين البنيات السردية والبنيات الخطابية، بين المكون النحوي والمكون الدلالي، لأنه ينجز في ذات الوقت، على الأقل، دورا عامليا ودورا تيماتيكيا، وهما دوران يحددان قدرته وحدود فعله أو حدود كينونته”.
والمقصود من هذا أن الممثل له دور مزدوج: دور عاملي، و: ” يمكن أن ينجز دورا تيماتيكيا ، وهو دور يتميز ببعده الدلالي ، لأنه يصدر عن البنيات التركيبية للنحو السردي. فإذا كانت الأدوار العاملية، محددة في المقولات العاملية الثلاث، تمثل، نظريا، كليات المتخيل البشري، فإن الأدوار التيماتيكية ترتبط بالمجموعات البشرية وبنياتها السوسيوثقافية، فهي مرتبطة بالبنية الرمزية التي تسنن الممارسات والإنجازات السوسيوثقافية داخل المجتمع.”
ومن هنا، فالممثل حسب كريماص هو بمثابة وحدة معجمية تصويرية تتشكل عن طريق المقومات الجوهرية والعرضية ، كما أنه قابل للتفريد باسم العلم، وقادر على إنجاز دور أو مجموعة من الأدوار. وفي هذا النطاق يقول كريماص:” إذا خصصنا للممثل نظامه باعتباره وحدة معجمية منتمية للخطاب، مع تحديد الحد الأدنى من المحتوى الدلالي الخاص، والقائم على حضور المقومات:
أ- وحدة تصويرية (مؤنسنة أو غير ذلك)، أو حاملة لمقوم :+حيوان؛
ب- حي؛
ج- قابل للتفريد (محقق في حالة بعض نصوص المحكي، خاصية الأدبية، بالحصول على اسم علم)،
يتبدى لنا بأن هذا الممثل يكون قادرا على إنجاز دور أو مجموعة من الأدوار…”
ومن جهة أخرى، يتناول فيليب هامون PH.Hamon اسم العلم في كتابه:”سيميولوجية الشخصيات الرواية” ، ويعتبرها علامة سيميائية تتحدد دلالاتها ومقاصدها عبر السياقات النصية والذهنية ، وذلك ضمن علاقات نصية بنيوية تفاعلية قائمة على التقابل والاختلاف والاستبدال. ويقوم اسم العلم بدور تمييزي للشخصية داخل المسار السردي والحكائي:” ففي حكاية ما تقارن الشخصية بكلمة نصادفها في وثيقة ولكنها غائبة في القاموس، أو باسم علم، أي حد محروم من أي سياق…إنه سند لكون حكائي يحلل كثنائيات تقابلية، متألفة بشكل متنوع داخل كل شيء، هذه الشخصية تشبه فونيما ، كما تصوره جاكبسون، أي شبكة من العناصر الاختلافية.”
ويرى فيليب هامون أن دال الشخصية الرئيس هو اسم العلم ؛ لأن اسم العلم يكشف لنا سمات الشخصية ومقوماتها الدلالية والسيميولوجية، ويحقق لنا تشاكل النص الدلالي، ويضفي على النص وظيفة الاتساق والانسجام، ويسهل مأمورية القراءة والتلقي. ومن هنا، فتقديم الشخصية:” وتعيينها على خشبة النص يتم من خلال دال لامتواصل، أي مجموعة متناثرة من الإشارات التي يمكن تسميتها بالسمات. إن الخصائص العامة لهذه السمات تحدد في جزء هام منها، بالاختيارات الجمالية للكاتب. فقد يقتصر المنولوج الغنائي أو السيرة الذاتية على جذر منسجم ومحدود من الناحية النحوية (أنا، لي، ني مثلا). أما في حكاية مروية بضمير الغائب، فإن السمة ستركز على اسم العلم بعلاماته الطبوغرافية المميزة وحرف البداية، ويتميز بتواتره(إشارات متواترة إلى حد ما) ، بسكونيته، وبغناه(سمة واسعة إلى حد ما)، بدرجة تعليله… إن التواتر مضافا إليه سكونية اسم العلم أو بدائله يعد عنصرا هاما في انسجام مقروئية النص.”
ومن هنا، فالضمائر الإحالية ( أنا-أنت- هو) التي تعوض الأسماء العلمية حسب فيليب هامون بمثابة سمات منسجمة ، ولكنها فقيرة دلاليا ونصيا، ولايمكن بشكل من الأشكال أن تعوض سمات اسم العلم الغنية والمنسجمة لسانيا. ويضيف هامون بأن اسم العلم بمثابة مورفيم أو مونيم فارغ دلاليا، أو عبارة عن بياض دلالي يتم ملؤه داخل النص عن طريق التعريفات، والتعويض، والبورتريه، والوصف، وتشغيل السمات الدلالية والمقومات السيميولوجية، وتشغيل البدائل المختلفة، وتنويع الضمائر . ويساعد اسم العلم على تفادي الإبهام أو الغموض أو الالتباس الذي يمكن يسببه أن الضمير الشخصي أو غير الشخصي (on).، كما يمكن تجنب تكرار اسم العلم عن طريق استعمال الصفات والسمات الدلالية، واستخدام التلميح والإيحاء والتعريض.
هذا، وترتكز مقاربة الشخصية الروائية عند فيليب هامون على رصد ثنائية الدال والمدلول، مع تفكيك الرواية ، باعتبارها نصا أدبيا تخييليا وافتراضيا، إلى مقاطع نصية ، وذلك عبر مجموعة من المعايير السيميائية ، وتصنيفها تصنيفا بنيويا وشكلانيا، مع تقليص عددها ما أمكن ، وذلك لتسهيل عملية التحليل والقراءة والدراسة.
وبعد ذلك، يتم التركيز على دال الشخصية، وذلك من خلال استكشاف سمات الشخصية الوصفية، وتبيان التسمية العلمية، وتحديد عمليات التشخيص الفني. أما على مستوى المدلول، فيتم التركيز على الوظائف والأدوار العاملية والتيماتيكية للشخصية، مع تحديد بعض العناصر السيميولوجية كما حددها فيليب هامون كالثروة، والأصل الجغرافي، والجنس، والسن، والإيديولوجيا.
وظـــائف اســم العلـــم :
يحمل اسم العلم في طياته داخل السياق النصي أو الخطابي أو في معزل عنه مجموعة من الوظائف التي يمكن حصرها في الوظيفة التقريرية التعيينية، والوظيفة التضمينية الإيحائية، والوظيفة الأيقونية البصرية،ويمكن أن نستعين أيضا بالوظائف الأخرى التي حددها رومان جاكبسون R.Jackobson كالوظيفة الانفعالية، والوظيفة التأثيرية، والوظيفة المرجعية، والوظيفة الحفاظية، والوظيفة الجمالية، والوظيفة اللغوية. علاوة على وظيفة التشاكل الدلالي، وتحقيق الاتساق والانسجام، وتسهيل مأمورية القراءة والتلقي أثناء تفكيك النص وتركيبه.
وعليه، فالشخصية تتخذ من خلال اسمها دلالات ووظائف اجتماعية وإيديولوجية، وتعبر عن وضعية طبقية معينة، لأن اسم الشخصية عموما:” إيحاء من شأنه إنارة جانب في القصة، وأحيانا قد يلمح إلى تطابق مع الوضعية النفسية أو الاجتماعية أو الفكرية لهذه الشخصية، بدليل كون الطبقة الراقية في الحضر تختار أسماء معينة خلافا لأهل الأرياف المتمسكين بأسماء الأجداد والأسماء التاريخية.
أيضا للاسم غنى في دلالاته، فقد يكون مبعث ذكرى أو رمزا عند الكاتب بالذات.ثم هو يفصح عن جنس الشخصية (ذكر- أنثى)، وموطنها (عربية- أفريقية…)، ومعتقدها الديني، إلى غير ذلك من دلالات أخرى غير محصورة.”
وهكذا، فالروائي وهو يعمد جاهدا إلى اختيار أسماء شخصياته إنما يفعل ذلك لإثارة المتلقي، أو تخييب أفق انتظاره، أو مخاطبة عقله وذهنه وذكائه، ليتقبل عالم الشخصية، ويتعرف أدوارها السردية، ويستوعب وظائفها العاملية والتيماتيكية والكلامية ، وذلك عبر امتدادات الرواية، وحسب إيقاعها السريع أو البطيء.
فالرواية الواقعية الكلاسيكية مثلا كانت توظف أسماء علمية شخوصية ومكانية ذات طبيعة مرجعية واقعية لتوحي بأثر الواقع، وتوهم المتلقي بصدق المرجع النصي، وإمكانية التأكد منه، أي كانت لها وظيفة مرجعية في توظيفها لأسماء العلم التاريخية و
الدكتور جميل حمداوي
توطئـــة:
أثار اسم العلم بصفة عامة، والاسم الشخصي بصفة خاصة، الكثير من النقاشات قديما وحديثا ، ولاسيما في مجال المنطق ، والفلسفة، وفقه اللغة، والقانون، والشريعة، والأنتروبولوجيا، واللسانيات، والشعرية، والنقد الأدبي … وظهرت مجموعة من البحوث والدراسات التي تتناول اسم العلم بالدرس والتحليل والتمحيص، مستعملة في ذلك مختلف المناهج والمقاربات، بغية استجماع المعطيات والمعلومات حول اسم العلم: بنية ودلالة ووظيفة. ومازالت الدراسات إلى يومنا هذا جارية ومستمرة في هذا المجال العويص، وذلك بسبب النتائج النسبية التي توصل إليها الباحثون عبر مختلف الأزمنة والأمكنة، ورغبتهم الملحة في تجريب مناهج أكثر حداثة وعصرنة لتشريح اسم العلم تفكيكا وتركيبا، والإحاطة به فهما وتفسيرا. وقد صدق فيليب هامون PH.Hamon حينما قال:” إن قضية أسماء العلم كانت فرصة لمناقشات لاتنتهي ما بين المناطقة من جهة، واللسانيين من جهة أخرى.”
ومن المعروف أن اسم العلم قد يطلق على شخص أو مكان أو حيوان أو شيء، ولكننا سنحصره في هذه الدراسة فيما ما يطلق على الشخص من تسميات وتعيينات وإحالات وضمائر. ومن ثم، نبعد الأسماء العلمية الدالة على الأمكنة والحيوانات والأشياء.
إذاٌ، كيف تعامل الدارسون والمبدعون العرب والأجانب مع اسم العلم الشخصي؟ وماهي أهم المناهج والمقاربات التي شغلوها للإحاطة باسم العلم دالا ومدلولا ومقصدية؟ وماهي أهم التصورات السيميائية حول اسم العلم الشخصي في مجال الرواية؟ تلكم هي أهم الأسئلة التي سوف ننكب عليها في بحثنا هذا.
مفهـــوم اســم العلــم:
ثمة تعاريف عديدة لاسم العلم، فهو في اللغة بمعنى العلامة، والوسم، والعلم، والرسم، والجبل، والأثر، والراية . أما في التعريف الاصطلاحي، فالعلم هو الاسم الذي يعين مسماه مطلقا. وقد يدل على اسم شخص، أو اسم حيوان، أو اسم مكان، أو اسم شيء. ويقول ابن مالك في ألفيته بصدد حديثه عن اسم العلم :
اسم يعيــن المسمى مطلقا علمــــه كجعفر وخرنقــا
وقرن، وعدن، ولاحـــــق وشذقم، وهيلة، وواشـق
وغالبا ما يتكون اسم العلم الشخصي من الاسم، واللقب، والكنية ( محمد بن عبد الرحمن مثلا). وبالتالي، فهو الذي يحدد هوية الإنسان أو الكائن البشري، و يبرز طبيعته الشخصية. وبعد ذلك، يعين مرتكزاتها الأنطولوجية والقانونية والشرعية، فيحدد سماتها ومواصفاتها ومكوناتها الخلقية (بضم الخاء) والخلقية(بكسر الخاء)، ثم يجلي كينونتها داخل المنظومة الواقعية والحضارية. كما يشكل اسم العلم ، حسب كلود ليفي شتروس C. L. Strauss، استعارة للشخص . ويرى رولان بارت R.Barthes بأن اسم العلم، إذا جاز التعبير، أمير الدوال، إيحاءاته غنية، إنها اجتماعية ورمزية .
هذا، ويتمثل مفهوم اسم العلم الشخصي في مجال الرواية بأنه تعيين للفرد، و خلق تطابق بين اسمه و حالاته النفسية والوصفية والاجتماعية، بل هو قناع إشاري ورمزي وأيقوني، يدل على عوالم الشخصية الداخلية والخارجية. ” وفي الجملة، فإن معظم المحللين والبنيويين للخطاب الروائي قد أصروا على أهمية إرفاق الشخصية باسم يميزها، فيعطيها بعدها الدلالي الخاص. وتعليل ذلك عندهم أن الشخصيات لابد أن تحمل اسما، وأن هذا الأخير هو ميزتها الأولى؛ لأن الاسم هو الذي يعين الشخصية، ويحدد طبيعتها، ويبين جوهرها، ويجعلها معروفة وفردية. وقد يرد الاسم الشخصي مصحوبا بلقب يميزه عن الآخرين الذين يشتركون معه في الاسم نفسه، كما يزيد في تحديد التراتب الاجتماعي للشخصية الذي تخبرنا عنه المعلومات حول الثروة أو درجة الفقر. بل إن المعلومات التي يقدمها الروائي عن المظهر الخارجي للشخصية وعن لباسها وطبائعها وحتى عن آرائها تأتي كلها لتدعم تلك الوحدة التي يؤشر عليها الاسم الشخصي، بحيث تشكل معها شبكة من المعلومات تتكامل مع بعضها، وتقود القارئ في قراءته للرواية”.
والمقصود من هذا أن اسم العلم الشخصي يعكس بشكل دلالي ومرئي الشخصية الروائية بكل أبعادها الدلالية والاجتماعية والفردية؛ لأن ثمة تطابقا منطقيا ومرجعيا بين الشخصية واسم العلم. وقد آن الأوان كما يقول أيان وات Watt لكي يدرس النقاد والباحثون:” الطريقة الخاصة التي يعلن بها الروائي عن قصده تقديم شخصية ما على أنها فرد معين، وذلك بتسمية الشخصية بالطريقة ذاتها التي يسمى بها الأفراد في الحياة الاعتيادية.”
وعلى العموم، فاسم العلم الشخصي هو المحرك الديناميكي للشخصية الروائية؛ لأنه هو الذي يكسبها تفردا وتميزا وتعيينا وتخصيصا. وبالتالي، يساعدها على الظهور والبروز ، وذلك ضمن المسار السردي القائم على تعاقب وتوالي البرامج السيميائية التي تقوم بها العوامل والفواعل النصية أثناء صراعها الكارثي من أجل تحصيل الموضوع المرغوب فيه.
اســم العلــم بين الاعتباطية والقصدية:
قد تكون العلاقة بين اسم العلم (الدال)ومسماه (المدلول) علاقة اعتباطية أو اتفاقية أو اصطلاحية كما يذهب إلى ذلك فرديناند دوسوسيرF.D.Saussure، وقد تكون العلاقة طبيعية بين الدال والمدلول كما ذهب إلى ذلك أفلاطون Platon قديما، أو علاقة علية وسببية واصطناعية مقترنة بقصدية ما كما عند إميل بنيفيست E.Benivinste. ويرى الدكتور محمد مفتاح أن هناك من كان يدافع عن القصدية أو الاعتباطية منذ القديم إلى الآن. فهناك التيار الكراتيلي(نسبة إلى Cratyle) الذي كان يدافع عن وجود علاقة طبيعية بين الأسماء والأشياء التي تعنيها. وصاغ هذا التيار قولا شهيرا:” من تعرف على الأسماء تعرف على الأشياء”، وقد ألفت كتب عديدة لإثبات صحة هذا الرأي طوال قرون عديدة ، حتى إنه في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ظهرت بحوث تدعي وجود علاقة بين أصوات اسم العلم وبين خصائصه الجسدية والنفسية، ولكن أهم رجة أصابت هذا الاتجاه، وزحزحته عن مكانه هي التيار البنيوي القائل باعتباطية اللغة. وهناك التيار الديمقراطي (Démocrite) الذي كان يقول بالاعتباطية والاصطلاحية، وهناك تيار وسط، وله ممثلون عديدون ذكر أسماءهم ” جان مولينو/ Molino” و”تامين / Tamine” في كتابهما:”مدخل إلى التحليل اللساني للشعر” ، ويرى هذا التيار أن طبيعة تلفظ بعض الأصوات(كالأمامية الانفتاحية والشفوية) مرتبطة بالأشكال، وأن دلالة بعض الأصوات تعتمد على شكلها في البصر .
وإذا كان البنيويون واللسانيون والمناطقة يرون أن علاقة الاسم بمسماه علاقة اعتباطية غير مقصودة ، فإن كثيرا من الأنتروبولوجيين والشعريين يرون في المقابل أن أسماء الأعلام والشخوص والأمكنة ، ولاسيما في النصوص الشعرية والخطابات الإبداعية، لها دلالات مقصودة معللة بوظائفها ومقاصدها حسب السياق النصي والذهني.
هذا، وتخضع أسماء الأعلام في مجال الرواية بدورها لثنائية الاعتباطية والمقصدية، فهناك من الروائيين من يستعمل اسم الشخصية بطريقة اعتباطية غير معللة، ولكن هناك من يشغلها بطريقة مقصودة ، يريد بها دلالات معينة. وفي هذا الصدد يقول الباحث المغربي حسن بحراوي:”يسعى الروائي وهو يضع الأسماء لشخصياته أن تكون مناسبة ومنسجمة بحيث تحقق للنص مقروئيته، وللشخصية احتماليتها ووجودها. ومن هنا، مصدر ذلك التنوع والاختلاف الذي يطبع أسماء الشخصيات الروائية. وهذه المقصدية التي تضبط اختيار المؤلف لاسم الشخصية ليست دائما من دون خلفية نظرية، كما أنها لاتنفي القاعدة اللسانية حول اعتباطية العلامة، فالاسم الشخصي علامة لغوية بامتياز. وإذاً، فهو يتحدد بكونه اعتباطيا، إلا أننا نعلم أيضا أن درجة اعتباطية علامة ما أو درجة مقصديتها يمكن أن تكون متغايرة ومتفاوتة. ولذلك، فمن المهم أن نبحث في الحوافز التي تتحكم في المؤلف، وهو يخلع الأسماء على شخصياته.”
ويعني هذا أن توظيف الأسماء العلمية لتحديد هوية الشخصيات، وتبيان أنماطها السلوكية ، وتعيين مواطنها ونسبها ولقبها، ليس ذلك عملا اعتباطيا دائما، بل قد يهدف الروائي من وراء اختيار الأسماء الإحالة على دلالات وأبعاد ومقاصد ، وذلك لإثارة المتلقي واستفزازه، وتأزيم الأحداث، أو تحريكها حسب سمات الشخصيات، وتفعيلها بشكل كارثي على ضوء علاماتها الفيزيولوجية، وانفعالاتها السيكولوجية، سواء أكانت شعورية أم لاشعورية . ومن هنا، فاسم الشخصية يشكل :” دلالة إضافية لا تخلو من أهمية في تتميم صورة الشخصية. والمفترض أن تكون هناك خلفية لاسم البطل وأسماء الشخصيات المساعدة. أولا، لأن تسمية الشخوص ضرورية، إذا ما تعددت في النص القصصي الواحد. وثانيا، لأن تسمية شخصية باسم خاص تشكل العنصر الأبسط من التمييز كما يقول توماشفسكي. وثالثا، لأن التسمية جزئية بنائية كباقي الجزئيات المؤلفة للشخصية. فاختيار اسم لشخصية، وإطلاق لقب على أخرى، ليس منطلقه الفلكلورية، وإنما الفنية، وما فيها من ضرورة، تلزم أن يكون الاختيار مؤسسا على فهم كامل للعمل القصصي وطبيعته.”
ويلاحظ كذلك أن الروائي حر في توظيف هذه القصدية وتعليلها، وليس مجبرا على قواعد معينة، فهو حر في الاختيار والتعيين والاستبدال والتسمية. ومن ثم، فبإمكانه أثناء وضع أسماء شخصية لأبطاله أن يطلق:”عليهم ألقابا مهنية (الأستاذ- المقدم- الخماس..)، أو يعينهم بألفاظ القرابة( الأب- العم- الجد -إلخ…)، كما يكون في وسعه كذلك أن يسميهم نسبة إلى مواطن إقامتهم (التدلاوي- التطواني- الحسناوي…)، بل إننا نجده في بعض الأحيان يطلق عليهم أسماء صفات أو عاهات تميزهم أو تجعلهم مختلفين عن غيرهم(العرجاء- الأبله- بوراسين- إلخ…)، أو يضع لهم أسماء مجازية أبعد ما تكون في الدلالة عليهم. وأخيرا، فهو ربما استعاض عن تلك الوسائل جميعها باستعمال الضمائر النحوية المختلفة، وتوظيفها للدلالة على الشخصيات في الرواية” .
ومن جهة أخرى، يشير فيليب هامون Ph.Hamon في هذا الصدد إلى الهم الهوسي الذي:”يحمله جل الروائيين في عملية اختيار أسماء أو ألقاب لشخصياتهم، أحلام بروست حول لقب غيرمانت Guermantes أو لقب المناطق الإيطالية أو البريطانية، ولقد جرب زولا قبل أن يتوقف عند روغان أو ماكار مجموعة كبيرة من أسماء العلم مختبرا تباعا، الترخيم، والإيقاع، والمجموعات المقطعية أو مجموعات الحركات أو الصوامت”. كما يورد رونيه ويليك R.Wellek وأوستين وارين A.Warren في كتابهما: ” نظرية الرواية” ببليوغرافية شاملة للدراسات المقامة حول تسمية الشخصيات في مؤلفات ديكنز، وهنري جيمس، وبلزاك، وغوغول .
وهكذا، يتبين لنا بأن المبدعين والروائيين غالبا ما يوظفون أسماء شخصياتهم الروائية، وذلك بعد تفكير وأناة وروية واختبار وتمحيص ودراسة، بغية تحقيق أهداف فنية وجمالية وتعبيرية وإيديولوجية. وبالتالي، لم تكن تلك الأسماء بشكل من الأشكال اعتباطية ومجانية، بل كانت تتحكم فيها متطلبات فنية وسياقية وأهداف تداولية معينة، ينبغي للقارئ أن يستكشفها من وراء الأسطر ، ويستجليها عبر خبايا الخطاب المضمرة وغير المعلنة.
الآليات السيميائية للتسمية العلميـــة الشخصية:
ثمة مجموعة من الآليات التي تستعمل في بناء الأسماء العلمية الشخصية وتركيبها، ويمكن الإشارة إلى الآليات التالية:
1- الإحالــــة: من المعلوم أن أسماء الأعلام تحمل في طياتها حمولات ثقافية ، وتتضمن خلفية معرفية وإحالية واسعة بمثابة مستنسخات تناصية في شتى المجالات والتخصصات. ومن ثم، تحمل أسماء الأعلام:”تداعيات معقدة تربطها بقصص تاريخية أو أسطورية، وتشير قليلا أو كثيرا إلى أبطال وأماكن تنتمي إلى ثقافات متباعدة في الزمان وفي المكان.”
ويعني هذا أن أسماء العلم الشخصية قد تحضر داخل النصوص والخطابات، وهي محملة بالإرث الثقافي في شكل علامات مرجعية ورموز نصية وسيميائية ، تستوجب من المتلقي أثناء التعامل معها أن ينطلق من خلفية معرفية مزودة بمعلومات مسبقة لتحقيق اتساق النص وانسجامه كما هو الحال أثناء التعامل مع روايات الكاتبة السعودية المتميزة: رجاء عالم.
2- الاشتقـــاق: من المعروف أن توليد أسماء الأعلام الشخصية لا يتم إلا عن طريق الاشتقاق بكل أنواعه، وقد يتحقق هذا الاشتقاق صوتيا وإيقاعيا وصرفيا وتركيبيا ودلاليا وبلاغيا. وقد يخضع هذا الاشتقاق لثنائية التعيين والتضمين، أو ثنائية التقرير والإيحاء ، أو ثنائية القاعدة والانزياح. ومن هنا، فقد اشتقت مجموعة من الأسماء العلمية الشخصية من اللغة الراقية أو الشعبية نقلا وارتجالا، أو استمدت من اللغة البدائية أو اللغة المتحضرة نهلا ونحتا وتركيبا وتوليدا، وذلك باعتبارها أصواتا رمزية لمدلولات معينة، وعلامات تحمل في طياتها دلالات قصدية أو علية. أي انتقلت هذه الأسماء العلمية عبر الاشتقاق من الاعتباطية الاصطلاحية إلى القصدية والرمزية الذاتية.
ويتبين لنا من كل هذا أن الاشتقاق له دور كبير في قصدية الأعلام وتوسيعها اطرادا وتكثيفا واستخداما. وغالبا ما يتم الاشتقاق الصرفي بتطويع الجذر والسوابق واللواحق، ومراعاة التصغير والتوليد والتصحيف والتضعيف والتحوير، وذلك أثناء وضع أسماء الأعلام الشخصية، وتوظيفها في النصوص الإبداعية…
3- الوصـــف: تعمل الأوصاف المحددة بشكل جوهري في فرز علم من علم آخر، ويعني هذا أن لدينا أسماء أشخاص كثيرين متشابهة ، مثل: مصطفى أو علي أو حسن، فما الذي يفرق بين هذا وذاك، فهنا نلتجئ إما إلى الكنية أو اللقب :” ولكن هذا التحديد أيضا، إذ كل ” علي” يكنى بأبي الحسن في العرف، وكثير من الناس يلقبون بـ” سيف الله”. ومع ذلك، فإن الكنية واللقب يضيقان من ماصدقية اسم العلم، وإذا ماقبلنا اعتبارهما كوصفين محددين، فإنهما-إذاً- خطوة أولى للتفرقة بين أسماء الأعلام.”
أما المقصود بالأوصاف المحددة، فتتمثل في التحليل بالمقومات السيميائية الجوهرية (صفات ثابتة ملاصقة بجنس الإنسان)، والمقومات العرضية (وقد تصبح جوهرية مثل الكنية واللقب…) وأعراض ( مايفرق بين إنسان وآخر) .
ويعني هذا أن الوصف قد يصبح معيار سيميائيا للتسمية ، وقد يساهم في تسهيل قراءة النص، وتحقيق تشاكله واتساقه وانسجامه النصي والذهني والافتراضي.
4- الضمائر: غالبا ما نجد الضمائر تكلما وخطابا وغيبة تعوض أسماء الأعلام، وتحيل عليها وصلا وتكرارا، ولاسيما في النصوص الروائية الجديدة التي تتميز بالانزياح والتجريب وتكسير النمط الكلاسيكي، فتحضر الضمائر بكثرة إلى درجة المبالغة والغموض والإسهاب.
كما تدل تلك الضمائر على اندماج الشخصية في الزمان والمكان ، وخاصة إذا كان الضمير شخصيا، مثل: ضمير المتكلم في علاقته بضمير المخاطب، أو قد يحيل على شخصيات غير مندمجة ولا متجذرة في الزمان والمكان، ولاسيما إذا كان الضمير غير شخصي، مثل: ضمير الغياب (هو- Il -He – El…) والضمير المجهول في اللغة الفرنسية:(On) مثل: On marche
5- العـــنونة: وقد يتخذ الاسم الشخصي بنية عنوانية للعمل الأدبي، تضيء دلالاته، وتوضح مقاصده، وتبرز أبعاده الاجتماعية والإيديولوجية، مثل رواية ” زينب” لمحمد حسين هيكل، و” سارة” للعقاد، و” إبراهيم” لإبراهيم عبد القادر المازني… بيد أن هذا لا يعني:” أن النص مدلول خالص لدال هو العنوان، بل إن ترابط العنوان بالنص هنا ترابط دلالي يتيحه الاستعمال الأدبي الخصوصي للاسم عامة، ولاسم العلم خاصة. وقولنا بأن العنوان اسم شخصي للنص يدخل في باب التناظر في الوظيفة لا أكثر.”
وهكذا، فالعنوان يساعد بشكل من الأشكال على تأكيد التسمية، وتبئيرها لسانيا ودلاليا وتداوليا، فيغرسها في ذهن المتلقي بشكل دائم ومستمر. لذا، فلقد تلبست مجموعة من الروايات العربية والأجنبية على حد سواء بأسماء علمية شخصية دالة ومشهورة مثل رواية:” مدام بوفاري” لفلوبير.
6- الاستعـــارة: هناك الكثير من الأسماء العلمية التي ترتكن إلى توظيف الاستعارة تصويرا وتشبيها وتجسيدا وأنسنة وتكنية وإحالة . أي إن تلك الأسماء الشخصية تتجاوز بعدها التقريري الحرفي إلى أبعاد مجازية واستعارية، وذلك من خلال التلاعب بأصوات الأسماء الشخصية تنغيما وإيقاعا، وتطويع صيغها الصرفية لمقاصد خاصة وعامة، وأهداف مباشرة وغير مباشرة. و من هنا، فتوجد مجموعة من الأسماء العلمية الاستعارية في الروايات البوليسية وروايات المغامرات والمطاردة.
7- الإيحـــاء: يتجاوز اسم العلم الشخصي في كثير من الأحيان طابع التعيين والتقرير، لينتقل بعد ذلك إلى مرتبة التضمين والإيحاء. ويعني هذا أن الاسم الشخصي ، ولاسيما في الخطاب الروائي ، نص دلالي رمزي قائم على تعدد الإيحاءات، ورمزية المقاصد الوظيفية. ومن هنا، يؤكد جان مولينو J.Molino :” الطبيعة التداولية الجوهرية لوظيفة اسم العلم، وإمكانيته في الانفتاح الدائم نحو الإيحاء بدلالات لامتناهية؛ ذلك أن الاسم الشخصي، لا يمتلك أصليا أية حمولة دلالية، كما أن لعبة الإيحاءات فوق الرمزية، والمحيطة بالرمزي، والتي تكون متحررة من أي عائق، تمكن الاسم العلم من وظيفة فريدة من نوعها.”
والمقصود من كل هذا أن اسم العلم الشخصي كلما تم تركيبه في الرواية على أساس إيحائي وانزياحي كان هو الأفضل، بدلا من توظيف اسم علم شخصي حرفي وتقريري. وبالتالي، تغدو دلالاته محددة مسبقا، ومسيجة بتأويلات معينة، لا تترك الفرصة أمام المتلقي ليستخدم عقله وقدراته الافتراضية من أجل التأويل والاستكشاف، واستنطاق العلامات السيمائية للتسمية المعطاة.
7- القنــاع: يتحول اسم العلم في كثير من الأحيان ، ولاسيما في السرد والمسرح، إلى قناع رمزي وأيقوني للتعبير عن مجموعة من الدلالات السياقية والذهنية التي يبنيها القارئ أو المتلقي أو الراصد، وذلك من خلال تتبع مسار ذلك القناع ، بنية استكناه دلالاته، واستكشاف وظائفه ، ورصد مقاصده المباشرة وغير المباشرة. ويعني هذا أن اسم الشخصية عبارة عن قناع أو تطابق لنفسية الذات التي تلبس ذلك العلم المحدد والمميز لعوالمها الداخلية والخارجية. ومن ثم، فليس” فقط وصف الأشياء، أو ما يعرض أمام البصر- حسب الشكلاني الروسي توماشفسكي – هو ما يمكن أن يستعمل كقناع، بل كل وصف آخر، وحتى اسم البطل يمكن أن تكون له هذه الوظيفة. في هذا الصدد تتجلى تقاليد الأسماء- الأقنعة الخاصة بالكوميديا كأمثلة لها أهمية.”
ومن هنا، نستنتج بأن التسمية العلمية الشخصية قد تتحول إلى أقنعة رمزية وعلامات سيميائية دالة ومعبرة عن مدلولاتها المنتشرة فوق مساحة النص أو الخطاب الإبداعي أو الروائي.
8- النسبــة المكانيــة: كثير من الأسماء العلمية تخضع للتسمية المكانية، فينسب الاسم الشخصي إلى ذلك المكان، أو إلى إقامة ولادته ونشأته. أي:إن الأسماء في هذه الحالة خاضعة للتوزيع المكاني كالحلبي، والبغدادي، والجزائري، والتونسي، والقاهري، والتطواني، والطنجاوي، والبيضاوي،” وكلها تحيل على المنطقة أو المدينة التي تنتسب إليها الشخصية. وهذا النمط من الأسماء يلغي الأسماء الشخصية، ويحل محلها في الوظيفة والدلالة، ويمكن أن نعثر ضمنه على تنويعات كثيرة بحسب الأوضاع المختلفة التي يأتي عليها في الروايات. ويصنف هامون تلك الأسماء التي ينشئها الكاتب بالوسائل الاشتقاقية المعتادة ، مما يجعل القارئ يتعرف بسهولة على العناصر المكونة لها.”
وعليه، فهذه التسمية المكانية ذات طابع جغرافي وطيبوغرافي موقعي، تحدد بيئة المبدع أو الشخصية المحورية في النص ، وذلك عن طريق رصد ملامحها النفسية والأخلاقية والاجتماعية ، وتبيئتها دلاليا وسيميولوجيا وقيميا وتداوليا.
9- اللقـــب : يقصد به ما يدل على ذات معينة مشخصة بمدح أو ذم بشكل صريح ، مثل بسام- الرشيد- جميلة- السفاح- صخر- عرجاء…). وغالبا ما يوظف المبدع أو الروائي مجموعة من الألقاب المستهجنة أو المستحسنة لوصف الشخصيات تمجيدا أو تعييرا، و تعظيما أو تقبيحا. ومن المعروف أن تلك الألقاب غالبا ما تشتق وتوظف اعتمادا على أفعال الشخصيات، وطبيعة مواصفاتها الجسدية والنفسية والأخلاقية، و اعتمادا أيضا على أفعالها السردية ، وبناء كذلك على أدوارها الاجتماعية والقيمية.
10- الكنيـــة: من المعروف أن اسم الكنية يتصدر بألفاظ القرابة(أب- أم- ابن- بنت- أخ- أخت- عم- عمة- خال- خالة…)، ولكن في صيغة تركيب إضافي مثل: ابن عبد الله، وبنت عبد الرحمن، وابن خلدون… وتدل الكنية على مسمى الشخصية، وتدل معه على المدح والذم كاللقب، ولكن من طريق التعريض، لا من طريق التصريح؛ لأن المتكلم حين يكنى عن شخص فيقول عنه: ” أبو علي” مثلا أو ” أم هانئ” ولا يصرح بالاسم أو باللقب، فإنما يرمي من وراء ذلك إلى تعظيمه أو تحقيره بعدم ذكر اسمه .
وعليه، فالكنية هي الدلالة على مسمى معين ، وذلك عن طريق توظيف ألفاظ القرابة بواسطة التركيب الإضافي ، ويراد به إما التعيين ، وإما المدح وإما الذم.
11- التشخيص : يقوم اسم العلم بدور هام في مجال التشخيص الوصفي والبلاغي تصويرا وخرقا وانزياحا، وذلك عن طريق تقديم التشبيهات والاستعارات والمجازات مدحا وذما. ومن هنا، فقد ركز المبدعون والروائيون على توظيف أسماء علمية شخصية إيحائية واستعارية وكنائية موجزة أو موسعة، وذلك لتقوم بوظيفة التشخيص الوصفي والبلاغي.
12- التعريـــف: لا أحد ينكر أهمية اسم العلم في التعيين والتسمية والتخصيص والتعريف بالفرد ، و إبراز هوية الشخصية السردية أو القصصية أو الروائية، وتبيان طبيعتها الوظائفية داخل المسار السردي ، و تصوير حالتها وجوهرها الوجودي . وغالبا ما يكون التعريف بالاسم والكنية واللقب والوصف والتعريض والتشخيص.
13- التفريـــد: من المعروف أن اسم العلم يفرد الشخصية، ويميزها عن باقي الشخصيات الأخرى التي يتفاعل معها الراوي أو السارد إخبارا وسردا وحكيا. وهذا ما يثبته السيميائيون كذلك حينما يعترفون بأن اسم العلم يحدد هوية الفاعل التيماتيكي، ويفرده عن باقي العوامل المجردة الكونية ضمن المخيال البشري، بينما الفاعل يتحدد باسم العلم الذي يبرزه اجتماعيا وثقافيا وسياسيا ودينيا واقتصاديا. وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد الداهي:” تتشكل الشخصية تدريجيا من الإشارات الصورية المتراكمة، ولا تتوضح معالمها وصورتها الكاملة إلا في الصفحة الأخيرة، وذلك بواسطة عملية التذكر التي يقوم بها القارئ. ويمكن أن يحل محل هذه العملية ذات الطابع النفسي الوصف التحليلي للشخوص(قراءتها بمعنى الفعل السيميائي) الذي يجب أن يسعف على استخلاص التمظهرات الخطابية التي يتشكل منها، واختزالها في الأدوار الموضوعاتية التي يضطلع بها. ويكمن المحتوى الدلالي للفاعل في مقوم التفريد الذي يظهره كصورة مستقلة للعالم السيميائي، ويتخذ أشكالا متعددة، نذكر منها كونه موسوما باسم علم ، وقادرا على إنجاز دور موضوعاتي، ومتميزا بمحتوى دلالي.”
ويعني هذا أن الشخصية في الحقيقة تتحدد بثلاثة مقومات أساسية ، وهي: الدور الموضوعاتي، واسم العلم، والمحتويات الدلالية والقضوية. وبالتالي، فلابد من مراعاتها أثناء التحليل السيميائي للنص الأدبي بصفة عامة، والنص الروائي بصفة خاصة.
أنـــواع أسمــاء العلـــم:
يمكن الحديث عن أنواع عدة من أسماء الأعلام الشخصية التي ترد في النصوص والخطابات الإبداعية والروائية، ونذكر منها: الأسماء الدينية(إسماعيل- إدريس- سليمان- محمد- إبراهيم- عيسى…)، والأسماء الاجتماعية(الأستاذ- الخماس- الفنان- الحلاق- العسكري- المعلم التدلاوي- والفقيه الرافعي- …)، والأسماء التاريخية (تيمور- أبو عنان- صلاح الدين الأيوبي- هارون الرشيد…)، والأسماء الأسطورية (بدر زمانه- شهراموش- شهريار- شهرزاد- سندباد…)، والأسماء المجازية(العرجاء- سارة- بهية- سلام- سلمى-…)، والأسماء المكانية ( التطواني، والبغدادي، والحلبي، والقاهري…)، والأسماء الطبيعية ( ياسمين- وقمر- وشمس- وضحى…)، والأسماء المحورة(كريمو- فيطونة- أحمامدو- حسين- حسنين- سوسو- فيفي…)، والأسماء السياسية (جمال عبد الناصر- أنور السادات- كينيدي- خروتشوف…)، والأسماء الفكرية ( سارتر- الفارابي-ابن رشد- نيتشه- شوبنهاور- بروطابوراس…)، والأسماء الصوفية والمناقبية ( ابن العربي- ابن سبعين- الحلاج- الحسن البصري- ابن مشيش…)، والأسماء الأدبية والفنية ( المتنبي-أم كلثوم- فريد الأطرش- محمد عبد الوهاب- صلاح السعدني- أحمد شوقي… )،والأسماء الفانطاستيكية(الدمكمك- الجنية- العملاق- العفريت-إبليس- الشيطان…) ، والضمائر الإحالية (أنا- أنت- هو- هي..) ، وأسماء الكنية (عبد الرحمن بن خلدون- بنت البتول- سعيد بن سعيد…)، واللقب(سالم- رشيد- بهية- يسري…)، والأسماء الموصوفة ( محمد بوراسين- بومعزة- العجوز-بوطاجين…)، والأسماء السيميائية من حروف وأصوات وأرقام وأشكال وعلامات بصرية وأيقونية(صفر وأربعة لدى الكاتبة السعودية رجاء عالم في روايتها:”أربعة/ صفر” …)، والأسماء الأمازيغية ( بامو- طامو- يوبا- حمو- غنو-… )، والأسماء الغربية والأجنبية ( ماري- مارية- يوليوس- مادلين- مورينو…)…
وتحضر هذه الأسماء العلمية بشكل من الأشكال داخل السرود الروائية. ومن ثم، فهي تحمل في طياتها دلالات سياقية وذهنية وافتراضية. وبالتالي، فلابد من استقرائها واستكشافها داخل النص تفكيكا وتركيبا وتصنيفا وتحليلا وتأويلا.
مقـــاربات اســم العلــم:
من المعروف أن ثمة مجموعة من المقاربات والمناهج التي حاولت رصد اسم العلم بالتعريف والتحليل والدرس والمناقشة والتفكيك والتركيب، ويمكن حصرها في المقاربة النحوية، والمقاربة المنطقية، والمقاربة القانونية، والمقاربة الشرعية، والمقاربة الاجتماعية، والمقاربة اللسانية، والمقاربة الأسلوبية، والمقاربة البنيوية السيميائية… وإليكم مجمل هذه المقاربات بنوع من الاختصار والاقتضاب والإيجاز:
1- المقاربــــة النحويـــة:
خصص النحاة العرب لاسم العلم منذ سيبويه إلى يومنا هذا بابا نحويا للتعريف به في اللغة والاصطلاح، فقسموه إلى علم شخص وعلم جنس، وقسموه باعتبار اللفظ إلى مفرد ومركب، وقسموه أيضا باعتبار أصالته في العلمية وعدم أصالته إلى مرتجل ومنقول، وقسموه كذلك باعتبار دلالته على معنى زائد على العلمية أو عدم دلالته إلى اسم وكنية ولقب. ويقول ابن مالك في ألفيته :
ومنه منقـــول: كفضــل وأســـد
وذو ارتجال: كسعــــــاد وأدد
وجملــــــة، ومابمــــزج ركــبا
ذا إن بغيــر ” ويه” تـــم أعربا
وشاع في الأعلام ذو الإضافه
كعبــــــــد شمس وأبي قحافه
وقد قد يكون العلم اسم شخص، أو اسم حيوان، أو اسم مكان، أو اسم شيء. وعلم الشخص هو اللفظ الذي يدل على تعيين مسماه تعيينا مطلقا كأفراد الناس، مثل: علي، وسمير، وشريف، ونبيلة… وغيرهم من أفراد الأجناس التي لها عقل وقدرة على الفهم كالملائكة والجن، مثل: جبريل، وإبليس. وسمي بالعلم الشخصي؛لأن مدلوله في الغالب شيء مشخص ومجسم ومحسوس ومتميز. ومن وظائف العلم الشخصي: التعيين، والتسمية، والتخصيص، والتحديد، والتفريد. والعلم مقصور على مسماه، وشارة خاصة به، وهي وافية في الدلالة عليه وحده.
2- المقـــاربة القـــانونية:
يرى المقترب القانوني أن شخصية الإنسان تتميز بخصائص تميزه عن غيره، وهي:
1- الاسم الذي يتعرف به على ذاته.
2- الحالة التي تحدد مركزه بالنسبة إلى الدولة، وبالنسبة إلى الأسرة، وبالنسبة إلى الدين.
3- الموطن الذي يمكن معه التعرف على محل إقامته.
4- الأهلية التي بموجبها يستطيع مباشرة نشاطه الإداري.
5- الذمة المالية التي تتكون من مجموعة أمواله ومجموع ديونه، حيث تعتبر جميع أمواله ضامنة للوفاء بجميع حقوق دائنيه.
وهكذا، فالشخص في المقاربة القانونية هو الذي يحمل علما شخصيا يميزه عن غيره تفريدا وتخصيصا وقانونا وحقا. لذلك، غالبا ما نرى ذلك الاسم الشخصي الحرفي غير كاف، فيلتجئ القانون إلى إرداف ذلك الاسم الشخصي بالكنية واللقب أو الاسم العائليPrénom )).
هذا، ويتكون اسم العلم في المشرق العربي من الاسم الشخصي والكنية واللقب، أو يتبع الاسم في مصر باسم الأب واسم الجد. أما في المغرب، فقد جرت العادة، باستعمال الاسم الشخصي، مضافا إلى اسم الأب، ويضاف إليه غالبا نسبة إلى مدينة أو قرية أو قبيلة، كقولنا : محمد بن علي الوجدي، وإبراهيم بن أحمد التمسماني، إلخ…خصوصا عندما يستقر الشخص في مكان غير مكان أصله، فتبقى تلك النسبة بمثابة اسم عائلي .
وإذا كان القانون قد أوجب على كل شخص أن يحمل اسما عائليا إلى جانب اسمه الشخصي، وتكفل بحماية هذا الاسم، فإنه بالمقابل اشترط أن يكون هذا الاسم صالحا؛ لأن يتخذ اسما عائليا . بيد أن المشرع المغربي منع مجموعة من الأسماء الأمازيغية ؛ لكونها تعبر عن رغبات وطموحات إثنية وسياسية وإيديولوجية ؛ وذلك لكونها لاتتلاءم مع أهداف السلطة المغربية التي فرضت على مواطنيها أسماء معينة لا يمكن الخروج عنها بأي حال من الأحوال.
وهكذا، فالاسم الشخصي هو الذي يحدد الحالة العائلية، و يحدد هوية الشخص الوطنية والجنسية، ويكسبه حق التصرف القانوني والإداري والمالي ، وإن حق الإنسان في اسمه كحقه في شخصيته، ليس حقا ماليا، بل هو من الحقوق اللاصقة بشخص الإنسان كحق الحرية الشخصية وحرية الرأي والعقيدة…إلخ.
ويترتب على ذلك أنه لايجوز للشخص أن يتصرف في اسمه، أو يتنازل عنه لغيره بعوض أو بدون عوض ، ولا يسقط الاسم أصلا بعدم الاستعمال ولو طالت مدة تركه إياه .
ويلاحظ في الدول الغربية أن اسم العائلة هو الذي يستعمل كثيرا في المعاملات القانونية، وهي عادة ورثوها عن الرومان، بعكس الحالة في الدول الشرقية، فإن الاسم الشخصي هو السائد في المعاملات، مع إضافة اسم الأب والجد عند اللزوم .
ومن هنا، يتضح لنا بأن المقاربة القانونية قد نصت على أهمية اسم العلم بالنسبة للشخص باعتباره رمزا قانونيا لوجوده وكينونته وأس وجوده، وأساس جنسيته ومواطنته. وبالتالي، فقد استفادت الرواية العربية من المقاربة القانونية في استثمار البعد التشريعي والحقوقي في توظيف أسماء الشخصيات بشكل من الأشكال.
3- المقاربـــة الشرعيـــة:
إذا انطلقنا من المقترب الديني أو الشرعي، فإن الله تعالى كرم الإنسان أيما تكريم، وخلقه في أحسن صورة وتقويم، وميزه عن باقي الكائنات بالعقل والهداية، وجعل لكل شخص اسما يميزه عن غيره من البشر، وذلك ابتداء من أبينا آدم وأمنا حواء.
هذا، ولقد تناولت الشريعة الإسلامية مسألة الألقاب، فحرمت المناداة بالألقاب التي فيها سخرية وتنقيص وازدراء واحتقار للإنسان مصداقا لقوله تعالى:” يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولانساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم، ولاتنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان.”
كما ركزت الشريعة الإسلامية كثيرا على مسألة اختيار الاسم الشخصي، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:” أحب الأسماء إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة.”
ويصح التسمية بأسماء الملائكة والأنبياء كطه، ويس. وقال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزى، وعبد هبل، وعبد عمر، وعبد الكعبة، حاشا عبد المطلب .
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التسمي بالأسماء الآتية: يسار، ورباح، ونجيح، وأفلح؛ لأن ذلك ربما يكون وسيلة من وسائل التشاؤم. ففي حديث سمرة أن النبي (ص) قال:” لاتسم غلامك يسارا ولارباحا ولانجيحا ولا أفلح، فإنك تقول: أثم هو- فلا يكون- فيقول: لا” (رواه مسلم).
وهكذا، يتبين لنا بكل جلاء ووضوح أن المقاربة الدينية قد تعاملت مع أسماء العلم الشخصية من الوجهة الشرعية، فحددت مجموعة من الشروط والأحكام والمقومات الأخلاقية التي تراعى في اختيار الأسماء الصالحة والمفيدة للإنسان. ومن ثم، فكثير من النصوص الروائية العربية الكلاسيكية قد وظفت شخصيات ذات مسميات دينية كعبد الرحمن، ومحمد، وإدريس، وعائشة، وخديجة، وزينب، وحسين، وعلي…
4- المقاربـــة الاجتماعيــة:
يلاحظ على المستوى الاجتماعي أن الأسماء العلمية الشخصية بمثابة أقنعة اجتماعية، وعلامات مرجعية سوسيوثقافية، تعبر عن مهن ووظائف وأدوار اجتماعية، وتعكس أوضاعا سوسيولوجية معينة، بل قد تحمل في طياتها ما يدل على التفاوت الطبقي في المجتمع الواحد. فمعظم الأسماء التي : ” يخلعها الكتاب المغاربة مثلا على شخصياتهم الروائية تكون، كما في معتاد الحياة الواقعية مأخوذة من بين أسماء الرسل والأولياء وأبطال الإسلام” .
ومن ثم، فهذه الأسماء تؤكد التراتب الاجتماعي والديني، ولعل من أهم:” الوظائف التي تؤديها تلك الأسماء والألقاب إلى جانب دورها في تحديد شخص بعينه من بين أشخاص آخرين يشاركونه نفس الاسم الشخصي، هي أن بعضها قد يضفي على الشخص أو يؤكد فيه سمة معينة، وبعضها يحدد المكانة الاجتماعية التي يحتلها الشخص. وهي بذلك تؤدي دورا هاما في تحديد الطريقة التي يمكن أن يتعامل بها هذا الشخص، وما ينبغي أن يراعيه الآخرون في سلوكهم وتصرفاتهم إزاءه.”
ومن هنا، فالرواية العربية قد وظفت مجموعة من الأسماء العلمية الشخصية المحددة بالأدوار والوظائف الاجتماعية، والتي تساعد المتلقي على استنطاق دلالاتها، وتشخيص وضعية الشخصية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومعرفة أثر المجتمع بحال من الأحوال على هذه الشخصية سلبا أو إيجابا.
5- المقاربــــة المنطقيـــة:
اهتم المناطقة كثيرا باسم العلم ، وربطوه ربطا جدليا بالمرجع والحقيقة الصورية والواقعية، فكان شغلهم الشاغل هو التركيز على مناقشة إشكالية معنى اسم العلم، والأوصاف المحددة، والمرجعية… وكان هناك من المناطقة من ربط دلالات الأسماء بالمرجع والنظرية الوصفية ككوتلوب فريجه Gottlob Frege، وبرتراند راسل B.Russel، وبيرس Peirce…
ومن أهم الدراسات المنطقية في هذا المجال، نذكر: كتاب:” منطق أسماء الأعلام” لصول كريبك Saul Kripke ، وكتاب:” مشاكل المرجع: الأوصاف المحددة وأسماء الأعلام” لجورج كليبر George Kleiber ، و” أسماء الأعلام” لسورل J.S.Searle …
وثمة نظريات عديدة في مجال المنطق والدلالة التي تتعامل مع أسماء الأعلام ، وذلك من خلال ربط مسمياتها وحقائقها الدلالية بمراجعها الواقعية حقيقة وصدقا وكذبا وتخييلا .
6- المقاربـــة الأسلوبيــة:
هناك من الدارسين من اهتم بدراسة اسم العلم على ضوء المقاربة الأسلوبية كما فعل لورانس بوكول Laurence Bougault في كتابه:”المقاربة الأسلوبية لأسماء الأعلام في ” التماعات” ريمبو Rimbaud”…
وتستند هذه المقاربة إلى الاستعانة بأدوات البلاغة واللسانيات والأسلوبية في تحليل أسماء الأعلام الشخصية، كالانطلاق من ثنائية التعيين والتضمين، وثنائية التقرير والإيحاء، وثنائية القاعدة والانزياح، وثنائية الدال والمدلول، وثنائية اللغة والكلام، وثنائية المشابهة والمجاورة، وثنائية الاستبدال والتأليف. كما تعمد هذه المقاربة إلى ربط أسماء الأعلام الشخصية بمساراتها التصويرية والمعجمية والنحوية والبلاغية والتداولية. بالإضافة إلى رصد الأساليب الإنشائية، والتعابير المجازية، والعبارات المسكوكة، والبحث عن بنياتها وتراكيبها ودلالاتها ومقاصدها المباشرة وغير المباشرة.
7- المقــاربة البنيوية والسيميائية:
يرى البنيويون اللسانيون والسيميائيون بأن اسم العلم عبارة عن علامة سيميائية ذات دلالة ، وإحالة مرجعية ، وقد يكون هذا الاسم – إذا استعرنا مفاهيم شارل بيرس CH.Peirce – بمثابة رمز اتفاقي أو اعتباطي ، أو إشارة تضمينية أو إيحائية أو تعريضية، أو قد يكون أيقونا ، وذلك إذا اتخذ هذا الاسم طابعا بصريا أو كاليغرافيا أو طباعيا… ويتم تقديم الشخصية وتعيينها داخل النص من خلال دال لامتواصل، والذي يتمثل في مجموعة متناثرة من الإشارات والسمات والخصائص التي تميز الشخصية من الداخل والخارج.
هذا، وهناك مجموعة من الباحثين والدارسين الذين درسوا اسم العلم إما على ضوء مقاربات بنيوية لسانية شكلانية، وإما على ضوء مناهج سيميائية ودلالية ، ونستدعي في هذا الصدد: جان مولينو J.Molino ، وفرانسوا ريكاناتي Recanati ، وكريماص Greimas، وفيليب هامون PH.Hamon، ورولان بارتBarthes ، وكلود ليفي شتروسStrauss ، وتودوروف Todorov …
فإذا انتقلنا مثلا إلى المقاربة السيميوطيقة السردية، فكريماص Greimas لا يميز بين أسماء الأعلام التي تحضر في المتن السردي كعوامل منجزةActants ))، وذلك أثناء الحديث عنها ضمن البنية العاملية (المرسل والمرسل إليه، والذات والموضوع، والمساعد والمعاكس) ؛ لأن هذه الأسماء الشخصية ترد داخل السرود والبرامج الحكائية بمثابة بنيات مجردة عامة وكونية تحدد المخيال الإبداعي البشري. ولكن هذه الأسماء تصبح ذات خصوصية فردية متميزة، وذات هوية ثقافية واجتماعية ونفسية واقتصادية أثناء الحديث عنها باعتبارها فاعلا Acteur)). ويعني هذا أن الشخصية السردية تتفرد كينونة ووجودا، وتتشخص ملامحها الفيزيقية والنفسية والأخلاقية ، وتتميز بنيويا ودلاليا ورؤيويا داخل الحكاية أو القصة المسرودة بواسطة اسم العلم.
ويعني هذا أن الشخصية الروائية بصفة خاصة أو السردية بصفة عامة تتبين داخل المسار القصصي بواسطة اسم العلم، وبواسطة الوحدات التصويرية المعجمية، وأيضا عن طريق الوصف وعملية التذكر والاسترجاع. ويقول كريماص في هذا الصدد:” إن شخصية الرواية، مع افتراض إدراجها حاملة لاسم علم مثلا، تبنى تدريجيا من خلال مجموعة من الوحدات التصويرية المتوالية والمبثوثة على مستوى النص، ولا تتخذ صورتها المكتملة إلا في الصفحة الأخيرة، بفضل التذكر الذي ينجزه القارئ. ويمكن أن يحل محل هذا التذكر، بصفته ظاهرة سيكولوجية، الوصف التحليلي للنص(قراءته بمعنى الفعل السيميوطيقي) الذي يسمح بتحديد التصويرات الخطابية التي يتكون منها وباختزالها إلى الأدوار التيماتيكية التي ينجزها.”
ويلاحظ أن الممثل عند كريماص يمكن أن ينجز دورا عامليا(المستوى السردي التركيبي النحوي) ودورا تيماتيكيا(المستوى الدلالي والخطابي):”فالممثل هو فضاء لقاء واتصال بين البنيات السردية والبنيات الخطابية، بين المكون النحوي والمكون الدلالي، لأنه ينجز في ذات الوقت، على الأقل، دورا عامليا ودورا تيماتيكيا، وهما دوران يحددان قدرته وحدود فعله أو حدود كينونته”.
والمقصود من هذا أن الممثل له دور مزدوج: دور عاملي، و: ” يمكن أن ينجز دورا تيماتيكيا ، وهو دور يتميز ببعده الدلالي ، لأنه يصدر عن البنيات التركيبية للنحو السردي. فإذا كانت الأدوار العاملية، محددة في المقولات العاملية الثلاث، تمثل، نظريا، كليات المتخيل البشري، فإن الأدوار التيماتيكية ترتبط بالمجموعات البشرية وبنياتها السوسيوثقافية، فهي مرتبطة بالبنية الرمزية التي تسنن الممارسات والإنجازات السوسيوثقافية داخل المجتمع.”
ومن هنا، فالممثل حسب كريماص هو بمثابة وحدة معجمية تصويرية تتشكل عن طريق المقومات الجوهرية والعرضية ، كما أنه قابل للتفريد باسم العلم، وقادر على إنجاز دور أو مجموعة من الأدوار. وفي هذا النطاق يقول كريماص:” إذا خصصنا للممثل نظامه باعتباره وحدة معجمية منتمية للخطاب، مع تحديد الحد الأدنى من المحتوى الدلالي الخاص، والقائم على حضور المقومات:
أ- وحدة تصويرية (مؤنسنة أو غير ذلك)، أو حاملة لمقوم :+حيوان؛
ب- حي؛
ج- قابل للتفريد (محقق في حالة بعض نصوص المحكي، خاصية الأدبية، بالحصول على اسم علم)،
يتبدى لنا بأن هذا الممثل يكون قادرا على إنجاز دور أو مجموعة من الأدوار…”
ومن جهة أخرى، يتناول فيليب هامون PH.Hamon اسم العلم في كتابه:”سيميولوجية الشخصيات الرواية” ، ويعتبرها علامة سيميائية تتحدد دلالاتها ومقاصدها عبر السياقات النصية والذهنية ، وذلك ضمن علاقات نصية بنيوية تفاعلية قائمة على التقابل والاختلاف والاستبدال. ويقوم اسم العلم بدور تمييزي للشخصية داخل المسار السردي والحكائي:” ففي حكاية ما تقارن الشخصية بكلمة نصادفها في وثيقة ولكنها غائبة في القاموس، أو باسم علم، أي حد محروم من أي سياق…إنه سند لكون حكائي يحلل كثنائيات تقابلية، متألفة بشكل متنوع داخل كل شيء، هذه الشخصية تشبه فونيما ، كما تصوره جاكبسون، أي شبكة من العناصر الاختلافية.”
ويرى فيليب هامون أن دال الشخصية الرئيس هو اسم العلم ؛ لأن اسم العلم يكشف لنا سمات الشخصية ومقوماتها الدلالية والسيميولوجية، ويحقق لنا تشاكل النص الدلالي، ويضفي على النص وظيفة الاتساق والانسجام، ويسهل مأمورية القراءة والتلقي. ومن هنا، فتقديم الشخصية:” وتعيينها على خشبة النص يتم من خلال دال لامتواصل، أي مجموعة متناثرة من الإشارات التي يمكن تسميتها بالسمات. إن الخصائص العامة لهذه السمات تحدد في جزء هام منها، بالاختيارات الجمالية للكاتب. فقد يقتصر المنولوج الغنائي أو السيرة الذاتية على جذر منسجم ومحدود من الناحية النحوية (أنا، لي، ني مثلا). أما في حكاية مروية بضمير الغائب، فإن السمة ستركز على اسم العلم بعلاماته الطبوغرافية المميزة وحرف البداية، ويتميز بتواتره(إشارات متواترة إلى حد ما) ، بسكونيته، وبغناه(سمة واسعة إلى حد ما)، بدرجة تعليله… إن التواتر مضافا إليه سكونية اسم العلم أو بدائله يعد عنصرا هاما في انسجام مقروئية النص.”
ومن هنا، فالضمائر الإحالية ( أنا-أنت- هو) التي تعوض الأسماء العلمية حسب فيليب هامون بمثابة سمات منسجمة ، ولكنها فقيرة دلاليا ونصيا، ولايمكن بشكل من الأشكال أن تعوض سمات اسم العلم الغنية والمنسجمة لسانيا. ويضيف هامون بأن اسم العلم بمثابة مورفيم أو مونيم فارغ دلاليا، أو عبارة عن بياض دلالي يتم ملؤه داخل النص عن طريق التعريفات، والتعويض، والبورتريه، والوصف، وتشغيل السمات الدلالية والمقومات السيميولوجية، وتشغيل البدائل المختلفة، وتنويع الضمائر . ويساعد اسم العلم على تفادي الإبهام أو الغموض أو الالتباس الذي يمكن يسببه أن الضمير الشخصي أو غير الشخصي (on).، كما يمكن تجنب تكرار اسم العلم عن طريق استعمال الصفات والسمات الدلالية، واستخدام التلميح والإيحاء والتعريض.
هذا، وترتكز مقاربة الشخصية الروائية عند فيليب هامون على رصد ثنائية الدال والمدلول، مع تفكيك الرواية ، باعتبارها نصا أدبيا تخييليا وافتراضيا، إلى مقاطع نصية ، وذلك عبر مجموعة من المعايير السيميائية ، وتصنيفها تصنيفا بنيويا وشكلانيا، مع تقليص عددها ما أمكن ، وذلك لتسهيل عملية التحليل والقراءة والدراسة.
وبعد ذلك، يتم التركيز على دال الشخصية، وذلك من خلال استكشاف سمات الشخصية الوصفية، وتبيان التسمية العلمية، وتحديد عمليات التشخيص الفني. أما على مستوى المدلول، فيتم التركيز على الوظائف والأدوار العاملية والتيماتيكية للشخصية، مع تحديد بعض العناصر السيميولوجية كما حددها فيليب هامون كالثروة، والأصل الجغرافي، والجنس، والسن، والإيديولوجيا.
وظـــائف اســم العلـــم :
يحمل اسم العلم في طياته داخل السياق النصي أو الخطابي أو في معزل عنه مجموعة من الوظائف التي يمكن حصرها في الوظيفة التقريرية التعيينية، والوظيفة التضمينية الإيحائية، والوظيفة الأيقونية البصرية،ويمكن أن نستعين أيضا بالوظائف الأخرى التي حددها رومان جاكبسون R.Jackobson كالوظيفة الانفعالية، والوظيفة التأثيرية، والوظيفة المرجعية، والوظيفة الحفاظية، والوظيفة الجمالية، والوظيفة اللغوية. علاوة على وظيفة التشاكل الدلالي، وتحقيق الاتساق والانسجام، وتسهيل مأمورية القراءة والتلقي أثناء تفكيك النص وتركيبه.
وعليه، فالشخصية تتخذ من خلال اسمها دلالات ووظائف اجتماعية وإيديولوجية، وتعبر عن وضعية طبقية معينة، لأن اسم الشخصية عموما:” إيحاء من شأنه إنارة جانب في القصة، وأحيانا قد يلمح إلى تطابق مع الوضعية النفسية أو الاجتماعية أو الفكرية لهذه الشخصية، بدليل كون الطبقة الراقية في الحضر تختار أسماء معينة خلافا لأهل الأرياف المتمسكين بأسماء الأجداد والأسماء التاريخية.
أيضا للاسم غنى في دلالاته، فقد يكون مبعث ذكرى أو رمزا عند الكاتب بالذات.ثم هو يفصح عن جنس الشخصية (ذكر- أنثى)، وموطنها (عربية- أفريقية…)، ومعتقدها الديني، إلى غير ذلك من دلالات أخرى غير محصورة.”
وهكذا، فالروائي وهو يعمد جاهدا إلى اختيار أسماء شخصياته إنما يفعل ذلك لإثارة المتلقي، أو تخييب أفق انتظاره، أو مخاطبة عقله وذهنه وذكائه، ليتقبل عالم الشخصية، ويتعرف أدوارها السردية، ويستوعب وظائفها العاملية والتيماتيكية والكلامية ، وذلك عبر امتدادات الرواية، وحسب إيقاعها السريع أو البطيء.
فالرواية الواقعية الكلاسيكية مثلا كانت توظف أسماء علمية شخوصية ومكانية ذات طبيعة مرجعية واقعية لتوحي بأثر الواقع، وتوهم المتلقي بصدق المرجع النصي، وإمكانية التأكد منه، أي كانت لها وظيفة مرجعية في توظيفها لأسماء العلم التاريخية و