منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الرواية العربية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الرواية العربية Empty الرواية العربية

    مُساهمة   السبت ديسمبر 26, 2009 1:26 pm

    نقد أدبي > بطاركة الرواية العربية

    بطاركة الرواية العربية





    مها حسن

    جرت العادة أن يكتب الناقد عن العمل الإبداعي " رواية ، قصة ، مسرحية .... " ، ولكن أن يكتب المبدع عن العمل النقدي ، فهو أمر لم يتحول بعد إلى أن يغدو " عادة " .

    من هذه اللا " عادة " أتجه اليوم بوصفي روائية ، إلى الكتابة عن عمل نقدي ، وهو كتاب " معراج النص/ دراسات في السرد الروائي " للدكتور نضال الصالح ، الصادر عن دار البلد ، دمشق 2003 .

    ونظراً لضآلة الأعمال النقدية الجادة العربية عموماً ، والسورية خصوصاً ، وللانتشار المذهل ، إلى حد " المرَضي " للأعمال المسماة تجاوزاً " إبداعية " ولا سيما في مجالي الرواية والشعر ، وللانحدار الهائل في الإنتاج الإبداعي المعاصر ، يحق لنا ، مبدعين ونقاداً ، الاحتفاء بأي عمل ، سواء على الصعيد النقدي أم الإبداعي .

    لم أكن أرغب بالتطرق إلى علاقة الإبداع بالنقد ، وأسبقية أحدهما على الآخر ، أو تبعيته ، أو أولويته ... ولكني مضطرة هنا للقيام بالاحتفاء بعمل نقدي ، كما قلت سابقاً ، لقلة النتاج النقدي الجاد والأكاديمي ، إذ أننا نجد العديد من الدراسات النقدية العربية التي تفتقد إلى المنهجية ، وتتبع المزاجية والأهواء الشخصية ، وأنا لا أدعي هنا " أكاديميتي " النقدية ، ولكني سأتناول العمل " معراج النص " من مكاني الروائي ذاته ، غير ناسبة لنفسي الصفة النقدية .

    من هنا ، أجد أن لي الحق في قراءة موسعة ، تحليلية ، علنية ، تشريحية لكتاب " معراج النص " ، بوصفي روائية مهتمة بالنتاج النقدي الجاد والرصين ، الذي تفتقده المكتبة العربية ، والسورية على الأخص ، إذ أننا باستثناء بعض الأسماء التي لا تتجاوز عدد الأصابع مثل الرائع " جابر عصفور " نكاد نعاني من الشح والفقر النقدي وإذا لم تكن الساحة الإبداعية أفضل حالاً ، فإنها على الأقل تتسم بالثراء الكمي ،إذن من هنا ، يأتي احتفائي بعمل الدكتور الصالح ، الذي ينتمي ، برأيي ، إلى فئة العمل الجاد والرصين ، إلى درجة الراديكالية ، والابتعاد عن الأهواء الشخصية والمزاجية ، والانطباعية الذاتية .

    يقسم السيد الصالح كتابه إلى عدة فصول ، وأسمح لنفسي بقسمه إلى جزأين أساسيين : الأول نظري ، والثاني تطبيقي .

    أولاً : القسم النظري ، أو التنظيري :

    1ً- مفهوم التبئير :

    يدخل الكاتب مباشرة في الإشكاليات النقدية المعاصرة ، عبر " مفهوم التبئير في السرديات " في حوالي ثلاث وعشرين صفحة ، مستعرضاً مفهوم التبئير لغوياً وتاريخياً ، منذ أرسطو ، الذي يعد الكاتب ثناءه على القصة الهوميرية ( أول إرهاصات النقد بالمفهوم ) ، إلى أن ينقطع المفهوم خلال واحد وعشرين قرناً حتى ظهور " غوستاف فلوبير " إلى أن يصل المفهوم / التبئير إلى المعاصرة مروراُ بـ هنري جيمس ، لوبوك ، توماتشفسكي ، باختين ، فريدمان ، بويون ، فرانسواز فان روسوم كيون ، شانزل ، فورستر ، تودوروف ،أوسبنسكس ، جوليا كريستيفا ، جينيت ، لينتفلت ، ...

    ومع عرض رأي كل من الأسماء المذكورة وتعريفه ورؤيته لمفهوم التئبير ، نقع على فصل هام يوضح رؤية الفكر أو النقد الغربي للتئبير ، وربما كان الوقوف عند جيرار جينيت هو الأكثر أهمية في تاريخ المفهوم ، إذ أنه ، أي جينيت هو أول من استخدم " التبئير " كاسم ، وآثره على ما سبقه من أسماء ، وتأتي أهمية جينيت كذلك من معارضته لـ " تودوروف " الذي اعتبر التبئير مكونا مستقلا في حين رآه جينيت دورا ثانويا ، وبمقابل ذلك فقد اعتنى جينيت بـ " الصيغة " Le mode وميزها عن الصوت La voix إذ كان سابقوه قد خلطوا بين الاثنين ، أي " بين السؤال : مَن الشخصية التي توجّه وجهة نظرها المنظور السردي ؟ وهذا السؤال المختلف تماماً : مَن السارد ؟ أو بعبارة أوجز : بين السؤال : مَن يرى ؟ والسؤال : من يتكلم " ص 23 من الكتاب .

    بعد هذه الوقفة الموفقة الطويلة نسبياً مع النقد الغربي ، يتجه الكاتب إلى مفهوم التئبير في الخطاب النقدي العربي ، لنجد أنه ما من إضافة للفهم العربي لهذا المفهوم ، عن المنجز الغربي له " باستثناءات قليلة " كما يذكر الكاتب مستشهداً بـ عبد الله ابراهيم ود. صلاح فضل .

    2ً- الاسترجاع :

    بعد التعرف على الاسترجاع لغوياً ، يستعرضه نقدياً ، مستنداً أكثر على جيرار جينيت حول توسيعه لمفهوم الاسترجاع :

    1-استرجاع داخلي : داخلي غيريّ ، وداخلي مِثليّ " مثلي تكميلي ، ومثلي تكراري

    2-استرجاع خارجي

    3-استرجاع مختلط

    وكذلك يميز جينيت ، تبعا لعلاقة الاسترجاع بالمدى والسعة بين : الاسترجاع الجزئي ، الاسترجاع التام والاسترجاع المفتوح .

    ثم يتعرض الكاتب لتقنية الاسترجاع في الرواية من خلال " المدار " نموذجاً، و" الماء والأسماء " .

    3ً- فكر التنوير في الرواية العربية :

    متخذاً " غابة الحق " نموذجاً ، إذ يراها " نموذجاً مبكراً ومكتملاً للأطروحة النقدية التي ترى أن الرواية العربية " كانت .. ، في نشأتها ، تجسيداً لعقلانية الاستنارة التي انبنى عليها مشروع النهضة في محاولته تأصيل الوعي المدني " ص 58 من الكتاب ، ويجدها ، إضافة إلى كونها نصاً أدبياً ، نصاً تنويرياً زاخراً بالأفكار التي تطمح إلى تحرير الواقع .

    وإذا أخذنا عنوان الكتاب الأصلي " معراج النص " والمعراج حسب المنجد : السلّم أو المصعد ، فنحن لا نجد أهمية للتحدث عن " الأفكار التنويرية " في النص ، خاصة وأن الكاتب ذاته يعتبر " قيمة النص الإبداعي لا تكمن فيما يقوله فحسب ، بل في طرائق صوغه الجمالي لهذا القول أيضاً ، أي في عروجه بمحكيه من أرض الواقع إلى أرض الفن " من المقدمة .

    لذلك ، أجد أن من غير المقبول ، أن يُقدم ناقد في سن الدكتور الصالح ( مواليد 1957 ) على الاحتفاء بالأفكار التنويرية لرواية صدرت في عام 1865، وكأننا لا نزال نقبع في مرحلة الشعارات والأفكار التي تجاوزها النقد ، وبحسب مفهوم التبئير ذاته الذي اشتغل عليه الصالح نفسه " يستجيب هذا البحث في مفهوم التبئير focalization لهاجس النظريات النقدية المعاصرة ، أي لـ " السرديات " التي نقلت الدرس النقدي من كونه بحثاً في " الشيء " الذي يُقال في النص إلى كونه بحثاً في كيفية / كيفيات قول هذا " الشيء " . ص 7 من الكتاب ، فما علاقة الأفكار التنويرية ، وأين تكمن أهميتها في الدرس النقدي المعاصر .

    لا أنكر ، فكرياً ، الأهمية التاريخية ، للأفكار التنويرية التي ساهمت في تقدم المجتمعات ، وقد حدث ذلك في الفكر الغربي قبلنا بكثير من الزمن ، وروسو وفولتير والآخرون أدلة على ذلك ، ولكن النقد المعاصر لم يعد يُعنى بالفكرة ، بقدر ما انصب اهتمامه على " الكيفية " التي تقال بها الفكرة .

    من هنا ، أجد أن " غابة الحق " وفصل " الأفكار التنويرية " زائداً في الكتاب ، لا ضرورة له في معاريج النصوص ، سيما أيضاً ، وأنه ، أي السيد الصالح يؤكد ، كما في معظم أعمال تلك المرحلة " طغيان خطاب الأقوال على خطاب الأفعال " فهل لا نزال نراوح في دائرة الأقوال ؟! ويأتي ذلك لدى السيد الصالح على النقيض من كتابه الصادر عام 2001 عن اتحاد الكتاب العرب " النزوع الأسطوري في الرواية العربية المعاصرة " إذ أنه تناول نماذج حداثية ، إبداعية ، تستحق الوقوف أمامها من أمثال : جبرا ابراهيم جبرا ، ادوار الخراط ، لويس عوض ، صبري موسى والطاهر وطار .

    ثانياً : القسم التطبيقي :

    وهو يبدأ برايي منذ الصفحة رقم 80 من الكتاب ، وهو القسم الذي عنونه المؤلف بـ " صباح محي الدين " .

    باستثناء هذا القسم ، إذ أن " صباح محي الدين " تجربة ونموذجاً فريداً في سيرورة الكتابة السورية ، سواء من حيث المستوى الإبداعي ، أو الشخصي ، ويذكرنا الرحيل الدرامي المفجع لـ محي الدين برحيل جاك فاشيه ، الذي تحدث عنه بروتون ، وقد مات منتحراً في سن مبكرة ، 23 عاماً ، كما فقدنا محي الدين وهو في السابعة والثلاثين من عمره .

    لذلك ، ولأن صباح محي الدين لم يأخذ حقه في الساحة النقدية السورية ، فإني أحترم قيام الدكتور الصالح بتخصصي قسم لمقاربة نتاجه .

    باستثناء هذا القسم إذن ، من القسم التطبيقي في كتاب السيد الصالح ، تأتي بقية الفصول باهتة ، وأنا لم أجد اصطلاحاً أقل قسوة من ذلك ، إذ أن الجانب التنظيري في الكتاب يُعد على مستوى مخالف للقسم التطبيقي ، فكأن الكتاب ، ينزاح من حيث الأهمية والمستوى ، وبدلاً من أن يتابع خطه في " العروج " فهو يهبط .

    والهبوط هنا لا يأخذ شكلاً أخلاقياً بالضرورة ، كما جرت العادة على تناول الففظة ، ولكنه هبوط فني ، وقيمي ، وأنا أعتب بشدة على الدكتور نضال الصالح الموسوم ، بالنسبة لي على الأقل " بالراديكالية " لتناوله نماذجاً " عفا عليها الدهر النقدي المعاصر " فأين هذه الأسماء من " التبئير " ؟!

    لا أفهم ، لماذا لا يزال النقد ، على قلته ، يحتفي بأسماء لم تقدم أكثر من حكاية ، ولم يكن نتاجها أكثر من كونه بحثاً في " الشيء " الذي يُقال في النص ، أي وفقاً للمدارس النقدية ، والنتاج الإبداعي السلفي .

    وأنا أعتبر أن الأسماء التي اشتغل عليها نقدياً في كتابه هذا ، هي رموز للبطريركية الأدبية في سورية ، ولا أريد الدخول في معركة فكرية ، لأتحدث عن البطاركة العرب في الرواية العربية ،والتي أصبح أحد أعمدتها ، مرجعية للرواية العربية ، بنظر الغرب حتى !

    لذلك أجد أن كتاب السيد الصالح يتجزأ إلى جزأين ، تنظيري ، مهم ، وضروري للمكتبة العربية ، والآخر ، ومنذ الصفحة 102 ، يتحول مسار الكتاب ، لتطبيق أفكار معاصرة ، حداثية ، على نصوص لا تتسم بذلك ، كامرأة عجوز ترتدي ثياباً معاصرة .

    السؤال موجه هنا للسيد الصالح : هل تخلو الساحة السورية من مبدعين تنطبق عليهم مواصفاتك في الاشتغال النقدي عليهم " لروائيين ينتمون إلى أجيال أدبية مختلفة ، ورؤى فكرية متعددة ، ولعدد منهم رصيد ابداعي يمثل ، .... علامة فارقة في التجربة الروائية السورية " ؟! ، والسيد الصالح ، والكثيرون غيره ، يعرفون أن روائياً مثل " الطيب الصالح " ذاع صيته من عمل واحد ، أو اثنين على أكثر تقدير ، وأن الكم لا يعد مقياساً للإبداع .

    ثمة أسماء سورية تستحق الاهتمام بها أكثر ، وهي بحق ، راديكالية على مستوى الإنتاج الإبداعي ، مثل ممدوح عزام ، وخليل صويلح وغيرهما .

    أريد الاعتراف في نهاية هذه القراءة السريعة لكتاب الدكتور نضال الصالح ، لو لم يكن الكتاب من إنتاجه ، لما اقترفت الكتابة عنه ، لأني أكن احتراماً حقيقياً للسيد الصالح ، نابعاً من جديته ومنهجيته ، وراديكاليته النقدية .

    لذلك ، وبتناول عمل لمؤلف راديكالي ، أبرر لنفسي راديكاليتي في تناوله .

    afro

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 1:53 pm