نشأتة , حياته , نسبه , اسرته ...
نشأته وحياته
لقد سجل مؤرخوا الطب
والعلوم في العصور الوسطي آراء توووت ومتضاربة عن حياة العالم العربي أبي
بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي، ذلك الطبيب الفيلسوف الذي تمتاز
مؤلفاته وكلها باللغة العربية، بأصالة البحث وسلامة التفكير. وكان مولده
في مدينة الري، بالقرب من مدينة طهران الحديثة. وعلى الأرجح أنه ولد في
سنة 251 هـ / 865 م. وكان من رأي الرازي أن يتعلم الطلاب صناعة الطب في
المدن الكبيرة المزدحمة بالسكان، حيث يكثر المرضى ويزاول المهرة من
الأطباء مهنتهم. ولذلك أمضى ريعان شبابه في مدينة السلام، فدرس الطب في
بغداد. وقد أخطأ المؤرخون في ظنهم أن الرازي تعلم الطب بعد أن كبر في
السن. وتوصلت إلى معرفة هذه الحقيقة من نص في مخطوط بخزانة بودليانا
بأكسفورد، وعنوانه " تجارب " مما كتبه محمد بن ببغداد في حداثته "، ونشر
هذا النص مرفقا بمقتطفات في نفس الموضوع، اقتبستها من كتب الرازي التي
ألفها بعد أن كملت خبرته، وفيها يشهد أسلوبه بالاعتداد برأيه الخاص.
بعد
إتمام دراساته الطبية في بغداد، عاد الرازي إلى مدينة الري بدعوة من
حاكمها، منصور بن اسحاق، ليتولى إدارة مستشفي الري. وقد ألف الرازي لهذا
الحاكم كتابه "المنصور في الطب" ثم "الطب الروحاني" وكلاهما متمم للآخر،
فيختص الأول بأمراض الجسم، والثاني بأمراض النفس. واشتهر الرازي في مدينة
الري، ثم انتقل منها ثانيه إلى بغداد ليتولى رئاسة المعتضديالمعتضد بالله
(279- 289 م /892- 902 م). وعلى ذلك فقد أخطأ ابن ابي أصيبعة في قوله أن
الرازي كان ساعورا مستشفي العضدي الذي أنشأه عضد الدولةابن ابي اصيبهة
خطأه بقوله "والذي صح عندي أن الرازي كان أقدم زمانا من عضد الدولة ولم
يذكر ابن أبي أصيبعة البيمارستان المعتضدي إطلاقا في مقاله المطول في
الرازي. شغل مناصب مرموقة في الري وسافر ولكنه أمضى الشطر الأخير من حياته
بمدينة الري، وكان قد أصابه الماء الازرق في عينيه، ثم فقد بصره وتوفى في
مسقط رأسه إما في سنة 313هـ /923م، وإما في سنة 320 هـ/ 932 م. الجديد، الذي أنشأها الخليفة (توفى في 372 هـ/973 م)، ثم صحح
يتضح لنا تواضع الرازي وتقشفه في مجرى حياته
من كلماته في كتاب "السيرة الفلسفية" حيث يقول: "ولا ظهر مني على شره في
جمع المال وسرف فيه ولا على منازعات الناس ومخاصماتهم وظلمهم، بل المعلوم
مني ضد ذلك كله والتجافي عن كثير من حقوقي. وأما حالتي في مطعمي ومشربي
ولهوي فقد يعلم من يكثر مشاهدة ذلك مني أني لم أتعد إلى طرف الإفراط وكذلك
في سائر أحوالي مما يشاهده هذا من ملبس أو مركوب أو خادم أو جارية وفي
الفصل الأول من كتابه "الطب الروحاني"، "في فضل العقل ومدحه"، يؤكد الرازي
أن العقل هو المرجع الأعلى الذي نرجع إليه، " ولا نجعله، وهو الحاكم،
محكوما عليه، ولا هو الزمام، مزموما ولا، وهو المتبوع، تابعا، بل نرجع في
الأمور إليه ونعتبرها به ونعتمد فيها عليه.".
كان الطبيب في عصر الرازي فيلسوفا، وكانت الفلسفة ميزانا توزن به الأمور
والنظريات العلمية التي سجلها الأطباء في المخطوطات القديمة عبر السنين
وكان الرازي مؤمنا بفلسفة سقراط الحكيم (469 ق. م- 399 ق. م)، فيقول، أن
الفارق بينهما في الكم وليس في الكيف. ويدافع عن سيرة سقراط الفلسفية،
فيقول: أن العلماء إنما يذكرون الفترة الأولى من حياة سقراط، حينما كان
زاهدا وسلك طريق النساك. ثم يضيف أنه كان قد وهب نفسه للعلم في بدء حياته لأنه أحب الفلسفة حبا صادقا، ولكنه عاش بعد ذلك معيشة طبيعية.
كان الرازي مؤمنا باستمرار التقدم في البحوث الطبية، ولا يتم ذلك، على حد
قوله، إلا بدراسة كتب الأوائل، فيذكر في كتابه "المنصوري في الطب " ما هذا
نصه: "هذه صناعة لا تمكن الإنسان الواحد إذا لم يحتذ فيها على مثال من
تقدمه أن يلحق فيها كثير شيء ولو أفنى جميع عمره فيها لأن مقدارها أطول من
مقدار عمر الإنسان بكثير. وليست هذه الصناعة فقط بل جل الصناعات كذلك.
وإنما أدرك من أدرك من هذه الصناعة إلى هذه الغاية في ألوف من السنين
ألوف، من الرجال. فإذا اقتدى المقتدي أثرهم صار أدركهم كلهم له في زمان
قصير. وصار كمن عمر تلك السنين وعنى بتلك العنايات. وإن هو لم ينظر في
إدراكهم، فكم عساه يمكنه أن يشاهد في عمره. وكم مقدار ما تبلغ تجربته
واستخراجه ولو كان أذكى الناس وأشدهم عناية بهذا الباب. على أن من لم ينظر
في الكتب ولم يفهم صورة العلل في نفسه قبل مشاهدتها، فهو وإن شاهدها مرات
كثيرة، أغفلها ومر بها صفحا ولم يعرفها البتة" ويقول في كتابه "في محنة
الطبيب وتعيينه"، نقلا عن جالينوس "وليس يمنع من عني في أي زمان كان أن
يصير أفضل من أبو قراط ".
[b] [b][size=21]هو أبو بكر محمد بن زكريا المعروف بالرازي، ولد جنوبي طهران سنة 865م وفي
الثلاثين من عمره انتقل إلى بغداد واستقر بها، عايش الخليفة العباسي عضد
الدولة وتتلمذ في علوم الطب على يد علي بن زين الطبري (صاحب أول موسوعة
طبية عالمية "فردوس الحكمة" )، والفلسفة على يد البلخي.[/b]
[b]
كان الرازي أيام عصره متقناً لصناعة الطب، عارفاً بأوضاعها وقوانينها،
تشدّ إليه الرحال لأخذها عنه، صنَّف الكثير من الكتب القيِّمة، وترك بصمات
هامة في تاريخ الأدب الطبي، والألقاب التي أُطلقت عليه تعبِّر بشكل صريح
عن عبقرية هذا العالِم وتميّزه، ومن هذه الألقاب: أمير الأطباء، أبقراط
العرب، جالينوس العرب، منقذ المؤمنين.[/b]
[b]
عندما أسس عضد الدولة المستشفى العضدي جمع أشهر الأطباء على امتداد
الإمبراطورية ففاق عددهم المائة طبيب، فاختار خمسين منهم ليكونوا طاقم
المستشفى فكان الرازي منهم، ثمّ انتقى عشرة أطباء كرؤساء للأقسام فكان
الرازي أبرزهم، وبالنظر لمؤهلاته جعله رئيساً لأطباء المستشفى، ولم يمضِ
وقت طويل حتى ذاعت شهرته في طول البلاد وعرضها، وزحف طلاب العلم قاصدين
بغداد لتلقي المعرفة على يديه، فأصبح حجَّة في علم الطب ومرجعاً للحالات
المستعصية حتى لقب "بجالينوس العرب".[/b]
الرازي والقراءة
ولد أبو بكر الرازي بالري نحو
سنة 250 هـ = 864 م وعُرِفَ منذ نعومة أظفاره بحب العلم؛ فاتجه منذ وقت
مبكر إلى تعلم الموسيقى والرياضيات والفلسفة، ولما بلغ الثلاثين من عمره
اتجه إلى دراسة الطب والكيمياء، فبلغ فيهما شأناً عظيما، ولم يكن يفارق
القراءة والبحث والنسخ، وإن جل وقته موزع بين القراءة والبحث في إجراء
التجارب أو الكتابة والتصنيف.
وكان حريصًا على القراءة مواظبًا
عليها خاصة في المساء، فكان يضع سراجه في مشكاة على حائط يواجهه، وينام في
فراشه على ظهره ممسكًا بالكتاب حتى إذا ما غلبه النعاس وهو يقرأ سقط
الكتاب على وجهه فأيقظه ليواصل القراءة من جديد.
الرازي العالم الإنسان
وعرف الرازي بذكائه الشديد وذاكرته العجيبة، فكان يحفظ كل ما يقرأ أو يسمع حتى اشتهر بذلك بين أقرانه وتلاميذه.
ولم يكن الرازي منصرفًا إلى العلم
كلية زاهدًا في الدنيا، كما لم تجعله شهرته متهافتًا عليها مقبلا على
لذاتها، وإنما كان يتسم بقدر كبير من الاعتدال، ويروي أنه قد اشتغل
بالصيرفة زمنا قصيرا.
وقد اشتهر الرازي بالكرم والسخاء،
وكان بارا بأصدقائه ومعارفه عطوفا على الفقراء والمحتاجين، وبخاصة المرضى،
فكان ينفق عليهم من ماله، ويجري لهم الرواتب والجرايات حيث كان غنيا واسع
الثراء، وقد امتلك بعض الجواري وأمهر الطاهيات.
وقد كانت شهرة الرازي نقمة عليه؛
فقد أثارت عليه غيرة حساده، وسخط أعدائه، فاتهمه في دينه كل من خالفهم،
ورموه بالكفر ووصفوه بالزندقة، ونسبوا إليه آراء خبيثة وأقوالا سخيفة، وهي
دعاوى باطلة، وافتراءات ظالمة، وللرازي نفسه من المصنفات ما يفند تلك
الدعاوى، ويبطل تلك الأباطيل، ومن كتبه في ذلك كتاب في أن للعالم خالقا
حكيما، وكتاب أن للإنسان خالقا متقنا حكيما، وغيرهما من المؤلفات.
وقد بلغت مؤلفات الرازي 146 مصنفا: منها 116 كتابا، و30 رسالة، وظل طوال حياته بين القراءة والتصنيف، حتى قيل إنه إنما فقد بصره من كثرة القراءة، ومن إجراء التجارب الكيميائية في المعمل.
الرازي الطبيب الأول
يعد أبو بكر الرازي أعظم علماء
المسلمين في الطب من ناحية الأصالة في البحث، والخصوبة في التأليف، فقد
ألف كتبًا قيمة في الطب، وقد أحدث بعضها أثرًا كبيرا في تقدمه، وفي طرق
المداواة والعلاج وتشخيص الأمراض.
وقد امتازت مؤلفات الرازي
بالموسوعية والشمول، بما تجمعه من علوم اليونان والهنود بالإضافة إلى
أبحاثه المبتكرة وآرائه وملاحظاته التي تدل على النضج والنبوغ، كما تمتاز
بالأمانة العلمية الشديدة؛ إذ إنه ينسب كل شيء نقله إلى قائله، ويرجعه إلى
مصدره.
ويأتي الرازي في المرتبة
الثانية بعد ابن سيناء في الطب، وقد صرف جل وقته على دراسة الطب، وممارسته
بعد أن ضعف بصره نتيجة عكوفه على إجراء التجارب الكيميائية العديدة في
معمله.
وكان الرازي ذكيا فطنا رءوفا
بالمرضى مجتهدا في علاجهم وفي برئهم بكل وجه يقدر عليه، مواظبا على النظر
في غوامض صناعة الطب، والكشف عن حقائقها وأسرارها، حتى أطلق عليه "أبو
الطب العربي".
ويعد الرازي من الرواد الأوائل
للطب ليس بين العلماء المسلمين فحسب، وإنما في التراث العالمي والإنساني
بصفة عامة، ومن أبرز جوانب ريادة الرازي وأستاذيته وتفرده في الكثير من
الجوانب:
أنه يعد مبتكر خيوط الجراحة المعروفة بالقصاب
أول من صنع مراهم الزئبق
قدم شرحا مفصلا لأمراض الأطفال والنساء والولادة والأمراض التناسلية وجراحة العيون وأمراضها.
كان من رواد البحث التجريبي في
العلوم الطبية، وقد قام بنفسه ببعض التجارب على الحيوانات كالقرود، فكان
يعطيها الدواء، ويلاحظ تأثيره فيها، فإذا نجح طبقه على الإنسان.
عني بتاريخ المريض وتسجيل تطورات المرض؛ حتى يتمكن من ملاحظة الحالة، وتقديم العلاج الصحيح له.
كان من دعاة العلاج بالدواء
المفرد (طب الأعشاب والغذاء)، وعدم اللجوء إلى الدواء المركب إلا في
الضرورة، وفي ذلك يقول: "مهما قدرت أن تعالج بدواء مفرد، فلا تعالج بدواء
مركب".
كان يستفيد من دلالات تحليل الدم والبول والنبض لتشخيص المرض.
استخدم طرقًا مختلفة في علاج أنواع الأمراض.
اهتم بالنواحي النفسية للمريض،
ورفع معنوياته ومحاولة إزالة مخاوفه من خلال استخدام الأساليب النفسية
المعروفة حتى يشفى، فيقول في ذلك: "ينبغي للطبيب أن يوهم المريض أبدا
بالصحة ويرجيه بها، وإن كان غير واثق بذلك، فمزاج الجسم تابع لأخلاق
النفس".
كما اشتهر الرازي في مجال الطب
الإكلينيكي، وكان واسع الأفق في هذا المجال، فقد فرق بشكل واضح بين الجدري
والحصبة، وكان أول من وصف هذين المرضين وصفا دقيقا مميزا بالعلاجات
الصحيحة.
وقد ذاعت شهرته في عصره حتى وصف بأنه جالينوس العرب، وقيل عنه: "كان الطب متفرقا فجمعه الرازي؟".
ولقيت بعض كتبه الطبية رواجا
كبيرا وشهرة عظيمة، وانتقلت نظرياته العلمية إلى أوروبا، وقد ترجم العديد
من كتبه إلى اللغات الأوروبية، واعتمدت عليها جامعات أوروبا، وظلت مرجعها
الأول في الطب حتى القرن السابع عشر مثل كتابه الحاوي في علم التداوي
والذي ترجم إلى اللاتينية وطبع لأول مرة في بريشيا في شمال ايطاليا عام
891 هـ = 1486م وهو أضخم كتاب طبع بعد اختراع المطبعة مباشرة، ثم
أعيد طبعه مرارًا في البندقية في القرن 10هـ = 16م، وقسم كتاب الحاوي في
الطبعة اللاتينية إلى خمسة وعشرين مجلدا.
وتتضح في هذا المؤلف الضخم مهارة الرازي في الطب، وتتجلى دقة ملاحظاته وغزارة علمه وقوة استنتاجه.
وكتابه "الجدري والحصبة" أعيدت طباعته أربع مرات بين عامي 903هـ = 1498م، و1283هـ = 1866م.
أما كتابه "المنصوري" فقد طبع
لأول مرة في "ميلانو" عام (886هـ = 1481م)، وأعيد طبعه مرات عديدة، وترجمت
أجزاء منه إلى الفرنسية والألمانية.
وظلت تلك المؤلفات من المراجع
الأساسية لدراسة الطب في أوربا حتى القرن (11هـ = 17م)، ولا تزال "جامعة
برنستون" الأمريكية تحتفظ بكتب الرازي في قاعة من أفخم قاعاتها، أطلق
عليها اسمه اعترافًا بفضله ومآثره على علم الطب في العالم أجمع.
المصدر: مشاهير العالم[/b]