[center]قراءة في المنجز النقدي
عند سعيد يقطين
مصطفى سلام
1 . في التأويل
2 . في النص السردي
3 . في المصطلح السردي
4 . في المتفاعل النصي
5 . في الخلفية النصية
6 . في زمن النص
7 . خـلاصـات
8 . هوامش
--------------------------------------------------- ------------------------------------------------
1 . في التأويل :
إن التأويل فعالية ذهنية، انطلاقا من مجال محدد، و هو فعالية إنسانية ملازمة لكل نشاطات الإنسان، و هو يشكل التجسيد الشكلي لمضمون الفهم في كل عملية تواصلية، و قد أثبتت الدراسات و الأبحاث المهتمة بتحرير مفهوم التأويل: أنه وسيلة لاكتشاف السنن والسنن الفرعية باختلاف أنواعها: دينية، علمية، أخلاقية، ثقافية، إبداعية هذا ما جعل التأويل يرتبط بمعالجة إشكالية وجود الفهم أو كينونته، لا كتصور نفسي، و لكن كتصور ظاهراتي . يراعي خصوصية انفتـاح الكائن على ذاته و على الوجود، و ذلك لكون موضــوع الفهـم لـه أبعاد وجودية و جمالية و تاريخية (1 ) .
إن الهيرمينوطيقا أو فن التأويل (2 ) كما في بعض الترجمات تتميز عن التأويل بمعنى interpretationالأولى تحيل إلى الفن بمعنى الاستعمال التقني لآليات و وسائل لغوية ومنطقية و تصويرية و رمزية و استعارية. بمعنى أن الفن كالآلية لا ينفك عن الغائية، أي أن الهدف الذي توظف من أجله هذه الآليات هو الكشف عن حقيقة شيء ما، و عليه فكلمةherméneutique تعني فن تأويل و تفسير و ترجمة النصوص .
بهذا يكون التأويل فنا بمعنى : طريقة و اشتغالا على نصوص بتبيان البنية الداخلية لها و الوصفية و البحث عن حقائق مضمرة في النصوص و ربما المغمورة لاعتبارات تاريخية و إيديولوجية . و نفس الدلالة نجدها في المعجم العربي. لكلمة التأويل : و هو المرجع والمصير مأخوذ من آل يؤول إلى كذا أي عاد إليه (3 ).
إن الاستراتيجية التي انتظمت التأويل كفعالية يمارسها الإنسان تبعا لحالات ووضعيات متوخيا تحقيق غايات معرفية و وجودية، تقوم على اعتبار وجود معنيين: معنى حرفي و آخر مجازي، و هذا الأخير هو الأساسي، لأن المعنى الحرفي يقتل النص و المعنى المجازي يحييه 4)) . بمعنى أن أطروحة تعدد المعنى هي التي تسمح بالتأويل كإجراء و هو إجراء يرفض هيمنة مرجعية واحدة. و هذا التصور نجده عند بول ريكور حيث يقول: يكون تأويل عندما يكون تعدد في المعنى ( (5. إن أصل نشأة التأويل و سيرورة إجرائه ترجع إلى مقولتين : أولاهما غرابة المعنى عن القيم السائدة (الثقافية، السياسية و الفكرية) و ثانيهما بث قيم جديدة، أي إرجاع الغرابة إلى الألفة و دس الغرابة في الألفة كما يقول محمد مفتاح في التلقي و التأويل (6 ).
بهذا التصور للتأويل يندرج موضوعنا من خلال البحث في إمكانية المصطلح السردي التأويلية أو التحليلية، و هي إمكانية مؤسسة على قدرة النص على التدليل التي تتأسس بدورها ضمن سياق و ضمن شروط خاصة لتلقي المعنى المتعدد و رصد ترابيته.
2 . في النص السردي :
هناك تعريفات عديدة تشرح مفهوم النص بصفة عامة و أخرى تقف عند الخصائص النوعية الماثلة في بعض أنماطه المتعلمة خاصة الأدبية، و لن نقف عند الدلالة اللغوية لمفهوم النص التي تعني الظهور و البروز .
إن النص كما تذهب إلى ذلك كريستيفا : جهاز عبر لغوي يعيد توزيع نظام اللغة كما أنه يمثل عملية استبدال من نصوص أخرى، الشيء الذي يثبت إنتاجيته سواء إثناء الإبداع أو القراءة .
إن النص من خلال هذه المقاربة مفهوم يحيل إلى أفق أو فضاء خاص له حدود معينة، وتتجلى في هذا الفضاء مجموعة من الدلالات التي يسمح بها النص، و هي دلالات يتعين على القراءات النقدية تحديد مكوناتها و كشفها و تفسيرها بمنظوم منهجي معين (7 ) .
إن النص السردي وفق هذا التصور ناتج و متحقق عن تسنين سردي أي جملة الإجراءات والقواعد المنتظمة للسرد أو فعل الحكي و القص. إن هذه القواعد تحدد الأساس الفعلي لإنتاج نص سردي و ذلك من خلال مستويين ) :
المستوى الملفوظي : كل ما يعود إلى القصة باعتبارها مجموعة من الأحداث المترابطة فيما بينها : ذلك أن النص السردي في هذا المستوى كبناء لغوي يعبر عن كون دلالي ما. مستندا في ذلك إلى قواعد يقررها فعل القص كنشاط إنساني عام أنتج عبر تاريخه الطويل أشكالا كونية تشتغل كتحديد لكنه النص و جوهره .
المستوى التلفظي : حيث إن بناء نص سردي ما لا يقوم على وجود مادة حكائية جاهزة، يكفي تقديمها إلى القارئ كمادة غفل . إن الأمر يتطلب وسيطا تعرض من خلاله و عبره المادة الحكائية. فتدل المادة القصصية من خلال التشكيل الذي تخضع له .
3 . في المصطلح السردي :
يطرح المصطلح في اشتغاله جملة من القضايا و الإشكالات تخص جوانب أساسية من قبيل: الترجمة أو التأسيس النظري و علاقة المنهج بالمصطلح ... إلى غير ذلك من القضايا التي يعرفها المشتغلون بدائرة المصطلح . إن المصطلح في أصله وحدة لغوية أو عبارة لها دلالة لغوية أصلية، ثم أصبحت هذه الوحدة أو العبارة تحمل دلالة اصطلاحية خاصة و محددة في مجال أو ميدان معين لعلاقة ما تربط بين الدلالة اللغوية الأصلية و الدلالة الاصطلاحية، هذا المصطلح لا تتضح دلالته إلا من خلال السياق الأسلوبي الذي يندرج فيه، فتتلون وظيفته و تتغير دلالتـه بألـوان الكلمــات المجــاورة له في العبارة و ربما تتغير الدلالة تغيرات من لتغير النظام الأسلوبي 9)) .
إن الجانب الأول من هذا التعريف متعلق بالدلالة اللغوية : و هي دلالة تراكيب أسلوبية و ليست دلالة ألفاظ أو وحدات مستقلة و كل مجال معرفي يلجأ إلى استخدام رموز خاصة تعبر عما في الأذهان من مضامين علمية أو فكرية تعبيرا تكون أهم صفاته الدقة والموضوعية و هو ما يعرف باللغة الاصطلاحية. و هناك جانب متعلق بالمصطلح كقيمة: من خلال تحديد موقعه من النظام المفهومي و الجدول المصطلحي الذي يندرج فيه: تحول اللفظ كوحدة معجمية إلى وحدة مصطلحية بينما المصطلح كدلالة: فذلك من خلال طبيعة العلاقة المرجعية الجديدة التي تعرف الوحدة المصطلحية كاسم مشترك اصطلاحا ومواضعة إلى مفهوم خاص. ولا يجوز فيه الاشتراك أو الغموض. ويتم ذلك إما بالمجاز "أي التوليد مع الإبقاء على نفس الدال أو الاشتقاق والنحت والتعريب بفرز دال جديد.
إن المصطلح السردي هو المصطلح (في دلالته الأولى) موظفا داخل مجال السرد أو الحكي عامة، حيث أن جل الأبحاث السردية ابتداء من إسهامات الشكلانيين الروس وكذا المبادئ التي صاغاها عنها ف. بروب ... وانتهاء بالأبحاث المعاصرة في السرد والحكاية: أبحاث كريماس وجيرارجينت و رولان بارت. والمتتبع للبحث السردي يلاحظ تعدد المصطلح السردي وتنوعه، هذا التعدد يطرح قضايا تخص الصياغة والوضع من جهة، وقضايا التوظيف و التصرف من جهة ثانية، حيث أن ابتكار مصطلح سردي تقتضيه شروط و لوازم التحليل خاصة إذا لم توفره المعاجم المتخصصة و النظريات النقدية و هنا نكون أمام مشاكل الترجمة و التعــريب، و من له الأهليــة، هل الأمـــر يتحدد بالغايـــة أم أن العلميــــة والموضوعية تقوض مبدأ الغاية ، وكذلك مسألة انحسار مصطلح ما بتجاوز مصطلحات أخرى داخل نفس الجمال المعرفي 10).
إن انشغال المصطلح السردي تؤطره السرديات التي غدت تصورا و اختيارا واشتغالا نقديا و بعدا منهجيا مؤطرا لتحليل الخطاب السردي حيث تبحث في مكونات السرد و أصنافه و تركيباته و إجراءاته التخييلية بالوصف و التحليل 11)) ، و يتراوح تحليل السرد بين تحليل الخطاب من جهة، و تحليل الحكاية من جهة ثانية، فنكون بذلك أمام سرديات خطابية تبحث في طرائق عرض المادة الحكائية و سرديات حكائية تبحث في المضمون الحكائي للخطاب السردي، إن هذه الرؤية هي التي انتظمت المنجز النقدي عند سعيد يقطين: و هو منجز تنتظمه رؤية و استراتيجية تبحث في ما يشكل خصوصية التخييل السردي العربي و موقعه ضمن النظرية الأدبية بنحو عام داخل النسق الثقافي العربي العام .
هكذا يبحث سعيد يقطين 12)): في خصائص السرد و فهم بنياته و مكوناته: تحليلا وتأويلا. من خلال مقاربة النص السردي: النصوص الروائية و الحكاية الشعبية و العجائب. بقي أن نشير إلى ملاحظة أثبتها الباحث عبد الفتاح الحجمري و هي تتعلق بتقسيم البحث السردي عند سعيد يقطين إلى:
سرديات الخطاب: من خلال البحث في الراوي والخطاب و المروي له
سرديات القصة : الأفعال و الفواعل
سرديات النص : الكاتب و النص و القارئ 13)) .
و هذا موضوع يشكل البحث فيه مشروعا لمن رغب في مقاربة السردية العربية منهجا وتصورا و ممارسة، و علاقة ذلك بالنظرية الأدبية العربية و النقد الأدبي العربي عامة .
ارتباطا بالموضوع، سوف نقف عند بعض المصطلحات السردية على سبيل التمثيل لا الحصر، انطلاقا من ثلاثة مؤلفات: انفتاح النص الروائي والرواية والتراث السردي وقال الراوي: في تحليل المتن الدراسي. كما أننا سننظر إلى المصطلح السردي الموظف هنا كأداة للتحليل، ذلك أن البعد الإجرائي للمصطلح كأداة يمكن من ضبط الخطاب المدروس والتمكن من الإمساك بقوانينـه ومنطقـه وطرق انتظامـه14) )، في هذه الحالة يكـون المصطلـح بمثابــــة
نصر ناظم يؤدي دورا إجرائيا يميز ذاته عن لغة الخطاب المدروس من خلال المسافة القائمة بينه وبين الخطاب المدروس، وذلك راجع إلى ميكانيكية المصطلح كميكانيزم أثناء الاشتغال، تكشف عن ديناميته وإنتاجيته أثناء التوظيف والاستثمار.
1- يعد كتاب: "انفتاح النص الروائي – النص والسياق" استثمارا أوسع لكتابه الأول: تحليل الخطاب الروائي. منطلقا في ذلك من أسئلة تأسيسية: ما هو النص؟ كيف يدل؟ وعلى ماذا يدل؟ ودور السياق في تلقي النص؟ مسجلا بذلك انفتاح السرديات على ما هو اجتماعي، فنكون أمام ما سماه سعيد يقطين بالسوسيوسرديات كتخصص يسعى إلى توسيع السرديات البنيوية و ذلك بالانفتاح على الدلالة الاجتماعية للنص السردي ما دام هذا الأخير يقوم على مستوى تكونه بالتفاعل مع المجتمع و مختلف بنياته المعرفية و الأدبية و الثقافية و النفسية ...
لقد قام في البداية بعرض عملية التصورات الخاصة بمفهوم النص. و إجرائية هذا العرض في الممارسة النقدية ترتبط بإنجاز مهمتين أساسيتين تخصان استثمار المصطلح السردي .
- ضبط مرجع المصطلح: أي واضعه الأصلي الذي صاغه في صورة لفظية و ضمنها تصورا أو مفهوما أو فكرة قصد الاشتغال به، لمعالجة معرفية معينة داخل مجال معرفي ما . - ضبط الحقل المعرفي الذي يعبر المصطلح عن بعض جوانبه و يدور في فلكه، بحيث لا يفهم إلا في دائرته. أو يفهم في دائرة هذا المجال أكثر من مجال آخر .
إن هذا الإجراء ضروري من الناحية المنهجية و كذا من جهة إقناع الخطاب بضرورة المثـاقفة، و كذا إقناع القـارئ بأن المصطلـح الموظـف لـه انتماءات خارجية عن الخطاب النقـــدي العربي أو أن لـه مرجعية في التراث العربي . و المشترك لدى هذه التصورات المعروضة بخصوص مفهوم النص، هو التركيز على الجانب الدلالي أو الإمكان التدليلي للنص، و كذا دور السياق في تلقي النص و تأويله كما أن هذه المنظورات المتباينة على مستوى الخلفية المعرفية (لسانية و أسلوبية و وظيفية و تداولية و دلالية و تواصلية) تتكامل فيما بينها من خلال التركيز على البعد الدلالي للنص 15)) مادام هذا الأخير يتفاعل ما هو فكري ونفسي و إيديولوجي و اجتماعي و ثقافي ... في سياق إنتاجه و إبداعه . إن تحديد المرجع والمرجعية الخاصة بالمفهوم و المصطلح في مقاربة المتن مرتبط برؤية تأويلية من أجل تأويل منسجم مع البعد الدلالي الذي يسمح به النص، إن الرؤية التحليلية تقوم على مفهومين: مفهوم النص و التفاعل حيث إن النص مؤلف من خلال إنتاجيته و تدليله و طاقته الترميزية، باعتباره عينة سيميائية أو واقعة دلالية تشتغل داخل نسق شامل و الثقافة أما التفاعل فهو يشكل مظهرا مهما من مظاهر اشتغال النص مع نصوص سابقة أو معاصرة أو مغايرة له في الجنس أو النوع أو الأسلوب ... أي أن الظاهرة الإيداعية هي ظاهرة تناصية، تفاعلية ما دام الفاعل الإيداعي هو كائن تفاعلي .
و يمكن النظر إلى المنجز النقدي السردي عند سعيد يقطين من خلال محاور ثلاثة : محور المفاهيم و محور المصطلحات و محور التأويل والقراءة. فالتعريف الذي يعطيه للنص يثبت هذه الملاحظة: يقوله: "النص بنية دلالية تنتجها ذات فردية أو جماعية، ضمن بنية نصية منتجة و في إطار بنيات ثقافية و اجتماعية محددة" 16)) .
إن النص وفق هذا التصور دليل يتضمن دالا و مدلولا، أو واقعة دلالية تتمظهر من خلال بنية تركيبية و صرفية و لغوية و أسلوبية... تتضمن معنى و رمزا و دلالة. و قد تم رصد الجانب الشكلي في تحليل الخطاب الروائي من خلال التركيز على مفهوم الخطاب كمظهر نحوي للنص، بينما في هذا المتن يقارب الجانب الدلالي من خلال التركيز على مكون بنائي آخر: هو المكون النصوصي. أي كيف تدخل نصوص كبنيات دلالية مرتبطة بأجناس خطابية و لها خصائصها التركيبية و الأسلوبية في تشكيل النص المدروس ذلك أن النص السردي هو تراتبية من النصوص تشتغل داخل نسق عام هو نسق الثقافة (17) فيكون بذلك النص السردي متحقق عن تداخل تسنينين: تسنين سردي و تسنين نسقي: أي دخول أنساق هي متحققة عن تسنين معين إلى نسق النص السردي الناتج بدوره عن تسنين سردي معروف. فيكون بذلك السنن الســردي له من الطواعيــة و القدرة على تأطيــر بنيات مغايرة لطبيعة النص الروائي فيحتويها و يتضمنها إما بالحفاظ على طبيعتها أو بإلحاق تغييرات عليها .
إن المقاربة التناصية للنص السردي هي مقاربة نسق بنسق حيث أن النص السردي يشكل في تبنينه و تمفصله نسقا يتضمن أنساقا مغايرة في تفاعل و تعالق داخل نسق ثقافي أو اجتماعي. إن مقاربة المتن هناك ترتكز في شق منها على الجانب البنائي: أي دخول بنيات نصية سواء كانت أدبية أو اجتماعية أو إيديولوجية إلى بنية النص المدروس. وفي شق ثان تركز على الجانب الدلالي وهو متأسس في الغالب على ظاهرة التفاعل والتعالق القائم بين عملية الإ بداع وعملية التلقي. إن إبداع النص وإنتاجه يقوم على تفاعله مع نصوص أخرى إما بالتضمين أو التحويل أو المسخ أو الخرق، وهذا راجع إلى رؤية المبدع وموقفه من النصوص المتفاعل معها. كما أن تأويل النص هو عملية تفاعلية تجمع النص والقارئ، ذلك أن القارئ هو حصيلة بنيات نصية، يتلقى بمرجعية ومخزون معرفي (18) .
4 . في المتفاعل النصي:
لقد تم تأويل النص السردي متن الدراسة انطلاقا من مصطلح المتفاعل النصي، وهو مشغل هنا لرصد التعاليات النصية.
لقد بلور الباحث هذا المصطلح لتحليل التعالق النصي أو التفاعل النصي. إذ بواسطته نفهم طبيعة التفاعل الحاصـل بين نص روائــي ونصـوص ثانية، إما مغايرة له في الجنس أو النوع أو الأسلوب، أو متجانسة معه. إن المتفاعل النصي في هذه الدراسة هو "النص الذي يدخل في علاقة مع نص ثان، أو يتفاعل مع نص المبدع، سواء كان هذا النص شعريا أو سرديا أو تاريخيا أو دينيا أو أسطوريا" بواسطته يتم تحديد طبيعة التفاعل وكذا نوعه.
إن المتفاعل النصي كمصطلح سردي صاغه الباحث انطلاقا من مفهوم التفاعل النصي ضمنه تصورا معينا أطر الدراسة ككل. و لـه قدرة واصفة: واصفة للنص بالتحليل والتفكيك وتمييز البنيات النصية عن غيرها من النصوص وكذا وصف التغيرات الطارئة عليها أو الطارئة على النص الروائي ذاته.
ويقوم مصطلح المتفاعل النصي بدور الوساطة بين الباحث والنص موضوع التحليل وكذا بين القارئ والنص النقدي. فبعد تشغيل هذا المصطلح نتمكن من تحديد المتعاليات النصية: المناص والتناص والميتانص ومعماريــة النص والنــص اللاحق(19) . كما يرتبط المتفاعل النصي بالتفاعل النصي، يرتبط بالتعلق النصي، وإن كان هذا الأخير أبسط علاقة تربط نصا بنص، حيث يكــون النص المتعلق نصا لاحقا والنــص السابق متعلق به(20) . إما محــاكاة أو تحويلا أو معارضة.
إن تشغيل هذا المصطلح يساهم في بناء النص دلاليا، ذلك أن عملية التفاعل التي ينجزها النص السردي ليست عملية بريئة، بل تحكمها مقصدية وإستراتيجية، أي أن للتفاعل موقف نقدي أو رؤية نقدية. فالتحويل أو التضمين أو الخرق (21). أفعال تحكمها غاية وهدف، وهي ترتبط بقضايا معرفية وثقافية وتراثية، (علاقة المبدع بالتراث). بهذا ينفتح المصطلح على مشكلات وقضايا تهم النقد الأدبي والتنظير للنص الأدبي ضمن دائرة الاشتغال الابستيمولوجي و المعرفي على أساس أن المصطلح يشتغل أثناء التحليل متضمنا تصورا أو مفهوما معينا، و المفهوم كما هو معروف مرتبط بالفكر و المعرفة و بناء التصورات فمن خلاله تتحدد علاقتنا بالفكر و العالم و كذا عمليات التفكير و تمثيل الأنساق (22).
5 . في الخلفية النصية :
يتم تشغيل هذا المصطلح على مستويين: مستوى مرتبط بمحفل النص و آخر مرتبط بمحفل القارئ فيكون بذلك مصاغا لرصد عمليتين: عملية إنتاج النص وعملية تلقيه. ذلك أن الذات تنتج الدلالة النصية انطلاقا من خلفية نصية ثم تشكيلها من خلال التفاعل مع نصوص سابقة و في مراحل متعددة . هذه الخلفية النصية تتحدد عند سعيد يقطين من خلال تمثيلها: بـ "النص القابع في دواخل كل واحد منا و هو عند البعض ثابت و عند آخرين متحول" (23). إن هذا المصطلح له مقابل أو مرادف في نظرية التجاوب، يتعلق الأمر بمصطلح : سجل النص (24) المحيل إلى كل ما هو سابق على النص كنصوص (مغايرة أو مماثلــة لـه) و خارج عنه كأوضاع و قيم و أعراف تاريخية و اجتماعية و ثقافية. إن تكون سجل النص يتم عبر عملية طويلة و معقدة، حيث يتم انتخاب: عناصر دلالية معينة على حساب أخرى يتم إقصاؤها في ضوء العلاقة مع المحيط الاجتماعي و الثقافي العام .
إن اشتغال هذا المصطلح خلال عملية التحليل و تأويل النص السردي ينجز مجموعة من الوظائف، و هي وظائف تأسيسية للنص أو المعنى عند القارئ و تفكيكه للنص:
- بواسطة هذا المصطلح يتمكن القارئ من بناء ذات النص (تحديد البنيات النصية المساهمة في تشكيل النص قبل أن يخرج إلى حيز الوجود، فيغدو مقروءا). إنها عناصر تكوينية أو بنائية من خلال إدراكها نتمكن من استيعاب البناء الكلي للنص .
- بواسطة سجل النص، يتمكن القارئ من بناء المعنى ذلك أن المعنى متضمن في النص من خلال تبنينه و تمفصله، كما أن هذه الخلفية تكشف عن رغبة الكاتب و إيديولوجيته، و هي مرتبطة بالبنيات النصية المستوعبة من طرف النص إضافة إلى أن الكاتب يضمن نصه نصوصا أخرى باعتماد موقف نقدي أو رؤية إيديولوجية معينة .
- بواسطة هذا المصطلح، نتعرف على طبيعة التفاعل التي أقامها النص خلال سيرورة تكونه مع نصوص أخرى داخل سياق ثقافي .
6 . في زمن النص :
هو مصطلح موظف في كتاب قال الراوي (25) . وانفتاح النص الروائي. لقد استحدث هذا المصطلح لتجاوز المظهر النحوي لمقولة الزمن (26) و يرتبط هذا المصطلح بعملية القراءة أو فعل القراءة: ذلك ما نلمسه من خلال التقسيم الذي أقامه تودورف بين ثلاثة أنواع من الزمن: زمن الحكاية و زمن الخطاب و زمن القراءة. إن النوع الثالث يرتبط بمحفل القارئ ، حيث يتأسس هذا الزمن خلال تلقي النص السردي كما أنه مرتبط بسياق تلقي النص: الثقافي والحضاري والإيديولوجي، وكذا سياق القيم والمعايير والشروط العامة التي تتم فيها قراءة النص.
إن زمن النص يتحدد من خلال ارتباطه بعمليتين: عملية الكتابة وعملية القراءة. والعلاقة بين هذين البعدين هي علاقة بناء من خلالها يتم إنتاج الدلالة (27) :
- أثناء العملية الأولى: يتفاعل الكاتب مع معطى الزمن، فيؤسس وعيا بالزمن، أو موقفا منه، وذلك من خلال تخطيب زمن الحكاية المشكلة للمضمون الحكائي للنص الروائي، فيتفاعل زمن الخطاب وزمن القصة لتشكيل الوعي بالزمن.
- أثناء العملية الثانية: يتفاعل القارئ مع زمن النص، انطلاقا من زمن القارئ. النص يتضمن وعيا بالزمن وموقفا من الزمن ومعرفة به مجسدة نصيا وخطابيا وحكائيا، ويتم تلقي هذه المعرفة من خلال زمن القارئ : أي سياقه الثقافي والمعرفي والحضاري العام الذي ينتظم فعل القراءة كنشاط تواصلي يتم بين ذات القارئ و ذات النص. هذا الزمن (زمن القراءة) متعدد و تنوع تبعا لتنوع الذوات القارئة وكذا وضعيات تواصلهم وتفاعلهم مع النصوص واستراتيجية هذا التفاعل والتواصل. إضافة إلى تنوع سجلات القراء (28).
وقد تمت مقربة النص السيري من خلال مصطلح، زمن النص أي زمن تلقي النص وقراءته، وهو إما زمنا مباشرا أو غير مباشر، تبعا لطبيعة النص: فالتلقي المباشر مثلا في المجالس التي كانت تقام في الساحات العمومية. و كذا غير المباشر و هو مرتبط بمستوى ثان من التلقي، (قراءة النص السيري بعد طبعه) (29) .
7 . خـلاصـات :
- إن دلالة النص السردي تنبثق من خلال عمليات الإنتاج و التكون (تفاعل النص السردي مع مجموعة من النصوص) و كذا تفاعل المبدع مع مجموعة من البنيات السوسيوثقافية و الإيديولوجية و الأخلاقية و النفسية. ضمن سياق معين، و كذلك عبر عمليات التداول و الاستهلاك و التلقي و هي تنتظم تحت مفهوم التأويل أي تأويل النص السردي .
- إن تأويل النص السردي يتم عبر وسائط هي : المصطلحات السردية التي تنتظم وفق تصور معين يؤطر المقاربة ككل، ذلك أن هذه الوسائط هي أدوات إجرائية في التحليل و التأويل لها قدرة على فك التسنينات التي يشتغل وفقها النص السردي فيكون بذلك تأويل النص السردي: زحزحة للعلاقات و تغيير للمواقع و إعادة ترتيب العناصر التكوينية للنص السردي.
تحكم اشتغال المصطلح السردي في هذه المقاربة استراتيجية واضحة: تهدف إلى تحليل الحكي العربي أو مادة السرد العربي: خطابيا وحكائيا و نصيا. فيكون بذلك للمصطلح السردي بعدان : أول تجريبي من خلال: توظيف المصطلح و بعد صياغته و تطويعه في مقاربة النص السردي العربي بتحديد خصوصية النص الفنية و البنائية و الدلالية و ثان تأسيسي: الرغبة في تأسيس نموذج تحليلي تأويلي على ضوء الكفاءة التحليلية التي أثبتها الباحث في رصد بعد من أبعاد ظاهرة النص السردي العربي .
إن اشتغال المصطلح السردي عامة في البحث السردي عند سعيد يقطين يمكن تأطيره من خلال : الأساس الموضوعي: المصطلح مرتبط بموضوع السرديات النصية و الخطابية و الحكائية. الأساس المعرفي: تأسيس معرفة بالسرد العربي من خلال بعض أنواعه وأنماطه و أجناسه.
تتحدد قيمة المصطلح السردي في التحليل و تأويل النص السردي على إمكانيتين : إمكانية المصطلح في التحليل. و كذا إمكانية النص على التدليل، فيكون بذلك تأويل النص السردي بناء له من خلال تحليل تمفصلاته و كذا تحيين دلالته.
المتفاعل النصي و خلفية النص و زمن النص: تتعالق كمصطلحات لها بعد فني وإجرائي بظاهرة تهم النص السردي خاصة و النص الأدبي عامة، يتعلق الأمر بظاهرة التفاعل النصي. و هي ظاهرة ترتبط بالكتابة أو الإبداع و كذا القراءة بهذا تنفتح السرديات كتصور منهجي على الاجتماعي و النفسي من خلال استحضارها محفل القارئ الذي غدت له وظيفة تأسيسية و بنائية للنص الأدبي .
ــــــــــــــــــــــ
8 . هوامش :
(1 ) محمد شوقي الزين : الفينومينولوجيا و فن التأويل، فكر و نقد، عدد16 – 1999ص 71
( (2 نفسه : ص : 75
(3) ابن منظور : لسان العرب مصدر (أول). ج 11 دار صادر بيروت دون تاريخ ص 32
(4) محمد مفتاح : مجهول البيان : دار توبقال للنشر ط- 1 1990 ص 91
(5) Paul . R . le conflit des interpretations . seuil . Paris . 1969. PP 16 – 17
( ( 6 محمد مفتاح : التلقي و التأويل : مقاربة نسقية المركز الثقافي العربي ط 1 - 1994ص 218
(7) صلاح فضل : بلاغة الخطاب و علم النص : عالم المعرفة . عدد 1992-164 ص 233
( سعيد بنكراد : النص السردي نحو سميائيات للإيديولوجيا دار الأمان ط 1996.1 ص ص 26-25
(9) عثمان بن الطالب : تأسيس القضية الاصطلاحية (بحوث و دراسات المصطلح العلمي) تأليف جماعي بيت الحكمة. قرطاج. تونس وزارة الثقافة و الإعلام. 1989. ص 76
(10) انظر : رشيد برهون : المصطلح السردي و انغلاق الدائرة الاصطلاحية. العلم الثقافي. السنة 18 نونبر2000 ص 3 .
(11) عبد الفتاح الحجمري : السرديات في نماذج من النقد المغربي. فكر و نقد. عدد1998.6. ص 85
(12) انظر : سعيد يقطين : القراءة و التجربة1985 قال الراوي 1997 تحليل الخطاب الروائي 1989 انفتاح النص الروائي 1989. الرواية والتراث السردي .1992 ذخيرة العجائب العربية 1994 .
(13) عبد الفتاح الحجمري: السرد و بنية الحكاية. العلم الثقافي. السنة 29 السبت27 يونيو1998 ص
(14) أحمد بوحسن: مدخل إلى علم المصطلح. الفكر العربي المعاصر. عدد 67-66 1989. مركز الإنماء القومي ص 73
(15) سعيد بنكراد : النص السردي ص 22
(16) جابر عصفور : قراءة التراث النقدي دار سعاد الصباح ط 1992-1 ص 73
(17) سعيد يقطين : انفتاح النص الروائي ص 99
(18) سعيد يقطين : الرواية و التراث و السردي ص 29
19) نفس المصدر ص 30
(20) محمد الدغمومي: المفاهيم النقدية الملحق الثقافي 12يناير 2001 عدد579 ص 6
(21) سعيد يقطين : انفتاح النص الروائي ص 33
(22) عبد العزيز طليمات: فعل القراءة : بناء المعنى و بناء الذات (قراءة في بعض طروحات ولفغانغ أيزر) ص 154 . نظرية التلقي إشكالات و تطبيقات منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية الرباط . سلسلة ندوات مناظرات رقم 24 .
(23) سعيد يقطين : قال الراوي ص221
24) سعيد يقطين : انفتاح النص الروائي ص41
(25) سعيد يقطين : انفتاح النص الروائي ص49
(26) سعيد يقطين : انفتاح النص الروائي ص51
(27) سعيد يقطين : قال الراوي ص 228
__________________
عند سعيد يقطين
مصطفى سلام
1 . في التأويل
2 . في النص السردي
3 . في المصطلح السردي
4 . في المتفاعل النصي
5 . في الخلفية النصية
6 . في زمن النص
7 . خـلاصـات
8 . هوامش
--------------------------------------------------- ------------------------------------------------
1 . في التأويل :
إن التأويل فعالية ذهنية، انطلاقا من مجال محدد، و هو فعالية إنسانية ملازمة لكل نشاطات الإنسان، و هو يشكل التجسيد الشكلي لمضمون الفهم في كل عملية تواصلية، و قد أثبتت الدراسات و الأبحاث المهتمة بتحرير مفهوم التأويل: أنه وسيلة لاكتشاف السنن والسنن الفرعية باختلاف أنواعها: دينية، علمية، أخلاقية، ثقافية، إبداعية هذا ما جعل التأويل يرتبط بمعالجة إشكالية وجود الفهم أو كينونته، لا كتصور نفسي، و لكن كتصور ظاهراتي . يراعي خصوصية انفتـاح الكائن على ذاته و على الوجود، و ذلك لكون موضــوع الفهـم لـه أبعاد وجودية و جمالية و تاريخية (1 ) .
إن الهيرمينوطيقا أو فن التأويل (2 ) كما في بعض الترجمات تتميز عن التأويل بمعنى interpretationالأولى تحيل إلى الفن بمعنى الاستعمال التقني لآليات و وسائل لغوية ومنطقية و تصويرية و رمزية و استعارية. بمعنى أن الفن كالآلية لا ينفك عن الغائية، أي أن الهدف الذي توظف من أجله هذه الآليات هو الكشف عن حقيقة شيء ما، و عليه فكلمةherméneutique تعني فن تأويل و تفسير و ترجمة النصوص .
بهذا يكون التأويل فنا بمعنى : طريقة و اشتغالا على نصوص بتبيان البنية الداخلية لها و الوصفية و البحث عن حقائق مضمرة في النصوص و ربما المغمورة لاعتبارات تاريخية و إيديولوجية . و نفس الدلالة نجدها في المعجم العربي. لكلمة التأويل : و هو المرجع والمصير مأخوذ من آل يؤول إلى كذا أي عاد إليه (3 ).
إن الاستراتيجية التي انتظمت التأويل كفعالية يمارسها الإنسان تبعا لحالات ووضعيات متوخيا تحقيق غايات معرفية و وجودية، تقوم على اعتبار وجود معنيين: معنى حرفي و آخر مجازي، و هذا الأخير هو الأساسي، لأن المعنى الحرفي يقتل النص و المعنى المجازي يحييه 4)) . بمعنى أن أطروحة تعدد المعنى هي التي تسمح بالتأويل كإجراء و هو إجراء يرفض هيمنة مرجعية واحدة. و هذا التصور نجده عند بول ريكور حيث يقول: يكون تأويل عندما يكون تعدد في المعنى ( (5. إن أصل نشأة التأويل و سيرورة إجرائه ترجع إلى مقولتين : أولاهما غرابة المعنى عن القيم السائدة (الثقافية، السياسية و الفكرية) و ثانيهما بث قيم جديدة، أي إرجاع الغرابة إلى الألفة و دس الغرابة في الألفة كما يقول محمد مفتاح في التلقي و التأويل (6 ).
بهذا التصور للتأويل يندرج موضوعنا من خلال البحث في إمكانية المصطلح السردي التأويلية أو التحليلية، و هي إمكانية مؤسسة على قدرة النص على التدليل التي تتأسس بدورها ضمن سياق و ضمن شروط خاصة لتلقي المعنى المتعدد و رصد ترابيته.
2 . في النص السردي :
هناك تعريفات عديدة تشرح مفهوم النص بصفة عامة و أخرى تقف عند الخصائص النوعية الماثلة في بعض أنماطه المتعلمة خاصة الأدبية، و لن نقف عند الدلالة اللغوية لمفهوم النص التي تعني الظهور و البروز .
إن النص كما تذهب إلى ذلك كريستيفا : جهاز عبر لغوي يعيد توزيع نظام اللغة كما أنه يمثل عملية استبدال من نصوص أخرى، الشيء الذي يثبت إنتاجيته سواء إثناء الإبداع أو القراءة .
إن النص من خلال هذه المقاربة مفهوم يحيل إلى أفق أو فضاء خاص له حدود معينة، وتتجلى في هذا الفضاء مجموعة من الدلالات التي يسمح بها النص، و هي دلالات يتعين على القراءات النقدية تحديد مكوناتها و كشفها و تفسيرها بمنظوم منهجي معين (7 ) .
إن النص السردي وفق هذا التصور ناتج و متحقق عن تسنين سردي أي جملة الإجراءات والقواعد المنتظمة للسرد أو فعل الحكي و القص. إن هذه القواعد تحدد الأساس الفعلي لإنتاج نص سردي و ذلك من خلال مستويين ) :
المستوى الملفوظي : كل ما يعود إلى القصة باعتبارها مجموعة من الأحداث المترابطة فيما بينها : ذلك أن النص السردي في هذا المستوى كبناء لغوي يعبر عن كون دلالي ما. مستندا في ذلك إلى قواعد يقررها فعل القص كنشاط إنساني عام أنتج عبر تاريخه الطويل أشكالا كونية تشتغل كتحديد لكنه النص و جوهره .
المستوى التلفظي : حيث إن بناء نص سردي ما لا يقوم على وجود مادة حكائية جاهزة، يكفي تقديمها إلى القارئ كمادة غفل . إن الأمر يتطلب وسيطا تعرض من خلاله و عبره المادة الحكائية. فتدل المادة القصصية من خلال التشكيل الذي تخضع له .
3 . في المصطلح السردي :
يطرح المصطلح في اشتغاله جملة من القضايا و الإشكالات تخص جوانب أساسية من قبيل: الترجمة أو التأسيس النظري و علاقة المنهج بالمصطلح ... إلى غير ذلك من القضايا التي يعرفها المشتغلون بدائرة المصطلح . إن المصطلح في أصله وحدة لغوية أو عبارة لها دلالة لغوية أصلية، ثم أصبحت هذه الوحدة أو العبارة تحمل دلالة اصطلاحية خاصة و محددة في مجال أو ميدان معين لعلاقة ما تربط بين الدلالة اللغوية الأصلية و الدلالة الاصطلاحية، هذا المصطلح لا تتضح دلالته إلا من خلال السياق الأسلوبي الذي يندرج فيه، فتتلون وظيفته و تتغير دلالتـه بألـوان الكلمــات المجــاورة له في العبارة و ربما تتغير الدلالة تغيرات من لتغير النظام الأسلوبي 9)) .
إن الجانب الأول من هذا التعريف متعلق بالدلالة اللغوية : و هي دلالة تراكيب أسلوبية و ليست دلالة ألفاظ أو وحدات مستقلة و كل مجال معرفي يلجأ إلى استخدام رموز خاصة تعبر عما في الأذهان من مضامين علمية أو فكرية تعبيرا تكون أهم صفاته الدقة والموضوعية و هو ما يعرف باللغة الاصطلاحية. و هناك جانب متعلق بالمصطلح كقيمة: من خلال تحديد موقعه من النظام المفهومي و الجدول المصطلحي الذي يندرج فيه: تحول اللفظ كوحدة معجمية إلى وحدة مصطلحية بينما المصطلح كدلالة: فذلك من خلال طبيعة العلاقة المرجعية الجديدة التي تعرف الوحدة المصطلحية كاسم مشترك اصطلاحا ومواضعة إلى مفهوم خاص. ولا يجوز فيه الاشتراك أو الغموض. ويتم ذلك إما بالمجاز "أي التوليد مع الإبقاء على نفس الدال أو الاشتقاق والنحت والتعريب بفرز دال جديد.
إن المصطلح السردي هو المصطلح (في دلالته الأولى) موظفا داخل مجال السرد أو الحكي عامة، حيث أن جل الأبحاث السردية ابتداء من إسهامات الشكلانيين الروس وكذا المبادئ التي صاغاها عنها ف. بروب ... وانتهاء بالأبحاث المعاصرة في السرد والحكاية: أبحاث كريماس وجيرارجينت و رولان بارت. والمتتبع للبحث السردي يلاحظ تعدد المصطلح السردي وتنوعه، هذا التعدد يطرح قضايا تخص الصياغة والوضع من جهة، وقضايا التوظيف و التصرف من جهة ثانية، حيث أن ابتكار مصطلح سردي تقتضيه شروط و لوازم التحليل خاصة إذا لم توفره المعاجم المتخصصة و النظريات النقدية و هنا نكون أمام مشاكل الترجمة و التعــريب، و من له الأهليــة، هل الأمـــر يتحدد بالغايـــة أم أن العلميــــة والموضوعية تقوض مبدأ الغاية ، وكذلك مسألة انحسار مصطلح ما بتجاوز مصطلحات أخرى داخل نفس الجمال المعرفي 10).
إن انشغال المصطلح السردي تؤطره السرديات التي غدت تصورا و اختيارا واشتغالا نقديا و بعدا منهجيا مؤطرا لتحليل الخطاب السردي حيث تبحث في مكونات السرد و أصنافه و تركيباته و إجراءاته التخييلية بالوصف و التحليل 11)) ، و يتراوح تحليل السرد بين تحليل الخطاب من جهة، و تحليل الحكاية من جهة ثانية، فنكون بذلك أمام سرديات خطابية تبحث في طرائق عرض المادة الحكائية و سرديات حكائية تبحث في المضمون الحكائي للخطاب السردي، إن هذه الرؤية هي التي انتظمت المنجز النقدي عند سعيد يقطين: و هو منجز تنتظمه رؤية و استراتيجية تبحث في ما يشكل خصوصية التخييل السردي العربي و موقعه ضمن النظرية الأدبية بنحو عام داخل النسق الثقافي العربي العام .
هكذا يبحث سعيد يقطين 12)): في خصائص السرد و فهم بنياته و مكوناته: تحليلا وتأويلا. من خلال مقاربة النص السردي: النصوص الروائية و الحكاية الشعبية و العجائب. بقي أن نشير إلى ملاحظة أثبتها الباحث عبد الفتاح الحجمري و هي تتعلق بتقسيم البحث السردي عند سعيد يقطين إلى:
سرديات الخطاب: من خلال البحث في الراوي والخطاب و المروي له
سرديات القصة : الأفعال و الفواعل
سرديات النص : الكاتب و النص و القارئ 13)) .
و هذا موضوع يشكل البحث فيه مشروعا لمن رغب في مقاربة السردية العربية منهجا وتصورا و ممارسة، و علاقة ذلك بالنظرية الأدبية العربية و النقد الأدبي العربي عامة .
ارتباطا بالموضوع، سوف نقف عند بعض المصطلحات السردية على سبيل التمثيل لا الحصر، انطلاقا من ثلاثة مؤلفات: انفتاح النص الروائي والرواية والتراث السردي وقال الراوي: في تحليل المتن الدراسي. كما أننا سننظر إلى المصطلح السردي الموظف هنا كأداة للتحليل، ذلك أن البعد الإجرائي للمصطلح كأداة يمكن من ضبط الخطاب المدروس والتمكن من الإمساك بقوانينـه ومنطقـه وطرق انتظامـه14) )، في هذه الحالة يكـون المصطلـح بمثابــــة
نصر ناظم يؤدي دورا إجرائيا يميز ذاته عن لغة الخطاب المدروس من خلال المسافة القائمة بينه وبين الخطاب المدروس، وذلك راجع إلى ميكانيكية المصطلح كميكانيزم أثناء الاشتغال، تكشف عن ديناميته وإنتاجيته أثناء التوظيف والاستثمار.
1- يعد كتاب: "انفتاح النص الروائي – النص والسياق" استثمارا أوسع لكتابه الأول: تحليل الخطاب الروائي. منطلقا في ذلك من أسئلة تأسيسية: ما هو النص؟ كيف يدل؟ وعلى ماذا يدل؟ ودور السياق في تلقي النص؟ مسجلا بذلك انفتاح السرديات على ما هو اجتماعي، فنكون أمام ما سماه سعيد يقطين بالسوسيوسرديات كتخصص يسعى إلى توسيع السرديات البنيوية و ذلك بالانفتاح على الدلالة الاجتماعية للنص السردي ما دام هذا الأخير يقوم على مستوى تكونه بالتفاعل مع المجتمع و مختلف بنياته المعرفية و الأدبية و الثقافية و النفسية ...
لقد قام في البداية بعرض عملية التصورات الخاصة بمفهوم النص. و إجرائية هذا العرض في الممارسة النقدية ترتبط بإنجاز مهمتين أساسيتين تخصان استثمار المصطلح السردي .
- ضبط مرجع المصطلح: أي واضعه الأصلي الذي صاغه في صورة لفظية و ضمنها تصورا أو مفهوما أو فكرة قصد الاشتغال به، لمعالجة معرفية معينة داخل مجال معرفي ما . - ضبط الحقل المعرفي الذي يعبر المصطلح عن بعض جوانبه و يدور في فلكه، بحيث لا يفهم إلا في دائرته. أو يفهم في دائرة هذا المجال أكثر من مجال آخر .
إن هذا الإجراء ضروري من الناحية المنهجية و كذا من جهة إقناع الخطاب بضرورة المثـاقفة، و كذا إقناع القـارئ بأن المصطلـح الموظـف لـه انتماءات خارجية عن الخطاب النقـــدي العربي أو أن لـه مرجعية في التراث العربي . و المشترك لدى هذه التصورات المعروضة بخصوص مفهوم النص، هو التركيز على الجانب الدلالي أو الإمكان التدليلي للنص، و كذا دور السياق في تلقي النص و تأويله كما أن هذه المنظورات المتباينة على مستوى الخلفية المعرفية (لسانية و أسلوبية و وظيفية و تداولية و دلالية و تواصلية) تتكامل فيما بينها من خلال التركيز على البعد الدلالي للنص 15)) مادام هذا الأخير يتفاعل ما هو فكري ونفسي و إيديولوجي و اجتماعي و ثقافي ... في سياق إنتاجه و إبداعه . إن تحديد المرجع والمرجعية الخاصة بالمفهوم و المصطلح في مقاربة المتن مرتبط برؤية تأويلية من أجل تأويل منسجم مع البعد الدلالي الذي يسمح به النص، إن الرؤية التحليلية تقوم على مفهومين: مفهوم النص و التفاعل حيث إن النص مؤلف من خلال إنتاجيته و تدليله و طاقته الترميزية، باعتباره عينة سيميائية أو واقعة دلالية تشتغل داخل نسق شامل و الثقافة أما التفاعل فهو يشكل مظهرا مهما من مظاهر اشتغال النص مع نصوص سابقة أو معاصرة أو مغايرة له في الجنس أو النوع أو الأسلوب ... أي أن الظاهرة الإيداعية هي ظاهرة تناصية، تفاعلية ما دام الفاعل الإيداعي هو كائن تفاعلي .
و يمكن النظر إلى المنجز النقدي السردي عند سعيد يقطين من خلال محاور ثلاثة : محور المفاهيم و محور المصطلحات و محور التأويل والقراءة. فالتعريف الذي يعطيه للنص يثبت هذه الملاحظة: يقوله: "النص بنية دلالية تنتجها ذات فردية أو جماعية، ضمن بنية نصية منتجة و في إطار بنيات ثقافية و اجتماعية محددة" 16)) .
إن النص وفق هذا التصور دليل يتضمن دالا و مدلولا، أو واقعة دلالية تتمظهر من خلال بنية تركيبية و صرفية و لغوية و أسلوبية... تتضمن معنى و رمزا و دلالة. و قد تم رصد الجانب الشكلي في تحليل الخطاب الروائي من خلال التركيز على مفهوم الخطاب كمظهر نحوي للنص، بينما في هذا المتن يقارب الجانب الدلالي من خلال التركيز على مكون بنائي آخر: هو المكون النصوصي. أي كيف تدخل نصوص كبنيات دلالية مرتبطة بأجناس خطابية و لها خصائصها التركيبية و الأسلوبية في تشكيل النص المدروس ذلك أن النص السردي هو تراتبية من النصوص تشتغل داخل نسق عام هو نسق الثقافة (17) فيكون بذلك النص السردي متحقق عن تداخل تسنينين: تسنين سردي و تسنين نسقي: أي دخول أنساق هي متحققة عن تسنين معين إلى نسق النص السردي الناتج بدوره عن تسنين سردي معروف. فيكون بذلك السنن الســردي له من الطواعيــة و القدرة على تأطيــر بنيات مغايرة لطبيعة النص الروائي فيحتويها و يتضمنها إما بالحفاظ على طبيعتها أو بإلحاق تغييرات عليها .
إن المقاربة التناصية للنص السردي هي مقاربة نسق بنسق حيث أن النص السردي يشكل في تبنينه و تمفصله نسقا يتضمن أنساقا مغايرة في تفاعل و تعالق داخل نسق ثقافي أو اجتماعي. إن مقاربة المتن هناك ترتكز في شق منها على الجانب البنائي: أي دخول بنيات نصية سواء كانت أدبية أو اجتماعية أو إيديولوجية إلى بنية النص المدروس. وفي شق ثان تركز على الجانب الدلالي وهو متأسس في الغالب على ظاهرة التفاعل والتعالق القائم بين عملية الإ بداع وعملية التلقي. إن إبداع النص وإنتاجه يقوم على تفاعله مع نصوص أخرى إما بالتضمين أو التحويل أو المسخ أو الخرق، وهذا راجع إلى رؤية المبدع وموقفه من النصوص المتفاعل معها. كما أن تأويل النص هو عملية تفاعلية تجمع النص والقارئ، ذلك أن القارئ هو حصيلة بنيات نصية، يتلقى بمرجعية ومخزون معرفي (18) .
4 . في المتفاعل النصي:
لقد تم تأويل النص السردي متن الدراسة انطلاقا من مصطلح المتفاعل النصي، وهو مشغل هنا لرصد التعاليات النصية.
لقد بلور الباحث هذا المصطلح لتحليل التعالق النصي أو التفاعل النصي. إذ بواسطته نفهم طبيعة التفاعل الحاصـل بين نص روائــي ونصـوص ثانية، إما مغايرة له في الجنس أو النوع أو الأسلوب، أو متجانسة معه. إن المتفاعل النصي في هذه الدراسة هو "النص الذي يدخل في علاقة مع نص ثان، أو يتفاعل مع نص المبدع، سواء كان هذا النص شعريا أو سرديا أو تاريخيا أو دينيا أو أسطوريا" بواسطته يتم تحديد طبيعة التفاعل وكذا نوعه.
إن المتفاعل النصي كمصطلح سردي صاغه الباحث انطلاقا من مفهوم التفاعل النصي ضمنه تصورا معينا أطر الدراسة ككل. و لـه قدرة واصفة: واصفة للنص بالتحليل والتفكيك وتمييز البنيات النصية عن غيرها من النصوص وكذا وصف التغيرات الطارئة عليها أو الطارئة على النص الروائي ذاته.
ويقوم مصطلح المتفاعل النصي بدور الوساطة بين الباحث والنص موضوع التحليل وكذا بين القارئ والنص النقدي. فبعد تشغيل هذا المصطلح نتمكن من تحديد المتعاليات النصية: المناص والتناص والميتانص ومعماريــة النص والنــص اللاحق(19) . كما يرتبط المتفاعل النصي بالتفاعل النصي، يرتبط بالتعلق النصي، وإن كان هذا الأخير أبسط علاقة تربط نصا بنص، حيث يكــون النص المتعلق نصا لاحقا والنــص السابق متعلق به(20) . إما محــاكاة أو تحويلا أو معارضة.
إن تشغيل هذا المصطلح يساهم في بناء النص دلاليا، ذلك أن عملية التفاعل التي ينجزها النص السردي ليست عملية بريئة، بل تحكمها مقصدية وإستراتيجية، أي أن للتفاعل موقف نقدي أو رؤية نقدية. فالتحويل أو التضمين أو الخرق (21). أفعال تحكمها غاية وهدف، وهي ترتبط بقضايا معرفية وثقافية وتراثية، (علاقة المبدع بالتراث). بهذا ينفتح المصطلح على مشكلات وقضايا تهم النقد الأدبي والتنظير للنص الأدبي ضمن دائرة الاشتغال الابستيمولوجي و المعرفي على أساس أن المصطلح يشتغل أثناء التحليل متضمنا تصورا أو مفهوما معينا، و المفهوم كما هو معروف مرتبط بالفكر و المعرفة و بناء التصورات فمن خلاله تتحدد علاقتنا بالفكر و العالم و كذا عمليات التفكير و تمثيل الأنساق (22).
5 . في الخلفية النصية :
يتم تشغيل هذا المصطلح على مستويين: مستوى مرتبط بمحفل النص و آخر مرتبط بمحفل القارئ فيكون بذلك مصاغا لرصد عمليتين: عملية إنتاج النص وعملية تلقيه. ذلك أن الذات تنتج الدلالة النصية انطلاقا من خلفية نصية ثم تشكيلها من خلال التفاعل مع نصوص سابقة و في مراحل متعددة . هذه الخلفية النصية تتحدد عند سعيد يقطين من خلال تمثيلها: بـ "النص القابع في دواخل كل واحد منا و هو عند البعض ثابت و عند آخرين متحول" (23). إن هذا المصطلح له مقابل أو مرادف في نظرية التجاوب، يتعلق الأمر بمصطلح : سجل النص (24) المحيل إلى كل ما هو سابق على النص كنصوص (مغايرة أو مماثلــة لـه) و خارج عنه كأوضاع و قيم و أعراف تاريخية و اجتماعية و ثقافية. إن تكون سجل النص يتم عبر عملية طويلة و معقدة، حيث يتم انتخاب: عناصر دلالية معينة على حساب أخرى يتم إقصاؤها في ضوء العلاقة مع المحيط الاجتماعي و الثقافي العام .
إن اشتغال هذا المصطلح خلال عملية التحليل و تأويل النص السردي ينجز مجموعة من الوظائف، و هي وظائف تأسيسية للنص أو المعنى عند القارئ و تفكيكه للنص:
- بواسطة هذا المصطلح يتمكن القارئ من بناء ذات النص (تحديد البنيات النصية المساهمة في تشكيل النص قبل أن يخرج إلى حيز الوجود، فيغدو مقروءا). إنها عناصر تكوينية أو بنائية من خلال إدراكها نتمكن من استيعاب البناء الكلي للنص .
- بواسطة سجل النص، يتمكن القارئ من بناء المعنى ذلك أن المعنى متضمن في النص من خلال تبنينه و تمفصله، كما أن هذه الخلفية تكشف عن رغبة الكاتب و إيديولوجيته، و هي مرتبطة بالبنيات النصية المستوعبة من طرف النص إضافة إلى أن الكاتب يضمن نصه نصوصا أخرى باعتماد موقف نقدي أو رؤية إيديولوجية معينة .
- بواسطة هذا المصطلح، نتعرف على طبيعة التفاعل التي أقامها النص خلال سيرورة تكونه مع نصوص أخرى داخل سياق ثقافي .
6 . في زمن النص :
هو مصطلح موظف في كتاب قال الراوي (25) . وانفتاح النص الروائي. لقد استحدث هذا المصطلح لتجاوز المظهر النحوي لمقولة الزمن (26) و يرتبط هذا المصطلح بعملية القراءة أو فعل القراءة: ذلك ما نلمسه من خلال التقسيم الذي أقامه تودورف بين ثلاثة أنواع من الزمن: زمن الحكاية و زمن الخطاب و زمن القراءة. إن النوع الثالث يرتبط بمحفل القارئ ، حيث يتأسس هذا الزمن خلال تلقي النص السردي كما أنه مرتبط بسياق تلقي النص: الثقافي والحضاري والإيديولوجي، وكذا سياق القيم والمعايير والشروط العامة التي تتم فيها قراءة النص.
إن زمن النص يتحدد من خلال ارتباطه بعمليتين: عملية الكتابة وعملية القراءة. والعلاقة بين هذين البعدين هي علاقة بناء من خلالها يتم إنتاج الدلالة (27) :
- أثناء العملية الأولى: يتفاعل الكاتب مع معطى الزمن، فيؤسس وعيا بالزمن، أو موقفا منه، وذلك من خلال تخطيب زمن الحكاية المشكلة للمضمون الحكائي للنص الروائي، فيتفاعل زمن الخطاب وزمن القصة لتشكيل الوعي بالزمن.
- أثناء العملية الثانية: يتفاعل القارئ مع زمن النص، انطلاقا من زمن القارئ. النص يتضمن وعيا بالزمن وموقفا من الزمن ومعرفة به مجسدة نصيا وخطابيا وحكائيا، ويتم تلقي هذه المعرفة من خلال زمن القارئ : أي سياقه الثقافي والمعرفي والحضاري العام الذي ينتظم فعل القراءة كنشاط تواصلي يتم بين ذات القارئ و ذات النص. هذا الزمن (زمن القراءة) متعدد و تنوع تبعا لتنوع الذوات القارئة وكذا وضعيات تواصلهم وتفاعلهم مع النصوص واستراتيجية هذا التفاعل والتواصل. إضافة إلى تنوع سجلات القراء (28).
وقد تمت مقربة النص السيري من خلال مصطلح، زمن النص أي زمن تلقي النص وقراءته، وهو إما زمنا مباشرا أو غير مباشر، تبعا لطبيعة النص: فالتلقي المباشر مثلا في المجالس التي كانت تقام في الساحات العمومية. و كذا غير المباشر و هو مرتبط بمستوى ثان من التلقي، (قراءة النص السيري بعد طبعه) (29) .
7 . خـلاصـات :
- إن دلالة النص السردي تنبثق من خلال عمليات الإنتاج و التكون (تفاعل النص السردي مع مجموعة من النصوص) و كذا تفاعل المبدع مع مجموعة من البنيات السوسيوثقافية و الإيديولوجية و الأخلاقية و النفسية. ضمن سياق معين، و كذلك عبر عمليات التداول و الاستهلاك و التلقي و هي تنتظم تحت مفهوم التأويل أي تأويل النص السردي .
- إن تأويل النص السردي يتم عبر وسائط هي : المصطلحات السردية التي تنتظم وفق تصور معين يؤطر المقاربة ككل، ذلك أن هذه الوسائط هي أدوات إجرائية في التحليل و التأويل لها قدرة على فك التسنينات التي يشتغل وفقها النص السردي فيكون بذلك تأويل النص السردي: زحزحة للعلاقات و تغيير للمواقع و إعادة ترتيب العناصر التكوينية للنص السردي.
تحكم اشتغال المصطلح السردي في هذه المقاربة استراتيجية واضحة: تهدف إلى تحليل الحكي العربي أو مادة السرد العربي: خطابيا وحكائيا و نصيا. فيكون بذلك للمصطلح السردي بعدان : أول تجريبي من خلال: توظيف المصطلح و بعد صياغته و تطويعه في مقاربة النص السردي العربي بتحديد خصوصية النص الفنية و البنائية و الدلالية و ثان تأسيسي: الرغبة في تأسيس نموذج تحليلي تأويلي على ضوء الكفاءة التحليلية التي أثبتها الباحث في رصد بعد من أبعاد ظاهرة النص السردي العربي .
إن اشتغال المصطلح السردي عامة في البحث السردي عند سعيد يقطين يمكن تأطيره من خلال : الأساس الموضوعي: المصطلح مرتبط بموضوع السرديات النصية و الخطابية و الحكائية. الأساس المعرفي: تأسيس معرفة بالسرد العربي من خلال بعض أنواعه وأنماطه و أجناسه.
تتحدد قيمة المصطلح السردي في التحليل و تأويل النص السردي على إمكانيتين : إمكانية المصطلح في التحليل. و كذا إمكانية النص على التدليل، فيكون بذلك تأويل النص السردي بناء له من خلال تحليل تمفصلاته و كذا تحيين دلالته.
المتفاعل النصي و خلفية النص و زمن النص: تتعالق كمصطلحات لها بعد فني وإجرائي بظاهرة تهم النص السردي خاصة و النص الأدبي عامة، يتعلق الأمر بظاهرة التفاعل النصي. و هي ظاهرة ترتبط بالكتابة أو الإبداع و كذا القراءة بهذا تنفتح السرديات كتصور منهجي على الاجتماعي و النفسي من خلال استحضارها محفل القارئ الذي غدت له وظيفة تأسيسية و بنائية للنص الأدبي .
ــــــــــــــــــــــ
8 . هوامش :
(1 ) محمد شوقي الزين : الفينومينولوجيا و فن التأويل، فكر و نقد، عدد16 – 1999ص 71
( (2 نفسه : ص : 75
(3) ابن منظور : لسان العرب مصدر (أول). ج 11 دار صادر بيروت دون تاريخ ص 32
(4) محمد مفتاح : مجهول البيان : دار توبقال للنشر ط- 1 1990 ص 91
(5) Paul . R . le conflit des interpretations . seuil . Paris . 1969. PP 16 – 17
( ( 6 محمد مفتاح : التلقي و التأويل : مقاربة نسقية المركز الثقافي العربي ط 1 - 1994ص 218
(7) صلاح فضل : بلاغة الخطاب و علم النص : عالم المعرفة . عدد 1992-164 ص 233
( سعيد بنكراد : النص السردي نحو سميائيات للإيديولوجيا دار الأمان ط 1996.1 ص ص 26-25
(9) عثمان بن الطالب : تأسيس القضية الاصطلاحية (بحوث و دراسات المصطلح العلمي) تأليف جماعي بيت الحكمة. قرطاج. تونس وزارة الثقافة و الإعلام. 1989. ص 76
(10) انظر : رشيد برهون : المصطلح السردي و انغلاق الدائرة الاصطلاحية. العلم الثقافي. السنة 18 نونبر2000 ص 3 .
(11) عبد الفتاح الحجمري : السرديات في نماذج من النقد المغربي. فكر و نقد. عدد1998.6. ص 85
(12) انظر : سعيد يقطين : القراءة و التجربة1985 قال الراوي 1997 تحليل الخطاب الروائي 1989 انفتاح النص الروائي 1989. الرواية والتراث السردي .1992 ذخيرة العجائب العربية 1994 .
(13) عبد الفتاح الحجمري: السرد و بنية الحكاية. العلم الثقافي. السنة 29 السبت27 يونيو1998 ص
(14) أحمد بوحسن: مدخل إلى علم المصطلح. الفكر العربي المعاصر. عدد 67-66 1989. مركز الإنماء القومي ص 73
(15) سعيد بنكراد : النص السردي ص 22
(16) جابر عصفور : قراءة التراث النقدي دار سعاد الصباح ط 1992-1 ص 73
(17) سعيد يقطين : انفتاح النص الروائي ص 99
(18) سعيد يقطين : الرواية و التراث و السردي ص 29
19) نفس المصدر ص 30
(20) محمد الدغمومي: المفاهيم النقدية الملحق الثقافي 12يناير 2001 عدد579 ص 6
(21) سعيد يقطين : انفتاح النص الروائي ص 33
(22) عبد العزيز طليمات: فعل القراءة : بناء المعنى و بناء الذات (قراءة في بعض طروحات ولفغانغ أيزر) ص 154 . نظرية التلقي إشكالات و تطبيقات منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية الرباط . سلسلة ندوات مناظرات رقم 24 .
(23) سعيد يقطين : قال الراوي ص221
24) سعيد يقطين : انفتاح النص الروائي ص41
(25) سعيد يقطين : انفتاح النص الروائي ص49
(26) سعيد يقطين : انفتاح النص الروائي ص51
(27) سعيد يقطين : قال الراوي ص 228
__________________