روابط تحميل مؤلفاته :
الإستشراق
يعتبر الاستشراق، انطلاقاً من أواخر
القرن الثامن عشر، مؤسسة مشتركة للتعامل مع الشرق وحكمه، إنه أسلوب غربي
للسيطرة على الشرق، وإذا لم نكتنه الاستشراق بوصفه إنشاء فلن يكون في وسعنا
أن نفهم الفرع المنظم تنظيماً عالياً الذي استطاعت الثقافة الغربية عن
طريقه أن تتدبر وتنتج الشرق سياسياً، وعسكرياً، وعلمياً… إضافة الى الحدود
المعوقة التي فرضها الاستشراق على الفكر والفعل.
يأتي الكتاب في هذا الإطار وفيه يتناول إدوارد سعيد موضوع الاستشراق
وخلفياته وكيف استطاعت الثقافة الغربية من خلاله ان تتدبر الشرق وحتى أن
تنتجه سياسياً واجتماعياً وعسكرياً وعقائدياً وعلمياً وتخيلياً. ومن جهة
أخرى يتحدث إدوارد سعيد في كتابه هذا عن الاستشراق الذي احتل مركز السيادة
بحيث فرض قيوده على الفكر الشرقي وحتى على من يكتبون عن الشرق. وغاية حديثه
هذا هو الوصول الى كيفية حدوث كل ذلك ليكشف عنه وليظهر أن الثقافة الغربية
اكتسبت المزيد من القوة والهوية بوضع نفسها موضع التضاد مع الشرق باعتباره
ذاتاً بديلة.
تعقيبات على الإستشراق
الاستشراق هو الشرق كما ينسجه العقل
الغربي، ويمثل بمؤلفاته أسلوباً غربياً للسيطرة على الشرق، ويقول إدوارد
سعيد "... ومثل أي سلعة ناجحة رائجة، كان الشرق المصنع ممنوعاً من التبدل.
وإذا حدث ودخل جزء من تاريخه في تناقض مع خصائص السلعة كما رسمها
المستشرقون. فإن هذا الجزء سيقمع ويبطل ويلغى". كان إدوارد سعيد جاداً فيما
ذهب إليه في إخضاع الاستشراق وتآليفه وادعاءاته وأفكاره للتحليل على ضوء
دراسة علمية منهجية من خلال كتابه الذي تتناول فيه بالتحليل الاستشراق
وخلفياته، وفي هذا الكتاب يتابع إدوارد سعيد ما بدأه في كتابه الاستشراق
والذي جاء بمثابة نقلة حاسمة نحو تحليل العلاقة بين القوة والمعرفة من خلال
الخطاب الاستشراقي الذي أنتج الشرق سياسياً وعسكرياً وعلمياً. ويتحدث في
هذا الكتاب عن خطة المستشرق المحلف، والمؤرخ المبشر بالسياسيات
الكولونيالية (قديمها مثل جديدها)، والمفكر المتحرر من وطأة التاريخ..
تاريخ الآخر دائماً.
صور المثقف
هل المثقفون فئة كبيرة جداً من
الناس، أم نخبة رخيصة المستوى، وضئيلة العدد إلى أبعد حد؟ ثمة تناقض في
الجوهر حول تلك المسألة بين اثنين من أشهر الأوصاف التي طلقت على المثقفين
في القرن العشرين. ومن خلال هذه المحاضرات يحاول إدوارد إبراز معالم
المثقف، متفحصاً ما هو عليه اليوم ذاك الدور المتغير باستمرار للمثقف
معالجاً في هذه المحاضرات الست اللافتة والتي ثبتها الإذاعة البريطانية ضمن
محاضرات ريث الرفيعة المستوى في المجال الثقافي العالمي، سبلاً يمكن
للمثقف فيها أن يخدم مجتمعه على خير وجه، في مجابهة وسائل الإعلام وفي
مواجهة جماعات تسعى إلى المنفعة الذاتية وتخطى بالحماية على حساب المصالح
الأكثر أهمية للمجتمع ككل ويقترح إدوارد سعيد تعديل بصيرة المثقف لمقاومة
إغراءات الجبروت، والمال، والتخصص مدعماً حجبه البليغة في هذه المحاضرات
الشديدة التأثير، بشواهد مما قاله كتاب من أمثال انطونيو غرامشي، جان بول
سارتر، رجيس دوبريه، جوليان بندا أدورنو، وبأقوال معروفة لوجوه سياسية كان
لها دور مؤثر في هذا المجال مثل روبرت أوينهايمر، هنري كيسنجر، دان كوابل،
مستشهداً على الدور الهام الذي يلعبه المثقف على الصعيد الشعبي من خلال
أحداث هامة مثل فيتنام وحرب الخليج.
هذا وأن هذه المحاضرات في وجه من وجوهها إنما تعكس ما يراه إدوارد سعيد في
المثقف العصري المتمثل برئيس التحرير، أو الصحفي، أو الأكاديمي أو المستشار
السياسي، كمحترف متعمق في تخصصه، انتقل من موقع الاستقلالية إلى إقامة حلف
مع منظمات مؤسساتية شديدة القوة والبأس. مسلطاً الضوء في النهاية على دور
الإنسان المثقف الهاجر والمنفي والمغترب والهاوي في حماية الدور التقليدي
للمثقف، كصوت معبر عن الاستقامة والشجاعة، القادر على قول الحق، جهراً، لمن
هم في مراكز النفوذ والسلطة.
آلهة التى تفشل دائما
كل مثقف مهنته هي إيضاح وتقديم أفكار
ووجهات نظر وأيديولوجيات محددة، يطمح منطقياً إلى إنجاحها في المجتمع.
والمثقف الذي يدّعي الكتابة فقط لذاته الخاصة، أو لأجل المعرفة الخالصة، أو
العلم المجرد، لا يجب أن، ويجب ألا يصدق. كما قال كاتب القرن العشرين جان
جينيه ذات مرة، في اللحظة التي تنشر فيها مقالات في مجتمع تكون قد دخلت
الحياة السياسية فيه، وهكذا إذا كنت لا تريد أن تكون سياسياً لا تكتب
مقالات أو تعبر عن رأيك بحرية.
تلك هي صورة المثقف المرسومة في ذهن وفكر إدوارد سعيد وهي صورة تتمتع
بانتقائية مجردة عن الدوافع والأغراض المعروضة في السوق السياسية أو
الاجتماعية أو الفكرية أو أو... والتي منها يتزود منها مثقف اليوم، والتي
من خلالها يرسم أفكاره وتطلعاته وآرائه التي يشيعها بين الجميع، فيضحي وبعد
أن كان متأثراً بالمنحى السياسي أو الاجتماعي أو الفكري، مؤثراً في طموحات
قرائه إلى أبعد حد، وخصوصاً إذا كان ذا هالة إعلامية.
إلا أن إدوارد سعيد هو ضد هذه النمطية للمثقف، فهو يعلن وبكل صراحة أنه ضد
الاهتداء والإيمان برب سياسي من أي نوع، معتبراً أنهما سلوك غير صالح
للمثقف، وهو لا يقصد أن يبقى المثقف على حافة الماء يتحسسه بإصبع من حين
إلى آخر، ويبقى معظم الوقت دون بلل. فكل شيء كتبه إدوارد سعيد في محاضراته
هذه حول صورة المثقف المتجرد، يؤكد أهمية انخراط المثقف العاطفي والمخاطرة
والتعرية والالتزام بالمبادئ والحساسية في النقاش والتورط في قضايا الناس
والبلدان. والفارق الذي رسمه إدوارد سعيد مبكراً بين المثقف المحترف
والهاوي مثلاً يرتكز بدقة على هذا؛ إن المحترف يدعي الاستقلال على أساس
الحرفة ويتظاهر بالموضوعية، في حين أن الهاوي لا يثار بالمكانات ولا بإنجاز
سريع لحظة عمل؛ بل بالارتباط الملتزم بأفكار وقيم في الجو العام.
والمثقف مع الزمن يرتد نحو العالم السياسي بشكل طبيعي جزئياً، لأن هذا
العالم بخلاف الأكاديمي أو الباحث في مخبر، تبعث فيه الحياة اعتبارات قوة
ومصلحة على نطاق واسع تقود مجتمعاً أو أمة بكاملها والتي تحول المثقف من
تأويل مسائل غير مترابطة نسبياً، إلى مسائل أكثر أهمية للتغير والتحول
الاجتماعي.
إلى جانب ذلك يثير إدوارد سعيد مسألة حساسة تتمحور حول انتماءات المثقف.
والتي تتكون تبعاً للمعطيات الأكثر تأثيراً في الدائرة السياسية. فجوهر
ظاهرة التحول عن مذهب، والسارية في النخب الثقافية، هي الانضمام، ليس في
النخب الثقافية، هي الانضمام، ليس في الانحياز ببساطة، بل الخدمة. ويقول
سعيد أنه ومع أن المرء يكره أن يستخدم الكلمة المناسبة لهذه الحالة وهي
"العمالة" إلا أن هذا الانحياز ببساطة هو عمالة. مضيفاً أنه نادراً ما وجد
مثال هذا النوع بغيض ومخز في الغرب عموماً، وفي الولايات المتحدة خصوصاً،
أكثر مما في الحرب الباردة، عندما انضمت حشود من المثقفين من المثقفين إلى
ما اعتبرته معركة حاسمة على قلوب وعقول الناس في كل أنحاء العالم.
وهذه الصورة وجدها إدوارد سعيد في حفنة صغيرة جداً من المثقفين العرب
المتواجدين في الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة، حيث اكتشفت هذه
الحفنة لنفسها دوراً جديداً هناك. إذ أنهم كانوا ذات مرة مناضلين ماركسيين،
غالباً تروتكسيين، ومؤيدين للحركة الفلسطينية، ولاحقاً أصبح بعض هؤلاء بعد
الثورة الإيرانية إسلاميين، وعندما انهزمت الآلهة (أي مراكز انتماءاتهم)
أو اضطرت للانسحاب بعيداً، خرس هؤلاء المثقفون، ابان البحث عن آلهة جديدة
ليخدموها.
من هنا يبرز القول أن على المثقف أن يتنقل ويقابل الناس، وعليه امتلاك فسحة
ليقف ويرد على السلطة، لأن التبعية الكاملة للسلطة في عالم اليوم واحد من
الأخطار الأعظم على الحياة الفكرية الأخلاقية النشطة. ذاك ما دار حوله حوار
إدوارد سعيد والذي رسم من خلاله صورة المثقف الحر اللامنتمي والفاعل في
مجتمعه بصورة إيجابية بناءة.