(الصوت والمعنى)
في تركيب المفردة الشعرية ، لقد ترك لنا السياب منظومة متشابكة لاتنفصم من ناحية تركيب المفردة الشعرية ومعناها ، أي بين الكلمة ومدلولها وهي العلاقة التي تتكون باثر رجعي كما يقول (شتراوس) ، مايتعلق بالتشكيل الصوتي والدلالي وهو التغير الذي يشمل المستوى الدلالي في الشكل والبنية وهذا التغيير ياتي وفق التحقق من الصياغة في الجملة الشعرية لانه يشكل المعنى ومانطلق عليه بالتحديث الشعري بالبنية الدلالية .
يقول السياب:
جميل هو السهد ارعى سماك
بعيني حتى تغيب النجوم
ويلمس شباك داري سناك
جميل هو الليل : اصداء بوم
وابواق سيارة من بعيد
واهات مرضى ، وام تعيد
اساطير ابائها للوليد.
وغابات ليل السهاد ، الغيوم
تحجب وجه السماء
وتجلوه تحت القمر .
وان صباح ايوب كان النداء :
لك الحمد ياراميا بالقدر
وياكاتبا بعد ذاك الشفاه !
لقد تميز السياب بالنقلات الزمكانية للصورة وفق اصرة بلاغية تنتمي الى تشكيل صوري بالغ الدقة الموضوعية ، فهو يتحدث بجملته الشعرية عن التكوين اللغوي الشعري بالصوت الموضوعي الذي يخترق الحدث الشعري ليشكل بنيه في الصورة تشبه الجوهر البلاغي المتمثل بالعاطفة اللغوية ، فجاءت جمل السياب الشعرية وهي تشكل صور متداخلة بايقاع تمثيلي للاشياء وبوسائل لغوية تشكل التحديث والتمثيل للعاطفة ولذلك جاءت قصائد السياب محملة بالوعي الشعري وبانتاجه النوعي اضافة الى المشاهدة التي يشكلها السياب وفق تفاصيل جمالية تشير الى مذاق ولذة خاصة ، والسياب يجمع داخل هذه الصور البلاغية:
اولا: اصرة الجمال في (السهد والنجوم )
ثانيا: اصرة (الزمكان) (شباك داري سناك)
ثالثا: اصرة الغربة في ( اصداء البوم- وابواق سيارة من بعيدواهات مرضى)
رابعا: اصرة قصص النساء في ( وام تعيد اساطير ابائها للوليد)
خامسا: اصرة العظمه الجليلة في( وان صاح ايوب كان النداء :
"لك الحمد ياراميا بالقدر")
والسياب في هذا المناخ الجدلي التحليلي افصح عن البنية الشعرية بهذا الانفجار في الكشف عن المعالم المضمرة داخل النص الشعري وهي تتمثل بالصوت والمعنى والصورة البلاغية اعتمادا على عالم مفتت ولكن قدمه باصرة متماسكة وجدلا حيويا داخل عالم من الاضداد وبتناول يتركز في التفجير ليصل الى الطاقة السحرية الصوتية للجمل الشعرية ، فيخضع الشعر لمنظومة متدفقة صوتيا ولغويا للوصول الى الطريقة التاملية في تشكيل المعنى .
وقد مثلت الصورة الشعرية تلقائية وخلاصة لحركة الواقع كان اساسها هو الارتباط بالبنية التي ميزت لغتها واصواتها الخفية لانها وجود متشابه بين البنية الفنية الداخلية والبنية التي تتعلق بالشيء الظاهر في المدلول ، والسياب استطاع ان يركب بنية دلالية لمداخل بنية المخارج الصوتية والكشف عن التقدم المعرفي في اللغة عبر الربط للصور الشعرية بنظام العلامات للغة ، لان البنائية داخل المنظومة الشعرية هو مايتعلق بالانظمة الدالة التي كونت القصيدة هي الربط الجدلي بين اللغة والصوت الموضوعي الذي يتشكل داخل القصيدة .
يقول السياب :
من خلل الثلج الذي تنثه السماء
من خلل الضباب والمطر
المح عينيك تشعّان بلا انتهاء
شعاع كوكب يغيب ساعة السحر
وتقطران الدمع في سكون
كان اهدابهما غصون
تنطق بالندى مع الصباح في الشتاء .
من خلل الدخان والمداخن الضخام
ينعكس الزمن الاجرائي داخل زمنية وجودية تتقابل في تعريفها للاشياء والنزوع لاظهار الصور التي تحتوي على الحدث الشعري في الاصوات المتناثرة في القصيدة وهي تشتمل على تكوينات قدرية في توتر يحاول عصر الاختلافية في المعاني وتمييز المنعطف اللغوي باعتباره محورا يتقابل مع لحظة الوعي الشعري التي تغور لتكشف هذا التفجر داخل التجربة الحسية . والسياب كان قد شكل احكاما على عالم يتكون باتجاهات ورؤية اعطته دقة لكشف هذه الصور وطريقة تشكيلها وهذا ياتي بالوصف والاقتطاع الزمني والانتقال من بقعة لونية الى اخرى باحكام اختلافية نجدها في حركة الاطلاق لهذه الصور وهي تتقافز بشكل مباشر داخل تركيبة بنائية سيكولوجية ، فالمفردة في هذه القصيدة تاتي متدرجة داخل بنية مركبة ومختلفة المستويات والسياب يضفي عليها قيمة دلالية لتصبح متفردة المعنى حتى وان زاغ تطور الافادة من المضمون الفني في حين شكل الاستبعاد الدقيق للمعنى الذي لايشكل محورا يفيد الصورة الشعرية ، لان السياب حاول في نسج الصور الشعرية ان يتجاوز الترهل واللبس وان يشكل المفردة برؤية جمالية تتحكم بحرية التاويل الباطني فجاءت اللغة لتبرز الصور المتدافعة داخل بنية سسيولوجية تتعدد في دلالتها ولاتكف عن التركيز في الصورة والتوليد للمعاني .
الفصل السادس
البنائية الأسطورية عند السياب
في قصيدة
(سربروس في بابل)
تقدم لنا التصورات البنائية بطابعها الأسطوري ابنيه تركيبية تشير الى عملية البناء الذي يتعلق بالكيفية التركيبية للنصوص الشعرية ، هذه الابنية التي تقوم بتصور الوقع الاسطوري بوظيفة ذهنية بفرز نموذج يقيمه الفعل العقلي بعد الفراغ من عمليات التشكيل المدروسة بتراتبية بنائية وهي توجد بالقوة التصورية ، وبفعل التمثيل بمعالمها حتى يصل بالمبحث الاسطوري الى الدراسة المستفيظة والحالة المتتابعة للاحتمالات التي يتسع لها مصطلح البنائية الاسطورية عند السياب ، وان التصميم الذي يتعلق بهيكلية هذه المنظومة الاسطورية باعتبارها منظومة تتعلق بالكشف الحسي والادراك الظاهر للخصائص المتمثلة في العنصر التركيبي للصورة التجريبية للاسطورة وهي تعتمد على رموز عمليات التوصيل المتشكلة بالوقائع وان تعريف البنائية الاسطورية للشعر بانها اٍحكام دقيق لعمليات التوليد الذهنية بوقائع تتمثل في الوصف لبنية القصيدة عبر الاجابة على اسئلة تقتضي التمييز بين هذه التصورات المختلفة للبنية الاسطورية وهو الاصطلاح الذي تحدده نتائج ذات طابع موضوعي يحتكم فيه التوليد والخلق الشعري الى اسس معرفية . والسياب اتخذ من هذه الوحدات البنائية للاسطورة المكون المتشكل وفق قوانين الصياغة وعنصر التمييز بين المنظومة الاسطورية وطبيعة الوقائع التي تتصل بالظاهرة الصوتية للقصيدة الى جانب رمزها المتمثل بالقدرة على اثارة هذه التصورات الذهنية من الناحية الدلالية ، وعليه فان العناصر التي تتعلق بالجانب الاتصالي الصوتي للمفردة الشعرية الذي نسميه العنصر الموضوعي لحركة الاسطرة ، وقصيدة السياب (سربروس في بابل ) هي نسج اتصالي لحلقة مفقودة داخل هذه الوقائع في العراق وان اساسياتها مرتبطة بحالة التشابه البنائية من الناحية الاسطورية بين المدلول الخارج للحدث ، والمدلول الداخلي لتركيبة البنية السياسية في العراق وهي البنية الموضوعية التي تكشفت للوهلة الاولى بالسيطرة الاستعمارية على العراق واقامة منظومات سياسية خاوية وخائبة قامت بتجريدها للاشياء وفق حجة (البنائية السياسية الجديدة) وقد تشكلت هذه البنائية السياسية على مجموعة من المنظومات السياسية ذات الدلالة الخارجية وقد مثلت هذه المنظومات احكاما اسطورية شكلت في حينها اتجاها ت تاريخية وشخصية اعطته رؤية جديدة لعالم اسطوري تكمن فيه هذه الصورة البشعة المحكومة بالعلاقات المطلقة احيانا والمباشرة من الناحية الفوضوية في بناء هذه المنظومات. والبنية الاسطورية عند السياب خاضت غمار هذه الصراعات متصلة بتركيب النص الشعري ونسجه اللغوي – والصوتي الخفي الذي يظهر في اسطورة ( سربروس في بابل) وهو الكلب الذي يحرس ( مملكة الموت) في الاساطير اليونانية القديمة حيث يقوم عرش (برسفون) الهة الربيع بعد ان اختطفها اله الموت وقد صور دانتي (في الكوميديا الالهية ) حارسا ومعذبا للارواح الخاطئة( ).
والسياب يميز بين البنية من ناحية الاسلوب الاسطوري وهي تتصل بتركيبة النص والبنية المتعلقة بالنسج اللغوي الاسطوري ، وفي الحالة الثانية يتشكل النص الشعري عند السياب حيث نرى البنية تتصل بالحكاية ووظيفة الزمن والشخصيات وهيكل الاحداث الذي يشكل الخلية اللغوية بمستوياتها الصوتية وامكانياتها البنائية في تاكيد مهمة النص الشعري واهتمامه بفروع المعرفة الصوتية المتخفية والمضمرة داخل النص الشعري وهي تبحث عن الاسس النظرية لكي تجعل البحث النظري داخل هذه النصوص هي من الاهتمامات المتعمقة في اشعار القاريء الجاد بان هناك معطيات عديدة تقوم بعملية التحليل لهذا الاشعار الصوتي الخفي وهو يبلور نقطة عميقة الجذور في خلق هذا الكشف الدقيق للخصائص الاصيلة في نظم الايقاع الصوتي الخفي، وقد يظهر هذا النظم عند السياب وفق تراكيب عديدة من الاختلافات ذات الدلالات العميقة وهي القادرة بالمقابل على اضاءة حقائق قيمة ترتبط بالبنية الاسطورية وعقول تلك المجاميع البشرية التي تعين هذا الفهم من التطورات التي تحدث في هذه التشكيلات ذات النظام الايقاعي الظاهر وفق اسس جذرية تتعلق بالدور التكويني لاساسيات التوازن الاسطوري من الناحية اللغوية الذي يقوم به التركيب الشعري وفق الصيغة الكيفية من منظومة اللغة وتفاصيلها الصوتية الخفية التي تبلغ عنصر المبحث الشعري الذي يركز على المنظومة الايقاعية التي تتناسب والمجال الطبيعي لحركة الاسطورة في (سربروس في بابل) وهنا يتشكل الفضاء الاسطوري عند السياب بواسطة مركبات متعددة المستويات يطغي عليها الفعل الدلالي داخل اختلافية للبنية وفق قيمة دلالية للمعنى بانكماش مجال التعدد للمعاني وازدياد الاكتمال في الفائدة التي تجعل ثراء المضمون من الناحية الفنية هو الجانب الامكاني في الاستبعاد للمعاني المترهلة ،ونحن مع راي الجرجاني في المعنى الذي (ينقسم الى قسمين)(قسم انت ترى احد الشاعرين فيه قد اتى بالمعنى غفلا ساذجا ، وترى الاخر قد اخرجه في صورة تروق وتعجب)( ) المعنى الذي ياتي غفلا وفي الصورة الاخرى الذي ياتي مصنوعا ويكون ذلك اما لانه متاخرا قصر عن متقدم واما لانه هدى متاخرا لشيء لم يهتد اليه المتقدم. مثال ذلك:
قال البحتري:
ليل يصادفني ومرهفة الحشا
ضدين اسهره لها وتنامه
وقول المتنبي :
وقيدت نفسي في ذراك محبة
ومن وجد الاحسان قيدا تقيدا
وقول المتنبي:
وماثناك كلام الناس عن كرم
ومن يسد طريق العارض الهطل
وقول الكندي:
عزُّوا وعزَّ بعزهم من جاوروا
فهم الذرى وجماجم الهامات
في هذه الابيات تتشكل الصور بعملية اختلافية ، وان البنائية الشعرية التي تقول (ان المعنى في هذا البيت هو المعنى في ذلك ولاخلاف في معنى عائد اليك في البيت الثاني في هيأته وصفته، وان الحكم في البيتين كحكم الاسمين في منظومة اللغة مثل (سربروس في بابل) حسب ماتقوله الاسطورة اليونانية ، ولكن السياب جمع (سربروس) وهي كلمة يونانية مع كلمة تخص حضارة بابل وسربروس كلب يحرس مملكة الموت في الاساطير اليونانية – ولاعلاقة بين سربروس وبابل لان الكلمة اليونانية لايجمعها جنس واحد مع بابل لان بينهما اختلاف كبير في تفاصيل المعنى ولكن هناك تطابق بين سربروس ووجوده الان في العراق ، والسياب كان يميز بين هذه الاساطير ومسمياتها لانها تؤدي وظيفة تكاد تكون مطلقة من الناحية الفنية وهي تتمازج وتتداخل وتنسجم مع خواصها الاسطورية برغم التصوير المتناقض في نظر السياب الذي انتج هذا التناقض فهو السبيل الى حالة الصيرورة الوجودية واستمرار الحياة برغم الاحتلال ورغم مايحدث من انتهاكات مريبة وهذا يذكرنا بقصيدة السياب (وصيه من محتضر) حين يقول:
اين العراق؟ واين شمس ضحاه تحملها سفينة
خير البلاد سكنتموها بين خضراء وماء
هي جنة فحذار من افعى تدب على ثراها .
هذا يعني ان الرمز الاسطوري عند السياب كان رمزا ستراتيجيا في بابل ولو كان الناقد المبدع عبالجبار عباس حيا لغير رايه في مفهوم الاسطورة عند السياب لجعلها مفهوما ستراتيجيا وليس كناية بلاغية وليس فرصة للتلذذ باكتشاف الحقائق او الاختفاء وراء هذه الرموز ، وان الوظيفة الاسطورية لاتنتهي بمجرد الانكشاف للقاريء لتشكيلة هذه الرموز وان سربروس هو ليس رمزا للطاغية قاسم فقط انما هو رمز لاكبر احتلال عسكري (اميركي بريطاني للعراق) في العصر الحديث وفي هذا السياق اتذكر قال لي الناقد الانطباعي المبدع عبدالجبار عباس ( اني كتبت كتاب السياب بشكل سريع) ثم يستدرك الناقد الراحل في الصفحة (196) من كتابه السياب قائلا ( ان السياب عمد الى الاكثار من الاساطير لحاجة تنكرية) ويقول ( ان الاساطير في شعره ليست حلية جمالية تضاف الى قصائده ويمكن الاستغناء عنها ، بل امست ضرورة فنية واسلوبا راسخا يبني به قصيدته حتى لو لم يكن ثمة حرج من مضمون القصيدة بدليل انه عمد الى هذه الاساطير في هجائه للشيوعيين في قصيدة ( رؤيا 1956) وهذا اعتراف من الناقد المبدع عبالجبار عباس بان الاساطير تؤدي وظيفة تنكرية قد يصح في قصيدة ( سربروس في بابل )( ) وهو رمز اسطوري عبر عن خيبة امل سياسية لم تحقق الحلم المنشود في العراق .
يقول السياب :
ليعوِ سربروس في ا لدروب
في بابل الحزينة المهدمة
ويملأ الفضاء زمزمة ،
يمزق الصغار بالنيوب ، يقضم العظام
ويشرب القلوب
عيناه نيزكان في الظلام
وشدقه الرهيب موجتان من مُدى
تخبيء الردى .
و العلاقة التي تربط الاسطورة باللغة تكون من خلال ابراز الصورة ومظاهر التكوين في التشكيلة المرئية للصورة الشعرية وهي تقتضي رسالة لغوية تحدث داخل مجموعة من الاشياء وهي تنتقل الى السياق الاسطوري في اللغة ، لانها تتخلل اللحظة الحرجة في التصور داخل مكون لغوي اسطوري يتمتع بالمعنى الدلالي للاسطورة وهو مقتضى جديد لانطولوجيا الاسطورة عند السياب حيث تعود هذه الجذور الى مفهوم الحاضر الوجودي في فلسفة الاسطورة وفي اللحظة الراهنة عند السياب وهو يكتب النص الشعري لانه أقتضاء يتعلق ببيان هذا العنصر الوجودي للاسطورة وملامحه الحاضرة في مسار التذكير الواقعي في (سربروس في بابل) وهو ايضا الزامي في تبيان الموجود في الحاضر ، والامر يتعلق في مسار الكلب الذي يحرس مملكة الموت في الاساطير اليونانية باعتباره لحظة خطابية راهنة تتعلق بالحدث التاريخي للاسطورة لانه الكشف عن القيمة الاسطورية في ثنايا وجودها الذي تميز بالتحديث في اطارها الفلسفي وهو تساؤل عن اللحظة ودلالتها اللغوية ومدى الامكانية التي توفرها الاسطورة في تدشين التحديث كمسار يتمحور داخل منظومة التاريخ التي ارست الاشكالية التقنية كما تفسرها النصوص الاسطوريه ، وهي قيمة تقع في مركزية حركة التاريخ لانها اثبتت خصوصية هذا التحديث الاسطوري داخل نصوص السياب الشعرية ، والسياب اسس هذا التوازن الاسطوري في فلسفة التحديث وعمد على نقله خطابيا داخل شروط امكانيه ومعرفية وهي تتحرك بملاحظة جد تحديثية وفق مقتضيات الحالة الراهنة ، فالكلب (سربروس ) هو نفس الكلب الذي يجوب العراق من شماله الى جنوبه حاليا وهو نفس العراق المهدم وسربروس الذي يمزق اطفاله( بالنيوب ويقضم العظام) وينشر الخراب والمكان هو العراق ولبنان وفلسطين الحقول التجريبية فيما يتعلق بتحليل النص الشعري بانطولوجيا الحاضر، ويرى السياب ان التشخيص الدقيق لفلسفة الاختيار الاسطوري في اللحظة الراهنة هو الشكل الممتد داخل اسس منهجية تندرج داخل النص الشعري ،هذا المنهج اللاسطوري هو الذي شكل حفريات المعرفة منذ البداية لدى السياب وهو التجسيد الحقيقي لما يحدث باختيار يمتد عبر التاريخ . والسياب حول هذا الرصد للوحدات الاسطورية بتجذير يتعلق بالمقولات الواعية التي تولدت بلغة اتصالية عالية الوقع بعد ان قوض مفهوم الوظيفة التنكرية للاسطورة التي اشتملت الحس التاريخي الذي يلوذ به السياب كما يتهمه البعض من النقاد هنا وهناك في كتب النقد ، فالسياب لابس التاريخ بالاسطورة وبشكل تحديثي باعتبارها تحول في الانساق وتباين في الانشطار الذي اصبح يطبع مسار النص الشعري للسياب .
اشداقه الرهيبة الثلاثة احتراق
يؤج في العراق-
ليعِو سربروس في الدروب
وينبش التراب عن الهنا الدفين
تموزنا الطعين،
ياكله : يمص عينيه الى القرار ،
في هذه الابيات يشكل المنظور اللغوي بانساق فلسفة الاسطورة واقعا جدليا يستطلع اشكالية التاريخ ، اننا نستطيع ان نفكك هذا التشكيل في اللغة الاسطورية وفق انموذج بنائي يعكس دعامة الوجود الصوتي الخفي للنص وفق مركزية الماضي والحاضر ووفق رؤية ارسطية تفترض التاسيس اللغوي باقتراب يصور تدرج هذه العمليات وفق زمنية لغوية تتقدمها المصدرية السيكولوجية وفق منظومة تعتمد الثنائية ( السيكولوجية) الذهنية في استعمال يجذر التعيين بنظرية اللغة وذهنية القدرة التطبيقية للاسطورة واعادة تشكيل الوعي باستدعاء حركية التاويل لنمطية التفكيك الارسطي لهذه الوحدات التي تشكلت بنواة النظرية البنائية في اللغة ، فالسياب افصح عن الابنية النصية باحتياطي وفره ببناء سابق في حلقة القص الاسطوري ورهافة في النسج الشعري حيث طور هذه التكوينية الاسطورية بمشاهدة وسماع (العواء لسربروس) في الدروب وفق منطق اجرائي انتجه السياق الفلسفي للنص وفق انتقائية تاملية ماخوذة من تجربة اليباب لاليوت وعملية النبش في التراب والبحث الدقيق في ثنايا التركيب للاسطورة في (تموزنا الطعين) والسياب واصل تتبع الواقعة المحسوسة سسيولوجيا انه الفعل العملي لتجميع الحدود الفلسفية للاسطورة داخل بوتقة التفكيك التعاقبي الذي شكله الصوت في (ياكله يمص عينيه الى القرار) وهذا تحول في المنظور الرؤيوي عند السياب في فلسفة اللغة الاسطورية من وجهة النظر المركزية للابنية النصية وهي تقوم بتاهيل الوعي الاسطوري من وجهة نظر دالة وشروح تمرر هذا الارث الفلسفي للاسطورة عند السياب .
يقصم صلبه القوي، يحطم الجراء
بين يديه ، ينثر الورود والشقيق .
اواه لو يُفيق
الهنا الفتيُ، لويبرعم الحقول ،
لو ينثر البيادر النضارفي السهول،
لو ينتضي الحسام ، لويفجر الرعود والبروق والمطر
ويطلق السيول من يديه. اه لو يؤوب !
ان المباشرة بتمثيل العودة لحقيقة بعث الحياة من جديد لانها العنصر الوسيط الذي يربط بين لغة التمثيل هذه من الناحية (السيميولوجية) لانها تفعل فعل التجاوز لحدود اللغة العادية اي لغة الاداة الى لغة الاسطورة الفلسفية وهذا موضوع يعكس المبحث (السيميولوجي) في وحداته الدالة الكبرى لان المنحى اللغوي الذي ينتهجه السياب في هذه الاشكالية هو منحى الرسائل المشفرة التي تتواصل مع العام الاسطوري لفلسفة اللغة وفق دراسة بنائية تتموضع داخل الوظيفة الشعرية لانها الاهمية الدقيقة في اقتضاء الضرورة لان السياب يقوم بايقاف الانماط التقليدية للغة ذلك بانتقاله الى العمق لينشر البيادر النضار في السهول ، فهو يربط التفاوت الاختلافي في اللغة وفق سيميولوجيا تاسيسية لرموز اسطورية يستخدمها السياب كرسائل مشفرة يحاول ان يتواصل مع الرمزية التقليدية للغة وبالمحاور اللغوية الاوسع في ظل سيميولوجية التواصل (الانثروبولوجي للغة) (لو ينتضي الحسام ، لويفجر الرعود والبروق والمطر ) ويطلق السيول من يديه . اه لو يؤوب !) وهذه حالة التصنيف للابنية اللغوية وفق تلك المعايير المشفرة عند السياب من الناحية الاسطورية . والسياب اعتمد علاقة التجاور الحسي في اللغة، فالاشارة عنده ترتبط (بالدال والمدلول) وهي تتجاوز المنحى الواقعي الى مشهد الواقع الاسطوري ، وهناك علاقة ايقونية تتمركز في الدال والمدلول فهي ترتبط بالمشاركات الشكلية وتظهر اثناء القراءة او في التصوير اللغوي للمشهد في حقيقته الاسطورية ( الهنا الفتي لو يبرعم الحقول). لقد اتخذ السياب في بنائه الاسطوري دلالة تحديثية قائمة بين ماحدث في العراق في المرحلة الماضية اي في العام 1959 وبين ما يحدث الان من اشكاليات وتجاوز في ظل الاحتلال العسكري الاميركي البريطاني للعراق ، ففعل التشابه قائم بين المرحلتين التاريخيتين قبل العام 1958 وامتداداتهما فيما بعد وما حصل من نزاعات سياسية ، هذه التركيبة او المعادلة الرمزية فهي تؤكد الدال والمدلول في الرابطة الفعلية بين الداخل والخارج والحالة الرمزية التي لم تنفصل لانها تمثل مرجعيات رمزية واسطورية مختلفة ، واننا نلاحظ هذا التنوع التدريجي القائم على الانتقال داخل الحدث التاريخي من مرتبة تحديثية في النص الى مرتبة تحديثية اخرى وهي تتشكل من الناحية اللغوية على اساس تقليدي في عملية تفصيل الحدث كما قلنا في بداية هذا البحث ، الا ان الوظيفة الاسطورية هي التي تخضع هذه المستويات من البنية اللغوية الى الحالة الضروريه في تكوين الصيرورة ، وهو مظهر اشاري مشفر عند السياب لانه يكتسب اهمية (سيميولوجية) من ناحية انتاج الرمز الاشاري ليتفاعل مع العناصر الايقونية التي تتمثل في الدوائر اللغوية المشفرة مع الاخذ بعين الاعتبار الرموز اللغوية الاداتية التي تنبني بالتقابل مع هذه المفاصل الرمزية المحددة بالسيميولوجيا الثقافية وهي تضفي على النص عدة من الدلالات والاعتبارات السسيولوجية العامة .
يقول السياب:
لحافنا التراب ، فوقه من القمر
دم ، ومن نهود نسوة العراق طين .
ونحن اذ نبض من مغاور السنين
نرى العراق ، يسال الصغار في قراره :
(ما القمح ؟ ماالثمر ؟ )
ماالماء ؟ ماالمهود ؟ ماالاله ؟ ماالبشر ؟
فالتقسيم الذي تمحور في العلاقة السيميولوجية الخاصة بين (سربروس الاميركي في العراق) وهي الاشارة التي تتضمن العلاقة بين الدال والمدلول وفق منظومة (داخلية وخارجية) وهي ترتبط باشارات تتكون من سياقات متجاورة ومعروفة ، اما التشابه الحسي (لسيميولوجيا اللغة) التي تركزت على التجاور الواقعي وفق انموذج لغوي اسطوري واضح وهو يشير الى العلاقة الايقونية بين الدال والمدلول بالمشاركة النوعية التي تظهر للمتلقي لهذه الابيات الشعرية التحديثية عند السياب لتضع التشابه وفق النسبة والتناسب في اطار مراحل تاريخية تتجلى فيها المشاهد (السسيولوجية الحسية) وتلتقي فيها الصيغ المتناظرة بقساوة تلك الابعاد التاريخية ، والتشابه الحاصل في المحصلات في العراق ماقبل العام 1958 وما بعدها وبين احتلال العراق في العام 2003 من قبل الامبراطورية العسكرية الاميركية ، فالذي حصل هو صدق حدس السياب في التحديث للنص الشعري وماشكله من رموز اسطورية في الكلب (سربروس) هذا الكلب الاسطوري الذي ظهر في مرحلتين تاريخيتين من اخطر المراحل التأرخية التي حدثت في العراق الذي شكل التنوع في الدلالة التحديثية فاصبح معناه الرمزي يقع طرديا في سلم التاريخ وفي المقدمة في تصوير فعل هذا التجاور وقوته اللغوية الاسطورية وتراثه وعمقه الرمزي ، والسياب يهدف من هذا التحديث السسيولوجي للنص الشعري عبر البحث السيميولوجي ووفق وظيفة بنائية في تمثيل قائمة من الاسئلة ، ولذلك ينبغي ان نحدد طريقة الانبثاق في تفصيل معيار الحدث الشعري وهو يتركب من الاشياء ليتصل بتلك المحاور السيميولوجية التي تشير الى الضرورات الدالة في ( ما القمح؟ ما الثمر ؟ ما الماء ؟ مالمهود ؟ ما الاله ؟ ما البشر ؟ ) هذه الضرورات من الاسئلة تتعرض لجوانب سيكولوجية وسسيولوجية واقتصادية ودينية اضافة الى الدلالة الرمزية التكوينية وهذا يرتبط بتشكيلة الانبثاق التي تتعلق بمنهجية التحديث للنص الشعري عند السياب ، فكـان جواب السياب:
رفيقة الزهور والمياه والطيوب ،
عشتار ربة الشمال والجنوب ،
تسير في السهول والوهاد
تسير في الدروب
تلقط منها لحن تموزاذا انتثر ،
تلمه في سلة كأنه الثمر
لكن سربروس بابل – الجحيم
يحبُ . في الدروب خلفها ويركض
ان الوصول الى البنية السيميولوجية يؤكدها الاختيار التوثيقي للدلالة في انتظام يستخلصه كشف القواعد العملية للغة الاسطورية وفق المستوى التوقيتي الذي الزمه التناول لزمنية عشتار الدالة من الناحية الاسطورية , وهي زمنية متغيرة وفق حتميات واختيارات تتوضح انظمتها بالبحث على مستوى التاريخ للوصول الى حالة ايقاعية تؤكد سر المتغيرات في الوعي السيميولوجي للاسطورة ،وهنا يتم اخضاع العنصر السياقي الى مفهوم الدوائر الدلالية وفق استيعاب ينبثق بدلالة اختلافية للاسطوره(عشتار ربة الشمال والجنوب ) و(تلقط منها لحم تموز اذا انتثر ،) وهنا تاتي وظيفة النظم الدلالي المتعلقة بالمنهجية السيميولوجية طبقا للحالة البنائية ، والسياب يتمثل تصوره للاشياء من خلال تواصل حلقة الانبثاق للاتصال بالموضوع السيميولوجي للاسطورة وتشير دلالة الاشياء الى الحالة الضرورية التي يتركب فيها مستوى الوعي للاسطورة والتضامن الذي تقتضيه الوحدات المتبادلة سواء على المستوى اللغوي للاسطورة او مستوى الانساق التوفيقية داخل البنية اللغوية ، فالاختيار يأتي مرة اخرى في نظر السياب بحركة الفعل الانبثاقي حيث تنبعث عشتار بحكم التوفيقية الاسطورية وبرغم الخضوع السياقي وتدرجه واحتمالاته ، فالمنظومة الاسطورية تتناسب بشكل عكسي مع حجم الواقعة والوقيعة التي احدثها (سربروس في عشتار ) لكن الادلة اللغوية تشير الى عملية التوازن عند السياب وهي عودة البنية الاسطورية في التدرج والتقنية في الانبعاث . هذا التدرّج هو الذي يحدد مفهوم التغاير الذي يحدث في سيميولوجية اللغة بصفته تطابقا يفضي الى حاجة واستجابات لوسائط تتموضع في الاتساق والمكوث والاجابة على كل الاحتمالات التي يحدثها ( سربروس في بابل وفي عشتار حصرا)
يمزق النعال في اقدامها يعضعض ،
سيقانها اللدان ، ينهش اليدين او يمزق الرداء.
يلوث الوشاح بالدم القديم
يمزج الدم الجديد بالعواء .
ليعوِ سربروس في الدروب
لينهش الالهة الحزينة ، الالهة المروعه ،
فان من دمائها ستخضب الحبوب
سينبت الاله ، فالشرائح الموزعة
تجمعت ؟ تململت . سيولد الضياء
من رحم يترُُّ بالدماء .
لقد افرغ السياب اللغة من التليّف والخضوع الى طائلة الذات الاسطورية وعممها بالواقعة وبحركة تصويرية مثلت أداة التبادل في هذه الوقائع من صيغ اللفظ السيميولوجي الذي افصح عن معناه بطريقة منفتحة على الحس والربط الجدلي بين هذا التموضع داخل الحس والنسج داخل الجملة الشعرية بافتراض مبحث سيميولوجي يخضع العلامة الى الدلالة كما في (لينهش الالهة الحزينة ، الالهة المروعة ، فان من دمها ستخضب الحبوب) فالمبحث الدلالي اكتسب الجدية في الاتصال بالاخر حيث استند الى المطابقة في اللغة والتوثيق الاسطوريين وفق مقاومة تتشكل بالواقعة لعشتار والعودة الى الجذور الفكرية للاسطورة الرافدينية باعتماد المغزى السسيولوجي، لان هذا الافتراض يذكرنا بالمغزى الفكري وفق دلالة لغوية تشكل المحتوى لهذا الفكر الرافديني ، والسياب موضع المستوى الدلالي حين موضع اللغة وطوع الاسطورة تحت هامش التاويل باستهداف يمتلك انعكاسية مرتبطة بالخطاب الشعري المتين الذي وضع ارضية للدلالة تحت راية اللغة الاسطورية بانجاز تخاطبي ذي اهمية ( انثروبولوجية) مكن السياب من خلال التعبير الاسطوري واللغة المؤسطرة العالية الخصوبة ان يؤكد هذا الانفتاح داخل رؤية جدلية وجودية تعني بحركة الاتصال والتواصل مع جدلية التاريخ من خلال الكشف اللغوي للاسطورة وعلاقتها التحديثية بالنص الشعري صاحب الجاذبية العلائقية في التحديث .
الفصل السابع
قصيدة الراعي عند السياب
ووليم بليك ومحمد مهدي الجواهري
ضمن البواكير الاولى لقصائد السياب وفي الجزء الثاني من الديوان يكتب السياب قصيدة اسمها (اغنية الراعي) وهي انتقالة تميز هذه الثنائية التقليدية والتي تتطابق مع الاصول والاصوات التي تتشابك عند السياب سواء بتضمين الخطاب الشعري وتحميله الاشكالية المحكية وتكويناتها البنائية وهي تتجاوز التمييز البنائي من الناحية التركيبية ، فالقصيدة جاءت في السيرورة الاسبقية في التحولات اللغوية والاجتماعية فالتاثير الاحتمالي الملخص في هذا المظهر من البناء الشعري يعود الى الطفولة عند السياب وماشكله الراعي من لسان وخطاب ارتبط بالاقصى من الاشياء، حيث جاء في حركة اسبقية مرتبطة بالبناء التكويني للغة وبالمساهمة المنطوقة من خلال الاختيارات داخل مستويات التحليل الرومانسي والتكوين المعقد للاشكالية البنائية التي سيطرت على الابنية اللغوية وانتجت هذا التمرير السسيولوجي للخطاب وفق نزعة سببية تقوم بهذا النحو التوليدي للمقابلة في الخطاب والبحث عن الاستخدامات المسكونة بالتغيير من ناحية المقابلة القائمة بين الاهمية التكوينية الشعرية عند السياب تجاه الراعي وبين الروابط القائمة بين الراعي والعالم الموضوعي ، والخطاب الشعري للراعي عند الشعراء الاخرين امثال (الشاعرين محمد مهدي الجواهري ، ووليم بليك ) واننا في هذه الاضاءة نحاول ان نسلط الضوء على هذه القصائد الثلاث مع الاحتفاظ بالمستوى التطوري وتشكيلاته المتقابلة في استخلاصات مشروطة بالتعدد والتمركز داخل تفاصيل الخطاب الشعري الذي يطابق عملية التوتر عند الشعراء الثلاثة في اطار التجربة الزمكانية مع التطابقات اللغوية ومع حالة المركزية الرمزية للحدس الانساني وبتحليل بنائي يخضعه الشاعر لوجهة نظره التكوينية. يقول السياب في اغنية الراعي:
دعي اغنامنا ترعى حيال المورد العذب ،
وهيا نعتلي الربوة يافتنة القلب
فنلقي تحتناالوديان في ليل من العشب !
خيالا نابه طيف من الامال والحب !
ان اهمية البعد الزمني الملازم للتجربة الرومانسية وفق تطابق للابنية اللغوية والذي يعنينا من هذه الذات الناطقة هو الحضور لانجاز لحظة الوعي الانساني وفق التصنيفات التكوينية للصورة الشعرية واللوحة الاجرائية للبنى اللغوية والترادف الاجرائي داخل هذا المبحث الشعري بين (المورد العذب- ويافتنة القلب ) والانسجام الدقيق لمجرى الخطاب الشعري من ناحية تاكيد حقيقة الذات داخل المعاش من المضامين الثنائية( فنلقي تحتنا الوديان في ليل من العشب!) (وخيالا نابه طيف من الامال والحب ) فقد ثبتت اشكالية الذات مع الثنائية في المضامين وبقدرة لغوية متنت هذا الاتصال بالانتماء الى النزعة الجوهرية في معرفة العلاقة القائمة بين الذات ونشاطها الاجرائي، مايتأسس على هذا المنطق وتمثله التاملي والانفتاح على التجربة الموضوعية من حيث الانفتاح على العلاقة التي تربط اللغة ومعاييرها الوظيفية للتجربة الشعرية والتي تشكل حيزا كبيرا في المواءمة بين القصدية الفلسفية في الشعر وارتباطها بالحدث والسيرورة لتحديد المنجز في عملية التعالق بين المدارك الشعرية الموضوعية وارتباطها بالمعنى وبين الموروث الانساني والحشد في التدرج لايضاح طبيعة الواقع الموضوعي وتفاصيله البنائية في الشعر .
يقول وليم بليك في قصيدة الراعي:
مااحلى نصيب الراعي الحلو ،
يتيه من الصباح الى المساء :
فلسوف يتبع خرافه طوال النهار
وسوف يكون لسانه مفعما بالثناء.
لانه يسمع نداء الحملان البريء.
ويسمع جواب النعاج الناعم .
فهو يراقب وهم في سلام
لانهم يعلمون ان راعيهم قريب( )
في قصيدة (الراعي) لوليم بليك هناك حضور يتعلق بالزمكان لضمان سلامة القطيع وهو اتصال زماني موضوعي بالمطلق حيث يظهر الوجود وهو المهيمن على حركة الاشياء ،وهناك الحرية لدى الراعي في قيادة القطيع لانه التيه مع قطيعه وهو السير الوجودي المؤشر في الزمنية الحاضرة في نصيب الراعي الذي قبله وهو النصيب الذي يشده لمستوى من الاختيار المشفوع بالتامل من قبل الراعي ومستوى القدرة والتحقق في هذا الخطاب ومبحثه الوجودي ومكوناه المصدرية في التكوين الزمني الديني وارتحال هذه العلاقة المتعلقة بالقوة والوجود ، والخصائص الامكانية في تشكيل العالم الذي شاهد قوة الوعي في صورة الراعي في صورة المسيح الراعي الذي بلوره التمثيل المتوازن في خاصية التحمل على مستوى القوة التكوينية وهذا هو الاساس التفصيلي في حلقات القدرة والتامل في الفكر المسيحي على العموم وهذه القدرة الدينية المسيحية تشكلها انماط من التصوف عبر عموم موضوعي يسترسلهالشاعر في ابياته في هذا التيه الذي يجمع الراعي مع خرافه وفق سمفونية مفعمة بالثناء كما يقول وليم بليك لانه يسمع نداء الحملان البريء ويتفق بليك مع السياب بان هذه المشاهد تعبر عن غد زاهر ينساب كانسياب النهر ونداء ياتي وهو نفس النداء عند بليك يذوب في هذا التيه مع وقع خطى الفجر .
يقول السياب:
خطانا تبعث الذكرى بقلب الورد والزهر
سيبقى في غد منها صدى ينساب في النهر
وفي الانداء ماذابت على وقع خطى الفجر
وفي اغنية الرعيان مابين الربا الخضر
وتتشكل البنية المركبة في القصيدتين التي تضفي عليهما القيمة الدلالية في حدود التوحد التفكيري الناضج للاداء الوظيفي الذي يشكل مستويات متعددة داخل البنية ليمنح الكلمة قيمة دلالية تنفرد بمعناها داخل الانكماش الذي يفضي الى تعدد في المعاني ،ولكن السياب وبليك حددا اكتمال الافادة في ثراء المضمون النصي بشكله الفني وهذا ما وحّد خواص التشكيل النصي عند السياب وبليك وابعدا المفردات التي لاتحتوي على مركبات هورمونية تفيد الجملة الشعرية وهذا مابرزه محمد مهدي الجواهري في قصيدة الراعي لانها تمتلك لغة جماعية تتركب بالدلالات وتبيح توليد المعنى داخل حدود الجملة الشعرية وضمن تطبيق مبحثي للنص وبقدرة على الخلق الفني بارتياد السلم الحساس للمنظور البنائي والسيطرة المتعددة لمركبات المعاني ذلك لاحتوائها على المنطق الجدلي وهي تنتهي الى التحليل الدقيق للدلالة على اساس التعدد في زوايا مفهوم النص .
يقول الجواهري:
لف العباءة واستقـــلا
بقطيعه عجلا ومهــلا
وانصاع يسحب خلفــه
ركبا يعرس حيث حـلا
يرمي بها جبلا فتتـــ
بع خطوه ويحط سهـلا
أبى يقاسمها نصيبـــا
من شظيف العيش عدلا
يصلي كما تصلي الهجير
ويتقي ثمدا وضحــلا
اوفى على روض الحياة
يجوبه حقلا فحقـــلا
وارتد يحمل مــا يصو
ن دما وما اغنى وقـلا
(نايا) يذود بــه الونى
ويلون النسق الممــلا
وعصى يهش بهـا وير
قى ذروة، ويقيم ظــلا
يــاراعي الاغنام انت
اعز مملكة واغلـــى
ان ماشكله الانسان من فضيلة عن طريق المقارنة في اتيان قوة التعدد في قول الكلام الحسن داخل منظومة دلالية من الالفاظ والمفردات من الجمل الشعرية التي تشكل التامل في فلسفة الشعر وهي وسيلة لفهم الانسان وتحركاته وتفكيره داخل هذا الوجود ، وكان للسرد الشعري عند الجواهري وهو الذي يحتل قصائده منذ وقت مبكر وتحيل الوقع الاسطوري الموضوعي مكانا مهما في المحيط الذي يتحرك فيه الجواهري وهذا مانلاحظه في شعر السياب ايضا وتحيل الجزء الكبير من شعره خاصة انشودة المطر والمومس العمياء وتقع في مقدمة اعماله النظرية بمقومات سردية ناضجة ، والجواهري والسياب اعطيا التخييل داخل ازمنة امكانية تمثلت( بانثروبولوجيا الشعر) لانهما ركزا القدرة الفلسفية للتاويل الشعري داخل هذا التخييل التاويلي واكتسبت نصوصهما طاقة لفظية وادبية شكلا على اساسها التخييل الامكاني داخل هذه المكونات التفكيرية للوجود الشعري.
يقول السياب:
سالنا العالم الفاني والناس ومرعانا
لقد سجنوا باغلال من الانظار نجوانا
سننشد في امان من عيون الناس ماوانا
السياب كرس هذا التامل في استشراف موضوعة الخلاص الوجودي في التيه مع اغنية الراعي التي تشكل منظورا قصديا في مشروع الخلاص بالارادة لانها هي الحلم والجهد الانساني الذي يحقق الرغبة لتمثيل حالة المستقبل ، فالاستشراف القانوني الوضعي عند السياب هو التعيين لهذه القابلية الانسانية على الانعتاق في حدود القدرة وارتباطها بالوجود ففضل عملية الاختزال والتشذيب للوقائع الساكنة والاسنة والانطلاق نحو بنية تحدد خصائص العالم الجديد بقصد الامكان الفعلي وتحقيق المقصود من هذه الانعطافات لانها شروع اخلاقي نحو غاية اساسها التحقق الفعلي (actualization) في جولة ملحمية (odyssey) تؤكد فعل الحرية عبر العالم التجريبي التبادلي في اطار الحدث الفعال داخل فعل اخلاقي اولي ، اذن لابد من مكونات دلالية للوصول الى هذا الوجود الانساني للوصول الى الرموز الخفية.
وهذا ياتي بالتحليل لهذه الرموز لانها الوجود السردي لهذه المرويات الشعرية لانها التشكيل الرئيس الذي تنفرد به الامكانات الوجودية لانها الاسبقية الامكانية في نظر(هيدغر)( ) وتتشكل الابنية التي يتم ربط تصوراتها وفق توفيقات اختلافية فلسفية لترتبط بانموذج التواصلات ( اللغوية والفلسفية) لانهما التركيبان اللذان يحدثا التماسك وابراز الخصائص داخل العمل الفني من خلال علاقته بالاعمال الادبية الاخرى التي تنتمي الى نفس التشكيل الثقافي ، والملاحظ ان العطاءات الثقافية هذه تتشكل وفق ظروف تاريخية معينة لكنها تعتبر ذات علاقة جوهرية من الناحية الفلسفية ، اقصد البنائية الفلسفية وهو الطابع الفلسفي الذي يحدث فيه الطابع المقارن برغم الفاصلة التاريخية ، لكننا نعتقد احيانا ان الاعمال الشعرية ربما تكون اكثر تعاصرا في مراحل زمنية مختلفة ولكن الجانب التاريخي من الناحية الفلسفية البنائية يعتمد على الاطار الفلسفي في رصده للموروث البنائي لانه تشكل وفق منطق سسيولوجي في تاثيره على الابنية الاخرى اذا كانت جمالية او فلسفية ، وقد شكلت اللغة نموذجا دقيقا في الوصف وهو الاساس لشرح وتفصيل الحركات المتولدة من الجمل الشعرية ،والمنظومة البنائية تبذل جهودا كثيرة وحثيثة لابراز الفعل الادبي من خلال لغة شعرية تجمع هذه الاطر الفلسفية ورموزها وهي تنتقل الى مجموعة من التحولات حيث يتم رصد هذه المعادلة الادبية والشعرية حصرا للوصول الى القواعد الاساسية من الفلسفة البنائية تحت قاعدة الرمز اللغوي لربة الشعر والصورة الموحية لهذا المنطق الشعري الذي تم توزيعه وفق منطق تاريخي وموضوعه تنطلق باجراء منطق تحليلي في الشعر يجمع موضوعا واحدا لقصائد الشعراء (السياب ، وليم بليك، محمد مهدي الجواهري) في قصيدة الراعي وقد اعطى السياب نقطة الانطلاقة هذه وهي تتطابق مع حجم الرموز الايحائية والبلاغية لموضوع المفردات والبنائية الفلسفية التي اقتضى شروطها لوصف هذا الراعي باستحكامات كانت قد اتصلت بالمفردة الفلسفية البنائية .
تم انجاز هذا الكتاب
في 5/10/2002م
ملاحظة:إن الفصل السادس قد أضيف الى هذا الكتاب في فترة متأخرة.
المراجع :-
1. الاسس النفسية للابداع الفني د. مصطفى سويف .
2. ناجي علوش مقدمة الجزء الاول من الديوان
3. مجلة حوار العدد 20 المتناقضات في الشعر ، الدكتور غالي شكري ،
4. النفخ في الرماد ، الدكتور عبد الواحد لؤلؤه .
5. مجلة الاداب 1955 .
6. ت . س . اليوت الشاعر الناقد ماثيسن تر: د.احسان عباس.
7. احلام الفارس القديم / دار الاداب بيروت .
8. اسرار البلاغة للجرجاني .
9. عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الاعجاز.
10. الشاعر الناقد ماثيسن .
11. لغة الشعر ، د. رجاء عيد .
12. جماليات المكان ، باشلار.
13. الشاعر الناقد ، ماثيسن .
14. صحيفة القادسية ، 25 ك1 / 93 .
15. السياب : عبد الجبار عباس .
16. ارشيبالد مكليشالشعر والترجمة) .
17. البنيوية : جان بياجية .
18. ديوان بدر شاكر السياب ، دار العودة .
19. امبرتو أيكو السيميائيه وفلسفة اللغة مركز دراسات الوحدة العربية .
20. كولن ولسون المعقول واللا معقول في الادب الحديث دار الاداب.
21. وليم بلك تأليف د. ج كلم ترجمة عبد الواحد لؤلؤة دار الشؤون الثقافية العراقية.
22. بول ريكور مشكلة تأسيس الفلسفة الاخلاقية المجلد 22 السنة 1978م .
المحتويات
الموضوع رقم الصفحة
المقدمة 1
الفصل الأول: 3
((القصيدة الحداثية وإشكالية الانفعال في التعبير))
الفصل الثاني: 18
((الريادة وأستكمال المبنى في القصيدة))
الفصل الثالث: 44
((التعادلية في الحدث الشعري))
الفصل الرابع: 76
((وحدة التعبير السيكولوجي))
الفصل الخامس : 95
((اللوغوس في منظومة بدر شاكر السياب الشعريةLogos ))
الفصل السادس: 149
((البنائية الاسطورية عند السياب في قصيدة سربروس في بابل ))
الفصل السابع: 168
((قصيدة الراعي عند السياب ووليم بليك
ومحمد مهدي الجواهري))
المراجع 179
المحتويات 181
*********
في تركيب المفردة الشعرية ، لقد ترك لنا السياب منظومة متشابكة لاتنفصم من ناحية تركيب المفردة الشعرية ومعناها ، أي بين الكلمة ومدلولها وهي العلاقة التي تتكون باثر رجعي كما يقول (شتراوس) ، مايتعلق بالتشكيل الصوتي والدلالي وهو التغير الذي يشمل المستوى الدلالي في الشكل والبنية وهذا التغيير ياتي وفق التحقق من الصياغة في الجملة الشعرية لانه يشكل المعنى ومانطلق عليه بالتحديث الشعري بالبنية الدلالية .
يقول السياب:
جميل هو السهد ارعى سماك
بعيني حتى تغيب النجوم
ويلمس شباك داري سناك
جميل هو الليل : اصداء بوم
وابواق سيارة من بعيد
واهات مرضى ، وام تعيد
اساطير ابائها للوليد.
وغابات ليل السهاد ، الغيوم
تحجب وجه السماء
وتجلوه تحت القمر .
وان صباح ايوب كان النداء :
لك الحمد ياراميا بالقدر
وياكاتبا بعد ذاك الشفاه !
لقد تميز السياب بالنقلات الزمكانية للصورة وفق اصرة بلاغية تنتمي الى تشكيل صوري بالغ الدقة الموضوعية ، فهو يتحدث بجملته الشعرية عن التكوين اللغوي الشعري بالصوت الموضوعي الذي يخترق الحدث الشعري ليشكل بنيه في الصورة تشبه الجوهر البلاغي المتمثل بالعاطفة اللغوية ، فجاءت جمل السياب الشعرية وهي تشكل صور متداخلة بايقاع تمثيلي للاشياء وبوسائل لغوية تشكل التحديث والتمثيل للعاطفة ولذلك جاءت قصائد السياب محملة بالوعي الشعري وبانتاجه النوعي اضافة الى المشاهدة التي يشكلها السياب وفق تفاصيل جمالية تشير الى مذاق ولذة خاصة ، والسياب يجمع داخل هذه الصور البلاغية:
اولا: اصرة الجمال في (السهد والنجوم )
ثانيا: اصرة (الزمكان) (شباك داري سناك)
ثالثا: اصرة الغربة في ( اصداء البوم- وابواق سيارة من بعيدواهات مرضى)
رابعا: اصرة قصص النساء في ( وام تعيد اساطير ابائها للوليد)
خامسا: اصرة العظمه الجليلة في( وان صاح ايوب كان النداء :
"لك الحمد ياراميا بالقدر")
والسياب في هذا المناخ الجدلي التحليلي افصح عن البنية الشعرية بهذا الانفجار في الكشف عن المعالم المضمرة داخل النص الشعري وهي تتمثل بالصوت والمعنى والصورة البلاغية اعتمادا على عالم مفتت ولكن قدمه باصرة متماسكة وجدلا حيويا داخل عالم من الاضداد وبتناول يتركز في التفجير ليصل الى الطاقة السحرية الصوتية للجمل الشعرية ، فيخضع الشعر لمنظومة متدفقة صوتيا ولغويا للوصول الى الطريقة التاملية في تشكيل المعنى .
وقد مثلت الصورة الشعرية تلقائية وخلاصة لحركة الواقع كان اساسها هو الارتباط بالبنية التي ميزت لغتها واصواتها الخفية لانها وجود متشابه بين البنية الفنية الداخلية والبنية التي تتعلق بالشيء الظاهر في المدلول ، والسياب استطاع ان يركب بنية دلالية لمداخل بنية المخارج الصوتية والكشف عن التقدم المعرفي في اللغة عبر الربط للصور الشعرية بنظام العلامات للغة ، لان البنائية داخل المنظومة الشعرية هو مايتعلق بالانظمة الدالة التي كونت القصيدة هي الربط الجدلي بين اللغة والصوت الموضوعي الذي يتشكل داخل القصيدة .
يقول السياب :
من خلل الثلج الذي تنثه السماء
من خلل الضباب والمطر
المح عينيك تشعّان بلا انتهاء
شعاع كوكب يغيب ساعة السحر
وتقطران الدمع في سكون
كان اهدابهما غصون
تنطق بالندى مع الصباح في الشتاء .
من خلل الدخان والمداخن الضخام
ينعكس الزمن الاجرائي داخل زمنية وجودية تتقابل في تعريفها للاشياء والنزوع لاظهار الصور التي تحتوي على الحدث الشعري في الاصوات المتناثرة في القصيدة وهي تشتمل على تكوينات قدرية في توتر يحاول عصر الاختلافية في المعاني وتمييز المنعطف اللغوي باعتباره محورا يتقابل مع لحظة الوعي الشعري التي تغور لتكشف هذا التفجر داخل التجربة الحسية . والسياب كان قد شكل احكاما على عالم يتكون باتجاهات ورؤية اعطته دقة لكشف هذه الصور وطريقة تشكيلها وهذا ياتي بالوصف والاقتطاع الزمني والانتقال من بقعة لونية الى اخرى باحكام اختلافية نجدها في حركة الاطلاق لهذه الصور وهي تتقافز بشكل مباشر داخل تركيبة بنائية سيكولوجية ، فالمفردة في هذه القصيدة تاتي متدرجة داخل بنية مركبة ومختلفة المستويات والسياب يضفي عليها قيمة دلالية لتصبح متفردة المعنى حتى وان زاغ تطور الافادة من المضمون الفني في حين شكل الاستبعاد الدقيق للمعنى الذي لايشكل محورا يفيد الصورة الشعرية ، لان السياب حاول في نسج الصور الشعرية ان يتجاوز الترهل واللبس وان يشكل المفردة برؤية جمالية تتحكم بحرية التاويل الباطني فجاءت اللغة لتبرز الصور المتدافعة داخل بنية سسيولوجية تتعدد في دلالتها ولاتكف عن التركيز في الصورة والتوليد للمعاني .
الفصل السادس
البنائية الأسطورية عند السياب
في قصيدة
(سربروس في بابل)
تقدم لنا التصورات البنائية بطابعها الأسطوري ابنيه تركيبية تشير الى عملية البناء الذي يتعلق بالكيفية التركيبية للنصوص الشعرية ، هذه الابنية التي تقوم بتصور الوقع الاسطوري بوظيفة ذهنية بفرز نموذج يقيمه الفعل العقلي بعد الفراغ من عمليات التشكيل المدروسة بتراتبية بنائية وهي توجد بالقوة التصورية ، وبفعل التمثيل بمعالمها حتى يصل بالمبحث الاسطوري الى الدراسة المستفيظة والحالة المتتابعة للاحتمالات التي يتسع لها مصطلح البنائية الاسطورية عند السياب ، وان التصميم الذي يتعلق بهيكلية هذه المنظومة الاسطورية باعتبارها منظومة تتعلق بالكشف الحسي والادراك الظاهر للخصائص المتمثلة في العنصر التركيبي للصورة التجريبية للاسطورة وهي تعتمد على رموز عمليات التوصيل المتشكلة بالوقائع وان تعريف البنائية الاسطورية للشعر بانها اٍحكام دقيق لعمليات التوليد الذهنية بوقائع تتمثل في الوصف لبنية القصيدة عبر الاجابة على اسئلة تقتضي التمييز بين هذه التصورات المختلفة للبنية الاسطورية وهو الاصطلاح الذي تحدده نتائج ذات طابع موضوعي يحتكم فيه التوليد والخلق الشعري الى اسس معرفية . والسياب اتخذ من هذه الوحدات البنائية للاسطورة المكون المتشكل وفق قوانين الصياغة وعنصر التمييز بين المنظومة الاسطورية وطبيعة الوقائع التي تتصل بالظاهرة الصوتية للقصيدة الى جانب رمزها المتمثل بالقدرة على اثارة هذه التصورات الذهنية من الناحية الدلالية ، وعليه فان العناصر التي تتعلق بالجانب الاتصالي الصوتي للمفردة الشعرية الذي نسميه العنصر الموضوعي لحركة الاسطرة ، وقصيدة السياب (سربروس في بابل ) هي نسج اتصالي لحلقة مفقودة داخل هذه الوقائع في العراق وان اساسياتها مرتبطة بحالة التشابه البنائية من الناحية الاسطورية بين المدلول الخارج للحدث ، والمدلول الداخلي لتركيبة البنية السياسية في العراق وهي البنية الموضوعية التي تكشفت للوهلة الاولى بالسيطرة الاستعمارية على العراق واقامة منظومات سياسية خاوية وخائبة قامت بتجريدها للاشياء وفق حجة (البنائية السياسية الجديدة) وقد تشكلت هذه البنائية السياسية على مجموعة من المنظومات السياسية ذات الدلالة الخارجية وقد مثلت هذه المنظومات احكاما اسطورية شكلت في حينها اتجاها ت تاريخية وشخصية اعطته رؤية جديدة لعالم اسطوري تكمن فيه هذه الصورة البشعة المحكومة بالعلاقات المطلقة احيانا والمباشرة من الناحية الفوضوية في بناء هذه المنظومات. والبنية الاسطورية عند السياب خاضت غمار هذه الصراعات متصلة بتركيب النص الشعري ونسجه اللغوي – والصوتي الخفي الذي يظهر في اسطورة ( سربروس في بابل) وهو الكلب الذي يحرس ( مملكة الموت) في الاساطير اليونانية القديمة حيث يقوم عرش (برسفون) الهة الربيع بعد ان اختطفها اله الموت وقد صور دانتي (في الكوميديا الالهية ) حارسا ومعذبا للارواح الخاطئة( ).
والسياب يميز بين البنية من ناحية الاسلوب الاسطوري وهي تتصل بتركيبة النص والبنية المتعلقة بالنسج اللغوي الاسطوري ، وفي الحالة الثانية يتشكل النص الشعري عند السياب حيث نرى البنية تتصل بالحكاية ووظيفة الزمن والشخصيات وهيكل الاحداث الذي يشكل الخلية اللغوية بمستوياتها الصوتية وامكانياتها البنائية في تاكيد مهمة النص الشعري واهتمامه بفروع المعرفة الصوتية المتخفية والمضمرة داخل النص الشعري وهي تبحث عن الاسس النظرية لكي تجعل البحث النظري داخل هذه النصوص هي من الاهتمامات المتعمقة في اشعار القاريء الجاد بان هناك معطيات عديدة تقوم بعملية التحليل لهذا الاشعار الصوتي الخفي وهو يبلور نقطة عميقة الجذور في خلق هذا الكشف الدقيق للخصائص الاصيلة في نظم الايقاع الصوتي الخفي، وقد يظهر هذا النظم عند السياب وفق تراكيب عديدة من الاختلافات ذات الدلالات العميقة وهي القادرة بالمقابل على اضاءة حقائق قيمة ترتبط بالبنية الاسطورية وعقول تلك المجاميع البشرية التي تعين هذا الفهم من التطورات التي تحدث في هذه التشكيلات ذات النظام الايقاعي الظاهر وفق اسس جذرية تتعلق بالدور التكويني لاساسيات التوازن الاسطوري من الناحية اللغوية الذي يقوم به التركيب الشعري وفق الصيغة الكيفية من منظومة اللغة وتفاصيلها الصوتية الخفية التي تبلغ عنصر المبحث الشعري الذي يركز على المنظومة الايقاعية التي تتناسب والمجال الطبيعي لحركة الاسطورة في (سربروس في بابل) وهنا يتشكل الفضاء الاسطوري عند السياب بواسطة مركبات متعددة المستويات يطغي عليها الفعل الدلالي داخل اختلافية للبنية وفق قيمة دلالية للمعنى بانكماش مجال التعدد للمعاني وازدياد الاكتمال في الفائدة التي تجعل ثراء المضمون من الناحية الفنية هو الجانب الامكاني في الاستبعاد للمعاني المترهلة ،ونحن مع راي الجرجاني في المعنى الذي (ينقسم الى قسمين)(قسم انت ترى احد الشاعرين فيه قد اتى بالمعنى غفلا ساذجا ، وترى الاخر قد اخرجه في صورة تروق وتعجب)( ) المعنى الذي ياتي غفلا وفي الصورة الاخرى الذي ياتي مصنوعا ويكون ذلك اما لانه متاخرا قصر عن متقدم واما لانه هدى متاخرا لشيء لم يهتد اليه المتقدم. مثال ذلك:
قال البحتري:
ليل يصادفني ومرهفة الحشا
ضدين اسهره لها وتنامه
وقول المتنبي :
وقيدت نفسي في ذراك محبة
ومن وجد الاحسان قيدا تقيدا
وقول المتنبي:
وماثناك كلام الناس عن كرم
ومن يسد طريق العارض الهطل
وقول الكندي:
عزُّوا وعزَّ بعزهم من جاوروا
فهم الذرى وجماجم الهامات
في هذه الابيات تتشكل الصور بعملية اختلافية ، وان البنائية الشعرية التي تقول (ان المعنى في هذا البيت هو المعنى في ذلك ولاخلاف في معنى عائد اليك في البيت الثاني في هيأته وصفته، وان الحكم في البيتين كحكم الاسمين في منظومة اللغة مثل (سربروس في بابل) حسب ماتقوله الاسطورة اليونانية ، ولكن السياب جمع (سربروس) وهي كلمة يونانية مع كلمة تخص حضارة بابل وسربروس كلب يحرس مملكة الموت في الاساطير اليونانية – ولاعلاقة بين سربروس وبابل لان الكلمة اليونانية لايجمعها جنس واحد مع بابل لان بينهما اختلاف كبير في تفاصيل المعنى ولكن هناك تطابق بين سربروس ووجوده الان في العراق ، والسياب كان يميز بين هذه الاساطير ومسمياتها لانها تؤدي وظيفة تكاد تكون مطلقة من الناحية الفنية وهي تتمازج وتتداخل وتنسجم مع خواصها الاسطورية برغم التصوير المتناقض في نظر السياب الذي انتج هذا التناقض فهو السبيل الى حالة الصيرورة الوجودية واستمرار الحياة برغم الاحتلال ورغم مايحدث من انتهاكات مريبة وهذا يذكرنا بقصيدة السياب (وصيه من محتضر) حين يقول:
اين العراق؟ واين شمس ضحاه تحملها سفينة
خير البلاد سكنتموها بين خضراء وماء
هي جنة فحذار من افعى تدب على ثراها .
هذا يعني ان الرمز الاسطوري عند السياب كان رمزا ستراتيجيا في بابل ولو كان الناقد المبدع عبالجبار عباس حيا لغير رايه في مفهوم الاسطورة عند السياب لجعلها مفهوما ستراتيجيا وليس كناية بلاغية وليس فرصة للتلذذ باكتشاف الحقائق او الاختفاء وراء هذه الرموز ، وان الوظيفة الاسطورية لاتنتهي بمجرد الانكشاف للقاريء لتشكيلة هذه الرموز وان سربروس هو ليس رمزا للطاغية قاسم فقط انما هو رمز لاكبر احتلال عسكري (اميركي بريطاني للعراق) في العصر الحديث وفي هذا السياق اتذكر قال لي الناقد الانطباعي المبدع عبدالجبار عباس ( اني كتبت كتاب السياب بشكل سريع) ثم يستدرك الناقد الراحل في الصفحة (196) من كتابه السياب قائلا ( ان السياب عمد الى الاكثار من الاساطير لحاجة تنكرية) ويقول ( ان الاساطير في شعره ليست حلية جمالية تضاف الى قصائده ويمكن الاستغناء عنها ، بل امست ضرورة فنية واسلوبا راسخا يبني به قصيدته حتى لو لم يكن ثمة حرج من مضمون القصيدة بدليل انه عمد الى هذه الاساطير في هجائه للشيوعيين في قصيدة ( رؤيا 1956) وهذا اعتراف من الناقد المبدع عبالجبار عباس بان الاساطير تؤدي وظيفة تنكرية قد يصح في قصيدة ( سربروس في بابل )( ) وهو رمز اسطوري عبر عن خيبة امل سياسية لم تحقق الحلم المنشود في العراق .
يقول السياب :
ليعوِ سربروس في ا لدروب
في بابل الحزينة المهدمة
ويملأ الفضاء زمزمة ،
يمزق الصغار بالنيوب ، يقضم العظام
ويشرب القلوب
عيناه نيزكان في الظلام
وشدقه الرهيب موجتان من مُدى
تخبيء الردى .
و العلاقة التي تربط الاسطورة باللغة تكون من خلال ابراز الصورة ومظاهر التكوين في التشكيلة المرئية للصورة الشعرية وهي تقتضي رسالة لغوية تحدث داخل مجموعة من الاشياء وهي تنتقل الى السياق الاسطوري في اللغة ، لانها تتخلل اللحظة الحرجة في التصور داخل مكون لغوي اسطوري يتمتع بالمعنى الدلالي للاسطورة وهو مقتضى جديد لانطولوجيا الاسطورة عند السياب حيث تعود هذه الجذور الى مفهوم الحاضر الوجودي في فلسفة الاسطورة وفي اللحظة الراهنة عند السياب وهو يكتب النص الشعري لانه أقتضاء يتعلق ببيان هذا العنصر الوجودي للاسطورة وملامحه الحاضرة في مسار التذكير الواقعي في (سربروس في بابل) وهو ايضا الزامي في تبيان الموجود في الحاضر ، والامر يتعلق في مسار الكلب الذي يحرس مملكة الموت في الاساطير اليونانية باعتباره لحظة خطابية راهنة تتعلق بالحدث التاريخي للاسطورة لانه الكشف عن القيمة الاسطورية في ثنايا وجودها الذي تميز بالتحديث في اطارها الفلسفي وهو تساؤل عن اللحظة ودلالتها اللغوية ومدى الامكانية التي توفرها الاسطورة في تدشين التحديث كمسار يتمحور داخل منظومة التاريخ التي ارست الاشكالية التقنية كما تفسرها النصوص الاسطوريه ، وهي قيمة تقع في مركزية حركة التاريخ لانها اثبتت خصوصية هذا التحديث الاسطوري داخل نصوص السياب الشعرية ، والسياب اسس هذا التوازن الاسطوري في فلسفة التحديث وعمد على نقله خطابيا داخل شروط امكانيه ومعرفية وهي تتحرك بملاحظة جد تحديثية وفق مقتضيات الحالة الراهنة ، فالكلب (سربروس ) هو نفس الكلب الذي يجوب العراق من شماله الى جنوبه حاليا وهو نفس العراق المهدم وسربروس الذي يمزق اطفاله( بالنيوب ويقضم العظام) وينشر الخراب والمكان هو العراق ولبنان وفلسطين الحقول التجريبية فيما يتعلق بتحليل النص الشعري بانطولوجيا الحاضر، ويرى السياب ان التشخيص الدقيق لفلسفة الاختيار الاسطوري في اللحظة الراهنة هو الشكل الممتد داخل اسس منهجية تندرج داخل النص الشعري ،هذا المنهج اللاسطوري هو الذي شكل حفريات المعرفة منذ البداية لدى السياب وهو التجسيد الحقيقي لما يحدث باختيار يمتد عبر التاريخ . والسياب حول هذا الرصد للوحدات الاسطورية بتجذير يتعلق بالمقولات الواعية التي تولدت بلغة اتصالية عالية الوقع بعد ان قوض مفهوم الوظيفة التنكرية للاسطورة التي اشتملت الحس التاريخي الذي يلوذ به السياب كما يتهمه البعض من النقاد هنا وهناك في كتب النقد ، فالسياب لابس التاريخ بالاسطورة وبشكل تحديثي باعتبارها تحول في الانساق وتباين في الانشطار الذي اصبح يطبع مسار النص الشعري للسياب .
اشداقه الرهيبة الثلاثة احتراق
يؤج في العراق-
ليعِو سربروس في الدروب
وينبش التراب عن الهنا الدفين
تموزنا الطعين،
ياكله : يمص عينيه الى القرار ،
في هذه الابيات يشكل المنظور اللغوي بانساق فلسفة الاسطورة واقعا جدليا يستطلع اشكالية التاريخ ، اننا نستطيع ان نفكك هذا التشكيل في اللغة الاسطورية وفق انموذج بنائي يعكس دعامة الوجود الصوتي الخفي للنص وفق مركزية الماضي والحاضر ووفق رؤية ارسطية تفترض التاسيس اللغوي باقتراب يصور تدرج هذه العمليات وفق زمنية لغوية تتقدمها المصدرية السيكولوجية وفق منظومة تعتمد الثنائية ( السيكولوجية) الذهنية في استعمال يجذر التعيين بنظرية اللغة وذهنية القدرة التطبيقية للاسطورة واعادة تشكيل الوعي باستدعاء حركية التاويل لنمطية التفكيك الارسطي لهذه الوحدات التي تشكلت بنواة النظرية البنائية في اللغة ، فالسياب افصح عن الابنية النصية باحتياطي وفره ببناء سابق في حلقة القص الاسطوري ورهافة في النسج الشعري حيث طور هذه التكوينية الاسطورية بمشاهدة وسماع (العواء لسربروس) في الدروب وفق منطق اجرائي انتجه السياق الفلسفي للنص وفق انتقائية تاملية ماخوذة من تجربة اليباب لاليوت وعملية النبش في التراب والبحث الدقيق في ثنايا التركيب للاسطورة في (تموزنا الطعين) والسياب واصل تتبع الواقعة المحسوسة سسيولوجيا انه الفعل العملي لتجميع الحدود الفلسفية للاسطورة داخل بوتقة التفكيك التعاقبي الذي شكله الصوت في (ياكله يمص عينيه الى القرار) وهذا تحول في المنظور الرؤيوي عند السياب في فلسفة اللغة الاسطورية من وجهة النظر المركزية للابنية النصية وهي تقوم بتاهيل الوعي الاسطوري من وجهة نظر دالة وشروح تمرر هذا الارث الفلسفي للاسطورة عند السياب .
يقصم صلبه القوي، يحطم الجراء
بين يديه ، ينثر الورود والشقيق .
اواه لو يُفيق
الهنا الفتيُ، لويبرعم الحقول ،
لو ينثر البيادر النضارفي السهول،
لو ينتضي الحسام ، لويفجر الرعود والبروق والمطر
ويطلق السيول من يديه. اه لو يؤوب !
ان المباشرة بتمثيل العودة لحقيقة بعث الحياة من جديد لانها العنصر الوسيط الذي يربط بين لغة التمثيل هذه من الناحية (السيميولوجية) لانها تفعل فعل التجاوز لحدود اللغة العادية اي لغة الاداة الى لغة الاسطورة الفلسفية وهذا موضوع يعكس المبحث (السيميولوجي) في وحداته الدالة الكبرى لان المنحى اللغوي الذي ينتهجه السياب في هذه الاشكالية هو منحى الرسائل المشفرة التي تتواصل مع العام الاسطوري لفلسفة اللغة وفق دراسة بنائية تتموضع داخل الوظيفة الشعرية لانها الاهمية الدقيقة في اقتضاء الضرورة لان السياب يقوم بايقاف الانماط التقليدية للغة ذلك بانتقاله الى العمق لينشر البيادر النضار في السهول ، فهو يربط التفاوت الاختلافي في اللغة وفق سيميولوجيا تاسيسية لرموز اسطورية يستخدمها السياب كرسائل مشفرة يحاول ان يتواصل مع الرمزية التقليدية للغة وبالمحاور اللغوية الاوسع في ظل سيميولوجية التواصل (الانثروبولوجي للغة) (لو ينتضي الحسام ، لويفجر الرعود والبروق والمطر ) ويطلق السيول من يديه . اه لو يؤوب !) وهذه حالة التصنيف للابنية اللغوية وفق تلك المعايير المشفرة عند السياب من الناحية الاسطورية . والسياب اعتمد علاقة التجاور الحسي في اللغة، فالاشارة عنده ترتبط (بالدال والمدلول) وهي تتجاوز المنحى الواقعي الى مشهد الواقع الاسطوري ، وهناك علاقة ايقونية تتمركز في الدال والمدلول فهي ترتبط بالمشاركات الشكلية وتظهر اثناء القراءة او في التصوير اللغوي للمشهد في حقيقته الاسطورية ( الهنا الفتي لو يبرعم الحقول). لقد اتخذ السياب في بنائه الاسطوري دلالة تحديثية قائمة بين ماحدث في العراق في المرحلة الماضية اي في العام 1959 وبين ما يحدث الان من اشكاليات وتجاوز في ظل الاحتلال العسكري الاميركي البريطاني للعراق ، ففعل التشابه قائم بين المرحلتين التاريخيتين قبل العام 1958 وامتداداتهما فيما بعد وما حصل من نزاعات سياسية ، هذه التركيبة او المعادلة الرمزية فهي تؤكد الدال والمدلول في الرابطة الفعلية بين الداخل والخارج والحالة الرمزية التي لم تنفصل لانها تمثل مرجعيات رمزية واسطورية مختلفة ، واننا نلاحظ هذا التنوع التدريجي القائم على الانتقال داخل الحدث التاريخي من مرتبة تحديثية في النص الى مرتبة تحديثية اخرى وهي تتشكل من الناحية اللغوية على اساس تقليدي في عملية تفصيل الحدث كما قلنا في بداية هذا البحث ، الا ان الوظيفة الاسطورية هي التي تخضع هذه المستويات من البنية اللغوية الى الحالة الضروريه في تكوين الصيرورة ، وهو مظهر اشاري مشفر عند السياب لانه يكتسب اهمية (سيميولوجية) من ناحية انتاج الرمز الاشاري ليتفاعل مع العناصر الايقونية التي تتمثل في الدوائر اللغوية المشفرة مع الاخذ بعين الاعتبار الرموز اللغوية الاداتية التي تنبني بالتقابل مع هذه المفاصل الرمزية المحددة بالسيميولوجيا الثقافية وهي تضفي على النص عدة من الدلالات والاعتبارات السسيولوجية العامة .
يقول السياب:
لحافنا التراب ، فوقه من القمر
دم ، ومن نهود نسوة العراق طين .
ونحن اذ نبض من مغاور السنين
نرى العراق ، يسال الصغار في قراره :
(ما القمح ؟ ماالثمر ؟ )
ماالماء ؟ ماالمهود ؟ ماالاله ؟ ماالبشر ؟
فالتقسيم الذي تمحور في العلاقة السيميولوجية الخاصة بين (سربروس الاميركي في العراق) وهي الاشارة التي تتضمن العلاقة بين الدال والمدلول وفق منظومة (داخلية وخارجية) وهي ترتبط باشارات تتكون من سياقات متجاورة ومعروفة ، اما التشابه الحسي (لسيميولوجيا اللغة) التي تركزت على التجاور الواقعي وفق انموذج لغوي اسطوري واضح وهو يشير الى العلاقة الايقونية بين الدال والمدلول بالمشاركة النوعية التي تظهر للمتلقي لهذه الابيات الشعرية التحديثية عند السياب لتضع التشابه وفق النسبة والتناسب في اطار مراحل تاريخية تتجلى فيها المشاهد (السسيولوجية الحسية) وتلتقي فيها الصيغ المتناظرة بقساوة تلك الابعاد التاريخية ، والتشابه الحاصل في المحصلات في العراق ماقبل العام 1958 وما بعدها وبين احتلال العراق في العام 2003 من قبل الامبراطورية العسكرية الاميركية ، فالذي حصل هو صدق حدس السياب في التحديث للنص الشعري وماشكله من رموز اسطورية في الكلب (سربروس) هذا الكلب الاسطوري الذي ظهر في مرحلتين تاريخيتين من اخطر المراحل التأرخية التي حدثت في العراق الذي شكل التنوع في الدلالة التحديثية فاصبح معناه الرمزي يقع طرديا في سلم التاريخ وفي المقدمة في تصوير فعل هذا التجاور وقوته اللغوية الاسطورية وتراثه وعمقه الرمزي ، والسياب يهدف من هذا التحديث السسيولوجي للنص الشعري عبر البحث السيميولوجي ووفق وظيفة بنائية في تمثيل قائمة من الاسئلة ، ولذلك ينبغي ان نحدد طريقة الانبثاق في تفصيل معيار الحدث الشعري وهو يتركب من الاشياء ليتصل بتلك المحاور السيميولوجية التي تشير الى الضرورات الدالة في ( ما القمح؟ ما الثمر ؟ ما الماء ؟ مالمهود ؟ ما الاله ؟ ما البشر ؟ ) هذه الضرورات من الاسئلة تتعرض لجوانب سيكولوجية وسسيولوجية واقتصادية ودينية اضافة الى الدلالة الرمزية التكوينية وهذا يرتبط بتشكيلة الانبثاق التي تتعلق بمنهجية التحديث للنص الشعري عند السياب ، فكـان جواب السياب:
رفيقة الزهور والمياه والطيوب ،
عشتار ربة الشمال والجنوب ،
تسير في السهول والوهاد
تسير في الدروب
تلقط منها لحن تموزاذا انتثر ،
تلمه في سلة كأنه الثمر
لكن سربروس بابل – الجحيم
يحبُ . في الدروب خلفها ويركض
ان الوصول الى البنية السيميولوجية يؤكدها الاختيار التوثيقي للدلالة في انتظام يستخلصه كشف القواعد العملية للغة الاسطورية وفق المستوى التوقيتي الذي الزمه التناول لزمنية عشتار الدالة من الناحية الاسطورية , وهي زمنية متغيرة وفق حتميات واختيارات تتوضح انظمتها بالبحث على مستوى التاريخ للوصول الى حالة ايقاعية تؤكد سر المتغيرات في الوعي السيميولوجي للاسطورة ،وهنا يتم اخضاع العنصر السياقي الى مفهوم الدوائر الدلالية وفق استيعاب ينبثق بدلالة اختلافية للاسطوره(عشتار ربة الشمال والجنوب ) و(تلقط منها لحم تموز اذا انتثر ،) وهنا تاتي وظيفة النظم الدلالي المتعلقة بالمنهجية السيميولوجية طبقا للحالة البنائية ، والسياب يتمثل تصوره للاشياء من خلال تواصل حلقة الانبثاق للاتصال بالموضوع السيميولوجي للاسطورة وتشير دلالة الاشياء الى الحالة الضرورية التي يتركب فيها مستوى الوعي للاسطورة والتضامن الذي تقتضيه الوحدات المتبادلة سواء على المستوى اللغوي للاسطورة او مستوى الانساق التوفيقية داخل البنية اللغوية ، فالاختيار يأتي مرة اخرى في نظر السياب بحركة الفعل الانبثاقي حيث تنبعث عشتار بحكم التوفيقية الاسطورية وبرغم الخضوع السياقي وتدرجه واحتمالاته ، فالمنظومة الاسطورية تتناسب بشكل عكسي مع حجم الواقعة والوقيعة التي احدثها (سربروس في عشتار ) لكن الادلة اللغوية تشير الى عملية التوازن عند السياب وهي عودة البنية الاسطورية في التدرج والتقنية في الانبعاث . هذا التدرّج هو الذي يحدد مفهوم التغاير الذي يحدث في سيميولوجية اللغة بصفته تطابقا يفضي الى حاجة واستجابات لوسائط تتموضع في الاتساق والمكوث والاجابة على كل الاحتمالات التي يحدثها ( سربروس في بابل وفي عشتار حصرا)
يمزق النعال في اقدامها يعضعض ،
سيقانها اللدان ، ينهش اليدين او يمزق الرداء.
يلوث الوشاح بالدم القديم
يمزج الدم الجديد بالعواء .
ليعوِ سربروس في الدروب
لينهش الالهة الحزينة ، الالهة المروعه ،
فان من دمائها ستخضب الحبوب
سينبت الاله ، فالشرائح الموزعة
تجمعت ؟ تململت . سيولد الضياء
من رحم يترُُّ بالدماء .
لقد افرغ السياب اللغة من التليّف والخضوع الى طائلة الذات الاسطورية وعممها بالواقعة وبحركة تصويرية مثلت أداة التبادل في هذه الوقائع من صيغ اللفظ السيميولوجي الذي افصح عن معناه بطريقة منفتحة على الحس والربط الجدلي بين هذا التموضع داخل الحس والنسج داخل الجملة الشعرية بافتراض مبحث سيميولوجي يخضع العلامة الى الدلالة كما في (لينهش الالهة الحزينة ، الالهة المروعة ، فان من دمها ستخضب الحبوب) فالمبحث الدلالي اكتسب الجدية في الاتصال بالاخر حيث استند الى المطابقة في اللغة والتوثيق الاسطوريين وفق مقاومة تتشكل بالواقعة لعشتار والعودة الى الجذور الفكرية للاسطورة الرافدينية باعتماد المغزى السسيولوجي، لان هذا الافتراض يذكرنا بالمغزى الفكري وفق دلالة لغوية تشكل المحتوى لهذا الفكر الرافديني ، والسياب موضع المستوى الدلالي حين موضع اللغة وطوع الاسطورة تحت هامش التاويل باستهداف يمتلك انعكاسية مرتبطة بالخطاب الشعري المتين الذي وضع ارضية للدلالة تحت راية اللغة الاسطورية بانجاز تخاطبي ذي اهمية ( انثروبولوجية) مكن السياب من خلال التعبير الاسطوري واللغة المؤسطرة العالية الخصوبة ان يؤكد هذا الانفتاح داخل رؤية جدلية وجودية تعني بحركة الاتصال والتواصل مع جدلية التاريخ من خلال الكشف اللغوي للاسطورة وعلاقتها التحديثية بالنص الشعري صاحب الجاذبية العلائقية في التحديث .
الفصل السابع
قصيدة الراعي عند السياب
ووليم بليك ومحمد مهدي الجواهري
ضمن البواكير الاولى لقصائد السياب وفي الجزء الثاني من الديوان يكتب السياب قصيدة اسمها (اغنية الراعي) وهي انتقالة تميز هذه الثنائية التقليدية والتي تتطابق مع الاصول والاصوات التي تتشابك عند السياب سواء بتضمين الخطاب الشعري وتحميله الاشكالية المحكية وتكويناتها البنائية وهي تتجاوز التمييز البنائي من الناحية التركيبية ، فالقصيدة جاءت في السيرورة الاسبقية في التحولات اللغوية والاجتماعية فالتاثير الاحتمالي الملخص في هذا المظهر من البناء الشعري يعود الى الطفولة عند السياب وماشكله الراعي من لسان وخطاب ارتبط بالاقصى من الاشياء، حيث جاء في حركة اسبقية مرتبطة بالبناء التكويني للغة وبالمساهمة المنطوقة من خلال الاختيارات داخل مستويات التحليل الرومانسي والتكوين المعقد للاشكالية البنائية التي سيطرت على الابنية اللغوية وانتجت هذا التمرير السسيولوجي للخطاب وفق نزعة سببية تقوم بهذا النحو التوليدي للمقابلة في الخطاب والبحث عن الاستخدامات المسكونة بالتغيير من ناحية المقابلة القائمة بين الاهمية التكوينية الشعرية عند السياب تجاه الراعي وبين الروابط القائمة بين الراعي والعالم الموضوعي ، والخطاب الشعري للراعي عند الشعراء الاخرين امثال (الشاعرين محمد مهدي الجواهري ، ووليم بليك ) واننا في هذه الاضاءة نحاول ان نسلط الضوء على هذه القصائد الثلاث مع الاحتفاظ بالمستوى التطوري وتشكيلاته المتقابلة في استخلاصات مشروطة بالتعدد والتمركز داخل تفاصيل الخطاب الشعري الذي يطابق عملية التوتر عند الشعراء الثلاثة في اطار التجربة الزمكانية مع التطابقات اللغوية ومع حالة المركزية الرمزية للحدس الانساني وبتحليل بنائي يخضعه الشاعر لوجهة نظره التكوينية. يقول السياب في اغنية الراعي:
دعي اغنامنا ترعى حيال المورد العذب ،
وهيا نعتلي الربوة يافتنة القلب
فنلقي تحتناالوديان في ليل من العشب !
خيالا نابه طيف من الامال والحب !
ان اهمية البعد الزمني الملازم للتجربة الرومانسية وفق تطابق للابنية اللغوية والذي يعنينا من هذه الذات الناطقة هو الحضور لانجاز لحظة الوعي الانساني وفق التصنيفات التكوينية للصورة الشعرية واللوحة الاجرائية للبنى اللغوية والترادف الاجرائي داخل هذا المبحث الشعري بين (المورد العذب- ويافتنة القلب ) والانسجام الدقيق لمجرى الخطاب الشعري من ناحية تاكيد حقيقة الذات داخل المعاش من المضامين الثنائية( فنلقي تحتنا الوديان في ليل من العشب!) (وخيالا نابه طيف من الامال والحب ) فقد ثبتت اشكالية الذات مع الثنائية في المضامين وبقدرة لغوية متنت هذا الاتصال بالانتماء الى النزعة الجوهرية في معرفة العلاقة القائمة بين الذات ونشاطها الاجرائي، مايتأسس على هذا المنطق وتمثله التاملي والانفتاح على التجربة الموضوعية من حيث الانفتاح على العلاقة التي تربط اللغة ومعاييرها الوظيفية للتجربة الشعرية والتي تشكل حيزا كبيرا في المواءمة بين القصدية الفلسفية في الشعر وارتباطها بالحدث والسيرورة لتحديد المنجز في عملية التعالق بين المدارك الشعرية الموضوعية وارتباطها بالمعنى وبين الموروث الانساني والحشد في التدرج لايضاح طبيعة الواقع الموضوعي وتفاصيله البنائية في الشعر .
يقول وليم بليك في قصيدة الراعي:
مااحلى نصيب الراعي الحلو ،
يتيه من الصباح الى المساء :
فلسوف يتبع خرافه طوال النهار
وسوف يكون لسانه مفعما بالثناء.
لانه يسمع نداء الحملان البريء.
ويسمع جواب النعاج الناعم .
فهو يراقب وهم في سلام
لانهم يعلمون ان راعيهم قريب( )
في قصيدة (الراعي) لوليم بليك هناك حضور يتعلق بالزمكان لضمان سلامة القطيع وهو اتصال زماني موضوعي بالمطلق حيث يظهر الوجود وهو المهيمن على حركة الاشياء ،وهناك الحرية لدى الراعي في قيادة القطيع لانه التيه مع قطيعه وهو السير الوجودي المؤشر في الزمنية الحاضرة في نصيب الراعي الذي قبله وهو النصيب الذي يشده لمستوى من الاختيار المشفوع بالتامل من قبل الراعي ومستوى القدرة والتحقق في هذا الخطاب ومبحثه الوجودي ومكوناه المصدرية في التكوين الزمني الديني وارتحال هذه العلاقة المتعلقة بالقوة والوجود ، والخصائص الامكانية في تشكيل العالم الذي شاهد قوة الوعي في صورة الراعي في صورة المسيح الراعي الذي بلوره التمثيل المتوازن في خاصية التحمل على مستوى القوة التكوينية وهذا هو الاساس التفصيلي في حلقات القدرة والتامل في الفكر المسيحي على العموم وهذه القدرة الدينية المسيحية تشكلها انماط من التصوف عبر عموم موضوعي يسترسلهالشاعر في ابياته في هذا التيه الذي يجمع الراعي مع خرافه وفق سمفونية مفعمة بالثناء كما يقول وليم بليك لانه يسمع نداء الحملان البريء ويتفق بليك مع السياب بان هذه المشاهد تعبر عن غد زاهر ينساب كانسياب النهر ونداء ياتي وهو نفس النداء عند بليك يذوب في هذا التيه مع وقع خطى الفجر .
يقول السياب:
خطانا تبعث الذكرى بقلب الورد والزهر
سيبقى في غد منها صدى ينساب في النهر
وفي الانداء ماذابت على وقع خطى الفجر
وفي اغنية الرعيان مابين الربا الخضر
وتتشكل البنية المركبة في القصيدتين التي تضفي عليهما القيمة الدلالية في حدود التوحد التفكيري الناضج للاداء الوظيفي الذي يشكل مستويات متعددة داخل البنية ليمنح الكلمة قيمة دلالية تنفرد بمعناها داخل الانكماش الذي يفضي الى تعدد في المعاني ،ولكن السياب وبليك حددا اكتمال الافادة في ثراء المضمون النصي بشكله الفني وهذا ما وحّد خواص التشكيل النصي عند السياب وبليك وابعدا المفردات التي لاتحتوي على مركبات هورمونية تفيد الجملة الشعرية وهذا مابرزه محمد مهدي الجواهري في قصيدة الراعي لانها تمتلك لغة جماعية تتركب بالدلالات وتبيح توليد المعنى داخل حدود الجملة الشعرية وضمن تطبيق مبحثي للنص وبقدرة على الخلق الفني بارتياد السلم الحساس للمنظور البنائي والسيطرة المتعددة لمركبات المعاني ذلك لاحتوائها على المنطق الجدلي وهي تنتهي الى التحليل الدقيق للدلالة على اساس التعدد في زوايا مفهوم النص .
يقول الجواهري:
لف العباءة واستقـــلا
بقطيعه عجلا ومهــلا
وانصاع يسحب خلفــه
ركبا يعرس حيث حـلا
يرمي بها جبلا فتتـــ
بع خطوه ويحط سهـلا
أبى يقاسمها نصيبـــا
من شظيف العيش عدلا
يصلي كما تصلي الهجير
ويتقي ثمدا وضحــلا
اوفى على روض الحياة
يجوبه حقلا فحقـــلا
وارتد يحمل مــا يصو
ن دما وما اغنى وقـلا
(نايا) يذود بــه الونى
ويلون النسق الممــلا
وعصى يهش بهـا وير
قى ذروة، ويقيم ظــلا
يــاراعي الاغنام انت
اعز مملكة واغلـــى
ان ماشكله الانسان من فضيلة عن طريق المقارنة في اتيان قوة التعدد في قول الكلام الحسن داخل منظومة دلالية من الالفاظ والمفردات من الجمل الشعرية التي تشكل التامل في فلسفة الشعر وهي وسيلة لفهم الانسان وتحركاته وتفكيره داخل هذا الوجود ، وكان للسرد الشعري عند الجواهري وهو الذي يحتل قصائده منذ وقت مبكر وتحيل الوقع الاسطوري الموضوعي مكانا مهما في المحيط الذي يتحرك فيه الجواهري وهذا مانلاحظه في شعر السياب ايضا وتحيل الجزء الكبير من شعره خاصة انشودة المطر والمومس العمياء وتقع في مقدمة اعماله النظرية بمقومات سردية ناضجة ، والجواهري والسياب اعطيا التخييل داخل ازمنة امكانية تمثلت( بانثروبولوجيا الشعر) لانهما ركزا القدرة الفلسفية للتاويل الشعري داخل هذا التخييل التاويلي واكتسبت نصوصهما طاقة لفظية وادبية شكلا على اساسها التخييل الامكاني داخل هذه المكونات التفكيرية للوجود الشعري.
يقول السياب:
سالنا العالم الفاني والناس ومرعانا
لقد سجنوا باغلال من الانظار نجوانا
سننشد في امان من عيون الناس ماوانا
السياب كرس هذا التامل في استشراف موضوعة الخلاص الوجودي في التيه مع اغنية الراعي التي تشكل منظورا قصديا في مشروع الخلاص بالارادة لانها هي الحلم والجهد الانساني الذي يحقق الرغبة لتمثيل حالة المستقبل ، فالاستشراف القانوني الوضعي عند السياب هو التعيين لهذه القابلية الانسانية على الانعتاق في حدود القدرة وارتباطها بالوجود ففضل عملية الاختزال والتشذيب للوقائع الساكنة والاسنة والانطلاق نحو بنية تحدد خصائص العالم الجديد بقصد الامكان الفعلي وتحقيق المقصود من هذه الانعطافات لانها شروع اخلاقي نحو غاية اساسها التحقق الفعلي (actualization) في جولة ملحمية (odyssey) تؤكد فعل الحرية عبر العالم التجريبي التبادلي في اطار الحدث الفعال داخل فعل اخلاقي اولي ، اذن لابد من مكونات دلالية للوصول الى هذا الوجود الانساني للوصول الى الرموز الخفية.
وهذا ياتي بالتحليل لهذه الرموز لانها الوجود السردي لهذه المرويات الشعرية لانها التشكيل الرئيس الذي تنفرد به الامكانات الوجودية لانها الاسبقية الامكانية في نظر(هيدغر)( ) وتتشكل الابنية التي يتم ربط تصوراتها وفق توفيقات اختلافية فلسفية لترتبط بانموذج التواصلات ( اللغوية والفلسفية) لانهما التركيبان اللذان يحدثا التماسك وابراز الخصائص داخل العمل الفني من خلال علاقته بالاعمال الادبية الاخرى التي تنتمي الى نفس التشكيل الثقافي ، والملاحظ ان العطاءات الثقافية هذه تتشكل وفق ظروف تاريخية معينة لكنها تعتبر ذات علاقة جوهرية من الناحية الفلسفية ، اقصد البنائية الفلسفية وهو الطابع الفلسفي الذي يحدث فيه الطابع المقارن برغم الفاصلة التاريخية ، لكننا نعتقد احيانا ان الاعمال الشعرية ربما تكون اكثر تعاصرا في مراحل زمنية مختلفة ولكن الجانب التاريخي من الناحية الفلسفية البنائية يعتمد على الاطار الفلسفي في رصده للموروث البنائي لانه تشكل وفق منطق سسيولوجي في تاثيره على الابنية الاخرى اذا كانت جمالية او فلسفية ، وقد شكلت اللغة نموذجا دقيقا في الوصف وهو الاساس لشرح وتفصيل الحركات المتولدة من الجمل الشعرية ،والمنظومة البنائية تبذل جهودا كثيرة وحثيثة لابراز الفعل الادبي من خلال لغة شعرية تجمع هذه الاطر الفلسفية ورموزها وهي تنتقل الى مجموعة من التحولات حيث يتم رصد هذه المعادلة الادبية والشعرية حصرا للوصول الى القواعد الاساسية من الفلسفة البنائية تحت قاعدة الرمز اللغوي لربة الشعر والصورة الموحية لهذا المنطق الشعري الذي تم توزيعه وفق منطق تاريخي وموضوعه تنطلق باجراء منطق تحليلي في الشعر يجمع موضوعا واحدا لقصائد الشعراء (السياب ، وليم بليك، محمد مهدي الجواهري) في قصيدة الراعي وقد اعطى السياب نقطة الانطلاقة هذه وهي تتطابق مع حجم الرموز الايحائية والبلاغية لموضوع المفردات والبنائية الفلسفية التي اقتضى شروطها لوصف هذا الراعي باستحكامات كانت قد اتصلت بالمفردة الفلسفية البنائية .
تم انجاز هذا الكتاب
في 5/10/2002م
ملاحظة:إن الفصل السادس قد أضيف الى هذا الكتاب في فترة متأخرة.
المراجع :-
1. الاسس النفسية للابداع الفني د. مصطفى سويف .
2. ناجي علوش مقدمة الجزء الاول من الديوان
3. مجلة حوار العدد 20 المتناقضات في الشعر ، الدكتور غالي شكري ،
4. النفخ في الرماد ، الدكتور عبد الواحد لؤلؤه .
5. مجلة الاداب 1955 .
6. ت . س . اليوت الشاعر الناقد ماثيسن تر: د.احسان عباس.
7. احلام الفارس القديم / دار الاداب بيروت .
8. اسرار البلاغة للجرجاني .
9. عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الاعجاز.
10. الشاعر الناقد ماثيسن .
11. لغة الشعر ، د. رجاء عيد .
12. جماليات المكان ، باشلار.
13. الشاعر الناقد ، ماثيسن .
14. صحيفة القادسية ، 25 ك1 / 93 .
15. السياب : عبد الجبار عباس .
16. ارشيبالد مكليشالشعر والترجمة) .
17. البنيوية : جان بياجية .
18. ديوان بدر شاكر السياب ، دار العودة .
19. امبرتو أيكو السيميائيه وفلسفة اللغة مركز دراسات الوحدة العربية .
20. كولن ولسون المعقول واللا معقول في الادب الحديث دار الاداب.
21. وليم بلك تأليف د. ج كلم ترجمة عبد الواحد لؤلؤة دار الشؤون الثقافية العراقية.
22. بول ريكور مشكلة تأسيس الفلسفة الاخلاقية المجلد 22 السنة 1978م .
المحتويات
الموضوع رقم الصفحة
المقدمة 1
الفصل الأول: 3
((القصيدة الحداثية وإشكالية الانفعال في التعبير))
الفصل الثاني: 18
((الريادة وأستكمال المبنى في القصيدة))
الفصل الثالث: 44
((التعادلية في الحدث الشعري))
الفصل الرابع: 76
((وحدة التعبير السيكولوجي))
الفصل الخامس : 95
((اللوغوس في منظومة بدر شاكر السياب الشعريةLogos ))
الفصل السادس: 149
((البنائية الاسطورية عند السياب في قصيدة سربروس في بابل ))
الفصل السابع: 168
((قصيدة الراعي عند السياب ووليم بليك
ومحمد مهدي الجواهري))
المراجع 179
المحتويات 181
*********