منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التحديث في النص الشعري....تابع...2

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التحديث في النص الشعري....تابع...2 Empty التحديث في النص الشعري....تابع...2

    مُساهمة   الخميس ديسمبر 17, 2009 10:26 am

    الفصل الرابع
    وحدة التعبير السيكولوجي واشكالية المكان في شعر السياب


    فيما يتعلق بموضوعات الانماط النظرية والفحص الدقيق للمفاهيم التي تعنيها البنية المتعلقة بالمفهوم العلمي للنص الشعري .. وهو البحث في ميدان التفاسير العلمية ..ليرتكز على قوانين الكيف ،وصيغة الكثافة العلمية في بناء النص الحديث للشعر عبر نظريات علمية تقع في طور:"التقليد العلمي " لنظام علائقي يقوم بتطوير الفعل النظري .. وفق قوة تعتبر نتيجة متسارعة لتبادل عدة من الانساق العلمية وهي توسع الصياغة :على اساس يتعلق بمستويات.. في سلم النقلات والتقلبات …التي تستند الى منهج علمي تحققه فكرة البنية باطارها العلمي القياسي : فالمكان: قياس يتعلق ببنية واضحة ..احدى.. اشكالياتها.."المكان"وهو يستند الى زوايا تستطيل الى بقية من الصور تنشر الشعاع بكل الاتجاهات:وامامنا انطلاقة في موضوع تركب في اصرة متجذرة في ارض متجاوره مع منطق الحدث الشعري…"والسياب" كان الرؤية..والمدى في هذا الركن المكاني الهادىْ . فالبداية كانت في انتشار هذا الحدث الشعري، لانه اساس الفعل في"موضوع المكان "الذي يرمز الى الغربة دائما ..وهو يحمل الاخفاقات وما يتعلق " بالكون …والحياة " وليستعيد جملة من عمليات الانعزال بهذا المكان ..مثل نوبات من الالم..كانت قد تماسكت في لحظة من التمزق.. واستعان السياب بصرخات نسمعها.. ونتاملها في تلك الاشكالية من المكان الذي استقر بثبات في منعطف ساوى :الملامح الشاحبة، على ذلك الوجه الذابل ،والجسم النحيل،والملاحظ.. "ان السياب ،قد ارتفعت عيناه نحو السماء "ليجد السببية في صياغة العلاقة ..والانطواء داخل المكان المنعزل الذي نستعيد قصته الان .
    اننا نتذكر الان الجزء الاسفل من المكان ، وهو الجزء المتراخي الحزين الذي لفه الصمت طويلا:وبدا الحدث الشعري على يد السياب ..وسوف نعرف.. ونطلّع على الكيفيات التحليلية ، والمباشرة لصياغة اللحن الذي يوسع المدارك حصرا في "المكان- والزمان – والروح " وغدت البنية المكانية :وهي الحلقة الرئيسية في خفايا الحدث الشعري وهي عدة من الصياغات الممكنة تحولاتها.. لتدرس التفاصيل الحقيقية للنص الشعري ونظامه الخفي،الذي يؤكد خصائص"المواقع –والممكنات" التي تتعلق بعملية التطور العلمي للحدث الشعري من الناحية العلمية وبصدًى يبرزه منطق الحياة العقيم –ليؤسس طبائع شعرية متحركة متجاوزه صمتها الى ركن ..يتفتح الى حلقات ليسّهل عمليات الالقاء للانساق"المتركبة –والمتراكمة " دون عوامل الاختلاف العلمية .
    والسياب:بالاضافة الى الركام الاجتماعي ..وما شيده الواقع الاجتماعي المتراجع ..من سكنات اتجاه الحالات"الذاتية –والموضوعية "-وعلاقة السياب "بالمرأة " وسخطه الفردي المبرر.. اضافة الى منطقه السياسي الذي تبلور اصلا في اشكالية "المكان" وماتمخض هذا الموضوع من صيغ الاختلاف في عدة من المضامين الرومانسية – السابقة ، والتي كانت البداية ..حتى تطبعت بحالات ..الوجع الانساني…كذلك الاسفاف في بناء نص شعري عاطفي كان قد تاثر بالعديد من التركيبات السياسية الجديدة ..وهذا ماشهدته تجربة – السياب الشعرية من خصوصية في المرحلة الرومانسية وفي عمليات التحول في البنية الشعرية وفي الحدث المكاني ..وهذا واضح المعالم في ديوانه الشعري "انشودة المطر"
    يقول السياب في قصيدته"مرحى غيلان"
    فتحتْ نوافذَ من رؤاكَ على سهادي:كلُّ وادِ
    وهبته عشتارُ الازاهر والثمار كأنَّ روحي
    في تربة الظلماء حبةُ حنطةٍ وصداكَ ماءُ
    اعلنت بعثي ياسماءُ
    هذا خلودي في الحياة تكنُّ معناه الدماءُ
    "بابا…"كأنَّ يد المسيح
    فيها ،كأنَّ جماجم الموتى تُبرعمُ في الضريحِ
    تموز عاد بكل سنبلةٍ تعابث كلَّ ريحِ
    يقدم السياب اتجاهات فلسفية "لخصائص المكان" في صياغات تتعلق بالمجاوره لجدل العمليات الداخلية – والخارجية للقصيدة وهي التي تشكل مخيلة تقوم بالحث للعمليات الساكنة.. وتوسيع المساحات وجعلها وجود كامل يلف خفايا القصيدة ..وان الوعي المتركب على حس سكوني يمكن تجاوزه بهذه العملية باتجاه تشكيل بقية الاكتمال الرصين امام التجسيد الحي والانفلاق الذاتي الذي (يظهر –ويختفي) في فضاء النص الشعري …وعندما تتشكل البنية بطابعها الموضوعي في القصيده ..ياخذ الرمز تشاكيله الفعلية ليعمق الخواص الدائمة في حلقاتها العلمية ..وبادوات المكان الذي توجب تثبيته بخلاصات تتعالق ،باستنتاجات تبدد عمليات التعقيد التي ظهرت في النص الشعري والتنسيق الذي تحقق بفعل من القراءات للنص والملاحظة التي تظهر في حالات مختلفة: وهي تحقق الانجاز في المعنى.
    والسياب يتطابق في حالة اللاوعي عند تداخل عمق التغير في النظام الذي ينسق منطلقين في آن واحد ..وبسرعة فائقة لكل منهما في هذه الحالة يصبح التحويل في ثنايا النص :اعتباراً محققاً من ناحية الانجاز الفني لموضوع القصيدة.. وهذا الموضوع شاخص عند "عبد الوهاب البياتي "ايضا في "ملائكة وشياطين "وفي"ازهارذابلة" للسياب ..حيث ياخذ الانجاز مداه اللانهائي ويلتقي بهذا الموضوع "بابن الرومي" وهذا المنحني يتعلق باسباب ربما تكون "سيكولوجية "كما يقول الناقد الراحل "عبد الجبار عباس" والاشارة الى هذا الموضوع من باب التماثل في التسمية وهي تتمثل –باسقاطات في اطار من الأزمنة السابقة في تأكيد التوفيقات المكانية المعاشة.
    بتجربة متصلة "بين الداخل – والخارج "للنص الشعري في ثنائية تعالج المعنى في اطار المبنى الفوقي لدقائق الصورة في الحياة ،والوجود – والحالة – والفكرة السببية – والعلة في المواجهة –الدقيقة للذات ..وهي تتكرر باستمرار حتى في الوهم – والاكتشاف يبدا بالانفجار الذي يحدث للنص بفعل مركز وفي جزء دقيق من الوجود..وهو متسع المكان الذي تركز في عالم اللاشعور بمركب يتبع للذات وللنص،الذي ياخذ مداه في الانطواء – والخروج من منعطف –التصميم في القصيدة التي شكلت الوجود الكامل مع اختلاف في دقائق الحس عند السياب وهو يعي المفاجآت من خلال الابعاد الثابته بعد ان انسحب من الحلم المكاني ،ليحقق ذاته عبر خفايا النص ،وهو يتعلق بمرحلة من المراحل في الوعي ،ليوسع فضاء القصيدة عبر عدة ،من الزوايا- والاركان التي خاض بها الحلم الكبير- والتخفي المتعلق بنتائج كانت قد استقرت في حزن عميق ليعيد وقائع وتاملات سعيا للبحث عن التكافؤ الذي لا بس الكثير من الانفعالات والافراح لبناء نص شعري يحدد التشخيص الدقيق لعملية البناء المكاني .. وهذا ما بلغه السياب في قصائده الطويلة "المومس العمياء – حفار القبور – الاسلحة والاطفال" وظل بدرا يعاني من خواص –الانفعال المكاني لايجاد عملية الفراغ ،في اعمق تشكيل هندسي كانت قد شكلته قصيدة "المومس العمياء "عبر مفهوم الفراغ الاجتماعي –لكائن اجتماعي ،قد امتلك المكان ،وخواصه المغلقة ..ليواصل المعركة مع الاشباح (haunted )( ) ومعالجة التامل بعدة معاملات وبتنسيق من فن الرؤية الممكنة لمراقبة جملة من الصياغات المختلفة والتطابق الذي يحصل في المراجعات ،حيث تنبثق صيغة من التحولات الموضوعية لمناشدة الحس ، والبرهنة على موضوع التحقق علمياً وان هذه التحولات المكانية ،كان اساسها تحولا في القدرة الكامنة بتراكب القوى السيكولوجية، التي شكلت التوازن الرئسي لشاعر مثل السياب ،الذي ارتكز على بنية النص من الناحية المكانية وهذا ما دعاه "ماكس بلانك" في دعمه للحالات السببية المتفاعلة ..والتي طغت عليها الخواص العلمية ، وهو موضوع يتعلق بخروقات العلة النهائية للنص ، وهي تعكس صيغ ومعلولات كانت نهاية المطاف في خواص معينة للنص الشعري .. والتعامل بالسياقات التي ،توصل النص، الى فضاء مضاء .. رغم كل العوارض التي تحجب الاضاءة وتحني الخطوط الرمزية القابلة للتحول في "الازمنة – والامكنة "المتجاورة .. وبفرضيات علمية محققة . يقول السياب في قصيدته - "المومس العمياء"
    مابين ليلك والنهار ، وليس، ثم، سوى الوجود
    سوى الظلام ، ووطء أجساد الزبائن والنقود
    ولازمان سوى الاريكة والسرير ،
    ولا مكان !
    لم تحسيين ليالي السام المسَّهده الرتيبة ؟
    مالعمر؟ ما الايام عندك ،ما الشهور؟ وما السنين؟
    ماتت"رجاء"فلا رجاء ثكلت زهرتك
    الحبيبة !
    بالامس كنت اذا حسبت فُعمرَها هي تحسبين
    مازال من فمها الصغير
    طراوة في حلمتيك ،وكركراتٌ في السرير.
    كانت عزاءك في المصيبة
    وربيع قفرتك الجديبة
    كانت نقاء ك في الفجور ،ونسمةٌ لك في الهجير
    وخلاصك الموعود،والغبش الالهَّي الكبير !
    وماكان حكمة ان تجئَ الى الوجود وان تموت؟
    التشرب اللبن المرنَّق بالخطيئة واللعاب
    اوشال ماتركتْه في ثدييك اشداقُ الذئاب؟
    والاكتشاف الذي حصل في ايقاعات المكان بذكر التشخيص ليعود الى خواص الحاضر المعاش .. ونرى حالات التوهج في النص وهي تحتفظ، بالوقائع التي يلجأ اليها السياب احيانا ،وهو في هذا الركن المظلم والذي تحقق بالملامسة الحسية ، والملاحظة العميقة لهذا الركن الرتيب الذي تمثل بهذا الفضاء المضيْ في زاوية من زوايا هذه الحياة ، والقدرة على الرؤية – والتامل لزوايا المكان ،كانت صفحات تلازم خواص البناء الممكنة .. وقد مثل الشاعر خلاصات من الخصائص المضادة ،والاستغراق في المحمولات المضادة سعيا وراء الاستغراق –والتامل في خواص المبنى الحياتي – كذلك الاحتدام المنفعل في الركن المعتم الذي تنفس منه الشاعر …وانطلق الى الركن المضيْء ... ليوسع الصورة الشعرية بمضامين الوجود الاسطوري .. يتشكل من الحلقات ليؤكد سعيه وراء التقلصات التي تكاد تظهر – وتختفي: في النص الشعري ازاء ما بلغه التخفي عند" المومس" في عدة من الاستعانات المخفية والساخرة احيانا.. لتستعيد الظل الذي تلاشى باستطالات ، كانت قد ظهرت بشكل مكثف : منذ بداية القصيدة ،باحثة عن كثافة سحرية ،واستدارة متخفية، ومتلونة تظهر على النص ، من خلال التوقفات الحسية .. وبشكل غير مباشر .. والسياب اراد من خلال ذلك تكرار هذه المنعطفات الحلمية بتواصل يرتكن الى حقيقة البناء الايقاعي ،وحصر النهايات النافده ،التي شكلت خواص المعاني ،وهي تستند الى الزوايا الحسية للمكان المتاسس على يقظة الماضي بالاستعادة لخواص الحاضر الرتيبة وهذا ما نجده في قصيدته"السوق القديم"وهي تعزيز لحلقات المكان المستقلة: وهي تناقش حلم قد تبلور في خواص المنطلق المكاني .. وتتشكل لوحة السياب الشعرية ،بعفوية لاتقف حدودها في الانفعالات بل تنطلق لصياغة الاحساس، وبخطوات تتكامل عندها جزئيات الايقاع التي احتشدت بفنائية عفوية ..لتوضح هذا المعترك
    يقول السياب في قصيدته "السوق القديم"
    بالامس كان وكان –ثم ،خبا وانساه الملال
    والياس،حتى كيف يحلم بالضياء – فلا
    حنين يغشى دجاه ولا اكتئاب،ولا بكاء ،
    ولا انين
    الصيف يحتضن الشتاء ،ويذهبان .. ومايزال
    كالمنزل المهجور تعوي في جوانبه الرياح
    كالسلّم المنهار ،لاترقاه في الليل الكئيب
    قدم ، ولا قدم ستهبطه اذا التمع الصباح
    مازال قلبي في المغيب
    ما زال قلبي في المغيب فلا اصيل ولامساء ،
    حتى أتت هي والضياء !
    ولنا عودة اخرى لهذه القصيدة بشرح اكثر تفصيلا في الفصول القادمة.
    وحين يوجب السياب البنيات التي استقلت في اظهار المعترك الحسي وهو يتعلق،بنظم وانساق من الفرضيات، باعتبارها ..صلة حية تبنى جزئيا في الحالات التي توضح هذه المفاهيم في اعتماد السياقات ..التي تعلقت ،بمشكلات التحقق العديدة ، على منهج … الموضوعية للبنية النصية ،وهي تطرح –الكثير من المناهج تفسر سببية المعاني الحسية ، وهي المحرك الالي في الترشيح.. والحركة ، باعتبارهما مصدر احتواء العمليات البينية التي تناشد السببية ، وارتباطهما الذي يحدد العلاقات التجريدية بملاحظة حسية متطورة .. والسياب يعتمد على المفاهيم الرمزية .. والصياغات الوزنية التي تتشاكل مع الطبيعة الحسية ، وموضوع الانفعال ، وهو يستند في ذلك الى العروض الشعري، ليؤسس انساق من البحور ،مثل "الكامل.. والوافر كما يقول الناقد الراحل عبد الجبار عباس"يعالج بها كثير من الخواص، في البناء الشعري.. وفي اللاشعور السيكولوجي ..البطيء.. والثقيل
    والسياب:ركن الى العمق الحالم في الاشياء ليتماثل في وحدة تتكشف هويتها الشعرية: في ركن من اركان القص ..في النص الشعري.
    وتاتي الصياغات ، باعتبارها ، مفاهيم سيكولوجية تتجه الى الحكم الذي ياخذ نظام التراكيب – التي تؤسس تحولات فورية داخل حلقات النص بسرعة تعتمد المقاييس "الثنائية" في عمليات القص الشعري.. بين خواص الذات –والموضوع كما هو الحال في قصيدته "النهر والموت"..فكانت الصيغة تتكرر باحساسات ، ونواظم من العناصر السيكولوجية ، والدور الذي يعطي للبناء بداية الفرضية في خواص البنية في النص – والحال يتبدل في قصائد اخرى تخضع لخواص من التوجسات- والصياغات في الجرس.. والسياب قد قارب بين المعنى – والصوت ،خلاف الراي القائل ..ربما باعد رغم
    العاطفة-والانفعال( ) … فالصياغات الصوتية ، عند السياب : تعتبر هي القوة المحركة في اكثر قصائده مع الحافز الايمائي الدقيق الذي يتعلق بالتشكيلات الصوتية … كان قد خزنها السياب وحولها الى صياغات – وتشاكيل من الخليط في بنية الصوت الشعري ليأخذ المبنى السيكولوجي قراره في رسوخ المبنى للنص وتكون الخميرة في البناء هي خواص التوازن في الاصوات – واستمرار الحركة في الفضاءات الارحب للنص الشعري … والسياب شدد على خواص الموازنة ورسوخ المبنى لعمومية الاسناد للسياقات النسقية ، وهي تستند الى الموازنة في نظام من التحولات في تحديد البنيات في النص وهذا ما نلاحظه في قصيدة "المسيح بعد الصلب" يقول السياب :-
    بعدما انزلوني سمعت الرياحْ
    في نواحٍ طويلٍ تسفُّ النخيلْ
    والخطى وهي تنأى . اذن فالجراحْ
    والصليبُ الذي سمروني عليه طوال الاصيل
    لم تُمحنى. وانصتُّ : كان العويلْ
    يعبر السهل بيني وبين المدينة
    مثل حبل يشّد السفينة .
    وهي تهوي الى القاع . كان النواح
    مثل خيط من النور بين الصباح
    والدجى في سماء الشتاء الحزينة .
    ثم تغفو ، على ما تحس المدينة
    ويمكن التساؤل عن حالات الادراك التي تقوم بصياغة منطق يحدد مجالات متنوعة ، لنتائج متناقضة احياناً تحيل عمليات التحليل الى صياغات تجريبية ، وتحيل المفردة في النص الى فرضية تتحرك وفق ادراكات المنظور السيكولوجي .. ويأتي الصوت ليشكل النواة الاولى للصورة الشعرية تحت نمط من التأثيرات المدركة لبنية النص ، بمعنى القوانين والتراكيب التي حولت البنية النصية الى ذاكرة مدركة لنشاطات الهورمون الصوتي الذي اظهر مجال اللفظ بمعنى التركيز على المقاربات في القصيدة وتحديد مجال التطور الذي قد يحصل في البنية .. وبالامكان تحديد اسانيد الانطلاقات الصوتية في النص والتي هي عبارة عن صياغات معرفية تفلسف جدلية السلم الموسيقي في النص وجماليته التاريخية في اطار تعلقه بالفطرية عند الشاعر .
    والسياب ركز على اشكالية البنية المكونة لخلايا المكان واعادة استنتاجاته لاستخراج معالم التجربة الحية عبر تجربة مركبة تتركز فيها بنيات خارجية – وداخلية للمكان باطار يقرب الفكرة المشكلة من خلال ميدان تستقله البنية المكانية ، هذا الموضوع مأخوذ بمنطلقات سيكولوجية وانظمة للتحول تتولد من طبيعة التكوين البنائي لمواقع تكون عينات ذكاء وللكيفية التي تولد الاستيعاب الدقيق للعمليات الذاتية ، وهذا ما نلاحظه في قصيدته (مدينة السندباد)
    يقول السياب
    الموت في الشوارع
    والعقم في المزارع
    وكل ما نحبه يموتْ
    الماء قيّدوه في البيوت
    والهث الجداول الجفافْ.
    هُمُ التتار اقبلوا ، ففي المدى رعافْ ،
    وشمسنا دمٌ . وزادُنا دمٌ على الصحاف
    محمد اليتيم احرقوه فالمساءْ
    يضيءُ من حريقه ، وفارت الدماء
    من قدميه من يديه ، من عيونه
    واحرق الإله في جفونه .
    محمد النبيُّ في ((حِراءَ)) قيدَّوه
    فسُمَّر النهارُ حيث سمّروه .
    غداً سيصلب المسيح في العراقْ
    ستأكل الكلاب من دم البراقْ
    ويظهر الوضوح في التكوين المنطقي للنص عبر البنية الشعرية ، بتكوينات تأخذ مداها الاوسع في المكان بفضل التراكيب الطردية في القصيدة والموازنة بين الذات – والموضوع ، في تنظيم متعاكس يؤدي الى ، حتمية قبلية تأخذ مجالها في بناء الاسطورة … وهي بنية تقر بالوقائع لتشكل النشأة الاولى في صياغة ((السياقات اللانهائية)) بمعطيات منطقية … وهذا مؤشر دقيق لفعل النسق الشعري في (( الوقت – والصوت )) والمرتكز الاسطوري وهي تراكيب من المعطيات . تمكن المرتكز الاسطوري – وبنية المكان ، من تأكيد فعليهما الشعري "في الموت في الشوارع" " ستأكل الكلاب من دم البراقْ" وهي اشارة الى مستويات الفضاء المتسامي في القصيدة … وجمع الانساق الحسية – والتلقائية … بمستوى كل المرتكزات التي تم رصدها في النص الشعري … عبر البرمجة الفكرية – والمسالك البينية … بعوامل يتم تشخيصها ، من خلال العناصر البنائية ، وتكثيف الصور لرصد الصورة الشعرية.. وهي تتحول باستمرار ، بالعناصر والمركبات .. لتشكل العناصر الاولية ، لصياغات البنية ، وتحليل الكشوف ، التي تعتمد على المفاهيم المزدوجة وما يتعاكس من نشاط الخطوات لنيل حكم التحولات في البنية الى مفهوم … يتعادل بالتوازن كما في قصيدتي "المومس العمياء وحفار القبور " وكل الذين صنعوا هذه المأساة كذلك على مستوى التمرد الفردي في حفار القبور واسترجاع المتاهات ، والتأمل في خواص الامكنة.
    ان الاستجواب الذي يحدث للذات عبر اشكاليات التجربة وما يتعلق بالمنطق السيكولوجي ، واستمراره في نزاعات المكان .. والمراد هو الوصول الى عمق البنية المعرفية للتجربة ، غير ما نجده من الناحية الاطلاقية في الموقف الاجتماعي عند السياب .. والحالة السيكولوجية القابلة للتحليل – والتأويل ، هو ان المجاميع الرئيسية لحلقات البنية المكانية وتناقضاتها المعرفية عبر الحدود الذاتية – والموضوعية ، والاشكال والمضامين التي تعود الى حالة التجريد التي يطلقها السياب باتجاه الملموس من الوظيفة المكانية الى التحولات في الوظيفة التي تكونت عبر الخزين السيكولوجي للذات – والموضوع هذا المنعطف في ذات البنية يرويه الواقع المليء بالتصورات عن دمج المعارف بتركيبات يتأسس من خلالها تداخل متبادل في البنية السيكولوجية وما تفرزه من توفيقات تعود الى برامجيات تستبق النهايات البنائية للامكنة .
    والسياب : من ناحية التأسيس اللّغوي للنص .. رافق عملية التزامن بالمفردة ليستقل عن الاشكاليات الفردية .. وهي تمتاز بالبنية التفكيرية للمكان اضافة الى الحقائق التي تشمل عليّه (( بنية اللّغة )) من خلال نتاجات التركيب في القصيدة .. وهي تضع فرضية الاتصال والتبادل ، من الناحية المكانية لتصبح البنية اللغوية عند السياب وهي تتعلق بالمدلول [Signine] يحدد العلاقة بين البنيان ، في المسار المنطقي وبين اللغة.. والسياب لم يقتصر بناءه للنص على سياق النظرة التطورية ، بل استند : الى نظام التوازن في بنية المكان من الناحية اللّغوية .. بوجود وحدة المنطق التاريخي الذي تداخل في منحنى اللغة في نطاق التطابق ، في المعاني .. والذي يرتكز على ( التمييز – والمقابلة ) بحضور التزامن ((الزمكاني)) وتركيز السياب : على القوة الايحائية في تشكيل الاصوات .. والقدرة على بناء صورة شعرية ذات معنى حين تتناوب اللانهائية ، في البناء .. وتحتشد الموسيقى .. وهي تتزامن بقياسات .. فيستقل المكان ، باللّغة ليأخذ طابعاً متناهياً استناداً الى نسبية ، القوانين التطويرية في (( اللّغة )) ومنهجه التطوري .. في انزياح الدخيل ، والقريب على التركيب – والمعنى بتأكيد مبدأ الدلالة في اللّفظ .. والسياب في هذا المنهج اللّغوي فهو دائماً يشير : الى المضامين ، في المدلول اللّغوي من ناحية ((التحكم الكلي – والنسبي في مناحي المكان )) .. والمؤكد في هذا الموضوع هي عملية الربط بين هذه الخطوط .. بعلاقة الدال – والمدلول ، وتحديد المضامين والمعاني .. وهي تتساوى ، او تتعادل بالاشارة من الناحية المنطقية .. وهذا يؤكد : ان بدراً كان قد تأثر ، بالشعر الغنائي .. على يد كبار الشعراء العرب (( مثل البحتري – والمتنبئ )) ويبدو ان هذا التزامن قد شكل بنية اللّغة في المكان وليأخذ النص الشعري عند السياب صياغة توليدية .. رغم النظام الذي ، يتجه نحو التزامن ، ليستحيل الى معايير تؤكد التركيب في الخواص اللّغوية في المكان وهي الاكثر اشاعة في شعر السياب في وصف قوانين التحول الذاتي بعده موازين من التراكيب الاسطورية للمكان .. وقصائد مثل ((النهر والموت – ومرثية جيكور)) ما هي الا تأكيد لهذه الانساق .
    يقول السياب في قصيدته (( مرثية جيكور ))
    ذلك الكائن الخرافي في جيكور
    (( هومير )) شعبة المكدود جالس القرفصاء في شمس آذار وعيناه في بلاط
    (( الرشيد )) ، يمضغ التبغ والتواريخ والاحلام ، بالشدق والخيال الوئيد ما تزال
    (( البسوس )) محمومة الخيل لديه ، وما خبا من (( يزيد )) نار عينين التقاها على
    (( الشمر )) ( ) ظلالاً مذبحات الوريد !
    والملاحظة : ان اهمية اللّغة بالنسبة للسياب تشكل خواص في البنية الشعرية .. واتجاهاً يتولد بالبنية اللّغوية التي تعتبر التزامن .. هو البحث الذي يفضي الى التحولات في خواص التراكيب عبر وصف خواص البنية عموماً .. وان قوانين التحول في خواصها الذاتية – والموضوعية كانت قد ميزت المقاربات في البنية .. بتداخل يتعلق بالخطاب اللّغوي .. على صعيد – التخاطب في اظهار المنحى السيكولوجي ... لخواص اللّغة ، باتجاه يعيد عمليات الربط بين اللّغة – والصورة – والصوت وهذا هو الجانب المهم باعتبارات التحول وبشكل مباشر عند السياب .
    فالثبات في عمليات التحول ، ضمن اطار (( قاعدة توليدية )) يتم عبر ثبات في خواص البنية في النص الشعري من الناحية الجذرية ، والتأكيد على صياغات التحول من خلال المصدر لان القاعدة جاءت من خواص عقلية ( ) وهي العلاقة الجدلية التي ترتبط بين اللّغة واطارها الفكري .. وفعل قواعد التحول ، في عدة من البيانات التي تكون اكثر تحرقاً من الناحية المنطقية في سيكولوجية اللّغة – والموقف من المعنى والسياب كان قد وازن بين هذه التحولات عبر عمليات الاختلاف المنهجية وهو يؤكد المنهج الاسلوبي عبر صيغ استقرائية متجذرة – ومتجددة .. في النص الشعري .

    يتبع.......

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 4:52 am