كذلك الرؤية الجدلية .. والاحساس بالاستقرار اللانهائي .. وياتي عند نقطة البحث عن المدى الذي تنتهي عنده الرؤية الشعرية .. هذا الاعلان الرئيسي بالشعور بان اللانهائية هي في طور الاكتمال – والهدوء – والبحث عن صيغة للترابط الجدلي .. والموضوع يشمل المتلقي .
ان الاستخدام الامثل للجزيئات المتعلقة (( بالنص الشعري )) والمواجهة المستمرة بين (( الوعي الشعري – والتوحد ، بين الجزء – والكل : وهو يوضح الاندماج بين ((الكينونة – ومواضيعها المتعلقة بحالة الوعي لانها تدعو الى النهائية – واللازمكانية – كذلك التعدد في الصيغ الدلالية المتباينة .
والسياب : انطلق من رؤية منهجية في تناوله لقضية الحداثة الشعرية وكانت المعالجة عند السياب شاملة .. والتركيز قد تم على منهجية الفعل الحداثي – والمنهج الفكري في تناوله للنص الشعري من منطلق الوعي الثقافي للحضارة – والحداثة الشعرية … وهو المنهج الذي اختطه السياب بشكل خاص .. لدراسة (( الهموم الاجتماعية)) والازمة السيكولوجية فكان موضوع الاسطورة في الشعر الحديث .. هو اختيارًا واعيًا .. حرر من خلاله النص الشعــري مــن ربقــة
(( الشاعر )) ليصبح طليقا .. ولم تعد مركزية الشاعر يؤدي من خلالها
(( هيمنة دكتاتورية )) .. على المعنى .. وحتى يصبح النص طليقا .. يكون امامه متسع من (( التأويل والتحليل للنص )) كما يقول ((رولان بارت)) وهي محاولة للتخلص من المؤلف .. الغرض من هذا الموضوع هو : اعطاء حرية للنص .. وفض مغاليقه – والتعدد في ابعاده حتى لا يرتكز على أي معنى احادي … فالسياب: انطلق اولا من (( الحداثة – والتحديث للنص الشعري)) بعد ان برَّز المعنى واعطاه جل اهتمامه في بناء القصيدة عبر الفضاء الاسطوري .. والكشف الدقيق – والكثيف لحقيقة الصلة بين ..(( الموروث من التراث – وبين الموروث من التراث العالمي )) .
يقول السياب في (( المومس العمياء )) :
مترقبا ميلاد (( افروديت ))
ليلا او نهارا
اتريد من هذا الحطام الادمي المستباح
دفء الربيع وفرحه الحمل الغرير مع الصباح
ودواء ما تلقاه من سأمٍ وذل واكتداح
المال شيطان المدينة
لم يحظ من هذا الرهان ، بغير اجساد مهينة
(( فاوست ( ))) في اعماقهن يعيد اغنية حزينة
المال شيطان المدينة ، رب (( فاوست )) الجديد
جارت على الاثمان وفرة ما لديه من العبيد
الخبز والاسماك حظُّ عبيده المتذللين
مما يوزع من عطايا – لا اللالئ والشباب
والمومس العجفاء – لا (( هيلين ( ))) الظمأ اللعين
لا حكمة الفرح المجُّنح والخطيئة والعذاب
ان استخدام السياب : لجملة من المحركات ((الاجتماعية – والاسطورية – والسيكلوجية )) كان يبغي من وراء ذلك .. وضع توازن بين .. التحديث في النص الشعري – والحداثة ، التي اصبحت منهجاً عند السياب في متابعة وربط ((الحدث الاجتماعي)) في سلّمه التأريخي المتصاعد ..وتحديد شكل المعنى فيه والسياب كان يدرك هذه الخطوة في جعل النص الشعري ينبض بالحياة باستمرار..ومن الواضح ان السياب :كان قد كشف مداخلات العلاقة الجدلية التي تربط القصيدة الطويلة بالحشد..من الاحداث - والاسطورة..وشدد على المضاعفة للطاقة الشعرية وهي تتحرك لتلف سياقات ,الحياة الواقعية وانساقها..وحجم المسؤولية الشعرية والتعبير عن لحظة الوعي الصارم في عمليات التكثيف،وهي تمتحن وتمتن المحتوى ،من خلال الروابط المتينة للسرد فجاءت البنية الشعرية لتؤكد عملية الصواب ، ومقدار النضج الفني في البناء كما يتضح ذلك،في ((الموسيقى- والايقاع ))باعتبارهما رفضاً للميكانيكية الفنية لسبر غور المعاني ..واستيعاب المتباينيات والعناصر والخواص للحضارة وهي تؤسس:مرتكزات تحديثية حديثة..لتوازن بين ((المورث_ والاستجابة الدقيقة لخواص الحضارة الغربية في الاسطورة.
فالمداخل الرئيسية للقصيدة عند ((السياب)) تبدأ بالاختيارات التحديثية.. وبجملة من العناصر الجمالية..التي تدرس((الصورة الشعرية )) عبر ((ابداعات الضرورة-والصيرورة)) لتكون اصداءها عبر تقنيات ((الحدث الشعري)) والرغبة في التركيز على الحشد من الرموز-والمحركات..في فضاء القصيدة..لتكون الاستجابة..مبنية على تقنية عالية في موضوعاتها الذهنية لتستحيل الى صوت مدوي ،يأخذ مجالة في منعطف القصيدة.. ولودققنا في النص الشعري((للسياب)) :نجد((أن روحا قد نزلت في هذا النص..وبقيت تشكل المعنى وتحدد((الزمكان)) في القصيدة..وهي ليست مجرد اصوات تملأ كنه القصيدة بل هي:احكام تتردد في ثنايا النص الشعري..وأنغام تتجول في الوجود.
يقول السياب في قصيدة((وصية من محتضر)):
ياصمت،ياصمت المقابر في شوارعها الحزينة،أعوي ،أصيح،أصيح في لهف فأسمع في السكينة ما تنثر الظلماء من ثلج وقار
تُصدي عليه خطًى وحيدات ، وتبتلع المدينة أصدائهن ، كأَنَ وحشاً من حديدٍ ، من حجار، سفّ الحياة فلا حياة من المساء الى النهار . اين العراق؟ واين شمس ضحاه تحملها سفينة في ماء دجلة أو بويب ؟واين اصداء الغناء خفقت كاجنحة الحمام على السنابل والنخيل من كل بيت في العراء ؟من كل رابية تدثرها ازاهير السهول ؟ان مت يا وطني فقبر في مقابرك الكئيبة اقصى مناي، وان سلمت فان كوخا في الحقول هو ما اريد من الحياة .فدى صحاراك الرحيبة ارباض لندن والدروب ،ولااصابتك المصيبة !
يا اخوتي المتناثرين من الجنوب الى الشمال
بين المعابر والسهول وبين عالية الجبال
ابناء شعبي في قراه وفي مدائنه الحبيبة…
لاتكفروا نعم العراق…
خير البلاد سكنتموها بين خضراء وماء،
الشمس ،نور الله،تغمرها بصيف او شتاء
لا تبتغوا عنها سواها
هي جنة فحذار من افعى تدب على ثراها.
انا ميت ،لا يكذب الموتى .واكفر بالمعاني
ان كان غير القلب منبعها
فيا ألق النهار
لقد وحد السياب بين "الصوت-والظل"وهو الذي يرغب دائما في تاكيد هذه العناوين في مخارج ومداخل "النص الشعري"-وكونه،يؤكد هذه الظاهرة في النص الشعري ،اصبح الوجود الشعري لدى السياب هو هضم المنطوق للاشياء في ادق عملية يقوم بها الشاعر كان قد- اوجد"التلاشي في النص الشعري لتقويمه المتوالي للزمن – والتكثيف المفاجىء
بالانفجارات المدوية في ثنايا القصيدة بين حين واخر وبالرجوع الى مركزية النص ..استعداداً للمواجهة بين : المداخل للنص – وبين التعايش في النص الشعري .. عبر مزجه بالوجود وبارتعاشات الامكنة – والوضوح المتوالي للعدمية في الوجود عبر (دراما النص ) ويعتقد السياب ان ما يريد فعله .. هو يمضي الى تحقيقه .. باحتواء ما يعبر عنه .. وبكفاءة – وانتقاء طويلين .. وهو الموضوع الذي يذّكرنا بقصيدة (( نفس وقبر للسياب وبين قصيدة (At The Grave of Burns ) وعلى قبر (( برنز )) لويلم وردزوث في العام 1803 .. وهو يرثي (( الشاعر الاسكتلندي Robert Burns روبرت برنز))( ) . والسياب بهذا التاثر في عملية الاختلاف في النص الشعري .. وفي الصيغ اللغوية .. ولا وجود لبنية .. لا يكون الاختلاف احد اعمدتها ، كما يقول ((سوسير)) فالسياب : اراد ترجمة رأي (( دريدا)) في ان الاختلاف ليس له أي علاقة بمنطق الوعي .. ولا بنظام التجربة.. فالمركزية الصوتية لفضاء القصيدة تخفي دائماً مركزية عقلية .. ولنا عودة ثانية الى نفس الموضوع .. والسياب في منطقه الشعري : لا يدعي في القول – والتجاوز لكل الاشكاليات التاثيرية - والثنائية .. والقول لا يمكن ان يأتي الا (( بالوعي – والمعنى )) في اطار الحقيقة النسبية ..
والسياب في منطقه الشعري .. يدعو الى تفكيك النص الشعري – وابراز ملامحه .. خوفاً من التأويل ، غير المّجدي .. فالدال في النص الشعري عند السياب : ظاهره للعيان في لحظة الموجود – والاختلاف حالة تأثيرية – وتأثرّية في النص الشعري.. يقول السياب في قصيدة
(( النهر والموت )) :
بُويبْ
بُويبْ
اجراسُ بُرجٍ ضاع في قرارة البحرْ
الماء في الجرار والغروبُ في الشجر
وتنضح الجرارُ اجراساً من المطرْ
بلّوُرها يذوب في أنينْ
((بُويبْ .. يا بُويبْ !)) ،
فيدلهمُّ في دمي حنينْ
إليك يا بُويبْ ،
يا نهري الحزين كالمطر ْ
أودُّ لو عدوْتُ في الظلام
أشدُّ قبضتيَّ تحملان شوقَ عام
في كل أصبعٍ كأني احمل النذورْ
اليكَ من قمحٍ ومن زهور
أودُّ لو اخوض فيكَ ، أتبعُ القمرْ
وأسمعُ الحصى يصلُّ منك في القرار
صليل الآف العصافير على الشجرْ
أغابةٌ من الدموع أنت ام نهرْ ؟
ولنا عودة اخرى لهذه القصيدة بشكل تفصيلي في الفصول القادمة.
ان مفهوم الدليل (( الصوتي في الطبيعة )) يميزه (( الدال – والمدلول)) واصوله قد تمركزت في الفلسفة الثنائية.. بين ((المحسوس – والعقلاني )) والسياب في نصه الشعري : حاول اعادة المنطق الثنائي في فلسفة ، الشعر .. والدليل النصي عند السياب كان : تفكيكاً .. لان المرجعية .. دون الدليل .. لا تعني شيئاً.. والاختلاف في النص الشعري يعطينا سلطة الحضور النصي .. وهي التي تعطينا عملية التفكير في ، الوجود .. عبر ثنائية (( الحضور والغياب )) ويصبح الفضاء في القصيدة هو : حجب الوجود كما هو الحال عند (( هايدغر)) . وان تاريخ الاستعمال لرمز الصوت في الاسطورة : هو لا يبدأ من (أريل) في (( مسرحية العاصفة لشكسبير )) .. ولامن افلاطون حتى هيجل بل بدأ من السقراطيين حتى هايدغر : حيث اعتبر العقل اصلاً للحقيقة .. في ان صوت المثويولوجيا المأساوية في تداخل للرؤيا اصلاً ، الاسطورة القديمة للناقوس – وبين الخروج من النص في (( القنبلة الذرية )) وقضية الغجر في اسبانيا .. وفكرة أنبات الورد في الصخر والسياب قد داخل بين : المداخل في القصيدة – والزمكان – والرمز والاسطورة .. والسياب يؤكد : ان الطموحات الانسانية موجودة مثويولوجيا .. وان دم الفتاة سينبت كما ينبت الورد في الصخر .. يقول السياب في رؤيا فوكاي :
أهم بالرحيل في (( غرناطة )) الغجرْ ؟
فاخضَّرت الرياحُ ، والغدير ، والقمر ( )؟
أم سمر المسيح بالصليب فانتصرْ ؟
ام انها دماءُ كونغاي ؟
ورغم ان العالم استسر واندثر ( )
ما زال طائر الحديد يذرع السماء ،
وفي قرارة المحيط يعقد القرى
أهداب طفلك اليتيم – حيث لا غناءْ الا صراخ (( البابيون )) : (( زادك الثرى ،
فازحف على الاربعِ .. فالحضيض والعلاءْ
سيان والحياة كالغناء ! ))
سيان (( جنكيز)) ، و (( كونغايْ))
(( هابيلُ قابيلُ )) ، وبابل كشنغهايْ ))
وان الحس الشعري المعرفي الاصيل .. ينشد التحديث .. وان كثير من القصائد لشعراء عالميين كبار .. قد ورثوا التكنيك – والبناء : من الموروث من ، التراث الكلاسيكي .. مثال على ذلك ((ملتون )) الذي ورث القصيدة الرعوية .. من عصر النهضة .. وان القصيدة التي تحتفظ بالتحديث والحداثة : هي القصيدة التي تحوي الاصالة .. وهي تعبر عن معاناة الانسان في كل مكان – وفي كل عصر : وبالجانب الاخير من الموضوع .. هو الوعي والقراءة والتأنية – والاستساغة في استحضار المنطق الشعري .. ولكي نفهم ( ملتون ) – يجب استحضار فرجيل .. كذلك لكي نفهم (( السياب )) يجب – استحضار المنطق الشعري عند اليوت – او وردزورث لفهم منعطف الصورة والاسطورة او الرومانس عند السياب وهكذا اذاً نحتاج الى الامساك بناصية المعارف الشعرية للشعر العالمي لكي نفهم المعنى.
يقول اليوت
ثم جاء قاموس
ذلك السيد المبجل ، ينقل الخطو وانيا ،
عباءته من شعر ، وقلنسوته من حلفاء ، موشومة بصور كابية ، وعلى الحوافي
صورة كصورة زهرة الشقائق النعمانية
وقد وسمت بالحزن ( ).
وحيث يتم التواصل على هذه الصورة – يكون الانبثاق مأخوذ بالاختلاف والتطابق، في حدوده القصوى ، وهو يتزود تدريجياً، بالصيغ من المعلومات التي تتعلق بالبناء الفني والشعري للقصيدة في مرحلة من المراحل التي تنسجها الصيغة الشعرية للاسطورة وهي شيء من المعالجة المألوفة : لتتعدد بعدة من المفاهيم في النص الشعري .. وما يتعلق بالموروث – والحداثة للقصيدة .. والتغير والانعطافة التي تحصل في هذا الباب : هو التوجه الذي يحدثه النص الشعري .. في الحياة الثقافية – وما مطلوب من الشاعر كتابته وما على القارئ ، من خصوصيات معرفية للشعر الحداثي .. وان العمل الادبي تكون خطواته الاولى من تلافيف الحياة – ثم العودة الى هذه الحياة عبر - التوغل – والتطور فيها– والانعطافة الشعرية وهي ترسم المستقبل للمجتمع . وان جملة من الملاحظات التي وجهت الى (( ورد زورث – وشيلي – وكيتس – وتينسون ، وغيرهم : ولكن – الاشارة في الصعوبة كانت موجهة الى ( براوننج )( ) والصعوبة تكمن في ان القارئ العادي يقوم برصف جملة من الملاحظات تتعرض لحالة من الاحباطات الاجتماعية – والفكرية بعدها يقع في مطبات ينسجها القارئ لنفسه .. ويبدأ بتفسير النص الشعري وفق اللاوعي او وفق الاهواء .. والواجب : كان عليه ان يبدأ بالعملية الحسية لكي يثّبت وعيه ومهارته في قراءة النص الشعري .. وبشكل صحيح دون اشكالية في رد الفعل على النص .. ومن النص الشعري – الا ان الوعي التحديثي للقراءة الصحيحة للنص .. وما يتعلق بالوعي الشعري والفهم للحرفية الادبية .. فهي متواصلة اصلاً مع منطق النص ، التحديثي .. وما يفسر من تأثر للسياب .. بالشاعر ( برنز) وما تركه من اثر شعري – كبير .. وان السياب قد قرأ قصيدة (( على قبر برنــــز )) .. وتعاطف (وردزورث ) مع الشاعر المرثي (( برنز)) حيث استذكرها السياب : وهو على فراش الموت .. يذكر هذه القصيدة .. وما حملته من خصائص انسانية وفكرية لان ((برنز)) هو شاعر يمتلك موهبة شعرية .. وكان ضحية السلطة السياسية.( )
يقول السياب في قصيدة (( نفسي وقبر ))
نفس من الامال خاوية
جرداء لا ماء ولا عُشب
ما أرتجيه هو المحال وما
لا ارتجيه هو الذي يجب
قدرٌ رمى فاصاب صادحة
في الجو خرّت وهي تنتحب
من ذا يُعدُ الى قوادمها
افق الصباح تضيئة السُحبُ
ُصلِبُ المسيحُ فأيُّ معجزة
تأتي ؟ وأي دعاء ملهوفِ
ستزيح أبواب السماء له
أغلاقها ؟! حبلٌ من الليفِ
هيهات يُرق للسماء به
ليهزَّ عرش الله تخريفي
فالسياب : كان يهدف من رمز المسيح .. ان يوحي من خلال النص ، بأن عملية الصلب .. قد نفذها : أعداء الحق .. والدين ، وان الحق لا بد ان ، يظهر .. فالورد النابت في الصخر .. وهو دم المسيح في قصيدته (( من رؤيا فوكاي) المارة الذكر قبل قليل .. وهي نفس السلطة التي قتلت مواهب الشاعر الكبير (( برنز )) وقوّضت مواهبه الشعرية وحرمت الاجيال الطالعة الى مواهب الشاعر الكبير .. وبعد التكثيف في العبارة.. والعمل على تكثيف الالفاظ في (( الصورة – والاسطورة )) عند بدر بشكل عام .. والترتيب الذي ، يحصل في النص الشعري .. وحسن التعبير .. والملاحظ .. ان السياب : ومنذ منتصف الخمسينات كان منشغلاً (( بالشعر الانكليزي )) والاسطورة بشكل خاص وحفلت اكثر القصائد : بالرمزية – والاسطــورة .. وهي نتيجـة تأثــره
(( باليوت – وستويل )) وقصيدة انشودة الوردة ، وبضمنها يقع جزء من القصيدة – عنوانه (( ما زال يهطل المطر )) كانت قد كتبته الشاعرة في الساعات الاولى لقصف لندن في العام 1940 ، وطائر الفولاذ يقذف حممه البركانية على لندن والسياب جمع مقطعين من القصيدة أي جمع ((انشودة الوردة)) زائداً (( ما زال يهطل المطر )) فكانت قصيدته (( انشودة المطر )) ( )
تقول ستويل :
ما زال يهطل المطر
قائماً مثل عالم الانسان ، أسود مثل ضياعنا
أعمى كألف وتسعمائة وأربعين مسماراً
على الصليب ..
ما زال يهطل المطر
بصوت مثل نبض القلب يتغير مع ضربة المطرقة
في ساحة الخزاف ، مثل وقع الاقدام الدنسة على الضريح :
ما زال يهطل المطر
في حقل الدم حيث تتولد الامال الصغار والعقل البشري
يغذي جشعه ، تلك الدودة في جبين قابيل
ما زال يهطل المطر
عند قدمي الانسان المجوع المعلّق على الصليب
المسيح الذي كان يوم ، كل ليلة ، يتسمر هناك ، رحمةً علينا – على الغني الفقير :
تحت المطر القرحُ والذهب سيّان
ما زال يهطل المطر –
ما زال يهطل الدم من جنب الانسان المجوَّع الطعين :
يحمل في قلبه كل الجراح – جراح النور الذي مات ،
آخر ومضة كابية
في القلب القاتل نفسه ، جراح العتمة البهماء الحزينة ، جراح الدب المعذَّب –
الدب الاعمى الباكي ينهال بالضرب حابسوه
على جسده المغلوب ... دموع الارنب الطريد
ما يزال يهطل المطر ( )
نلاحظ ان القصيدة شكلت فعلاً درامياً من خلال الايقاع – والصورة والفعل الحاضر.. وجاء المسيح ليكون رمزاً لفعل الحق .. كما هو الحال في القصائد السابقة للسياب (( نفس وقبر .. ورؤيا فوكاي )) وحتى في قصيدة الاسلحة والاطفال )) نجد التأثر واضحاً باليوت .. وستويل ... وان السمات التي تظهر على النص الشعري بفعل الترتيب وتحسين معنيين حيث هذه السمات في الاخر الى ظهور اسلوب شعري يطغي على النص (( حسب تعبير الفارابي ومثال ذلك الطريق في التماثل الذي احدثه اليوت في عمليات المفارقة في قوله : (( وارتحلت الحوريات )) ... ص 114 .. وهي اشارة الى شعرية سبنسر .. في (( وارتحلت حوريات النهر عند حلول الشتاء )) وهي تُظهر نهاية الحب الرومانسي .. فالشاعر يريد من خلال هذه الايحاء هو ان يظفر بالمخيلة ، في أن الحياة البشرية مستمرة، وهي في كلا القصيدتين واحدة : وانهما نبعتا من صيغة - وادراك سيكولوجي تحديثي واحد وحين تولد السبب الذي تولّد: عنده الشعر في القوة والمحاكاة والتطور في النظرة الى ((النص الشعري)) حيث وجدت الاوزان – ومنها تطورت – الالحان ((فمالت الانفس ، كما يقول ابن سينا )) وجعلت تنمو يسيراً تابعة للطباع .. وكان أكثرها ينمو عن المطبوعين – الذين ، يتعاطون (( الشعر)) حيث انبثقت الشعرية منهم بحسب الغرائز.. وابن سينا يعزي علل تأليف الشعر : فيقول .. انها تأتي في المتعة المتأتية من المحاكاة )) وتناسب تأليف الموسيقى بمعناها العام .. والشعرية عنده تأخذ منحنى سيكولوجي حيث يرتبط هذا المنحنى بالغريزة وهي ، تتجه الى المحاكاة : فمن الضروري ان نتبين هذا الجنوح في الغريزة الشعرية .. بقصيدة
(( الارض اليباب )) لاليوت على سبيل المثال – او انشودة المطر لبدر شاكر السياب .. وهو استمتاع يكشف المعنى الشعري للقارئ .. والنص الشعري ، باعتباره حقلاً منهجياً يوحد الخطاب الشعري في – استقصاء دائم .. والنص الشعري : لا ينحصر في التقطيع البدائي للاجناس .. بل يتم تشكيله ، بقدرة فائقة تتخلخل من جوانبه ، الجدران القديمة .. التي لَفَّت النص الشعري .. وأحدثت شرخاً كبيراً فيه .. فالنص الشعري يتكون من اختلاف في القواعد القولية في اطار من القابلية المقلوبة للقراءة .. حيث يضع الحدود للرأي المفهومي باتجاه يدعه يخرج عن الهدوء في الاداء السائد .
فطبيعة الفكرة في التساوي – او التماثل في الرموز عند السياب وهو يجمع بين (( جنكيز الذي مثل الطغيان – وبين
كونغاي التي مثلت رمز التضحية – وهابيل الذي هو رمز الانسانية الخيرة وقابيل الذي هو رمز الشر ( ) .
كل هذه الاشياء تفسر لنا .. ان النص الشعري يمثل اللانهائي في دلالته .. حيث يكون تعددياً .. ولا تمثل الدال : الجزء الاول في المعاني .. فالنص يحقق المعنى بانجاز وانتقال دون تأويل ويقوم بانقاذ الفعل الدلالي ، من الاستهلاك .. وهي محاولة علمية ، لصهر المسافة التي تضع حدود ، بين القراءة – والكتابة .. وهكذا ومنذ البداية ، كان البحث عن المعنى ، والتعبير عن الحقيقة وهي:
ان الشعر يبقى صدى للعذاب الانساني .. وهو يتكون من نسق درامي وصورة .. لذلك نجد الشعر عبارة عن صيرورة – وجودية تتجسد في وعي الشاعر ، وبشكل اختلافي .. يتمحور نظامه بناءاً عن انعكاسات في وعي الرؤيا في( الزمكان ) – والفاعلية المتجذرة في معنى الحرية .. وفي التعبير عن الافق الشعري .. وفي مجازات منطقية مفتوحة وهي تجد الطريق الصائب : في استشعار شعري – يلتزم المحاور والخيارات التي تركب منطقة المتماثل بصيغ تركيبية مع الحدث والتحديث والتماثل ومنطقه – السطوح المشحونة بالاحاسيس ، التي تعبر عن العلامة – والدلالة في شروط مفتوحة لمداخل القصيدة وكانت العلامة هي المعيار المكوّن للذات عند الشاعر .
يتبع.......
ان الاستخدام الامثل للجزيئات المتعلقة (( بالنص الشعري )) والمواجهة المستمرة بين (( الوعي الشعري – والتوحد ، بين الجزء – والكل : وهو يوضح الاندماج بين ((الكينونة – ومواضيعها المتعلقة بحالة الوعي لانها تدعو الى النهائية – واللازمكانية – كذلك التعدد في الصيغ الدلالية المتباينة .
والسياب : انطلق من رؤية منهجية في تناوله لقضية الحداثة الشعرية وكانت المعالجة عند السياب شاملة .. والتركيز قد تم على منهجية الفعل الحداثي – والمنهج الفكري في تناوله للنص الشعري من منطلق الوعي الثقافي للحضارة – والحداثة الشعرية … وهو المنهج الذي اختطه السياب بشكل خاص .. لدراسة (( الهموم الاجتماعية)) والازمة السيكولوجية فكان موضوع الاسطورة في الشعر الحديث .. هو اختيارًا واعيًا .. حرر من خلاله النص الشعــري مــن ربقــة
(( الشاعر )) ليصبح طليقا .. ولم تعد مركزية الشاعر يؤدي من خلالها
(( هيمنة دكتاتورية )) .. على المعنى .. وحتى يصبح النص طليقا .. يكون امامه متسع من (( التأويل والتحليل للنص )) كما يقول ((رولان بارت)) وهي محاولة للتخلص من المؤلف .. الغرض من هذا الموضوع هو : اعطاء حرية للنص .. وفض مغاليقه – والتعدد في ابعاده حتى لا يرتكز على أي معنى احادي … فالسياب: انطلق اولا من (( الحداثة – والتحديث للنص الشعري)) بعد ان برَّز المعنى واعطاه جل اهتمامه في بناء القصيدة عبر الفضاء الاسطوري .. والكشف الدقيق – والكثيف لحقيقة الصلة بين ..(( الموروث من التراث – وبين الموروث من التراث العالمي )) .
يقول السياب في (( المومس العمياء )) :
مترقبا ميلاد (( افروديت ))
ليلا او نهارا
اتريد من هذا الحطام الادمي المستباح
دفء الربيع وفرحه الحمل الغرير مع الصباح
ودواء ما تلقاه من سأمٍ وذل واكتداح
المال شيطان المدينة
لم يحظ من هذا الرهان ، بغير اجساد مهينة
(( فاوست ( ))) في اعماقهن يعيد اغنية حزينة
المال شيطان المدينة ، رب (( فاوست )) الجديد
جارت على الاثمان وفرة ما لديه من العبيد
الخبز والاسماك حظُّ عبيده المتذللين
مما يوزع من عطايا – لا اللالئ والشباب
والمومس العجفاء – لا (( هيلين ( ))) الظمأ اللعين
لا حكمة الفرح المجُّنح والخطيئة والعذاب
ان استخدام السياب : لجملة من المحركات ((الاجتماعية – والاسطورية – والسيكلوجية )) كان يبغي من وراء ذلك .. وضع توازن بين .. التحديث في النص الشعري – والحداثة ، التي اصبحت منهجاً عند السياب في متابعة وربط ((الحدث الاجتماعي)) في سلّمه التأريخي المتصاعد ..وتحديد شكل المعنى فيه والسياب كان يدرك هذه الخطوة في جعل النص الشعري ينبض بالحياة باستمرار..ومن الواضح ان السياب :كان قد كشف مداخلات العلاقة الجدلية التي تربط القصيدة الطويلة بالحشد..من الاحداث - والاسطورة..وشدد على المضاعفة للطاقة الشعرية وهي تتحرك لتلف سياقات ,الحياة الواقعية وانساقها..وحجم المسؤولية الشعرية والتعبير عن لحظة الوعي الصارم في عمليات التكثيف،وهي تمتحن وتمتن المحتوى ،من خلال الروابط المتينة للسرد فجاءت البنية الشعرية لتؤكد عملية الصواب ، ومقدار النضج الفني في البناء كما يتضح ذلك،في ((الموسيقى- والايقاع ))باعتبارهما رفضاً للميكانيكية الفنية لسبر غور المعاني ..واستيعاب المتباينيات والعناصر والخواص للحضارة وهي تؤسس:مرتكزات تحديثية حديثة..لتوازن بين ((المورث_ والاستجابة الدقيقة لخواص الحضارة الغربية في الاسطورة.
فالمداخل الرئيسية للقصيدة عند ((السياب)) تبدأ بالاختيارات التحديثية.. وبجملة من العناصر الجمالية..التي تدرس((الصورة الشعرية )) عبر ((ابداعات الضرورة-والصيرورة)) لتكون اصداءها عبر تقنيات ((الحدث الشعري)) والرغبة في التركيز على الحشد من الرموز-والمحركات..في فضاء القصيدة..لتكون الاستجابة..مبنية على تقنية عالية في موضوعاتها الذهنية لتستحيل الى صوت مدوي ،يأخذ مجالة في منعطف القصيدة.. ولودققنا في النص الشعري((للسياب)) :نجد((أن روحا قد نزلت في هذا النص..وبقيت تشكل المعنى وتحدد((الزمكان)) في القصيدة..وهي ليست مجرد اصوات تملأ كنه القصيدة بل هي:احكام تتردد في ثنايا النص الشعري..وأنغام تتجول في الوجود.
يقول السياب في قصيدة((وصية من محتضر)):
ياصمت،ياصمت المقابر في شوارعها الحزينة،أعوي ،أصيح،أصيح في لهف فأسمع في السكينة ما تنثر الظلماء من ثلج وقار
تُصدي عليه خطًى وحيدات ، وتبتلع المدينة أصدائهن ، كأَنَ وحشاً من حديدٍ ، من حجار، سفّ الحياة فلا حياة من المساء الى النهار . اين العراق؟ واين شمس ضحاه تحملها سفينة في ماء دجلة أو بويب ؟واين اصداء الغناء خفقت كاجنحة الحمام على السنابل والنخيل من كل بيت في العراء ؟من كل رابية تدثرها ازاهير السهول ؟ان مت يا وطني فقبر في مقابرك الكئيبة اقصى مناي، وان سلمت فان كوخا في الحقول هو ما اريد من الحياة .فدى صحاراك الرحيبة ارباض لندن والدروب ،ولااصابتك المصيبة !
يا اخوتي المتناثرين من الجنوب الى الشمال
بين المعابر والسهول وبين عالية الجبال
ابناء شعبي في قراه وفي مدائنه الحبيبة…
لاتكفروا نعم العراق…
خير البلاد سكنتموها بين خضراء وماء،
الشمس ،نور الله،تغمرها بصيف او شتاء
لا تبتغوا عنها سواها
هي جنة فحذار من افعى تدب على ثراها.
انا ميت ،لا يكذب الموتى .واكفر بالمعاني
ان كان غير القلب منبعها
فيا ألق النهار
لقد وحد السياب بين "الصوت-والظل"وهو الذي يرغب دائما في تاكيد هذه العناوين في مخارج ومداخل "النص الشعري"-وكونه،يؤكد هذه الظاهرة في النص الشعري ،اصبح الوجود الشعري لدى السياب هو هضم المنطوق للاشياء في ادق عملية يقوم بها الشاعر كان قد- اوجد"التلاشي في النص الشعري لتقويمه المتوالي للزمن – والتكثيف المفاجىء
بالانفجارات المدوية في ثنايا القصيدة بين حين واخر وبالرجوع الى مركزية النص ..استعداداً للمواجهة بين : المداخل للنص – وبين التعايش في النص الشعري .. عبر مزجه بالوجود وبارتعاشات الامكنة – والوضوح المتوالي للعدمية في الوجود عبر (دراما النص ) ويعتقد السياب ان ما يريد فعله .. هو يمضي الى تحقيقه .. باحتواء ما يعبر عنه .. وبكفاءة – وانتقاء طويلين .. وهو الموضوع الذي يذّكرنا بقصيدة (( نفس وقبر للسياب وبين قصيدة (At The Grave of Burns ) وعلى قبر (( برنز )) لويلم وردزوث في العام 1803 .. وهو يرثي (( الشاعر الاسكتلندي Robert Burns روبرت برنز))( ) . والسياب بهذا التاثر في عملية الاختلاف في النص الشعري .. وفي الصيغ اللغوية .. ولا وجود لبنية .. لا يكون الاختلاف احد اعمدتها ، كما يقول ((سوسير)) فالسياب : اراد ترجمة رأي (( دريدا)) في ان الاختلاف ليس له أي علاقة بمنطق الوعي .. ولا بنظام التجربة.. فالمركزية الصوتية لفضاء القصيدة تخفي دائماً مركزية عقلية .. ولنا عودة ثانية الى نفس الموضوع .. والسياب في منطقه الشعري : لا يدعي في القول – والتجاوز لكل الاشكاليات التاثيرية - والثنائية .. والقول لا يمكن ان يأتي الا (( بالوعي – والمعنى )) في اطار الحقيقة النسبية ..
والسياب في منطقه الشعري .. يدعو الى تفكيك النص الشعري – وابراز ملامحه .. خوفاً من التأويل ، غير المّجدي .. فالدال في النص الشعري عند السياب : ظاهره للعيان في لحظة الموجود – والاختلاف حالة تأثيرية – وتأثرّية في النص الشعري.. يقول السياب في قصيدة
(( النهر والموت )) :
بُويبْ
بُويبْ
اجراسُ بُرجٍ ضاع في قرارة البحرْ
الماء في الجرار والغروبُ في الشجر
وتنضح الجرارُ اجراساً من المطرْ
بلّوُرها يذوب في أنينْ
((بُويبْ .. يا بُويبْ !)) ،
فيدلهمُّ في دمي حنينْ
إليك يا بُويبْ ،
يا نهري الحزين كالمطر ْ
أودُّ لو عدوْتُ في الظلام
أشدُّ قبضتيَّ تحملان شوقَ عام
في كل أصبعٍ كأني احمل النذورْ
اليكَ من قمحٍ ومن زهور
أودُّ لو اخوض فيكَ ، أتبعُ القمرْ
وأسمعُ الحصى يصلُّ منك في القرار
صليل الآف العصافير على الشجرْ
أغابةٌ من الدموع أنت ام نهرْ ؟
ولنا عودة اخرى لهذه القصيدة بشكل تفصيلي في الفصول القادمة.
ان مفهوم الدليل (( الصوتي في الطبيعة )) يميزه (( الدال – والمدلول)) واصوله قد تمركزت في الفلسفة الثنائية.. بين ((المحسوس – والعقلاني )) والسياب في نصه الشعري : حاول اعادة المنطق الثنائي في فلسفة ، الشعر .. والدليل النصي عند السياب كان : تفكيكاً .. لان المرجعية .. دون الدليل .. لا تعني شيئاً.. والاختلاف في النص الشعري يعطينا سلطة الحضور النصي .. وهي التي تعطينا عملية التفكير في ، الوجود .. عبر ثنائية (( الحضور والغياب )) ويصبح الفضاء في القصيدة هو : حجب الوجود كما هو الحال عند (( هايدغر)) . وان تاريخ الاستعمال لرمز الصوت في الاسطورة : هو لا يبدأ من (أريل) في (( مسرحية العاصفة لشكسبير )) .. ولامن افلاطون حتى هيجل بل بدأ من السقراطيين حتى هايدغر : حيث اعتبر العقل اصلاً للحقيقة .. في ان صوت المثويولوجيا المأساوية في تداخل للرؤيا اصلاً ، الاسطورة القديمة للناقوس – وبين الخروج من النص في (( القنبلة الذرية )) وقضية الغجر في اسبانيا .. وفكرة أنبات الورد في الصخر والسياب قد داخل بين : المداخل في القصيدة – والزمكان – والرمز والاسطورة .. والسياب يؤكد : ان الطموحات الانسانية موجودة مثويولوجيا .. وان دم الفتاة سينبت كما ينبت الورد في الصخر .. يقول السياب في رؤيا فوكاي :
أهم بالرحيل في (( غرناطة )) الغجرْ ؟
فاخضَّرت الرياحُ ، والغدير ، والقمر ( )؟
أم سمر المسيح بالصليب فانتصرْ ؟
ام انها دماءُ كونغاي ؟
ورغم ان العالم استسر واندثر ( )
ما زال طائر الحديد يذرع السماء ،
وفي قرارة المحيط يعقد القرى
أهداب طفلك اليتيم – حيث لا غناءْ الا صراخ (( البابيون )) : (( زادك الثرى ،
فازحف على الاربعِ .. فالحضيض والعلاءْ
سيان والحياة كالغناء ! ))
سيان (( جنكيز)) ، و (( كونغايْ))
(( هابيلُ قابيلُ )) ، وبابل كشنغهايْ ))
وان الحس الشعري المعرفي الاصيل .. ينشد التحديث .. وان كثير من القصائد لشعراء عالميين كبار .. قد ورثوا التكنيك – والبناء : من الموروث من ، التراث الكلاسيكي .. مثال على ذلك ((ملتون )) الذي ورث القصيدة الرعوية .. من عصر النهضة .. وان القصيدة التي تحتفظ بالتحديث والحداثة : هي القصيدة التي تحوي الاصالة .. وهي تعبر عن معاناة الانسان في كل مكان – وفي كل عصر : وبالجانب الاخير من الموضوع .. هو الوعي والقراءة والتأنية – والاستساغة في استحضار المنطق الشعري .. ولكي نفهم ( ملتون ) – يجب استحضار فرجيل .. كذلك لكي نفهم (( السياب )) يجب – استحضار المنطق الشعري عند اليوت – او وردزورث لفهم منعطف الصورة والاسطورة او الرومانس عند السياب وهكذا اذاً نحتاج الى الامساك بناصية المعارف الشعرية للشعر العالمي لكي نفهم المعنى.
يقول اليوت
ثم جاء قاموس
ذلك السيد المبجل ، ينقل الخطو وانيا ،
عباءته من شعر ، وقلنسوته من حلفاء ، موشومة بصور كابية ، وعلى الحوافي
صورة كصورة زهرة الشقائق النعمانية
وقد وسمت بالحزن ( ).
وحيث يتم التواصل على هذه الصورة – يكون الانبثاق مأخوذ بالاختلاف والتطابق، في حدوده القصوى ، وهو يتزود تدريجياً، بالصيغ من المعلومات التي تتعلق بالبناء الفني والشعري للقصيدة في مرحلة من المراحل التي تنسجها الصيغة الشعرية للاسطورة وهي شيء من المعالجة المألوفة : لتتعدد بعدة من المفاهيم في النص الشعري .. وما يتعلق بالموروث – والحداثة للقصيدة .. والتغير والانعطافة التي تحصل في هذا الباب : هو التوجه الذي يحدثه النص الشعري .. في الحياة الثقافية – وما مطلوب من الشاعر كتابته وما على القارئ ، من خصوصيات معرفية للشعر الحداثي .. وان العمل الادبي تكون خطواته الاولى من تلافيف الحياة – ثم العودة الى هذه الحياة عبر - التوغل – والتطور فيها– والانعطافة الشعرية وهي ترسم المستقبل للمجتمع . وان جملة من الملاحظات التي وجهت الى (( ورد زورث – وشيلي – وكيتس – وتينسون ، وغيرهم : ولكن – الاشارة في الصعوبة كانت موجهة الى ( براوننج )( ) والصعوبة تكمن في ان القارئ العادي يقوم برصف جملة من الملاحظات تتعرض لحالة من الاحباطات الاجتماعية – والفكرية بعدها يقع في مطبات ينسجها القارئ لنفسه .. ويبدأ بتفسير النص الشعري وفق اللاوعي او وفق الاهواء .. والواجب : كان عليه ان يبدأ بالعملية الحسية لكي يثّبت وعيه ومهارته في قراءة النص الشعري .. وبشكل صحيح دون اشكالية في رد الفعل على النص .. ومن النص الشعري – الا ان الوعي التحديثي للقراءة الصحيحة للنص .. وما يتعلق بالوعي الشعري والفهم للحرفية الادبية .. فهي متواصلة اصلاً مع منطق النص ، التحديثي .. وما يفسر من تأثر للسياب .. بالشاعر ( برنز) وما تركه من اثر شعري – كبير .. وان السياب قد قرأ قصيدة (( على قبر برنــــز )) .. وتعاطف (وردزورث ) مع الشاعر المرثي (( برنز)) حيث استذكرها السياب : وهو على فراش الموت .. يذكر هذه القصيدة .. وما حملته من خصائص انسانية وفكرية لان ((برنز)) هو شاعر يمتلك موهبة شعرية .. وكان ضحية السلطة السياسية.( )
يقول السياب في قصيدة (( نفسي وقبر ))
نفس من الامال خاوية
جرداء لا ماء ولا عُشب
ما أرتجيه هو المحال وما
لا ارتجيه هو الذي يجب
قدرٌ رمى فاصاب صادحة
في الجو خرّت وهي تنتحب
من ذا يُعدُ الى قوادمها
افق الصباح تضيئة السُحبُ
ُصلِبُ المسيحُ فأيُّ معجزة
تأتي ؟ وأي دعاء ملهوفِ
ستزيح أبواب السماء له
أغلاقها ؟! حبلٌ من الليفِ
هيهات يُرق للسماء به
ليهزَّ عرش الله تخريفي
فالسياب : كان يهدف من رمز المسيح .. ان يوحي من خلال النص ، بأن عملية الصلب .. قد نفذها : أعداء الحق .. والدين ، وان الحق لا بد ان ، يظهر .. فالورد النابت في الصخر .. وهو دم المسيح في قصيدته (( من رؤيا فوكاي) المارة الذكر قبل قليل .. وهي نفس السلطة التي قتلت مواهب الشاعر الكبير (( برنز )) وقوّضت مواهبه الشعرية وحرمت الاجيال الطالعة الى مواهب الشاعر الكبير .. وبعد التكثيف في العبارة.. والعمل على تكثيف الالفاظ في (( الصورة – والاسطورة )) عند بدر بشكل عام .. والترتيب الذي ، يحصل في النص الشعري .. وحسن التعبير .. والملاحظ .. ان السياب : ومنذ منتصف الخمسينات كان منشغلاً (( بالشعر الانكليزي )) والاسطورة بشكل خاص وحفلت اكثر القصائد : بالرمزية – والاسطــورة .. وهي نتيجـة تأثــره
(( باليوت – وستويل )) وقصيدة انشودة الوردة ، وبضمنها يقع جزء من القصيدة – عنوانه (( ما زال يهطل المطر )) كانت قد كتبته الشاعرة في الساعات الاولى لقصف لندن في العام 1940 ، وطائر الفولاذ يقذف حممه البركانية على لندن والسياب جمع مقطعين من القصيدة أي جمع ((انشودة الوردة)) زائداً (( ما زال يهطل المطر )) فكانت قصيدته (( انشودة المطر )) ( )
تقول ستويل :
ما زال يهطل المطر
قائماً مثل عالم الانسان ، أسود مثل ضياعنا
أعمى كألف وتسعمائة وأربعين مسماراً
على الصليب ..
ما زال يهطل المطر
بصوت مثل نبض القلب يتغير مع ضربة المطرقة
في ساحة الخزاف ، مثل وقع الاقدام الدنسة على الضريح :
ما زال يهطل المطر
في حقل الدم حيث تتولد الامال الصغار والعقل البشري
يغذي جشعه ، تلك الدودة في جبين قابيل
ما زال يهطل المطر
عند قدمي الانسان المجوع المعلّق على الصليب
المسيح الذي كان يوم ، كل ليلة ، يتسمر هناك ، رحمةً علينا – على الغني الفقير :
تحت المطر القرحُ والذهب سيّان
ما زال يهطل المطر –
ما زال يهطل الدم من جنب الانسان المجوَّع الطعين :
يحمل في قلبه كل الجراح – جراح النور الذي مات ،
آخر ومضة كابية
في القلب القاتل نفسه ، جراح العتمة البهماء الحزينة ، جراح الدب المعذَّب –
الدب الاعمى الباكي ينهال بالضرب حابسوه
على جسده المغلوب ... دموع الارنب الطريد
ما يزال يهطل المطر ( )
نلاحظ ان القصيدة شكلت فعلاً درامياً من خلال الايقاع – والصورة والفعل الحاضر.. وجاء المسيح ليكون رمزاً لفعل الحق .. كما هو الحال في القصائد السابقة للسياب (( نفس وقبر .. ورؤيا فوكاي )) وحتى في قصيدة الاسلحة والاطفال )) نجد التأثر واضحاً باليوت .. وستويل ... وان السمات التي تظهر على النص الشعري بفعل الترتيب وتحسين معنيين حيث هذه السمات في الاخر الى ظهور اسلوب شعري يطغي على النص (( حسب تعبير الفارابي ومثال ذلك الطريق في التماثل الذي احدثه اليوت في عمليات المفارقة في قوله : (( وارتحلت الحوريات )) ... ص 114 .. وهي اشارة الى شعرية سبنسر .. في (( وارتحلت حوريات النهر عند حلول الشتاء )) وهي تُظهر نهاية الحب الرومانسي .. فالشاعر يريد من خلال هذه الايحاء هو ان يظفر بالمخيلة ، في أن الحياة البشرية مستمرة، وهي في كلا القصيدتين واحدة : وانهما نبعتا من صيغة - وادراك سيكولوجي تحديثي واحد وحين تولد السبب الذي تولّد: عنده الشعر في القوة والمحاكاة والتطور في النظرة الى ((النص الشعري)) حيث وجدت الاوزان – ومنها تطورت – الالحان ((فمالت الانفس ، كما يقول ابن سينا )) وجعلت تنمو يسيراً تابعة للطباع .. وكان أكثرها ينمو عن المطبوعين – الذين ، يتعاطون (( الشعر)) حيث انبثقت الشعرية منهم بحسب الغرائز.. وابن سينا يعزي علل تأليف الشعر : فيقول .. انها تأتي في المتعة المتأتية من المحاكاة )) وتناسب تأليف الموسيقى بمعناها العام .. والشعرية عنده تأخذ منحنى سيكولوجي حيث يرتبط هذا المنحنى بالغريزة وهي ، تتجه الى المحاكاة : فمن الضروري ان نتبين هذا الجنوح في الغريزة الشعرية .. بقصيدة
(( الارض اليباب )) لاليوت على سبيل المثال – او انشودة المطر لبدر شاكر السياب .. وهو استمتاع يكشف المعنى الشعري للقارئ .. والنص الشعري ، باعتباره حقلاً منهجياً يوحد الخطاب الشعري في – استقصاء دائم .. والنص الشعري : لا ينحصر في التقطيع البدائي للاجناس .. بل يتم تشكيله ، بقدرة فائقة تتخلخل من جوانبه ، الجدران القديمة .. التي لَفَّت النص الشعري .. وأحدثت شرخاً كبيراً فيه .. فالنص الشعري يتكون من اختلاف في القواعد القولية في اطار من القابلية المقلوبة للقراءة .. حيث يضع الحدود للرأي المفهومي باتجاه يدعه يخرج عن الهدوء في الاداء السائد .
فطبيعة الفكرة في التساوي – او التماثل في الرموز عند السياب وهو يجمع بين (( جنكيز الذي مثل الطغيان – وبين
كونغاي التي مثلت رمز التضحية – وهابيل الذي هو رمز الانسانية الخيرة وقابيل الذي هو رمز الشر ( ) .
كل هذه الاشياء تفسر لنا .. ان النص الشعري يمثل اللانهائي في دلالته .. حيث يكون تعددياً .. ولا تمثل الدال : الجزء الاول في المعاني .. فالنص يحقق المعنى بانجاز وانتقال دون تأويل ويقوم بانقاذ الفعل الدلالي ، من الاستهلاك .. وهي محاولة علمية ، لصهر المسافة التي تضع حدود ، بين القراءة – والكتابة .. وهكذا ومنذ البداية ، كان البحث عن المعنى ، والتعبير عن الحقيقة وهي:
ان الشعر يبقى صدى للعذاب الانساني .. وهو يتكون من نسق درامي وصورة .. لذلك نجد الشعر عبارة عن صيرورة – وجودية تتجسد في وعي الشاعر ، وبشكل اختلافي .. يتمحور نظامه بناءاً عن انعكاسات في وعي الرؤيا في( الزمكان ) – والفاعلية المتجذرة في معنى الحرية .. وفي التعبير عن الافق الشعري .. وفي مجازات منطقية مفتوحة وهي تجد الطريق الصائب : في استشعار شعري – يلتزم المحاور والخيارات التي تركب منطقة المتماثل بصيغ تركيبية مع الحدث والتحديث والتماثل ومنطقه – السطوح المشحونة بالاحاسيس ، التي تعبر عن العلامة – والدلالة في شروط مفتوحة لمداخل القصيدة وكانت العلامة هي المعيار المكوّن للذات عند الشاعر .
يتبع.......