علاء هاشم مناف
جدلية الرؤية في شعر سعدي يوسف
علاء هاشم مناف
الحوار المتمدن - العدد: 2491 - 2008 / 12 / 10
المحور: الادب والفن
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع Bookmark and Share
كان البروز المفاجئ للموضوعات التي حركت تشكيلات الأنشطة المتناهضة ، داخل الأنظمة التعادلية للمبحث الفلسفي ، هو يؤكد أهمية الدلالة ـ والموروث ، والحلقات التي تبرز فعاليات المظهر الدلالي ، بحسب لحظة التأمل في الزمن المتلابس ، في مجموعة من الأفكار التي تنسجها التجربة بعمق العملية الفنية.
ومرة أخرى ، يتاح لفعل الايقاع الجديد في الصورة ، وهي تجسد النمط ، في حلقات اللاوعي ، وتكثيف (( الاندماج الدرامي)) انطلاقا من سببية ( الزمكان) المركب.. وجعل الحوار ، يتصاعد الى ذروته الدرامية حتى تتوثب الرؤية في أنطلاقة توجس تبرز على سطح النص لتحليل هذا الإحساس المرهف وهو ليستجمع الحدث الشعري بترابط متجانس في أطار (( الحدث السيكولوجي)) مع المطروح من ، مفاهيم جوهرية لتوضح التأمل الفلسفي في صياغات علمية ، وواقعية تؤكدها التجربة الحية حتى بلوغها المقاسات الحسية وهي تعتبر صيغ الرغبات ـ والإيرادات لتحيط كل الشهوات وتبدأ السيطرة الكاملة على التردد الذي يحدث عبر فوهة الرغبة الدفينة ـ وبصياغة دقيقة للزمن المركب بأندماج الافكار التحديثية وهي تتشكل ، لتقيس نجاح التجربة بواسطة الفعل الفلسفي المعاصر الذي شخص منطق الصورة في الأعداد والمعنى الجوهري .. فتبقى الصيغ الاعتراضية في عمق الاصداء على العكس في الطرق الثاني ـ في توهج المنطق الصوري وهو ـ العاكس الأمين لماضي العمل الفني ومعرفة خواصه الدينامية وهذا يتعمق بالتردد المعرفي بخواص التجربة.
وفي أكثر الاحيان نجد الدافع الحيوي ـ هو الدافع الذي شكل المحور الرئيسي في العمل الانساني .. والتعبير يأتي من الاحساس الزمني وللترددات التي تشكل محاور هذه الاصداء والتموجات التي تحول الاشياء الى حركة تدب فيها الحياة لتشغل خفايا الزمكان والتحول الشعري بالنسبة الى شاعرنا المبدع (( سعدي يوسف )) ومعالجته الدقيقة للجوانب الفنية ـ والابداعية ـ ورخامات القصيدة التي تحفل بخواص الصورة ـ ذات الترددات الايقاعية في الاشياء كذلك تجعل هذا التردد ـ والتفرد في البناء الفني وعبر تحولات بينية معرفية ـ أتقنت استقلالية الاسباب .. وناصية القصيدة تفيض بألشروح .. وتعيين العبارات والتعليقات التي أنغرست في عمق الخلق الابداعي ، وهو تكتمل عبر الاستساغثة والاستحضار الدقيق ، في عمليات المخيلة .. وتأتي الصورة بسببية ، أستقلالية ( منغلقة ) على منعطفات سيكولوجية تفسر الكلية الطبيعية في الخلق الفني في القصيدة .. وهي تستحضر الخواص التي تم جذبها عبر الصورة (( لعملية ذهنية )) تعالج ماضي وحاضر المتلقي الذي يتجذر بهندسة الصورة ـ والقدرة الشعرية ـ والشاعرية في تواصل مع الوقائع الدلالية وهي تستحضر المعترك الضمني ـ وسرعة أثارته من خلال الأنشطة (( السيكولوجية )) التي تكتنز بالحركة ـ والاشياء ـ وهما ما تزال تبحث عن التحليل ـ والإيضاح ـ والأيقاظ ـ والحركة ـ وفي التفاصيل الأسطورية ، واقتحام المفاهيم المسبقة في الشعر والبحث عن الخيارات في أفعال الخيال الذي يظهر بمواقف .. تتحدد فيها موضوعية الصورة في نشوة أزلية .. ومسار تعادلي يفسر العقم الذي يغمر الواقع الاجتماعي.
والتأسيسي يلتقي ، بمنحنيات الإنجاز في الصورة .. وهو رفض التخفي في الأزمة اليومية .. وهذا الهدف الرئيس من عملية الاغتراب والبحث عن الإنجاز داخل الأنساق وخارجها.
فلا رؤية عند الشاعر هي المعدل الموضوعي في البحث عن الأزمنة الجديدة ، وفي استحضار دائم حتى في هياكل النصوص الشعرية فالثروة الأسطورية للصورة وهي ترسم الفقرات الطويلة في المعنى ونسج التركيبة للهيكل ، كان قد حركها الشاعر عبر قنواته المختبرية لكي تحدث فعلها التركيبي وبتفصيلات مألوفة لنمط العصر الذي نعيش فيه .. فكانت الأزمة .. هي نوع من الإتقان العنيد ، والذي أحتوى المفارقة بكل حالتها الظاهراتية..وفي أخلية .. تستقطب الآثار الدفينة للصورة .. وتكشف ، وتجسد ما تبقى للحالات (( السيكولوجية )) وهي تتقصى الأثر الخاوي ، لبناء الحس المرهف لبنة ـ لبنة .. ودراسة منظمة للأشياء التي تغذي الحواس.
مضى قبل شهرين .. في صمته
وغربته ، وندى صوته
* * *
لقد كنت أجهل أين يريد السفر
وقد كان يكره حتى الوداع
يغني أغاني حزينة
* * *
عن النخل .. وعن رحلة في سفينة
وكان بعينية شيء مضاع
التقنيات الكبيرة .. تؤكد الجوهر ، والاستعانة القصوى لعمليات الوعي ، والاستعارة المستمرة للقوانين ذات الامتلاك المتعين في جمعه واكتماله ، وقوة التحديدات .. بشكلها البارز والنهائي .. وهي تكتنز المفروض في وحدة الوعي الجمعي ـ لتستقيم الصورة التكوينية ، وتنويعاتها بجهد يتحقق من خلاله : الفعل ـ والمقدرة ، في إطار التفاصيل المتحولة وبدعوه واضحة وجلية عن الشيء الذي يحتم على النص وعرض.. مسؤوليته .. وتعضيد فعل الوعي ، باعتباره منهجاً ذو قيمة ، وسرعة في البناء على مستوى أنشطة الصورة
كأنك أنت لم تولد لتبصرهم جميعاً
لتصيح بين الناس ، من أجل الذين يعذبون ويدفنون
في الصمت ، من أجل الذين يحررون
أقدامهم في بول مرضاهم ، ورغم القبح والماء المسمم يزرعون
يا قلب الحجري … أبصر كي تراهم
يبصرون.
أن روح التماثل في حدودها الموشحة ، بالوضوع .. والتي تتميز بالمنطق الجدي في وشيجة ، تتمتع بها خواص التجربة ـ الحية (( في الروح ، والعقل الكبيرين)) وفي صياغات تقر الفعل المترادف في سياقاته الصعبة باتجاه الترجمة الدقيقة للنص الشعري .. وهو يختمر من خلال المنطق في الصورة الشعرية ، لتستقيم المعادلة في الروح وهي تكتشف الإلزام التكويني الذي ينمو بدافع الاحساس والالتزام والمسؤولية كونه يستمد خواصه التكوينية بعناء وهو يزخر بالتناسب المنسق .. وهو يفضي إلى رؤية شعرية تنفتح على معامل الآخرين ، كأنها ضوء شمس وقد أنتشر على تلك الأنحاء من الحواس ـ والمخيلة .. في استرجاع يحكمه وضوح الرؤية في قلب المعنى ـ والنسج الذي يستمد خواصه من المنابع التي تحيط النسق في انسيابية تفتش عن الإيقاع الذي يزهو بموسيقى المفرد ـ والروح التي أصبحت .. شعلة شفافة تحيط ((الزمكان )) برسوم ، وملامح يتلابس معها الضوء المنعكس من صورة الأشياء ـ والحواس الخفية ، لتنطق بالصورة ببصيرة أخّاذة ، وهي تتحدث عن مصدر الألوان في النص الشعري . مهملة في أخر الساحة
أثوابك الفاتحة الخضرة
تلقي عليها عربات النقل ، والأحذية ، الغبرة
ويضحك الأطفال في الساحة
ويدنون من اذرعك المعروفة المحروقة المرة
يغافلون الحارس المتعب : نواره
يا عمي الحارس ، هل آخذ نواره ؟
لكن اغصانك لن يلمسها الأطفال
لن يسرقوا من زهرها زهرة
فأنت بين الشيء والصورة
ضائعة الأسماء
ضائعة كالماء
ان عملية التلقي تتحدد بالرغبة ، والصعوبة التي تكتنف عملية صهر الاسترخاء في قصدية ، من الوعي المنساب بالهام ، وهو متصل ، بالوضوح ، التام ، في ظاهر المنطق الشعري وهو يوضح منعطف الحالة الأصلية ، وبتركيزا يتبينه الشاعر ..وهو مستغرقاً في روح الصورة ، ليمسك بعدها بأنشطة كبيرة البناء تحيط مشروع هذا الاستغراق وهو في وضع سابق في منتهاه .. وعلى هذا النحو المتنامي ، لخواص ونواظم القصيدة وهي تكتمل ، باكتمال الصورة وتتطبع بالمكونات ، ذات الموضوعات التي تشكل نقطة في الفهم الأول لمستويات الوعي .. وهو يتلمس الصعوبة الدقيقة في الفهم لان الشاعر ترك اثراً يجب البحث عنه .
في هذا المعترك ، يكون الاستحضار متلابس بجدلية مع الرؤية التي تفصح عن عدة محاور في التشكيل القديم كما هو الحال عند (السياب) وكذلك الشعراء الآخرين من المجددين والموروث يأتي في استشراق متعدد التجريبية
اعرف ان ذراعاً أتوسدها تحكم إغلاق مدينتنا
حين يدور السافل ، أشيب ، تحت الأسوار
واعرف انك حين نثرت رصاصاتي اخترت
المسموة منها …
اعرف ان عدوي قتلته أمراة …
والإفادة في الكشف عن :- الحد والتوسع الأعمق لهذا المبحث للقبض على الأشياء ، والإفادة ، من صنع التوازن ( بين الحداثة – والتحديث ) في النص الشعري .. في استحضار ، خواص الأسطورة (كما هو الحال عند جويس) والضبط المتوازن للسببية التعادلية .. والعبث الواعي الذي يدركه الشاعر من خلال الاستيقاظ المستمر
بيت على الذرى كان مسكوناً بأشباحنا زماناً طويلاً
وتركناه ، مسرعين الى السوق
اشترينا شقائقاً
واشُترينا ذمّةَ
هذه القبضة التي يمتزج فيها الوجود الكلي بالجزئي وهي الصحوة لاستحضار الغزارة المتفردة في عمق التصور واتجاهاته المتداخلة نحو التدفق المتوازن في المبحث الاسطوري من الوظيفة البنائية للنص .. وهو البحث عن الصياغات الإبداعية في عمق اللحظات من البناء الاجتماعي وما حققته عملية المفاضلة والتنقيب ، والبحث عن الجذور – والخواص بالمحنة المتأصلة في (التغريب ) والاختيار الشعري عند الشاعر : يكون قد تحدث عن الروح – والهاجس واللغة – والحركة للأشياء التي أوجدها منطق الوجود
أحس ، مسحنا وجهك الغامض بالأغصان
نمنحه الممكن من الألوان
واليوم ، حتى الغصن المخضّل بالإيماء
طاف على نهر النسيان .
ومن الإيحاء المتماثل في النص نستطيع ، ان نحدد الإيراد ، وهو في حقيقة المفارقة .. وهي ترتحل لتجعل الصورة تحكمها اللغة - والصورة ، والحركة حتى تنظم إلى المصدر في الترجيع المنطقي ، والوعي المركز بالانفعالات ، تتمحور داخل إشكاليات واعية من الأحاسيس وصيغ ، التعبير الدقيقة .
إذ أن (سعدي يوسف) يكثف عملية الإحساس بالأشياء والحياة ، من خلال منطق الاندهاش الواعي الذي يطغي على فضاء القصيدة ليستقبل الرؤية في الحنين إلى مشاهدة دجلة في صورة .. تلمس أعماق الشعور قبل أن يطغي على ضفاف القصيدة حقيقة العشق الجنوني
أقول : صباحاً لدجلة ..
أن الصباح الذي كان مغتسلاً هو والعشب يقتادني من يديَّ ، ويجلسني قبله :
هذه المصطبة
تضمك والناس …
إذن … أنت تقنع بالجلسة الهادئة
على ضفاف النهر
ها أنت تصغي الى خطوة منه مكتومة
كنت تصغي
إلى هاجس العشب تحت الحذاء الممزق
تصغي
إلى دورة الخبز في دمه … البارحة
ونستطيع ان نعي هذه الترجمة عبر كل هذه الترجيعات المتكررة وهي تحرك سطوح الأشياء ، وتلامس الأعماق .. فتبدأ الرؤيا تتخذ داخل الصورة حتى تصبح انعكاس لفصل الوجود داخل معاني تعبيرية هادفة الى صيغ عملية من الانفعال الوجداني في قلب المفارقة وهي تقتحم فضاء القصيدة .. لتعمق الشعور بعمق الحقيقة والكشف عن الأبنية التي وحدها النص الشعري داخل معاني الصورة ليعج بالمحاور الرصينة .. وهذا شعور يتركب عبر ، صيغ من التصور الصادق .. وفي تفاعل يفضي إلى الحالة الثقافية.
اعتم البحر
منذ الظهيرة
كان يعتم ، شيئاً ، فشيئاً ، وكان بريق الثياب الصغيرة
يختفي في العيون
يرتقي في ضباب الزوايا سواد العيون
والمرايا – النبيذ
المرايا – الدخان
المرايا – المرايا
في غموض الزوايا
فالنتيجة تأتي دائماً ، في استكشاف المنحى الشعري الذي يطرح مستلزمات (دراما الشعر) في الحفلات القدسية وهي تنقل الصورة لتتم العملية التعبيرية في حماس وتأمل باطني يتضح بسببية ، تنتقل في ثنايا الروح لتوضح مجموعة ارادات وبفطنة شعرية مرهفة .
فنتائج التحليل (السيكولوجي) تؤكد الجهد الذي بذل في نموذج التعبير وفي صياغة القصيدة في سلسلة من ، الأحاسيس كما تشرحها الرغبات – والإرادات – والشهوات في صدق الايمان والرغبة الجامحة في بناء القصيدة .
المراجع
1- الأعمال الشعرية 1952-1977
مطبعة الأديب البغدادية
جدلية الرؤية في شعر سعدي يوسف
علاء هاشم مناف
الحوار المتمدن - العدد: 2491 - 2008 / 12 / 10
المحور: الادب والفن
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع Bookmark and Share
كان البروز المفاجئ للموضوعات التي حركت تشكيلات الأنشطة المتناهضة ، داخل الأنظمة التعادلية للمبحث الفلسفي ، هو يؤكد أهمية الدلالة ـ والموروث ، والحلقات التي تبرز فعاليات المظهر الدلالي ، بحسب لحظة التأمل في الزمن المتلابس ، في مجموعة من الأفكار التي تنسجها التجربة بعمق العملية الفنية.
ومرة أخرى ، يتاح لفعل الايقاع الجديد في الصورة ، وهي تجسد النمط ، في حلقات اللاوعي ، وتكثيف (( الاندماج الدرامي)) انطلاقا من سببية ( الزمكان) المركب.. وجعل الحوار ، يتصاعد الى ذروته الدرامية حتى تتوثب الرؤية في أنطلاقة توجس تبرز على سطح النص لتحليل هذا الإحساس المرهف وهو ليستجمع الحدث الشعري بترابط متجانس في أطار (( الحدث السيكولوجي)) مع المطروح من ، مفاهيم جوهرية لتوضح التأمل الفلسفي في صياغات علمية ، وواقعية تؤكدها التجربة الحية حتى بلوغها المقاسات الحسية وهي تعتبر صيغ الرغبات ـ والإيرادات لتحيط كل الشهوات وتبدأ السيطرة الكاملة على التردد الذي يحدث عبر فوهة الرغبة الدفينة ـ وبصياغة دقيقة للزمن المركب بأندماج الافكار التحديثية وهي تتشكل ، لتقيس نجاح التجربة بواسطة الفعل الفلسفي المعاصر الذي شخص منطق الصورة في الأعداد والمعنى الجوهري .. فتبقى الصيغ الاعتراضية في عمق الاصداء على العكس في الطرق الثاني ـ في توهج المنطق الصوري وهو ـ العاكس الأمين لماضي العمل الفني ومعرفة خواصه الدينامية وهذا يتعمق بالتردد المعرفي بخواص التجربة.
وفي أكثر الاحيان نجد الدافع الحيوي ـ هو الدافع الذي شكل المحور الرئيسي في العمل الانساني .. والتعبير يأتي من الاحساس الزمني وللترددات التي تشكل محاور هذه الاصداء والتموجات التي تحول الاشياء الى حركة تدب فيها الحياة لتشغل خفايا الزمكان والتحول الشعري بالنسبة الى شاعرنا المبدع (( سعدي يوسف )) ومعالجته الدقيقة للجوانب الفنية ـ والابداعية ـ ورخامات القصيدة التي تحفل بخواص الصورة ـ ذات الترددات الايقاعية في الاشياء كذلك تجعل هذا التردد ـ والتفرد في البناء الفني وعبر تحولات بينية معرفية ـ أتقنت استقلالية الاسباب .. وناصية القصيدة تفيض بألشروح .. وتعيين العبارات والتعليقات التي أنغرست في عمق الخلق الابداعي ، وهو تكتمل عبر الاستساغثة والاستحضار الدقيق ، في عمليات المخيلة .. وتأتي الصورة بسببية ، أستقلالية ( منغلقة ) على منعطفات سيكولوجية تفسر الكلية الطبيعية في الخلق الفني في القصيدة .. وهي تستحضر الخواص التي تم جذبها عبر الصورة (( لعملية ذهنية )) تعالج ماضي وحاضر المتلقي الذي يتجذر بهندسة الصورة ـ والقدرة الشعرية ـ والشاعرية في تواصل مع الوقائع الدلالية وهي تستحضر المعترك الضمني ـ وسرعة أثارته من خلال الأنشطة (( السيكولوجية )) التي تكتنز بالحركة ـ والاشياء ـ وهما ما تزال تبحث عن التحليل ـ والإيضاح ـ والأيقاظ ـ والحركة ـ وفي التفاصيل الأسطورية ، واقتحام المفاهيم المسبقة في الشعر والبحث عن الخيارات في أفعال الخيال الذي يظهر بمواقف .. تتحدد فيها موضوعية الصورة في نشوة أزلية .. ومسار تعادلي يفسر العقم الذي يغمر الواقع الاجتماعي.
والتأسيسي يلتقي ، بمنحنيات الإنجاز في الصورة .. وهو رفض التخفي في الأزمة اليومية .. وهذا الهدف الرئيس من عملية الاغتراب والبحث عن الإنجاز داخل الأنساق وخارجها.
فلا رؤية عند الشاعر هي المعدل الموضوعي في البحث عن الأزمنة الجديدة ، وفي استحضار دائم حتى في هياكل النصوص الشعرية فالثروة الأسطورية للصورة وهي ترسم الفقرات الطويلة في المعنى ونسج التركيبة للهيكل ، كان قد حركها الشاعر عبر قنواته المختبرية لكي تحدث فعلها التركيبي وبتفصيلات مألوفة لنمط العصر الذي نعيش فيه .. فكانت الأزمة .. هي نوع من الإتقان العنيد ، والذي أحتوى المفارقة بكل حالتها الظاهراتية..وفي أخلية .. تستقطب الآثار الدفينة للصورة .. وتكشف ، وتجسد ما تبقى للحالات (( السيكولوجية )) وهي تتقصى الأثر الخاوي ، لبناء الحس المرهف لبنة ـ لبنة .. ودراسة منظمة للأشياء التي تغذي الحواس.
مضى قبل شهرين .. في صمته
وغربته ، وندى صوته
* * *
لقد كنت أجهل أين يريد السفر
وقد كان يكره حتى الوداع
يغني أغاني حزينة
* * *
عن النخل .. وعن رحلة في سفينة
وكان بعينية شيء مضاع
التقنيات الكبيرة .. تؤكد الجوهر ، والاستعانة القصوى لعمليات الوعي ، والاستعارة المستمرة للقوانين ذات الامتلاك المتعين في جمعه واكتماله ، وقوة التحديدات .. بشكلها البارز والنهائي .. وهي تكتنز المفروض في وحدة الوعي الجمعي ـ لتستقيم الصورة التكوينية ، وتنويعاتها بجهد يتحقق من خلاله : الفعل ـ والمقدرة ، في إطار التفاصيل المتحولة وبدعوه واضحة وجلية عن الشيء الذي يحتم على النص وعرض.. مسؤوليته .. وتعضيد فعل الوعي ، باعتباره منهجاً ذو قيمة ، وسرعة في البناء على مستوى أنشطة الصورة
كأنك أنت لم تولد لتبصرهم جميعاً
لتصيح بين الناس ، من أجل الذين يعذبون ويدفنون
في الصمت ، من أجل الذين يحررون
أقدامهم في بول مرضاهم ، ورغم القبح والماء المسمم يزرعون
يا قلب الحجري … أبصر كي تراهم
يبصرون.
أن روح التماثل في حدودها الموشحة ، بالوضوع .. والتي تتميز بالمنطق الجدي في وشيجة ، تتمتع بها خواص التجربة ـ الحية (( في الروح ، والعقل الكبيرين)) وفي صياغات تقر الفعل المترادف في سياقاته الصعبة باتجاه الترجمة الدقيقة للنص الشعري .. وهو يختمر من خلال المنطق في الصورة الشعرية ، لتستقيم المعادلة في الروح وهي تكتشف الإلزام التكويني الذي ينمو بدافع الاحساس والالتزام والمسؤولية كونه يستمد خواصه التكوينية بعناء وهو يزخر بالتناسب المنسق .. وهو يفضي إلى رؤية شعرية تنفتح على معامل الآخرين ، كأنها ضوء شمس وقد أنتشر على تلك الأنحاء من الحواس ـ والمخيلة .. في استرجاع يحكمه وضوح الرؤية في قلب المعنى ـ والنسج الذي يستمد خواصه من المنابع التي تحيط النسق في انسيابية تفتش عن الإيقاع الذي يزهو بموسيقى المفرد ـ والروح التي أصبحت .. شعلة شفافة تحيط ((الزمكان )) برسوم ، وملامح يتلابس معها الضوء المنعكس من صورة الأشياء ـ والحواس الخفية ، لتنطق بالصورة ببصيرة أخّاذة ، وهي تتحدث عن مصدر الألوان في النص الشعري . مهملة في أخر الساحة
أثوابك الفاتحة الخضرة
تلقي عليها عربات النقل ، والأحذية ، الغبرة
ويضحك الأطفال في الساحة
ويدنون من اذرعك المعروفة المحروقة المرة
يغافلون الحارس المتعب : نواره
يا عمي الحارس ، هل آخذ نواره ؟
لكن اغصانك لن يلمسها الأطفال
لن يسرقوا من زهرها زهرة
فأنت بين الشيء والصورة
ضائعة الأسماء
ضائعة كالماء
ان عملية التلقي تتحدد بالرغبة ، والصعوبة التي تكتنف عملية صهر الاسترخاء في قصدية ، من الوعي المنساب بالهام ، وهو متصل ، بالوضوح ، التام ، في ظاهر المنطق الشعري وهو يوضح منعطف الحالة الأصلية ، وبتركيزا يتبينه الشاعر ..وهو مستغرقاً في روح الصورة ، ليمسك بعدها بأنشطة كبيرة البناء تحيط مشروع هذا الاستغراق وهو في وضع سابق في منتهاه .. وعلى هذا النحو المتنامي ، لخواص ونواظم القصيدة وهي تكتمل ، باكتمال الصورة وتتطبع بالمكونات ، ذات الموضوعات التي تشكل نقطة في الفهم الأول لمستويات الوعي .. وهو يتلمس الصعوبة الدقيقة في الفهم لان الشاعر ترك اثراً يجب البحث عنه .
في هذا المعترك ، يكون الاستحضار متلابس بجدلية مع الرؤية التي تفصح عن عدة محاور في التشكيل القديم كما هو الحال عند (السياب) وكذلك الشعراء الآخرين من المجددين والموروث يأتي في استشراق متعدد التجريبية
اعرف ان ذراعاً أتوسدها تحكم إغلاق مدينتنا
حين يدور السافل ، أشيب ، تحت الأسوار
واعرف انك حين نثرت رصاصاتي اخترت
المسموة منها …
اعرف ان عدوي قتلته أمراة …
والإفادة في الكشف عن :- الحد والتوسع الأعمق لهذا المبحث للقبض على الأشياء ، والإفادة ، من صنع التوازن ( بين الحداثة – والتحديث ) في النص الشعري .. في استحضار ، خواص الأسطورة (كما هو الحال عند جويس) والضبط المتوازن للسببية التعادلية .. والعبث الواعي الذي يدركه الشاعر من خلال الاستيقاظ المستمر
بيت على الذرى كان مسكوناً بأشباحنا زماناً طويلاً
وتركناه ، مسرعين الى السوق
اشترينا شقائقاً
واشُترينا ذمّةَ
هذه القبضة التي يمتزج فيها الوجود الكلي بالجزئي وهي الصحوة لاستحضار الغزارة المتفردة في عمق التصور واتجاهاته المتداخلة نحو التدفق المتوازن في المبحث الاسطوري من الوظيفة البنائية للنص .. وهو البحث عن الصياغات الإبداعية في عمق اللحظات من البناء الاجتماعي وما حققته عملية المفاضلة والتنقيب ، والبحث عن الجذور – والخواص بالمحنة المتأصلة في (التغريب ) والاختيار الشعري عند الشاعر : يكون قد تحدث عن الروح – والهاجس واللغة – والحركة للأشياء التي أوجدها منطق الوجود
أحس ، مسحنا وجهك الغامض بالأغصان
نمنحه الممكن من الألوان
واليوم ، حتى الغصن المخضّل بالإيماء
طاف على نهر النسيان .
ومن الإيحاء المتماثل في النص نستطيع ، ان نحدد الإيراد ، وهو في حقيقة المفارقة .. وهي ترتحل لتجعل الصورة تحكمها اللغة - والصورة ، والحركة حتى تنظم إلى المصدر في الترجيع المنطقي ، والوعي المركز بالانفعالات ، تتمحور داخل إشكاليات واعية من الأحاسيس وصيغ ، التعبير الدقيقة .
إذ أن (سعدي يوسف) يكثف عملية الإحساس بالأشياء والحياة ، من خلال منطق الاندهاش الواعي الذي يطغي على فضاء القصيدة ليستقبل الرؤية في الحنين إلى مشاهدة دجلة في صورة .. تلمس أعماق الشعور قبل أن يطغي على ضفاف القصيدة حقيقة العشق الجنوني
أقول : صباحاً لدجلة ..
أن الصباح الذي كان مغتسلاً هو والعشب يقتادني من يديَّ ، ويجلسني قبله :
هذه المصطبة
تضمك والناس …
إذن … أنت تقنع بالجلسة الهادئة
على ضفاف النهر
ها أنت تصغي الى خطوة منه مكتومة
كنت تصغي
إلى هاجس العشب تحت الحذاء الممزق
تصغي
إلى دورة الخبز في دمه … البارحة
ونستطيع ان نعي هذه الترجمة عبر كل هذه الترجيعات المتكررة وهي تحرك سطوح الأشياء ، وتلامس الأعماق .. فتبدأ الرؤيا تتخذ داخل الصورة حتى تصبح انعكاس لفصل الوجود داخل معاني تعبيرية هادفة الى صيغ عملية من الانفعال الوجداني في قلب المفارقة وهي تقتحم فضاء القصيدة .. لتعمق الشعور بعمق الحقيقة والكشف عن الأبنية التي وحدها النص الشعري داخل معاني الصورة ليعج بالمحاور الرصينة .. وهذا شعور يتركب عبر ، صيغ من التصور الصادق .. وفي تفاعل يفضي إلى الحالة الثقافية.
اعتم البحر
منذ الظهيرة
كان يعتم ، شيئاً ، فشيئاً ، وكان بريق الثياب الصغيرة
يختفي في العيون
يرتقي في ضباب الزوايا سواد العيون
والمرايا – النبيذ
المرايا – الدخان
المرايا – المرايا
في غموض الزوايا
فالنتيجة تأتي دائماً ، في استكشاف المنحى الشعري الذي يطرح مستلزمات (دراما الشعر) في الحفلات القدسية وهي تنقل الصورة لتتم العملية التعبيرية في حماس وتأمل باطني يتضح بسببية ، تنتقل في ثنايا الروح لتوضح مجموعة ارادات وبفطنة شعرية مرهفة .
فنتائج التحليل (السيكولوجي) تؤكد الجهد الذي بذل في نموذج التعبير وفي صياغة القصيدة في سلسلة من ، الأحاسيس كما تشرحها الرغبات – والإرادات – والشهوات في صدق الايمان والرغبة الجامحة في بناء القصيدة .
المراجع
1- الأعمال الشعرية 1952-1977
مطبعة الأديب البغدادية