منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تابع للتناص 6

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تابع للتناص 6 Empty تابع للتناص 6

    مُساهمة   الخميس يونيو 30, 2011 4:04 am

    - امرؤ القيس:

    شغل امرؤ القيس الشعر والشعراء في كل عصور الأدب العربي وله فيه مكانة
    كبيرة ولاشك وذلك لغنى تجربته الأدبية والحياتية ، و"تكاد تكون شخصية امرىء
    القيس شخصية نموذجية في رحلة الشعر العربي القديم والحديث ، فلطالما
    استلهم الشعراء شعر امرىء القيس بأساليب مختلفة ومتعددة ، وهذا بحد ذاته
    أمر يشير إلى أهمية امرىء القيس" (23) وقد استثمر محمود درويش في جداريته
    محور الغربة في حياة امرىء القيس ووظفه في نصه بشكل موفق ، يقول محمود
    درويش :

    " يا اسمي: سوف تكبر حين أكبر
    سوف تحملني وأحملك
    الغريب أخ الغريب" (24)

    وجد الشاعر في رحلة امرىء القيس وغربته مادة يمكن أن يزاوج فيها بين واقع
    الإنسان المعاصر وواقع امرىء القيس وهو واقع لا يعرف الاستقرار ، وهنا
    تتلاقى تجربة امرىء القيس ومحمود درويش حيث يسيطر إحساس عالٍ بالغربة على
    الشاعر فيشطر من ذاته شطرين ويخلق من نفسه آخراً يستعين به على غربته ، وقد
    جمع هذا الإحساس بالغربة بين هذين الشاعرين فكلاهما غريب عن أرضه وتجمعه
    الغربة بألفة هي ألفة الغريب بالغريب كما في قول امرىء القيس :

    أجارتنا إنا غريبان هاهنا وكل غريب للغريب نسيب

    كما أن رحلة امرىء القيس بكل ما فيها من ألم ومغامرة تلتقي مع رحلة درويش
    الماضية في فضاء أبيض شفاف هو نقاء النهايات التي يقابلها الشاعر بنوع من
    التحدي حيناً والاستسلام حيناً آخر ، فالغربة والإحساس بدنو النهاية جمع
    كلا الشاعرين ولعل درويش في هذا التناص يقول لنا أن غربته طويلة ومتأصلة في
    داخله وتمد جذورها في روحه منذ أيام امرىء القيس حتى يومنا هذا .ويعود
    محمود درويش في موطن آخر من جداريته ليلتقي بامرىء القيس ولكن هذه المرة
    يتماس معه في نقطة أخرى ومحور ثان هو الرحلة ، يقول :

    "كلابنا هدأت
    وماعزنا توشح بالضباب على
    التلال. وشج سهم طائش وجه
    اليقين. تعبت من لغتي تقول ولا
    تقول على ظهور الخيل ماذا يصنع
    الماضي بأيام امرىء القيس الموزع
    بين قافية وقيصر..." (25)

    نعرف أن رحلة امرىء القيس كانت لإعادة ملك مسلوب وهذا الملك المسلوب هو
    أيضاً ما يرتحل من أجله محمود درويش ملك الأرض والوطن المسلوب ، ولكن درويش
    يبدو فارساً منهكاً لا يجد في رحلته جدوى حين يطبق عليه اليأس الخناق حيث
    تغيب معاني الأمل والحياة أمامه فيقع تحت شعور ثقيل بعبثية الحياة والوجود
    وتجمد الأشياء وتتصلب عند مؤشر واحد هو الموت ، موت الحياة بكل ما فيها من
    مظاهر ساذجة وحميمة ، وما يزيد من إحساس العبث هذا هو ذلك السهم "الطائش"
    الذي شج وجه اليقين وهو معادل موضوعي لفكرة الموت في نفس الشاعر، فحينها لا
    يعود للارتحال ولا للمغامرة ولا لطلب أي هدف معنى لذلك جاء تناصه مع رحلة
    امرىء القيس هنا مرتداً للماضي الموزع بين الشعر والغاية التي كرس لها
    الشاعر حياته كما كرس امرىء القيس حياته من أجل قضيته وفي النهاية لم ينل
    أي منهما سوى ذلك اليقين الأبدي .. الموت.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 10:59 am