منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    تابع للتناص.....................1

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    تابع للتناص.....................1 Empty تابع للتناص.....................1

    مُساهمة   الإثنين يناير 18, 2010 12:52 pm


    ويرى رولان بارث أن:<< التناص قدر كل نص مهما كان نوعه وجنسه، ولا يقتصر حتما على مسألة المنبع، او التأثير. والتناص مجال عام للصيغ المجهولة، التي نادرا ما يكون أصلها معلوما ، والتي تأتي بصورة استجابات عفوية ولا شعورية>>[10].
    وترى جوليا كريستيفا أن :<< التناص احد مميزات النص. فكل نص هو امتصاص أو تحويل لوفرة النصوص الأخرى. كما ترى أن كل نص عبارة عن لوحة فسيفسائية من الاقتباسات ن وكل نص هو تشرب وتحويل لنصوص أخرى>>[11].
    ويعتبره الدكتور عبد الكريم مرتاض:<< ليس إلا حدوث علاقة تفاعلية بين نص حاضر لإنتاج نص لاحق ، وهو ليس إلا تضمينا بغير تنصيص>>[12]
    والتناص ، اعتبره ميشيل ريفاتير: الآلية الحقيقية للقراءة الأدبية[13] . وبذلك أعطاه طابعا تأويليا، حيث بنى دراسته التناصية في كتابه ( دلائليات الشعر Sémiotique de la poésie ) ، على المتلقي. معتبرا أن الظاهرة الأدبية لها جدل بين النص والقارئ. والمتلقي/ القارئ يؤول النص من خلال إدراكه للعلاقة التي تربط هذا النص بنصوص أخرى.
    و النصّ يجب أن يُكَوِّنَ زاوية رؤية، يستشف من خلالها الأديب معطيات الماضي وأبعاد الحاضر، وأفق المستقبل، والنصّ المتناصّ إن لم يحقق هذه الثلاثية "الماضي، الحاضر، المستقبل" يكون نصّاً عقيماً أو كما يقول "رولان بارت:<< إنّه نصّ بلا ظلّ، لأنَّ النصّ الحقيقيّ في حاجة إلى ظلّه بشكل لازم>>[14].
    ومن خصائص التناص: الارتداد إلى الماضي واستحضاره :<<لأنه ـ أي التناص ـ من أكثر الظواهر فعالية في عملية الإبداع الشعريّ، حيث يحدث تماس، يؤدّي إلى تشكيلات تداخلية، قد تميل إلى التماثل، أو التخالف، أو التناقض، وفي كل ذلك يكون للنصّ موقفٌٌ محدّد إزاء هذا التماس، الذي يصل في بعض الأحيان إلى درجة التنصيص>>[15].
    ويؤكد الأستاذ عصام شرتح أنّ التناصّ يوسّع من فضاء القصيدة، ويرفدها بطاقة إيحائية ودلالية جديدة. ومن هنا يجب على القارئ، كما يقول ريفاتير: << أن يعي بأن النص [الشعريّ] يحيل دوماً إلى شيْ قيل بطريقة أخرى في موضع آخر، أي هي التجربة المستمرة للفّ لفظّي>>[16]. وبمعنى أدق: إن كلّ نصّ رحم لنصّ آخر في عملية الخلق الشعريّ، لأنّ كلّ قصيدة لدى الشاعر انفتاح جديد لانفتاح وامتداد قديم، وفق رؤية الشاعر واستثماره لطاقته الثقافية المخزونة، التي تسهم في إغناء النصّ، وشحنه بدفق إيحائيّ ودلاليّ عميق[17]. وهذا ما نستشفّه أيضاً من قول ريفاتير: << ليست القصيدة موضوع قراءات تقدّمية واسترجاعية لنصّها فحسب، بل هي أيضاً نسق قادر على إرجاع قابل للتوسيع، ولكنّه يظلّ إرجاعاً إلى كلمات يراقبه التناصّ>>.[18]
    والتناص يعطي للقصيدة بعدا آخر، إذ يغنيها، ويوسع عالمها، ويغني تجربتها ، و رؤيتها الإنسانية والوجدانية... ويفتح لها آفاقا أوسع، وأكبر. ويمنحها صوبا جديدا، وأكثر ألوانا. <<ممَّا يفتح قنوات متعدّدة لإثراء الانفعال الذي ينفصل بالطبع عن صور الفكر المصقولة ممَّا يجسد القصيدة ويكسبها نماء تتحوّل به إلى معاناة، تبتعد عن مجرد التناغم اللّفظيّ والصياغة الماهرة، والبراعة اللّغويّة التي تحشد وتجمع، بل تتحوّل إلى حشد كثيف من الدلالات والإيحاءات التي تغني التجربة الشعرية ككلّ>>[19].
    والتناص يكون بالمضمون،والألفاظ ، والكلمات، والتراكيب، والهيكل العام، والصور، والإيقاع، والرموز، وما إلى ذلك.

    - التناص في شعر الشاعر مصطفى الشليح:

    إنّ للتناصّ ـ عند الشاعر مصطفى الشليح ـ أهميته الخاصة ، إذ يكشف لنا عن فنية القصيدة عنده، كما يجلي النقاب عن العلاقة التي تربط شعره بالنص الغائب. وهذا يجعل المتلقي/ القارئ يستحضر بديهيته للوصول إلى هذا النص الغائب من خلال الإشارات، التي ضمنها مصطفى الشليح شعره.
    والتناص يتمثل عند شاعرنا مصطفى الشليح في أربعة أقسام ، هي:
    1- التاريخ.
    2- الموروث الأسطوري.
    3- الموروث الديني.
    4- التصوف.
    5- الموروث الأدبي.
    1- التاريخ:
    شاعرنا مصطفى الشليح، يستحضر التاريخ في تناصاته، ويقوم باستلهام الأحداث، والحوادث التاريخية، وتوظيفها في شعره، ليجعل المتلقي يقارن بين هذه الأحداث مع الواقع لما تحمله من دلالات، وقيم، وإشارات.. تعطي لشعره قيمة فنية، ودلالية، وجمالية .
    ويأخذ هذا الاستدعاء أشكالا ثلاثة، متميزة، وهي كالتالي:
    - أولاً: استحضار الشخصيات التاريخية.
    - ثانياً : استحضار الأحداث التاريخية.
    - ثالثاً: استحضار الإشارات والأقوال.
    -uاستحضار الشخصيات التاريخية التراثية:
    يعتبر الدكتور إبراهيم نمر موسى التاريخ منبعا من منابع الإلهام الشعري... الذي يعكس الشاعر من خلال الارتداد إليه روح العصر، ويعيد بناء الماضي وفق رؤية إنسانية معاصرة، تكشف عن هموم الإنسان ومعاناته، وطموحاته، وأحلامه. وهذا يعني أن الماضي يعيش في الحاضر، ويرتبط نعه بعلاقة جدلية تعتمد على التأثير والتأثر، تجعل النص الشعري ذا قيمة توثيقية، يكتسب بحضورها دليلا محكما ، وبرهانا مفحما على كبرياء الأمة التليد، وحاضرها المجيد، أو حالات انكسارها الحضاري ومدى انعكاسه على الواقع المعاصر[20].
    وكما نعلم فإن:<< الحداثة الأصلية إنما تنمو وتخرج من التراث، وتضيف إليه. كما خرجت الانطباعية من الرومانسية، وكما خرجت السريالية من الرومانسية أيضا>>[21].
    كما أن :<< العودة إلى التراث هي جزء هام من تثوير القصيدة العربية، وهذا الاستلهام للتراث يلعب دورا هاما في الحفاظ على انتماء الشعب لتاريخه. ولكن يجب التنبه إلى أن العودة للتراث لا يجوز أن تعني السكن فيه.بل اختراق الماضي كي نصل إلى الحاضر استشرافا للمستقبل>>[22].
    إن الشاعر يلجأ إلى التاريخ ، واستحضار الشخصيات عندما يجد بعض أحداثه تطابق الواقع، ويجد فيه نفسه، وما يلائم موضوعه الشعري كفكرة...
    كما انه يجد فيه ينبوعا غنيا للقيم الروحية والإنسانية.. القادرة على رفد الشعر بمزيد من الحيوية، والأصالة.
    إن مسألة استلهام الشخصيات التراثية، هي أحد الأشكال الأكثر رقيا من الناحية الفنية للتعامل مع التراث.. كرد فعل على ما يتعرض له الوطن العربي من احتلال، ونهب، وتقسيم لثرواته...
    صحيح أن الشعر سجل إنساني، وحافظة للذاكرة التاريخية من الضياع، والنسيان.. لذا لجأ الشاعر مصطفى الشليح، إلى استغلال هذه السمة الشعرية، فوشاها بتناصات تاريخية... ومنها:
    :- الشعراء الصعاليك: من الشخصيات التي نجدها مستحضرة في شعره:شعراء الصعاليك...
    ففي مجموعته الشعرية ( ..ثم تلقي.. على كل أسئلتي شالها)ن نجد استحضارا لبعض شعراء الصعاليك، كالشنفرى، وتأبط شرا، والسليك بن السلكة، وذلك في قوله:


    قف فأنت الذي ما امتلكت سوى الفقد حين امتلكت. بياض يقض الأنامل عن لغوها ويفض ختام الصدى عن ذهول صحا فعدا. للسليك تفاصيل أخرى عن الرمل حين يضج بغربته ويعج بكربته، وتفاصيل تستدرك النص عن صرخة الشنفرى في الفضاء القديم وعني تأبطت شعرا، وقلت أروض البياض وأقتاده من عرانينه حيث شئت وشاء لي الحلم حتى أجوز مداخلها ضحك الليل. أوردني الليل تهلكة.[23]


    والشاعر مصطفى الشليح استحضر في مقطعه الشعري هذا ثلاث شخصيات من شعراء الصعاليك، وهم:
    - الشنفرى : وهو ثابت بن أوس الأزدي توفي في عام 70 قبل الهجرة – 525م صعلوك جاهلي مشهور من قبيلة الأزد اليمنية ، ويعني اسمه (غليظ الشفاه ) ، ويدل أن دماء حبشية كانت تجري فيه ، نشأ في قبيلة "فهم " بعد أن تحولت إليها أمه بعد أن قتلت الأزد والده ، ويرجح أنه خص بغزواته بني سلامان الأزديين ثأراً لوالده وانتقاما منهم ، وكان الشنفرى سريع العدو لا تدركه الخيل حتى قيل : (أعدى من الشنفرى) ، وكان يغير على أعدائه من بني سلامان برفقة صعلوك فتاك هو (تأبط شرا)وهو الذي علمه الصعلكة
    عاش الشنفرى في البراري والجبال وحيدا حتى ظفر به أعداؤه فقتلوه قبل 70 سنة من الهجرة النبوية. تنسب له لامية العرب وهي من أهم قطع الشعر العربي وإن لم تكن من المعلقات إلا أنها توازيها في البناء والثراء اللغوي. والتي يقول في مطلعها:

    أقِيمُوا بَني أمّي صُـدورَ مَطِيـِّكـم


    فإنّي إلى قَوم ٍسِوَاكُمْ لأمْيَلُ


    فقدْ حَمَتِ الحَاجَاتُ وَالليلُ مُـقمِرٌ


    وَشُدًّتْ لِطـَيَّاتٍ مَطـَايَا وَأرْحُلُ


    وَفِي الأرضِ مَنأىً لِلكَريم عَن الأذَى


    وَفيهَا لِمَنْ خَافَ القِلى مُتَعَزَّلُ




    - تأبط شراً :هو ثابت بن جابر الفهمي، (توفي نحو 530 م), أحد شعراء الجاهلية الصعاليك الذين عاشوا في البادية منعزلين عن قبائلهم، يقال انه عاش في بلاد غامد وزهران ، لقب بتأبط شرا لأنه كان كلما خرج للغزو وضع سيفه تحت أبطه فقالت أمه مرة: تأبط شرا، فلقب بهذا اللقب. وفي رواية أخرى أنه أتى لأمه بجراب مليء بالأفاعي بعد أن لامته أنه لا يأتيها بشيء مثلما تأتي به فتية الحي أمهاتهم، ثم ألقى الأفاعي أمامها وهي تسعى. فلما روت تلك الواقعة لنساء الحي سألنها: كيف حملها -أي الأفاعي في الجراب- قالت: تأبطها، فقلن: لقد تأبط شرا، فصار يدعى بذلك.
    ومن أفضل قصائده، وهي التي أوردها طه حسين ضمن أفضل مئة قصيدة في الشعر العربي، تلك التي مطلعها:

    يا عيد يالك من هم وإيراق


    ومر طيف على الأهوال طراق


    يمشي على الأين والحيات محتفيا


    نفسي فداؤك من سار على ساق


    ولا أقول إذا ما خلة صرمت


    يا ويح نفسي من شوق وإشفاق


    لكنما عولي إن كنت ذا عول


    على بصير بكسب الحمد سباق


    سباق غايات مجد في عشيرته


    مرجع الصوت هدا بين أرفاق


    - السليك بن السلكة: وهوالسليك بن عمير بن يثربي بن سنان السعدي التميمي أحد شعراء العصر الجاهلي الصعاليك، توفي عام 17 ق.هـ/605 م (تقديرا). أحد شعراء العصر الجاهلي.
    نسبة إلى أمه "السلكة" وهي عبدة سوداء ورث منها سواد اللون. وأمه شاعرة متمكنة وقد رثته بمرثية حسنة. كأي صعلوك آخر، كان فاتكا عداء يضرب المثل فيه لسرعة عدوه حتى أن الخيل لا تلحقه لسرعته وكان يضرب فيه المثل فيقال «أعدى من السليك»، لقب بالرئبال. له وقائع وأخبار كثيرة ولم يكن يغير على مُضَر وإنما يغير على اليمن فإذا لم يمكنه ذلك أغار على ربيعة.
    وجاء من أخباره في الأغاني «وكان السليك من أشد رجال العرب وأنكرهم وأشعرهم. وكانت العرب تدعوه سليك المقانب وكان أدل الناس بالأرض، وأعلمهم بمسالكها» وكان يقول: «اللهم إنك تهيئ ما شئت لما شئت إذا شئت، اللهم إني لو كنت ضعيفاً كنت عبداً، ولو كنت امرأة أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة، فأما الهيبة فلا هيبة». قتلهُ أسد بن مدرك الخثعمي، وقيل: يزيد بن رويم الذهلي الشيباني من بكر بن وائل.
    وقد أورد هؤلاء الشعراء الصعاليك لتشابك حالهم بحالهن فقد وجد لديهم غربة يعانونها، غربة نفسية، لما يعانونه من حرمان، وحنين، وتهميش، وهذا قد أحسه الشاعر مصطفى الشليح،عندما وجد اليتم يزدوج، إذ فقد والدتها التي كانت كل شيء في حياته، وكان يماثلها بألف رجل، بعدما فقد والده وهو في السادسة من عمرة. وبرحيل والدته إلى دار البقاء شعر بحزن شديد، وغربة كبيرة، جعلته يتمثل أمه في كل مكان... لذا الشرخ الذي كان يعانيه جراء هذا الفقد، وجده مشابها ومتقاربا مع الشرخ الذي عاشه هؤلاء الشعراء الثلاث... إنها نوع من الفوضى النفسية التي يعيشها شاعرنا بعد رحيل والدته، والتي تقترب من الفوضى النفسية التي كان يعيشها هؤلاء الشعراء الصعاليك.
    بالإضافة إلى أن حالتهم النفسية الشبيهة، دفعتهم إلى أن يجدوا سلوانهم في مناجاة الليل، والارتحال، والشعر... وهذا يشبه حال شاعرنا مصطفى الشليح، حيث أن الليل كان مناجيه، والشعر كان ملاذه، يفرغ فيه تحنانه، وشوقه، وغربته.
    وبما أنهم شعراء ويحملون هما،وقضية، فإن شاعرنا أيضا تأبط شعرا، وحمل هما، وقضية .
    وعندما نتمعن في هذه الجملة ( تأبط شعرا)، نجدها تحيلنا إلى دراسة قيمة للباحث القاص والأديب سي أحمد بوزفور( تأبط شعرا) والذي نال به دبلوم الدراسات العليا، وهي دراسة قيمة جديرة بالقراءة...والتي تتبع الخط الفني في شعر تأبط شرا، ومواضيعه..
    :- امرؤ القيس: نجد استحضارا لشخصية شعرية جاهلية، وهي: امرؤ القيس. إذ يقول في مجموعته السابقة الذكر:

    أمي ترجح أني سأكتب شعرا وأني أحاول أمرا فماذا ترى يا امرأ القيس؟ نحن غريبان. لي من عسيبك صخرة ماء، وليس تحركني مثلما المتنبي، ولا وعل لي . يا امرأ القيس. نحن غريبان. لا ملك لي لأحاول أمرا. لدي أنا ومضة سوف أقطفها نبضة لاشتعال المكان بأفق القصيدة أيهما لي القصيدة؟ نحن غريبان.[24]

    إن الشاعر مصطفى الشليح يستحضر شخصية امرئ القيس الشاعر الضليل،لما وجد فيها من تشابه مع شخصيته، وحاله النفسي والاجتماعي... فهو يذكرنا بالضياع الذي أحسه امرئ القيس عندما حملوا إليه نبا مقتل والده. فتاه في المناطق بحثا عمن يساعده في أخذ الثأر لوالده.. وهذا قد ولد في نفسه مرارة ، وحزنا، وضياعا، وغربة.. وهذا ما أحسه الشاعر مصطفى الشليح عندما افتقد والدته بعدما فقد صغيرا والده.. وقد كانت أمه- كما أسلفت - كل شيء في حياته، والده، وأمه.... لذا بموتها، ورحيلها أحس بغربة قاتلة تملأ قلبه، ولذا بقول مخاطبا امرأ القيس( نحن غريبان).. كلاهما يشعر بالغربة في دياره... المكان موحش بالنسبة إليهما...
    إن القاسم المشترك بين الشاعرين مصطفى الشليح وامرئ القيس، بالإضافة إلى الغربة، والحنين، والضياع، والشعور بالوحشة، هو: أن لكل منهما أمر يتغياه... فامرؤ القيس أمره إعادة ملك ضائع، والبحث عن مساعدة خارجية يسترد بها هذا الملك الضائع، ويثأر لقتل أبيه.. والشاعر مصطفى الشليح، أمره، أن يصل إلى قصيدة ومضة، تكون نورا، وضياء، جامعة مانعة... إذن، فالبحث هو المشترك الإضافي بين الشاعرين.
    :- البحتري: ومن الشخصيات التي استحضرها مصطفى الشليح في شعره الشاعر البحتري،ورائيته الشهيرة... إذ نجده يقول:


    خطيب ومنبره يذكرني البحتري ورائية والتراث واذكرني واقفا أتأمل بيتا، وذا المنبر اهتز والبحتري يميل على ضمة الراء يهتز حتى كان إليه سعى منبر.[25]


    إن الشاعر يستحضر شخصية البحتري، ويذكر برائيتها الشهيرة التي هنا بها الخليفة المتوكل، والتي مطلعها:


    بالبر صمت وأنت أفضل صائم


    وبسنة الله الرضية تفطر


    فانعم بعيد الفطر عيدا إنه


    يوم أغر من الزمان مشهر


    إن مصطفى الشليح يستحضر هذه الشخصية العربية، الشاعرية، ليجعلنا نستلهم موقفها من الخليفة المتوكل والذي كان لصيقا به، ومرافقا له.. وهذا يشبه حال الشاعر إذا كان متعلقا بأمه، محبا لها... وكان البحتري يسمع جل شعره للخليفة المتوكل، وهذا يشبه حال شاعرنا إذ أنه كان يسمع والدته كل شعره.. وتجيز منه ما تجيز، وتعلق على بعضه بما تعلق..
    كما أننا نسترجع من خلال المقطع المستشهد به، أن شاعرنا مصطفى الشليح، يبين لنا انه كلما دخل الجامع الأعظم بسلا إلا وذكره المنبر و، خطيب المسجد بوالدته التي كانت لا تفارق المسجد، ولا تقاطع الجمع ... فالمنبر يهتز لفقدانه هذه الوالدة التقية، المتدينة، كما اهتز منبر المتوكل لدى سماعه رائية البحتري بمناسبة عيد الفطر...
    :- المتنبي: تم استحضار شخصية شغلت الدنيا، وهي شخصية المتنبي. وإذا ما ذكرنا المتنبي، فإننا نستحضر الغربة التي عاشها، وتجواله بين الممالك، وتشتته بين الحواضر... ونستحضر أيضا الحسد الذي طاله من عذاله وعلى رأسهم الشاعر الحمداني، أبو فراس الحمداني، واللغوي ابن خلويه في بلاط الأمير سيف الدولة الحمداني... ثم نستحضر الانقسام الذي كانت تعيشه الأمة العربية، والضعف الذي بدأ يسري في أوصالها.. وصراعها الدائم مع الروم...
    يقول مصطفى الشليح:

    أنا سوف آتي إليه على زمن يلتقيه العدول إلى زمن ذاهلا بدلا وعلى زمن حاضر في الغياب. أغيب أنا . كان ما كان . هب كان ما كان يا زمني؟ أتقلد خوفي وامتد بيني وبيني طفولة هذي الحكاية مسرجة يا أبا الطيب المتنبي ، فكيف الحلول؟[26].


    إن توظيف هذه الشخصية يرتقي بالحدث إلى فاعلية التناص. إنه يقارن من خلالها بين ماض حافل بعظمته، وجلاله، وقوته، وبين واقع هش، متداع بمشاكله، وشروخه... لذا الشاعر مصطفى الشليح يستعين بهذه الشخصية المستضيئة، عاشت زمنا مشرقا، الشيء الذي يجعلنا نقارن بين هذا الزمن الماضي المشرق وزمننا المهزوم.
    وأمام هذا التفسخ الذي يعرفه الواقع، والزمن الحاضر، يطرح السؤال ( كيف الحلول؟)،سؤال يحمل في طياته استنكارا،ورفضا،وتمردا على هذا الواقع.


    هزني الشيخ . أوقفني ورمى بالنصال لتكسر ما بان حرفا وقد بان طيفا وأوقفني المتنبي على الميم تبكي وقال: تخير رويك ميما من الأم ثم انتشر في القصيدة ما شئت يا صاحبي، واختصرك حروفا إلى الميم تنمى كما كان حزني على الميم سهما.[27]


    وقد تكرر استدعاء هذه الشخصية أكثر من مرة، ليتلاءم ذلك مع ما يحسه الشاعر مصطفى الشليح اتجاه هذا الواقع الأليم.. واقع الذي يشبه فيه الضحك بالبكاء...
    ولا يقف الشاعر مصطفى الشليح عند حد الاستدعاء والاستحضار، بل يتعداه إلى مناداة المتنبي ن ومناجاتهن ومخاطبتهن وتوجيه الكلام غليه. وهذا قد قرب المسافة بين الشاعرين، وحقق ذلك التفاعل والاندماج بينهما.


    أكان بكى الليل مثلي إذا ما بكيت؟ أكان شكا لسواي وما إن شكا؟ ضحك كالبكا. قال المتنبي. ولكنه ضحك بالبكا. قلت لي ثم للمتنبي وللشعراء ومنذ امرئ القيس حتى امرئ القيس. هذا البياض ذهول من الزمن العربي لكي لا ينام طويلا على الضيم.[28]


    هذا الاندماج الكلي جعل شاعرنا مصطفى الشليح يندد بهذا الواقع الأليم، واقع يبين مدى الألم الذي يحصه الشاعر اتجاهه. لقد كان المتنبي يرفض مثل هذا الواقع، وكان رافضا له، ولذا استعان به شاعرنا الشليح ليرفض من خلالها تمظهرات هذا الواقع.. كلاهما بكا الليل، وشكاها همومه. إن شاعرنا يرفض هذا الواقع العربي الذي ساده بياض، يشبه الصمت... خنوع وسكوت عن أحواله.. وتقاعس عن رد الذل ن وكنس الهزيمة. وخنوع ورضا بمظاهر الانكسار والقهقرة...
    إنه ذهول يكتسح العالم العربي، والذب يستنكره شاعرنا بشدة... ذهول فاقم ازدياد الانكسار، وانتشار الشرخ في وطننا العربي.. هناك القضية الفلسطينية، ومذابح لبنان وغزة، واستنزاف الجولان، وتدمير العراق، وتجزيء السودان، والعصر الصومال، إلى غير ذلك من الشروخ التي تحدث يوميا في مرآة وطننا العربي، ولكن يقابل كل ذلك ببياض قاتل. لم يعهد الوطن العربي السكون عن الضيم، منذ امرئ القيس، والتاريخ العربي حافل بالأحداث التي رفض فيها العربي الضيم وهب للنصرة، والدفاع عن النفس... من يوم ذي مجنة إلى الآن....


    هي الشمس سوداء. قال لي المتنبي. سألتك عفوا. أكرر ما قلت؟ لكنه المتنبي يا صاحبي. يمر المعزون. صبرا. تلفت أبحث ثمة عني صدرا تلفت أيحث عن يد أمي ترد علي الليالي ولبسا أتى المتنبي فقال: هي الشمس سوداء. لكنني لست ابغي الإمارة تسعى وتجرر أذيالها. لا قصيدة لي في أبي المسك تنشر أحوالها. لا أريد أنا أي شيء من المتنبي سوى كبرياء القصيدة تعبر أوصالها ، فكأنني أضم إلي ، على البعد أطلالها. أتلفت أبحث عن يد أمي تهدهد مني الصباح إذا ما أفقت ، ولما أجد قرب شمس الصباح أبي، ثم تلقي على كل أسئلتي شالها. لا أريد أنا أي شيء من الشعر إلا وشاحا من الحب[29].


    لذا يلتجئ شاعرنا إلى شخصية المتنبي التي امتازت ببطولاتها، وأنفتها، ورفضها لكل باطل وضيم. لكن لهذا السبب استحضر مصطفى الشليح شخصية المتنبي؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟...
    إن شاعرنا مصطفى الشليح ن ينبهنا إلى أن هذه الشخصية التي شغلت الدنيا بشعرها، وفنها، إلى حد اليوم، والذي اعتبر كثير من شراحه شعره بمعجزة في العربية، كما فعل أبو العلاء المعري في مؤلفه ( معجزأحمد)، والعبكري ، والبرقوقي، والآمدي، وابن خلويه، و غيرهم..
    والذي عرف بإبائه، ورفضه، وتمرده، والذي كان متنبيا في طموحه،كان يدري انه شاعر وفارس، كبير.. ولذا ما كان يتوانى في القول:

    أنا من نظر الأعمى إلى أدبي


    وأسمعت كلماتي من به صمم


    أنام ملء جفوني عن شواردها


    ويسهر الخلق جراءها ويختصم


    هذا يجعلنا نقف على أمر هام... وهو المقارنة بين الشخصية المستحضرة، والشاعر مصطفى الشليح. هل هناك نقطة التقاء بينهما؟ أهذا ما يريد الشاعر مصطفى الشليح توصيله غلينا كمتلقين؟ أن فيه نفس من أنفاس المتنبي؟...
    هذا يجعلنا ننظر في باقي شعرهن فنجد شاعرنا مصطفى الشليح يخص هذه الشخصية العربية، المتنبي، بقصيدتين مطولتين . الأولى تحت عنوان: ( أبو الطيب المتنبي) وتتكون من 90 بيتا. والتي يقول فيها:


    مالت علي كأنها تتنهد


    لغة ولا لغة إذا تتنهد


    تتعابث الكلمات في كلماتها


    خضرا لتعبث بي إذا تتأود


    تأتي إلى خبر هنا يتعدد


    والمبهمات حكاية مائية


    تأويلها في سرها يتمدد


    فكأنها والنخلتان كناية


    تمحو المعاني حينما تتفرد


    والثانية بعنوان (كبرياء أبي الطيب المتنبي)، وتتكون من 37 بيتا. والتي يقول فيها:


    لحماك الأتي من الضرام


    كان بها جمارا في التطام


    فكم عينا ألهبها احتدام


    إذا تشكو .. تؤجج باحتدام


    وتبعث من حطام كان نسيا


    ومنسيا على هام الحطام


    إذا العنقاء ململها رماد


    أجالت طرفها بين الأنام


    وللمعنى عيون شاخصات


    إلى معنى توارى في الزحام


    والسؤال المطروح: لم المتنبي؟ ولم تم استحضاره في شعر الشاعر المغربي مصطفى الشليح؟.
    هناك أسباب، نجملها كالتالي:
    - عن الفترة التي ظهر فيها أبو الطيب المتنبي، هي فترة عصيبة ( القرن 4 هـ). فترة حافلة بالصراعات، ومحاربة الروم الطامعين، لما كانت تعرفه البلاد العربية من انقسامات ، والاحتراب على قدم وساق بين الأمراء.. بالإضافة للانتفاضات ، والثورات المختلفة.
    - كان المتنبي الشاعر العربي، يحمل قضية... قصية تتعلق بالنظام ككل... نظام الحكم...
    - المتنبي كان فلتة زمنية لم يجد الدهر بمثلها، فقد كانت له رؤيا تخالف جميع شعراء العربية. وفي هذا يقول محيي الدين صبحي:<< في شعر المتنبي ، من الرؤيا ما يفوق أي شاعر آخر بالعربية. ففي أحسن حالاته يجعلنا المتنبي نعيش بين الحلم والواقع، بين المثال والحقيقة، بين الموت والحياة، وأخيرا بين الخلود والحدوث>>[30].
    - حضور شخصية المتنبي في عدد كبير من أعمال الشعراء العربية المعاصرين.
    - المتنبي شخصية يغلب عليها الطموح اللا محدود، واليقين، والثقة ، والتعالي:<< المتنبي يفرز نفسه، ويعرضها عالما فسيحا من اليقين والثقة، والتعالي في وجه الآخرين، وضدهم. وهو في ثنايا شعره كله يحتضن ذاته، ويناجيها ، ويحاورها بنبرة من العبادة.
    إن شعره كتاب في عظمة الشخص الإنسانية يسيره الجدل بين اللانهاية والمحدودية: الطموح الذي لا يعرف غاية ينتهي عندها.. لقد خلق المتنبي طبيعة كاملة من الكلمات، وفي مستوى طموحه: ترج، تتقدم، تجرف، تهجم، تقهر، تتخطى>>[31].
    - المتنبي كشخصية يحمل من سمات القدرة على التجدد والحداثة، وهذا ما يغري باستحضاره في الشعر المعاصر:<< إن ما يغري إلى استحضار هذه الشخصية والتحدث من خلالها، هو مقدار ما تحمله هذه الشخصية من سمات القدرة على التجدد والحداثة. وتلك القيم الحضارية التي يمكن أن تشي بها، بالإضافة إلى تقاطعها مع زماننا>>[32].

    لذا شاعرنا مصطفى الشليح استخدم هذه الشخصية محورا في شعره، كعنوان على مرحلة... فهو يقدم لنا البطل النموذجي في عصرنا هذا، الثائر على الضيم، والمتلهف على نصرة الحق.
    كما يصور لنا من خلال هذه الشخصية المحنة التي واجهها، والتي يواجهها هو كشاعر وكإنسان... من خلال هذه الشخصية والتي يتخذها قناعا ورمزا، لتجاوز ما هو كائن إلى ما سيكون.
    فاستحضار المتنبي، هو في واقع الأمر تقديم تجربة في الطموح.. والغربة.. والشعور بالضيم.. والقلق الدائم... وبالتالي من خلالها يعكس لنا حال الواقع العربي وما يعرفه من اختلالات، ومن تشوهات، واستنزافات، وقهر..
    كلذلك من خلال هذا الاستحضار ألا يجوز لنا طرح سؤال مشروع: هل الشاعر كصطفى الشليح يجد نفسه في المتنبي؟ هل يجده مماثلا له؟ ألا يعتبر نفسه متنبي المغرب؟ هذا جائز ومقبول.. خاصة وانه يصرح انه لا يريد غمارة ، ولا حكما، وغنما يتغيى قصيدة، تجعله بارزا في الساحة العربية... إذا الطموح عند الشاعرين متشابه.. فهناك نبوة في الهدف، المتنبي ينبو إلى الغمارة والحكم والتسيير، للتغطية عن نسبه الوضيع. وشاعر نا مصطفى الشليح يريد ان يكون متنبي القصيدة المغربية، بل العربية.
    ولذا يتقنع يقناع المتنبي ويقول في قصيدته ( كبرياء أبي الطيب المتنبي):

    أرود عباراتي حتى مداها


    فلا اجني سوى ماء الغمام


    أراودها .. أقد قميص قولي


    فتستبق الحروف إلى انبهام


    سأعقلها أنا ليفر حبلي


    إلى الفلوات حرا من زمام


    غزال شارد بين الأقاصي


    بيان الشعر كأسا للمدام


    أأشربها؟ أقول أنا .. فأنى


    ألاقيها معتقة.. أمامي؟


    أقول أنا.. سأكتبها لأنسى


    فلا أنسى الحديث إلى الحمام


    بل يقول مخاطبا المتنبي في حوار يبين من خلاله طموحه في أن يكون معجز احمد، وان يكون دنيا الشعر والقصيد:

    أقول لأحمد المحمود شعرا


    أكنت ترى سواك على النظام؟


    أغيرك يقتفي سرب القوافي


    وأنت بها القوافي كابتسام؟


    أكنت تقول كالدنيا حدوسا


    وتلبسها شموسا من كلام


    أم الدنيا تمد إليك قوسا


    من الآيات .. تخطر بالسهام؟


    فسدد يا رعاك الله .. لبسا


    جرى.. مثل السفين بلا زمام


    ومدد سورة الإبداع طرسا


    ليقرأ شاعر همْس الغمام


    وأوقد جمرة بالشعر نثرا


    لتنثرها بمزدوج النظام


    تيمن بالقصيدة ثم ألقى


    عصاة الشعر تنطق بالمرام


    ستلقف كل إفك ليس يلقى


    قصيدته لبدء أو ختام

    يتبع

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 5:40 am