منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    السياق الأسلوبي عند أبي مسلم

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

     السياق الأسلوبي عند أبي مسلم Empty السياق الأسلوبي عند أبي مسلم

    مُساهمة   الأربعاء يوليو 06, 2011 7:36 am

    [center]
    السياق الأسلوبي عند أبي مسلم
    لم تكن الظواهر الأسلوبية التي تتبعناها في الشواهد السابقة سوى انحرافات عن الأنظمة النحوية واللغوية الثابتة وخلخلة للانساق المألوفة للكلام, لذا فان تأثيرها يكاد ينحصر في المواضع التي انطوت عليها, من أجل ذلك كان لابد من الوقوف على ظواهر أسلوبية ذات تأثير شامل ليس على صعيد التركيب فحسب, وإنما على مستوى السياق, ليكتمل لدينا النظر الى السمات الأسلوبية عند أبي مسلم في صورتها الواسعة.
    التكرار التقابلي وأثره ف-ي السياق:
    كانت فكرة السياق حاضرة في أذهان البلاغيين العرب, وقد تجلت في مقولات عدة منها: <<لكل مقام مقال>> و<<مراعاة مقتضى الحال>>. فمناسبة القول للمقام كما يشير نفر من الدارسين, تشف عن علاقة القول بالزمان الذي يجري فيه, وارتباطه بالحال فيه مراعاة للمكان(88), حتى لكأنهم أرادوا أن يؤدى الكلام الأدبي وفق اطاري الزمكان ليعظم أثره في النفوس, لما ينجم عن ذلك من أهمية في تخصيص الأسلوب, ومطابقته الحال التي يكون عليها مستقبل القول, مراعاة لخصوصيته ومكانته, وهذه المطابقة لا تحصل إلا في تحديد زمكاني, ومن هنا تفتقت مسألة السياق التي تميز القول من جهة خواصه الأسلوبية المتغيرة بحسب تغير الأمكنة, والأزمنة.
    غير أن فكرة السياق لم تعد متصلة بالتوالي اللغوي أو التداعي الذي تترى بموجبه الكلمات في انساق تقتصر على تلوين المعاني ضمن العبارة بحسب الحالات التي يكون عليها المخاطب, ذلك لأن الايحاءات الجديدة التي يكسبها القول من جراء ذلك سرعان ما تغدو مألوفة لدى المتلقي فيخسر الخطاب جل طاقاته التأثيرية, وإنما اتصلت فكرة السياق الأسلوبي بالنماذج اللغوية المنكسرة بعناصر غير متوقعة(89), ومثل تلك الانكسارات لا تتحقق فيما يؤديه المنشئ في وسائل أسلوبية مفردة على مستوى العبارة, وإنما تتحقق على مستوى السياق عموما , من هنا غدت ظواهر التكرار من أعظم الوسائل الأسلوبية تأثيرا لقدرتها على اجراء منبهات ذات قيمة فنية على صعيد الخطاب الأدبي.
    ولا نعني بالتكرار هنا التكرار النمطي الذي يتخذ في الكلام صورا تقوم على التشابه والتماثل, وإنما نعني به التكرار القائم على التقابل والتضاد سواء أكان ذلك على مستوى المعاني أم على مستوى الصيغ الفعلية التي تترجح بين أزمنة مختلفة.
    لقد برزت التقابلات بصورة ظاهرة عند أبي مسلم في عدد من قصائده كقصيدته <<النهروانية>> و<<أشعة الحق>> وغيرهما مما يدل على وجود منبهات أسلوبية شديدة التأثير في سياق مثل هذه القصائد, ففي القصيدة الأولى بدأ الشاعر بالتضاد بين <<النوم>> و<<السهر>> فقال (90):
    سميري وهل للمستهام سمير
    تنام وبرق الأبرقين سهير
    وسرعان ما تحول التضاد في هذه القصيدة الى تضاد شامل قامت عليه علاقات لغوية مختلفة تمثلت في (ب3) على هيئة انطواء ونشور:
    تطاير مرفض الصحائف في الملا
    لهن انطواء دائب ونشور
    وفي (ب6) على صورة اقبال وإدبار:
    تنبه سميري نسأل البرق سقيه
    لربع عفته شمأل ودبور
    وفي (ب17) طابق بين الشيب والشباب:
    تناقلني عمران عمر قد انحنى
    بشيب وعمر للشباب كسير
    وفي (ب19) بين الغي والهدى:
    صبابة عمر حشوها الغي والهدى
    وهذا مقام بالتقاة جدير
    وفي (ب28) بين الحط والطيران:
    سيوقظني من رقدة اللهو ناعب
    يحط بمحتوم الردى ويطير
    وفي (ب33) بين المحبب والبائر:
    ستتركها بالرغم وهي حبيبة
    ورب حبيب للنفوس مبير
    وفي (ب63) بين السر والجهر:
    وراقب وصايا الله سرا وجهرة
    ففي كل نفس غفلة وفتور
    فهذه الطباقات المتكررة مزدوجة التأثير فهي على مستوى العبارات تمثل تخالفا وتضادا بين معنيين متناقضين, مثل أن يتناقض النوم مع السهر, والانطواء مع النشور, والاقبال مع الإدبار, والشيب مع الشباب, والغي مع الهدي, والحط مع الطيران, والسر مع الجهر, وهذا الضرب من التضاد يخرق مبدأ التماثل التي تمضي بموجبه المعاني منسابة على وجه من التشابه والتوافق والانسجام, ومن جهة أخرى فإنها ذات تأثير شامل في السياق الأسلوبي للقصيدة عامة, على اعتبار الطباقات المتكررة تقابل علاقات متماثلة في عموم القصيدة لتشكل تضادا أوسع, وعليه يمكن تمييز نسقين من العلاقات في مثل هذه القصيدة: نسقا يقوم على المعاني المتضادة وقد اشرنا اليه, ونسقا يقوم على المعاني المتوافقة جاء في سائر أبيات القصيدة, وعلى هذا الأساس حدث على صعيد البنية تضاد آخر بين البنى المتضادة والبنى المتشابهة, ليتردد النص بين تضاد وتوافق فيستقر أخيرا في صورة تضاد شامل يعرض نفسه على القارئ في كل مرة يرد عليها بصورة مختلفة, وهذا هو المقصود بالانكسار الذي يجعل النص مترجحا بين تضاد وتماثل فيتلون السياق في آخر الأمر بأصباغ مختلفة من المعاني, وهيئات متعددة من الدلالات.
    وأما في قصيدته (أشعة الحق) فإن التضاد يتخذ صورة مميزة للأسلوب, ويتخذ الاجراء نفسه الذي لاحظناه في القصيدة السابقة حيث ينعقد الطباق منذ مفتتحها بين (لا تخفى وخفيت) حيث يقول(91):
    أشعة الحق لا تخفى عن النظر
    وإنما خفيت عن فاقد البصر
    ثم يحدث تطابق بين (الوهم والفكر) في قوله في البيت التالي:
    وكلمة الله لم تنزل محجبة
    عن البصائر بين الوهم والفكر
    وينعقد طباق آخر بين (البشر والجن) في قوله:
    أقامها الله دينا غير ذي عوج
    جاء البشير بها للجن والبشر
    وبعد ذلك تأتي جملة من المعاني المتوافقة في الأبيات التالية من القصيدة كقوله:
    والجاهلية في غلواء عارضة
    من جهلها ومن الاشراك في غمر
    فقام مضطلعا ثقل الرسالة مجـ
    ـدود العزائم فـردا خيرة الخير
    ثم يعود الى المقابلة بين (الشرك المكبوت) و(الاسلام الظافر), بعد ذلك, مما شكل انكسارا في جهة الخطاب ليقول:
    والوحي يأتي نجوما معجزا قيما
    والشرك ي كبت والاسلام في ظفر
    وعلى هذا النحو تمضي القصيدة مترجحة بين نسقين: الأول ينطوي على علاقات ضدية, والآخر يشتمل على علاقات متوافقة, تتضاد مع النسق الاخر مما يحدث انكسارات متوالية في الخطاب بحيث يمضي وفق جهة من التضاد تارة ثم يرتد الى التوافق, وبعد ذلك يعود الى التضاد ليتشكل في النهاية تكرار تقابلي على صعيد البنية من شأنه أن يؤثر تأثيرا بالغا في السياق الأسلوبي الذي يحمل بين طياته علامات تميز مستخدم اللغة.
    أما التكرار النمطي في شعر البهلاني فهو باب متسع جدا , وله صور متعددة تبدو تارة في تكرار مفردات بعينها في البيت الواحد او في عموم القصيدة, ويبدو تارة اخرى في التركيز على عبارات معينة يرددها في أبيات متتالية تقوية لجانب الانشاد, فمن جهة تكرار الألفاظ لا نكاد نجد قصيدة في ديوانه تخلو من هذه الظاهرة, فلو نظرنا في قصيدته التي رثى فيها محمد بن أطفيش نجده يكرر كلمة (الأمل) ست مرات (ب-2, 7, 14, 29, 42, 146), وكلمة (عجل) خمس مرات (ب1, 43, 116, 138, 166) وكلمة (أجل) أربع مرات (ب11, 20, 48, 95) وكلمة (خلل) و(جذل) و(خبل) و(أصل) و(مرتحل) و(تطل) مرات عدة وقعت كلها في قافية القصيدة التي بلغت (168) بيتا, وكذلك كرر كلمات أخرى في حشو أبيات القصيدة نفسها مثل كلمة (ذروة) التي ترددت سبع مرات في سبعة أبيات متتالية (ب139- 145), وكلمة (أدعوك) التي كررها في قصيدته التي رثى فيها الشيخ السالمي تسع مرات (ب81-89), وهناك أمثلة كثيرة لهذا النوع من التكرار يصعب حصرها.
    أما تكرار العبارات فقد انطوت عليه قصائد كثيرة مثل تكراره عبارة (يا رجال الدين) في قصيدته التي رثى فيها السالمي في الأبيات (ب6-11), وعبارة (في سبيل الله) التي ترددت في القصيدة ذاتها.
    وهذا النمط من التكرار قليل التأثير في السياق الأسلوبي, لأنه متصل بغايات إنشادية وهو السبب الحقيقي وراء طول قصائده, ذلك لأن شعره في مجمله داخل في باب النظم الذي جاء تلبية لدواعي الاستنهاض والتسبيح والاذكار.
    وهناك نمط تكراري يتصل بالحروف, وهو ما يدخله الدارسون تحت باب المعاظلة كقوله (92):
    ليس يغني عنك فيها أحد
    طمست إذ ذهب النور السبل
    فتوالي (عنك - فيها) ثقيل. وقوله(93):
    بل من على الشمس إذ تجري مقدرة
    لمستقر لها حيث الضيا انكتما
    وكذلك توالي (من - على) غير مستساغ, وقوله (94):
    من لي بهم في زمان بعض موعده
    رفع العلوم وهذا العلم قد رفعا
    فتعاقبت اربعة أحرف جر (من, اللام, الباء, في), لهذا ترى العبارة تنوء بثقل كرهه البلاغيون فعاب ابن الاثير ما وقع في شعر المتنبي من تكرار الحروف مثل قوله:
    وتسعدني في غمرة بعد غمرة
    سبوح لها منها عليها شواهد
    فقال ابن الاثير: فقوله لها منها عليها من الثقيل الثقيل الثقيل).(95)
    أزمنة الأفعال
    لاشك أن استخدام الصيغ الفعلية بأزمنة مختلفة ضرب من التضاد الذي يحدث عناصر منكسرة تؤثر في السياق على نحو واضح, على اعتبار أن دلالة الزمن الماضي مضادة لدلالة الحاضر, ومن الطبيعي ان تختلف المعاني باختلاف الأزمنة. ذلك لأن الحدث لا يتحول الى الفعلية اذا اقترن بزمن ومعلوم ان استخدام الافعال بصور متباينة من حيث الزمن يحدث تضادا فيما بين الافعال ذاتها, وبينها وبين الصيغ الاسمية في عموم النص, من جهة أن الفعل يناقض الاسم لكونه حدثا مرتبطا بزمن, في حين ان الاسم حدث مجرد عن الزمن. وقد بدا البهلاني في مجالات استخدام الأفعال يميل بوضوح الى التحول من صيغة الى أخرى كأن يبدأ بفعل أمر ثم يتحول الى الماضي فالمضارع كقوله(96):
    ارجع فديتك للافتاء كان له
    كنز من العلم يؤتى الحكم والحكما
    قلد فديتك هذا الحق صارمة
    لا يغمد السيف والبطلان قد نجما
    أو يبدأ بالمضارع ثم يتحول الى الماضي كقوله(97):
    أتمرح ان شاهدت نعشا لهالك
    إليك أكف الحاملين تشير
    أو يتحول من الماضي الى الأمر كقوله(98):
    قد ملأت الزمان مجدا وفضلا
    قف قليلا من ضاق وسع الظروف
    أو ينتقل من الماضي الى المضارع كقوله(99):
    ما ظننت الزمان يجحد فضلي
    غير أن الزمان جم الصروف
    أو من الأمر الى الماضي كقوله (100):
    واستملها عن المراعي الوبيا
    ت إذا استرسلت الى مرعاها

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 8:40 am