[center]ملاحق جريدة المدى اليومية » الأخبار » الملاحق » ملحق اوراق
سيميائية الخطاب الشعري للدكتورة شادية شقروش
بتاريخ : السبت 09-07-2011 08:06 مساء
عرض:عبد الأمير خليل مراد
لقد تعددت طرائق تحليل النصوص الأدبية، وهناك مناهج استطاعت استيعاب هذه النصوص وهضمها، وهناك مناهج سياقية وأخرى نصية لم تعد مألوفة بعد أن تعددت زوايا النظر في فحص الفعل الإبداعي وتقييمه .
ومن الواضح أن المنهج السيميائي هو من المناهج الجديدة التي ظهرت في المغرب العربي، ولاسيما المنهجيات الأكاديمية بوصفه منهجا حداثيا يتكئ على العلامة في استنطاق النصوص الأدبية .
وفي كتابها (سيميائية الخطاب الشعري، قراءة في ديوان (مقام البوح) للشاعر عبد الله العشي)، تحاول د. شادية شقروش توظيف هذا المنهج في قراءتها لنصوصه الشعرية .
فقد تضمن الكتاب مدخلا وأربعة فصول تسبقها مقدمة أوضحت فيها الباحثة دوافعها في اختيار الشاعر عبد الله العشي موضوعاً لدراستها،وتحديدا ديوانه (مقام البوح)، وبينت أن اعتمادها المنهج السيميائي يسمح بمدى أوسع في التفكير وحرية أكثر في تحليل النص الشعري .
وفي مدخل الكتاب المعنون بـ (السيميائية والخطاب الأدبي) .. أشارت الباحثة إلى أهمية العلامة وكيفية استثمارها في التواصل والتفاعل، وكيف كانت اللغة هي المهيمنة في الحقول المعرفية والحياتية، حيث بينت أن السيمياء علم قائم بذاته ولها فروع، وكانت متصلة بالطلسمات والكيمياء كما بين ذلك محيي الدين بن عربي في الفتوحات المكية.
كما أشارت إلى استخدامها للمنهج السيميائي بوصفه منظومة تقنية يسترشد بها القارئ في استنطاق النصوص الأدبية، وان لهذا المنهج فضاء دلاليا عريضا يتقبل شتى مستويات التأويل والقراءة، ولا يتوقف عند ما هو مرئي وظاهري في سطح الظاهرة اللغوية أو الكتابية أو الخطية.
وأكدت الباحثة قيمة (الخطاب الشعري في الدراسات العربية)، حيث بينت أهم الأسماء النقدية التي توقفت عند هذا الخطاب، كالناقد فاضل ثامر الذي عقد فصلا كاملا في كتابة (اللغة الثانية) لدراسة هذه الاتجاهات والمقاربات الشعرية الحديثة، وكذلك الدكتور محمد مفتاح في كتابه (تحليل الخطاب الشعري)، وكمال أبو ديب في كتابه (جدلية الخفاء والتجلي) ونور السد في كتابه (الأسلوبية وتحليل الخطاب) وعبد الله محمد الغذامي في كتابه (تشريح النص) ونصر حامد أبي زيد في كتابه (إشكاليات القراءة واليات التأويل) .
وفي الفصل الأول المعنون بـ (استراتيجية العنونة) تناولت شادية شقروش اهتمام العلماء العرب بعناوين كتبهم، لأنها تعد هوية صاحبه، حيث أصبح العنوان في العصر الحديث والمعاصر يحتل مركز الصدارة في الإبداعات الأدبية .
كما تطرقت إلى أنواع العناوين في التراث العربي، وكيفية جعلها عنصرا أساسيا في عملية التلقي والتأويل، وأشارت إلى أنواع العناوين وتعريفاتها وهي :-
1-العنوان الجزئي
2-العنوان المزيف
3-العنوان الجاري
وهناك وظائف مهمة للعنوان استطاعت الباحثة أن تجملها في وظائف لها دورها في بعث رسالة لغوية موجهة نحو متلق، فلكل رسالة وظيفة إغرائية وإيحائية واحالية وهي:
1-الوظيفة الانفعالية
2-الوظيفة الانتباهية
3-الوظيفة الجمالية
4-الوظيفة المرجعية
5-الوظيفة الميتا لغوية
6-الوظيفة الافهامية
7-الوظيفة التعيينية أو التسمية
8-الوظيفة التحريضية
9-الوظيفة البراغماتية
10-الوظيفة التأثيرية
كما أوضحت الباحثة أهم المحاور التي تدور حولها هذه الوظائف وهي:
1-محور التسمية بمختلف أنواعها وفروعها
2-محور الإغراء بمختلف درجاته وأصنافه
وأشارت إلى (شعرية العنوان) في ديوان (مقام البوح)، حيث يتأسس هذا العنوان على عذاب الكتابة، وبوح الأبجدية التي يطلعنا من خلالها عبد الله العشي على عالمه الخاص وبلغته الترميزية السهلة والممتنعة .
وعدت هذا العنوان (مقام البوح) يفتح الفعل الشعري على إشارتين دلاليتين، حيث يخلق هذا العنوان نوعا من التوتر في ذهن المتلقي، لان كلمة (مقام) تحيلنا إحالتين لغوية وصوفية .
كما تقوم د. شادية شقروش بتحليل العناوين الفرعية رغم أن كل عنوان من العناوين الفرعية مستقل بقصيدة .
وتذهب إلى أن (أول البوح) يعني الخروج من الزمان ومحو الماضي، كما أن هذه الكلمة تحمل دلالتين مجازيتين .
-دلالة الشجاعة لأنه لا يستطيع أي إنسان أن يعترف بذنوبه، وهذا يقودنا إلى الترقي والتطهير .
-دلالة الضعف لان الضعيف يعترف لمن هو أقوى منه، وهذا بطبيعة الحال فيه نوع من الخنوع والإذلال.
وبينت أن العنوان يوصي بمبدأ التفاعل بين الأنا والآخر، فتجاوب مصدر الفعل، تجاوب . . . تجاوباً وتجاوب ــــ تفاعل، حيث تتشكل لدينا ثنائية المرأة / الماء ولكن التجاوب لم يتم، لان الشاعر كما تقول يلاحق سراباً كما تلجا الباحثة إلى تحليل بعض عناوين قصائد الديوان وهي (افتتان، أجراس الكلام، احتفال الأبجدية، حرائق الفتون، قمر تساقط في يدي، العودة من وراء الماء، لا تصمتي، بهجة، القصيدة، نشيد الوله، الغياب، التاويه، أيها الشعر، السر، مديح الاسم .)
وتخلص إلى أن هذه العناوين تتضمن ازدواجية أساسية هي (المرأة – القصيدة) وعبرها تنفتح معاني الغواية والفتنة ، وصولا إلى قمة اللذة عندما ترتبط المرأة بالشيطان والقصيدة .
وفي الفصل الثاني المعنون بـ (نظام الفواتح والخواتم) .. تقوم الباحثة بتعريف الفواتح والخواتم والتأصيل لوجودها في التراث العربي، وتشير إلى أهميتها في فواتح السور القرآنية، وأسرار الاستفتاح بالثناء واستخدام حروف التهجي نحو (الم ... كهيعص) .
كما تبين وظائف الفواتح النصية التي تعد عتبة أولى توصلنا بالنص من خلال الوظيفة التنميطية والوظيفة الاغرائية والوظيفة الإخبارية .
كما تقوم بتعريف عدد من الوظائف المهمة التي تتمركز حولها فواتح السور القرآنية وهي:
1-الوظيفة الانتباهية التأثيرية
2-الوظيفة التناسبية
3-الوظيفة التعاضدية
4-الوظيفة التنميطية
5-الوظيفة الاغرائية
6-الوظيفة الإخبارية
7-الوظيفة الدرامية
كما تعمد الباحثة إلى الإفاضة في شرح (شعرية الفواتح والخواتم)، حيث تحلل جملة الشاعر عبد الله العشي (اوقفني في البوح يا مولاتي)، إذ ترى أن هذه الجملة تؤدي دورا استراتيجيا حاسما في توجيه النص، وتقدم إشارات أسلوبية يبني عليها كونا تخييليا، ويبدو أن الفاتحة النصية تنعكس على نص القصيدة من خلال تلك الإشارات، فالفواتح والخواتم تحمل مكونات داخلية، وطاقات ترميزية تكمن فيها رغبة الشاعر في اسر القارئ .
أما الخاتمة النصية فهي تمارس سلطتها الاغرائية بالتذلل والعبودية والدعاء لتضعنا في قداس مفعم بالنبرة الصوفية، فتتبدى الخاتمة الجزئية المنفتحة على فواتح نصية في قصائد مرتبطة بها دلاليا، تشي بها نقاط الحذف وبياض الصفة .
كما تقرن الباحثة بين الفواتح والخواتم من خلال تمثلات ابتداء الشاعر لقصيدته بفعل الأمر والخاتمة بالاستفهام، حيث ترى هاتين العتبتين امتدادا للعتبات الأولى، فصورة الواقع اتخذت في أبعادها الإيحائية عند الشاعر الشكل التصاعدي بغية الولوج إلى التجليات المستقبلية ،فهو الناظر من الأسفل المتطلع إلى الأعلى . يسمو بكيانه إلى مواطن متعالية .
وقدمت الباحثة رسما توضيحيا يمثل مسلسل القصائد وترابط فواتحها بخواتمها من خلال دوائر متسلسلة يمثل كل طرف فيها الفاتحة والخاتمة لكل قصيدة، وكأنها مبنية على مبدأ التوتر، حيث خلقت شبكة مدهشة من الإشعاعات المنتشرة عبر جسد اللغة المتوهجة لتضيء ظلمة الديوان، فتبدو القصائد كأنها دوائر تتصادم نهايتا طرفيها ثم تنغلق بوهج مثير يمنحها خصوصيتها وتفردها .
وفي الفصل الثالث المعنون بـ (بلاغة المتن) تشير د . شادية شقروش إلى أهم المراحل التي يتعرض لها محلل الخطاب الشعري وأصعبها، وبخاصة الخطاب الشعري، لما يتميز به من معان خارقة تتجاوز المستوى اللغوي العام .
كما توضح تمفصلات النص ضمن الحقل السيميائي التي تسهم في انسجام النص وتماسكه .
1-التشاكل : لقد اهتمت به الدراسات اللغوية قديما وحديثا، فاختلف فيه العديد من الباحثين تبعا لنظريات تأويل الاستعارة وسميت بمسميات عديدة، ومن هذه التسميات التشاكل .
ويعتبر غريماس أول من نقل مفهوم التشاكل في الدراسات المعاصرة من ميدان العلوم الصرفة إلى ميدان التحليل الدلالي، حيث تلقفه التيار السيميائي مفهوما إجرائيا لتحليل الخطاب .
وأشارت الباحثة إلى أن ديوان (مقام البوح) يتشاكل مع مقامات الصوفية، حيث يجعلنا هذا التشاكل نقرأ الديوان بطريقة التدرج للحصول على أنواع المقامات التي تتشاكل مع المقام الصوفي، فإذا كان أعلى المقام هو مقام المحبة فان حروف البوح تشاكل حروف الحب، وبالتالي فمقام البوح يشاكل أعلى مقامات الصوفية، وهو مقام الحب او مقام المحبة وأشارت إلى أن قصيدتي (حرائق الفتون، قمر تساقط في يدي) تمثلان مقطعا واحدا تفصل بينهما العناوين الفرعية حيث تتشاكل المرأة عدة تشاكلات وهي:
1-تشاكل المرأة / السفينة
2-تشاكل المرأة الكتابة
3-تشاكل المرأة القبيلة
ويظهر أن موضوع المرأة هو الطاغي على معظم قصائد الديوان، من خلال ثيمات مرغوبة وراغبة وموضوع الجنس، وموضوع الكتابة وموضوع الشعر وموضوع القصيدة وموضوع الماء.
وهناك جدول تتحقق فيه التشاكلات المذكورة والتي تشكل لحمة متماسكة من أول الديوان إلى آخره، وهذه الأنواع من التشاكلات منصوص عليها معجميا، وأخرى ليست معطاة معجميا بصفة كلية، ولكنها معطاة جزئيا .
كما درست د. شادية شقروش موضوعة (التناص) في شعر العشي بوصفه احد آليات الكشف المهمة التي تبحث في طبقات النص، أي التراكمات الطبقية (نصوص تاريخية، فكرية اجتماعية، ميثولوجية) وأشارت إلى أن المبدع ينهل من مصادر شتى هي تراكمات لثقافات عديدة وتيارات فكرية على مر العصور، تتقاطع فيما بينها وتتناص مع أفكار المبدع، وتندرج مستويات هذا التناص وفق الآتي:
1-التناص الذاتي
2-التناص الداخلي
3-التناص الخارجي أو المفتوح
4-التناص الأسطوري أو الصوفي
وخلصت الباحثة إلى أن الشاعر عبد الله العشي أراد أن يجعل من الديوان أرضا خصبة، فولد الكلمات من ثورته وهدوئه، فجاءت القصيدة خصبة ثرية، فمن عنصرين متضادين يتولد عنصر واحد، أنها لغة العناصر الطبيعية، وبذلك يصعد الشاعر ليعود إلى التراث، فإذا كان الصوفي يحب البقاء في الخيال والعالم السرمدي، فان الشاعر على عكسه تماما، يرتفع ليؤسس ويخلق رؤى، ولعله يروم التأسيس للشعر الحداثي الذي تختلط فيه العناصر الكونية، ولكن بطريقة منطقية ومفهومة، يفهم منها القارئ العادي ما أراد ويفهم منها القارئ المتمرس ما أراد، فشعره مفهوم على مستوى الشفرة، عميق على مستوى الرؤية .
وفي الفصل الرابع المعنون بـ(بلاغة الفضاء) تدرس الباحثة أهمية الفضاء الشعري في تشكيل المعنى الشعري إذا لم يكن الفضاء الشعري في القصيدة اعتباطيا، حتى في عدم وجود علامات الترقيم نفسها بل عدم وجود إشارة لما تحمله الذات من معان لا تستطيع التعبير عنها بالرموز اللغوية، انه بعبارة أخرى البياضات التي توهم القاري انه يملأها، بيد أنها في الحقيقة مملوءة برموز لا مرئية، على القارئ أن يكتشف الطريقة التي تزيح بها الغشاء أو يمسح عنها الضبابية التي تراكمت عليها .
كما ترى الباحثة أن الفضاء السيميائي أيقون يحمل عناصر لا متناهية، تؤثر في الطبيعة البشرية والطبيعة الثقافية ،وهناك تداخل بين الفضاء الخارجي الطبيعي والفضاء الطبيعي للنص، وفقا لطبيعة كل مبدع .
وتكمن شعرية الفضاء في إعادة التشفير لان محور الرسالة اللغوية هو المرسل الذي ليس من واجبه الإفهام، بل على المرسل إليه الأول، أن يعيد الوظيفة التعبيرية التي هي من المفروض وظيفة المرسل إليه من الدرجة الثانية . وهناك عدة وظائف للفضاء أهمها :
1-الوظيفة المرجعية
2-الوظيفة الايقونية
3-الوظيفة التأثيرية
4-الوظيفة اللغوية
5-الوظيفة الجمالية
كما تقسم الباحثة الفضاء إلى عدة أنواع هي:
1-الفضاء النصي
2-الفضاء الصوري
3-الفضاء المكاني
4-الفضاء الدلالي
5-الفضاء كمنظور
6-الفضاء المقروء
7-الفضاء الجغرافي
كما تدرس د. شادية شقروش شعرية الفضاء في نماذج من قصائد الديوان، ومنها قصيدة (افتتان)
التي ترى فيها غلبة نسبة السواد على البياض، مما يدل على امتلاء الشاعر وانثيال الكلام الشعري وانهماره على الورقة البيضاء، انه الرفقة اللامتناهية، وحتى فترات البياض التي تفصل بين مقطع ومقطع، تدل على الامتلاء، أي هي عبارة عن فترة زمنية لاسترجاع الشاعر لماء الشعر، وهكذا فهي في بداياتها بنفس القوة ونفس الإيقاع، وعندما نصل إلى الخاتمة يبدأ السواد بالنقصان المتدرج .
. وفي خاتمة الكتاب تجمل المؤلفة توصلاتها واستنتاجاتها من خلال توسلها بالمنهج السيميائي كطريقة لاستنطاق قصائد الشاعر عبد الله العشي، وتبيان جماليات الخطاب الشعري فيها بالإضافة إلى جريدة مفصلة بالمصادر والمراجع التي اعتمدتها د. شادية شقروش في انجاز فصول هذا البحث .
يذكر ان الكتاب صادر عن دار عالم الكتب الحديث ويقع في (247) من القطع الكبير.
مرات القراءة: 116 - التعليقات: 0
سيميائية الخطاب الشعري للدكتورة شادية شقروش
بتاريخ : السبت 09-07-2011 08:06 مساء
عرض:عبد الأمير خليل مراد
لقد تعددت طرائق تحليل النصوص الأدبية، وهناك مناهج استطاعت استيعاب هذه النصوص وهضمها، وهناك مناهج سياقية وأخرى نصية لم تعد مألوفة بعد أن تعددت زوايا النظر في فحص الفعل الإبداعي وتقييمه .
ومن الواضح أن المنهج السيميائي هو من المناهج الجديدة التي ظهرت في المغرب العربي، ولاسيما المنهجيات الأكاديمية بوصفه منهجا حداثيا يتكئ على العلامة في استنطاق النصوص الأدبية .
وفي كتابها (سيميائية الخطاب الشعري، قراءة في ديوان (مقام البوح) للشاعر عبد الله العشي)، تحاول د. شادية شقروش توظيف هذا المنهج في قراءتها لنصوصه الشعرية .
فقد تضمن الكتاب مدخلا وأربعة فصول تسبقها مقدمة أوضحت فيها الباحثة دوافعها في اختيار الشاعر عبد الله العشي موضوعاً لدراستها،وتحديدا ديوانه (مقام البوح)، وبينت أن اعتمادها المنهج السيميائي يسمح بمدى أوسع في التفكير وحرية أكثر في تحليل النص الشعري .
وفي مدخل الكتاب المعنون بـ (السيميائية والخطاب الأدبي) .. أشارت الباحثة إلى أهمية العلامة وكيفية استثمارها في التواصل والتفاعل، وكيف كانت اللغة هي المهيمنة في الحقول المعرفية والحياتية، حيث بينت أن السيمياء علم قائم بذاته ولها فروع، وكانت متصلة بالطلسمات والكيمياء كما بين ذلك محيي الدين بن عربي في الفتوحات المكية.
كما أشارت إلى استخدامها للمنهج السيميائي بوصفه منظومة تقنية يسترشد بها القارئ في استنطاق النصوص الأدبية، وان لهذا المنهج فضاء دلاليا عريضا يتقبل شتى مستويات التأويل والقراءة، ولا يتوقف عند ما هو مرئي وظاهري في سطح الظاهرة اللغوية أو الكتابية أو الخطية.
وأكدت الباحثة قيمة (الخطاب الشعري في الدراسات العربية)، حيث بينت أهم الأسماء النقدية التي توقفت عند هذا الخطاب، كالناقد فاضل ثامر الذي عقد فصلا كاملا في كتابة (اللغة الثانية) لدراسة هذه الاتجاهات والمقاربات الشعرية الحديثة، وكذلك الدكتور محمد مفتاح في كتابه (تحليل الخطاب الشعري)، وكمال أبو ديب في كتابه (جدلية الخفاء والتجلي) ونور السد في كتابه (الأسلوبية وتحليل الخطاب) وعبد الله محمد الغذامي في كتابه (تشريح النص) ونصر حامد أبي زيد في كتابه (إشكاليات القراءة واليات التأويل) .
وفي الفصل الأول المعنون بـ (استراتيجية العنونة) تناولت شادية شقروش اهتمام العلماء العرب بعناوين كتبهم، لأنها تعد هوية صاحبه، حيث أصبح العنوان في العصر الحديث والمعاصر يحتل مركز الصدارة في الإبداعات الأدبية .
كما تطرقت إلى أنواع العناوين في التراث العربي، وكيفية جعلها عنصرا أساسيا في عملية التلقي والتأويل، وأشارت إلى أنواع العناوين وتعريفاتها وهي :-
1-العنوان الجزئي
2-العنوان المزيف
3-العنوان الجاري
وهناك وظائف مهمة للعنوان استطاعت الباحثة أن تجملها في وظائف لها دورها في بعث رسالة لغوية موجهة نحو متلق، فلكل رسالة وظيفة إغرائية وإيحائية واحالية وهي:
1-الوظيفة الانفعالية
2-الوظيفة الانتباهية
3-الوظيفة الجمالية
4-الوظيفة المرجعية
5-الوظيفة الميتا لغوية
6-الوظيفة الافهامية
7-الوظيفة التعيينية أو التسمية
8-الوظيفة التحريضية
9-الوظيفة البراغماتية
10-الوظيفة التأثيرية
كما أوضحت الباحثة أهم المحاور التي تدور حولها هذه الوظائف وهي:
1-محور التسمية بمختلف أنواعها وفروعها
2-محور الإغراء بمختلف درجاته وأصنافه
وأشارت إلى (شعرية العنوان) في ديوان (مقام البوح)، حيث يتأسس هذا العنوان على عذاب الكتابة، وبوح الأبجدية التي يطلعنا من خلالها عبد الله العشي على عالمه الخاص وبلغته الترميزية السهلة والممتنعة .
وعدت هذا العنوان (مقام البوح) يفتح الفعل الشعري على إشارتين دلاليتين، حيث يخلق هذا العنوان نوعا من التوتر في ذهن المتلقي، لان كلمة (مقام) تحيلنا إحالتين لغوية وصوفية .
كما تقوم د. شادية شقروش بتحليل العناوين الفرعية رغم أن كل عنوان من العناوين الفرعية مستقل بقصيدة .
وتذهب إلى أن (أول البوح) يعني الخروج من الزمان ومحو الماضي، كما أن هذه الكلمة تحمل دلالتين مجازيتين .
-دلالة الشجاعة لأنه لا يستطيع أي إنسان أن يعترف بذنوبه، وهذا يقودنا إلى الترقي والتطهير .
-دلالة الضعف لان الضعيف يعترف لمن هو أقوى منه، وهذا بطبيعة الحال فيه نوع من الخنوع والإذلال.
وبينت أن العنوان يوصي بمبدأ التفاعل بين الأنا والآخر، فتجاوب مصدر الفعل، تجاوب . . . تجاوباً وتجاوب ــــ تفاعل، حيث تتشكل لدينا ثنائية المرأة / الماء ولكن التجاوب لم يتم، لان الشاعر كما تقول يلاحق سراباً كما تلجا الباحثة إلى تحليل بعض عناوين قصائد الديوان وهي (افتتان، أجراس الكلام، احتفال الأبجدية، حرائق الفتون، قمر تساقط في يدي، العودة من وراء الماء، لا تصمتي، بهجة، القصيدة، نشيد الوله، الغياب، التاويه، أيها الشعر، السر، مديح الاسم .)
وتخلص إلى أن هذه العناوين تتضمن ازدواجية أساسية هي (المرأة – القصيدة) وعبرها تنفتح معاني الغواية والفتنة ، وصولا إلى قمة اللذة عندما ترتبط المرأة بالشيطان والقصيدة .
وفي الفصل الثاني المعنون بـ (نظام الفواتح والخواتم) .. تقوم الباحثة بتعريف الفواتح والخواتم والتأصيل لوجودها في التراث العربي، وتشير إلى أهميتها في فواتح السور القرآنية، وأسرار الاستفتاح بالثناء واستخدام حروف التهجي نحو (الم ... كهيعص) .
كما تبين وظائف الفواتح النصية التي تعد عتبة أولى توصلنا بالنص من خلال الوظيفة التنميطية والوظيفة الاغرائية والوظيفة الإخبارية .
كما تقوم بتعريف عدد من الوظائف المهمة التي تتمركز حولها فواتح السور القرآنية وهي:
1-الوظيفة الانتباهية التأثيرية
2-الوظيفة التناسبية
3-الوظيفة التعاضدية
4-الوظيفة التنميطية
5-الوظيفة الاغرائية
6-الوظيفة الإخبارية
7-الوظيفة الدرامية
كما تعمد الباحثة إلى الإفاضة في شرح (شعرية الفواتح والخواتم)، حيث تحلل جملة الشاعر عبد الله العشي (اوقفني في البوح يا مولاتي)، إذ ترى أن هذه الجملة تؤدي دورا استراتيجيا حاسما في توجيه النص، وتقدم إشارات أسلوبية يبني عليها كونا تخييليا، ويبدو أن الفاتحة النصية تنعكس على نص القصيدة من خلال تلك الإشارات، فالفواتح والخواتم تحمل مكونات داخلية، وطاقات ترميزية تكمن فيها رغبة الشاعر في اسر القارئ .
أما الخاتمة النصية فهي تمارس سلطتها الاغرائية بالتذلل والعبودية والدعاء لتضعنا في قداس مفعم بالنبرة الصوفية، فتتبدى الخاتمة الجزئية المنفتحة على فواتح نصية في قصائد مرتبطة بها دلاليا، تشي بها نقاط الحذف وبياض الصفة .
كما تقرن الباحثة بين الفواتح والخواتم من خلال تمثلات ابتداء الشاعر لقصيدته بفعل الأمر والخاتمة بالاستفهام، حيث ترى هاتين العتبتين امتدادا للعتبات الأولى، فصورة الواقع اتخذت في أبعادها الإيحائية عند الشاعر الشكل التصاعدي بغية الولوج إلى التجليات المستقبلية ،فهو الناظر من الأسفل المتطلع إلى الأعلى . يسمو بكيانه إلى مواطن متعالية .
وقدمت الباحثة رسما توضيحيا يمثل مسلسل القصائد وترابط فواتحها بخواتمها من خلال دوائر متسلسلة يمثل كل طرف فيها الفاتحة والخاتمة لكل قصيدة، وكأنها مبنية على مبدأ التوتر، حيث خلقت شبكة مدهشة من الإشعاعات المنتشرة عبر جسد اللغة المتوهجة لتضيء ظلمة الديوان، فتبدو القصائد كأنها دوائر تتصادم نهايتا طرفيها ثم تنغلق بوهج مثير يمنحها خصوصيتها وتفردها .
وفي الفصل الثالث المعنون بـ (بلاغة المتن) تشير د . شادية شقروش إلى أهم المراحل التي يتعرض لها محلل الخطاب الشعري وأصعبها، وبخاصة الخطاب الشعري، لما يتميز به من معان خارقة تتجاوز المستوى اللغوي العام .
كما توضح تمفصلات النص ضمن الحقل السيميائي التي تسهم في انسجام النص وتماسكه .
1-التشاكل : لقد اهتمت به الدراسات اللغوية قديما وحديثا، فاختلف فيه العديد من الباحثين تبعا لنظريات تأويل الاستعارة وسميت بمسميات عديدة، ومن هذه التسميات التشاكل .
ويعتبر غريماس أول من نقل مفهوم التشاكل في الدراسات المعاصرة من ميدان العلوم الصرفة إلى ميدان التحليل الدلالي، حيث تلقفه التيار السيميائي مفهوما إجرائيا لتحليل الخطاب .
وأشارت الباحثة إلى أن ديوان (مقام البوح) يتشاكل مع مقامات الصوفية، حيث يجعلنا هذا التشاكل نقرأ الديوان بطريقة التدرج للحصول على أنواع المقامات التي تتشاكل مع المقام الصوفي، فإذا كان أعلى المقام هو مقام المحبة فان حروف البوح تشاكل حروف الحب، وبالتالي فمقام البوح يشاكل أعلى مقامات الصوفية، وهو مقام الحب او مقام المحبة وأشارت إلى أن قصيدتي (حرائق الفتون، قمر تساقط في يدي) تمثلان مقطعا واحدا تفصل بينهما العناوين الفرعية حيث تتشاكل المرأة عدة تشاكلات وهي:
1-تشاكل المرأة / السفينة
2-تشاكل المرأة الكتابة
3-تشاكل المرأة القبيلة
ويظهر أن موضوع المرأة هو الطاغي على معظم قصائد الديوان، من خلال ثيمات مرغوبة وراغبة وموضوع الجنس، وموضوع الكتابة وموضوع الشعر وموضوع القصيدة وموضوع الماء.
وهناك جدول تتحقق فيه التشاكلات المذكورة والتي تشكل لحمة متماسكة من أول الديوان إلى آخره، وهذه الأنواع من التشاكلات منصوص عليها معجميا، وأخرى ليست معطاة معجميا بصفة كلية، ولكنها معطاة جزئيا .
كما درست د. شادية شقروش موضوعة (التناص) في شعر العشي بوصفه احد آليات الكشف المهمة التي تبحث في طبقات النص، أي التراكمات الطبقية (نصوص تاريخية، فكرية اجتماعية، ميثولوجية) وأشارت إلى أن المبدع ينهل من مصادر شتى هي تراكمات لثقافات عديدة وتيارات فكرية على مر العصور، تتقاطع فيما بينها وتتناص مع أفكار المبدع، وتندرج مستويات هذا التناص وفق الآتي:
1-التناص الذاتي
2-التناص الداخلي
3-التناص الخارجي أو المفتوح
4-التناص الأسطوري أو الصوفي
وخلصت الباحثة إلى أن الشاعر عبد الله العشي أراد أن يجعل من الديوان أرضا خصبة، فولد الكلمات من ثورته وهدوئه، فجاءت القصيدة خصبة ثرية، فمن عنصرين متضادين يتولد عنصر واحد، أنها لغة العناصر الطبيعية، وبذلك يصعد الشاعر ليعود إلى التراث، فإذا كان الصوفي يحب البقاء في الخيال والعالم السرمدي، فان الشاعر على عكسه تماما، يرتفع ليؤسس ويخلق رؤى، ولعله يروم التأسيس للشعر الحداثي الذي تختلط فيه العناصر الكونية، ولكن بطريقة منطقية ومفهومة، يفهم منها القارئ العادي ما أراد ويفهم منها القارئ المتمرس ما أراد، فشعره مفهوم على مستوى الشفرة، عميق على مستوى الرؤية .
وفي الفصل الرابع المعنون بـ(بلاغة الفضاء) تدرس الباحثة أهمية الفضاء الشعري في تشكيل المعنى الشعري إذا لم يكن الفضاء الشعري في القصيدة اعتباطيا، حتى في عدم وجود علامات الترقيم نفسها بل عدم وجود إشارة لما تحمله الذات من معان لا تستطيع التعبير عنها بالرموز اللغوية، انه بعبارة أخرى البياضات التي توهم القاري انه يملأها، بيد أنها في الحقيقة مملوءة برموز لا مرئية، على القارئ أن يكتشف الطريقة التي تزيح بها الغشاء أو يمسح عنها الضبابية التي تراكمت عليها .
كما ترى الباحثة أن الفضاء السيميائي أيقون يحمل عناصر لا متناهية، تؤثر في الطبيعة البشرية والطبيعة الثقافية ،وهناك تداخل بين الفضاء الخارجي الطبيعي والفضاء الطبيعي للنص، وفقا لطبيعة كل مبدع .
وتكمن شعرية الفضاء في إعادة التشفير لان محور الرسالة اللغوية هو المرسل الذي ليس من واجبه الإفهام، بل على المرسل إليه الأول، أن يعيد الوظيفة التعبيرية التي هي من المفروض وظيفة المرسل إليه من الدرجة الثانية . وهناك عدة وظائف للفضاء أهمها :
1-الوظيفة المرجعية
2-الوظيفة الايقونية
3-الوظيفة التأثيرية
4-الوظيفة اللغوية
5-الوظيفة الجمالية
كما تقسم الباحثة الفضاء إلى عدة أنواع هي:
1-الفضاء النصي
2-الفضاء الصوري
3-الفضاء المكاني
4-الفضاء الدلالي
5-الفضاء كمنظور
6-الفضاء المقروء
7-الفضاء الجغرافي
كما تدرس د. شادية شقروش شعرية الفضاء في نماذج من قصائد الديوان، ومنها قصيدة (افتتان)
التي ترى فيها غلبة نسبة السواد على البياض، مما يدل على امتلاء الشاعر وانثيال الكلام الشعري وانهماره على الورقة البيضاء، انه الرفقة اللامتناهية، وحتى فترات البياض التي تفصل بين مقطع ومقطع، تدل على الامتلاء، أي هي عبارة عن فترة زمنية لاسترجاع الشاعر لماء الشعر، وهكذا فهي في بداياتها بنفس القوة ونفس الإيقاع، وعندما نصل إلى الخاتمة يبدأ السواد بالنقصان المتدرج .
. وفي خاتمة الكتاب تجمل المؤلفة توصلاتها واستنتاجاتها من خلال توسلها بالمنهج السيميائي كطريقة لاستنطاق قصائد الشاعر عبد الله العشي، وتبيان جماليات الخطاب الشعري فيها بالإضافة إلى جريدة مفصلة بالمصادر والمراجع التي اعتمدتها د. شادية شقروش في انجاز فصول هذا البحث .
يذكر ان الكتاب صادر عن دار عالم الكتب الحديث ويقع في (247) من القطع الكبير.
مرات القراءة: 116 - التعليقات: 0