وتضفي تردّدات
الألفاظ والتراكيب على الخطاب إيقاعا خاصا
بفعل تنوّع التشكيل؛ فقد يكون للترابط، -وهو
بذلك جامع بين اللغة والإيقاع-، كما يكون
للتركيز أو لفت النظر(66). وقد يكون تاما
عند تكرير البيت، ويكون غير تام إذا في الثاني
بعض الأول، وقد يأتي بالإضافة إذا زاد في
الثاني عن الأول(67). ومنه التكرير الحر
ليفوق الترابط إلى صناعة وحدات لغوية "تسري
في جسد النص كبذور مشعة فاتنة بألوانها
القزحية ولمعانها البلوري، فيكون كامل النص
هو مكان اللعبة الإيقاعية، تنعدم فيه الحدود
والمراتب والموانع"(68).
وليس وجودها لغويا الآن، بل إيقاعي يرسم
حركتها على امتداد الخطاب، بفعل تكررها
العددي المتناسب أو غير المتناسب مع غيرها.
ولا يخلو خطاب من تكرير وحدات متساوية وزنا
يصنع هو الآخر فعلا إيقاعيا يخص كل خطاب على
حده، وغالبا ما يكون في نهايات الأبيات
ونهايات أشطرها أو يتوزّع هنا وهناك، وواقع
التكرير أنه لفظي (صوت
/لفظ /تركيب) ووزني (صيغة
صرفية).
يميز الإيقاع صراع
الوزن القديم منه رتابة و توازنا وحديثه
اضطرابا وحركة، إذا اجتمعا معا في خطاب واحد،
كلون آخر للتوتر الأسلوبي خارج المعاني
والدلالات، وهو التوتر الذي يمتدّ إلى
القوافي وصفاتها، والكتابة الصوتية وما
تحدثه من أثر في بناء الخطاب من خلال المقاطع
الصوتية، طويلها وقصيرها، مفتوحها ومغلقها
مما يصنع توترا يقوم على صراع الوعي الأول
والوعي الجديد بفعل تغير الأفق و تبدل
الإطار؛ "فقد خرجت الذات من شخصية لتدخل
أخرى"(69)، ويكون الاختيار الأسلوبي
الواعي مقابلا للتشكيل الإيقاعي اللاواعي،
لوقوعه خارج إرادة الاختيار تتحكم فيه
المواقف الباعثة للانفعال دون أن يفقد صفته
الذاتية، فهو"ذاتي موضوعي"(70)يختلف
من انفعال لآخر عند الشاعر الواحد ناهيك عن
تعدّد الشعراء وما يتبعه من تعدّد الإيقاعات
واختلافها، بما لا ينفي تشابهها تناصا، ليؤدي
إحساس القارئ دور المحوّل فيسبغ عليه صـفات
الحركة اختزالا " إلى: بطيء/بين بين/سريع،وطويل/بين
بين/قصير"(71)، ليقارن بين هذه الصفة
و بين الموقف المعبّر عنه بما يحدث توازنا
بفعل التماثل بينهما، أو اضطرابا بفعل التضاد
والتعارض يترجم الحال النفسية للشاعر
المنعكسة داخل الإطار العام للقول الشعري.
وعلى هذا الأساس؛ يكون الإيقاع جامعا بين
الحركة/ الصفة والحالة النفسية والوقع الصوتي.والتشكيل
الموالي يبيّن هذا التوجه:
الحركة/الصفة
الحالة النفسية
سريع-----------------
سرعة
بين بين----------------
بطيء-----------------
موقف
انفعال شعري
إيقاع
طويل-----------------
مسافة
بين بين ----------------------
قصير-------------
تماثل
التوازن ا لاضطراب
تضاد/تعارض
وإذا كان التوازن
لا يتعدّى الاحتمالات الثلاثة التي يحويها
التشكيل؛فإنّ الاضطراب يطرح ستة احتمالات
بين الموقف والصفة الإيقاعية،و التوازن يطرح
احتمالاته الثلاثة، فكل عنصر سرعة يرتبط مع
كل عناصر المسافة.وهذه حال الشعر
وطبيعته،تجعل التضاد والتناقض أكثر اتساعا
من التوازن.
من هنا وجمعا بين البنيات
الثلاث،تظهر الخطاطة الموالية الخطاب الشعري
كالتالي:
تفـــــــــاعل
بنية إيقاعية
بنية
سردية
(تشاكل)(تباين) بنية
لغوية
(قصدية)
أصوات/معجم/تراكيب
متكلم/مستمع/حدث
مسكن
شعري
بنيات
دلالية
تقنيات
السرد
موسيقى شعرية
ثنائيات/موجهات
تنـــــــــاص؟
ولعلّ
من مزايا الخطاطة المقترحة أن تحيط ما أمكن
بالخطاب الشعري في دوائره الثلاث، محققة
النموذج الفكري بصوّره الجزئية والكليّة و
المركّبة في قراءة باطنية، والبرنامج السردي
في قراءة نفسية شعرية لاستبطانها ذوات
الشخصيات وانفعالاتهم الوجدانية(72)
الموافقة للحدث الدرامي، كما تحقق أيضا الكشف
عن التجربة الشعرية(73) في علاقتها
بالمسكن الكتابي، لتعليل العلامات
السيميائية الظاهرة على سطح الخطاب، وترتبط
ارتباطا عضويا بالتقطيع الوزني والظواهر
العروضية وما يثيره ذلك من دلالات تتساوق مع
المعنى الكلي وطبيعة النموذج
المحمول، فتتناسب التجربة الشعورية
والمسكن الكتابي الحاوي للانفعال الشعري. وعليه يتطلب هذا البناء آليات
منهج
توازيه وتسايره.
الهوامش
:
1-
ينظر:ج.براون وج.يول:
تحليل الخطاب، ترجمة محمّد الزليطني
ومنير التريكي، النّشر العلمي والمطابع:
جامعة الملك سعود، الرّياض، م.ع.س، 1997، ص280 .فيما أسمياه بالتحليل صعودا والتحليل
نزولا.
2-
ينظر: رومان جاكبسون: قضايا الشعرية، تر:محمد
الولي ومبارك حنون،دار توبقال للنشر،الدار
البيضاء،المغرب، الطبعة الأولى،1988، ص56 .
ومصطفى حركات:الصوتيات والفونولوجيا،دار
الآفاق،الأبيار،الجزائر،د ت ط، ص39 .و45 و89 و90 و91
.و: أحمد حساني:مباحث في اللسانيات،ديوان
المطبوعات الجامعية،الجزائر،1994، ص76-77 و86-87-88و:أحمد
محمد قدور:مباديء اللسانيات،دار الفكر،
دمشق،سوريا،دار الفكر المعاصر،بيروت،لبنان،
ط 1 ،1996، ص57و60- 66
و81.و:خولة طالب الإبراهيمي:مباديء
في اللسانيات،دار القصبة للنشر،الجزائر،2000،
ص55- 57.
3- ينظر:رومان جاكبسون:السابق، ص54.
خولة طالب
الإبراهيمي:
مباديء في اللسانيات،دار القصبة للنشر،2000
الجزائر، ص100،
ص73.ويقول في ص54:"إنّ رمزية الأصوات عبارة عن
علاقة موضوعية لا تنكر".
4-
تحليل الخطاب الشعري، استراتيجية التّناص، دار
التّنوير للطباعة والنّشر، بيروت،
لبنان/المركز الثّقافي العربي ، الدّار
البيضاء، المغرب، د.ط،د.ت. ص175. والبيت هو: الدهر يفجع بعد
العين بالأثر فما
البكاء على الأشباح والصور
5- السابق، نفس الصفحة.
6- نفسه، ص186. والبيت هو: فلا
يغرنك من دنياك نومتها
فما سجية عينيها سوى السهر
7- قراءة الشعر وبناء
الدّلالة،دار غريب للطباعة والنشر
والتوزيع،القاهرة،ج.م.ع،1999، ص230.القصيدة"أغنية
للخليج"لغازي القصيبي والبيت: "أتيت
أمرح فوق الرّمل أنبشه
عن ذكرياتي القدامى،عن هوى صغري".
8- ينظر:في سيمياء الشعر
القديم،دراسة تطبيقية ونظرية،دار الثقافة
للنشر والتوزيع،الدار البيضاء،المغرب،1989، ص62.
9-
توترات الإبداع الشعري،نحو رؤية داخلية
للدفق الشعري وتضاريس القصيدة،دار الغرب
للنشر والتوزيع،وهران،الجزائر، ط2001/2002، ص40-49.
10-
تحليل الخطاب الشعري، ص215.
11-
ينظر:بناء لغة الشعر، تر:أحمد درويش،مكتبة
الزهراء،القاهرة،ج.م.ع،دت، ص147- 148.
12-
ينظر:دينامية النص،تنظير وإنجاز،المركز
الثقافي العربي،الدار البيضاء،المغرب/بيروت،لبنان،
ط2 ،1990، ص55.
13-J.Duboiset
autres, Dictionnaire de la Linguistique, librairie Larousse,
Imprimerie
Berger-Levrault, Nancy, France,
Edition
1982
, p297.
14-
عدنان حسين قاسم:الاتجاه
الأسلوبي البنيوي في نقد الشعر الغربي،الدار
العربية للنشر والتوزيع،مدينة نصر،ج.م.ع،2001،
ص296.
15-
ينظر: الخطيئة والتكفير، من البنيوية إلى
التّشريحية،
مقدّمة
نظرية، دراسة تطبيقية،
دار
سعاد الصّباح، القاهرة/الكويت،
الطبعة3 1993،
ص148.
16-
السابق،
ص272.
17- عدنان حسين قاسم: الاتجاه
الأسلوبي البنيوي في نقد الشعر العربي،
ص335.
18-
ينظر: الشعر العربي الحديث، بنياته و إبدالاتها، 3الشعر
المعاصر، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء،
المغرب، ط1، 1990، ص22.
19-J.Dubois,Op.cit,480.
20-
ينظر:
خولة طالب الإبراهيمي:السابق، ص100.
21-
عدنان حسين قاسم:الاتجاه الأسلوبي البنيوي في
نقد الشعر العربي، ص221.وما قبلها 219.
22-
ينظر:عدنان حسين قاسم:التصوير الشعري،رؤية نقدية لبلاغتنا
العربية،الدار العربية للنشر و
التوزيع،مدينة نصر،ج.م.ع،2000 ص135 وما بعدها. و ينظر:محمد مفتاح:تحليل
الخطاب الشعري، ص85 وما بعدها.
23- جون كوهين: بناء لغة الشعر، ص
156.
24- شفيع السيد:السابق، ص238
25- ينظر:عدنان حسين قاسم:التصوير
الشعري، ص247.وينظر:عبد الإله الصائغ:الخطاب
الشعري الحداثوي والصورة الفنية،الحداثة
وتحليل الخطاب،المركز الثقافي العربي،
بيروت،لبنان/الدار البيضاء،المغرب، ط1 ،1999، ص111.
26- عبد الإله الصائغ:السابق، ص106.
27-
جون كوهين:السابق، ص137.
28-
محمد حسن عبد
الله:الصورة والبناء الشعري،دار
المعارف،ج.م.ع،1981،
ص8.
29-
جون كوهين:السابق،ص 232.
30-
ينظر:محمد حسن عبد الله :السابق، ص102.
31- ينظر:جون كوهين:السابق، ص228.
32- السابق، ص110.
33- شفيع السيد: السابق، ص255.
34- ينظر:بناء لغة الشعر، ص212.
35-
جون كوهين:
السابق،
ص207.
36-
نفسه 130-131.
وينظر: بسام
قطوس:استراتيجيات القراءة التأصيل والإجراء
النقدي،دار الكندي للنشر
والتوزيع،أربد،الأردن،1998،
ص54.
37-
بسام قطوس:
السابق، ص54
.
38-
ينظر:حبيب مونسي:فلسفة القراءة وإشكاليات
المعنى،دار الغرب للنشر و
التوزيع،وهران،الجزائر،2000/2001، ص65 .
39-
حبيب مونسي:توترات الإبداع الشعري، ص13.
40-
ينظر:دينامية النص، ص97-
98و 117- 118-119 عملا تطبيقيا
.و تحليل الخطاب الشعري، ص151- 154.
41- ينظر:تحليل الخطاب الشعري، ص149
.
42- تر:عبد العزيز شبيل، مر:حمادي
صمود،المجلس الأعلى للثقافة،1999 ، ص8.
43- السابق، ص 9.ويؤكد كلامه في ص15.
44- نفسه، ص11.
45- نفسه،
ص16.
46-
السابق، ص20.
47-
نفسه، 31.
48-
نفسه، 32.
49-
التحليل السيميائي للخطاب الشعري،تحليل
مستوياتي لقصيدة شناشيل ابنة الجلبي،دار
الكتاب العربي للطباعة والنشر
والترجمة،الجزائر،2001، ص150.
50-
السابق ، ص180.
51-
ينظر:قراءات في النص الشعري الحديث،دار
الكتاب العربي،الجزائر، ط1، 2002، ص112.و
الدواوين هي:شظايا
ورماد/قرارة الموجة/شجرة القمر/يغير ألوانه
البحر.
52-
قراءات في النص الشعري الحديث،
ص111.
53-
السابق، ص113 وما بعدها.
54- نفسه، ص114.
55- ينظر: جوزيف ميشال شريم:دليل
الدراسات الأسلوبية،المؤسسة الجامعية
للدراسات والنشر والتوزيع،بيروت،لبنان ، ط1 ،
1984، ص11.
56- السابق، ص16.وجيرار جنيت
وآخرون:نظرية السرد من وجهة النظر إلى
التبئير،تر:ناجي مصطفى،منشورات الحوار
الأكاديمي والجامعي،دار الخطابي للطباعة
والنشر،الدار البيضاء،المغرب،ط 1، 1989، ص 57 التبئير
وص81 وجهة النظر
على التوالي.
وينظر:-Michel
Aucouturier,Le Formalisme Russe, presses Universitaires de
France,Paris,France,1994,Narration p30.Motivation p21.Motifs p43.
57-
ينظر:محمد بنيس:السابق، ص111.
58- السابق، ص 109.وينظر: حسن
الغرفي: حركية الإيقاع في الشعر العربي
المعاصر، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء،
المغرب/بيروت، لبنان، 2000،
ص125.
59-
جون كوهين:السابق، ص109.
60-
ينظر:مصطفى حركات:
السابق، ص 90 .
وينظر:ممدوح
عبد الرحمن: ممدوح عبد
الرّحمان: المؤثّرات
الإيقاعيّة في لغة الشّعر،
دار المعرفة الجامعيّة،
الإسكندريّة، ج.م.ع، 1994،
ص48- 51- 52- 55 .
-
و:خولة الإبراهيمي:السابق، ص58.
-
و:أحمد محمد قدور:السابق، ص81-82-83.
-
و:أحمد حساني:السابق، ص87-88.
61- ينظر:حبيب مونسي: توتّرات
الإبداع الشّعري،
ص40.
62-
ينظر:محمد مفتاح :في سيمياء الشعر القديم، ص74.
63-
السابق، ص71.
64-
ينظر:حبيب مونسي:توترات الإبداع الشعري، ص47.
-
وينظر:حسن الغرفي:السابق، ص82؛ فهو يرى في
النون تشكيلا لنسيج الخطاب،ويرى فيه نعومة
ولطافة ورقة تتناسب مع تجربة القصيدة.وهو ما
يؤكد رأي جون كوهين و محمد مفتاح .
65- ينظر:محمد مفتاح:في سيمياء
الشعر القديم، ص74.والمحاكاة:مطابقة للتهويل
والترهيب،وتقبيح للعظة،وتحسين للترغيب.
66-
ينظر:جون كوهين:السابق، ص120.
67- ينظر:محمد بنيس:السابق، ص152.
68- السابق، ص155.
69- حبيب مونسي:توترات الإبداع
الشعري، ص10.
70- محمد
مفتاح: دينامية النص، ص63.
71-
محمد مفتاح:دينامية النص، ص55- 56.
- وينظر:إميل بنفنست:مدخل إلى
السيميوطيقا، ترجمة: سيزا قاسم ونصر حامد أبو
زيد ، دارالياس العصرية،القاهرة،ج.م.ع. بحث:"سيميولوجيا
اللغة"، ص181.في حديثه عن الموسيقى وعلاقتها
باللغة كنظام سيميائي.
72-
ينظر:جوزيف ميشال شريم:السابق، ص19.
73-
ينظر محمد بنيس:السابق، ص66.