منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    الظواهر الفنية في الشعر الحر

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    الظواهر الفنية في الشعر الحر Empty الظواهر الفنية في الشعر الحر

    مُساهمة   السبت أكتوبر 15, 2011 5:17 am






    الشعر الحر








    كتبهاعبدالله ، في 10 مارس 2007
    الساعة: 19:17 م




    الظواهر الفنية في الشعر الحر


    تعرض هذه الصفحات ملخصـــا لطبيعة
    الشعر الحر، وأهم الظواهر الفنية التي اعتمدها الشعراء في تركيب البناء
    الشعري ، فألقت الضوء على مجموعة من هذه الظاهر : مثل الإبهام والغموض ،
    والتكرار، والصورة الشعرية ، بالإضافة إلى بعض القضايا المتعلقة باللغة
    الشعرية.

    وارتأتيت أن أقف أولاً عند تحديد مفهوم الشعر الحر، متجاوزا الخلافات في هذا الجانب، متبنيا رأيا خاصا قد يتفق أو يختلف مع الآخرين.

    مفهوم الشعر الحر:

    يثبر المفهوم بهذه الصيغة استحضار
    مفهوم آخر ، فإن كان هذا الشعر حرا فإن هناك الشعر المقيد، وليس هذا ما
    تقصده التسمية أصلا، فالشعر الحر له أصوله وتقاليده وقيوده التي يجب أن
    يُلتزم بها.

    وعليه يمكن أن يعرف الشعر الحر
    بأنه" الشعر الذي تحرر من نظام القصيدة العربية القديمة في بناء البيت
    الشعري، وتركيب الجملة ، والموسيقى والوزن والإيقاع ، ودلالات الألفاظ
    وتركيب الصورة والقافية"، وهذا لا يعني أنه ليس شعرا موزونا ، أو أنه ذلك
    الشعر الذي لا يتقيد بالوزن أو القافية(1)، بل إن الوزن هو العصب الرئيسي لأي شعر ، ومنه الشعر الحر مع التوسع في نظام القافية.

    اللغة في الشعر الحر:

    يتغيا الشاعر إيجاد علاقات
    جديدة بين الألفاظ في القصيدة، فهو من خلال الألفاظ التي تنتجها اللغة
    العامة التي يمارس المبدع فيها حياته الاجتماعية يختار معجمه الشعري ،
    ليكون نهرا من لغة ثانية ، مياهه نابعة من نهر اللغة الأعظم، ليوالف بين
    الألفاظ والعلاقات ، منشئا تركيبة لغوية جديدة قائمة على تفجير اللغة
    وإيجاد علاقات متشابكة ، لا تحتكم للوعي أو للمنطق الصارم أحيانا، ولكنها
    ذات أبعاد شعورية ونفسية وطاقات دلالية إن وجدت هذه الألفاظ خارج تقنية
    الشعر الحر لا تؤدي إلا معناها الأولي ، أما خلال النص الشعري ، فإنها
    تكتسب ظلالا جديدة، وتحمل معاني أكبر من طاقاتها المعجمية الثابتة ، ومن
    هنا جاءت الحاجة في لغة الشعر إلى الإيحاء وبعض الغموض والاتكاء على الرمز،
    لأن الشعر الحر في مجمله يعبر عن طاقة إبداعية مختزنة تأبى الخروج بالنفس
    الشعري التقليدي، وتصر على خروجها بنمط شعري خاص له طعم آخر ورونق مميز.

    وتميل لغة الشعر الحر إلى الاقتصاد
    في التعبير ، فليست معنية بالشرح والتفصيل، والإسهاب في توضيح أمر من
    الأمور، فالشعر مرتكزه الأول هو الشعور والعاطفة والإحساس، وكلها يعبر عنها
    الشاعر بومضات مثيرة بأقل الألفاظ وأنسبها ، ولذا فإنك قد تجد قصيدة مكونة
    من بضع كلمات مكتفيا الشاعر باللمحات الخاطفة التي تحويها الألفاظ ، من
    ذلك قول سميح القاسم في قصيدة بعنوان " الغائب"(2):

    لعنقود ليلى كؤوس مهيأة

    أين قيس؟

    هكذا بدأت القصيدة بالعنوان ،
    وانتهت بعلامة السؤال الموجه للمتلقي ؛ لتبدأ عملية أخرى ليس للشاعر دور في
    تأويلاتها سوى ما قدم من محطات تأويل، قد يبعد القارئ عنها ، وقد يقترب.

    وقد تعتمد اللغة الشعرية في
    هذا النوع من الشعر على المفارقة الساخرة ، التي لا بد للمتلقي أن يبحث عن
    مراميها ، لإعطاء النص حدودا دلالية ، كانت مفتوحة في فضاء القصيدة. يقول
    سميح القاسم:(3)

    وعندما تصيبني سخريتي بالقرحة

    سيمنحون زوجتي الطباخة الذكية

    جائزة مسيلة للعاب

    ( نوبل للآداب)

    ………………….

    وعند حفار القبور أترك البقية.

    وقد تطول القصيدة حتى تصبح ديوانا ،
    كما هو الحال في ( فضاء الأغنيات ) ديوان شعر من وحي تجربة الاعتقال في
    النقب للشاعر د. المتوكل طه ، و( جدارية) محمود درويش ، وسربيات سميح
    القاسم ، حيث تشكل كل سربية ديوانا مستقلا(4).

    ومن التقنيات المستخدمة في لغة
    الشعر اعتماد القصيدة على الحوار والسرد القصصي ، فتظهر في القصيدة العناصر
    القصصية ، وأهمها: السرد والحدث والزمان والمكان ، ونجد مثالا لذلك قصيدة "
    جندي يحلم بالزنابق البيضاء"(5) لمحمود درويش ، فقد بدأ القصيدة بالسرد القصصي في قوله:

    يحلم بالزنابق البيضاء

    بغصن زيتون

    بصدرها المورق في المساء

    يحلم- قال لي- بطائر

    بزهر ليمون

    وبعد هذا السرد ، يتابع القصيدة محاورا :

    سألته والأرض؟

    قال: لا أعرفها

    ……………

    سألته: تحبها؟

    أجاب: حبي نزهة قصيرة

    أو كأس خمر أو مغامرة

    - من أجلها تموت


    - كلا.

    وما يلاحظ على لغة الشعر الحر
    التعقيد ، ولعله آت من كون اللغة المستخدمة فيه بسيطة في دلالاتها الأصلية،
    عميقة في معانيها النصية، ولأنها من جهة أخرى ترتبط بعلاقات سياقية
    وتاريخية وشعورية لا بد من فهم مراميها أولا ، ثم الغوص في دلالات البناء
    الشعري الحديث ، والحقيقة أن الغموض أو الإبهام أصبح ظاهرة تغلف أروقة
    القصيدة ، وقد تنبه غير دارس لهذا الملمح في هذا الشعر، ومن هؤلاء
    الدارسين الناقد اللبناني جودت نور الدين في كتابه "مع الشعر العربي- أين
    هي الأزمة" ، فقد عرض في الكتاب بعض النماذج التي يلفها الغموض ، من ذلك
    قول الشاعر محمد زين جابر:

    لماذا تظل حصى باردة

    في أسفل السراويل المتمادية

    لأجدادنا المهرولين"

    ويعلق أ. جودت نور الدين على هذا المقطع بقوله:

    " إني أسأل الشاعر : كم قارئ لهذا
    المقطع في العالم العربي الواسع من غير منطقة الجنوب الصغيرة في لبنان
    {منطقة الشاعر} يمكنه الإحاطة بأبعاد الصورة التي نقلتها على رغم وضوح
    عباراتها"(6).

    وقد وقف الناقد السعودي د. عبد
    الرحمن محمد القعود وقفة متأنية عند ظاهرة الغموض في الشــعر الحر فـــي
    كتابـه " الإبهام في شعر الحداثة – العوامل والمظاهر وآليات التأويل" ، فقد
    خصص هذا الناقد لدراسة هذه الظواهر بابا مستقلا بثلاثة فصول ناقش فيها
    بإسهاب هذه الظاهرة بنماذج مختارة ، ويرد د. القعود هذا الغموض إلى أسباب
    ثلاثة: أولاً الغياب الدلالي ؛ وذلك بسبب غياب الموضوع عن القصيدة ويرى أنه
    " مع حركة الحداثة الشعرية صار الشعر صوت قائله ، أي صوتا داخليا ، لا
    خارجيا تفرضه القبيلة أو السلطان أو المناسبة القومية أو الاجتماعية ،…….،
    فغابت بهذا أغراض الشعر التقليدية ، ليحضر بدلا منها موضوعات تتحدث عن
    النفس وحركتها الدقيقة"(7).

    ومما يتصل بغياب الموضوع اعتماد
    الشاعر لغة التجريد ، وتركيزه على التأثير الشعري ، وليس الموضوع وتقديم
    رسالة ، مما جعل الشعر يغوص في غمار الغموض والإبهام الذي يشكل عائقا عن
    التواصل مع المتلقي.

    وأما أسباب الإبهام الأخرى التي
    يطرحها د. القعود في كتابه السابق: التشتت الدلالي ، وإبهام العلاقات
    اللغوية، ويقصد المؤلف بالتشتت الدلالي أن الجملة الشعرية لا تعطي بتواصلها
    اللفظي اللغوي معنى متصلا ، بل تتشتت الدلالة عبر التداخل اللغوي لبنية
    القصيدة ، فالمتلقي عندها بحاجة إلى إعادة تنظيم لبنات القصيدة ليستطيع
    فهمها ، فهي عسيرة على الفهم لأول مرة.

    أما إبهام العلاقات اللغوية
    فيوضح المؤلف مقصوده منها ، في أن اللغة الشعرية تدخل خلال النص بعلاقات
    نحوية مبهمة في علاقة المسند والمسند إليه ، أو الجمع بين متناقضين ، أو
    متنافرين ، ويعني من جانب آخر" انخفاض المستوى النحوي" في القصيدة ،
    فالشاعر يعدل عن التركيب النحوي المعهود إلى تركيب جديد ، تكون الجملة فيه
    مفتقرة إلى عناصر البناء اللغوي السليم مما يزيد من الإبهام.(Cool

    وفي ظني أن الشاعر الحديث
    عندما اختار العزلة عن قضايا المجتمع ، وتراجع الشعر عن أداء رسالته ،
    واتصال الشاعر بالمذاهب الغربية ارتباطه بها ارتباط تبعية وتقليد ، واطلاعه
    على النتاج الشعري الغربي الذي تحكمه قوانين إبداعية فكرية مختلفة ،
    ومحاولة المبدع وضع نفسه في مرتبة أعلى وأسمى من القارئ، كل ذلك دفع الشاعر
    أن يدخل في دهاليز اللغة الشعرية غير المفهومة ؛ إيهاما للقارئ أنه أمام
    شاعر لا يشق له غبار! وقد لا يكون وراء كلامه طائل يُذكر سوى التلاعب
    بالألفاظ ، وتقديم مصفوفات لغوية خاوية لا تؤثر في إحساس المتلقي وأفكاره،
    فهي طلاسم ومستغلَقات يعجز هو نفسه عن فهمها ، وصدق الشاعر حيث قال ساخرا
    من هذا النوع من الشعر:(9)

    تحدثني فلم أفهم عليها كأن حديثها الشعر الحديثُ

    على أن الشعر الحديث ( الحر) ليس
    كله غامضا ، يسبح في أوهام الإبهام والغموض ، فناك تجارب شعرية لم تتنازل
    عن رسالتها التربوية والنهضوية ، وظلت على يقين بأن الشعر ذو رسالة ، من
    ذلك ما قدمه مظفر النواب وأحمد مطر وصلاح عبد الصبور وشعراء المقاومة
    الفلسطينية غي جيلها الأول.

    ولا يعني هذا أن تكون القصيدة سهلة
    واضحة ، لا تثير القارئ ، ولا تفتح له آفاقاً من التأويلات المحتملة لنص
    شعري مكتنز بالمعنى ، تتضافر فيه كل عناصر الإبداع بدءا من اللفظ وانتهاء
    بالإيقاع وصولا إلى الصورة الشعرية المعبرة؛ فلا بد أن يكون هناك نوع من شد
    القارئ لسحر النص بغموض لا يستغلق على الفهم ، من خلال إشارات نصية
    مفتاحية ، تحاول أن تستدرج القارئ نحو فضاءات النص ليتفاعل معه ، فالقارئ
    ما هو إلا منتج آخر للنص بإنتاجه المعنى والتأويل.

    استلهام التراث والأسطورة والتاريخ:

    ويستند الشعر الحر من جانب آخر على
    استلهام التراث والأسطورة في البناء الشعري ، وترميز تلك العناصر ، فتجد
    الشاعر في قصيدة ما يوظف بعض ما جاء في الإنجيل أو التوراة ، أو يقتطع
    نصوصا منهما ، وقد يوظف الشاعر النص القرآني بألفاظه وقصصه وتعابيره
    وشخصياته ، كما يظهر عند الشاعر محمود درويش في قصيدته " حبر الغراب "(10)، فيوظف الشاعر في هذه القصيدة القصة القرآنية الواردة في سورة المائدة التي تصور الصراع بين ابني آدم ( هابيل وقابيل)(11) ، ويضمن الشاعر جزءا من الآية (31) في النص الشعري(12):

    ويضيئك القرآنُ:

    ¼ فبعث الله غرابا يبحث في الأرض

    ليريه كيف يواري سوءة أخيه، قال:

    يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب»

    ويضيئك القرآنُ،

    فابحث عن قيامتنا وحلق يا غرابُ!

    كما يوظف الشاعر الحديث الأسطورة
    القديمة عربية وإغريقية وسومرية وبابلية من مثل : العنقاء والغول والسندباد
    ، وجلجامش وعشتار ، وسيزيف ، وغيرها ، فقد الشاعر محمود درويش – على سبيل
    المثال – الأسطورة كثيرا في ديوانه " سرير الغريبة" الذي حشد فيه الشاعر
    كثيرا من الأساطير المتعلقة بالحب(13).

    ولم يكتف الشاعر الحديث بذلك ، بل
    جعل من التاريخ وحوادثه وشخصياته مادة استلهمها الشاعر ، فقد تجد في الشعر
    الحر إشارة لحرب جاهلية ، أو لحرب إسلامية ، أو حادثة اجتماعية ، أو ظاهرة
    معينة ، وقد اتكأ الشاعر الحديث على شخصيات التاريخ اتكاء واضحا ، وأشير
    هنا إلى دراسة منشورة في مجلة " عالم المعرفة"، يبن فيها صاحبها كيفية
    توظيف الشخصيات التاريخية في الشعر الفلسطيني ، فذكر من تلك الشخصيات
    Sadالتتار والخليفة والسجان والجلاد والروم وكسرى وقيصر) وهي شخصيات تاريخية
    عامة ، ويقف عند شخصية ( الحسين بن علي ، وصلاح الدين الأيوبي وعز الدين
    القسام )(14) ، وعندما يوظف الشاعر هذه الشخصيات فإنه يتخذ منها أقنعة يختبئ وراءها في تقديم فكرة معينة(15).

    وقد حازت أحداث الأندلس مساحة لا
    بأس بها في الأدب الحديث بشكل عام ، والشعر بشكل خاص ، حيث تشكلت ظاهرة في
    هذا الأدب ، وقد سجلها كثير من الشعراء ، فقد عرف عن نزار قباني أندلسياته ،
    تلك القصائد التي تحدث فيها عن مجد العرب الضائع في الأندلس(16)،
    وقد خصص الشاعر محمود درويش ديوان" أحد عشر كوكبا " ليوثق العلاقة
    المأساوية بين الأندلس الضائعة وفلسطين التي أضحت أندلسَ ثانية في العصر
    الحديث(17)، ومن يتتبع هذا الموضوع يجده غزيرا في الأدب العربي الحديث ، وخاصة في الشعر الفلسطيني(18).

    التكرار في الشعر الحر:

    لم تكن ظاهرة التكرار حكرا على
    الشعر الحر، فقد وجدت هذه الظاهرة في الشعر العربي القديم ، ولعل أوضح
    الأمثلة على ذلك قصيدة الحارث بن عباد " قربا مربط النعامة مني …" التي
    قالها بعد مقتل ولده(19)، وقصيدة عمر بن كلثوم في قوله:" بأي مشيئة عمرو بن هند …"(20)،ووجد التكرار كذلك في القرآن الكريم ، في سورة الرحمن(21)
    ، وسورة الشعراء ، وسورة المرسلات ، وغيرها ، وتستحق ظاهرة التكرار في
    النص القرآني وقفة متأنية لبيان وجوه الإعجاز فيها ، والدلالات التي
    تؤديها.

    وجاء الشعر الحر ليبعث في ظاهرة
    التكرار بعدا جديداً، إذ لم تكن هذه الظاهرة مجرد ترديد لمجموعة من الألفاظ
    والجمل الخالية من المعاني ، وقد تحدثت نازك الملائكة في كتابها" قضايا
    الشعر المعاصر" عن هذه الظاهرة ، وعرضت أنواعا من التكرار، ومن ذلك : تكرار
    اللفظ ، وتكرار الجملة ، أو بيت شعر ، أو مقطع ، وتكرار الحرف ، وقد جمعت
    كل أنواع التكرار السابقة في ثلاثة أقسام حسب الوظيفة التي تؤديها في
    السياق الشعري، وهذه الأقسام هي:

    1. التكرار البياني : وهو التكرار الذي يلجا إلى التأكيد على الكلمة المكررة أو العبارة(22).

    2. تكرار التقسيم: وهو تكرار كلمة أو عبارة في ختام كل مقطوعة من القصيدة(23).

    3. التكرار
    اللاشعوري: وتعرف نازك الملائكة هذا النوع من التكرار بقولها:" التكرار
    الذي يجيء في سياق شعري كثيف يبلغ أحيانا درجة المأساة ، ومن ثّمّ فإن
    العبارة المكررة تؤدي إلى رفع مستوى الشعور في القصيدة إلى درجة غير عادية.(24)

    وتضيف الشاعرة لتوضيح هذا
    النوع " ويغلب أن تكون العبارة مقتطفة من كلام سمعه الشاعر فوجد فيه تعليقا
    مريرا على حالة حاضرة تؤلمه أو إشارة إلى حادث مثير يصحّي حزنا قديما أو
    ندما نائما أو سخرية موجعة"(25)

    وتبين الشاعرة أن التكرار يحكمه قانونان لا بد من مراعاتهما معا عند توظيفه في النص الشعري، وهما:

    1. التكرار
    إلحاح على جهة مهمة في العبارة يعنى بها الشاعر أكثر من غيرها وبالتالي
    فإن التكرار يأخذ بعدا نفسيا ، له علاقة بنفسية الكاتب(26).

    2. إن
    التكرار يخضع للقوانين الخفية التي تتحكم في العبارة ، وهو قانون التوازن ،
    ففي كل عبارة طبيعية نوع من التوازن الدقيق الخفي الذي ينبغي أن يحافظ
    عليه الشاعر في الحالات كلها(27).

    وتوضح نازك الملائكة في ختام
    دراستها لظاهرة التكرار في الشعر " إنما هو كسائر الأساليب في كونه يحتاج
    إلى أن يجيء في مكانه من القصيدة، وإن تلمسه يد الشاعر تلك اللمسة السحرية
    التي تبعث الحياة في الكلمات"(28).

    وأشير فيما يلي إلى بعض مواطن
    التكرار في شعر الشعراء الحداثيين ، من ذلك قصيدة " حوار " للشاعر صلاح عبد
    الصبور ، فقد كرر " أأنت من سكان هذه المدينة!" في قصيدته هذه ست مرات
    ،مكتفيا في مرتين منها بتكرار مفتتح السؤال "أأنت…" مع وضع إشارة الحذف(29). وقد وظف نزار قياني التكرار في قصائده، ومن هذه القصائد قصيدة" الحزن" ، حيث جعل جملة " علمني حبك" مفتَتحا لكل مقطع(30)، أما الشاعر بدر شاكر السياب فقد اعتمد فنيا ومعنويا على التكرار في قصيدته " مطر" ، فقد تكررت كلمة مطر بتراتبية(31) معينة ، تخدم السياق والمعنى ، وقد بلغ عدد المكررة فيها كلمة مطر(26) مرة.

    ومن الظواهر اللافتة للنظر في شعر
    محمود درويش التكرار ، فقد وظفه في كل مستوياته ، بدءا من تكرار الحرف ،
    وانتهاء بتكرار الجملة ، ويمكن أن يقدم المرء مثالا لظاهرة التكرار في شعره
    قصيدته"أنا آت إلى ظل عينيك آت"(32)،
    فقد كرر الجملة الافتتاحية " أنا آت إلى ظل عينيك آت" ست مرات في تضاعيف
    القصيدة ، وليس هذا وحسب ، بل إن في القصيدة نوعا من تكرار الضمائر (أنتِ)
    والضمير (أنا) ولفظ (آتٍ) ،في القصيدة في مواضع غير الجملة الافتتاحية،
    وكرر كذلك الأفعال ، وتكرار جــملة " مــا الــذي" مع الفعل المضارع ، وكرر
    كذلك الفعل الماضي " فروا" ، والفعل الماضي " باع".

    الصورة في الشعر الحر:

    اعتمد الشاعر في تركيبه للصورة
    الشعرية في الشعر الحر على عدة عناصر ، من كناية وتشبيه واستعارة ، ومجاز
    ورمز وتعبير حقيقي، وقد كانت الصورة في الشعر الحر مجالا لتأدية المعنى ،
    وليس عنصر زخرف أو تزيين .

    ومن يقرأ الشعر الحديث يجد أن
    الصورة الفنية فيه ، إما جزئية معتمدة على المفهوم التقليدي للصورة الشعرية
    القديمة من تشبيه واستعارة ، أو كناية، وإما صورة كلية ، يرسم الشاعر من
    خلالها صورة مركبة ، تتضافر فيها كل العناصر الجزئية لتقديم صورة شعرية
    مشهدية كلية.

    وقد تعددت الدراسات التي تناولت
    الصورة الشعرية في الشعر العربي ، ومن هذه الدراسات ما قدمه د. عدنان حسين
    قاسم في دراسته للصورة في الشعر ، وتعرض في هذه الدراسة للصورة في الشعر
    الحر ، والعناصر المكونة لها ، وتحدث كذلك عن وحدة أجزاء الصورة الكلية ،
    موضحا كل ذلك بالأمثلة من الشعر قديمه وحديثه(33)،
    وقد وقف الناقد شاكر النابلسي عند الصورة الشعرية في كتابه" مجنون التراب-
    دراسة في شعر وفكر محمود درويش" وعرض في دراسته لــ (25) نوعا من الصورة
    في شعر هذا الشاعر، وقد جاء هذا التفصيل في الصورة مبنيا على عدة اعتبارات
    رآها الدارس ، فقد أخذ في الحسبان حالات المتلقي أو الوظيفة التي تؤديها
    الصورة أو العناصر الداخلة في تركيبها(34)، ويمكن أن يرد المرء هذه الأنواع المتشعبة للصورة إلى نوعين فقط: الصورة المشهدية الكلية والصورة الجزئية.

    وفيما يلي أقدم مثالين للصورة الشعرية كما يبينهما المؤلفين السابقين ، الأول للشاعر سميح القاسم ،وذلك في قوله:

    ألسنة النار تزغرد في أحشاء الليل

    ويدمدم طبلْ

    وتهد بقايا الصمت طبول ضاربة وصنوج

    ويهيج الإيقاع المبحوح يهيج

    فالغابة بالأصداء تموجْ

    ففي هذه الصورة تتضافر العناصر
    التقليدية لبلاغتنا العربية في تركيب صورة مشهدية كلية ، يظهر فيها أثر
    النار وحريقها ، ومآل ذلك من تمزيق جدران الصمت وارتفاع الأصوات وانفجار
    الثورة ، ففي هذه الحركة ، وفي هذا الصوت تتفاعل كل العناصر لإظهار المعنى
    في صورة شعرية مشهدية(35).

    أما المثال الثاني ، فهو من شعر درويش ، ورد في كتاب النابلسي المشار إليه آنفاً ، يقول درويش:

    والصوت أخضر

    قال لي أو قلت لي : أنتم مظاهرة البروق

    والصوت موت المجزرة

    ضد القرنفل، ضد عطر البرتقال

    أنتم جذوع البرتقال

    وقد نعت شاكر النابلسي هذه الصورة
    بــ"الصورة الملونة" ، وعلق عليها بقوله: " وهي صورة بسيطة من الصور
    الشعرية التي لا تعتمد على لون واحد…. ، والغرض من هذه الصورة تقليد
    الطبيعة وليس نقلها ، بأن يقف الشاعر مكان الطبيعة في التلوين ،أو يقوم بما
    تفعل ، وليس كما تفعل بالضبط"(36).

    وهذه الصورة كما تحسها معي ، تؤدي
    مشهدا شعريا متكاملا ، يعتمد على الطبيعة كأحد مرتكزات الصورة الشعرية،
    بألوانها المختلفة ؛ لتأكيد تجذر الإنسان بأرضه ، وتوحده بعناصرها المميزة.

    الظواهر الفنية في الشعر الحر Adab18 الظواهر الفنية في الشعر الحر Adab18 الظواهر الفنية في الشعر الحر Adab18

    (1) مجدي وهبة، معجم مصطلحات الأدب ، بيروت ، 1974، ص (181).

    (2) سميح القاسم ، القصائد ، المجلد(3) ، دار الهدى ، كفر قرع ، ط1 ،1991، ص(136).

    (3) السابق ، المجلد(2) ، ص(135) ، قصيدة بعنوان" سكتش".

    (4) يُنظر على سبيل المثال: محمود درويش، الجدارية، رياض الريس للكتب والنشر ، ط1، 2000، وتقع القصيدة في (105) صفحات من القطع

    الصغير.

    : سميح القاسم ، مجلد(4) السربيات ، وهي سبع سربيات : إرم ، إسكندر في رحلة الداخل والخارج ، مراثي سميح القاسم

    إلهي لماذا قتلتني ، ثالث أكسيد الكربون ، الصحراء ، رحلة السراديب الوحشية.

    (5) محمود درويش ، ديوانه ، المجلد الأول ، دار العودة – بيروت ، ط14، 1994، ص (189-190).

    (6) جودت نور الدين ، مع الشعر العربي- أين هي الأزمة؟ ، دار الأدب – بيروت ، ط1، 1996، ص (75-76).

    (7)
    عبد الرحمن محمد القعود ، الإبهام في شعر الحداثة ، العوامل والمظاهر
    وآليات التأويل، عالم المعرفة (279) ، الكويت، مارس ،2002،ص( 180)

    (Cool يُنظرُ ، السابق ، الفصل الخامس ص(205-242) والفصل السادس (245- 290).

    (9) جودت نور الدين ، مع الشعر العربي ، ( مرجع سابق) ، هامش (3) والبيت للشاعر اللبناني عبد الحسين العبد الله.

    (10) محمود درويش، لماذا تركت الحصان وحيدا، دار رياض الريس للكتب والنشر ، لندن ، ط1، 1995، ص(54-57).

    (11) القرآن الكريم ، سورة المائدة الآيات (27-31).

    (12) محمود درويش، لماذا تركت الحصان وحيدا، ( مرجع سابق) ، ص(56-57).

    (13) محمود درويش،سرير الغريبة، دار رياض الريس للكتب والنشر ، لندن ، ط1، 1999.

    (14)
    إبراهيم نمر موسى، توظيف الشخصيات التاريخية في الشعر الفلسطيني المعاصر،
    عالم الفكر ، المجلد(33) ،(2) ، أكتوبر2004، ص(117-157)

    (15) يُنظر: إحسان عباس ، اتجاهات الشعر المعاصر ، دار الشروق ، عمان ، ط2، 1992، ص(121-134).

    (16) يُنظر: يحيى محمد الحلح ، قراءة في أدب نزار قباني ،منشورات دار علاء الدين- دمشق ، ط1، 2001،ص(39- 45)

    (17)
    محمود درويش ، ديوانه ، المجلد الثاني ، دار العودة – بيروت ، ط1، 1994، ص
    (473- 557). وخاصة القصيدة الأولى في الديوان وهي: (أحد عشر كوكبا على آخر
    المشهد الأندلسي) .

    (18)
    يُنظر: محمد عبد الله الجعيدي ، حضور الأندلس في الأدب الفلسطيني الحديث ،
    مجلة عالم الفكر ، مجلد(28)،ع(4)، أبريل، 2000، ص(7-52).

    (19)
    جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها
    ، دار الكتب العلمية - بيروت ، ط1 ، 1998، تحقيق : فؤاد علي

    منصور
    ، الجزء الأول ، ص(262). يقول المؤلف تعليقا على الأبيات:" فكرّر قوله : (
    قرّبا مربط النعامة مني ) في رؤوس أبياتٍ كثيرة عنايةً

    بالأمر وإرادة الإبلاغ في التنبيه والتحذير.

    (20) أبو عبد الله الحسين بن أحمد الزوزني ، شرح المعلقات السبع، دار الكتاب العربي- بيروت ،ط4، 1993،ص(118).

    (21) تكررت آية " فبأي آلاء ربكما تكذبان " في هذه السورة أكثر من ثلاثين مرة.

    (22) نازك الملائكة ، قضايا الشعر المعاصر ، دار العلم للملايين- بيروت، ط11، 2000، ص(280).

    (23) السابق ، ص (284).

    (24) السابق ، ص (287).

    (25) السابق ، نفسه.

    (26) السابق ، ص (276).

    (27) السابق ، ص (277).

    (28) السابق ، ص (290-291).

    (29) يُنظر: كتاب العربي(42) ، قوافي الحب والشجن ، تقديم عبد القادر القط، ص(142-144).

    (30) يُنظر: ) يُنظر: يحيى محمد الحلح ، قراءة في أدب نزار قباني ،( مرجع سابق) ، ص (245-249).

    (31) يُنظر: ناديا بشاي ، باقات من شعر بدر شاكر السياب ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت ، ط1 ، 1986، ص(9-14).

    (32) ينظر: محمود درويش ، ديوانه ، المجلد الأول ، (مصدر سابق) ،ص ( 324-331).

    (33) يُنظر: عدنان حسين قاسم ، التصوير الشعري ، ( رؤية نقدية لبلاغتنا العربية) ، مكتبة الفلاح ، الكويت ، ط1، 1988.

    (34)
    يُنظر: شاكر النابلسي ، مجنون التراب ( دراسة في شعر وفكر محمود درويش) ،
    المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت ، ط1 ، 1987، ص(623-644).

    (35) يُنظر: عدنان حسين قاسم، ، التصوير الشعري ، (مرجع سابق) ، ص (228).

    (36) شاكر النابلسي ، مجنون التراب ( مرجع سابق) ، ص (639).

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 11:08 pm