رواية زائر الماء لمنذر عبد الحر - الحيز الحكائي في سياقات الحدث الدرامي
انَّكشف شبكة العلاقات الضبابية بين مرتكزات النص الأدبي هي المهمة الرئيسةالتي يضطلع بها الناقد، لذا لا تتجلي قدرته النَقدية إلا حين تكون مساحةاشتغاله متسمة بالغموض؛ كي يسعي لفكَ مغلقاتها، ومِن هذهِ الحقيقةالنَقدية حاول بعض النّقاد أن يسموا النًصوص الأدبية المفتوحة بأحكامتتواءم مع ذائقتهم الأدبية أو أيدلوجيتهم لا مع كينونة النَص، فنفوا تبعاًلذلك الإبداع؛ لتمحورها في الحيًز المفاهيميِّ المباشر.
بغية الابتعادعن نقد انطباعي فجٍّ يحكمه تصَورٌ مسبق عن الباث أو المضمون حاولنا في هذهالمقاربة أن نقرأ رواية + زائر الماء ؛ لمؤلفها منذر عبد الحر قراءةً نصيةساعين إلي تحديد السياقات السردية الفاعلة في الرواية. رواية ( زائر الماء) تطرح إشكالية سوسيولوجية بوساطة تقنية الاستذكار تتعلق بجوانبٍ من أحداثالحرب ( العراقية / الإيرانية ) من دون ولوج حيثيات تلك الحرب مساندةً أورفضاً واختفي المؤلف الواقعي اختفاءً اندماجياً تاماً وراء السارد (المؤلف الورقي) تلك الإشكالية غَفُلت بشكل واضح أسباب الحرب وما آلت إليه.بجوار ذلك اختفت صورة المجتمع الكلية فكان فضاؤها الحقيقي فردانياًمستنداً في إبراز صورته علي السارد ( الشخصية الرئيسة في الرواية ) الذيكان صورة لذلك العراقي المشتت بين أتون الحرب ومصاعب الحياة من جهة وحبَهـ بصفته إنساناً ـ للحياة والاستمرار وشغفه للرَاحة والتمتع بها، هذاالتشتت ظهر بشكل جليٍّ في ذهنيته + أعني السارد ؛ الذي يبدو للوهلة الأوليمتناقضاً لكن حقيقة أمره التآلف لا الاختلاف، لأنه نتاج طبيعي لمحفزينرئيسين أثارا في نفسيته رغبتين:
أ-رغبة البطولة الشخصانية المدافعة عن حقّ ما - علي وفق اعتقاده - التي إحدي نتائجها الطبيعية الموت.
ب- رغبة الحياة ( أقصد رغبة السارد ) في الرَكون إلي الدَعة والتَنعم وهي تتناقض كلياً مع الرغبة الأولي.
يقولالسارد + تطوعت مع زملائي في فرق الدَفاع المدني....شعرت بالرَجولة الحقَةوحجم المسؤولية التي يجب أن أتحلي بتحملها ؛(1) وهي تمثل رغبة في البطولة.
- حدثتها عن اشتياقي للنساء والمدن وأمنيات السَير بكامل قاماتنا ؛(2) وهي تمثل رغبة في الحياة.
-حين سُلمت كتاب تسريحي من خدمة عسكرية امتدت لأكثر من ثماني سنوات منالصبر والمعاناة والبطولة أيضا... جمعت حاجياتي العزيزة وودّعت الأصدقاءفرحاً؛(3) وهي تمثل رغبة البطولة و رغبة الحياة.
نلاحظ بعد قراءة المقاطع السردية التواشج الرَغائبي بين رغبتين متناقضتين ناتجتين في ذات مشتتة.
والروايةأيضاً خلت من العناوين الفرعية وبنت نفسها علي أثني عشر جزءاً تكون كل جزءمن مستهل سردي علي لسان سارد واحد في الأجزاء جميعها وعقدت عقدتها منالسطور الأولي من الرواية:
صارت ملامحه مألوفة وانتظمت زياراته لي...... أخذ حديثه يطول دون أن أجد مفتاحاً للغز صمتي أمامه ؛(4)
- في كل مكان أذهب إليه..... يراقبني ويرصد ما أقوم به من أفعال ؛( 5)
-كيف أتعامل مع سر يتجسد لي بكامل قامته كل ستة اشهر؛( 6)
منالمقاطع التي قرأناها يتضح سعي السارد إلي جر المتلقي والنص إلي منطقةاللغز( العقدة ) مخلخلاً عن طريق هذا التبنين السردي النسيج الروائيالمألوف المبني عادة علي مبدأ التَصاعدية في الحدث وصولاً إلي العقدة ثمالحل.... فأدخل المتلقي في دوامة الحلحلة وصار أسيراً لها إلي أن انتهتالرواية مِن دون أن تضع حلاً، أمَا لغة الرواية فكانت لغة إخبارية وهذاالأمر ليس مِن شأن الشعرية، بل من شأن البلاغة التداولية علي وفق رأيبيرنار فاليط.( 7)
وإخبارية الرواية كستها بعداً تاريخياً مجزءاً فيذاكرة حاولت أن تمسك بعض المواقف والأحداث لتعيد صياغتها ورقياً وانزويالبعد القصصي ببزوغ ذلك البعد التاريخي علي الرغم من تقارب وظيفتي التاريخوالقصة واتكائهما علي المبدأ المفاهيمي المتعلق بالإيصال، وقد دارت اللغةفي مجالها السَردي أكثر من دورانها في مجالها الحواري وكان السارد مهيمناًاختفت وراء صوته جميع الأصوات محاولاً جرَّ النص الروائي إلي هيمنتهمبتعداً عن التناوبية التي غالباً ما يكون الحوار نتيجة طبيعية لها. كماشاع في المبني الحكائي للرواية عَسْكَرَة اللغة التي اتخذت مجالين لها هما:
1- تكثيف المصطلحات والألفاظ العسكرية علي النحو الأتي :
((الرصد ـ الطائرات ـ القذائف ـ القصف ـ الإجازة ـ الجندي ـ الجيش الشعبي ـالقاطع الشمالي ـ الحرب ـ قاطع الإسود ـ الإيفا ـ الفوج......الخ ))
2-توظيف ألفاظ ذات طبيعة عسكرية في غير مجالها علي نحو قول السارد - عليسبيل المثال- في الجمل السردية الآتية: (( تري عين تتسلل إلي مجهول الآتي.عدم إرهاق ذهني بأسئلة متشظية / يرصد ماأقوم به من افعال / العطش الذي صارمداهماً / مناطق محظورة في العقل / ميدان حيويتي / الحياة تتسلل اليالبيوت )). نلاحظ أن الدوال ( التسلل، التشظي، الرصد، المداهمة، الحظر،الميدان ) عاملة في الحقل الدلالي للعسكرة. فضلاً عما تقدم كانت لغةالرَواية تدور خارج ما يسمي بـ + القطب السينمتيكي؛ الذي يتأسس عن طريقتكرار ثنائية الروح والجسد السياقية فنري أنها قد دارت حول الوضعالسوسيولوجي المرتبط بالإنسان روحاً لا هيولياً تاركة الجانب الأخر(الجسدي)
عدا تلك القصة المضمنة في الرواية التي تحدثت عن عشق الطالبالريفي زامل للطالبة البغدادية ( لمياء ) فالرواية عموماً اتسمت بـ(نزارية الوصف الحسي ؛ مما أدي إلي إشراك المتلقي ومنحه مساحة لتشكيلالشخصيات في ذهنه، ومن أجل إكمال مقاربتنا علينا أنْ نشير إلي الآتي:
1- لغة السّرد في الرواية كانت غالبة علي لغة الحوار مما وجّه المنجز نحو العرضية لا التداولية ـ كما اشرنا ـ.
2- كان للأثر الحكائي الشعبي حضور فاعل في الرَواية تمثّل في خلال:
التناصمع حكاية السَندباد وطيران السارد علي بساط أبيض + شعرت بتحرر غريب وأناأري سرباً من أسراب النّوارس تتوجه نحوي ثم تجمعت حولي وحملتني شعرت ببساطابيض من الأجنحة المتلاحمة تحتي ؛.
3- أسرار الرواية كانت تأتي منالماء دائماً حتي تلك التي لم تكن لها علاقة بالوهم الذي شغل ذهن السَاردعلي مستوي السرد وعلي مستوي الحل في معظم ثناياها يقول السارد:
+ فيإحدي المرات وأنا أقود بارتباك طفولي زورقاً صغيراً ترافقني شقيقتي التيتكبرني بعامين جلب انتباهي صوت من ماء الساقية ؛ ( 4- أما التبئير فيالرواية فلم يكن ذا سمة منهجية وكأنّ التشتت الذي ذكرناه قد عَـقَرَ هذهالمنطقة أيضاً فنري السَارد مرةً كلي المعرفة و جزئي المعرفة مرة أخري،فالحدث هو الذي يحكم طريقة التبئير لا العكس وأري في هذا التشتت قصديةواضحة من قبل الباث مصدرها سعيه للمخالفة وخرق المعتاد.
يقول السارد:
وقد لاحظت حيرة السّائق في أمري وهو يتأملني متسائلاً في قرارة نفسه عن جديتي في هذهِ الرَحلة ؛
(9)
إن ولوج السارد إلي ذهنية السَائق ونفسيته يدخل ضمن المُؤبِر الكلاني المعرفة وفي موضوع أخر من السرد يقول:
+رأيت إحداهن تتخلي عن عباءتها - وتكشف عن قطعة قماش - كفَنت فيها طفلاًعلي ما أظن؛ معلوم أنَ الظنَ لا يدخل في المعرفة الكليّة لذا فالسارد هناتخلَي عن دور المؤبر الكلاني المعرفة وهذا الانتقال بين المؤبرين نجدهمبثوثاً علي مستوي السرد في الرواية.
التبئير عموماً اتكأ علي تقنيةالمونولوج الداخلي أو ما يسميَ بـ (تيار الوعي الباطني) التي لاءمت وظيفةالاستذكار ساعدتها أيضاً تقنيتان سرديتان هما:
الحلم :
كنت أحلمأحلاماً كثيرة تتجسد مرادفاتها في اليوم الثاني أو اليوم الذي يليه- ماجعل الحلم في منا مي في ساعات الليل القليلة هو الذي يقرر منهجي لليومالتالي...؛(10)
التضمين القصصي:
ضًمَن السارد قصة + جان فالجان ؛المغامر الذي ذكره فيكتور هيجو في روايته (البؤساء) مضيفاً علي نفسهجلباباً غنوصياً حين طابق بين جان فلجان المغامر الذي رآه في الحلم يدخلهارباً احد البيوت ثم يلقي القبض عليه لأنه مطلوب للعدالة وعبود الشَقيالذي طاردته الشرطة واقعاً أمام مرأي السارد بيدهم، إنَّ تحويل الحلم إليحقيقة أضفي علي الرواية بعداً جمالياً ولا سيما تلك المطابقة بين شخصيةجان فلجان و( عبود الشقي).
ولا بٌدَ أن َنشير إلي أنَ المبني الحكائيلأيِّ قصً لا ينال حظوته السَردية إلا في خلال إعادة أنتاج متنه إنتاجاًمحققاً للتواصلية التي تعد أسَّ الشَعرية مع اشتغال المُحفز مجاوراً لتلكالإعادة والمخطط الأتي يوضح العَلاقة بين أعمدة التواصلية ومحفزاتها:
السارد، الرسالة __المتلقي
السارد ـــ القلق/ الرسالة ــــــ الهرب مِن المباشرة / المتلقي ـــــــ الكشف
فلقدكان القلق هو المحفز الرئيس للسارد مما أدّي إلي لجوئه إلي تشكيل ثيمةالعدم(11) التي تمثلت في المنقذ ذلك الرجل الوقور الذي يظهر للسارد بينالحين والآخر مؤطراً نفسه بـ + اللاأدرية ؛ إذ لم يعطِ علة واضحة لبروزهذا المنقذ الذي شغل ذهنه تاركاً النّهاية مفتوحة، لم تحل اللغز+ الوهم ؛الذي بدأت نفسها به، أمّا ما يتعلق بالمحفز العامل في النّص ( الرّسالة )أو المبني الحكائي فهو سعيها الجاد إلي الهرب من منطقة المباشرة الفجّةوالارتماء في حاضنة الغموض+ الفنتازيا ؛ التي يمكن تحديدها بالآتي:
(( ظهور الّشيخ المنقذ / طيران السارد علي بساط أبيض / التطابق المستمر بين الحلم والواقع / غنوصيته )).
أمّامحفز المتلقي فلا يمكن وضعه في تحديد صارم، لاختلاف دوافع القراءة عندالمتلقين عموماً، لكن نستطيع أن نقول: إن ( الكشف ) هو المحفز المشترك عندالمتلقين جميعاً.
أخيراً رواية + زائر الماء ؛ حاولت أنْ تخرج مِنْبوتقة المألوف من خلال تهشيم البناء السّردي ووفقت في ذلك علي الرغم مناعتمادها لغة المباشرة وهي منجز مهم يدخل ضمن سياق أدب الحرب، ومامقاربتنا هذه إلا مفاتيح لدراسة قد تكون أشمل؛ بغية تحليل الرواية تحليلاًينسجم مع أهميتها
الهوامش
1- رواية زائر الماء إصدار إتحاد الكتاب العرب في سورية ص (45).
2 - المصدر نفسه (48).
3- المصدر نفسه (72).
4- التشتت ثيمة غالبة في نسيج الرواية.
5- الرواية ص (7).
6- المصدر نفسه ص (20).
7- المصدر نفسه ص (13).
8- النص الروائي ص (99).
9- الرواية ص (16).
10- الرواية ص (48).
11ـ العدم: شيء لا وجود له إلا في مخيلة إنسان ما يظهره القلق، ويقال: هوصورة ذهنية لا يقابلها في الوجود الخارجي شيء، راجع المعجم الفلسفي: د.جميل صليبا: ص (65 ).
محمد ونّان جاسم
انَّكشف شبكة العلاقات الضبابية بين مرتكزات النص الأدبي هي المهمة الرئيسةالتي يضطلع بها الناقد، لذا لا تتجلي قدرته النَقدية إلا حين تكون مساحةاشتغاله متسمة بالغموض؛ كي يسعي لفكَ مغلقاتها، ومِن هذهِ الحقيقةالنَقدية حاول بعض النّقاد أن يسموا النًصوص الأدبية المفتوحة بأحكامتتواءم مع ذائقتهم الأدبية أو أيدلوجيتهم لا مع كينونة النَص، فنفوا تبعاًلذلك الإبداع؛ لتمحورها في الحيًز المفاهيميِّ المباشر.
بغية الابتعادعن نقد انطباعي فجٍّ يحكمه تصَورٌ مسبق عن الباث أو المضمون حاولنا في هذهالمقاربة أن نقرأ رواية + زائر الماء ؛ لمؤلفها منذر عبد الحر قراءةً نصيةساعين إلي تحديد السياقات السردية الفاعلة في الرواية. رواية ( زائر الماء) تطرح إشكالية سوسيولوجية بوساطة تقنية الاستذكار تتعلق بجوانبٍ من أحداثالحرب ( العراقية / الإيرانية ) من دون ولوج حيثيات تلك الحرب مساندةً أورفضاً واختفي المؤلف الواقعي اختفاءً اندماجياً تاماً وراء السارد (المؤلف الورقي) تلك الإشكالية غَفُلت بشكل واضح أسباب الحرب وما آلت إليه.بجوار ذلك اختفت صورة المجتمع الكلية فكان فضاؤها الحقيقي فردانياًمستنداً في إبراز صورته علي السارد ( الشخصية الرئيسة في الرواية ) الذيكان صورة لذلك العراقي المشتت بين أتون الحرب ومصاعب الحياة من جهة وحبَهـ بصفته إنساناً ـ للحياة والاستمرار وشغفه للرَاحة والتمتع بها، هذاالتشتت ظهر بشكل جليٍّ في ذهنيته + أعني السارد ؛ الذي يبدو للوهلة الأوليمتناقضاً لكن حقيقة أمره التآلف لا الاختلاف، لأنه نتاج طبيعي لمحفزينرئيسين أثارا في نفسيته رغبتين:
أ-رغبة البطولة الشخصانية المدافعة عن حقّ ما - علي وفق اعتقاده - التي إحدي نتائجها الطبيعية الموت.
ب- رغبة الحياة ( أقصد رغبة السارد ) في الرَكون إلي الدَعة والتَنعم وهي تتناقض كلياً مع الرغبة الأولي.
يقولالسارد + تطوعت مع زملائي في فرق الدَفاع المدني....شعرت بالرَجولة الحقَةوحجم المسؤولية التي يجب أن أتحلي بتحملها ؛(1) وهي تمثل رغبة في البطولة.
- حدثتها عن اشتياقي للنساء والمدن وأمنيات السَير بكامل قاماتنا ؛(2) وهي تمثل رغبة في الحياة.
-حين سُلمت كتاب تسريحي من خدمة عسكرية امتدت لأكثر من ثماني سنوات منالصبر والمعاناة والبطولة أيضا... جمعت حاجياتي العزيزة وودّعت الأصدقاءفرحاً؛(3) وهي تمثل رغبة البطولة و رغبة الحياة.
نلاحظ بعد قراءة المقاطع السردية التواشج الرَغائبي بين رغبتين متناقضتين ناتجتين في ذات مشتتة.
والروايةأيضاً خلت من العناوين الفرعية وبنت نفسها علي أثني عشر جزءاً تكون كل جزءمن مستهل سردي علي لسان سارد واحد في الأجزاء جميعها وعقدت عقدتها منالسطور الأولي من الرواية:
صارت ملامحه مألوفة وانتظمت زياراته لي...... أخذ حديثه يطول دون أن أجد مفتاحاً للغز صمتي أمامه ؛(4)
- في كل مكان أذهب إليه..... يراقبني ويرصد ما أقوم به من أفعال ؛( 5)
-كيف أتعامل مع سر يتجسد لي بكامل قامته كل ستة اشهر؛( 6)
منالمقاطع التي قرأناها يتضح سعي السارد إلي جر المتلقي والنص إلي منطقةاللغز( العقدة ) مخلخلاً عن طريق هذا التبنين السردي النسيج الروائيالمألوف المبني عادة علي مبدأ التَصاعدية في الحدث وصولاً إلي العقدة ثمالحل.... فأدخل المتلقي في دوامة الحلحلة وصار أسيراً لها إلي أن انتهتالرواية مِن دون أن تضع حلاً، أمَا لغة الرواية فكانت لغة إخبارية وهذاالأمر ليس مِن شأن الشعرية، بل من شأن البلاغة التداولية علي وفق رأيبيرنار فاليط.( 7)
وإخبارية الرواية كستها بعداً تاريخياً مجزءاً فيذاكرة حاولت أن تمسك بعض المواقف والأحداث لتعيد صياغتها ورقياً وانزويالبعد القصصي ببزوغ ذلك البعد التاريخي علي الرغم من تقارب وظيفتي التاريخوالقصة واتكائهما علي المبدأ المفاهيمي المتعلق بالإيصال، وقد دارت اللغةفي مجالها السَردي أكثر من دورانها في مجالها الحواري وكان السارد مهيمناًاختفت وراء صوته جميع الأصوات محاولاً جرَّ النص الروائي إلي هيمنتهمبتعداً عن التناوبية التي غالباً ما يكون الحوار نتيجة طبيعية لها. كماشاع في المبني الحكائي للرواية عَسْكَرَة اللغة التي اتخذت مجالين لها هما:
1- تكثيف المصطلحات والألفاظ العسكرية علي النحو الأتي :
((الرصد ـ الطائرات ـ القذائف ـ القصف ـ الإجازة ـ الجندي ـ الجيش الشعبي ـالقاطع الشمالي ـ الحرب ـ قاطع الإسود ـ الإيفا ـ الفوج......الخ ))
2-توظيف ألفاظ ذات طبيعة عسكرية في غير مجالها علي نحو قول السارد - عليسبيل المثال- في الجمل السردية الآتية: (( تري عين تتسلل إلي مجهول الآتي.عدم إرهاق ذهني بأسئلة متشظية / يرصد ماأقوم به من افعال / العطش الذي صارمداهماً / مناطق محظورة في العقل / ميدان حيويتي / الحياة تتسلل اليالبيوت )). نلاحظ أن الدوال ( التسلل، التشظي، الرصد، المداهمة، الحظر،الميدان ) عاملة في الحقل الدلالي للعسكرة. فضلاً عما تقدم كانت لغةالرَواية تدور خارج ما يسمي بـ + القطب السينمتيكي؛ الذي يتأسس عن طريقتكرار ثنائية الروح والجسد السياقية فنري أنها قد دارت حول الوضعالسوسيولوجي المرتبط بالإنسان روحاً لا هيولياً تاركة الجانب الأخر(الجسدي)
عدا تلك القصة المضمنة في الرواية التي تحدثت عن عشق الطالبالريفي زامل للطالبة البغدادية ( لمياء ) فالرواية عموماً اتسمت بـ(نزارية الوصف الحسي ؛ مما أدي إلي إشراك المتلقي ومنحه مساحة لتشكيلالشخصيات في ذهنه، ومن أجل إكمال مقاربتنا علينا أنْ نشير إلي الآتي:
1- لغة السّرد في الرواية كانت غالبة علي لغة الحوار مما وجّه المنجز نحو العرضية لا التداولية ـ كما اشرنا ـ.
2- كان للأثر الحكائي الشعبي حضور فاعل في الرَواية تمثّل في خلال:
التناصمع حكاية السَندباد وطيران السارد علي بساط أبيض + شعرت بتحرر غريب وأناأري سرباً من أسراب النّوارس تتوجه نحوي ثم تجمعت حولي وحملتني شعرت ببساطابيض من الأجنحة المتلاحمة تحتي ؛.
3- أسرار الرواية كانت تأتي منالماء دائماً حتي تلك التي لم تكن لها علاقة بالوهم الذي شغل ذهن السَاردعلي مستوي السرد وعلي مستوي الحل في معظم ثناياها يقول السارد:
+ فيإحدي المرات وأنا أقود بارتباك طفولي زورقاً صغيراً ترافقني شقيقتي التيتكبرني بعامين جلب انتباهي صوت من ماء الساقية ؛ ( 4- أما التبئير فيالرواية فلم يكن ذا سمة منهجية وكأنّ التشتت الذي ذكرناه قد عَـقَرَ هذهالمنطقة أيضاً فنري السَارد مرةً كلي المعرفة و جزئي المعرفة مرة أخري،فالحدث هو الذي يحكم طريقة التبئير لا العكس وأري في هذا التشتت قصديةواضحة من قبل الباث مصدرها سعيه للمخالفة وخرق المعتاد.
يقول السارد:
وقد لاحظت حيرة السّائق في أمري وهو يتأملني متسائلاً في قرارة نفسه عن جديتي في هذهِ الرَحلة ؛
(9)
إن ولوج السارد إلي ذهنية السَائق ونفسيته يدخل ضمن المُؤبِر الكلاني المعرفة وفي موضوع أخر من السرد يقول:
+رأيت إحداهن تتخلي عن عباءتها - وتكشف عن قطعة قماش - كفَنت فيها طفلاًعلي ما أظن؛ معلوم أنَ الظنَ لا يدخل في المعرفة الكليّة لذا فالسارد هناتخلَي عن دور المؤبر الكلاني المعرفة وهذا الانتقال بين المؤبرين نجدهمبثوثاً علي مستوي السرد في الرواية.
التبئير عموماً اتكأ علي تقنيةالمونولوج الداخلي أو ما يسميَ بـ (تيار الوعي الباطني) التي لاءمت وظيفةالاستذكار ساعدتها أيضاً تقنيتان سرديتان هما:
الحلم :
كنت أحلمأحلاماً كثيرة تتجسد مرادفاتها في اليوم الثاني أو اليوم الذي يليه- ماجعل الحلم في منا مي في ساعات الليل القليلة هو الذي يقرر منهجي لليومالتالي...؛(10)
التضمين القصصي:
ضًمَن السارد قصة + جان فالجان ؛المغامر الذي ذكره فيكتور هيجو في روايته (البؤساء) مضيفاً علي نفسهجلباباً غنوصياً حين طابق بين جان فلجان المغامر الذي رآه في الحلم يدخلهارباً احد البيوت ثم يلقي القبض عليه لأنه مطلوب للعدالة وعبود الشَقيالذي طاردته الشرطة واقعاً أمام مرأي السارد بيدهم، إنَّ تحويل الحلم إليحقيقة أضفي علي الرواية بعداً جمالياً ولا سيما تلك المطابقة بين شخصيةجان فلجان و( عبود الشقي).
ولا بٌدَ أن َنشير إلي أنَ المبني الحكائيلأيِّ قصً لا ينال حظوته السَردية إلا في خلال إعادة أنتاج متنه إنتاجاًمحققاً للتواصلية التي تعد أسَّ الشَعرية مع اشتغال المُحفز مجاوراً لتلكالإعادة والمخطط الأتي يوضح العَلاقة بين أعمدة التواصلية ومحفزاتها:
السارد، الرسالة __المتلقي
السارد ـــ القلق/ الرسالة ــــــ الهرب مِن المباشرة / المتلقي ـــــــ الكشف
فلقدكان القلق هو المحفز الرئيس للسارد مما أدّي إلي لجوئه إلي تشكيل ثيمةالعدم(11) التي تمثلت في المنقذ ذلك الرجل الوقور الذي يظهر للسارد بينالحين والآخر مؤطراً نفسه بـ + اللاأدرية ؛ إذ لم يعطِ علة واضحة لبروزهذا المنقذ الذي شغل ذهنه تاركاً النّهاية مفتوحة، لم تحل اللغز+ الوهم ؛الذي بدأت نفسها به، أمّا ما يتعلق بالمحفز العامل في النّص ( الرّسالة )أو المبني الحكائي فهو سعيها الجاد إلي الهرب من منطقة المباشرة الفجّةوالارتماء في حاضنة الغموض+ الفنتازيا ؛ التي يمكن تحديدها بالآتي:
(( ظهور الّشيخ المنقذ / طيران السارد علي بساط أبيض / التطابق المستمر بين الحلم والواقع / غنوصيته )).
أمّامحفز المتلقي فلا يمكن وضعه في تحديد صارم، لاختلاف دوافع القراءة عندالمتلقين عموماً، لكن نستطيع أن نقول: إن ( الكشف ) هو المحفز المشترك عندالمتلقين جميعاً.
أخيراً رواية + زائر الماء ؛ حاولت أنْ تخرج مِنْبوتقة المألوف من خلال تهشيم البناء السّردي ووفقت في ذلك علي الرغم مناعتمادها لغة المباشرة وهي منجز مهم يدخل ضمن سياق أدب الحرب، ومامقاربتنا هذه إلا مفاتيح لدراسة قد تكون أشمل؛ بغية تحليل الرواية تحليلاًينسجم مع أهميتها
الهوامش
1- رواية زائر الماء إصدار إتحاد الكتاب العرب في سورية ص (45).
2 - المصدر نفسه (48).
3- المصدر نفسه (72).
4- التشتت ثيمة غالبة في نسيج الرواية.
5- الرواية ص (7).
6- المصدر نفسه ص (20).
7- المصدر نفسه ص (13).
8- النص الروائي ص (99).
9- الرواية ص (16).
10- الرواية ص (48).
11ـ العدم: شيء لا وجود له إلا في مخيلة إنسان ما يظهره القلق، ويقال: هوصورة ذهنية لا يقابلها في الوجود الخارجي شيء، راجع المعجم الفلسفي: د.جميل صليبا: ص (65 ).
محمد ونّان جاسم