التناص الأدبي؛ ومفهومه في النقد العربي الحديث
٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١بقلم حسي ميرزائي
حسين ميرزائی، خريج جامعة آزاد الإسلامية في کرج.
بإشراف الدکتور سيد إبراهيم آرمن، عضو هيئة التدريس بجامعة آزاد الإسلامية في کرج.
النص لغة
حينما نطالع المعاجم العربية نجد معاني متعددة للنص وهي في مجملها تفيد
الرفع والحرکة والإظهار حيث جاء في اللسان: «النص: رفعک الشئ، نص الحديث
ينصه نصاً: رفعه، نص الحديث ينصه نصاً: رفعه ونص المتاع: جعله بعضه علي
بعض.» [1]
ويذکر القاموس المحيط: «نص الشيء: حرّکه ونص العروس: أقعدها علي المنصة.» [2]
أما تاج العروس فنقرأ فيه: «نصّ الشيء أظهره وکل ما ظهر فقد نصّ.» [3]
ويورد المعجم الوسيط بعض الدلالات المولدة للنص«فالنص صيغة الکلام
الأصلية التي وردت من مؤلفها والنص ما لايحتمل إلا معني واحداً أو لايحتمل
التأويل، والنص من الشي ء منتهاه ومبلغ أقصاه.»
ويشتقّ النص «text» في اللغات الأجنبية من الاستخدام الاستعاري في
اللاتينية للفعل «texture» الذي يعني "يحرک" «weare». أو ينسج ويوحي بسلسلة
من الجمل والملفوظات المنسوجية بنيوياً ودلالياً.
ويتضح مما ورد في المعاجم القديمة والحديثة أن الدلالة الحديثة للنص لم
تکن غائباً کلياً في المعجم العربي وهي تلتقي أيضاً مع دلالته اللاتينية
التي تشير إلي معني بلوغ الغاية والاکتمال في الصنع وهذا المعني لابد أن
ينتقل الي النص الأدبي الذي يمتاز عن النص العادي.
النص اصطلاحاً
هناک تعريفات عديدة لمصطلح النص تعکس توجيهات أصحابها فلقد عرفه "بول
ريکور": «لنطلق کلمة نص علي کل خطاب ثم تثبيته بواسطة الکتابة.» [4]
أما "جوليا کريستيفا" فلقد عرفت النص تعريفاً جامعاً إذ قالت «نعرف النص
بأنه جهاز نقل لساني يعيد توزيع نظام اللغة واضحاً الحديث التواصلي؛ نقصد
المعلومات المباشرة في علاقة مع ملفوظات مختلفة سابقة أو متزامنة.»
ويورد "محمد مفتاح" تعريفات عديدة للنص حسب توجهات معرفية ومنهاجية مختلفة،
فهناک التعريف البنيوي وتعريف اجتماعيات الأدب والتعريف النفساني الدلالي
إتجاه الخطاب ليخلص إلي تعريف واحد في النهاية، أما هذه التعريفات فهي:
مدونة کلامية يعني إنه مؤ لف من کلام.
حدث: إن کل نص هو حدث يقع في زمان ومکان معينين.
تواصلي: يهدف إلي توصيل معلومات ومعارف ونقل تجارب الي المتلقي.
تفاعلي: أي إقامة علاقات اجتماعية بين أفراد المجتمع.
مغلق: أي انغلاق سمته الکتابية الأيقونه التي لها بداية ونهاية.
توالدي: إن الحدث اللغوي ليس منبثقاً من عدم وإنما هو متولد من أحداث تاريخية ونفسية ولغوية وتتناسل منه أحداث لغوية أخري لاحقه له.
فالنص إذن مدونة حدث کلامي ذي وظائف متعددة.
التناص لغة
بعد انطلاق من المحاولات بتعريف مفهوم النص وبعد تناول النقاد للنص
بمفهومه الجديد کان لابد أن يظهر مفهوم جديد يتصل بالنص وهو "التناص" .
ترد کلمة التناص فط لسان العرب بمعني الاتصال «يقال هذه الفلاة تناص أرض کذا وتواصيها أي يتصل بها.» [5]
وتفيد الانقباض والإزدحام کمکا يورد صاحب تاج العروس «انتص الرجل: انقبض
وتناصي القوم :ازدحموا.»
وهذا المعني الأخير يقترب من المفهوم التناص بصيغته الحديثة فتداخل النصوص
قريب جداً من ازدحامها في نص ما في الواقع في هذا المفهوم نلاحظ إحتواء
مادة "التناص" علي "المفاعلة" بين الطرف وأطراف آخر تقابله يتقاطع معها
ويتمايز أؤ تتمايز هي في بعض الأحيان.
التناص اصطلاحا
إن التناص في النقد العربي الحديث هو ترجمة لمصطلح الفرنسي «intertext»
حيث تعني کلمة «inter»
في الفرنسية: التبادل، بينما کلمة «text»: النص وأصلها مشتق من الفعل
اللاتيني «textere» وهو متعد ويعني "نسج" وبذلک يصبح معني «intertext»
التبادل الفني وقد ترجم الي العربية: بالتناص الديني يعني: تعالق النصوص
بعضها ببعض.
وصيغته التناصيص مصدر الفعل علي زنة "تفاعيل" تأتي علي اثنين أو أکثر
وهو تداخل النصوص ببعضها عند الکاتب طلباً لتقوية الأثر.
کما يرد مصطلح «intertextuel» وقد ترجم الي التناصي أو المتناص وهو مايفيد
العملية الوصفية في التناص ومصطلح «intertextualite» وقد ترجمه النقاد
العرب «التناصية أو النصوصية» وهذه الترجمة جاءت علي غرار ترجمة مصطلح
«structuralisme» بالبنائية أو البنيوية.
ويورد سعيد علوش في کتابه: «معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة بعض التعريفات لمصطلح التناص بدء من جوليا
کريستيفا وإنتها برولان بارت.» [6]
1. يعتبر التناص عند "کريستيفا" أحد مميزات النص الأساسية التي تحيل علي نصوص أخري سابقة عنها معاصرة لها.
2. يري "سوليرس" التناص فط کل نص يتموضع في ملتقي نصوص کثيرة بحيث يعتبر قراءة جديدة تشديداً وتکثيفاً.
3. ويظهر "التناص" مع التحليلات التحويلية عند "کريستيفا " في النص الروائي.
4. ويري "فوکو" بأنه لا وجود لتعبير لايفترض تعبيراً آخر ولا وجود لما
يتولد من ذاته بل من تواجد أحداث متسلسلة ومتتابعة ومن توزيع وظائف
الادوار.
5. التناص عملية وراثية للنصوص والنص المتناص يکاد يحمل بعض صفات الأصول
"ولقد عاني مصطلح التناص فط النقد العربي الحديث من تعدديه فط الصياغة
والتشکيل فقد ظهر هذا المصطلح في حقل النقل العربي الحديث بعد صياغات
وترجمات عدة منها:
التناص أو التناصية
النصوصية
تداخل النصوص أو النصوص المتداخلة
النص الغائب
النصوص المهاجرة
تضافر النصوص
النصوص الحالة والمزاحة
تفاعل النصوص
التداخل النصي
التعدي النصي
عبر النصصية
البينصوصية وهو وجود نص في نص آخر
التنصيص
«کما وشهد التناص خلطاض وتداخلاً واسعين بينه وبين بعض المفاهيم الأخري،
مثل "الأدب المقارن" و"المثاقفة" و"الدراسات المصادر" و"السرقات الأدبية"
نتيجة لاقتراب بين هذا المفهوم وتلک المفاهيم فيما يخص الاتجاه العام بينها
في التواصل والتأثير إلا أن مفهوم التناص يختلف عن هذه المفاهيم علي صعيد
المعالجة النقدية لما يمتلکه من آليات نقدية حديثة وأنظمة إشارية ومستويات
مختلفة تجعله بعيداً في الفعل الإجرائي عن تلک المفاهيم ومنفرداً فط
العملية التحليلية والترکبية إثناء إجراء التطبيق.» [7]
خلاصة القول: إن النص محکوم حتما بالتناص «أي بالتداخل مع نصوص أخري» أو
کما يقول محمد مفتاح: «فسيفساء من نصوص أخري أدمجت فيه بتقنيات مختلفة.»
وتوالد عن نصوص أخري «أي إن المرجعية الوحيدة للنص هي النصوص» وهو حين
ينبثق أو يتداخل أو يتعالق مع نصوص أخري فإن هذا لايعني الإعتماد عليها أو
محاکاتها بل إن التناص يتجسد من خلال صراع النص مع نصوص أخري ولا يتداخل مع
نصوص قديمة فقط، بل قد يتم ذلک من خلال نص يتضمن ما يجعله قادراً علي
التداخل أو التناص مع نصوص آنية أي مع نصوص مستقبلية.
ويمکن توضيح بذلک بالقول بأن اليوم الأول من حياتنا هو اليوم الأول في الإتجاه الي الموت في آنٍ واحدٍ.
وهذا ما يفسر مقولة "جاک دريدا" في البدء.کان الإختلاف وبهذا المعني فإن
التناص لايرادف –بحال- فکرة السرقات الأدبية وهو لايأخذ من نصوص سابقة بل
يأخذ ويعطي في آنٍ واحدٍ وبالتالي فإن النص الآتي قد يمنح النصوص القديمة
تفسيرات جديدة ويظهرها بحلة جديدة کانت خافية أؤ لم يکن من الممکن رؤيتها
لو لا التناص.
التناص في النقد الغربي الحديث
کما جاء في الصفحات السابقة وفي تعريفات للتناص إن جذورة الأولي لهذا
المفهوم کان في الغرب ومن أبرز النقاد الذين تحدثوا عنه ونظروا له ابتداءً
من "جوليا کريستيفا" وإنتهاء "بجيرار جينيت"، الجذر الأساس لمصطلح التناص
الذي قام حديثاً مع "الشکلين الروس إنطلاقاً من شکلوفسکي الذي فتق الفکرة
إذ يقول: إن العمل الفني يدرک من خلال علاقته بالأعمال الفنية الأخري
والإستشهاد الي الترابطات التي تقيمها فيما بينها ولکن الباختين کان أول
من صاغ نظرية بأتمّ معني لکلمة في تعدد القيم النصية المتداخلة".
أما "باختين" فلم يستعمل کلمة "التناص" بل هو استعمل کلمة التداخل مثل
"التداخل السيميائي"، "التداخل اللفظي" فالکاتب من وجهة نظر "ميخائيل
باختين" يتطور في عالم مليء بکلمات الآخرين فيبحث في خضمها عن طريقة
لايلتقي فکرة إلا بالکلمات تسکنها أصوات أخري.
ولهذا فکل خطاب يتکون أساسياً من خطابات أخري سابقة ويتقاطع معها بصورة
ظاهرة أو خفية فلا وجود لخطاب خال من آخر ويؤ کد باختين هذه الحقيقة ويطرح
نظرية الحوارية.» [8]
«ولهذا النظرية الحوارية "الصوت المتعدد" هي النظرية التي أسسها باختين
تُعد مقدمة أساسية وجذرية لمفهوم التناص الذي تبلور علي يد الباحثة "جوليا
کريستيفا" في أبحاث لها عدة کتبت بين "1996-1967" وصدرت في مجلتي "تيل کيل"
و"کرتيک" وأعيد نشرها في کتابيها "سيموتيک" و"نص الرواية".
ثم نفت کريستيفا وجود نص خال من مدخلات نصوص أخري وقالت عن ذلک: «إن کل
نص هو عبارة عن "لوحة فسيفسائية" من الاقتباسات وکل نص هو تشّرب وتحويل
لنصوص أخري.»فالتناص عند کريستيفا أحد مميزات النص الأساسية التي تحيل علي
نصوص أخري سابقة عنها أو معاصرة لها.
أما التناص في رؤية "بارت" بمثابة البؤرة التي تستقطب إشعاعات النصوص
الأخري ووتتحد مع هذه البؤرة لتؤسس النص الجديد "المتناص" ومن ثم يخضعان في
الآن نفسه إلي قوانين "التشکل" أو البناء وقوانين "التفکک" أي الإحالة إلي
مرجعية أو إلي نصوص أخري.
التناص في النقد العربي الحديث
يعد مفهوم التناص من المفهومات الحديثة في الکتابات النقدية العربية قد
لاتعود إلي أکثر من عقد من الزمان مضي إذ ظهر اعتماداً علي أطروحات النقاد
الغربيين الذين تناولناهم في الصفحات السابقة في بعض الإضافات التي وضعها
النقاد العرب.
جاء الاستخدام النقدي لنظرية التناص في النقد العربي الحديث متأخرا ما
يقارب ربع قرن على ظهوره في النقد الغربي، وكان من الطبيعي أن يحمل انتقاله
إلى الممارسة النقدية العربية الإشكاليات التي كان يعاني منها علی المستوی
النظري والمفهومي علی وجه الخصوص. كما كان من الطبيعي أن يقابل هذا
المفهوم، كغيره من المفاهيم النقدية بتباين واضح في الموقف منه كما كان
الحال في الثقافة التي ظهر فيها هذا المفهوم. ونظرا لكون الدراسة هنا
تتناول استخداماته في الممارسة النقدية، وحمولته الدلالية المعبرة عن
استيعاب هؤلاء النقاد للمفهوم، فإننا لن نتعرض لتلك المواقف والذرائع التي
استندت إليها في تحديد موقفها من ذلك سلبا أو إيجابا، وسنكتفي بعرض
المصطلحات التي استخدمت في ترجمته، مع الإشارة في البداية إلى أن هذا
المفهوم، لم يكن بعيدا عن الاستخدام النقدي في النقد العربي القديم، «فقد
ذكره عبد القاهر الجرجاني واشترط للتمييز بينه، وبين الانتحال والسرقة
والنسخ، تحقيق الإضافة والتجديد فـ(متى أجهد أحدنا نفسه، وأعمل فكره وأتعب
خاطره وذهنه في تحصيل معنى، يظنه غريبا مبتدعا ونظم بيتا، يحسبه فردا
مخترعا، ثم يتصفح الدواوين لم يخطئه أن يجده بعينه، أو يجد له مثالا يغض من
حسنه، ولهذا السبب أحضر على نفسي، ولا أرى لغيري بثَّ الحكم على شاعر
بالسرقة.» [9]
«ويطرح الدكتور صبري حافظ العديد من القضايا التي تطرحها "علاقة النصوص
بعضها بالبعض الآخر من جهة، وعلاقتها بالعالم وبالمؤلف الذي يكتبها من جهة
أخرى، كما يطرح موضوع العناصر الداخلة في عملية تلقيننا لأي نص وفهمنا له،
وهو موضوع يشير بالتالي إلى أغلوطة استقلالية النص الأدبي التي تتبناها بعض
المدارس النقدية، والتي انطوت بدورها على تصور إمكانية أن يصبح النص عالما
متكاملا في ذاته، مغلقا عليها في الوقت نفسه وهي إمكانية معدومة إذا ما
أدخلنا المجال التناصي في الاعتبار، وإذا ما اعتبرناه مجالا حواريا في
الوقت نفسه".» [10]
إن هذا الطرح يجعل مفهوم النص يتجاوز علاقات التناص التي تتشكل على
أساسها النصوص الجديدة، بغض النظر عن درجات وأشكال هذا التناص إلى دور
الواقع الخارجي، أو العلاقة بين العالم والمؤلف الذي يكتب النص في إطار
الرؤية التي يقدمها العمل الأدبي إلى الذات واللغة والعالم في هذا النص،
وهو هنا يحاول الرد على أصحاب النظرية البنيوية التي تعتبر النص بنية مغلقة
على ذاتها، ومكتفية بذاته. ويشمل التناص عند الدكتور حافظ كل الممارسات
«المتراكمة وغير المعروفة والأنظمة الإشارية والشفرات الأدبية والمواصفات
التي فقدت أصولها وغير ذلك من العناصر التي تساهم في إرهاف حدة العملية
الإشارية التي لا تجعل قراءة النص ممكنة، ولكنها تؤدي إلى بلورة أفقه
الدلالي والرمزي أيضا.»
وينطلق الدكتور شكري عزيز ماضي في كتابه (من إشكاليات النقد العربي
الجديد) في دراسته للتناص، من مفهوم النص الذي تؤكد الدراسات علی أنه يفتقد
لوجود مركز للبنية التي لا تعرف الانغلاق.
«إن النص في ضوء مفهوم التناص بلا حدود فهو ديناميكي متجدد، متغير، من
خلال تشابكاته مع النصوص الأخرى، وتوالده من خلالها ثم يعرِّف النص بأنه
النص الذي لا يأخذ من نصوص سابقة عليه أو متزامنة معه، بل هو يمنح النصوص
القديمة تفسيرات جديدة، أو يقدمها بشكل جديد. ويحدد آليات التناص بآلية
الاستدعاء والتحويل ما يتطلب النظر إلى اللغة، باعتبارها لغة إنتاجية
منفتحة علی مرجعيات مختلفة، وليس كلغة تواصل.» ثم يشير إلى وظيفة أخری للنص
الذي لا يكتفي بالأخذ من نصوص سابقة عليه، وهي منح النصوص القديمة تفسيرات
جديدة، وهذا يذكّرنا بمفهوم الإنتاجية الذي تشترط كريستيفا تحققه في النص
الجديد. من جهته يؤكد الدكتور أحمد الزعبي في كتابه (التناص نظريا
وتطبيقيا) «أن موضوع التناص ليس جديدا تماما في الدراسات النقدية المعاصرة،
وأن جذوره تعود في الدراسات الشرقية والغربية إلى تسميات ومصطلحات أخری،
كالاقتباس والتضمين والاستشهاد والقرينة والتشبيه والمجاز والمعنى وما شابه
ذلك في النقد العربي القديم، فهي مصطلحات أو مسائل تدخل ضمن مفهوم التناص
في صورته الحديثة، لكنه يؤشر إلى مسألة هامة تتمثل في التفاوت الحاصل في
رسم حدود المصطلح وتحديد موضوعاته. ولعل هذه الإشكالية المنهجية تتجاوز
مفهوم التناص إلى غيره من النظريات النقدية الحداثية وما بعد الحداثية نظرا
لتعدد الاتجاهات والتيارات النقدية التي تنشأ داخل كل نظرية من تلك
النظريات.» [11]
والحقيقة أن هناك العديد النقاد العرب المعاصرين الذين تناولوا التناص
بالدراسة نظريا وتطبيقيا. ويعتبر الناقد الدكتور محمد مفتاح أكثرهم عملا
على تطوير وإغناء هذا المفهوم . فقد حاول "محمد مفتاح" في کتابه "تحليل
الخطاب الشعري إستراتيجية التناص" أن يعرض مفهوم التناص إعتماداً علي
طروحات "کريستيفا وبارت" وفي تعريفه للتناص عرض تعريفات هؤلاء النقاد
وغيرهم ثم خلص إلي تعريف جامع للتناص "هو تعالق «الدخول في علاقة» مع نص
حدث بکيفيات مختلفة. [12]
أيضا هو في کتابه الآخر "دينامية النص" يعود ليعطي التناص تسمية جديدة
هي "الحوارية" ويحاول أن يستخدم هذا المفهوم في إطار منهج يستمدّ في
البايولوجيا أغلب مصطلحاته ومفاهيمه.في كتابه الآخر "المفاهيم معالم" الذي
حدَّد فيه ست درجات للتناص، مخالفا بذلك كريستيفا وجيني اللذين قدما ثلاث
درجات له، وذلك بعد أن عرَّف التناص: «باعتباره نصوصا جديدة تنفي مضامين
النصوص السابقة، وتؤسس مضامين جديدة خاصة بها يستخلصها مؤول بقراءة إبداعية
مستكشفة وغير قائمة على استقراء أو استنباط.» [13] والدرجات الست التي يحددها هي:
1. التطابق: ويتحقق في النصوص المستنسخة.
2. التفاعل: فأي نص هو نتيجة تفاعل مع نصوص أخرى، تنتمي إلى آفاق
ثقافية مختلفة، تكون درجات وجودها بحسب نوع النص المنقول إليه، وأهداف
الكاتب ومقاصده.
3. التداخل: ويقصد به تداخل النصوص المتعددة، بعضها في بعض في فضاء نصي
عام. وهذا التداخل أو الدخول أو المداخلة، لم يحقق الامتزاج أو التفاعل
بينها، وهي تظل دخيلة تحتل حيزا من النص المركزي، وإن شبيها إلى نفسه وهذا
التشارك يوجد صلات معينة بينها.
4. التحاذي: وهو المجاورة أو الموازاة في فضاء مع محافظة كل نص على هويته
وبنيته ووظيفته.
5. التباعد: وهو التحاذي الشكلي والمعنوي والفضائي، وقد يتحول إلى تباعد شكلي ومعنوي وفضائي.
6. التقاصي: ويقوم على التقابل بين النصوص الدينية والنصوص الفاجرة السخيفة على سبيل المثال. [14]
أما الناقد "عبد الله الغذامي" فقد حاول في کتابه "الخطيئة والتفکير" أن
يربط التناص ببعض المفاهيم والطروحات النقدية الموروثة ولاسيما نظريات
الناقد عبد القاهر الجرجاني في البلاغة النقدية وخاصة فيما يتعلق بمفهوم
"الأخذ" وشدة اقترابه من مفهوم التناص الحديث إذ رفض الجرجاني إستعمال
"السرقة" کما شاعت قبله وبعده ويترجم الغذامي التناص ترجمات عدة. فهو يطلق
تارة تداخل النصوص المتداخلة ويطلق عليه تارة ثالثة النصوصية وقد اعتمد في
طروحاته علي آراء "کريستيفا وبارت وريفاتير ولوران جيني".
«أما الناقد محمد بنيس فقد اجترح مصطلحاً جديداً التناص أسماه ب"النص
الغائب" علي اعتبار أن هناک نصوصا غائبة ومتعددة وغامضة في أي نص جديد وقد
طرح هذا المصطلح کتابيه "سؤال الحداثة" و"ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب"
وقد اعتمد أيضاً علي طروحات "کريستيفا وبارت وتودوروف" والتناص عنده يحدث
من خلال قوانين ثلاثة وهي:
الاجترار، الامتصاص والحوار ويضع بنيس النص المتناص مرجعيات عدة منها: الثقافية والدينية والأسطورية والتاريخية والکلام اليومي.»
[15]
ويتابع "إبراهيم رماني" محمد بنيس في تسميته "النص الغائب" ويعرفه بأنه
مجموعة من النصوص المستترة التي يحتويها النص الشعري في بنيته وتعمل بشکل
باطني عضوي علي تحقق النص وتشکل دلالته.ونجد عند صبري حافظ أن العمل الشعري
يتفاعل تناصياً مع کل معطيات الميراث النصي والخبرات التناصية في الواقع
الذي يصدر عنه ويتفاعل معه. [16]
«والتناص عند "توفيق الزيدي" هو تضمين نص في نص آخر وهو في أبسط تعريف له
تفاعل خلاق بين النص المستحضِر والنص المستحضَر، فالنص ليس إلا توالداً
النصوص سبقته ويجترح سعيد يقطين تسميات عدة يشتقها من النص والتناص مثل
التفاعل النصي، التناص التداخلي والخارجي ويحدد نوعين من التناص: "عام
وخاص".
التناص العام: علاقة نص الکاتب بنصوص غيره من الکتاب. والتناص الخاص:
علاقة نصوص الکاتب بعضها ببعض.وأيضاً يحدد شکلين للتفاعل النصي وهما:
التفاعل النصي الخاص: بدو حين يقيم نص ما علاقة مع نص آخر محدد وتبرز هذه
العلاقة بينها علي صعيد الجنس والنوع والنمط معاً. التفاعل النصي العام:
يبرز فيما يقيمه نص ما من علاقات مع نصوص عديدة مع ما بينها من إختلاف علي
صعيد الجنس والنوع والنمط.» [17]
ملاحظة:
Hosain Mirzaie (M.A)
Department of Arabic Literature’ Karaj Branch’ Islamic Azad University’ Karaj’ Iran.
Seyed Ebrahim Armen (PH.D)
Department of Arabic Literature’ Karaj Branch’ Islamic Azad University’ Karaj’ Iran.
حواشي
[1] لسان العرب مادة "نص"
[2] القاموس المحيط ، مادة "نص"
[3] ريکورت، بول، النص والتأويل، مجلة العرب والفکر العالمي عدد3، 1998م،ص37
[4] جوليا کريستيفا، علم النص، ت: فريد الزاهي، مراجعة عبد الجليل ناظم، دار توبقال للنشر، المغرب طبعة أولي،1991
[5] لسان العرب مادة "نص"
[6] علوش، سعيد، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، دار الکتاب اللبناني، بيروت، 1985، ص215
[7] لتناص في شعر الرواد ص 21
[8] باختين، ميخائيل، الخطاب الروايي، ت: محمد برادة، دارالفکر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة/باريس، طبعة اولي، 1987،ص 53-54
[9] مجلة الآداب اللبنانية- العدد 1-2 كانون الثاني وشباط - السنة 46- 1998 ص50
[10] صبري حافظ، أفق الخطاب النقدي دراسات نظرية وقراءات تطبيقية، دار شرقيات، القاهرة 1996- ص 58
[11] الزعبي، أحمد، التناص نظريا وتطبيقيا - مؤسسة عمّان للنشر- عمّان 2000- ص 19.
[12] تحليل خطاب الشعري، ص121
[13] مفتاح، محمد، المفاهيم معالم: نحو تأويل واقعي، المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء- بيروت 1999- ص41.
[14] المصدر نفسه، ص47.
[15] بنيس،محمد، حداثة السؤال ،دارالتنوير للطباعة والنشر، بيروت، طبعة اولي ، 1985، ص 117
[16] محمد قدور، احمد، مجلة بحوث جامعة حلب، عدد 1، 1991، ص250 ومابعدها
[17] يقطين، سعيد، انفتاح النص الروائي، النص، السياق، المرکز الثقافي العربي، دار البيضاء، بيروت، طبة اولي، 1989،ص95
٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١بقلم حسي ميرزائي
حسين ميرزائی، خريج جامعة آزاد الإسلامية في کرج.
بإشراف الدکتور سيد إبراهيم آرمن، عضو هيئة التدريس بجامعة آزاد الإسلامية في کرج.
النص لغة
حينما نطالع المعاجم العربية نجد معاني متعددة للنص وهي في مجملها تفيد
الرفع والحرکة والإظهار حيث جاء في اللسان: «النص: رفعک الشئ، نص الحديث
ينصه نصاً: رفعه، نص الحديث ينصه نصاً: رفعه ونص المتاع: جعله بعضه علي
بعض.» [1]
ويذکر القاموس المحيط: «نص الشيء: حرّکه ونص العروس: أقعدها علي المنصة.» [2]
أما تاج العروس فنقرأ فيه: «نصّ الشيء أظهره وکل ما ظهر فقد نصّ.» [3]
ويورد المعجم الوسيط بعض الدلالات المولدة للنص«فالنص صيغة الکلام
الأصلية التي وردت من مؤلفها والنص ما لايحتمل إلا معني واحداً أو لايحتمل
التأويل، والنص من الشي ء منتهاه ومبلغ أقصاه.»
ويشتقّ النص «text» في اللغات الأجنبية من الاستخدام الاستعاري في
اللاتينية للفعل «texture» الذي يعني "يحرک" «weare». أو ينسج ويوحي بسلسلة
من الجمل والملفوظات المنسوجية بنيوياً ودلالياً.
ويتضح مما ورد في المعاجم القديمة والحديثة أن الدلالة الحديثة للنص لم
تکن غائباً کلياً في المعجم العربي وهي تلتقي أيضاً مع دلالته اللاتينية
التي تشير إلي معني بلوغ الغاية والاکتمال في الصنع وهذا المعني لابد أن
ينتقل الي النص الأدبي الذي يمتاز عن النص العادي.
النص اصطلاحاً
هناک تعريفات عديدة لمصطلح النص تعکس توجيهات أصحابها فلقد عرفه "بول
ريکور": «لنطلق کلمة نص علي کل خطاب ثم تثبيته بواسطة الکتابة.» [4]
أما "جوليا کريستيفا" فلقد عرفت النص تعريفاً جامعاً إذ قالت «نعرف النص
بأنه جهاز نقل لساني يعيد توزيع نظام اللغة واضحاً الحديث التواصلي؛ نقصد
المعلومات المباشرة في علاقة مع ملفوظات مختلفة سابقة أو متزامنة.»
ويورد "محمد مفتاح" تعريفات عديدة للنص حسب توجهات معرفية ومنهاجية مختلفة،
فهناک التعريف البنيوي وتعريف اجتماعيات الأدب والتعريف النفساني الدلالي
إتجاه الخطاب ليخلص إلي تعريف واحد في النهاية، أما هذه التعريفات فهي:
مدونة کلامية يعني إنه مؤ لف من کلام.
حدث: إن کل نص هو حدث يقع في زمان ومکان معينين.
تواصلي: يهدف إلي توصيل معلومات ومعارف ونقل تجارب الي المتلقي.
تفاعلي: أي إقامة علاقات اجتماعية بين أفراد المجتمع.
مغلق: أي انغلاق سمته الکتابية الأيقونه التي لها بداية ونهاية.
توالدي: إن الحدث اللغوي ليس منبثقاً من عدم وإنما هو متولد من أحداث تاريخية ونفسية ولغوية وتتناسل منه أحداث لغوية أخري لاحقه له.
فالنص إذن مدونة حدث کلامي ذي وظائف متعددة.
التناص لغة
بعد انطلاق من المحاولات بتعريف مفهوم النص وبعد تناول النقاد للنص
بمفهومه الجديد کان لابد أن يظهر مفهوم جديد يتصل بالنص وهو "التناص" .
ترد کلمة التناص فط لسان العرب بمعني الاتصال «يقال هذه الفلاة تناص أرض کذا وتواصيها أي يتصل بها.» [5]
وتفيد الانقباض والإزدحام کمکا يورد صاحب تاج العروس «انتص الرجل: انقبض
وتناصي القوم :ازدحموا.»
وهذا المعني الأخير يقترب من المفهوم التناص بصيغته الحديثة فتداخل النصوص
قريب جداً من ازدحامها في نص ما في الواقع في هذا المفهوم نلاحظ إحتواء
مادة "التناص" علي "المفاعلة" بين الطرف وأطراف آخر تقابله يتقاطع معها
ويتمايز أؤ تتمايز هي في بعض الأحيان.
التناص اصطلاحا
إن التناص في النقد العربي الحديث هو ترجمة لمصطلح الفرنسي «intertext»
حيث تعني کلمة «inter»
في الفرنسية: التبادل، بينما کلمة «text»: النص وأصلها مشتق من الفعل
اللاتيني «textere» وهو متعد ويعني "نسج" وبذلک يصبح معني «intertext»
التبادل الفني وقد ترجم الي العربية: بالتناص الديني يعني: تعالق النصوص
بعضها ببعض.
وصيغته التناصيص مصدر الفعل علي زنة "تفاعيل" تأتي علي اثنين أو أکثر
وهو تداخل النصوص ببعضها عند الکاتب طلباً لتقوية الأثر.
کما يرد مصطلح «intertextuel» وقد ترجم الي التناصي أو المتناص وهو مايفيد
العملية الوصفية في التناص ومصطلح «intertextualite» وقد ترجمه النقاد
العرب «التناصية أو النصوصية» وهذه الترجمة جاءت علي غرار ترجمة مصطلح
«structuralisme» بالبنائية أو البنيوية.
ويورد سعيد علوش في کتابه: «معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة بعض التعريفات لمصطلح التناص بدء من جوليا
کريستيفا وإنتها برولان بارت.» [6]
1. يعتبر التناص عند "کريستيفا" أحد مميزات النص الأساسية التي تحيل علي نصوص أخري سابقة عنها معاصرة لها.
2. يري "سوليرس" التناص فط کل نص يتموضع في ملتقي نصوص کثيرة بحيث يعتبر قراءة جديدة تشديداً وتکثيفاً.
3. ويظهر "التناص" مع التحليلات التحويلية عند "کريستيفا " في النص الروائي.
4. ويري "فوکو" بأنه لا وجود لتعبير لايفترض تعبيراً آخر ولا وجود لما
يتولد من ذاته بل من تواجد أحداث متسلسلة ومتتابعة ومن توزيع وظائف
الادوار.
5. التناص عملية وراثية للنصوص والنص المتناص يکاد يحمل بعض صفات الأصول
"ولقد عاني مصطلح التناص فط النقد العربي الحديث من تعدديه فط الصياغة
والتشکيل فقد ظهر هذا المصطلح في حقل النقل العربي الحديث بعد صياغات
وترجمات عدة منها:
التناص أو التناصية
النصوصية
تداخل النصوص أو النصوص المتداخلة
النص الغائب
النصوص المهاجرة
تضافر النصوص
النصوص الحالة والمزاحة
تفاعل النصوص
التداخل النصي
التعدي النصي
عبر النصصية
البينصوصية وهو وجود نص في نص آخر
التنصيص
«کما وشهد التناص خلطاض وتداخلاً واسعين بينه وبين بعض المفاهيم الأخري،
مثل "الأدب المقارن" و"المثاقفة" و"الدراسات المصادر" و"السرقات الأدبية"
نتيجة لاقتراب بين هذا المفهوم وتلک المفاهيم فيما يخص الاتجاه العام بينها
في التواصل والتأثير إلا أن مفهوم التناص يختلف عن هذه المفاهيم علي صعيد
المعالجة النقدية لما يمتلکه من آليات نقدية حديثة وأنظمة إشارية ومستويات
مختلفة تجعله بعيداً في الفعل الإجرائي عن تلک المفاهيم ومنفرداً فط
العملية التحليلية والترکبية إثناء إجراء التطبيق.» [7]
خلاصة القول: إن النص محکوم حتما بالتناص «أي بالتداخل مع نصوص أخري» أو
کما يقول محمد مفتاح: «فسيفساء من نصوص أخري أدمجت فيه بتقنيات مختلفة.»
وتوالد عن نصوص أخري «أي إن المرجعية الوحيدة للنص هي النصوص» وهو حين
ينبثق أو يتداخل أو يتعالق مع نصوص أخري فإن هذا لايعني الإعتماد عليها أو
محاکاتها بل إن التناص يتجسد من خلال صراع النص مع نصوص أخري ولا يتداخل مع
نصوص قديمة فقط، بل قد يتم ذلک من خلال نص يتضمن ما يجعله قادراً علي
التداخل أو التناص مع نصوص آنية أي مع نصوص مستقبلية.
ويمکن توضيح بذلک بالقول بأن اليوم الأول من حياتنا هو اليوم الأول في الإتجاه الي الموت في آنٍ واحدٍ.
وهذا ما يفسر مقولة "جاک دريدا" في البدء.کان الإختلاف وبهذا المعني فإن
التناص لايرادف –بحال- فکرة السرقات الأدبية وهو لايأخذ من نصوص سابقة بل
يأخذ ويعطي في آنٍ واحدٍ وبالتالي فإن النص الآتي قد يمنح النصوص القديمة
تفسيرات جديدة ويظهرها بحلة جديدة کانت خافية أؤ لم يکن من الممکن رؤيتها
لو لا التناص.
التناص في النقد الغربي الحديث
کما جاء في الصفحات السابقة وفي تعريفات للتناص إن جذورة الأولي لهذا
المفهوم کان في الغرب ومن أبرز النقاد الذين تحدثوا عنه ونظروا له ابتداءً
من "جوليا کريستيفا" وإنتهاء "بجيرار جينيت"، الجذر الأساس لمصطلح التناص
الذي قام حديثاً مع "الشکلين الروس إنطلاقاً من شکلوفسکي الذي فتق الفکرة
إذ يقول: إن العمل الفني يدرک من خلال علاقته بالأعمال الفنية الأخري
والإستشهاد الي الترابطات التي تقيمها فيما بينها ولکن الباختين کان أول
من صاغ نظرية بأتمّ معني لکلمة في تعدد القيم النصية المتداخلة".
أما "باختين" فلم يستعمل کلمة "التناص" بل هو استعمل کلمة التداخل مثل
"التداخل السيميائي"، "التداخل اللفظي" فالکاتب من وجهة نظر "ميخائيل
باختين" يتطور في عالم مليء بکلمات الآخرين فيبحث في خضمها عن طريقة
لايلتقي فکرة إلا بالکلمات تسکنها أصوات أخري.
ولهذا فکل خطاب يتکون أساسياً من خطابات أخري سابقة ويتقاطع معها بصورة
ظاهرة أو خفية فلا وجود لخطاب خال من آخر ويؤ کد باختين هذه الحقيقة ويطرح
نظرية الحوارية.» [8]
«ولهذا النظرية الحوارية "الصوت المتعدد" هي النظرية التي أسسها باختين
تُعد مقدمة أساسية وجذرية لمفهوم التناص الذي تبلور علي يد الباحثة "جوليا
کريستيفا" في أبحاث لها عدة کتبت بين "1996-1967" وصدرت في مجلتي "تيل کيل"
و"کرتيک" وأعيد نشرها في کتابيها "سيموتيک" و"نص الرواية".
ثم نفت کريستيفا وجود نص خال من مدخلات نصوص أخري وقالت عن ذلک: «إن کل
نص هو عبارة عن "لوحة فسيفسائية" من الاقتباسات وکل نص هو تشّرب وتحويل
لنصوص أخري.»فالتناص عند کريستيفا أحد مميزات النص الأساسية التي تحيل علي
نصوص أخري سابقة عنها أو معاصرة لها.
أما التناص في رؤية "بارت" بمثابة البؤرة التي تستقطب إشعاعات النصوص
الأخري ووتتحد مع هذه البؤرة لتؤسس النص الجديد "المتناص" ومن ثم يخضعان في
الآن نفسه إلي قوانين "التشکل" أو البناء وقوانين "التفکک" أي الإحالة إلي
مرجعية أو إلي نصوص أخري.
التناص في النقد العربي الحديث
يعد مفهوم التناص من المفهومات الحديثة في الکتابات النقدية العربية قد
لاتعود إلي أکثر من عقد من الزمان مضي إذ ظهر اعتماداً علي أطروحات النقاد
الغربيين الذين تناولناهم في الصفحات السابقة في بعض الإضافات التي وضعها
النقاد العرب.
جاء الاستخدام النقدي لنظرية التناص في النقد العربي الحديث متأخرا ما
يقارب ربع قرن على ظهوره في النقد الغربي، وكان من الطبيعي أن يحمل انتقاله
إلى الممارسة النقدية العربية الإشكاليات التي كان يعاني منها علی المستوی
النظري والمفهومي علی وجه الخصوص. كما كان من الطبيعي أن يقابل هذا
المفهوم، كغيره من المفاهيم النقدية بتباين واضح في الموقف منه كما كان
الحال في الثقافة التي ظهر فيها هذا المفهوم. ونظرا لكون الدراسة هنا
تتناول استخداماته في الممارسة النقدية، وحمولته الدلالية المعبرة عن
استيعاب هؤلاء النقاد للمفهوم، فإننا لن نتعرض لتلك المواقف والذرائع التي
استندت إليها في تحديد موقفها من ذلك سلبا أو إيجابا، وسنكتفي بعرض
المصطلحات التي استخدمت في ترجمته، مع الإشارة في البداية إلى أن هذا
المفهوم، لم يكن بعيدا عن الاستخدام النقدي في النقد العربي القديم، «فقد
ذكره عبد القاهر الجرجاني واشترط للتمييز بينه، وبين الانتحال والسرقة
والنسخ، تحقيق الإضافة والتجديد فـ(متى أجهد أحدنا نفسه، وأعمل فكره وأتعب
خاطره وذهنه في تحصيل معنى، يظنه غريبا مبتدعا ونظم بيتا، يحسبه فردا
مخترعا، ثم يتصفح الدواوين لم يخطئه أن يجده بعينه، أو يجد له مثالا يغض من
حسنه، ولهذا السبب أحضر على نفسي، ولا أرى لغيري بثَّ الحكم على شاعر
بالسرقة.» [9]
«ويطرح الدكتور صبري حافظ العديد من القضايا التي تطرحها "علاقة النصوص
بعضها بالبعض الآخر من جهة، وعلاقتها بالعالم وبالمؤلف الذي يكتبها من جهة
أخرى، كما يطرح موضوع العناصر الداخلة في عملية تلقيننا لأي نص وفهمنا له،
وهو موضوع يشير بالتالي إلى أغلوطة استقلالية النص الأدبي التي تتبناها بعض
المدارس النقدية، والتي انطوت بدورها على تصور إمكانية أن يصبح النص عالما
متكاملا في ذاته، مغلقا عليها في الوقت نفسه وهي إمكانية معدومة إذا ما
أدخلنا المجال التناصي في الاعتبار، وإذا ما اعتبرناه مجالا حواريا في
الوقت نفسه".» [10]
إن هذا الطرح يجعل مفهوم النص يتجاوز علاقات التناص التي تتشكل على
أساسها النصوص الجديدة، بغض النظر عن درجات وأشكال هذا التناص إلى دور
الواقع الخارجي، أو العلاقة بين العالم والمؤلف الذي يكتب النص في إطار
الرؤية التي يقدمها العمل الأدبي إلى الذات واللغة والعالم في هذا النص،
وهو هنا يحاول الرد على أصحاب النظرية البنيوية التي تعتبر النص بنية مغلقة
على ذاتها، ومكتفية بذاته. ويشمل التناص عند الدكتور حافظ كل الممارسات
«المتراكمة وغير المعروفة والأنظمة الإشارية والشفرات الأدبية والمواصفات
التي فقدت أصولها وغير ذلك من العناصر التي تساهم في إرهاف حدة العملية
الإشارية التي لا تجعل قراءة النص ممكنة، ولكنها تؤدي إلى بلورة أفقه
الدلالي والرمزي أيضا.»
وينطلق الدكتور شكري عزيز ماضي في كتابه (من إشكاليات النقد العربي
الجديد) في دراسته للتناص، من مفهوم النص الذي تؤكد الدراسات علی أنه يفتقد
لوجود مركز للبنية التي لا تعرف الانغلاق.
«إن النص في ضوء مفهوم التناص بلا حدود فهو ديناميكي متجدد، متغير، من
خلال تشابكاته مع النصوص الأخرى، وتوالده من خلالها ثم يعرِّف النص بأنه
النص الذي لا يأخذ من نصوص سابقة عليه أو متزامنة معه، بل هو يمنح النصوص
القديمة تفسيرات جديدة، أو يقدمها بشكل جديد. ويحدد آليات التناص بآلية
الاستدعاء والتحويل ما يتطلب النظر إلى اللغة، باعتبارها لغة إنتاجية
منفتحة علی مرجعيات مختلفة، وليس كلغة تواصل.» ثم يشير إلى وظيفة أخری للنص
الذي لا يكتفي بالأخذ من نصوص سابقة عليه، وهي منح النصوص القديمة تفسيرات
جديدة، وهذا يذكّرنا بمفهوم الإنتاجية الذي تشترط كريستيفا تحققه في النص
الجديد. من جهته يؤكد الدكتور أحمد الزعبي في كتابه (التناص نظريا
وتطبيقيا) «أن موضوع التناص ليس جديدا تماما في الدراسات النقدية المعاصرة،
وأن جذوره تعود في الدراسات الشرقية والغربية إلى تسميات ومصطلحات أخری،
كالاقتباس والتضمين والاستشهاد والقرينة والتشبيه والمجاز والمعنى وما شابه
ذلك في النقد العربي القديم، فهي مصطلحات أو مسائل تدخل ضمن مفهوم التناص
في صورته الحديثة، لكنه يؤشر إلى مسألة هامة تتمثل في التفاوت الحاصل في
رسم حدود المصطلح وتحديد موضوعاته. ولعل هذه الإشكالية المنهجية تتجاوز
مفهوم التناص إلى غيره من النظريات النقدية الحداثية وما بعد الحداثية نظرا
لتعدد الاتجاهات والتيارات النقدية التي تنشأ داخل كل نظرية من تلك
النظريات.» [11]
والحقيقة أن هناك العديد النقاد العرب المعاصرين الذين تناولوا التناص
بالدراسة نظريا وتطبيقيا. ويعتبر الناقد الدكتور محمد مفتاح أكثرهم عملا
على تطوير وإغناء هذا المفهوم . فقد حاول "محمد مفتاح" في کتابه "تحليل
الخطاب الشعري إستراتيجية التناص" أن يعرض مفهوم التناص إعتماداً علي
طروحات "کريستيفا وبارت" وفي تعريفه للتناص عرض تعريفات هؤلاء النقاد
وغيرهم ثم خلص إلي تعريف جامع للتناص "هو تعالق «الدخول في علاقة» مع نص
حدث بکيفيات مختلفة. [12]
أيضا هو في کتابه الآخر "دينامية النص" يعود ليعطي التناص تسمية جديدة
هي "الحوارية" ويحاول أن يستخدم هذا المفهوم في إطار منهج يستمدّ في
البايولوجيا أغلب مصطلحاته ومفاهيمه.في كتابه الآخر "المفاهيم معالم" الذي
حدَّد فيه ست درجات للتناص، مخالفا بذلك كريستيفا وجيني اللذين قدما ثلاث
درجات له، وذلك بعد أن عرَّف التناص: «باعتباره نصوصا جديدة تنفي مضامين
النصوص السابقة، وتؤسس مضامين جديدة خاصة بها يستخلصها مؤول بقراءة إبداعية
مستكشفة وغير قائمة على استقراء أو استنباط.» [13] والدرجات الست التي يحددها هي:
1. التطابق: ويتحقق في النصوص المستنسخة.
2. التفاعل: فأي نص هو نتيجة تفاعل مع نصوص أخرى، تنتمي إلى آفاق
ثقافية مختلفة، تكون درجات وجودها بحسب نوع النص المنقول إليه، وأهداف
الكاتب ومقاصده.
3. التداخل: ويقصد به تداخل النصوص المتعددة، بعضها في بعض في فضاء نصي
عام. وهذا التداخل أو الدخول أو المداخلة، لم يحقق الامتزاج أو التفاعل
بينها، وهي تظل دخيلة تحتل حيزا من النص المركزي، وإن شبيها إلى نفسه وهذا
التشارك يوجد صلات معينة بينها.
4. التحاذي: وهو المجاورة أو الموازاة في فضاء مع محافظة كل نص على هويته
وبنيته ووظيفته.
5. التباعد: وهو التحاذي الشكلي والمعنوي والفضائي، وقد يتحول إلى تباعد شكلي ومعنوي وفضائي.
6. التقاصي: ويقوم على التقابل بين النصوص الدينية والنصوص الفاجرة السخيفة على سبيل المثال. [14]
أما الناقد "عبد الله الغذامي" فقد حاول في کتابه "الخطيئة والتفکير" أن
يربط التناص ببعض المفاهيم والطروحات النقدية الموروثة ولاسيما نظريات
الناقد عبد القاهر الجرجاني في البلاغة النقدية وخاصة فيما يتعلق بمفهوم
"الأخذ" وشدة اقترابه من مفهوم التناص الحديث إذ رفض الجرجاني إستعمال
"السرقة" کما شاعت قبله وبعده ويترجم الغذامي التناص ترجمات عدة. فهو يطلق
تارة تداخل النصوص المتداخلة ويطلق عليه تارة ثالثة النصوصية وقد اعتمد في
طروحاته علي آراء "کريستيفا وبارت وريفاتير ولوران جيني".
«أما الناقد محمد بنيس فقد اجترح مصطلحاً جديداً التناص أسماه ب"النص
الغائب" علي اعتبار أن هناک نصوصا غائبة ومتعددة وغامضة في أي نص جديد وقد
طرح هذا المصطلح کتابيه "سؤال الحداثة" و"ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب"
وقد اعتمد أيضاً علي طروحات "کريستيفا وبارت وتودوروف" والتناص عنده يحدث
من خلال قوانين ثلاثة وهي:
الاجترار، الامتصاص والحوار ويضع بنيس النص المتناص مرجعيات عدة منها: الثقافية والدينية والأسطورية والتاريخية والکلام اليومي.»
[15]
ويتابع "إبراهيم رماني" محمد بنيس في تسميته "النص الغائب" ويعرفه بأنه
مجموعة من النصوص المستترة التي يحتويها النص الشعري في بنيته وتعمل بشکل
باطني عضوي علي تحقق النص وتشکل دلالته.ونجد عند صبري حافظ أن العمل الشعري
يتفاعل تناصياً مع کل معطيات الميراث النصي والخبرات التناصية في الواقع
الذي يصدر عنه ويتفاعل معه. [16]
«والتناص عند "توفيق الزيدي" هو تضمين نص في نص آخر وهو في أبسط تعريف له
تفاعل خلاق بين النص المستحضِر والنص المستحضَر، فالنص ليس إلا توالداً
النصوص سبقته ويجترح سعيد يقطين تسميات عدة يشتقها من النص والتناص مثل
التفاعل النصي، التناص التداخلي والخارجي ويحدد نوعين من التناص: "عام
وخاص".
التناص العام: علاقة نص الکاتب بنصوص غيره من الکتاب. والتناص الخاص:
علاقة نصوص الکاتب بعضها ببعض.وأيضاً يحدد شکلين للتفاعل النصي وهما:
التفاعل النصي الخاص: بدو حين يقيم نص ما علاقة مع نص آخر محدد وتبرز هذه
العلاقة بينها علي صعيد الجنس والنوع والنمط معاً. التفاعل النصي العام:
يبرز فيما يقيمه نص ما من علاقات مع نصوص عديدة مع ما بينها من إختلاف علي
صعيد الجنس والنوع والنمط.» [17]
ملاحظة:
Hosain Mirzaie (M.A)
Department of Arabic Literature’ Karaj Branch’ Islamic Azad University’ Karaj’ Iran.
Seyed Ebrahim Armen (PH.D)
Department of Arabic Literature’ Karaj Branch’ Islamic Azad University’ Karaj’ Iran.
حواشي
[1] لسان العرب مادة "نص"
[2] القاموس المحيط ، مادة "نص"
[3] ريکورت، بول، النص والتأويل، مجلة العرب والفکر العالمي عدد3، 1998م،ص37
[4] جوليا کريستيفا، علم النص، ت: فريد الزاهي، مراجعة عبد الجليل ناظم، دار توبقال للنشر، المغرب طبعة أولي،1991
[5] لسان العرب مادة "نص"
[6] علوش، سعيد، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، دار الکتاب اللبناني، بيروت، 1985، ص215
[7] لتناص في شعر الرواد ص 21
[8] باختين، ميخائيل، الخطاب الروايي، ت: محمد برادة، دارالفکر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة/باريس، طبعة اولي، 1987،ص 53-54
[9] مجلة الآداب اللبنانية- العدد 1-2 كانون الثاني وشباط - السنة 46- 1998 ص50
[10] صبري حافظ، أفق الخطاب النقدي دراسات نظرية وقراءات تطبيقية، دار شرقيات، القاهرة 1996- ص 58
[11] الزعبي، أحمد، التناص نظريا وتطبيقيا - مؤسسة عمّان للنشر- عمّان 2000- ص 19.
[12] تحليل خطاب الشعري، ص121
[13] مفتاح، محمد، المفاهيم معالم: نحو تأويل واقعي، المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء- بيروت 1999- ص41.
[14] المصدر نفسه، ص47.
[15] بنيس،محمد، حداثة السؤال ،دارالتنوير للطباعة والنشر، بيروت، طبعة اولي ، 1985، ص 117
[16] محمد قدور، احمد، مجلة بحوث جامعة حلب، عدد 1، 1991، ص250 ومابعدها
[17] يقطين، سعيد، انفتاح النص الروائي، النص، السياق، المرکز الثقافي العربي، دار البيضاء، بيروت، طبة اولي، 1989،ص95