منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    التناص والتلاص في النقد الحديث

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    التناص والتلاص في النقد الحديث Empty التناص والتلاص في النقد الحديث

    مُساهمة   الجمعة أكتوبر 14, 2011 12:57 pm



    التناص والتلاص في النقد الحديث

    عز الدين المناصرة
    (الأردن)


    التناص والتلاص في النقد الحديث 9-1يرى
    بعض النقاد أن النص فرع في الخطاب، ويرى آخرون أن الخطاب والنص يتساويان،
    ويرى رأي ثالث أن الخطاب شيء، والنص شيء آخر. وفي كل الأحوال، فإن النص
    والخطاب يتداخلان، لأن وصف جوامع النص، يتشابه ويتداخل مع وصف جوامع
    الخطاب، أي الصفات المطلقة المجردة. ويتعلق الأمر بهوية الخطاب وهوية النص،
    لكنني أميل ذ مع الاعتراف بالتداخل والاختلاف ذ إلى أن هوية الخطاب أشمل
    من هوية النص، لأن النص يتكون من فرعين : التجليات والجوامع، لكنها تبقى
    مجرد جوامع متناثرة، حتى يجمعها الخطاب في نسق أعلى: يرى هاريس Harris،
    مبتكر مصطلح (الخطاب ذ Discourse) بأن (تحليل الخطاب منهج في البحث في أيما
    مادة مشكلة من عناصر متميزة ومترابطة في امتداد طولي، سواء أكانت لغة أم
    شيئا شبيها باللغة، ومشتملة على أكثر من جملة أولية ؛ أو لنقل إنها بنية
    شاملة تشخص الخطاب في جملته ... أو أجزاء كبيرة منه) (1).
    أما
    "شابمان" Chapman ، فيرى أن دراسة الأدب بوصفه خطابا يعني (النظر إلى النص
    على أساس أنه يعقد الصلات بين مستخدمي اللغة ؛ لا الصلات المتمثلة في
    عملية الكلام فحسب، بل الصلات الخاصة بالوعي والإيديولوجيا والوظيفة
    والطبقة ، وعندئذ يكف النص عن أن يكون شيئا ملموسا، ويصبح نشاطا فاعلا أو
    سلسلة من التغيرات)، ويرى شابمان أن (جملة العناصر المشكلة لوحدة من الأداء
    اللغوي تقف مكتملة في ذاتها، تسمى في العموم ذ خطابا) (2).


    ويرى "إيستهوب" Easthope أن الخطاب مصطلح يعين الطريقة التي تشكل بها
    الجمل نسقا تتابعيا، وتشارك في كل متجانس ومتنوع على السواء. وكما أن الجمل
    تترابط في الخطاب لكي تصنع نصا مفردا، فإن النصوص ذاتها تترابط كذلك مع
    نصوص أخرى، لتصنع خطابا أوسع نطاقا) (3).


    أما "ديان مكدونيل" MacDonnell، فترى بأنه (يمكن تحديد الخطاب بوصفه
    مجالا بعينه من الاستخدام اللغوي، عن طريق المؤسسات التي ينتمي إليها،
    والوضع الذي ينشأ عنه، والذي يعينه هذا الخطاب للمتكلم. ومع ذلك لا يقوم
    هذا الوضع مستقلا بنفسه) (4).


    وقالت "جوليا كريستيفا؟ا" J. Kristevaبأن النص هو (جهاز نقل لساني، يعيد
    توزيع نظام اللغة واضعا الحديث التواصلي، ونقصد المعلومات المباشرة، في
    علاقة مع ملفوظات مختلفة سابقة أو متزامنة) (5)،
    أما "رولان بارت" R. Barthesفهو يميز بين النص والعمل الأدبي، حيث يقول
    إنه (لا ينبغي أن نخلط بين النص والعمل الأدبي، فالنص حقل منهجي، أما العمل
    الأدبي فهو شيء مفروغ منه، نحتفظ به، ويستطيع أن يملأ فضاء فيزيائيا) (6).


    أما النص في اللغة العربية فهو (الظهور والإيضاح والانتظام وغاية الشيء ومنتهاه) (7)، ويقول الإمام الشافعي في (الرسالة) بأن (النص خطاب يعلم ما أريد به من الحكم سواء أكان مستقلا بنفسه، أم علم المراد به بغيره) (Cool. أما النص (e) (Text) في الثقافة الغربية فهو كلمة من أصل لاتيني (Textus) وتعني: النسيج (9)،
    لهذا قال بارت إن مفهوم النص في العرف العام هو (السطح الظاهري للنتاج
    الأدبي، نسيج الكلمات المنظومة في التأليف، والمنسقة بحيث تفرض شكلا ثابتا
    ووحيدا ما استطاعت إلى ذلك سبيلا) (10).
    انطلاقا مما سبق، نقدم الملاحظات التالية:


    أولا: النص كتلة لغوية متعددة الأشكال، متعددة الغايات، لها نظام يجمع
    الأنساق المتعددة ويوحدها، فيصبح لها هوية مجردة مفتوحة على احتمالات
    التأويل من خلال تعددية المقروء وتعددية القارئ. وهذه الكتلة اللغوية عبارة
    عن شبكة يتم تشكيلها ونسجها وصياغتها وتوزيعها عبر علاقات متنوعة من
    التواصل والتداخل والترابط، انطلاقا من مجموع أنساقها التي تمنح النص هوية
    متداخلة مع الخطاب ومختلفة عنه في آن معا.


    ثانيا: هناك فارق بين النص والنص الأدبي كما يرى بارت، لأن النص الأدبي
    هو (رواية ذ قصة قصيرة ذ مجموعة شعرية ذ قصيدة ذ مسرحية)، أي العمل الأدبي
    المطبوع أو الشفهي أو المسموع أو المرئي، بينما يكون النص هو الخصائص
    والمنهجية التي تختص خطابات النصوص.


    ثالثا: الخطاب أشمل أحيانا من النص، لكنهما متداخلان ويتشابهان في
    المنهج والطريقة. فنحن نميز بين أنواع الخطاب ونميز بين أنواع النصوص، أي
    نعترف بالاختلاف، ومع هذا فنحن نعترف بالتداخل بين جوامع النصوص وجوامع
    الخطاب من زاوية تشابه وتداخل الأنساق العليا المجردة، ومنهجية الجمع بينها
    التي تجعل منها وحدة ذات نظام.


    رابعا: النص الأدبي أيضا كتلة لغوية لها أنظمة خاصة مفتوحة على التأويل
    بسبب تعددية الدلالات وتنوعها. وهو منجز عبر تفاعل المعاني والتراكيب
    القديمة والحديثة أو السابقة واللاحقة، ضمن أنساق فرعية وأساسية، حيث يتم
    تشكيلها وصياغتها في شبكة من العلاقات المنسجمة من حيث الترابط بين المعنى،
    وما وراء المعنى، وبين التراكيب وطرق صياغتها. فالنص الأدبي يكتفي بذاته،
    بمعنى أنه يرفض الإسقاط من الخارج، لأنه ينتج دلالات مفتوحة على الخارج. أي
    أن القارئ ذ الناقد يرى دلالات النص الخارجية داخل النص، بصفتها جزءا من
    ماهيته وليست جزءا من ماهية الخارج، وهي أي الدلالات الداخلية تختلف عن
    الاستطراد الذي يوحي به النص نحو الخارج، لأن الاستطراد نحو الخارج يفقد
    النص أدبيته أي خصائصه الأدبية. لكن النص الأدبي نفسه لا يكون مغلقا، لأنه
    يمتلك معرفته الواسعة في داخله. أما بالنسبة للقارئ ذ الناقد فهو يضيف إلى
    هذه الكتلة اللغوية أو يحذف منها، وهنا يقع في مجال الشراكة. وهو قد يكتفي
    بقراءة (إشعاعات النص الممكنة)، أي التي تشع من محيط الدائرة دون أن يبتعد
    عن هذا المحيط، لأن مركز القراءة الفاعلة يكون عادة حول نويات النص.


    2. التناص والتلاص

    في النقد الأوروبي الحديث
    هناك إجماع نقدي عالمي على أن "جوليا
    كريستيلآا"، البلغارية التي تحمل الجنسية الفرنسية، هي أول من وضع مصطلح
    (التناص L intertextualit) عام 1966، منطلقة من مفهوم الحوارية عند
    "باختين" الروسي ذ M.Bakhtine، لكن بعض النقاد العرب يترجم المصطلح إلى
    (التناصية)، وهم يضعون التناص في مقابل كلمة intertexte الفرنسية وما
    يشابهها بالإنجليزية، معتمدين على تطور المعنى لاحقا، نحو معنى التفاعلية.
    أما الأشكال الأخرى للتناص فهي تتجاوز التفاعلية نحو التلاص Playgiat، أي
    أعلى درجة في التقليد والنقل والإخفاء. وسواء أكان التناص تفاعليا، أم يصل
    إلى درجة التلاص، فإن الصراع بين مصطلح التناص ومصطلح التناصية في الترجمة
    العربية، يبقى صراعا شكليا، لأن التناص له حد أعلى هو التفاعلية، وله حد
    أدنى هو التلاص والأشكال الأخرى البسيطة التي بدأت بها "كريستيلآا" عندما
    ابتكرت مصطلح التناص. وقد تكون الأشكال البسيطة أكثر انتشارا من الأشكال
    العميقة المعقدة في عصر ما. ثم إن مصطلح التناصية الذي يركز على التفاعلية
    قد يوحي بالإيجابي في التفاعل، بدلا من الإيجابي والسلبي، أي أنه يحمل قيمة
    تفاضلية. فالتناص لا ينطلق من حكم القيمة على النص، كما أن التناص جاء على
    وزن التفاعل، وهو أكثر استعمالا وشيوعا.


    2. 1: جوليا كريستيلآا
    ترى "كريستيلآا" أن النص الأدبي، خطاب يخترق
    وجه العلم والإيديولوجيا والسياسة، ويتنطع لمواجهتها وفتحها وإعادة صهرها.
    ومن حيث هو خطاب متعدد، يقوم النص باستحضار كتابة ذلك البلور الذي هو محمل
    الدلالية، المأخوذة في نقطة معينة من لا تناهيها (11). ثم تقرر بأن النص إنتاجية، وهو ما يعني:



    1. أن علاقته باللسان الذي يتموقع داخله، هي علاقة إعادة توزيع.

    2. أنه ترحال للنصوص وتداخل نصي، ففي فضاء نص معين، تتقاطع وتتنافى ملفوظات عديدة، مقتطعة من نصوص أخرى (12)
      مع الملفوظات التي سيق عبرها في فضائه أو التي يحيل إليها في فضاء النصوص
      الخارجية، اسم (الإديولوجيم) الذي يعني تلك الوظيفة للتداخل النصي (13).


    وهي ترى بأن المدلول الشعري يحيل إلى مدلولات خطابية مغايرة، بشكل يمكن
    معه قراءة خطابات عديدة داخل القول الشعري. هكذا يتم خلق فضاء نصي متعدد
    حول المدلول الشعري. هذا الفضاء النصي ستسميه كريستي؟ا فضاء متداخلا نصيا.(14). فالنص الشعري ينتج داخل الحركة المعقدة لإثبات ونفي متزامنين لنص آخر.(15) والتناص عند "كريستيلآا" هو ذلك (التقاطع داخل نص لتعبير قول، مأخوذ من نصوص أخرى)، والعمل التناصي هو اقتطاع وتحويل.(16). وتقول "كريستيلآا" بأن التناصية هي (أن يتشكل كل نص من قطعة موزاييك من الشواهد، وكل نص هو امتصاص لنص آخر أو تحويل عنه) (17).


    2. 2: تودوروف: حوارية باختين

    إذا كانت "كريستيلآا" هي مبدعة مصطلح التناص، فهي اعتمدت على المبدأ الحواري عند "باختين" في كتابه عن "ديستويفسكي" (1929).(18)
    ونلجأ إلى كتاب "تودوروف" عن المبدأ الحواري عند باختين، الذي يقول في
    مقدمته (إن أهم مظهر من مظاهر التلفظ، أو على الأقل الأكثر إهمالا، هو
    حواريته Dialogism، أي ذلك البعد التناصي فيه). وفي فصل خاص بالتناص، يشرح
    "تودوروف" المبدأ الحواري من زاوية التناص على النحو التالي: (19).
    أولا:
    يقول "باختين": يمكن قياس هذه العلاقات (التي تربط خطاب الآخر بخطاب
    الأنا) بالعلاقات التي تحدد عمليات تبادل الحوار (رغم أنها بالتأكيد ليست
    متماثلة). ويدخل فعلان لفظيان، تعبيران اثنان، في نوع خاص من العلاقة
    الدلالية، ندعوها علاقة حوارية. والعلاقات الحوارية هي علاقات (دلالية) بين
    جميع التعبيرات التي تقع ضمن دائرة التواصل اللفظي (20).
    ثانيا:
    ينتسب التناص إلى الخطاب ذ يقول "تودوروف" ذ ولا ينتسب إلى اللغة، ولذا
    فإنه يقع ضمن مجال اختصاص علم عبر اللسانيات ولا يخص اللسانيات، إذ ينبغي
    استبعاد العلاقات المنطقية من دائرة الحوارية، يقول "باختين": (إن هذه
    العلاقات (الحوارية) خاصة ومميزة بصورة عميقة، ولا يمكن اختزالها إلى
    علاقات من نمط منطقي أو لغوي أو نفسي أو آلي. إنها نمط استثنائي وخاص من
    العلاقات الدلالية التي ينبغي أن تتشكل أجزاؤها من تعبيرات يقف خلفها
    فاعلون متكلمون حقيقيون أو فاعلون متكلمون محتملون، مؤلفو التعبيرات موضوع
    الكلام) (21).


    ثالثا: ليس هناك تلفظ مجرد من بعد التناص ذ يقول "تودوروف" ذ لهذا فإن
    "باختين" قال (الأسلوب هو الرجل، ولكن باستطاعتنا القول: إن الأسلوب هو
    رجلان، على الأقل، أو بدقة أكثر، الرجل ومجموعته الاجتماعية) (22)
    فالتوجيه الحواري هو بوضوح، ظاهرة مشخصة لكل خطاب وهو الغاية الطبيعية لكل
    خطاب حي. يفاجئ الخطاب خطاب الآخر بكل الطرق التي تقود إلى غايته ولا
    يستطيع شيئا سوى الدخول معه في تفاعل حاد وحي) (23).
    رابعا:
    يقول "تودوروف" بأن "باختين" منذ كتابه عن "ديستويفسكي"، وضع النثر، الذي
    يتوافر على خصوصية تناصية، في تعارض مع الشعر الذي لا يتوفر على هذه
    الخصوصية. يقول "باختين" (في الصورة الشعرية، تنسى الكلمة تاريخ انبثاق
    غايتها المتناقضة وبروزها إلى مجال الوعي، كما تنسى الشرط الحاضر المختلف
    والمتناقض لهذا الوعي)(24)
    على عكس النثر. ويقول (لا تنفع معظم الأنواع الشعرية من الحوارية الداخلية
    للخطاب فنيا، إنها تنفذ إلى الغاية الجمالية للعمل، إنها مقيدة إلى الخطاب
    الشعري) (25). ويعلق "تودوروف" قائلا (قد تكمن أسباب هذا التعارض في حقيقة كون القصيدة فعلا للتلفظ، بينما الرواية تمثل تلفظا واحدا) (26)
    فالرواية وفق "باختين" ذ تظهر فيها عملية التناص بصورة حادة وقوية، عكس
    الشعر. و(ما يستأثر بجوهر اهتمام "ديستويفسكي" أكثر من غيره، هو التفاعل
    الحواري للخطابات، مهما كانت تفصيلاتها اللغوية) (27).


    خامسا: يلخص "تودوروف" أنماط التناص المتعددة التي ميزها "باختين" في تحليله لتمثيل الخطاب ضمن الخطاب، بما يلي:

    ركز "باختين" على وصف العلاقة بين الخطاب المقتبس والخطاب المقتبس منه. وهناك ثلاثة أشكال للتمثيل:

    5. 1: قد يكون هناك اختلاف في الموضع الذي يمكن أن نصطدم فيه
    بخطاب الآخر: فقد يكون هو نفسه الشيء الذي نتحدث عنه أو المخاطب الذي نوجه
    إليه ملاحظاتنا. وبالنسبة لباختين، ليس هناك شيء لم تلطخه تسمية سابقة.

    5. 2:
    يمكن استحضار خطاب الآخر، خصوصا في الرواية، بأشكال مختلفة ومتعددة:
    الخطاب الذي لا يزعم راو فعلي، تمثيل الراوي، في حالة النمط الشفهي أو
    المكتوب؛ الأسلوب المباشر، ونطاقات الشخصيات؛ وأخيرا، الأجناس المطمورة.


    5. 3: يستطيع المرء أن نوع في درجة حضور خطاب الآخر. يقدم باختين
    تمييزا من ثلاث درجات: الأول هو الحضور التام أو الحوار الصريح، الثاني:
    لا يتلقى خطاب الآخر، أي تعزيز مادي ومع ذلك فإنه يستحضر. والثالث هو
    التهجين، أي تعميم للأسلوب الحر المباشر (28).


    إذا، مارس "باختين" قراءة التناص تحت عنوان (الحوارية)، قبل ظهور مصطلح
    التناص، لكن مصطلح الحوارية ظل مرتبكا وغامضا، حتى جاءت الحقبة البنيوية
    وما بعدها، لتوسعه في إطار التناص. وقد اهتم "باختين" بالتناص في النثر، في
    حين رأى أن الشعر لا يتوافر على خاصية التناص. وبطبيعة الحال فقد أثبت
    الزمن اللاحق أن قراءة التناص في الشعر ممكنة جدا، وربما كان مقصد "باختين"
    أن التناص في الشعر، أكثر تعقيدا وغموضا وعمقا من التناص في الرواية، لأن
    التناص (الحوارية) في الرواية كما قال، موجود بوضوح وقوة، ويمكن ملاحظته
    بسهولة، عكس الشعر.


    الرأي- الجمعة 30 كانون أول 2005م

    التناص والتلاص في النقد الحديث (2-3)

    2. 3: رولان بارت

    يقول بارت ان النص (منسوج تماما من عدد من الاقتباسات ومن المراجع ومن
    الأصداء: لغات ثقافية سابقة أو معاصرة، تتجاوز النص من جانب إلى آخر في
    تجسيمة واسعة. إن التناصي ؟ Lintertextualit، الذي يجد نفسه فيه كل نص، ليس
    إلا تناصا لنص آخر، لا يستطيع أن يختلط بأي أصل للنص: البحث عن ينابيع عمل
    ما أو عما أثر فيه، هو استجابة لأسطورة النسب، فالاقتباسات التي يتكون
    منها نص ما، مجهولة، عديمة السمة، ومع ذلك فهي مقروءة من قبل: إنها
    اقتباسات بلا قوسين) (29).
    وينطلق بارت من منجزات كريستيلآا ليوسعها ويشرحها، فالنص يعيد توزيع
    اللغة، والتناصية قدر كل نص، مهما كان جنسه (إن تبادل النصوص، أشلاء نصوص
    دارت أو تدور في فلك نص يعتبر مركزا، وفي النهاية تتحد معه، هو واحدة من
    سبل ذلك التفكك والانبناء: كل نص تناص، والنصوص الأخرى تتراءى فيه بمستويات
    متفاوتة وبأشكال ليست عصية على الفهم بطريقة أو أخرى، إذ نتعرف نصوص
    الثقافة السالفة والحالية: فكل نص ليس إلا نسيجا جديدا من استشهادات سابقة)
    (30).
    فالتناص ذ يضيف بارت ذ (مجال عام للصيغ المجهولة التي يندر معرفة أصلها.
    ولا يتم التناص وفق طريقة متدرجة معلومة، ولا بمحاكاة إرادية، وإنما وفق
    طريقة متشعبة ذ صورة تمنح النص وضع الإنتاجية وليس إعادة الإنتاج) (31)، ونظرية النص بالنسبة لبارت هي ذ نسيج الخطاب.


    ويشرح بارت (إديولوجيم ذ Idologme) كريستيلآا بأنه (متصور يعد بتوضح النص في التناص وبالتذكير به في نصوص المجتمع والتاريخ). (32).
    وقد ورد مصطلح التناص عند بارت لأول مرة، عام 1973، يقول: (النص المتداخل:
    النص هو بروست أو الجريدة اليومية أو شاشة التلفزيون. فالكتاب يصنع
    المعنى، والمعنى يصنع الحياة) (33)، ويعود إلى القول إن كلمة Texte (نص)، تعني النسيج، أما نظرية النص فهي (علم نسيج العنكبوت). (34)


    - هكذا نجد أن رولان بارت لم يضف جديدا على ما قالته كريستيلآا عن
    التناص وما قاله باختين عن الحوارية، لكن بارت أكد وشرح بعض ما قالته
    كريستيلآا، ووسع مفهوم انفتاح النص على الحياة والمجتمع، وأضاف بعض
    الملاحظات السريعة.


    2. 4: لوران جيني

    يقول لوران جيني Laurent Jenny إن الأثر الأدبي يدخل إما في: علاقة
    تحقيق أو إنجاز (تحقيق مضمون معين كان يشكل في تلك البنيات وعدا)، وعلاقة
    تحويل (تحويل معنى قائم أو شكل متوافر والذهاب بهما أبعد، أو علاقة خرق) (35) ويكمن جوهر التناص من وجهة نظر جيني (عمل الهضم والتحويل الذي يميز كل سياق تناصي) (36).
    ويوضح بأن النص الأدبي (يستمد وظيفته من علاقة مزدوجة، تشده إلى النصوص
    الأدبية الأخرى السابقة له، وإلى أنساق دلالية غير أدبية كالتعبيرات
    الشفهية، ويرى جيني أنه يكفي أن نوسع العلاقة، بحيث تشمل أنساقا رمزية غير
    لفظية (الموسيقى والرسم والسينما مثلا)، لنلتقي مفهوم التناص الذي اجترحته
    كريستيلآا) (37)، ويدعو الناقد :
    Intertexte، ما بين ذ نص، أو - متناصا، النص الذي يتشرب تعددية من النصوص مع بقائه ممركزا بمعنى (38). ويصنف لوران جيني، حالات عمل التناص كما يلي:



    1. التحرير: بمعنى التحرير الكتابي لما ليس كتابيا بالأصل. وينطبق هذا على حالة التناص بين الأنواع المختلفة، الأدبي والتشكيلي مثلا.

    2. الخطية: الكتابة ظاهرة خطية، محكومة باستمرارية السطور، أفقيا كما
      في أغلب اللغات، أو عموديا كما في الصينية واليابانية. يعمد الكاتب إلى ما
      يشبه تسوية لعناصر النص الأصلي الذي يناصه هو أو يناصصه، وعناصر نصه
      الجديد في فضاء الصفحة، وداخل حدودها المادية (الاختلاف الطباعي).

    3. الترصيع: يعمد الكاتب العامل بالتناص إلى ترصيع عناصر النص القديم
      في نصه هو. ينشأ هنا تنافذ بين عناصر صارت منفصلة عن معناها القديم، فاقدة
      لاستقلالها في سياقها الجديد. والتنافذ أنواع: تنافذ كنائي أو تناظري،
      وتنافذ استعاري (مونتاج) لا تنافذ فيه. وهنا يعجز القارئ عن العثور على
      ترابطات بائنة بين العناصر المتنافرة للتناص (39).


    - أما في مجال تفاعل النصوص نفسه، فقد وجد جيني أن في الإمكان التركيز على ستة أنماط:


    1. التشويش: يعمد الكاتب هنا إلى أخذ فقرة من نص مكرس، يتدخل هو فيه ويتلاعب به، مدخلا عليه إفسادا مقصودا أو دعابة.

    2. الإضمار أو القطع: هنا يمارس الكاتب الاقتباس المبتور، ليحرف النص عن وجهته الأصلية.

    3. التضخيم أو التوسع: يحول النص ويحرفه بأن ينمي فيه، في الاتجاه الذي يريد، عناصر دلالية أو مسارد شكلية يراها هو فيه.

    4. المبالغة: مبالغة المعنى والمغالاة فيه نوعيا.

    5. القلب أو العكس: وهي الصيغة الأكثر شيوعا في التناص، وخصوصا في
      المحاكاة الساخرة، وهو أنواع: قلب موقف العبارة أو أطرافها، وقلب القيمة،
      وقلب الوضع الدرامي، وقلب القيم الرموزية.

    6. تغيير مستوى المعنى: نقل المعنى إلى صعيد آخر، وتحويل المجاز إلى الحرفية أو العكس. (40)

    2. 5: مارك أنجينو

    في دراسته ( مفهوم التناص في الخطاب النقدي الجديد ) ، يعرض مارك أنجينو
    Marc Angenot، لتاريخ مصطلح التناص، فيشير إلى مصطلحات: التناص، وتداخل
    النص والتناصية وغيرها ويشبهها ب: بنية وبنائي وبنيوية ... الخ. فالتناص هو
    (كل نص يتعايش بطريقة من الطرق مع نصوص أخرى وبذلك يصبح نصا في نص، تناصا)
    ذ ويرى أن المصطلح ظهر للمرة الأولى على يد جوليا كريستيلآا في عدة أبحاث
    لها كتبت بين 1966 و1967، ونشرت في مجلتي Tel-Quel و Critique، وأعيد نشرها
    في كتابيها (سيميوتيك) و (نص الرواية) وفي مقدمة كتاب باختين عن
    دستويفسكي. ثم يناقش الباحث مصطلحات كريستيلآا، ويرى أن مصطلح (تداخل)، قد
    ورد لدى باختين في كتابه (الماركسية وفلسفة اللغة_ 1929). ويلاحظ الباحث أن
    كلمة تناص عند كريستيلآا ولدى أفراد آخرين من جماعة تيل كيل، لا تظهر إلا
    في سياقات نظرية عامة. ويكتب فيليب سولرس Sollers (كل نص يقع في مفترق طرق
    نصوص عدة فيكون في آن واحد إعادة قراءة لها، واحتدادا وتكثيفا ونقلا
    وتعميقا). ويقول بارت إن النص عبارة عن (جيولوجيا كتابات). ويتابع الباحث
    قائلا إن كلمة التناص، انطلاقا من كريستيلآا - 1966- 1967 (ستهاجر إلى كل
    مكان تقريبا) (41).


    ويشير الباحث إلى أن المرجعية النظرية الأساسية التي أغنت كلمة (تناص)
    في الفرنسية، جاءت من ترجمة كتابات لوتمان ذ Lotman، فهو صاحب مصطلح
    (التخارج النصي)، أي ذ ما هو مكمل للنص، فقد نقل لوتمان إلى التناص، مشاكل
    الأدب الساخر والسجال المقنع. وهكذا يكتب لوتمان (إن العلاقات الخارج نصية
    لعمل ما، يمكن وصفها بمثابة علاقة مجموع العناصر المثبتة في النص بمجموع
    العناصر التي انطلاقا منها، تم تحقيق اختيار العنصر المستعمل)، على أن ما
    لدى لوتمان ذيقول الباحث- يلحق بالمفهوم الذي يعطيه للنص بدل تراتبية مختلف
    مستويات الهيكلة التي تقيم النص.(42).
    ثم يشير إلى بول زمتور ذ Zumthor، الذي يربط التناص، رأسا بالمحددات
    الداخلية لحضور التاريخ. فجدلية التذكر التي تنتج النص حاملة آثار نصوص
    متعاقبة، تدعى هنا بالتناص. فالنص هو نقطة التقاء نصوص أخرى. لكن الباحث
    يرى أن زمتور هو (صدى لباختين). أما ريفاتير Riffaterre، فقد تبنى في آخر
    أعماله ذ يقول الباحث ذ عن الأسلوبية صيغة التناص، واستعمالها كمرتبة من
    مراتب التأويل. وهو تبن مرتبط بأفكاره عن الوقائع البلاغية والمقروئية
    الأدبية (على مستوى افتراض تطابق متبادل بين الشكل والمضمون، فإن مرجعيات
    النصوص هي نصوص أخرى، والنصية مرتكزها التناص)(43) ويقول مارك أنجينو، عن الوظائف النقدية لمصطلح التناص:



    1. فكرة التناص، كقابلية تناصية كريستيلآا، استخدم بالدرجة الأولى لنقد
      الموضوع المؤسس، ولنقد المؤلف والعمل معا. نقد الموضوع هذا، تطلب أن تحل
      فكرة محددة للأدوات اللغوية محل الذاتية الرومانسية المتحللة.

    2. هناك مادة معرفية، يبدو أن كل دعاة التناص توجهوا إليها، وهي
      النص، المنظور إليه ككيان مستقل بذاته، حامل لمعنى ملازم له، وحيث يقوم كل
      عنصر وظيفيا، بضبط العلاقة مع الكل، والعكس أيضا. لكن البحث لم يحقق هويته
      بوضوح.

    3. المسألة الثالثة تتعلق بالدليل ذ Code، أو بالاستعمال المجازي
      الذي ينقل الدليل اللغوي إلى دليل سيميائي أو إيديولوجي. إن فكرة التناص
      كانت ترفض كل انغلاق للنص اعتبارا لأهمية النظر إلى كل نص بمثابة عمل لنصوص
      سابقة عليه. إن نقد الدليل ليس مكتملا.

    4. إن فرضية الحقل التناصي، سمحت بالحد من عملية تقليص الممارسة
      الرمزية (البراكسيس)، ومن الحكم التعسفي المنطلق من بنية تحتية اقتصادية
      مزعومة.

    5. كلمة تناص، سوف تستخدم كمصدر لنحت وابتكار العديد من المصطلحات
      التي يصعب الحصول على مصدرها. إن ما يظهر هنا هو سلطة الامتصاص للمفاهيم
      وإعادة توزيعها ومركزتها. إن مفهوم التناص يتجه للاقتران بمفهوم الحقل ذ أي
      بوصفه معارضة سجالية لمفهوم البنية. إن كلمة تناص هي مجال نقد لم ينجز بعد
      كما ينبغي للوظيفية والبنيوية. يواجه التناص بإشكالية التعددية وعدم
      التجانس، وهي إشكالية السنوات القادمة(44).


    2. 6: جيرار جينيت

    يقرر جيرار جينيت ذ Grard Genette، بأن جامع النص - ؟Larchitexte ذ يعني
    (مجموع المقولات العامة، أو المفارقة ذ أنماط الخطابات، صيغ الأداء،
    الأجناس الأدبية ذ التي ينتسب إليها أي نص مفرد). و(أقول اليوم: إن موضوع
    الشاعرية هو التعدية النصية أو الاستعلاء النصي، الذي كنت قد عرفته تعريفا
    كليا: إنه كل ما يضع النص في علاقة ظاهرة أو خفية مع نصوص أخرى). ثم يعدد
    جينيت خمسة أنماط من التعددية النصية نلخصها بما يلي:



    1. علاقة حضور مشترك بين نصين وعدد من النصوص بطريقة استحضارية، وهي في أغلب الأحيان، الحضور الفعلي لنص في نص آخر، مثل: الاقتباس.

    2. العلاقة التي يقيمها النص في الكل الذي يشكله العمل الأدبي، مع ما
      يمكن أن نسميه، الملحق النصي (العنوان ذ العنوان الصغير ذ العناوين
      المشتركة ذ المدخل ذ الملحق ذ التنبيه ذ تمهيد ذ هوامش أسفل الصفحة أو في
      النهاية ذ الخطوط ذ الرسوم ... الخ).

    3. النمط الثالث من التعالي النصي، أسميه الماورائية النصية، وعي
      العلاقة التي شاعت تسميتها (الشرح) الذي يجمع نصا ما بنص آخر، يتحدث عنه
      دون أن يذكره بالضرورة، بل دون أن يسميه.

    4. الجامعية النصية: والمقصود هنا أنها علاقة خرساء تماما، ولا تظهر
      في أحس حالاتها، إلا عبر ملحق نصي، أو هو في غالب الأحيان، (مثبت جزئيا:
      كما في التسميات: رواية، قص، قصائد ... الخ، التي ترافق العنوان على
      الغلاف).

    5. الاتساعية النصية: كل علاقة توحد نصا ذ B(أسميه النص المتسع) بنص
      سابق ذ A (أسميه النص المنحسر). وينشب النص المتسع أظفاره في النص المنحسر،
      دون أن تكون العلاقة ضربا من الشرح. (45)


    - ويعود جيرار جينيت في كتابه (مدخل لجامع النص)، ليؤكد في مقدمته (ليس
    النص هو موضوع الشعرية، بل جامع النص، أي مجموع الخصائص العامة أو
    المتعالية التي ينتمي إليها كل نص على حدة. ونذكر من بين هذه الأنواع:
    أصناف الخطابات، صيغ التعبير، والأجناس الأدبية). وهو يطبق نظريته على
    الأجناس الأدبية، حيث يثبت بعض جوامع الأجناس (46).


    الرأي
    30 كانون أول 2005م


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 9:36 am