منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    حد الخطاب بين النسقية والوظيفية

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    حد الخطاب بين النسقية والوظيفية Empty حد الخطاب بين النسقية والوظيفية

    مُساهمة   الأربعاء أكتوبر 26, 2011 6:38 am





    [center]حد الخطاب بين النسقية والوظيفية


    نبيل موميد


    مقدمة :


    اهتمت حقول معرفية
    متعددة بالخطاب، سواء من حيث التحديد(التعريف) أو التحليل : كالتحليل النفسي والسوسيولسانيات
    وبعض النظريات اللسانية كالتوزيعية مثلا…وإن استعراض مجمل مقاربات هذه الحقول للخطاب،
    يقودنا إلى وجود خاصية مشتركة بين مختلف التعريفات، وهي كون الخطاب يحيل إلى سياق يشمل
    عدة معايير تحكم تخاطب المتكلمين؛ حيث يتم الاهتمام بالإنتاج اللفظي المتبادل فيما
    بينهم لهدف محدد
    . والهدف من هذا العرض هو محاولة اختبار مدى صحة
    هذه الفرضية*، تدفعنا في ذلك رغبة تتبع دلالات
    كلمة خطاب في القواميس اللغوية
    ، قبل اختبار هذه
    الفرضية من خلال طروحات باحثين محددين
    .


    للاعتبارات السابقة
    يندرج عرضنا هذا في إطار المواضيع التي تهتم بالتحديدات اللغوية والاصطلاحية؛ لأهميتها
    في مقاربة الظواهر باختلاف مجالاتها. وبناء على هذا، قسمنا العرض إلى قسمين : سنتناول
    في أولهما الأصول اللغوية لكلمة خطاب، وسنقوم في ثانيهما بمقارنة بين تصور كل من"دومينيك
    مانكونو" وأحمد المتوكل. ولا ندعي في هذا العرض تقديم إجابة شافية عن مختلف التساؤلات
    العميقة التي يطرحها موضوع الخطاب، وإنما سينحصر دورنا في الرصد والتتبع والمقارنة
    قبل الاستنتاج.



    I- الأصول اللغوية لكلمة
    "خطاب"
    :


    قبل مباشرة الحديث عن الخطاب في مجال اللسانيات سنحاول تتبع مختلف معانيه القاموسية
    سواء في اللغة العربية أو اللغة الفرنسية. ونشير إلى أننا سنزاوج بين اعتماد القوايس
    اللغوية والاصطلاحية كلما دعت ضرورتا التدقيق والمقارنة إلى ذلك.



    1-
    في القواميس العربية
    :



    نقرأ في مادة [خطب] في لسان العرب : "... الخطب : الأمر الذي تقع فيه المخاطبة
    والشأن والحال (...) والخطابة والمخاطبة : مراجعة الكلام وقد خاطبه بالكلام مخاطبة
    وخطابا، وهما يتخاطبان (...) الخطبة اسم للكلام الذي يتكلم به الخطيب (...) الكلام
    المنثور المسجع ونحوه (...) والخطبة مثل الرسالة التي لها أول وآخر (...) والمخاطبة
    مفاعلة من الخطاب والمشاورة"
    [b][1]
    .[/b]


    يعتبر ابن منظور الخطاب مرادفا للكلام، ويجعل له بداية ونهاية دون أن يغفل خاصية
    التفاعل فيه. ومن تم فالخطاب في لسان العرب كلام عادي أو مزخرف، له أول وله آخر، وهو
    يتم بين متخاطبين أو أكثر يدخلان (يدخلون) في تفاعل بينهما (بينهم).



    ولا يضيف القاموس المحيط جديدا في هذا الصدد؛ حيث يعتبر هو الآخر الخطاب بمثابة الكلام2.


    ويورد صاحب معجم مقاييس اللغة ملاحظة هامة تؤكد ما استخلصناه من لسان العرب،
    حيث يقول في مادة [ خطب ]: "الخاء
    والطاء والباء أصلان : أحدهما الكلام بين اثنين"3. إن الخطاب كلام يتبادل بين متخاطبين.
    ومن تم، فهو تفاعل بينهما.



    وبالرغم من كون كشاف اصطلاحات الفنون قاموسا اصطلاحيا متعدد الاهتمامات فقد ارتأينا
    أن نعزز ما توصلنا إليه بالملاحظات الهامة التي يوردها؛ إذ يعتبر الخطاب بحسب أصل اللغة
    : "توجيه الكلام نحو الغير للإفهام"4 .ثم تطورت الكلمة لتدل على
    "الكلام الموجه نحو الغير للإفهام"5. إنه يميز في الخطاب بين فعل
    توجيه الكلام وبين الكلام ذاته؛ أي بين لحظة إنتاج الذات للكلام الموجه للآخر وبين
    حدث الكلام، مع التركيز في المعنيين معا على ضرورة وجود طرف آخر يحتاج إلى الفهم. ومنه
    فدور الخطاب هو الإفهام، وبدون وجود شريكين-أو أكثر- لهما الرغبة في التواصل فلا وجود
    للخطاب.



    أما للمعجم الوسيط6 فيشير إلى ما أشارت إليه القواميس
    السابقة، لاسيما لسان العرب والقاموس المحيط. وبالنظر إلى اشتمال هذا القاموس على بعض
    الإشارات الحديثة التي لم ترد في القواميس السابقة، نكتفي بإيرادها بدون تكرار ما سبق
    استخلاصه.وعليه فالخطاب"الكلام (...) والخطاب المفتوح خطاب يوجه إلى بعض أولي
    الأمر علانية (...) والخطبة الكلام المنثور يخاطب به متكلم فصيح جمعا من الناس لإقناعهم(...)
    والخطيب المتحدث عن القوم"7. إن هذا القاموس يضيف ثلاثة أشياء
    أساسية جديدة : فالخطاب موجه إلى أشخاص محددين، كما أنه يرمي إلى الإقناع، وقد يكون
    كلام الشخص المتحدث نيابة عن أشخاص آخرين.



    وحاصل الأمر أن كلمة"خطاب" في القواميس العربية تحمل دلالات متعددة،
    فالخطاب قد يكون الكلام أو فعل توجيه الكلام، وهو محدد في الحيز الزمني بنقطة بداية
    وبنقطة انتهاء، مع اشتراط وجود شخصين أو أكثر يتفاعلان (ون) فيما بينهما (هم) بهدف
    تحقيق الإفهام أو الإقناع أو هما معا.وسنرى في القسم الثاني من هذا العرض كيف تلح بعض
    التصورات الحديثة للخطاب على أهمية الدلالات التي أشارت إليها القواميس العربية.



    2-
    في القواميس الفرنسية
    :



    يورد روبير الصغير عدة دلالات للمدخل المعجمي [Discours]. ومن أهمها :


    أ‌-
    الموضوع الذي نتكلم فيه.



    ب- خطبة شفوية أمام جمع من الناس.


    ج- كتابة أدبية تعالج موضوعا بطريقة منهجية.


    د- التعبير اللفظي عن الفكر (=الكلام).


    هـ- الكلام. وقد يعني ملفوظا لغويا قابلا للملاحظة (جملة، متوالية من الجمل المنطوقة،
    نص مكتوب، وذلك على النقيض من النسق المجرد للسان).



    و- عالم الخطاب : أي مجموع أسيقته8.


    تسعفنا هذه التحديدات المختلفة في تطوير معرفتنا القاموسية بالخطاب، خاصة وأن
    التعريف يورد عدة معلومات تلامس جوانب مختلفة من مفهوم الخطاب. فطبيعة الخطاب غير ثابتة؛
    إذ قد يكون كلاما (أ-ب-د-هـ) وقد يكون كتابة (ج).وهو من حيث الحجم إما محدد (جملة-
    متوالية من الجمل، نص) أو غير محدد (كلام). كما أن الخطاب يختلف عن اللسان باعتباره
    مؤسسة فردية(شأنه في ذلك شأن الكلام)، في مقابل القواعد الاجتماعية التي تحكم اللسان.
    ويضيف التعريف ملاحظة هامة وهي أن للخطاب عالمه الخاص؛ أي أسيقته الخاصة به. إن تحديد
    روبير الصغير للخطاب يقارب عدة محاور أساسية شكلت وما تزال اهتمام العديد من الباحثين
    اللسانيين، لاسيما الباحثين اللذين سنقدم تصورهما للخطاب في القسم الثاني من هذا العرض،
    خاصة فيما يتعلق بطبيعة الخطاب ومجاله وأنماطه وسماته الأساسية.



    وتأسيسا على ما سبق، يتحدد الخطاب في"روبير الصغير" باعتباره تعبيرا
    (شفويا كان أم كتابيا) عن موضوع ما، بحيث يكون قابلا للملاحظة. وهو في هذا يقابل الملفوظ.



    ونسجل في هذا الإطار غيابا لخاصيتين أساسيتين للخطاب ذكرتهما القواميس العربية
    وهما : التفاعل بين المتخاطبين من جهة، وسعي الخطاب إلى الإفهام والإقناع من جهة ثانية.
    فهل تدارك لاروس الجيب ذكر هذه الملاحظة؟



    الخطاب بحسب لاروس الجيب هو : "فعل المخاطبة (أو التخاطب) (...)
    قطعة شفوية هدفها الإقناع (...) إنه متوالية الكلمات المشكلة للغة"9.



    يستدرك هذا القاموس خاصية الإقناع في الخطاب، غير أن المقارنة بين هذا التعريف
    وسابقه تدفعنا إلى طرح التساؤل التالي : هل الخطاب ملفوظ (روبير الصغير) أم هو متوالية
    من الكلمات المشكلة للغة (لاروس الجيب)؟



    الملفوظ بحسب قاموس اللسانيات[2] هو"كل متوالية محددة من كلمات لغة
    ما أنتجها شخص أو مجموعة من الأشخاص (...)، كما يمكن للملفوظ أن يتكون من جملة أو مجموعة
    من الجمل"11.إن
    تبنينا هذه المقاربة فلا فرق بين الخطاب باعتباره ملفوظا، وبين الخطاب بوصفه متوالية
    من كلمات لغة ما. بيد أن الأمر ليس بهذه البساطة، فجل التحديدات التي رأيناها فيما
    سبق- وتلك التي سنراها فيما بعد- تركز على خاصية أساسية للخطاب؛ ألا وهي السياق-الغائب
    في تعريف قاموس الجيب للخطاب- لذلك يميز بعض اللسانيين بين الكلمة والجملة والنص تبعا
    لوجود سياق أو انعدامه. فعبارة من قبيل "ممنوع التدخين"قد نعتبرها
    ملفوظا إن وضعناها في سياق خاص (كأن تكون مكتوبة بخطوط بارزة باللون الأحمر على جدار
    مستشفى ما
    (12. أما إن أخذناها بمعزل
    عن سياقها فهي مجرد جملة. تبعا لهذا يكون الملفوظ سياقيا، لذلك قد يستعمله البعض مرادفا
    للخطاب. ورغم أن قاموس لاروس الجيب أهمل التدقيق في تحديده لهذه المسألة، حين اعتبر
    الخطاب "متوالية الكلمات المشكلة للغة"، لا ننسى إشارته الهامة إلى
    وصف الخطاب بفعل المخاطبة/التخاطب" (
    Action de discourir). إنها إشارة ضمنية إلى ارتباط
    الخطاب بوضعية تواصلية ما ؛ذلك أن التخاطب في حقيقة الأمر تفاعل بين مشاركين أو أكثر.



    وبصفة عامة فقد اختلفت تحديدات القواميس الفرنسية للخطاب
    وفيما يلي جرد لأهم خصائص الخطاب بحسب القاموسين الفرنسيين المشتغل عليهما :



    -
    طبيعة
    الخطاب : كلام
    كتابة ملفوظ.


    -
    وظيفة
    الخطاب : الإقناع.



    -
    عالم
    الخطاب : الأسيقة التي يرد فيها.



    -
    سمته
    الأساسية : التفاعل.



    بقي أن نتساءل
    حول مختلف الفروق بين وصف القواميس العربية لحد الخطاب وبين وصف نظيرتها الفرنسية له؟



    نورد هذه الفروق في الجدول التالي :





    حد
    الخطاب





    في القواميس العربية

    في القواميس الفرنسية


    من حيث طبيعته :

    الكلام فعل توجيه

    الكلام الكتابة- الملفوظ

    من حيث حجمه :

    غير محدد ولكن له بداية
    ونهاية


    محدد مع اختلاف في تحديده
    : متوالية من الكلمات-جملة- متوالية من الجمل-نص


    من حيث أطرافه :

    بين اثنين الذات والآخر

    ليست هناك إشارة صريحة
    في هذا الباب، اللهم إلا ذكر كلمة المخاطبة أو التخاطب التي تعني الاشتراك في الفعل


    من حيث وظيفته :

    الإفهام الإقناع

    الإقناع

    من حيث شروطه الأساسية


    التفاعل

    التفاعل - السياق




    تختلف القواميس الفرنسية عن مثيلتها العربية في شيئين
    اثنين : أحدهما ثراء جهازها المصطلحي(كلام، نص، ملفوظ، متوالية...).وثانيهما ذكر شرط
    أساسي يحكم الخطاب ولا يتحقق إلا به وهو السياق.في حين تكتفي القواميس العربية بالحديث
    عن الخطاب كمرادف للكلام أو لفعل توجيه الكلام دون الإشارة إلى "السياق"،
    لكن هذا لا يعني أن القواميس العربية قاصرة في مجال تحديد الخطاب؛ إذ أشارت إلى عناصر
    هامة لم تشر إليها القواميس الفرنسية، وذلك من قبيل الحديث عن وظيفة الخطاب الإفهامية
    وتحديد مساحته الزمنية والإلحاح على أهمية وجود الغير الضروري من أجل تحقق التفاعل
    بينه وبين الذات.



    يقدم الخطاب في حدوده القاموسية دلالات متعددة.وقد أبرزت
    المقارنة بين القواميس العربية والقواميس الفرنسية اشتراكهما معا في عدد من المعاني
    واختلافهما في بعضها الآخر. والمسألة طبيعية بالنسبة إلى الحدود القاموسية باعتبار
    أن المحدد الأساسي لمعنى الخطاب هو دلالته المصطلحية. لذلك سنورد في القسم الثاني من
    هذا العرض آراء كل من الباحث الفرنسي دومينيك مانكونو والباحث المغربي أحمد المتوكل
    في حد الخطاب من أجل رصد تصورهما له ومدى تقارب أو ابتعاد فكرة كل منهما حوله. نشير
    إلى أن دومينيك مانكونو يبني تصوره على مرجعية تداولية تواصلية ويقدم أطروحته بطريقة
    بيداغوجية تخاطب بالإضافة إلى المتخصصين فئة الطلاب. في حين ينطلق أحمد المتوكل من
    منطلقات النحو الوظيفي (والمرتكز هو الآخر على خلفيات تداولية) التي تعتبر وظيفة اللغة
    الأساسية هي التواصل.



    -IIالخطاب بين النسقية و الوظيفية :



    1- تصور دومينيك مانكونو :



    يمهد مانكونو لحديثه عن "الخطاب" في مجال اللسانيات بذكر بعض الاستعمالات
    المتداولة لكلمة "خطاب" : فقد تستعمل للدلالة على بعض الملفوظان الرسمية؛
    وذلك من قبيل : "خطاب صاحب الجلالة". أو تستعمل منعوتا ينعت بكلمات تحيل
    إلى مجالات مختلفة، مثل : الخطاب السياسي، الخطاب العلمي، الخطاب الإسلامي، الخطاب
    النهضوي، الخطاب الأدبي، الخطاب اللغوي... بدون أن تحمل كلمة "خطاب" في مثل
    هذه الاستعمالات دلالات دقيقة، اللهم إلا الإشارة في الآن نفسه إلى"النسق الذي
    يسمح بإنتاج مجموعة من النصوص، وكذلك إلى هذه النصوص ذاتها"13.
    فعندما نستعمل عبارة "الخطاب الإسلامي" مثلا، نقصد المنظومة الدينية الإسلامية
    التي أنتجت مجموعة من النصوص المعرفة بالإسلام وبقيمه، والمدافعة عنه، والمقارنة بينه
    وبين باقي الديانات الأخرى...كما نشير أيضا بوساطة العبارة نفسها إلى النصوص التي تناولت
    المسألة الإسلامية بالدرس والتحليل والمناقشة...



    يموقع مانكونو "الخطاب" ضمن التداوليات،
    باعتبار اهتمامها بالعملية التواصلية وبالعلاقة التي تجمع بين المرسل (أنا) والمرسل
    إليه (أنت) والمرسلة (خطاب).و يحدد خصائصه في مجموعة من السمات الأساسية نلخصها كما
    يلي :



    + سمة المجتمعية :


    "تخضع الخطابات باعتبارها وحدات عبر -جملية(Ttransphrastique) للقواعد التنظيمية المعمول بها داخل مجتمع محدد"14.


    + سمة التوجيهية :


    "يكون الخطاب موجها، ليس فقط لأنه مشكل تبعا لوجهة
    نظر المتكلم، ولكن أيضا لأنه يتطور بشكل خطي في الزمان"15.



    + سمة الفعل والتأثير :


    "فعل الكلام هو شكل من أشكال التأثير على الغير
    وليس فقط تمثلا للعالم"16.



    + سمة التفاعلية :


    "الخطاب، باعتباره نشاطا لفظيا، نشاط بيني يشرك
    شريكين بحيث يبرزان في الملفوظ من خلال الزوج أنا-أنت"17.



    + سمة السياقية :


    "لا وجود لخطاب إلا داخل سياق معين"18.


    + سمة الذاتية :


    "لا يعتبر الخطاب خطابا إلا إذا أرجع إلى ذات؛
    إلى أنا تمثل في نفس الآن مصدرا لتحديد الشخصية والزمكانية، وكذا تحديد موقفها إزاء
    مقولها ومخاطبها"19.



    + سمة التبريرية :


    "يخضع الخطاب- شأنه في ذلك شأن باقي السلوكات الأخرى-
    لعدة معايير"20.



    + سمة التبعية :


    "لا معنى للخطاب إلا داخل عالم خطابات أخرى يشق
    عبرها مساره الخاص"21.



    يتميز "الخطاب" من وجهة نظر مانكونو بإطار
    خاص يميزه عن الجملة، وذلك بالنظر إلى حضور العناصر المقامية فيه. والملاحظ أن الخطاب
    بحسب هذا التصور يرقى إلى مفهوم النسقية. لكن قبل تفصيل الفكرة، لا بد من الإشارة إلى
    أن السمات المذكورة أعلاه قابلة لإعادة التصنيف : فمن جهة عندما نربط الخطاب ببنية
    المجتمع ونجعله خاضعا لها، فنحن في الحقيقة نلح على أهمية المقام، بوصفه عنصرا ضروريا
    لتحقق الخطاب وفهمه، وعندما نجعل من الخطاب فعلا مبررا (مثلا : طرح السؤال يقتضي جهل
    الجواب)، فإننا في الحقيقة ندمجه ضمن شبكة
    من الأنساق الخطابية التي لا يمكن للخطاب أن يتواجد إلا داخلها. ومن تم، نقترح إدراج
    سمات المجتمعية والتبريرية والتبعية ضمن سمة واحدة أعم وهي "المقامية"؛ فالخطاب
    مقال يخضع لمقام معين محكوم بأسيقة لغوية خاصة.



    ومن ناحية ثانية نرى أن تركيز مانكونو على السمة
    التفاعلية للخطاب (أنا-أنت) يرتبط بشكل وثيق بسمة الذاتية والتوجيهية وسمة الفعل والتأثير
    فلا وجود لخطاب بدون "أنا" منتجة (الذاتية) وموجهه له تطمح إلى التأثير في
    الآخر.ونقترح في هذا الإطار إدماج هذه السمات الثلاث ضمن سمة/قانون : التواصل التفاعلي.
    فالخطاب مشروط بتحقيق تواصل تفاعلي، يشرك شخصين أو أكثر بدون أن ينحصر دور أحدهما في
    الإرسال أو في التلقي بل على العكس من هذا يتبادلان مواقعهما تبعا للوضعيات المقامية.
    ونمثل لهذا التفاعل بالشكل المبسط الذي اقترحه يوري لوتمان للتواصل الفني21:









    حد الخطاب بين النسقية والوظيفية
    أنا
    أنا





    فكل أنا (ذات) ترغب في إقامة تواصل مع أنا أخرى (ذات
    أخرى)، لكن مع ضرورة أن تكون كل ذات تشاركية تسعى من خلال خطابها إلى التدليل قصد الإفهام
    بهدف الوصول إلى التفاعل.



    وهكذا فالخطاب يتميز بثلاث سمات أساسية:


    -
    المقامية



    -
    السياقية



    -
    التواصل
    التفاعلي



    إن الخطاب نسق لغوي مقامي مشروط بسياقه اللغوي ويتوقف
    تحققه على تحقق تواصل تفاعلي بين طرفيه.وبالرجوع إلى فكرة نسقية الخطاب، نقترح تعريف
    الخطاب بوصفه نسقا تفاعليا مفتوحا على أسيقة مقامية متعددة : لغوية، اجتماعية، سياسية،
    ثقافية... ونمثل لهذا بالخطاطة التالية المستوحاة من "المقاربة النسقية"
    في المجال الاقتصادي:



    حد الخطاب بين النسقية والوظيفية Image001 أنا
    أنا







































    بحيث تكون المدخلات مشكلة من مواد لغوية (أصوات وكلمات
    وجمل،...) تتفاعل مع دلالاتها المقصودة (سواء الحرفية أو الانزياحية)، قبل الوصول إلى
    مرحلة المخرجات أو الخطاب الفعلي المتحقق. ونلاحظ أن العلاقة بين المتخاطبين علاقة
    تفاعلية تشاركية يتم فيها تبادل الخطابات تبعا للظروف المقامية التي أنتج فيها، ولمحيطه
    السياقي(اللغوي بطبيعة الحال).



    2- تصور أحمد المتوكل :


    خصص أحمد المتوكل كتابه : قضايا اللغة العربية في اللسانيات
    الوظيفية، بنية الخطاب من الجملة إلى النص22 لمقاربة
    بعض القضايا اللغوية التي "لا يمكن تناولها التناول الملائم والكافي إلا إذا تمت
    مقاربتها في إطار خطاب متكامل"23،
    وذلك بهدف استكمال مشروعه اللساني ليشمل الخطاب أيضا. والكتاب بأكمله هو محاولة لاختبار
    مدى صحة فرضية سيمون ديك حول كون"بنية النص تشاكل إلى حد بعيد بنية الجملة"24.
    ويبدو واضحا أن النحو الوظيفي لا يهتم بإقامة الحدود بين النص والخطاب؛ إذ يعتبرهما
    مسميان لمفهوم واحد في غالب الأحيان.



    يرى أحمد المتوكل أن الخطاب هو : "كل إنتاج لغوي
    يربط فيه ربط تبعية بين بنيته الداخلية وظروفه المقامية (بالمعنى الواسع)"25.
    بينما يعرف سيمون ديك الخطاب بقوله : "لا يتواصل مستعملو اللغة الطبيعية عن طريق
    جمل منعزلة بل إنهم يكونون من هذه الجمل قطعا أكبر وأعقد يمكن أن نطلق عليها اللفظ
    العام "الخطاب" "26.



    والملاحظ أن تعريف أحمد المتوكل أعم من تعريف سيمون
    ديك؛ فالأول يوسع مفهوم الخطاب ليشمل كل إنتاج لغوي كيفما كانت طبيعته (شبه الجملة
    والجملة والنص)، بينما يقصره الثاني على ما وراء الجملة؛ أي أن الخطاب مشكل من مجموعة
    من الجمل لا من جملة واحدة. ويشترك التعريفان في ربط الخطاب بوظيفته التواصلية. فالمتوكل
    يميز بين الخطاب وباقي الإنتاجات اللغوية الأخرى استنادا إلى وجود ظروف مقامية أو انعدامها.
    في حين يصرح ديك بأن الخطاب تواصلي بامتياز.



    مما سبق يتضح أن الخطاب في النحو الوظيفي هو مجمل الاستعمالات
    اللغوية المشروطة بالأسيقة التي وردت فيها، والتي تهدف تحقيق التواصل بين شخصين أو
    أكثر وذلك قصد تأسيس فضاء تواصلي تفاعلي.



    وبالنظر إلى اقتضاء العملية التواصلية شريكين- أو أكثر-
    يتفاعلان فيما بينهما، فإن المحرك الذي يغذي هذه العملية هو المستوى المعرفي للمتواصلين،
    أو ما أسماه المتوكل بـ"المخزون المعلوماتي"حيث ميز بين ثلاثة أنواع من المعارف
    :



    1-
    المعارف
    العامة.



    2-
    المعارف
    المقامية.



    3-
    المعارف السياقية.




    فالأولى "تتعلق بمدركات المتخاطبين عن العالم"،
    والثانية مشتقة من عناصر المقام الذي تتم فيه عملية التواصل"، والثالثة
    "يوفرها للمتخاطبين ما تم إيراده في قطعة خطابية سابقة"27.
    وهكذا فالخطاب محكوم دائما بالمعرفة،" فلا خطاب بدون معرفة28.



    تحصل لدينا إلى حد الآن أن الخطاب يتميز بـ :


    1-ربط بنيته اللغوية (الأصوات والوحدات المعجمية والعلاقات
    التركيبية...) بظروفه المقامية.



    2- وظيفة الخطاب الأساسية هي التواصل وتحقيق التفاعل
    بين الذوات المتواصلة.



    3- ضرورة توفر معارف عامة ومقامية وسياقية لدى المتخاطبين،
    تبرر إنتاج الخطاب ومن تم التواصل.



    ونشير في هذا الإطار إلى كون التعريف الذي أعطاه المتوكل
    للسياق، اعتمادا على (ديك 1997

    ب)، غير تام ما دام السياق لا يتضمن فقط العناصر اللغوية
    السابقة للخطاب، وإنما أيضا تلك التي تتلوه.وقد قدم ديكرو تعريفا متميزا للسياق حين
    قال : "يشير السياق إلى المحيط اللساني المحض لعنصر ما(...) داخل الملفوظ، أي
    سلسلة العناصر التي تسبقه وتتلوه داخل هذا الملفوظ، وبتعبير تخصصي المركبات التي تنتمي
    إليها تلك العناصر"29.



    ورغم كون
    تعريف ديكرو للسياق كان منحصرا في اهتمامه بمكونات الملفوظ، فمن الممكن توسيع هذا التعريف
    ليشمل الخطاب، واعتباره محكوما بسياق يتكون من مجمل الخطابات التي سبقته وأيضا تلك
    التي ستعقبه.



    وفي إشارة مهمة إلى أنماط الخطاب يبسط المتوكل بعض المعايير
    المعتمدة في تصنيف أنواع الخطابات إلى أنماط وذلك من قبيل :



    - غرض الخطاب (خ. سردي، خ. وصفي...)


    - نوع المشاركة فيه (مونولوج، حوار ثنائي...)


    - طريقة المشاركة (مباشرة، شبه مباشرة، غير مباشرة)


    - نوع قناة تمريره (كتابية، شفوية)


    - وجهه (خ.موضوعي، خ. ذاتي وذلك حسب المعنى الذي اقترحه
    إيميل بنفسنت)30.



    غير أن المتوكل
    يوجه عدة انتقادات لهذا التصنيف، منها أن هذه
    المعايير، فضلا عن أنواع الخطابات المكونة لها، هي غير نهائية.لذلك فمن الضروري مراعاة
    مجموعة من المتغيرات. وفي هذا الصدد يقترح المتوكل شرط النمط الخطابي بـ"عالمه
    وأسلوبه وبنيته"31.



    ولنأخذ مثالا توضيحيا نشرح فيه هذا الاقتراح : فالخطاب
    السردي مثلا له عالمه الخاص المكون من لحظات سردية وثانية وصفية وثالثة حوارية...عالم
    يمزج الواقعي بالمتخيل والحقيقي بالمتوهم... وهذا يعني أن أسلوبه سيختلف بالضرورة عن
    أسلوب المحادثة الشفوية أو غيرها من أنواع الخطابات الأخرى. بل إن الأسلوب السردي يختلف
    باختلاف الكتاب. كذلك الأمر بالنسبة إلى بنية الخطاب فقد يكون جملة (بسيطة أو معقدة)
    أو نصا. ونشير في هذا الإطار إلى اعتبار المتوكل النص "وحدة بنيوية من وحدات الخطاب
    تحتل أعلى مرتبة في سلمية التعقيد باعتبارها مجموعة جمل"32.



    وهكذا فإن الخطاب بحسب المتوكل استعمال لغوي محكوم بعالمه
    الذهني وأسلوبه الخاص وبنيته الداخلية وهو يتطلب معارف عامة ومقامية وسياقية قصد تحقيق
    التواصل بين المشاركين حول موضوع معين ولهدف محدد.



    فما الفرق بين التصورين السابقين؟ وفي ماذا يختلف تصور
    مانكونو عن تصور المتوكل؟



    من خلال المقارنة بين الرأيين السابقين-رأي "دومينيك مانكونو" ورأي
    "أحمد المتوكل"- نسجل تقاطع تصوريهما
    في عدة نقط؛ إذ يؤكدان معا أساسية حضور عنصرين أساسيين في الخطاب، وهما : السياق اللغوي
    الذي ورد فيه (الخطابات التي تسبق الخطاب، والخطابات التي تأتي عقبه)، وأيضا الظروف
    المقامية التي صيغ في إطارها (الفضاء الزمكاني، الذوات المتخاطبة، الأحوال النفسية…).كما
    يتفقان في اعتبار الوظيفة الأساسية للخطاب
    -شأنه في ذلك شأن اللغة- هي التواصل أو ما يسمى"بالتواصل التفاعلي الذي يشرك
    ذاتين متواصلتين على الأقل في تفاعل مستمر فيما بينهما.



    ومرد هذا الاتفاق-في نظرنا- انطلاق كلا الباحثين من منطلقات تداولية وإن اختلفت
    مرجعياتها؛ "فدومينيك مانكونو" يتبنى عبر مجموعة من الكتب والدراسات نظرية
    تحليل الخطاب الموجهة بأبحاث سورل وأوستين وغيرهما من الباحثين الذين اهتموا بالأفعال
    الكلامية والنظريات التواصلية...



    أما "أحمد المتوكل" فيؤسس
    تصوره على النحو الوظيفي الذي يعتبر التواصل الوظيفة الأساسية للغة، على عكس ما تذهب
    إليه الأنحاء الصورية.



    ويكمن الاختلاف بين التصوريين في استحضار المتوكل لخصائص خطابية هامة، لم ترد
    لدى
    مانكونو، خاصة في إشارته
    إلى ضرورة توفر المتخاطبين على مخزون معرفي ثلاثي الأبعاد (معارف عامة ومعارف سياقية
    ومعارف مقامية)33،
    دون أن نهمل اشتراطه في النمط الخطابي لثلاث خصائص : العالم "الخاص" والأسلوب
    "الخاص" والبنية "الخاصة" من أجل تمييزه عن الأنماط الخطابية الأخرى.



    وقد اقترحنا في سياق محاولة وضع حد للخطاب، اعتباره نسقا(بكل ما تحمل كلمة نسق
    من دلالة) مفتوحا على سياقه اللغوي ومقاماته المفترضة
    . إنه تبادل للمعلومات بين ذوات تؤمن بأهمية التواصل الرامي إلى الإفهام والإقناع.



    حاولنا من خلال
    هذا العرض البحث في حد الخطاب من خلال استعراض مجموعة من التعريفات القاموسية واللسانية
    كان الهدف منها التحقق من صحة الفرضية المطروحة سابقا، وقد تأكدت صحتها من خلال التعريفات
    المسوقة والاستنتاجات التي وقفنا عليها. ومع ذلك يبقى الخطاب بخصائصه وسماته الموصوفة
    مجالا خصبا للدراسة والبحث خاصة وأن مجالات معرفية عديدة تشترك في الاهتمام به، في
    محاولة جادة لاستكناه حقيقته والقبض على دلالاته المستعصية.














    *- اعتبرنا القاسم
    المشترك في تعريف المجالات السابقة للخطاب بمثابة فرضية



    [1]-
    لسان العرب، ابن منظور الإفريقي، مج 5، دار صادر، بيروت، ط 3، 2004، مادة [خطب]، ص
    97

    98.







    2
    القاموس المحيط، الفيروز آبادي، ضبط وتوثيق يوسف الشيخ محمد البقاعي،
    دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، 2003، مادة [خ ط ب] يقول : "... خطب
    الخاطب على المنبر خطابة بالفتح وخطبة بالضم وذلك الكلام : خطبة أيضا، أو هي الكلام
    المنثور المسجع ونحوه" ص 76







    3 معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، وضع حواشيه إبراهيم شمس الدين، ج1، منشورات محمد
    على بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1999، ص 368.







    4 كشاف اصطلاحات الفنون، محمد علي بن علي بن محمد
    التهانوي الحقي، وضع حواشيه أحمد بسج، مج 2، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 2،
    2006، ص 5.







    5
    المصدر السابق، ص 5.







    6
    المعجم الوسيط، مؤلف جماعي، ج
    I،
    مجمع اللغة العربية، المطبعة الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، استانبول تركيا، ط
    2، 1972، مادة [خطب].







    7
    المصدر السابق، ص 242-243







    8 - Le petit
    Robert, sous la direction de: Josette Rey Debove et Alain Rey, 2001, p 735
    (بتصرف)







    9 - :113 p , Larousse de poche,
    librairie Larousse, 1968







    [2] - Dictionnaire de linguistique, Jean
    Bubois et autres, Librairie Larousse, Paris.







    11 - Ibid, p: 191






    12 - (بتصرف) Anlyser les textes de
    communication ;Dominique Maingueneau ,Dunod ,Paris,1998,p: 42.







    13 -
    Analyser les
    textes de communication,Ibid, p: 37







    14 -
    Ibid, p. 38







    15 - Ibid, p: 38






    16 - Ibid, p: 39






    17 - Ibid, p: 39






    18 - Ibid, p: 40






    19 - Ibid , p: 41






    20 - Ibid, p: 41






    21 [font:

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 12:23 am