لمبحث الثالث : المقوم الدلالي / التصويري
يتشكل المقوم الدلالي للخطاب الشعري من فاعلية العلاقية بين عناصر عمود الشعر البنائية في مستوى الصوت والتركيب عناصر مولدة للمعنى في: الإصابة في الوصف، والمقاربة في التشبيه، ومناسبة المستعار منه للمستعار له. غير أن نظرة في هذه العناصر ومقوماتها عند المرزوقي تكشف عن أن فهمه لها مجتمعة ينصب في القدرة الفنية على أن يكون المعنى واضحاً مفهوماً للمتلقي.
فإذا استخدم الشاعر لغة مجازية، عليه أن يعمل جاهداً على أن تكون تلك اللغة خالية من الغرابة، وأن يعتمد أسلوباً مفهوماً بعيداً عن الغموض، كأن أية قراءة لا تؤدي إلى استخراج المعنى بصورته الحقيقية تؤدي إلى ضياعه، لذلك لم يميلوا إلى التأويل لأنه يوقع القارئ في شراك الالتباس، فالإفهام مطلوب من الشاعر، والاستعارة ينبغي أن تكون مناسبة والمناسبة تعني التقارب بين المستعار منه والمستعار له، أي وجود قرينة، تعمل على إدراج المعنى ضمن المألوف، ليكون واضحاً سهلاً، ولأن الدلالة تؤدي إلى التصور، فإن مقياس عمود الشعر أن تكون هناك مقاربة بين طرفي التشبيه تساعد على التصور، بأن يكون المشبه به أجلى صفة وأخص عرفاً حتى تستقيم الصورة في الإدراك، لأن الصفة الأخص تدل على شيء وتدفع عنه الغموض والالتباس. وفي هذا السياق كانت الاستعارة مبنية على التشبيه في السياق الدلالي. وقد كان عيارها عند المرزوقي الذهن والفطنة لأن العرب "إنما إستعارت المعنى لما ليس له إذا كان يقاربه أو يدانيه أو يشبهه في بعض أحواله أو كان سبباً من أسبابه، فتكون اللفظة المستعارة حينئذ لائقة بالشيء الذي استعيرت له وملائمة لمعناه" ([1]) ولهذا كان أبو تمام خارجاً عن عمود الشعر في قوله ([2]):
تحمَّلتَ ما لو حُمِّلَ الدهرُ شَطرهُ
لفكَّرَ دهراً أيّ عبئيهِ أثقلُ
إذ جعل للدهر عقلاً مفكراً، وكان من المناسب على وفق العرف أن يقول: لانهد، أو ما شابهه مما يرضاه العرف.
ولبيان كيفية اشتمال عناصر عمود الشعر الثلاثة السابق ذكرها، على مستوى دلالي لا بد من إيضاح مفهوم الدلالة ذاتها، تمهيداً لقراءة هذه العناصر دلالياً، لإيضاح حدود المستويات الأسلوبية التي بني العمود عليها، وما نحن بصدده من المستوى الدلالي.
تتعدد وسائط التحول الدلالي إذ تشمل، الاستعارة، والتقديم والتأخير، والتمثيل والزيادة والنقصان والقلب والكناية والتعريض والمبالغة، والرمز والتلميح وسوى هذا. حتى الوزن يمكن عده عنصراً دلالياً في النص حيثما ساعد على تعميق البنية الدلالية. وتزداد قيمته الفنية حين يضفي على الاختلافات الدلالية مظاهر من تمثلات صوتية ([3]). لأن الترابط العضوي الذي يتوفر عليه النص الشعري بين التحولات الدلالية والبنى الإيقاعية يستوعب التعبير عن مكنون الذات بأسلوب فني مؤثر ([4]).
وفي علاقة اللفظ بالمقام من حيث الدلالة يقول الجاحظ "ولكل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ، ولكل نوع من المعاني نوع من الأسماء، فالسخيف للسخيف، والخفيف للخفيف، والجزل للجزل" ([5]) على أن لسان العربي الأول في القول والتلقي مبني على الارتجال في القول والاستقبال، لأن البداهة والطبع صفة الاعراب "وأحسن الكلام، ما كان معناه في ظاهر لفظه" ([6]).
وقد انطلق الشريف الجرجاني من هذا المبدأ في فهم الدلالة على أنها "كون الشيء بحالة يلزم من العلم به، العلم بشيء آخر، والشيء الأول هو الدال والثاني هو المدلول وكيفية دلالة اللفظ على المعنى باصطلاح علماء الأصول محصورة في عبارة النص.. فإن كان الحكم مفهوماًَ من اللفظ فهو الدلالة.. فدلالة النص عبارة عما ثبت بمعنى النص لغة، لا اجتهاداً، فقوله، لغة أي يعرفه كل من يعرف هذا اللسان بمجرد سماع اللفظ من غير تأمل" ([7]).
فالمعنى الدلالي عند الجرجاني هو المبين عما في النفس بالاعتماد على المعنى المقالي أي الوظيفي (الصوتي، الصرفي، النحوي) مع ملاحظة كون المعنى الاجتماعي أساساً في فهم المعنى الدلالي وفي اكتماله أيضاً ([8]) لأن الاستعمال هو ما يخلق المعنى ([9]).
والوظيفة لا تتشكل إلا في سياق مخصوص ([10]).
وفي ضوء هذا نفهم كيف أكد علماء العربية القدماء، على دور السياق في التحول الدلالي الصادر عن تغير السياق ([11]). وهنا كان بديهياً أن يأتي بحث دلالة اللفظ المعجمية سابقاً على مراحل دراسة المعنى، من خلال السياق بنوعيه اللفظي والحالي ([12])، لأن المرسل هو الذي يمنح الأصوات معانيها بناء على التراكم السياقي، العام والخاص ([13]).
وقد كان التفنن في الكلام عملية تبقى في كل الحالات رهينة إشباع الدوال بالمدلولات ([14]). وفي هذا السياق نجد الأسلوب صراعاً متواصلاً ضد اعتباطية الدال، "وهذا الصراع يتوقف أكثر على ما يتهيأ من إمكانيات تقليب الظاهرة اللغوية في الكلام، لتوفير أكثر ما يمكن من الدلالة فيها، وهذه نزعة إلى تجاوز الدلالة الأفقية الدنيا إلى دلالات قصوى مختلفة الاتجاهات ومتولدة عن تفاعل مختلف إمكانيات التقليب التي يخلقها الشاعر في الكلام" ([15]) على أن اعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول تشير إلى أن بينهما علاقة غير محللة لعدم وجود علاقة طبيعية بينهما على صعيد الواقع ([16]). "فالدال هو الترجمة الصوتية لتصور ما، والمدلول هو المستشار الذهني لهذا الدال، ومن هنا تتضح الوحدة البنائية في الإشارة اللغوية بين الدال والمدلول" ([17])، وفي هذا السياق نظر الدرس الأسلوبي الحديث للغة على أنها: "مجموعة علامات، والعلامة هي ما يدرك بالحس، رؤية أو سماعاً أو لمساً، وبإدراك الحس له، يدرك به شيء غيره، والعلامة الألسنية مفهوم مركب من مظهر حسي فيزيائي، تدركه العين كتابة، ويدركه السماع ملفوظاً، ويسمى الدال ومظهر مجرد هو المتصور الذهني الذي "يدلنا" عليه ذلك الدال، والذي بحصوله نقول: إننا فهمنا الدال، ويسمى هذا المظهر المدلول، أما العملية التي يقترن بها الدال بالمدلول في أذهاننا، فهي التي تسمى الدلالة، وقد ألح سوسير على الالتحام القائم بين الدال والمدلول حتى شبههما بوجهي ورقة واحدة" ([18]).
ومما ميز الأسلوبية من البلاغة في البحث الدلالي "أن البلاغة اكتفت بالنظرة التبادلية للكلمات، "وضع واحدة مكان الأخرى" دون محاولة البحث في علاقاتها التتابعية "وضع الواحدة إلى جوار الأخرى" وبالنتيجة فقد استأثر محور الانتقاء بالأفضلية على محور التأليف، وواضح أن التركيز على محور الانتقاء يحصر البحث في نطاق علم الدلالة" ([19]).
وقد صار النظر إلى الدلالة كونها اتحاداً شاملاً بإطار متكامل بين الدال والمدلول غير قابل للتجزئة ([20]). مرتبطاً بكون دلالة الكلمة، لا تفتقر إلى مدلولها فقط "وإنما تحتوي على كل المعاني التي تتخذها ضمن السياق اللغوي، وذلك لأن الكلمات في الواقع لا تتضمن دلالة مغلقة، بل تتحقق دلالتها في السياق الذي ترد فيه، وترتبط دلالة الجملة بدلالة السياق الذي ترد فيه" ([21])، والدوال في هذا السياق تؤدي وظائف معقدة من خلال ما تحمله بوصفها صوراً سمعية، من طاقة نفسية مركبة مشحونة بالرغائب والمعطيات الحسية، فتحرك تلك الدوال كل مكونات نفسية المتلقي، خالقة وجوه دلالتها الذاتية، تلك الدلالة الصادرة أحياناً عن محاكاة صوتية وأحياناً عن صفة تعبيرية في العلامات اللغوية. وفي سياق المحاكاة الصوتية "فإن الصوت المعزول –وان انقطعت صلته بالدلالة –بمقتضى عزله عن الإطار الدلالي الأدنى، فإنه بحكم انعقاد صلة له جديدة بأصوات معزولة مثله، يكتسب صلة بالمدلول، إثر ربط هذه الأصوات بعضها ببعض، وربط المعاني بعضها ببعض، فيصبح ذا طاقة دلالية، في البيت، وبعبارة أخرى نقول: رغم إيماننا الراسخ باعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول عامة، فإننا نؤمن بعلاقة حقيقية بين مظاهر الدوال معزولة.. وبين إطار الدلالة"([22]).
وهذا الأمر يتميز من لغة لأخرى، وأحياناً من عصر لآخر في عرف اللغة الواحدة، وهنا يأتي علم الدلالات ليعنى "بدراسة انتظام الدوال الألسنية في الظاهرة اللغوية عموماً، رغم ما يميز اللغات بعضها مع بعض، من نواميس نوعية في توليد الدلالات، فعلم الدلالات يسعى إلى عقلنة الظاهرة الدلالية أو عقلنة ظاهرة الدلالة" ([23]).
ومن خلال هذا يمكن أن نميز نوعين من الدلالة، أولهما الدلالة الذاتية في لغة الخطاب، وثانيهما الدلالة الحافة، والأولى "تتكون من المضمون الإعلامي (الدلالي) المنطقي للإشارة اللغوية، ويمكن أن نحدده بالعلاقة بين الكلمة وما تدل عليه، من شخص أو شيء أو صفة أو حدث خارج النظام اللغوي، أي بمعنى الكلمة كما يفهمه جميع متكلمي اللغة الواحدة" ([24]) أما الدلالة الحافة فتتكون "من مجموع الأنظمة الدالة التي يمكن اكتشافها في نص ما، إضافة إلى الدلالة الذاتية وهي تحد إجمالاً بكونها: المعنى الإضافي الذي توحي به كلمة ما، زيادة على معناها الأصلي" ([25]) وهنا فإن الدلالة الحافة "توحي أكثر مما تعبر، ومنها الطاقة الإيحائية في اللغة، وتعد سمة أسلوبية ما لم تتأثر أو تتكاثف، فتصبح عائقاً في الفهم، ومفهوم الإيحاء التمازج بمفهوم الإيجاز في البلاغة العربية ويمكن تعريف سمة الإيحاء بأنها: حضور دلالة في الكلام، ليس في عناصره ما ترتبط بها مباشرة" ([26]).
وقد ميز بعض الدارسين بين نوعين من الدلالة الحافة "نوع اجتماعي، ونوع نفسي، ولكنها في جميع الحالات تكون، إما حرة أو إجبارية، وهي تكون حرة على الأخص في النص الشعري، ذلك أن القصيدة غالباً ما تتضمن "فجوات منطقية" يفسرها كل قارئ أو سامع وفقاً لخياله، أو لثقافته، أو لتجربته الخاصة، أو لمعرفته بالشاعر ذاته، ولكن حرية اكتشاف دلالات حافة في قصيدة لا تكون كاملة. فالدلالة الحافة ليست بيتاً واحداً ينتخب من القصيدة ويقرأ دون سائر الأبيات، وبمعزل عنها يتضمن من الدلالات الحافة مالا يتضمنه حكماً، البيت ذاته، إذا قرأ ضمن القصيدة، أو من خلال الديوان" ([27]).
وقد أشار (بارت) إلى ما أسفرت عنه نقاشات طويلة بين اللسنانيين دارت حول واقعية المدلول أجمعت تقريباً على كونه ليس شيئاً "إنما هو تمثّل نفسي للشيء" ([28]) وفي هذا رأى أن مادية الدال تفرض "التميز الواضح بين المادة والماهية، فالماهية يمكن أن تكون غير مادية (مثل ماهية المحتوى) إذ يمكن القول فقط بأن ماهية الدال مادية دائماً: أصوات، أشياء، صور" ([29]) وقد ذكر بارت بأن "الدلالة تنتمي لماهية المحتوى، والقيمة تنتمي إلى شكل المحتوى.. ويرتبطان بعلاقة جدلية باعتبارهما مدلولين وليس لأنهما دالان طبعاً" ([30]).
وفي سياق الدلالة الحافة السابق ذكرها، يمكن النظر إلى أن مقومات عمود الشعر لم تقصر أثرها الدلالي في الاتجاه العرفي أو الذاتي فقط، إنما كانت تقترب من الدلالة الحافة على الرغم من أن عمود الشعر، في إطار المقومات الدلالية (الإصابة في الوصف والمقاربة في التشبيه، ومناسبة المستعار منه للمستعار له) قد حرص على وضع معيار لكل واحد من تلك المقومات، وكأن ذلك المعيار يحدد الاستعمال والكلام كما قال (بارت) ([31]) إلا أن هذا التحديد إنما كان ليجعل من الدلالة الحافة، دالة على الطبع متصلة –من جهة بعدها المجازي –مع العرف اللغوي /الاجتماعي، بأكثر من سبب يجعلها ضمن سياق الخطاب الشعري، دالة على فطنة الشاعر ومقدرته الفنية على الإمتاع الجمالي بعيداً عن الغموض (السهل الممتنع) لأن سائر مقومات العمود الشعري تتوخى معنى أخلاقياً، لأن ما هو أخلاقي في عمود الشعر ينبغي أن يكون ممتعاً جمالياً حتى يكون شعرياً.
الإصابة في الوصف:
الإصابة في الوصف أول ثلاثة عناصر في عمود الشعر، تتصل بالمستوى الدلالي، إذ يكشف المفهوم عن نية مسبقة لأن يكون الواصف حاد الذكاء وحسن التمييز في أن يجعل كلامه من جهة دلالته على مقام القول، مثالاً صادقاً، في صدق ارتباطه بالواقع متصلاً بالذاكرة التي يرتضيها العرف، لأن هذا هو علامة الإصابة في الوصف، ودلالتها ما يفسره قول عمر بن الخطاب (رض) في زهير أنه "كان لا يمدح الرجل إلا بما يكون للرجال" ([32])، وقول علي (رض) حين سأله عمر (رض): "من أشعر الناس؟ قال: الذي أحسن الوصف وأحكم الرصف، وقال الحق" ([33]).
والأمر هنا لا يعني اقتصار لغة الشعر على مستوى الدلالة الذاتية، إنما هي الدلالة الحافة مرتبطة بقرينة يعيها العرف ويدركها المتلقي، مع النظر إلى مفهوم الدلالة الأدبية على أنه "طريقة أداء العناصر لوظائفها في العمل الأدبي ضمن شبكة العلاقات المتبادلة بينها، والكيفية التي تنتظم فيها تحقيقاً لفاعلية خاصة" ([34]).
وإذا قام الأدب على محاولات كشف عن المخاض الجدلي الذي يعيشه العالم، أو لما يعيشه الإنسان أولاً، فإن الدلالة الأدبية تتمثل بالدرجة الأساس في أدوات فنه وطرائق تعبيره. ومحاولة إنتاج الدلالة الأدبية، إنما تكون في السعي لها في خلال إنتاج النص الأدبي عبر ما تمثله مرجعية الكاتب الثقافية من تناص قد يتجلى في إنتاجه الدلالي، ثم ما يتمثل لدى المتلقي بوصفه منتجاً آخر للدلالة.
وفي هذا الإطار كانت "السمة المشتركة التي تجمع كل المناهج النقدية الآن، أو بين معظمها على الأقل، في هذا العصر، هي أنها جميعاً تبحث عن أبنية العمل الأدبي، كي تعثر على دلالته، وتدرج كيفية قيامه بوظيفته" ([35]).
فالنقد الأدبي نظر منهجي حر ومنظم في آن معاً، يسعى دائباً لاكتشاف عالم النص الأدبي، والوقوف على القوانين التي انتظمته، وحكمتها حركة العمل الأدبي، مع ملاحظة أن نقد القدماء قد وقف في كثير من الدراسات على البنيات المكونة للأعمال الأدبية، في محاولة لدراسة العناصر الماثلة فيها، على أن ذلك النقد كان ملتزماً حداً معيارياً مستمداً من مقولاته الخاصة، والأحكام ذات القيم الخلقية، وهو ما يؤدي إلى شيوع نسب من التعميم في قراءة النص الأدبي نقدياً، ومن هنا نفهم كيف طالب العمود بأن يكون الأديب مصيباً في وصفه، مدلاً في إصابته على ذكاء يحدث حسن تميير في خلق الدلالة الأدبية.
ويجمع عنصر العمود في هذا السياق، بين ملاحظات الناقد ونتائجه ورغباته وأحكامه النقدية وهو أمر لا يخدم النقد الأدبي، لأن من مسلمات أحكامه النقدية، أو من مسلمات كل نظرية أدبية.. أن تقييم طبيعة الدراسة العلمية للأدب على ضرورة الفصل بين التقييم والتأويل، وأن تنمي مناهجها بحيث تضمن لملاحظات الناقد ونتائجه، أن لا تختلط برغباته وأحكامه... ([36]).
فقد صار بديهياً في النقد الحديث عدم التركيز فيما يقوله النص الأدبي بالقدر نفسه الذي يتم التركيز فيه، على الطريقة التي يقول بها النص ما يقوله أو يريد قوله، على أن في هذا تعسّفاً صادراً عن كون الشكل (شكل النص الأدبي) إنما هو معطى فني يؤدي إلى بنيته المضمونية أو محتواه، لأن طريقة القول جزء من القول نفسه. ومطالبة القدماء بالإصابة في الوصف من جهة المضمون أو المحتوى أو ما يتصل النص به على صعيد الواقع.
ويبدو أن السبب وراء بحث القدماء في الأدب عن مضمونه أو محتواه أولاً، أي عن المضمون أكثر من طريقة التعبير عنه، كان بسبب من توخيهم –في الخطاب الأدبي –حداً نفعياً معيناً مقيساً بمعيار سابق عليه، أثبت ذلك المعيار نفعه على صعيد السلوك بوصفه مضموناً، فضلاً عن نظرهم إلى اللغة من خلال القاعدة المعيارية، التي تضمن للغة في مرحلة الخطاب (الكلام) أداء محتواها بشكل دقيق، وهذا ما جعلهم ينظرون إلى قواعد اللغة بمنظار (القداسة) وإلى معايير الكلام، الأدبي بمنظار المرجعية الخاصة.
وفي ضوء هذا نفهم قول (رولان بارت) من أن اللغة الشعرية حين تضع الطبيعة موضع التساؤل، بكيفية جذرية عن طريق التأثير الوحيد لبنيتها، من دون اللجوء إلى محتوى القول، ومن دون التوقف عند محطة أيديولوجية ما، فإنه لا تعود هناك كتابة، بل توجد فقط أساليب من خلالها يقلب الإنسان نفسه كلية، ويواجه العالم الموضوعي، من غير أن يمر بأي وجه من وجوه التاريخ أو الألفة الاجتماعية" ([37]) وفي هذا السياق فإن الوضوح الذي دعا إليه (عمود الشعر) في الإصابة في الوصف إنما هو صفة بلاغية محض، وليس ميزة عامة للغة ممكنة التحقق، في جميع الأزمنة والأمكنة، بل هي مجرد ملحق مثالي لخطاب معين، هو ذات الخطاب المخضع لنية الإقناع الدائمة ([38]) وهو لا يتصل بالواقعية على نحو دقيق لأن الكتابة الواقعية لا تستطيع أن تقنع أنها محكوم عليها بأن تصور حسب.. ([39]).
ذلك أن أسلوب الخطاب الأدبي بما يشتمل عليه من مقومات للشكل الفني والموضوعي تجعل الناظر إليه أو فيه نقدياً يحتكم إلى مقياس الأسلوب بوصفه "المظهر الفني الذى به قوام الإبداع الأدبي" ([40]). وذلك المظهر الذي تتخلق فيه وظائف أسلوبية تشير إلى المنحى الفني للخطاب وتؤدي إلى تحليله، وتكشف عن خطأ النظر إليه من خلال حرية معايير المضمون وحده، والنظر إلى الوظيفة الشعرية أو الجمالية لأنها "علاقة قائمة بين الرسالة وذاتها، إنها الوظيفة الجمالية بامتياز، إذ أن المرجع في الفنون هو الرسالة التي تكف عن أن تكون أداة اتصال لتصير هدفه ([41]) وقد ذكر جاكوبسون أنموذجاً سداسياً للوظيفة الأسلوبية ([42]) فهناك: الوظيفة المرجعية المتمركزة حول السياق اللفظي أو القابل لأن يكون لفظياً، ذلك الذي تحيل إليه الإرسالية، ثم الوظيفة الانفعالية المتمركزة حول المرسل ثم الوظيفة الإفهامية المتمركزة حول المرسل إليه. ثم الوظيفة الانتباهية التي تعنى بالحفاظ على التواصل بين المرسل والمرسل إليه، ثم الوظيفة الميتالغوية أي (المعجمية) والتي تعنى بالسنن المشترك بين المرسل والمرسل إليه. ثم أخيراً، الوظيفة الشعرية التي يراها جاكوبسون متمركزة حول قصد الإرسالية، باعتبارها كذلك، وهذه الوظيفة هي التي توضح الجانب الملموس من الدلائل وتعمق من هذه الوجهة نفسها، الثنائية الأساسية للدلائل والموضوعات ([43]) ويذكر جاكوبسون أن هذه الوظيفة (الشعرية) تتصل بمظاهر اللغة الموصوفة من طرف الأسلوبية.
ويمكن قراءة الإصابة في الوصف في عمود، من خلال الوظيفتين: الإفهامية والانتباهية من جهة أن هذا العنصر قد أشار فيه النقاد إلى أهمية وضوح القصد، ومباشرة التوصيل وقرب التلقي في خلال الإفهام والبعد عن اللبس أو الغموض، والالتزام بوصف الأشياء بالأوصاف التي لها لإفهام المتلقي بما تواضع عليه العرف، والاستحواذ على انتباهه، بالالتقاء معه في وضوح الدلالة، من خلال إصابة الوصف المقصود، بعيداً عن الغموض.
وفي هذا السياق هنالك فارق بين الوصف من حيث هو بنية نثرية أحياناً ونثرية غالباً وبين المجاز كونه خصيصة شعرية وهو "أن الشعر يمكن أن يستخدم الوصف، والفرق بين الوصف والمجاز أساسي وكبير، الوصف هو ما يشتمل على التشبيه، يذكر الشيء بأحواله وهيئاته حتى يحكيه ويمثله للحسن([44]).. فغاية الوصف أن يكشف ويظهر أوان يوضح الغامض، أما المجاز فغايته تكثير الدلالة، فهو يخرج اللفظ من وضعه الأصلي إلى حالة ثانية، فكأنه يخرج به من اليقين إلى الظن أو الاحتمال، ومن الدلالة الواحدة إلى الدلالة المتعددة. فالوصف يبلور الشعرية والمجاز يخلق حالة احتمالية في اللغة تساوي حالة الاحتمال في الشعور الوصف يخلق اللغة، والمجاز يفتحها" ([45]).
ولست مع أدونيس حين ذهب إلى أن الوضوح المألوف هو مبدأ الكلام نثراً (النقد والخطابة) وشعر عمود الشعر، ويحدد الوضوح بأنه مبدأ الإصابة في الوصف وقرب المآخذ ([46]) لأن قصد القدماء هنا قائم على القرائن التي يكون الشاعر بارعاً في بعثها لحظة القول أو عند التلقي في وعي المتلقي، على نحو من الطبع السمح والعاطفة المتدفقة على نحو لا يجد المتلقي فيه إلا أن يأخذ عفو الخاطر ويتناول صفو الهاجس، فلا كد لفكر، ولا تعب لنفس، وهذا ما يدعو المتلقي إلى تلمسه أو تحسسه لحظة الاستقبال، ويدلل عبد العزيز الجرجاني على هذا بقول أبي تمام ([47])
لا يوحشنك ما استعجمتَ من سقمي
فإنني للذي حسيتهُ حاسي
من قطعِ ألفاظهِ توصيلُ مُهلكتي
ووصلُ الحاظهِ تقطيعُ أنفاسي
إذ لا يخلو بيت فيها من معنى بديع أو صنعة لطيفة ولكن لا يجد المتلقي معها من سورة الطرب وارتياح النفس كالذي يجده لقول بعض الأعراب:
أقولُ لصاحبي، والعيسُ تهوي
بنا بينَ المنيفةِ فالضمارِ
تمتَّعْ من شميمِ عرارِ نجدٍ
فما بعدَ العشيةِ من عرارِ
فمثل هذا الكلام، بعيد الصنعة، فارغ الألفاظ، سهل المآخذ، قريب المتناول([48]).
المقاربة في التشبيه:
يكشف التناسب بين المشبه والمشبه به عن مستوى دلالي في الخطاب الشعري مرتبط بتوجيه الشاعر إلى ضرورة أن يكون فطناً في تقديره لعملية التناسب بين طرفي التشبيه وذا تقدير حسن غير قابل للنقض في عملية تناسب جملة التشبيه، وهو ما يشير إلى عملية إنتاج الدلالة الشعرية بالصدور عن الطبع أكثر منه عن الصنعة.
ولكن نظرهم إلى التشبيه على أنه جانب من أشرف كلام العرب ودليل على الشاعرية ومقياس معرفة البلاغة([49]). لم يكن موظفاً لأداء عملية التشبيه عند خلق المعنى بهدف أن يكون المعنى واضحاً بعيداً عن الكلفة فقط، لأن الكلفة التي يعانيها المتلقي عند الاستقبال لأي نص أدبي ينبغي أن تكون ملحوظة فبعض مقومات أي عمل فني تصدر عن الغموض الشفاف، إذ نلحظ "أن من الأسس المنهجية في الدراسة الأسلوبية إعطاء الأولوية للعلاقات المختلفة التي تربط بين الأشياء، والتي تنتظم العناصر على تباعد الشقة بينها، فتكون منها أنظمة متماسكة الأجزاء، وإذا كانت مختلف مظاهر الارتباط بين أشتات المكونات خفية عادة، وخفياً دورها، فإنها بينة في الصور، واضحة، وهي المحور الرئيس الذي تدور عليه عملية التصوير"([50]).
وقد لاحظ العرب في التشبيه إشارة للأريحية الشعرية في خلال ما يحصل من تفاوت أحياناً بين المشبه والمشبه به، لأن "لتطوير الشبه من الشيء في غير جنسه وشكله، والتقاط ذلك له من غير محلته، واجتلابه إليه من النيق البعيد، باباً من الظرف واللطف ومذهباً من مذاهب الإحسان لا يخفي موضعه من العقل، وأحضر شاهد على هذا، أن تنظر إلى تشبيه المشاهدات بعضها ببعض، فإن التشبيهات، سواء أكانت عامية مشتركة أم خاصية مقصورة على قائل دون قائل، تراها لا يقع بها اعتداد ولا يكون لها موضع من السامعين، ولا تهز ولا تحرك، حتى يكون الشبه مقرراً بين شيئين مختلفين في الجنس، فتشبيه العين بالنرجس عامي مشترك معروف في أجيال الناس، جارٍ في جميع العادات، وأنت ترى بعد ما بين العينين وبينه، من حيث الجنس وتشبيه الثريا بما شبهت به من عنقود الكرم المنور، واللجام المفضض، والوشاح المفصل، وأشباه ذلك خاصي، والتباين بين المشبه والمشبه به في الجنس على ما لا يخفى، وهكذا كانت إلى النفوس أعجب، وكانت النفوس لها أطرب، وكان مكانها إلى أن تحدث الأريحية أقرب، وذلك أن موضع الاستحسان ومكان الاستظراف، والمثير للدفين من الارتياح، والمتآلف للنافر من المسرة، والمؤلف لأطراف البهجة، أنك ترى الشيئين مثلين متباينين، ومؤتلفين مختلفين"([51]).
وللتدليل على هذا تطبيقياً يستشهد بقول ابن المعتز([52]):
وكأن السحابَ مصحفُ قارِ
فانطباقاً مرةً وانفتاحا
إذ يرى شعرية هذا البيت في حصول اتفاق، حسن وجميل بين شيئين، إزاء اختلاف يميز كلاً منهما من الآخر "فمجموع الأمرين، شدة ائتلاف في شدة اختلاف، حلا وحسن وراق وفتن"([53]).
ورأى الجرجاني الذي يؤكد على شعرية التشبيه الصادرة عن "اجتماع المتنافرات والمؤتلفات في التشبيه من أسباب الشعرية"([54]) فيذهب إلى أن "كل شبه رجع إلى وصف أو صورة أو هيئة من شأنها أن ترى وتبصر، فالتشبيه المعقود عليه، نازل مبتذل، وما كان بالضد من هذا وفي الغاية القصوى من مخالفته، فالتشبيه المردود إليه غريب نادر بديع"([55]).
وهذا ما يقرأه تطبيقياً في قول عدي بن الرقاع العاملي:
تزجي أَغَنَّ، كأن أبرة ورقهِ
قلمٌ أصابَ من الدواةِ مدادَها
إذ يشير إلى أن جريراً كان قد رحم الشاعر حين ابتدأ بالتشبيه ظناً منه أنه قد وقع، فلما أكمله على هذا النحو، حسده جرير على براعته "فهل كانت الرحمة في الأولى والحسد في الثانية إلا أنه رآه حين افتتح التشبيه قد ذكر ما لا يحضر له في أول الفكر، وبديهة الخاطر وفي القريب من محل الفطن، وحين أتم التشبيه وأدّاه، صادفه قد ظفر بأقرب صفة، من أبعد موصوف وعثر على خبيء مكانه غير معروف"([56]) أي إدهاش المتلقي في إنتاج دلالة تصدر عن المألوف ولكنها غير متوقعة من المتلقي وهو ما يشير إلى ذكاء الشاعر وفطنته، وما كان هذا عند الجرجاني إلا لأن "مبنى الطباع، وموضوع الجبلة، مبني على أن الشيء إذا ظهر من مكان لم يعهد ظهوره منه، وخرج من موضع ليس بمعدن له، كانت النفوس به أكثر، وكان الشغف منها أجدر"([57]).
وقد أشار الجاحظ، من قبل، إلى حدود هذا التناسب وجماليته الكامنة في الغموض الشفاف، وليس التناسب العقلي المؤدي إلى الوضوح من دون طبع فني، إذ قال: "إن الشيء من غير معدنه أغرب، وكلما كان أغرب، كان أبعد في الوهم، وكلما كان أبعد في الوهم، كان أطرف، وكلما كان أطرف، كان أعجب، وكلما كان أعجب، كان أبدع"([58]) وهذا الفهم قد يكشف عن عدم دقة جابر عصفور حين ذكر، أن إيثار التشبيه وتقديمه على الاستعارة إنما كان بسبب ميلهم إلى النظرة العقلية الصارمة التي تؤمن بالتمايز والانفصال، وتنفر من التداخل والاختلاف، وترفض بحزم كل خارج عن الأطر الثابتة المتعارف عليها في أي مستوى من المستويات([59]).
فوظيفة التشبيه في الشعر العربي "هي إنجاز قدر من الحقيقة، الشعرية عن طريق المحاكاة التصويرية، أي بمعدل فني من نوع متميز، لا يقاس بشكل كمي، مثل القياس المنطقي وإنما بمدى قدرته على التعبير عما لا يعبر عنه نثراً، أي بمعدل قدرته التخيلية".([60])
فإذا كان ميل العرب للتشبيه كثيراً "حتى لو قال قائل: هو أكثر كلامهم لم يبعد"([61]) صادراً عن نظرية عقلية صارمة ـ كما ذكر جابر عصفور ـ فإن هذه النظرة عند أبي تمام أخذت تغوص وراء المعاني، بنظر عقلي صارم!! متقصدة نظرها ذاك، مستخدمة أساليب مخصوصة، قد عدها أصحاب عمود الشعر خارجة على طريق العرب في قول الشعر!!
ولكن الأمر متصل بصدور الشعرية العربية أولاً عن المرحلة الشفاهية، ويظل لحاسة البصر دور المقوم الأول في المقاربة عند التشبيه الشعري، فضلاً عن أن الشفاهية تجنح نحو التمايز والانفصال بعيداً عن التداخل الذي يكسر كثيراً حاسة البصر، محركاً البصيرة، وهذا أمر نلحظه في تشبيهات القصيدة الحديثة بأسلوب لافت للنظر، وقد "تأكد اليوم عند العلماء أن العين أبرز نافذة لنا على العالم فـ 90% من الأخبار التي يتلقاها الإنسان وسيلتها العين"([62])، ومن هنا كان تطور الشعرية العربية من الشفاهية/ البصرية إلى الكتابية، تحولاً من التشبيه إلى الاستعارة.
والذين قالوا بمقومات الشعرية الشفاهية أنكروا على شعرية الكتابة ما كان من تحول التشبيه عند أبي تمام إلى استعارة، أعني من المباشرة إلى التأويل وعمق التخييل، صاروا ينظرون إليها على أنها مغرقة في الغموض، لأن التناسب صار يلمح لمحاً، ولم تعد القرينة ملحوظة بلا كلفة، إنما بطول تأمل، فصاروا ينظرون إلى الأمور بمنظار الصدق والكذب المباشرين، وهو ما لا يوقف عنده في الشعر، فإذا "كانت الاستعارة تقترب من الحقيقة الشعرية عن طريق الكذب اللغوي، فإن التشبيه يمارس هذا الاقتراب عبر الحقائق اللغوية مستثيراً قدراتها على استحضار الوقائع الحيوية في قران غير متوقع، وهذا القران يعتمد على بنيتين: إحداهما سطحية وهي العلاقة بين الطرفين، المتكئة على التشابه بمستوياته المتعددة، والأخرى عميقة، وهي التي تقوى على تقديم رؤية جديدة للموضوع على ضوء هذه العلاقة"([63]).
وهذا الرأي قد يشير إلى رأي بعض العلماء في اختزال العلاقات المجازية، وحصرها في علاقتين "إحداهما تعتمد على المشابهة، والأخرى ما يعتمد على المجاورة والكتابة والمجاز المرسل في معظم أشكاله، وقد أفضى هذا التقسيم الجديد إلى افتراض مؤداه: أن الآداب التي تقوم على المشابهة ذات طابع رومانسي مثالي، كما أن الآداب التي تقوم على المجاورة تتسم بالواقعية، والقرب من الحياة"([64]). (الشعر العربي رومانسي مثالي في بعض اتجاهاته. وواقعي ملتصق بالحياة في اتجاهاته الأخرى، على ما هو واضح لأي متلق للشعر العربي.
ومن خلال ما سبق ذكره، يمكن أن نلحظ أن "المقاربة في التشبيه" التي قال بها عمود الشعر العربي، إنما كانت ناظرة إلى تناسب ركني جملة التشبيه تناسباً.. ليس عقلياً فقط، وإنما عاطفي صادر عن الطبع والفطرة الشفاهية أيضاً.
والواقع أن تناسب مقومات أسلوب التشبيه في (المرحلة الشفاهية) تطور عند المحدثين فصار إلى أهمية تناسب مقومات أسلوب الاستعارة (تناسب المستعار منه والمستعار له) في (المرحلة الكتابية). والتناسب في كلا الحالتين مقوم من مقومات أي عمل فني، والنظر إليه في كلا الوجهين في خلال المنطلق الجمالي للتناسب لأنه، إذا كان التناسب ثمرة لتوازن نفس مبدع الفن فلا بد لهذا التناسب الفني "أن يحدث أثراً في المتلقي ويساعد على إحداث نوع آخر للتوازن بين القوى النفسية لذلك المتلقي"([65])، ومن هنا كان النظر إلى المقاربة في التشبيه من خلال قيمة التناسب الفنية، حتى يصل المتلقي الناقد إلى فهم صحيح لأسلوب المقاربة في لغة الشعر على المستوى الدلالي، ثم إن "إدراك الشبه بين الأشياء هو موضع التفاضل بين الشاعر والشاعر، إذ كلما ازداد الشبه خفاء ازدادت دلالة اكتشافه على تميز الشاعرية"([66]). وهذا الفهم أدى إلى تصور المشابهة بين المتباعدات على أنها أقوى على خلق (المفارقة الشعرية) من غيرها. وهو ما أصر عليه كولردج في العصر الحديث، من أن "المشابهة الأبهى هي تلك التي تكشف بين مختلفات وأن التشابه المطلق يعدم التشبيه أو الاستعارة أو الرمز، ويمنع تدفق الشعرية"([67]) وهو أمر بعث على النظر في الاستعارة لا من خلال قيامها على المشابهة بل على المغايرة أو الاختلاف، وقد طرح ريتشاردز بعد كولردج فرضيته المعروفة: "في أن الاستعارة لا تقوم في الواقع على المشابهة، بقدر ما تقوم على المغايرة والاختلاف"([68]).
مناسبة المستعار منه للمستعار له:
مفهوم مناسبة المستعار منه للمستعار له عند المرزوقي صادر عن مفهومها عند عبد العزيز الجرجاني إذ أنها عند المرزوقي "تقريب التشبيه في الأصل حتى يتناسب المشبه والمشبه به، ثم يكتفي فيه بالاسم المستعار لأنه المنقول عما كان له في الوضع إلى المستعار له"([69]) وهي عند الجرجاني "ما اكتفي فيها بالاسم المستعار عن الأصل، ونقلت العبارة فجعلت في مكان غيرها، وملاكها تقريب الشبه، ومناسبة المستعار منه للمستعار له، وامتزاج اللفظ بالمعنى، حتى لا يوجد بينهما منافرة"([70]) وهذا ما قال به عبد القاهر أيضاً، من أن الاستعارة "أن تريد تشبيه الشيء بالشيء، فتدع أن تفصح بالتشبيه، وتظهر، وتجيء إلى اسم المشبه به فتعيره المشبه وتجريه عليه"([71]). وكل منهم منطلق من موضوعية الاستعارة عند العرب، تلك الموضوعية المتصفة، بالسببية والمقاربة والمشابهة، وكل منهم يدعو إلى عدم ترك أن يكون استعمال أسلوب الاستعارة واقعاً في دائرة الإطلاق، لئلا يضيع في الشعر استعمالها، في خلال اتصافها باللامعقول بعيداً عن التجريد أو التعقيد الذي يضعها في دائرة التحليل والتأويل، أي أنهم يقصدون الحفاظ على مرتكزاتها الرئيسة التي تسهم في الحفاظ على القيمة الشعرية، لأن الاستعارة بوصفها انزياحاً ينبغي أن لا تتجاوز حدود التواصل ومقوماته، لأن "اللغة الشعرية ستفقد كل مبرر لوجودها، كونها محكومة بقانون التواصل"([72]) وكل هذا يجب أن يتصف بالتناسب كونه ضرورة فنية جمالية.
ولما كانت الاستعارة علامة العبقرية المميزة، لأنها تقود إلى الانحراف في لغة الشعر([73])، فقد شغلت البلاغة العربية كثيراً، كونها "من مقتضيات النظم، وعنه تحدثت وبه تكون"([74]) وهي "أمد ميداناً، وأشد افتتاناً، وأكثر جرياناً، وأعجب حسناً وإحساناً،... وأذهب نجداً في الصناعة وغوراً، من أن تجمع شعبها وشعوبها، وتحصر فنونها وضروبها"([75])، فهي رأس البديع وأفضل المجاز([76])، لأن المعول عليها في التوسع والتصرف([77]).
فالمجاز حين يشحن اللغة بالطاقة الفنية الجديدة يجعلها قادرة على قول ما لا تقولـه إلا هي. أي أنها تتجاوز محدودية الدلالة اللغوية في أصلها الوضعي، وقد تكون أهمية المجاز في الخطاب الشعري ـ من جهة تأثيرها في المتلقي ـ نفسية أي راجعة إلى أن النفس الإنسانية عند وقوفها على كلام غير تام بالمقصود منه، كانت متشوقة إلى كماله، ومن هنا كان المجاز مولداً لتشوق النفس إلى ما هو غير معلوم، وكما كان الفن، ومنه الشعر، تشوقاً إلى كمال لا ينتهي، كان المجاز عنصراً مهماً في اللغة الشعرية([78]).
ومن خلال ما سبق نفهم أن دعوة عمود الشعر إلى التناسب بين المستعار منه والمستعار له، صادرة عن الطبع الشفاهي الارتجالي الذي يتطلب أن يكون ذلك التناسب حاضراً في وعي المتلقي، ولكن التناسب في الخطاب الشعري الذي يبعث على المفاجأة أو الإدهاش (كسر التوقع) يكون مولداً للشعرية، وباعثاً على أثر دلالي جديد.
والبعد القواعدي الصادر عن تناسب جملة الاستعارة في عمود الشعر، إنما هو نهج سار عليه النقد القديم، فضلاً عن أن البلاغة ذاتها تهدف إلى وضع المعايير التي تضمن خلق الإبداع الفني، كونها وسيلة خلق فني وتوجيه جمالي، فهي مقوم الأدب ووسيلته في آن([79]).
وإذا كانت البلاغة تهدف إلى وضع قواعد مخصوصة وتقنيات معينة لتحكم من خلالها لغة الشعر، فإنها لا تهدف إلى منع التطور أو الحد منه، كون اللغة الشعرية لا تخضع للتقنين والتقعيد الصارمين، لتميزها بالقدرة على التجدد والتوهج (المغايرة)، إلا أن البلاغة تسعى إلى معايير مخصوصة تحتكم إليها اللغة الشعرية للحد من الفوضى التي يمكن أن تكون حين لا تكون إشارات يهتدى بها في إنتاج الدلالة الشعرية، ومن هنا فإن "الأحكام النقدية التي ارتكزت على معايير البلاغة لتقرير حدّي: الجودة والرداءة. قد اكتسبت ماهية جديدة حولت ثبوت القياس، إلى قياس احتمال متغير، بمتغيرات الأسلوب وتنوعه"([80]).
وهذا المفهوم هو ما انطلق منه الجرجاني عند قراءته لما يسميه جان كوهين بها البلاغة الحية الفعالة التي لن يكون هناك شعر من دونها"([81]) وهو ذات المفهوم الذي أشار إليه حازم حين ذكر أنّ "معرفة طرق التناسب في المسموعات والمفهومات، لا يوصل إليها بشيء من علوم اللسان، إلا بالعلم الكلي في ذلك وهو علم البلاغة"([82])، كونها علم النص الكلي، ذلك النص الذي هو منتج البلاغة في منظور النقد([83]).
ومن خلال هذا ننظر للاستعارة على أنها بنية مجازية، في خلال أن "خاصية الوعي في المجاز، هي أن يعيش الواقع كدال، كعلاقة لواقع آخر يدل عليه، والواقع الآخر، ليس معطى هنا، والآن، إنما هو احتمالي وتخييلي"([84]).
فإذا كانت غاية الوصف الإظهار والوضوح فإن غاية الاستعارة تكثير الدلالة، أي أنها تبعث حالة من الخلق الاحتمالي بوساطة اللغة، أما الوصف فيطرح اللغة ذاتها. فكأن الوصف يقلب السمع بصراً([85]) والاستعارة تقلب البصر بصيرة.
فالاستعارة من وسائل الإدراك الخيالي لتعبيرها عن ملاحظات متنوعة بطرائق متميزة إذ تجلى قوتها الخيالية في خلال الجانب الفردي من التجربة في محاولة استكناه موضوعية الشيء بتأمل أبعاده لأن "ما تؤسسه الاستعارة من علاقات بين العناصر يسمح بأن تتمثل الصورة الاستعارية بوصفها غير قابلة للإدراك على نحو صحيح، ما لم نأخذ في اعتبارنا، النظرة الرمزية والإشارية للغة، والاستعارة الجيدة أو الناضجة، هي التي تحقق ضرباً من المعرفة الكشفية، وتثرى العالم وتجدد روابطنا به"([86]).
وفي قول زهير بن أبي سلمى الآتي ما يشير إلى هذا الأمر، على كثرة من ذكره من القدماء بدءاً من الآمدي([87]):
صحا القلبُ عن سلمى وأقْصر باطلهْ
وعُرّيَ أفراسُ الصبا ورواحلَهْ
فاستعارة الأفراس العارية عما يؤهلها للعنفوان للتدليل على العمر العاري مما كان فيه من شباب يؤهله للعنفوان أيضاً. إنما هي محاولة في رسم صورة خيالية ذات دلالة مقاربة فنياً بين: القلب الذي يغفو مع سلمى، فيطول باطله وتسرج أفراسه ورواحله كل شبابها عنفواناً قوامه الحب، وبين ذات القلب الذي يصحو عن سلمى فيقصر باطله ـ بعد أن كان طويلاً ـ وتتعرى أفراسه ورواحله، شيخوخة قوامها الاتعاظ.
على ما في البيت من تقابل دلالي جميل بين: صحوة القلب وعرى الأفراس، ثم بين سلمى والأفراس، ثم بين قصر الباطل وعري الأفراس والرواحل، وهكذا:
وهو ما يكشف عن وظائف الاستعارة المتعددة والتي منها ـ كما في قول زهير ـ أنها وسيلة يحاول الذهن من خلالها الجمع بين عناصر مختلفة، لأجل التأثير في المواقف وبعث الدوافع وتوجيهها. فكان صانع الاستعارة "ذا مقدرة لفظية يستخرج من قول يفتقر إلى الانسجام لأغراض التفسير الحرفي، قولاً دالاً، من أجل تفسير جديد يستحق أن يسمى استعارياً، لأنه يولد الاستعارة، لا من حيث هي منحرفة بل من حيث هي مقبولة أيضاً"([88]) وفي هذا فإن المعنى الاستعاري عند القدماء "لا يتكون من الاصطدام الدلالي، بل يتكون كذلك من المعنى الإخباري الجديد الذي يبزغ من انهيار المعنى الحرفي، أي من انهيار المعنى الذي ينتج إذ اعتمدنا على القيم الشائعة"([89]).
ومن قبل استعارة زهير يذكر الآمدي قول امرئ القيس المشهور([90]):
فقلتُ لـهُ لمّا تَمطى بصلبهِ
وأردفَ أعجازاً وناء بكلكلِ
إذ جعل الليل يتمطى وجعل له أردافاً، من خلال تشبيهه بالجمل، أي أنه استعار له ما يتصف به الجمل، معبراً عن معنى الإحساس بالثقل من خلال الشبه المقصود بين الليل الجاثم عليه أو على الأرض والجمل الجاثم على الأرض. قاصداً إثبات هذا الشبه، وهذا الفهم هو ما جعل الجرجاني لا يعد الاستعارة من باب التخييل "لأن المستعير ـ (من وجهة نظره) ـ لا يقصد إلى إثبات اللفظة المستعارة، وإنما يعمد إلى إثبات شبه هناك فلا يكون مخبره على خلاف خبره"([91]).
ومن هذا السياق في قراءة الاستعارة ما ذكره الآمدي عند استشهاده بقول لبيد المشهور([92]):
وغداة ريحٍ قد كشفَت وقرةٍ
إذ أصبحت بيدِ الشمالِ زمامُها
فجعل للشمال يداً، وغداة زماناً، إلا أن الأمر في الاستعارة أكثر من هذا إذ في قوله (يد الشمال) ولم يقل (يد اليمين أو اليسار) ما يشعر كما هو شائع عرفياً، بالمأساة أو صعوبة الأمر، إذ اليمين رمز للخير والشمال خلاف ذلك([93]). أي أن الشاعر "أراد أن يثبت للشمال في الغداة تصرفاً كتصرف الإنسان في الشيء، يقبله، فاستعار لها اليد حتى يبالغ في تحقيق الشبه، وحكم الزمان في استعارته للغداة حكم اليد في استعارتها للشمال، إذ ليس هناك مشار إليه يكون الزمام كناية عنه، ولكنه وفّى المبالغة شرطها من الطرفين فجعل على الغداة زماماً، ليكون أتم في إثباتها مصرفة، كما جعل للشمال يداً، ليكون أبلغ في تصييرها مصرفة"([94]).
إن لغة الاستعارة عند القدماء متصلة بقرائن تجعل قراءتها من المتلقين قريبة وقد عرفت البلاغة العربية مفهوم القرينة القائمة على المحور الاستبدالي بسبب من اعتماد البنية الغنائية التي يتصف بها الشعر العربي على الاستبدال في المجاز ومنه الاستعارة. وفي ضوء هذا نفهم كيف عد الجرجاني الاستعارة ضرباً من التشبيه ـ كما هي في الواقع ـ أو نمطاً من التمثيل ـ كما يمكن أن تكون ـ إلا أن عده التشبيه قياساً "والقياس فيما تعيه القلوب، وتدركه العقول، وتستقصي فيه الإفهام والإذهان، لا الإسماع والآذان"([95]) أمر فيه نظر، من جهة عدم وجود مشاكلة بين الشعر والقياس، إذا نظرنا إلى الشعر على أنه انقياد للانفعال أو ناتج عنه، أو انقياد للتعجب أو ناتج عنه، على حين أن القياس يوحي بنسبة من التطابق بين المادة والشيء أو يشير إليها مباشرة على نحو عقلي.
وقد أوضح الجرجاني "أن الاستعارة في الجملة، أن يكون للفظ أصل في الوضع اللغوي معروف تدل عليه الشواهد، على أنه اختص به حين وضع، ثم يستعمله الشاعر، أو غير الشاعر في ذلك الأصل، وينقله إليه نقلاً غير لازم فيكون هناك كالعارية"([96]).
فالاستعارة تكثير لدلالة الكلمة في أصلها الوضعي، إلا أن أي جزء من جزئيات هذا التكثير لا بد أن يكون مرتبطاً أو متصلاً بالأصل الوضعي بأكثر من رابط أو سبب يكون فيه قرينة تجعله غير بعيد عن فهم المتلقي أو قراءته. وهذا ما يفسر كيف أن المرزوقي رأى الاستعارة التي هي ضرب من التشبيه أو تطوير عنه، قد يكتفي فيها بالاسم المستعار، لأنه المنقول عما كان له في الوضع إلى المستعار له. جاعلاً عيارها: الذهن والفطنة، وإنما جعل الذهن جزءاً أولاً من العيار لارتباط العملية الاستعارية بالخيال، والفطنة جزءاً ثانياً للتدليل على القرينة الاستعارية التي لا تجعل لغة الاستعارة مفتوحة من دون ضوابط تحدها، إذ تؤدي الضوابط الاستعارية وظيفة مهمة هي، التناسب بين المستعار منه والمستعار له.
هوامش المبحث الثالث :
([1]) -الموازنة، 1 /234.
([2]) -الديوان، 3/217. الموازنة، 1 /234.
([3]) -الصورة والبناء الشعري، محمد حسن، 10
([4]) -المرجع نفسه، 217.
([5]) -الحيوان، 3 /71.
([6]) -البيان والتبيين، 1 /79.
([7]) -التعريفات، الجرجاني/ 93.
([8]) -دلائل الإعجاز، 495، اللغة العربية، معناها ومبناها، تمام حسان، 342.
([9]) -علم الدلالة، مختار عمر، 72.
([10]) -العربية، معناها ومبناها، 337.
([11]) -المقتضب، 4 /175.
([12]) -دراسة المعنى عند الأصوليين، 232.
([13]) -دينامية النص، محمد مفتاح، 63.
([14]) -خصائص الأسلوب في الشوقيات، الطرابلسي، 518.
([15]) -المرجع نفسه، 518.
([16]) -علم اللغة العام، سوسير 85 –87.
([17]) -علم اللغة الاجتماعي عند العرب، هادي نهر، 81.
([18]) -الأسلوبية والأسلوب، المسدي، 149.
([19]) -العمى والبصيرة، بول دي مال، 6.
([20]) -تطور البحث الدلالي، الصغير، 17.
([21]) -المرجع نفسه، 18.
([22]) -خصائص الأسلوب في الشوقيات، 59.
([23]) -المرجع نفسه، 151.
([24]) -خصائص الأسلوب في الشوقيات، 176.
([25]) -المرجع نفسه، 218.
([26]) -الأسلوبية والأسلوب، المسدي، 170.
([27]) -المرجع نفسه، 176.
([28]) -مبادئ في علم الدلالة، بارت، 71.
([29]) -المرجع نفسه، 70 71.
([30]) -المرجع نفسه، 77.
([31]) -مبادئ في علم الأدلة، 89.
([32]) -شرح ديوان الحماسة، 1 /9.
([33]) -ديوان أبي محجن الثقفي برواية أبي هلال العسكري، 22.
([34]) -إنتاج الدلالة الأدبية، صلاح فضل، 5.
([35]) -المرجع نفسه، 306.
([36]) -إنتاج الدلالة الأدبية، 302.
([37]) -درجة الصفر للكتابة، بارت، 66.
([38]) -درجة الصفر للكتابة، بارت، 71.
([39]) -المرجع نفسه، 80.
([40]) -الأسلوبية والأسلوب، 106 –110.
([41]) -السيمياء، غيرو، 11.
([42]) -ينظر، معايير تحليل الأسلوب، ريفاتير، 18 –66.
([43]) -معايير تحليل الأسلوب، ريفاتير، 68 –69.
([44]) -ينظر، العمدة، 1/ 94 –95.
([45]) -الثابت والمتحول، 1 /107.
([46]) -المصدر نفسه، 3 /135.
([47]) -الديوان، 2 /197.
([48]) -الوساطة، 33.
([49]) الصورة الأدبية، 46.
([50]) خصائص الأسلوب في الشوقيات، 141.
([51]) أسرار البلاغة، 116.
([52]) الديوان، 122.
([53]) أسرار البلاغة، 14.
([54]) الشعرية، أحمد مطلوب، 71.
([55]) أسرار البلاغة، 151.
([56]) المصدر نفسه، 141.
([57]) أسرار البلاغة، 117-118.
([58]) البيان والتبيين، 1/89، وينظر، الحيوان، 4/2، رسائل الجاحظ، 1/103، 154-157.
([59]) لصورة الفنية، جابر عصفور، 218.
([60]) المصدر نفسه، 221.
([61]) الكامل في اللغة والأدب، 3/93.
([62]) خصائص الأسلوب في الشوقيات، 142.
([63]) الصورة الفنية، جابر عصفور، 223.
([64]) نظرية البنائية، صلاح فضل، 383.
([65]) مفهوم الشعر، جابر عصفور، 142.
([66]) في الشعرية، كمال أبو ديب، 46.
([67]) المرجع نفسه، 45.
([68]) المرجع نفسه، 46.
([69]) شرح ديوان الحماسة، 1/10.
([70]) الوساطة، 41.
([71]) دلائل الإعجاز، 105.
([72]) بنية اللغة الشعرية، كوهن، 173.
([73]) في الشعرية، 122، 31، 85.
([74]) دلائل الإعجاز، 393.
([75]) أسرار البلاغة، 32.
([76]) العمدة، 1/269.
([77]) الوساطة، 34.
([78]) الثابت والمتحول، 3/ 192-193.
([79]) النقد البلاغي، ماهر مهدي، 195.
([80]) المنظور البلاغي في نقد الشعر، د. ماهر مهدي، 164، مجلة كلية الآداب، ع39، 1990م.
([81]) بنية اللغة الشعرية، جان كوهين 46.
([82]) منهاج البلغاء، 126.
([83]) المنظور البلاغي في نقد الشعر، مقال، ماهر مهدي هلال، 195.
([84]) الثابت والمتحول، 2/120.
([85]) العمدة، 2/94-95.
([86]) الخيال، مفهوماته ووظائفه، عاطف جودت، 281.
([87]) الموازنة، 1/ 14.
([88]) في الشعرية، 140.
([89]) المصدر نفسه، 140.
([90]) الموازنة، 1/ 14.
([91]) أسرار البلاغة، 252.
([92]) الموازنة، 1/ 15، وينظر، أسرار البلاغة، 43-44.
([93]) الموازنة، 1/ 15.
([94]) أسرار البلاغة، 44.
([95]) المصدر نفسه، 20.
المصدر نفسه، 29.([96](
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
- - أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، تحقيق، هـ.ريتر، استانبول، مطبعة وزارة المعارف سنة 1954
يتشكل المقوم الدلالي للخطاب الشعري من فاعلية العلاقية بين عناصر عمود الشعر البنائية في مستوى الصوت والتركيب عناصر مولدة للمعنى في: الإصابة في الوصف، والمقاربة في التشبيه، ومناسبة المستعار منه للمستعار له. غير أن نظرة في هذه العناصر ومقوماتها عند المرزوقي تكشف عن أن فهمه لها مجتمعة ينصب في القدرة الفنية على أن يكون المعنى واضحاً مفهوماً للمتلقي.
فإذا استخدم الشاعر لغة مجازية، عليه أن يعمل جاهداً على أن تكون تلك اللغة خالية من الغرابة، وأن يعتمد أسلوباً مفهوماً بعيداً عن الغموض، كأن أية قراءة لا تؤدي إلى استخراج المعنى بصورته الحقيقية تؤدي إلى ضياعه، لذلك لم يميلوا إلى التأويل لأنه يوقع القارئ في شراك الالتباس، فالإفهام مطلوب من الشاعر، والاستعارة ينبغي أن تكون مناسبة والمناسبة تعني التقارب بين المستعار منه والمستعار له، أي وجود قرينة، تعمل على إدراج المعنى ضمن المألوف، ليكون واضحاً سهلاً، ولأن الدلالة تؤدي إلى التصور، فإن مقياس عمود الشعر أن تكون هناك مقاربة بين طرفي التشبيه تساعد على التصور، بأن يكون المشبه به أجلى صفة وأخص عرفاً حتى تستقيم الصورة في الإدراك، لأن الصفة الأخص تدل على شيء وتدفع عنه الغموض والالتباس. وفي هذا السياق كانت الاستعارة مبنية على التشبيه في السياق الدلالي. وقد كان عيارها عند المرزوقي الذهن والفطنة لأن العرب "إنما إستعارت المعنى لما ليس له إذا كان يقاربه أو يدانيه أو يشبهه في بعض أحواله أو كان سبباً من أسبابه، فتكون اللفظة المستعارة حينئذ لائقة بالشيء الذي استعيرت له وملائمة لمعناه" ([1]) ولهذا كان أبو تمام خارجاً عن عمود الشعر في قوله ([2]):
تحمَّلتَ ما لو حُمِّلَ الدهرُ شَطرهُ
لفكَّرَ دهراً أيّ عبئيهِ أثقلُ
إذ جعل للدهر عقلاً مفكراً، وكان من المناسب على وفق العرف أن يقول: لانهد، أو ما شابهه مما يرضاه العرف.
ولبيان كيفية اشتمال عناصر عمود الشعر الثلاثة السابق ذكرها، على مستوى دلالي لا بد من إيضاح مفهوم الدلالة ذاتها، تمهيداً لقراءة هذه العناصر دلالياً، لإيضاح حدود المستويات الأسلوبية التي بني العمود عليها، وما نحن بصدده من المستوى الدلالي.
تتعدد وسائط التحول الدلالي إذ تشمل، الاستعارة، والتقديم والتأخير، والتمثيل والزيادة والنقصان والقلب والكناية والتعريض والمبالغة، والرمز والتلميح وسوى هذا. حتى الوزن يمكن عده عنصراً دلالياً في النص حيثما ساعد على تعميق البنية الدلالية. وتزداد قيمته الفنية حين يضفي على الاختلافات الدلالية مظاهر من تمثلات صوتية ([3]). لأن الترابط العضوي الذي يتوفر عليه النص الشعري بين التحولات الدلالية والبنى الإيقاعية يستوعب التعبير عن مكنون الذات بأسلوب فني مؤثر ([4]).
وفي علاقة اللفظ بالمقام من حيث الدلالة يقول الجاحظ "ولكل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ، ولكل نوع من المعاني نوع من الأسماء، فالسخيف للسخيف، والخفيف للخفيف، والجزل للجزل" ([5]) على أن لسان العربي الأول في القول والتلقي مبني على الارتجال في القول والاستقبال، لأن البداهة والطبع صفة الاعراب "وأحسن الكلام، ما كان معناه في ظاهر لفظه" ([6]).
وقد انطلق الشريف الجرجاني من هذا المبدأ في فهم الدلالة على أنها "كون الشيء بحالة يلزم من العلم به، العلم بشيء آخر، والشيء الأول هو الدال والثاني هو المدلول وكيفية دلالة اللفظ على المعنى باصطلاح علماء الأصول محصورة في عبارة النص.. فإن كان الحكم مفهوماًَ من اللفظ فهو الدلالة.. فدلالة النص عبارة عما ثبت بمعنى النص لغة، لا اجتهاداً، فقوله، لغة أي يعرفه كل من يعرف هذا اللسان بمجرد سماع اللفظ من غير تأمل" ([7]).
فالمعنى الدلالي عند الجرجاني هو المبين عما في النفس بالاعتماد على المعنى المقالي أي الوظيفي (الصوتي، الصرفي، النحوي) مع ملاحظة كون المعنى الاجتماعي أساساً في فهم المعنى الدلالي وفي اكتماله أيضاً ([8]) لأن الاستعمال هو ما يخلق المعنى ([9]).
والوظيفة لا تتشكل إلا في سياق مخصوص ([10]).
وفي ضوء هذا نفهم كيف أكد علماء العربية القدماء، على دور السياق في التحول الدلالي الصادر عن تغير السياق ([11]). وهنا كان بديهياً أن يأتي بحث دلالة اللفظ المعجمية سابقاً على مراحل دراسة المعنى، من خلال السياق بنوعيه اللفظي والحالي ([12])، لأن المرسل هو الذي يمنح الأصوات معانيها بناء على التراكم السياقي، العام والخاص ([13]).
وقد كان التفنن في الكلام عملية تبقى في كل الحالات رهينة إشباع الدوال بالمدلولات ([14]). وفي هذا السياق نجد الأسلوب صراعاً متواصلاً ضد اعتباطية الدال، "وهذا الصراع يتوقف أكثر على ما يتهيأ من إمكانيات تقليب الظاهرة اللغوية في الكلام، لتوفير أكثر ما يمكن من الدلالة فيها، وهذه نزعة إلى تجاوز الدلالة الأفقية الدنيا إلى دلالات قصوى مختلفة الاتجاهات ومتولدة عن تفاعل مختلف إمكانيات التقليب التي يخلقها الشاعر في الكلام" ([15]) على أن اعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول تشير إلى أن بينهما علاقة غير محللة لعدم وجود علاقة طبيعية بينهما على صعيد الواقع ([16]). "فالدال هو الترجمة الصوتية لتصور ما، والمدلول هو المستشار الذهني لهذا الدال، ومن هنا تتضح الوحدة البنائية في الإشارة اللغوية بين الدال والمدلول" ([17])، وفي هذا السياق نظر الدرس الأسلوبي الحديث للغة على أنها: "مجموعة علامات، والعلامة هي ما يدرك بالحس، رؤية أو سماعاً أو لمساً، وبإدراك الحس له، يدرك به شيء غيره، والعلامة الألسنية مفهوم مركب من مظهر حسي فيزيائي، تدركه العين كتابة، ويدركه السماع ملفوظاً، ويسمى الدال ومظهر مجرد هو المتصور الذهني الذي "يدلنا" عليه ذلك الدال، والذي بحصوله نقول: إننا فهمنا الدال، ويسمى هذا المظهر المدلول، أما العملية التي يقترن بها الدال بالمدلول في أذهاننا، فهي التي تسمى الدلالة، وقد ألح سوسير على الالتحام القائم بين الدال والمدلول حتى شبههما بوجهي ورقة واحدة" ([18]).
ومما ميز الأسلوبية من البلاغة في البحث الدلالي "أن البلاغة اكتفت بالنظرة التبادلية للكلمات، "وضع واحدة مكان الأخرى" دون محاولة البحث في علاقاتها التتابعية "وضع الواحدة إلى جوار الأخرى" وبالنتيجة فقد استأثر محور الانتقاء بالأفضلية على محور التأليف، وواضح أن التركيز على محور الانتقاء يحصر البحث في نطاق علم الدلالة" ([19]).
وقد صار النظر إلى الدلالة كونها اتحاداً شاملاً بإطار متكامل بين الدال والمدلول غير قابل للتجزئة ([20]). مرتبطاً بكون دلالة الكلمة، لا تفتقر إلى مدلولها فقط "وإنما تحتوي على كل المعاني التي تتخذها ضمن السياق اللغوي، وذلك لأن الكلمات في الواقع لا تتضمن دلالة مغلقة، بل تتحقق دلالتها في السياق الذي ترد فيه، وترتبط دلالة الجملة بدلالة السياق الذي ترد فيه" ([21])، والدوال في هذا السياق تؤدي وظائف معقدة من خلال ما تحمله بوصفها صوراً سمعية، من طاقة نفسية مركبة مشحونة بالرغائب والمعطيات الحسية، فتحرك تلك الدوال كل مكونات نفسية المتلقي، خالقة وجوه دلالتها الذاتية، تلك الدلالة الصادرة أحياناً عن محاكاة صوتية وأحياناً عن صفة تعبيرية في العلامات اللغوية. وفي سياق المحاكاة الصوتية "فإن الصوت المعزول –وان انقطعت صلته بالدلالة –بمقتضى عزله عن الإطار الدلالي الأدنى، فإنه بحكم انعقاد صلة له جديدة بأصوات معزولة مثله، يكتسب صلة بالمدلول، إثر ربط هذه الأصوات بعضها ببعض، وربط المعاني بعضها ببعض، فيصبح ذا طاقة دلالية، في البيت، وبعبارة أخرى نقول: رغم إيماننا الراسخ باعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول عامة، فإننا نؤمن بعلاقة حقيقية بين مظاهر الدوال معزولة.. وبين إطار الدلالة"([22]).
وهذا الأمر يتميز من لغة لأخرى، وأحياناً من عصر لآخر في عرف اللغة الواحدة، وهنا يأتي علم الدلالات ليعنى "بدراسة انتظام الدوال الألسنية في الظاهرة اللغوية عموماً، رغم ما يميز اللغات بعضها مع بعض، من نواميس نوعية في توليد الدلالات، فعلم الدلالات يسعى إلى عقلنة الظاهرة الدلالية أو عقلنة ظاهرة الدلالة" ([23]).
ومن خلال هذا يمكن أن نميز نوعين من الدلالة، أولهما الدلالة الذاتية في لغة الخطاب، وثانيهما الدلالة الحافة، والأولى "تتكون من المضمون الإعلامي (الدلالي) المنطقي للإشارة اللغوية، ويمكن أن نحدده بالعلاقة بين الكلمة وما تدل عليه، من شخص أو شيء أو صفة أو حدث خارج النظام اللغوي، أي بمعنى الكلمة كما يفهمه جميع متكلمي اللغة الواحدة" ([24]) أما الدلالة الحافة فتتكون "من مجموع الأنظمة الدالة التي يمكن اكتشافها في نص ما، إضافة إلى الدلالة الذاتية وهي تحد إجمالاً بكونها: المعنى الإضافي الذي توحي به كلمة ما، زيادة على معناها الأصلي" ([25]) وهنا فإن الدلالة الحافة "توحي أكثر مما تعبر، ومنها الطاقة الإيحائية في اللغة، وتعد سمة أسلوبية ما لم تتأثر أو تتكاثف، فتصبح عائقاً في الفهم، ومفهوم الإيحاء التمازج بمفهوم الإيجاز في البلاغة العربية ويمكن تعريف سمة الإيحاء بأنها: حضور دلالة في الكلام، ليس في عناصره ما ترتبط بها مباشرة" ([26]).
وقد ميز بعض الدارسين بين نوعين من الدلالة الحافة "نوع اجتماعي، ونوع نفسي، ولكنها في جميع الحالات تكون، إما حرة أو إجبارية، وهي تكون حرة على الأخص في النص الشعري، ذلك أن القصيدة غالباً ما تتضمن "فجوات منطقية" يفسرها كل قارئ أو سامع وفقاً لخياله، أو لثقافته، أو لتجربته الخاصة، أو لمعرفته بالشاعر ذاته، ولكن حرية اكتشاف دلالات حافة في قصيدة لا تكون كاملة. فالدلالة الحافة ليست بيتاً واحداً ينتخب من القصيدة ويقرأ دون سائر الأبيات، وبمعزل عنها يتضمن من الدلالات الحافة مالا يتضمنه حكماً، البيت ذاته، إذا قرأ ضمن القصيدة، أو من خلال الديوان" ([27]).
وقد أشار (بارت) إلى ما أسفرت عنه نقاشات طويلة بين اللسنانيين دارت حول واقعية المدلول أجمعت تقريباً على كونه ليس شيئاً "إنما هو تمثّل نفسي للشيء" ([28]) وفي هذا رأى أن مادية الدال تفرض "التميز الواضح بين المادة والماهية، فالماهية يمكن أن تكون غير مادية (مثل ماهية المحتوى) إذ يمكن القول فقط بأن ماهية الدال مادية دائماً: أصوات، أشياء، صور" ([29]) وقد ذكر بارت بأن "الدلالة تنتمي لماهية المحتوى، والقيمة تنتمي إلى شكل المحتوى.. ويرتبطان بعلاقة جدلية باعتبارهما مدلولين وليس لأنهما دالان طبعاً" ([30]).
وفي سياق الدلالة الحافة السابق ذكرها، يمكن النظر إلى أن مقومات عمود الشعر لم تقصر أثرها الدلالي في الاتجاه العرفي أو الذاتي فقط، إنما كانت تقترب من الدلالة الحافة على الرغم من أن عمود الشعر، في إطار المقومات الدلالية (الإصابة في الوصف والمقاربة في التشبيه، ومناسبة المستعار منه للمستعار له) قد حرص على وضع معيار لكل واحد من تلك المقومات، وكأن ذلك المعيار يحدد الاستعمال والكلام كما قال (بارت) ([31]) إلا أن هذا التحديد إنما كان ليجعل من الدلالة الحافة، دالة على الطبع متصلة –من جهة بعدها المجازي –مع العرف اللغوي /الاجتماعي، بأكثر من سبب يجعلها ضمن سياق الخطاب الشعري، دالة على فطنة الشاعر ومقدرته الفنية على الإمتاع الجمالي بعيداً عن الغموض (السهل الممتنع) لأن سائر مقومات العمود الشعري تتوخى معنى أخلاقياً، لأن ما هو أخلاقي في عمود الشعر ينبغي أن يكون ممتعاً جمالياً حتى يكون شعرياً.
الإصابة في الوصف:
الإصابة في الوصف أول ثلاثة عناصر في عمود الشعر، تتصل بالمستوى الدلالي، إذ يكشف المفهوم عن نية مسبقة لأن يكون الواصف حاد الذكاء وحسن التمييز في أن يجعل كلامه من جهة دلالته على مقام القول، مثالاً صادقاً، في صدق ارتباطه بالواقع متصلاً بالذاكرة التي يرتضيها العرف، لأن هذا هو علامة الإصابة في الوصف، ودلالتها ما يفسره قول عمر بن الخطاب (رض) في زهير أنه "كان لا يمدح الرجل إلا بما يكون للرجال" ([32])، وقول علي (رض) حين سأله عمر (رض): "من أشعر الناس؟ قال: الذي أحسن الوصف وأحكم الرصف، وقال الحق" ([33]).
والأمر هنا لا يعني اقتصار لغة الشعر على مستوى الدلالة الذاتية، إنما هي الدلالة الحافة مرتبطة بقرينة يعيها العرف ويدركها المتلقي، مع النظر إلى مفهوم الدلالة الأدبية على أنه "طريقة أداء العناصر لوظائفها في العمل الأدبي ضمن شبكة العلاقات المتبادلة بينها، والكيفية التي تنتظم فيها تحقيقاً لفاعلية خاصة" ([34]).
وإذا قام الأدب على محاولات كشف عن المخاض الجدلي الذي يعيشه العالم، أو لما يعيشه الإنسان أولاً، فإن الدلالة الأدبية تتمثل بالدرجة الأساس في أدوات فنه وطرائق تعبيره. ومحاولة إنتاج الدلالة الأدبية، إنما تكون في السعي لها في خلال إنتاج النص الأدبي عبر ما تمثله مرجعية الكاتب الثقافية من تناص قد يتجلى في إنتاجه الدلالي، ثم ما يتمثل لدى المتلقي بوصفه منتجاً آخر للدلالة.
وفي هذا الإطار كانت "السمة المشتركة التي تجمع كل المناهج النقدية الآن، أو بين معظمها على الأقل، في هذا العصر، هي أنها جميعاً تبحث عن أبنية العمل الأدبي، كي تعثر على دلالته، وتدرج كيفية قيامه بوظيفته" ([35]).
فالنقد الأدبي نظر منهجي حر ومنظم في آن معاً، يسعى دائباً لاكتشاف عالم النص الأدبي، والوقوف على القوانين التي انتظمته، وحكمتها حركة العمل الأدبي، مع ملاحظة أن نقد القدماء قد وقف في كثير من الدراسات على البنيات المكونة للأعمال الأدبية، في محاولة لدراسة العناصر الماثلة فيها، على أن ذلك النقد كان ملتزماً حداً معيارياً مستمداً من مقولاته الخاصة، والأحكام ذات القيم الخلقية، وهو ما يؤدي إلى شيوع نسب من التعميم في قراءة النص الأدبي نقدياً، ومن هنا نفهم كيف طالب العمود بأن يكون الأديب مصيباً في وصفه، مدلاً في إصابته على ذكاء يحدث حسن تميير في خلق الدلالة الأدبية.
ويجمع عنصر العمود في هذا السياق، بين ملاحظات الناقد ونتائجه ورغباته وأحكامه النقدية وهو أمر لا يخدم النقد الأدبي، لأن من مسلمات أحكامه النقدية، أو من مسلمات كل نظرية أدبية.. أن تقييم طبيعة الدراسة العلمية للأدب على ضرورة الفصل بين التقييم والتأويل، وأن تنمي مناهجها بحيث تضمن لملاحظات الناقد ونتائجه، أن لا تختلط برغباته وأحكامه... ([36]).
فقد صار بديهياً في النقد الحديث عدم التركيز فيما يقوله النص الأدبي بالقدر نفسه الذي يتم التركيز فيه، على الطريقة التي يقول بها النص ما يقوله أو يريد قوله، على أن في هذا تعسّفاً صادراً عن كون الشكل (شكل النص الأدبي) إنما هو معطى فني يؤدي إلى بنيته المضمونية أو محتواه، لأن طريقة القول جزء من القول نفسه. ومطالبة القدماء بالإصابة في الوصف من جهة المضمون أو المحتوى أو ما يتصل النص به على صعيد الواقع.
ويبدو أن السبب وراء بحث القدماء في الأدب عن مضمونه أو محتواه أولاً، أي عن المضمون أكثر من طريقة التعبير عنه، كان بسبب من توخيهم –في الخطاب الأدبي –حداً نفعياً معيناً مقيساً بمعيار سابق عليه، أثبت ذلك المعيار نفعه على صعيد السلوك بوصفه مضموناً، فضلاً عن نظرهم إلى اللغة من خلال القاعدة المعيارية، التي تضمن للغة في مرحلة الخطاب (الكلام) أداء محتواها بشكل دقيق، وهذا ما جعلهم ينظرون إلى قواعد اللغة بمنظار (القداسة) وإلى معايير الكلام، الأدبي بمنظار المرجعية الخاصة.
وفي ضوء هذا نفهم قول (رولان بارت) من أن اللغة الشعرية حين تضع الطبيعة موضع التساؤل، بكيفية جذرية عن طريق التأثير الوحيد لبنيتها، من دون اللجوء إلى محتوى القول، ومن دون التوقف عند محطة أيديولوجية ما، فإنه لا تعود هناك كتابة، بل توجد فقط أساليب من خلالها يقلب الإنسان نفسه كلية، ويواجه العالم الموضوعي، من غير أن يمر بأي وجه من وجوه التاريخ أو الألفة الاجتماعية" ([37]) وفي هذا السياق فإن الوضوح الذي دعا إليه (عمود الشعر) في الإصابة في الوصف إنما هو صفة بلاغية محض، وليس ميزة عامة للغة ممكنة التحقق، في جميع الأزمنة والأمكنة، بل هي مجرد ملحق مثالي لخطاب معين، هو ذات الخطاب المخضع لنية الإقناع الدائمة ([38]) وهو لا يتصل بالواقعية على نحو دقيق لأن الكتابة الواقعية لا تستطيع أن تقنع أنها محكوم عليها بأن تصور حسب.. ([39]).
ذلك أن أسلوب الخطاب الأدبي بما يشتمل عليه من مقومات للشكل الفني والموضوعي تجعل الناظر إليه أو فيه نقدياً يحتكم إلى مقياس الأسلوب بوصفه "المظهر الفني الذى به قوام الإبداع الأدبي" ([40]). وذلك المظهر الذي تتخلق فيه وظائف أسلوبية تشير إلى المنحى الفني للخطاب وتؤدي إلى تحليله، وتكشف عن خطأ النظر إليه من خلال حرية معايير المضمون وحده، والنظر إلى الوظيفة الشعرية أو الجمالية لأنها "علاقة قائمة بين الرسالة وذاتها، إنها الوظيفة الجمالية بامتياز، إذ أن المرجع في الفنون هو الرسالة التي تكف عن أن تكون أداة اتصال لتصير هدفه ([41]) وقد ذكر جاكوبسون أنموذجاً سداسياً للوظيفة الأسلوبية ([42]) فهناك: الوظيفة المرجعية المتمركزة حول السياق اللفظي أو القابل لأن يكون لفظياً، ذلك الذي تحيل إليه الإرسالية، ثم الوظيفة الانفعالية المتمركزة حول المرسل ثم الوظيفة الإفهامية المتمركزة حول المرسل إليه. ثم الوظيفة الانتباهية التي تعنى بالحفاظ على التواصل بين المرسل والمرسل إليه، ثم الوظيفة الميتالغوية أي (المعجمية) والتي تعنى بالسنن المشترك بين المرسل والمرسل إليه. ثم أخيراً، الوظيفة الشعرية التي يراها جاكوبسون متمركزة حول قصد الإرسالية، باعتبارها كذلك، وهذه الوظيفة هي التي توضح الجانب الملموس من الدلائل وتعمق من هذه الوجهة نفسها، الثنائية الأساسية للدلائل والموضوعات ([43]) ويذكر جاكوبسون أن هذه الوظيفة (الشعرية) تتصل بمظاهر اللغة الموصوفة من طرف الأسلوبية.
ويمكن قراءة الإصابة في الوصف في عمود، من خلال الوظيفتين: الإفهامية والانتباهية من جهة أن هذا العنصر قد أشار فيه النقاد إلى أهمية وضوح القصد، ومباشرة التوصيل وقرب التلقي في خلال الإفهام والبعد عن اللبس أو الغموض، والالتزام بوصف الأشياء بالأوصاف التي لها لإفهام المتلقي بما تواضع عليه العرف، والاستحواذ على انتباهه، بالالتقاء معه في وضوح الدلالة، من خلال إصابة الوصف المقصود، بعيداً عن الغموض.
وفي هذا السياق هنالك فارق بين الوصف من حيث هو بنية نثرية أحياناً ونثرية غالباً وبين المجاز كونه خصيصة شعرية وهو "أن الشعر يمكن أن يستخدم الوصف، والفرق بين الوصف والمجاز أساسي وكبير، الوصف هو ما يشتمل على التشبيه، يذكر الشيء بأحواله وهيئاته حتى يحكيه ويمثله للحسن([44]).. فغاية الوصف أن يكشف ويظهر أوان يوضح الغامض، أما المجاز فغايته تكثير الدلالة، فهو يخرج اللفظ من وضعه الأصلي إلى حالة ثانية، فكأنه يخرج به من اليقين إلى الظن أو الاحتمال، ومن الدلالة الواحدة إلى الدلالة المتعددة. فالوصف يبلور الشعرية والمجاز يخلق حالة احتمالية في اللغة تساوي حالة الاحتمال في الشعور الوصف يخلق اللغة، والمجاز يفتحها" ([45]).
ولست مع أدونيس حين ذهب إلى أن الوضوح المألوف هو مبدأ الكلام نثراً (النقد والخطابة) وشعر عمود الشعر، ويحدد الوضوح بأنه مبدأ الإصابة في الوصف وقرب المآخذ ([46]) لأن قصد القدماء هنا قائم على القرائن التي يكون الشاعر بارعاً في بعثها لحظة القول أو عند التلقي في وعي المتلقي، على نحو من الطبع السمح والعاطفة المتدفقة على نحو لا يجد المتلقي فيه إلا أن يأخذ عفو الخاطر ويتناول صفو الهاجس، فلا كد لفكر، ولا تعب لنفس، وهذا ما يدعو المتلقي إلى تلمسه أو تحسسه لحظة الاستقبال، ويدلل عبد العزيز الجرجاني على هذا بقول أبي تمام ([47])
لا يوحشنك ما استعجمتَ من سقمي
فإنني للذي حسيتهُ حاسي
من قطعِ ألفاظهِ توصيلُ مُهلكتي
ووصلُ الحاظهِ تقطيعُ أنفاسي
إذ لا يخلو بيت فيها من معنى بديع أو صنعة لطيفة ولكن لا يجد المتلقي معها من سورة الطرب وارتياح النفس كالذي يجده لقول بعض الأعراب:
أقولُ لصاحبي، والعيسُ تهوي
بنا بينَ المنيفةِ فالضمارِ
تمتَّعْ من شميمِ عرارِ نجدٍ
فما بعدَ العشيةِ من عرارِ
فمثل هذا الكلام، بعيد الصنعة، فارغ الألفاظ، سهل المآخذ، قريب المتناول([48]).
المقاربة في التشبيه:
يكشف التناسب بين المشبه والمشبه به عن مستوى دلالي في الخطاب الشعري مرتبط بتوجيه الشاعر إلى ضرورة أن يكون فطناً في تقديره لعملية التناسب بين طرفي التشبيه وذا تقدير حسن غير قابل للنقض في عملية تناسب جملة التشبيه، وهو ما يشير إلى عملية إنتاج الدلالة الشعرية بالصدور عن الطبع أكثر منه عن الصنعة.
ولكن نظرهم إلى التشبيه على أنه جانب من أشرف كلام العرب ودليل على الشاعرية ومقياس معرفة البلاغة([49]). لم يكن موظفاً لأداء عملية التشبيه عند خلق المعنى بهدف أن يكون المعنى واضحاً بعيداً عن الكلفة فقط، لأن الكلفة التي يعانيها المتلقي عند الاستقبال لأي نص أدبي ينبغي أن تكون ملحوظة فبعض مقومات أي عمل فني تصدر عن الغموض الشفاف، إذ نلحظ "أن من الأسس المنهجية في الدراسة الأسلوبية إعطاء الأولوية للعلاقات المختلفة التي تربط بين الأشياء، والتي تنتظم العناصر على تباعد الشقة بينها، فتكون منها أنظمة متماسكة الأجزاء، وإذا كانت مختلف مظاهر الارتباط بين أشتات المكونات خفية عادة، وخفياً دورها، فإنها بينة في الصور، واضحة، وهي المحور الرئيس الذي تدور عليه عملية التصوير"([50]).
وقد لاحظ العرب في التشبيه إشارة للأريحية الشعرية في خلال ما يحصل من تفاوت أحياناً بين المشبه والمشبه به، لأن "لتطوير الشبه من الشيء في غير جنسه وشكله، والتقاط ذلك له من غير محلته، واجتلابه إليه من النيق البعيد، باباً من الظرف واللطف ومذهباً من مذاهب الإحسان لا يخفي موضعه من العقل، وأحضر شاهد على هذا، أن تنظر إلى تشبيه المشاهدات بعضها ببعض، فإن التشبيهات، سواء أكانت عامية مشتركة أم خاصية مقصورة على قائل دون قائل، تراها لا يقع بها اعتداد ولا يكون لها موضع من السامعين، ولا تهز ولا تحرك، حتى يكون الشبه مقرراً بين شيئين مختلفين في الجنس، فتشبيه العين بالنرجس عامي مشترك معروف في أجيال الناس، جارٍ في جميع العادات، وأنت ترى بعد ما بين العينين وبينه، من حيث الجنس وتشبيه الثريا بما شبهت به من عنقود الكرم المنور، واللجام المفضض، والوشاح المفصل، وأشباه ذلك خاصي، والتباين بين المشبه والمشبه به في الجنس على ما لا يخفى، وهكذا كانت إلى النفوس أعجب، وكانت النفوس لها أطرب، وكان مكانها إلى أن تحدث الأريحية أقرب، وذلك أن موضع الاستحسان ومكان الاستظراف، والمثير للدفين من الارتياح، والمتآلف للنافر من المسرة، والمؤلف لأطراف البهجة، أنك ترى الشيئين مثلين متباينين، ومؤتلفين مختلفين"([51]).
وللتدليل على هذا تطبيقياً يستشهد بقول ابن المعتز([52]):
وكأن السحابَ مصحفُ قارِ
فانطباقاً مرةً وانفتاحا
إذ يرى شعرية هذا البيت في حصول اتفاق، حسن وجميل بين شيئين، إزاء اختلاف يميز كلاً منهما من الآخر "فمجموع الأمرين، شدة ائتلاف في شدة اختلاف، حلا وحسن وراق وفتن"([53]).
ورأى الجرجاني الذي يؤكد على شعرية التشبيه الصادرة عن "اجتماع المتنافرات والمؤتلفات في التشبيه من أسباب الشعرية"([54]) فيذهب إلى أن "كل شبه رجع إلى وصف أو صورة أو هيئة من شأنها أن ترى وتبصر، فالتشبيه المعقود عليه، نازل مبتذل، وما كان بالضد من هذا وفي الغاية القصوى من مخالفته، فالتشبيه المردود إليه غريب نادر بديع"([55]).
وهذا ما يقرأه تطبيقياً في قول عدي بن الرقاع العاملي:
تزجي أَغَنَّ، كأن أبرة ورقهِ
قلمٌ أصابَ من الدواةِ مدادَها
إذ يشير إلى أن جريراً كان قد رحم الشاعر حين ابتدأ بالتشبيه ظناً منه أنه قد وقع، فلما أكمله على هذا النحو، حسده جرير على براعته "فهل كانت الرحمة في الأولى والحسد في الثانية إلا أنه رآه حين افتتح التشبيه قد ذكر ما لا يحضر له في أول الفكر، وبديهة الخاطر وفي القريب من محل الفطن، وحين أتم التشبيه وأدّاه، صادفه قد ظفر بأقرب صفة، من أبعد موصوف وعثر على خبيء مكانه غير معروف"([56]) أي إدهاش المتلقي في إنتاج دلالة تصدر عن المألوف ولكنها غير متوقعة من المتلقي وهو ما يشير إلى ذكاء الشاعر وفطنته، وما كان هذا عند الجرجاني إلا لأن "مبنى الطباع، وموضوع الجبلة، مبني على أن الشيء إذا ظهر من مكان لم يعهد ظهوره منه، وخرج من موضع ليس بمعدن له، كانت النفوس به أكثر، وكان الشغف منها أجدر"([57]).
وقد أشار الجاحظ، من قبل، إلى حدود هذا التناسب وجماليته الكامنة في الغموض الشفاف، وليس التناسب العقلي المؤدي إلى الوضوح من دون طبع فني، إذ قال: "إن الشيء من غير معدنه أغرب، وكلما كان أغرب، كان أبعد في الوهم، وكلما كان أبعد في الوهم، كان أطرف، وكلما كان أطرف، كان أعجب، وكلما كان أعجب، كان أبدع"([58]) وهذا الفهم قد يكشف عن عدم دقة جابر عصفور حين ذكر، أن إيثار التشبيه وتقديمه على الاستعارة إنما كان بسبب ميلهم إلى النظرة العقلية الصارمة التي تؤمن بالتمايز والانفصال، وتنفر من التداخل والاختلاف، وترفض بحزم كل خارج عن الأطر الثابتة المتعارف عليها في أي مستوى من المستويات([59]).
فوظيفة التشبيه في الشعر العربي "هي إنجاز قدر من الحقيقة، الشعرية عن طريق المحاكاة التصويرية، أي بمعدل فني من نوع متميز، لا يقاس بشكل كمي، مثل القياس المنطقي وإنما بمدى قدرته على التعبير عما لا يعبر عنه نثراً، أي بمعدل قدرته التخيلية".([60])
فإذا كان ميل العرب للتشبيه كثيراً "حتى لو قال قائل: هو أكثر كلامهم لم يبعد"([61]) صادراً عن نظرية عقلية صارمة ـ كما ذكر جابر عصفور ـ فإن هذه النظرة عند أبي تمام أخذت تغوص وراء المعاني، بنظر عقلي صارم!! متقصدة نظرها ذاك، مستخدمة أساليب مخصوصة، قد عدها أصحاب عمود الشعر خارجة على طريق العرب في قول الشعر!!
ولكن الأمر متصل بصدور الشعرية العربية أولاً عن المرحلة الشفاهية، ويظل لحاسة البصر دور المقوم الأول في المقاربة عند التشبيه الشعري، فضلاً عن أن الشفاهية تجنح نحو التمايز والانفصال بعيداً عن التداخل الذي يكسر كثيراً حاسة البصر، محركاً البصيرة، وهذا أمر نلحظه في تشبيهات القصيدة الحديثة بأسلوب لافت للنظر، وقد "تأكد اليوم عند العلماء أن العين أبرز نافذة لنا على العالم فـ 90% من الأخبار التي يتلقاها الإنسان وسيلتها العين"([62])، ومن هنا كان تطور الشعرية العربية من الشفاهية/ البصرية إلى الكتابية، تحولاً من التشبيه إلى الاستعارة.
والذين قالوا بمقومات الشعرية الشفاهية أنكروا على شعرية الكتابة ما كان من تحول التشبيه عند أبي تمام إلى استعارة، أعني من المباشرة إلى التأويل وعمق التخييل، صاروا ينظرون إليها على أنها مغرقة في الغموض، لأن التناسب صار يلمح لمحاً، ولم تعد القرينة ملحوظة بلا كلفة، إنما بطول تأمل، فصاروا ينظرون إلى الأمور بمنظار الصدق والكذب المباشرين، وهو ما لا يوقف عنده في الشعر، فإذا "كانت الاستعارة تقترب من الحقيقة الشعرية عن طريق الكذب اللغوي، فإن التشبيه يمارس هذا الاقتراب عبر الحقائق اللغوية مستثيراً قدراتها على استحضار الوقائع الحيوية في قران غير متوقع، وهذا القران يعتمد على بنيتين: إحداهما سطحية وهي العلاقة بين الطرفين، المتكئة على التشابه بمستوياته المتعددة، والأخرى عميقة، وهي التي تقوى على تقديم رؤية جديدة للموضوع على ضوء هذه العلاقة"([63]).
وهذا الرأي قد يشير إلى رأي بعض العلماء في اختزال العلاقات المجازية، وحصرها في علاقتين "إحداهما تعتمد على المشابهة، والأخرى ما يعتمد على المجاورة والكتابة والمجاز المرسل في معظم أشكاله، وقد أفضى هذا التقسيم الجديد إلى افتراض مؤداه: أن الآداب التي تقوم على المشابهة ذات طابع رومانسي مثالي، كما أن الآداب التي تقوم على المجاورة تتسم بالواقعية، والقرب من الحياة"([64]). (الشعر العربي رومانسي مثالي في بعض اتجاهاته. وواقعي ملتصق بالحياة في اتجاهاته الأخرى، على ما هو واضح لأي متلق للشعر العربي.
ومن خلال ما سبق ذكره، يمكن أن نلحظ أن "المقاربة في التشبيه" التي قال بها عمود الشعر العربي، إنما كانت ناظرة إلى تناسب ركني جملة التشبيه تناسباً.. ليس عقلياً فقط، وإنما عاطفي صادر عن الطبع والفطرة الشفاهية أيضاً.
والواقع أن تناسب مقومات أسلوب التشبيه في (المرحلة الشفاهية) تطور عند المحدثين فصار إلى أهمية تناسب مقومات أسلوب الاستعارة (تناسب المستعار منه والمستعار له) في (المرحلة الكتابية). والتناسب في كلا الحالتين مقوم من مقومات أي عمل فني، والنظر إليه في كلا الوجهين في خلال المنطلق الجمالي للتناسب لأنه، إذا كان التناسب ثمرة لتوازن نفس مبدع الفن فلا بد لهذا التناسب الفني "أن يحدث أثراً في المتلقي ويساعد على إحداث نوع آخر للتوازن بين القوى النفسية لذلك المتلقي"([65])، ومن هنا كان النظر إلى المقاربة في التشبيه من خلال قيمة التناسب الفنية، حتى يصل المتلقي الناقد إلى فهم صحيح لأسلوب المقاربة في لغة الشعر على المستوى الدلالي، ثم إن "إدراك الشبه بين الأشياء هو موضع التفاضل بين الشاعر والشاعر، إذ كلما ازداد الشبه خفاء ازدادت دلالة اكتشافه على تميز الشاعرية"([66]). وهذا الفهم أدى إلى تصور المشابهة بين المتباعدات على أنها أقوى على خلق (المفارقة الشعرية) من غيرها. وهو ما أصر عليه كولردج في العصر الحديث، من أن "المشابهة الأبهى هي تلك التي تكشف بين مختلفات وأن التشابه المطلق يعدم التشبيه أو الاستعارة أو الرمز، ويمنع تدفق الشعرية"([67]) وهو أمر بعث على النظر في الاستعارة لا من خلال قيامها على المشابهة بل على المغايرة أو الاختلاف، وقد طرح ريتشاردز بعد كولردج فرضيته المعروفة: "في أن الاستعارة لا تقوم في الواقع على المشابهة، بقدر ما تقوم على المغايرة والاختلاف"([68]).
مناسبة المستعار منه للمستعار له:
مفهوم مناسبة المستعار منه للمستعار له عند المرزوقي صادر عن مفهومها عند عبد العزيز الجرجاني إذ أنها عند المرزوقي "تقريب التشبيه في الأصل حتى يتناسب المشبه والمشبه به، ثم يكتفي فيه بالاسم المستعار لأنه المنقول عما كان له في الوضع إلى المستعار له"([69]) وهي عند الجرجاني "ما اكتفي فيها بالاسم المستعار عن الأصل، ونقلت العبارة فجعلت في مكان غيرها، وملاكها تقريب الشبه، ومناسبة المستعار منه للمستعار له، وامتزاج اللفظ بالمعنى، حتى لا يوجد بينهما منافرة"([70]) وهذا ما قال به عبد القاهر أيضاً، من أن الاستعارة "أن تريد تشبيه الشيء بالشيء، فتدع أن تفصح بالتشبيه، وتظهر، وتجيء إلى اسم المشبه به فتعيره المشبه وتجريه عليه"([71]). وكل منهم منطلق من موضوعية الاستعارة عند العرب، تلك الموضوعية المتصفة، بالسببية والمقاربة والمشابهة، وكل منهم يدعو إلى عدم ترك أن يكون استعمال أسلوب الاستعارة واقعاً في دائرة الإطلاق، لئلا يضيع في الشعر استعمالها، في خلال اتصافها باللامعقول بعيداً عن التجريد أو التعقيد الذي يضعها في دائرة التحليل والتأويل، أي أنهم يقصدون الحفاظ على مرتكزاتها الرئيسة التي تسهم في الحفاظ على القيمة الشعرية، لأن الاستعارة بوصفها انزياحاً ينبغي أن لا تتجاوز حدود التواصل ومقوماته، لأن "اللغة الشعرية ستفقد كل مبرر لوجودها، كونها محكومة بقانون التواصل"([72]) وكل هذا يجب أن يتصف بالتناسب كونه ضرورة فنية جمالية.
ولما كانت الاستعارة علامة العبقرية المميزة، لأنها تقود إلى الانحراف في لغة الشعر([73])، فقد شغلت البلاغة العربية كثيراً، كونها "من مقتضيات النظم، وعنه تحدثت وبه تكون"([74]) وهي "أمد ميداناً، وأشد افتتاناً، وأكثر جرياناً، وأعجب حسناً وإحساناً،... وأذهب نجداً في الصناعة وغوراً، من أن تجمع شعبها وشعوبها، وتحصر فنونها وضروبها"([75])، فهي رأس البديع وأفضل المجاز([76])، لأن المعول عليها في التوسع والتصرف([77]).
فالمجاز حين يشحن اللغة بالطاقة الفنية الجديدة يجعلها قادرة على قول ما لا تقولـه إلا هي. أي أنها تتجاوز محدودية الدلالة اللغوية في أصلها الوضعي، وقد تكون أهمية المجاز في الخطاب الشعري ـ من جهة تأثيرها في المتلقي ـ نفسية أي راجعة إلى أن النفس الإنسانية عند وقوفها على كلام غير تام بالمقصود منه، كانت متشوقة إلى كماله، ومن هنا كان المجاز مولداً لتشوق النفس إلى ما هو غير معلوم، وكما كان الفن، ومنه الشعر، تشوقاً إلى كمال لا ينتهي، كان المجاز عنصراً مهماً في اللغة الشعرية([78]).
ومن خلال ما سبق نفهم أن دعوة عمود الشعر إلى التناسب بين المستعار منه والمستعار له، صادرة عن الطبع الشفاهي الارتجالي الذي يتطلب أن يكون ذلك التناسب حاضراً في وعي المتلقي، ولكن التناسب في الخطاب الشعري الذي يبعث على المفاجأة أو الإدهاش (كسر التوقع) يكون مولداً للشعرية، وباعثاً على أثر دلالي جديد.
والبعد القواعدي الصادر عن تناسب جملة الاستعارة في عمود الشعر، إنما هو نهج سار عليه النقد القديم، فضلاً عن أن البلاغة ذاتها تهدف إلى وضع المعايير التي تضمن خلق الإبداع الفني، كونها وسيلة خلق فني وتوجيه جمالي، فهي مقوم الأدب ووسيلته في آن([79]).
وإذا كانت البلاغة تهدف إلى وضع قواعد مخصوصة وتقنيات معينة لتحكم من خلالها لغة الشعر، فإنها لا تهدف إلى منع التطور أو الحد منه، كون اللغة الشعرية لا تخضع للتقنين والتقعيد الصارمين، لتميزها بالقدرة على التجدد والتوهج (المغايرة)، إلا أن البلاغة تسعى إلى معايير مخصوصة تحتكم إليها اللغة الشعرية للحد من الفوضى التي يمكن أن تكون حين لا تكون إشارات يهتدى بها في إنتاج الدلالة الشعرية، ومن هنا فإن "الأحكام النقدية التي ارتكزت على معايير البلاغة لتقرير حدّي: الجودة والرداءة. قد اكتسبت ماهية جديدة حولت ثبوت القياس، إلى قياس احتمال متغير، بمتغيرات الأسلوب وتنوعه"([80]).
وهذا المفهوم هو ما انطلق منه الجرجاني عند قراءته لما يسميه جان كوهين بها البلاغة الحية الفعالة التي لن يكون هناك شعر من دونها"([81]) وهو ذات المفهوم الذي أشار إليه حازم حين ذكر أنّ "معرفة طرق التناسب في المسموعات والمفهومات، لا يوصل إليها بشيء من علوم اللسان، إلا بالعلم الكلي في ذلك وهو علم البلاغة"([82])، كونها علم النص الكلي، ذلك النص الذي هو منتج البلاغة في منظور النقد([83]).
ومن خلال هذا ننظر للاستعارة على أنها بنية مجازية، في خلال أن "خاصية الوعي في المجاز، هي أن يعيش الواقع كدال، كعلاقة لواقع آخر يدل عليه، والواقع الآخر، ليس معطى هنا، والآن، إنما هو احتمالي وتخييلي"([84]).
فإذا كانت غاية الوصف الإظهار والوضوح فإن غاية الاستعارة تكثير الدلالة، أي أنها تبعث حالة من الخلق الاحتمالي بوساطة اللغة، أما الوصف فيطرح اللغة ذاتها. فكأن الوصف يقلب السمع بصراً([85]) والاستعارة تقلب البصر بصيرة.
فالاستعارة من وسائل الإدراك الخيالي لتعبيرها عن ملاحظات متنوعة بطرائق متميزة إذ تجلى قوتها الخيالية في خلال الجانب الفردي من التجربة في محاولة استكناه موضوعية الشيء بتأمل أبعاده لأن "ما تؤسسه الاستعارة من علاقات بين العناصر يسمح بأن تتمثل الصورة الاستعارية بوصفها غير قابلة للإدراك على نحو صحيح، ما لم نأخذ في اعتبارنا، النظرة الرمزية والإشارية للغة، والاستعارة الجيدة أو الناضجة، هي التي تحقق ضرباً من المعرفة الكشفية، وتثرى العالم وتجدد روابطنا به"([86]).
وفي قول زهير بن أبي سلمى الآتي ما يشير إلى هذا الأمر، على كثرة من ذكره من القدماء بدءاً من الآمدي([87]):
صحا القلبُ عن سلمى وأقْصر باطلهْ
وعُرّيَ أفراسُ الصبا ورواحلَهْ
فاستعارة الأفراس العارية عما يؤهلها للعنفوان للتدليل على العمر العاري مما كان فيه من شباب يؤهله للعنفوان أيضاً. إنما هي محاولة في رسم صورة خيالية ذات دلالة مقاربة فنياً بين: القلب الذي يغفو مع سلمى، فيطول باطله وتسرج أفراسه ورواحله كل شبابها عنفواناً قوامه الحب، وبين ذات القلب الذي يصحو عن سلمى فيقصر باطله ـ بعد أن كان طويلاً ـ وتتعرى أفراسه ورواحله، شيخوخة قوامها الاتعاظ.
على ما في البيت من تقابل دلالي جميل بين: صحوة القلب وعرى الأفراس، ثم بين سلمى والأفراس، ثم بين قصر الباطل وعري الأفراس والرواحل، وهكذا:
وهو ما يكشف عن وظائف الاستعارة المتعددة والتي منها ـ كما في قول زهير ـ أنها وسيلة يحاول الذهن من خلالها الجمع بين عناصر مختلفة، لأجل التأثير في المواقف وبعث الدوافع وتوجيهها. فكان صانع الاستعارة "ذا مقدرة لفظية يستخرج من قول يفتقر إلى الانسجام لأغراض التفسير الحرفي، قولاً دالاً، من أجل تفسير جديد يستحق أن يسمى استعارياً، لأنه يولد الاستعارة، لا من حيث هي منحرفة بل من حيث هي مقبولة أيضاً"([88]) وفي هذا فإن المعنى الاستعاري عند القدماء "لا يتكون من الاصطدام الدلالي، بل يتكون كذلك من المعنى الإخباري الجديد الذي يبزغ من انهيار المعنى الحرفي، أي من انهيار المعنى الذي ينتج إذ اعتمدنا على القيم الشائعة"([89]).
ومن قبل استعارة زهير يذكر الآمدي قول امرئ القيس المشهور([90]):
فقلتُ لـهُ لمّا تَمطى بصلبهِ
وأردفَ أعجازاً وناء بكلكلِ
إذ جعل الليل يتمطى وجعل له أردافاً، من خلال تشبيهه بالجمل، أي أنه استعار له ما يتصف به الجمل، معبراً عن معنى الإحساس بالثقل من خلال الشبه المقصود بين الليل الجاثم عليه أو على الأرض والجمل الجاثم على الأرض. قاصداً إثبات هذا الشبه، وهذا الفهم هو ما جعل الجرجاني لا يعد الاستعارة من باب التخييل "لأن المستعير ـ (من وجهة نظره) ـ لا يقصد إلى إثبات اللفظة المستعارة، وإنما يعمد إلى إثبات شبه هناك فلا يكون مخبره على خلاف خبره"([91]).
ومن هذا السياق في قراءة الاستعارة ما ذكره الآمدي عند استشهاده بقول لبيد المشهور([92]):
وغداة ريحٍ قد كشفَت وقرةٍ
إذ أصبحت بيدِ الشمالِ زمامُها
فجعل للشمال يداً، وغداة زماناً، إلا أن الأمر في الاستعارة أكثر من هذا إذ في قوله (يد الشمال) ولم يقل (يد اليمين أو اليسار) ما يشعر كما هو شائع عرفياً، بالمأساة أو صعوبة الأمر، إذ اليمين رمز للخير والشمال خلاف ذلك([93]). أي أن الشاعر "أراد أن يثبت للشمال في الغداة تصرفاً كتصرف الإنسان في الشيء، يقبله، فاستعار لها اليد حتى يبالغ في تحقيق الشبه، وحكم الزمان في استعارته للغداة حكم اليد في استعارتها للشمال، إذ ليس هناك مشار إليه يكون الزمام كناية عنه، ولكنه وفّى المبالغة شرطها من الطرفين فجعل على الغداة زماماً، ليكون أتم في إثباتها مصرفة، كما جعل للشمال يداً، ليكون أبلغ في تصييرها مصرفة"([94]).
إن لغة الاستعارة عند القدماء متصلة بقرائن تجعل قراءتها من المتلقين قريبة وقد عرفت البلاغة العربية مفهوم القرينة القائمة على المحور الاستبدالي بسبب من اعتماد البنية الغنائية التي يتصف بها الشعر العربي على الاستبدال في المجاز ومنه الاستعارة. وفي ضوء هذا نفهم كيف عد الجرجاني الاستعارة ضرباً من التشبيه ـ كما هي في الواقع ـ أو نمطاً من التمثيل ـ كما يمكن أن تكون ـ إلا أن عده التشبيه قياساً "والقياس فيما تعيه القلوب، وتدركه العقول، وتستقصي فيه الإفهام والإذهان، لا الإسماع والآذان"([95]) أمر فيه نظر، من جهة عدم وجود مشاكلة بين الشعر والقياس، إذا نظرنا إلى الشعر على أنه انقياد للانفعال أو ناتج عنه، أو انقياد للتعجب أو ناتج عنه، على حين أن القياس يوحي بنسبة من التطابق بين المادة والشيء أو يشير إليها مباشرة على نحو عقلي.
وقد أوضح الجرجاني "أن الاستعارة في الجملة، أن يكون للفظ أصل في الوضع اللغوي معروف تدل عليه الشواهد، على أنه اختص به حين وضع، ثم يستعمله الشاعر، أو غير الشاعر في ذلك الأصل، وينقله إليه نقلاً غير لازم فيكون هناك كالعارية"([96]).
فالاستعارة تكثير لدلالة الكلمة في أصلها الوضعي، إلا أن أي جزء من جزئيات هذا التكثير لا بد أن يكون مرتبطاً أو متصلاً بالأصل الوضعي بأكثر من رابط أو سبب يكون فيه قرينة تجعله غير بعيد عن فهم المتلقي أو قراءته. وهذا ما يفسر كيف أن المرزوقي رأى الاستعارة التي هي ضرب من التشبيه أو تطوير عنه، قد يكتفي فيها بالاسم المستعار، لأنه المنقول عما كان له في الوضع إلى المستعار له. جاعلاً عيارها: الذهن والفطنة، وإنما جعل الذهن جزءاً أولاً من العيار لارتباط العملية الاستعارية بالخيال، والفطنة جزءاً ثانياً للتدليل على القرينة الاستعارية التي لا تجعل لغة الاستعارة مفتوحة من دون ضوابط تحدها، إذ تؤدي الضوابط الاستعارية وظيفة مهمة هي، التناسب بين المستعار منه والمستعار له.
هوامش المبحث الثالث :
([1]) -الموازنة، 1 /234.
([2]) -الديوان، 3/217. الموازنة، 1 /234.
([3]) -الصورة والبناء الشعري، محمد حسن، 10
([4]) -المرجع نفسه، 217.
([5]) -الحيوان، 3 /71.
([6]) -البيان والتبيين، 1 /79.
([7]) -التعريفات، الجرجاني/ 93.
([8]) -دلائل الإعجاز، 495، اللغة العربية، معناها ومبناها، تمام حسان، 342.
([9]) -علم الدلالة، مختار عمر، 72.
([10]) -العربية، معناها ومبناها، 337.
([11]) -المقتضب، 4 /175.
([12]) -دراسة المعنى عند الأصوليين، 232.
([13]) -دينامية النص، محمد مفتاح، 63.
([14]) -خصائص الأسلوب في الشوقيات، الطرابلسي، 518.
([15]) -المرجع نفسه، 518.
([16]) -علم اللغة العام، سوسير 85 –87.
([17]) -علم اللغة الاجتماعي عند العرب، هادي نهر، 81.
([18]) -الأسلوبية والأسلوب، المسدي، 149.
([19]) -العمى والبصيرة، بول دي مال، 6.
([20]) -تطور البحث الدلالي، الصغير، 17.
([21]) -المرجع نفسه، 18.
([22]) -خصائص الأسلوب في الشوقيات، 59.
([23]) -المرجع نفسه، 151.
([24]) -خصائص الأسلوب في الشوقيات، 176.
([25]) -المرجع نفسه، 218.
([26]) -الأسلوبية والأسلوب، المسدي، 170.
([27]) -المرجع نفسه، 176.
([28]) -مبادئ في علم الدلالة، بارت، 71.
([29]) -المرجع نفسه، 70 71.
([30]) -المرجع نفسه، 77.
([31]) -مبادئ في علم الأدلة، 89.
([32]) -شرح ديوان الحماسة، 1 /9.
([33]) -ديوان أبي محجن الثقفي برواية أبي هلال العسكري، 22.
([34]) -إنتاج الدلالة الأدبية، صلاح فضل، 5.
([35]) -المرجع نفسه، 306.
([36]) -إنتاج الدلالة الأدبية، 302.
([37]) -درجة الصفر للكتابة، بارت، 66.
([38]) -درجة الصفر للكتابة، بارت، 71.
([39]) -المرجع نفسه، 80.
([40]) -الأسلوبية والأسلوب، 106 –110.
([41]) -السيمياء، غيرو، 11.
([42]) -ينظر، معايير تحليل الأسلوب، ريفاتير، 18 –66.
([43]) -معايير تحليل الأسلوب، ريفاتير، 68 –69.
([44]) -ينظر، العمدة، 1/ 94 –95.
([45]) -الثابت والمتحول، 1 /107.
([46]) -المصدر نفسه، 3 /135.
([47]) -الديوان، 2 /197.
([48]) -الوساطة، 33.
([49]) الصورة الأدبية، 46.
([50]) خصائص الأسلوب في الشوقيات، 141.
([51]) أسرار البلاغة، 116.
([52]) الديوان، 122.
([53]) أسرار البلاغة، 14.
([54]) الشعرية، أحمد مطلوب، 71.
([55]) أسرار البلاغة، 151.
([56]) المصدر نفسه، 141.
([57]) أسرار البلاغة، 117-118.
([58]) البيان والتبيين، 1/89، وينظر، الحيوان، 4/2، رسائل الجاحظ، 1/103، 154-157.
([59]) لصورة الفنية، جابر عصفور، 218.
([60]) المصدر نفسه، 221.
([61]) الكامل في اللغة والأدب، 3/93.
([62]) خصائص الأسلوب في الشوقيات، 142.
([63]) الصورة الفنية، جابر عصفور، 223.
([64]) نظرية البنائية، صلاح فضل، 383.
([65]) مفهوم الشعر، جابر عصفور، 142.
([66]) في الشعرية، كمال أبو ديب، 46.
([67]) المرجع نفسه، 45.
([68]) المرجع نفسه، 46.
([69]) شرح ديوان الحماسة، 1/10.
([70]) الوساطة، 41.
([71]) دلائل الإعجاز، 105.
([72]) بنية اللغة الشعرية، كوهن، 173.
([73]) في الشعرية، 122، 31، 85.
([74]) دلائل الإعجاز، 393.
([75]) أسرار البلاغة، 32.
([76]) العمدة، 1/269.
([77]) الوساطة، 34.
([78]) الثابت والمتحول، 3/ 192-193.
([79]) النقد البلاغي، ماهر مهدي، 195.
([80]) المنظور البلاغي في نقد الشعر، د. ماهر مهدي، 164، مجلة كلية الآداب، ع39، 1990م.
([81]) بنية اللغة الشعرية، جان كوهين 46.
([82]) منهاج البلغاء، 126.
([83]) المنظور البلاغي في نقد الشعر، مقال، ماهر مهدي هلال، 195.
([84]) الثابت والمتحول، 2/120.
([85]) العمدة، 2/94-95.
([86]) الخيال، مفهوماته ووظائفه، عاطف جودت، 281.
([87]) الموازنة، 1/ 14.
([88]) في الشعرية، 140.
([89]) المصدر نفسه، 140.
([90]) الموازنة، 1/ 14.
([91]) أسرار البلاغة، 252.
([92]) الموازنة، 1/ 15، وينظر، أسرار البلاغة، 43-44.
([93]) الموازنة، 1/ 15.
([94]) أسرار البلاغة، 44.
([95]) المصدر نفسه، 20.
المصدر نفسه، 29.([96](
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
- - أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، تحقيق، هـ.ريتر، استانبول، مطبعة وزارة المعارف سنة 1954