التعددية النصية والتوليد الدلالي
وإشكاليات التلقي في الخطاب المسرحي
د.حسين الأنصاري
من النص إلى العرض:
فن المسرح نص وعرض في آن واحد، ويعد النص عنصراً ثابتاً ويظل خطاباً ثانوياً ما لم يبلغ الخشية، حيث يخضع لعملية التحويل، ويتجسد بعرض مسرحي مختلف من تجربة إخراجية لأخرى، إن خصوصية المسرح كنوع من حيث الكتابة يقوم على أساس العلاقة بين عناصره، أي- النص والعرض- من ناحية والمتلقي من ناحية أخرة.
والمسرح لا يصل هدفه النهائي إلا عبر العرض الذي تم إنجازه من خلال تحويل النص عبر المسرحة الكامنة فيه إلى خطاب درامي مجسد وإذا كان النص قائماً على مجموعة من العلامات اللفظية-اللغوية-التي تبدو محدودة- فإنها يمكن تقديمها للجمهور حسب معايير الإمكان والاحتمال وتوسيع حدود الخيال من خلال فعل القراءة، ولكنها القراءة الناقصة أو الفردية، ما لم تتجسد فوق الخشبة، لأن العرض المسرحي يتكون من مجموعة أنظمة إعلامية لفظية منها وغير لفظية أي شبكة من الوحدات السيهيائة التي تنتمي إلى أنظمة مختلفة ومتداخلة ومركبة معاً.
تاديوز كازان- ثلاث عشر نسقاعلاميا يعمل في العرض المسرحي وهي مايلي:"الكلمات، تغير نغم الصوت، تعبير الوجه، الايماءة، حركة الجسد الميكاج، زي الرأس، الملابس، اللوازم ،الديكور، الإضاءة، الموسيقى المؤثرات الصوتية" (1)
ولكل من هذه الأنساق منطقة الخاص، وبالرغم من شمولية تصنيف- كأوزان لأنساق العرض المسرحي إلا أنه أغفل جانبا مهما وعنصراً أساسيا في تكاملية خطاب المسرح إلا وهو – المتلقي- لم يشر في تقسيماته إلى دور الصورة الفوتغرافية والسينمائية والألكترونية وخيال الظل/ التي غالبا ما تكون عناصر واضحة في بنية العروض ويمكن وضعها تحت المؤثرات البصرية أسوة بمؤثراته الصوتية لكنه من جانب آخر فإن موضوع السيمياء المسرحية هو العرض وليس النص الأدبي .
إن النظام المسرحي هو شكل تعبيري واتصالي متغير سواء على مستوى الشكل أو المضمون لارتباطه بالظروف الاجتماعية والتغيرات التاريخية وبشكّل المثل والمتلقي أبرز عناصره وتفرد خصوصيته.
ومن بين الأسباب التي جعلت فن المسرح يتجسد من خلال العرض، هو ظهور وتميز شخصية-المخرج-في العملية المسرحية والذي استطاع أن يحول الاهتمام عن النص المكتوب بوساطة الرؤى الإخراجية التي تجاوز فيها طريقة تجسيد النص من مجـرد ترجـمة
أو زخرفة أو نقل حرفي إلى بنية عرض قائمة ذاتها ومتحررة بعناصرها في فضاء فعلي يتجسد فيه المعنى وفق صيغة بلوليفونية دالة- حيث أن المنطق السردي المسرحي يتوزع على عدد من الشخصيات في خطاب حواري وحوارية مركبة- السماع/ النظر ومنفتحة باستمرار .
وهذا يجعل فن المسرح تحكمه التعددية وليس الواحدية خلافاً للنص الروائي أن النص المسرحي المكتوب معد أساساً للإنجاز للعرض المشهدي وبناء على هذا فهو يخضع للتشغيل من خلال الحذف والتعديل والإضافة أي عمليات الهدم والبناء المستمرة، من أجل تجاوز حالة الانغلاق الذي تفرضه الصيغة الأولى – نص المؤلف –
فعملية فضاء الكتابات المتعدد والمتغيرة فوق خشبات المسارح .
وهذا يكون المعنى النهائي للتشغيل أو التفعيل هو تحويل النص من حالة إلى حالة من كتابة زمن إلى كتابة أخرى، زمن آخر وأن هذه الكتابة الجديدة أو للإعداد الدرامي تحكمه طبيعة اللقاء المسرحي فهو يتجه إلى تحقيق ورغبة الذات السامعة/ المشاهدة .. إن عملية إنبناء النص الدرامي تتحقق من خلال تناول الكتابة الأولى للنص كمشروع فكـري وجمالي مفـتوح،
نقلاً للمتلقي، أي من حالة السماع والمشاهدة إلى حالة النقد والإنتاج .
فعملية تحويل النص وتشغيله ضمن مستوى العرض هو مشروع يتم البحث فيه وعادة كتابته مرات متعددة تبعاً لحاجة الذات المقترحة للقاء.
وقابل ذلك ما اصطلح عليه-القارئ الضمني على حد تعبير- ايرر- وكذلك القارئ الفعلي الحاضر أثناء العرض. وبهذا تكون وظيفة المتلقي المشاركة والعمل أي أن عملية المشاهدة والسماع عملية تلقي فاعلة ومنتجة داخل لعبة العرض .
ويتحقق هذا التعدد والتشغيل داخل فضاء العرض وبوساطة الوسائل التالية:
1-التكييف Adeptation
أي تكييف العرض مع عقلية المتلقين المشاركين ووجدانهم في اللقاء وبذلك يتجاوز النص حالة انغلاقه على ذاته. وينفتح على ثقافة الآخرين الذي يشتغل وسطهم.
وهذا التكييف سيجعل من علاقة علاماته الداخلية امتداداً لعلاقة العلامات الاجتماعية والممارسات الجماعية، باعتبار "أن النص ليس مجرد ألفاظ .لكنه على العكس عنصرا لمارسة دالة على مجموعة من العلاقات اللاشعورية والذاتية والاجتماعية (2).
2-التحويل Changing
يقصد به علمية الهدم والبناء التي تمارس في العرض المسرحي ذاته كان يكون التحويل مثلاً في بعض معاني النص كهدم معنى وبناء معنى آخر أو بتحويل حدث أو شخصية أو حوار وأن المرجع الأساسي الذي يوجه التحويل هو-المتلقي- بوصفه الهدف المقصود والمالك لنص يفقده الكاتب-باستمرار ومن خلال عملية التحويل نجد أن المادة تظل مشتركة بين الخطابين، المحول منه والمحول إليه، أي النص والعرض، لكن الذي يتغير هنا هو عملية تخطيب المادة وفق قواعد الخطاب الذي مارس هذه العملية .
وتبقى الوظيفة النهائية للتحويل هي إنجاز مهمة المحاورة وتحويل المتلقي إلى مشارك إيجابي للتجربة المسرحية وكما يقول "جان جاك روسو" "إن معيار نجاح العروض هو قدرتها على تحويل الحاضرين جميعا إلى مؤدين مشاركين بحيث يصبح الجمهور هو العرض"(3)
3- الفعل
إن اللغة في النص المسرحي لا تقوم بوظيفة الوصف والتصوير فقط بل تجعل من ذاتها كلاماً يتولاه اللسان وعدد-
بالإرسال كدلالة تهدف إلى التأثير في المتلقي وهذا لا يتحقق إلا عندما تتحول الكلمة إلى انتماء مشترك بين ذات الباث وذات المتلقي، لكي يتحقق الاتصال عبر اتفاقية تضمينية.
لأن العرض المسرحي لغة تقوم على أساس نظام علاماتي متكون من الإشارات المرئية والسمعية وتستخدم داخل وسائل عديدة لنقل الإشارات المرئية والسمعية وتستخدم داخل وسائل عديدة لنقل الأفكار بين المرسل والمتلقي وتعتمد في ذلك على الواقع الذي يمكن المتلقي من القدرة على الفهم والتأويل.
وفيما يتعلق بعملية تحويل النصtrensposing إلى عرض تتحدد بوجهتي نظر متطرفين حسب ما يرى ذلك "ميهاى نادين"، فهما:
1- "إن العرض تعبير عن النص الأدبي وهو نتاج Productله، وقيمة العرض تُستمَد من درجة أمانته Fidelty للنص.
2- وهناك وجهة نظر أخرى ترى أن العرض متحور من النص،أي أن النص ممهد أو نص قبلي Fretaxt وقيمته تستمد من قدرته على أن يصبح واقعاً جمالياً asthaticreelty بذاته" (4).
ولما كان النص المكتوب يعتقد نظاما واحداً خلال اللغة فإن ذات المؤلف تنتهي تداوليتها على هذا المستوى في نلص لتحقيق تداولية بصرية في العرض أن الصيغ اللغوية يجرى تحويلها في العرض إلى
أنساق وعلامات حسية، بصرية والتحويل يؤثر على مساراتها اللغوية ودلالاتها في العرض المسرحي.
إن عملية تحويل الإشارات اللفظية المسرحية المكتوبة والتي تمثل أفعالاً إلى إشارات التمثيل التي تمثل الأجسام الفاعلة ستغير من معانيها بحكم المنجزات الخاصة بالممثل الذي يضع تعابير الوجه والإيماءات والحركات التي يفترض أن تمثل الشخوص الدرامية"(5)
إن اللغة في المسرح وسيطاً وليست إنتاجاً نهائياً تاماً في ذاته كما هو الحال في الرواية بوصفها صيغة سردية. وتختلف الصيغة المسرحية عن الصيغة السردية ببعض الفوارق الآتية:-
أولاً: الراوي
يقوم بمهمة السرد ويكون وسيطاً بين المؤلف والشخصيات ويضطلع بمهمة توجيها. في الصيغة السردية، وهنا تكاد سلطة الراوي تتساوى مع سلطة المؤلف ضمن الخطاب الشمولي للعمل بينما لا تجد مثل هذا في المسرحية إّ يتم من خلال الحوار بين الشخصيات التعرض على الفكرة أو الحكاية باستثناء بعض الحالات كما هو الحال في المسرح الملحمي.
وفي الصيغة المسرحـية لا يظهر أثر واضـح للمؤلف إلاّ في الإشارات الثانوية للحركة والإخراج تلك التي يدونها في
النص، وفي كثير من الأحيان تهمل ولا يؤخذ بها من قبل المخرج.
إن الشخصيات المسرحية تنهض بمسؤولية خطابها، ويحدد الفعل المسرحي قيمة الخطاب ومصداقيته خلافاً للصيغة السردية التي ترتبط بالراوي ويحكم مسؤولية توجيه الخطاب وتحققه.
ثانيا: الزمكانية
إن السرد يتمتع بإمكانيات زمانية ومكانية كبيرة ومتنوعة، حيث نجد القيود المادية تحد من مساحة المكان أو امتداد الزمان اللذين يدور فيهما الخطاب فهناك قدرة على التوغل داخلهما إلى الماضي أو المستقبل أو الانتقال من مكان إلى آخر.
أما في الخطاب المسرحي الأمر مختلف تماماً، حيث نجد القيود المادية تحد من أهمية عنصري-الزمن والمكان-فالعمل متقيد بمدة العرض ومساحة المسرح وتغير المناظر إضافة إلى القيود الإنتاجية الأخرى، ونلمس أيضاً ضمن هذا الاختلاف بين الصيغتين السردية والمسرحية أن زمان / مكان السرد مزدوج وينتج عن ذلك عالمان:الحاكي-الراوي-والمحكي-فيه زمان ومكان الشخصيات وبالتالي يكون هناك زمانات ومكانات.
وبما أن الحكي يسبق دائماً المحكي فغالباً ما يكون السرد في إطار الزمن الماضي برغم استخدام صيغ المضارعة وزمن الحاضر .
أما زمان / مكان الصيغة المسرحية فهو حاضر دائماً بالرغم من تغيير المكان في المسرحية لأن الخطاب المسرحي يرتبط وينجز مع المتلقي وهنا يكون وقوع الحدث في حاضر اتصال المتلقي بالخشبة في حالة العرض أو يتمثلها على الورق بالنسبة للنص الدرامي المقروء .
ومن الفروق الجوهرية بين الصيغتين أيضاً هي القابلية اللامحدودية للصيغة المسرحية لأنهما تنتج في سياق علامات تماثلية "أيقونية" تحيط بعلامات النص اللفظية أو تتحول إلى تمثيل وحركة ومناظر في مساحة محدودة، وهذا يجعل المتلقي يحول النص إلى صورة ذهنية بينما لا ينطبق ذلك على قارئ الرواية مثلاً.
أما بالنسبة للغة فإن اللغة في العرض المسرحي تتحلل إلى لغات مختلفة وهناك خاصية سيميائية للمسرح تزيد من حدة إشكالية اللغة فيه حيث أن المشهد بجوانبه المختلفة من تشكيل مكاني وإضاءة وملابس وإيحـاءات وعنـاصر أخرى يـقوم بـدور
مجموعة العلامات المتكافئة أو المتقاطعة مع العلامات اللغوية وحول ذلك يذكر كيرايلام مايلي:-
"يتميز العرض المسرحي باستخدامه لقائمة متناهية العدد من الدوال لتوليد عدد لا متناه من الوحدات الثقافية، وهذه القدرة التوليدية الفعالة التي يملكها الدال المسرحي تعود جزئياً إلى اتساع دلالات المصاحبة وهذا يفسر التعدد الدلالي للعلامة المسرحية. (6).
إن اللغة في العرض المسرحي تتحول من حالة نقل- المعنى إلى أداء –توصيل- إلى جانب الكثير من الأدوات والصور المسرحية التي تشكل جميعاً لغة المسرح.
ومن خلال ما مر ذكره يمكننا إجراء مقارنة بين النص الأدبي- المكتوب والعرض المسرحي لنستخلص الفروقات الآتية :
1- إن النص الأدبي وجود تاريخي بينما لا يمتلك العرض مثل هذا الوجود خارج حدود تحققه.
2- النص مدونة كتابية مستقرة في حين نجد العرض عمل غير تدويني إنه نظام متحرك عابر وزائل بانتهاء مدة العرض.
3- يمتاز النص بثبات أبعاده كافة لكن العرض متغير الأبعاد ومختلف من تجربة إلى تجربة أخرى.
4-النص الأدبي ذو حساسية ضعيفة لحظة القراءة ويتم إدراكه بصفة خيالية أما العرض فهو منظومة شديدة الحساسية نتيجة حالة التجسيد للعمل في المكان المسرحي، أي التحقق العادي للأثر وبذلك يكون ادراك العرض عياني ومباشر.
5- وجود النص بالقوة بينما يكون وجود العرض بالفعل.
6- النص مسرحه الخيال/والمخيلة أما العرض فمسرحه الواقع.
7- النص عالم فيه الكثير من الافتراض بينما يكون مجال الافتراض محدد في العرض المسرحي.
8-الدال في النص يكون على مثال مرسله الوحيد، بينما يكون المرسل في العرض متغير وتعدد، وهو دال ومدلول في الوقت نفسه خلافاً لزمانه الخاص ومؤثراً في زمن ومكان متلقيه.
المصادر:
1-أمبرتو أيكو- سيمياء العرض ص 203.
2-محمد المعزوز-خاصية التعدد ومستوى التشغيل في المسرح ،ملحق انوال الثقافي. المغرب.
3-زياد جلال: مدخل إلى السيمياء في المسرح ص 104 .
4-ميهاي نادين- التأويلية.
5-ليشت فيشت- العرض المسرحي كمعنى للنص الدرامي.ص 123 .
وإشكاليات التلقي في الخطاب المسرحي
د.حسين الأنصاري
من النص إلى العرض:
فن المسرح نص وعرض في آن واحد، ويعد النص عنصراً ثابتاً ويظل خطاباً ثانوياً ما لم يبلغ الخشية، حيث يخضع لعملية التحويل، ويتجسد بعرض مسرحي مختلف من تجربة إخراجية لأخرى، إن خصوصية المسرح كنوع من حيث الكتابة يقوم على أساس العلاقة بين عناصره، أي- النص والعرض- من ناحية والمتلقي من ناحية أخرة.
والمسرح لا يصل هدفه النهائي إلا عبر العرض الذي تم إنجازه من خلال تحويل النص عبر المسرحة الكامنة فيه إلى خطاب درامي مجسد وإذا كان النص قائماً على مجموعة من العلامات اللفظية-اللغوية-التي تبدو محدودة- فإنها يمكن تقديمها للجمهور حسب معايير الإمكان والاحتمال وتوسيع حدود الخيال من خلال فعل القراءة، ولكنها القراءة الناقصة أو الفردية، ما لم تتجسد فوق الخشبة، لأن العرض المسرحي يتكون من مجموعة أنظمة إعلامية لفظية منها وغير لفظية أي شبكة من الوحدات السيهيائة التي تنتمي إلى أنظمة مختلفة ومتداخلة ومركبة معاً.
تاديوز كازان- ثلاث عشر نسقاعلاميا يعمل في العرض المسرحي وهي مايلي:"الكلمات، تغير نغم الصوت، تعبير الوجه، الايماءة، حركة الجسد الميكاج، زي الرأس، الملابس، اللوازم ،الديكور، الإضاءة، الموسيقى المؤثرات الصوتية" (1)
ولكل من هذه الأنساق منطقة الخاص، وبالرغم من شمولية تصنيف- كأوزان لأنساق العرض المسرحي إلا أنه أغفل جانبا مهما وعنصراً أساسيا في تكاملية خطاب المسرح إلا وهو – المتلقي- لم يشر في تقسيماته إلى دور الصورة الفوتغرافية والسينمائية والألكترونية وخيال الظل/ التي غالبا ما تكون عناصر واضحة في بنية العروض ويمكن وضعها تحت المؤثرات البصرية أسوة بمؤثراته الصوتية لكنه من جانب آخر فإن موضوع السيمياء المسرحية هو العرض وليس النص الأدبي .
إن النظام المسرحي هو شكل تعبيري واتصالي متغير سواء على مستوى الشكل أو المضمون لارتباطه بالظروف الاجتماعية والتغيرات التاريخية وبشكّل المثل والمتلقي أبرز عناصره وتفرد خصوصيته.
ومن بين الأسباب التي جعلت فن المسرح يتجسد من خلال العرض، هو ظهور وتميز شخصية-المخرج-في العملية المسرحية والذي استطاع أن يحول الاهتمام عن النص المكتوب بوساطة الرؤى الإخراجية التي تجاوز فيها طريقة تجسيد النص من مجـرد ترجـمة
أو زخرفة أو نقل حرفي إلى بنية عرض قائمة ذاتها ومتحررة بعناصرها في فضاء فعلي يتجسد فيه المعنى وفق صيغة بلوليفونية دالة- حيث أن المنطق السردي المسرحي يتوزع على عدد من الشخصيات في خطاب حواري وحوارية مركبة- السماع/ النظر ومنفتحة باستمرار .
وهذا يجعل فن المسرح تحكمه التعددية وليس الواحدية خلافاً للنص الروائي أن النص المسرحي المكتوب معد أساساً للإنجاز للعرض المشهدي وبناء على هذا فهو يخضع للتشغيل من خلال الحذف والتعديل والإضافة أي عمليات الهدم والبناء المستمرة، من أجل تجاوز حالة الانغلاق الذي تفرضه الصيغة الأولى – نص المؤلف –
فعملية فضاء الكتابات المتعدد والمتغيرة فوق خشبات المسارح .
وهذا يكون المعنى النهائي للتشغيل أو التفعيل هو تحويل النص من حالة إلى حالة من كتابة زمن إلى كتابة أخرى، زمن آخر وأن هذه الكتابة الجديدة أو للإعداد الدرامي تحكمه طبيعة اللقاء المسرحي فهو يتجه إلى تحقيق ورغبة الذات السامعة/ المشاهدة .. إن عملية إنبناء النص الدرامي تتحقق من خلال تناول الكتابة الأولى للنص كمشروع فكـري وجمالي مفـتوح،
نقلاً للمتلقي، أي من حالة السماع والمشاهدة إلى حالة النقد والإنتاج .
فعملية تحويل النص وتشغيله ضمن مستوى العرض هو مشروع يتم البحث فيه وعادة كتابته مرات متعددة تبعاً لحاجة الذات المقترحة للقاء.
وقابل ذلك ما اصطلح عليه-القارئ الضمني على حد تعبير- ايرر- وكذلك القارئ الفعلي الحاضر أثناء العرض. وبهذا تكون وظيفة المتلقي المشاركة والعمل أي أن عملية المشاهدة والسماع عملية تلقي فاعلة ومنتجة داخل لعبة العرض .
ويتحقق هذا التعدد والتشغيل داخل فضاء العرض وبوساطة الوسائل التالية:
1-التكييف Adeptation
أي تكييف العرض مع عقلية المتلقين المشاركين ووجدانهم في اللقاء وبذلك يتجاوز النص حالة انغلاقه على ذاته. وينفتح على ثقافة الآخرين الذي يشتغل وسطهم.
وهذا التكييف سيجعل من علاقة علاماته الداخلية امتداداً لعلاقة العلامات الاجتماعية والممارسات الجماعية، باعتبار "أن النص ليس مجرد ألفاظ .لكنه على العكس عنصرا لمارسة دالة على مجموعة من العلاقات اللاشعورية والذاتية والاجتماعية (2).
2-التحويل Changing
يقصد به علمية الهدم والبناء التي تمارس في العرض المسرحي ذاته كان يكون التحويل مثلاً في بعض معاني النص كهدم معنى وبناء معنى آخر أو بتحويل حدث أو شخصية أو حوار وأن المرجع الأساسي الذي يوجه التحويل هو-المتلقي- بوصفه الهدف المقصود والمالك لنص يفقده الكاتب-باستمرار ومن خلال عملية التحويل نجد أن المادة تظل مشتركة بين الخطابين، المحول منه والمحول إليه، أي النص والعرض، لكن الذي يتغير هنا هو عملية تخطيب المادة وفق قواعد الخطاب الذي مارس هذه العملية .
وتبقى الوظيفة النهائية للتحويل هي إنجاز مهمة المحاورة وتحويل المتلقي إلى مشارك إيجابي للتجربة المسرحية وكما يقول "جان جاك روسو" "إن معيار نجاح العروض هو قدرتها على تحويل الحاضرين جميعا إلى مؤدين مشاركين بحيث يصبح الجمهور هو العرض"(3)
3- الفعل
إن اللغة في النص المسرحي لا تقوم بوظيفة الوصف والتصوير فقط بل تجعل من ذاتها كلاماً يتولاه اللسان وعدد-
بالإرسال كدلالة تهدف إلى التأثير في المتلقي وهذا لا يتحقق إلا عندما تتحول الكلمة إلى انتماء مشترك بين ذات الباث وذات المتلقي، لكي يتحقق الاتصال عبر اتفاقية تضمينية.
لأن العرض المسرحي لغة تقوم على أساس نظام علاماتي متكون من الإشارات المرئية والسمعية وتستخدم داخل وسائل عديدة لنقل الإشارات المرئية والسمعية وتستخدم داخل وسائل عديدة لنقل الأفكار بين المرسل والمتلقي وتعتمد في ذلك على الواقع الذي يمكن المتلقي من القدرة على الفهم والتأويل.
وفيما يتعلق بعملية تحويل النصtrensposing إلى عرض تتحدد بوجهتي نظر متطرفين حسب ما يرى ذلك "ميهاى نادين"، فهما:
1- "إن العرض تعبير عن النص الأدبي وهو نتاج Productله، وقيمة العرض تُستمَد من درجة أمانته Fidelty للنص.
2- وهناك وجهة نظر أخرى ترى أن العرض متحور من النص،أي أن النص ممهد أو نص قبلي Fretaxt وقيمته تستمد من قدرته على أن يصبح واقعاً جمالياً asthaticreelty بذاته" (4).
ولما كان النص المكتوب يعتقد نظاما واحداً خلال اللغة فإن ذات المؤلف تنتهي تداوليتها على هذا المستوى في نلص لتحقيق تداولية بصرية في العرض أن الصيغ اللغوية يجرى تحويلها في العرض إلى
أنساق وعلامات حسية، بصرية والتحويل يؤثر على مساراتها اللغوية ودلالاتها في العرض المسرحي.
إن عملية تحويل الإشارات اللفظية المسرحية المكتوبة والتي تمثل أفعالاً إلى إشارات التمثيل التي تمثل الأجسام الفاعلة ستغير من معانيها بحكم المنجزات الخاصة بالممثل الذي يضع تعابير الوجه والإيماءات والحركات التي يفترض أن تمثل الشخوص الدرامية"(5)
إن اللغة في المسرح وسيطاً وليست إنتاجاً نهائياً تاماً في ذاته كما هو الحال في الرواية بوصفها صيغة سردية. وتختلف الصيغة المسرحية عن الصيغة السردية ببعض الفوارق الآتية:-
أولاً: الراوي
يقوم بمهمة السرد ويكون وسيطاً بين المؤلف والشخصيات ويضطلع بمهمة توجيها. في الصيغة السردية، وهنا تكاد سلطة الراوي تتساوى مع سلطة المؤلف ضمن الخطاب الشمولي للعمل بينما لا تجد مثل هذا في المسرحية إّ يتم من خلال الحوار بين الشخصيات التعرض على الفكرة أو الحكاية باستثناء بعض الحالات كما هو الحال في المسرح الملحمي.
وفي الصيغة المسرحـية لا يظهر أثر واضـح للمؤلف إلاّ في الإشارات الثانوية للحركة والإخراج تلك التي يدونها في
النص، وفي كثير من الأحيان تهمل ولا يؤخذ بها من قبل المخرج.
إن الشخصيات المسرحية تنهض بمسؤولية خطابها، ويحدد الفعل المسرحي قيمة الخطاب ومصداقيته خلافاً للصيغة السردية التي ترتبط بالراوي ويحكم مسؤولية توجيه الخطاب وتحققه.
ثانيا: الزمكانية
إن السرد يتمتع بإمكانيات زمانية ومكانية كبيرة ومتنوعة، حيث نجد القيود المادية تحد من مساحة المكان أو امتداد الزمان اللذين يدور فيهما الخطاب فهناك قدرة على التوغل داخلهما إلى الماضي أو المستقبل أو الانتقال من مكان إلى آخر.
أما في الخطاب المسرحي الأمر مختلف تماماً، حيث نجد القيود المادية تحد من أهمية عنصري-الزمن والمكان-فالعمل متقيد بمدة العرض ومساحة المسرح وتغير المناظر إضافة إلى القيود الإنتاجية الأخرى، ونلمس أيضاً ضمن هذا الاختلاف بين الصيغتين السردية والمسرحية أن زمان / مكان السرد مزدوج وينتج عن ذلك عالمان:الحاكي-الراوي-والمحكي-فيه زمان ومكان الشخصيات وبالتالي يكون هناك زمانات ومكانات.
وبما أن الحكي يسبق دائماً المحكي فغالباً ما يكون السرد في إطار الزمن الماضي برغم استخدام صيغ المضارعة وزمن الحاضر .
أما زمان / مكان الصيغة المسرحية فهو حاضر دائماً بالرغم من تغيير المكان في المسرحية لأن الخطاب المسرحي يرتبط وينجز مع المتلقي وهنا يكون وقوع الحدث في حاضر اتصال المتلقي بالخشبة في حالة العرض أو يتمثلها على الورق بالنسبة للنص الدرامي المقروء .
ومن الفروق الجوهرية بين الصيغتين أيضاً هي القابلية اللامحدودية للصيغة المسرحية لأنهما تنتج في سياق علامات تماثلية "أيقونية" تحيط بعلامات النص اللفظية أو تتحول إلى تمثيل وحركة ومناظر في مساحة محدودة، وهذا يجعل المتلقي يحول النص إلى صورة ذهنية بينما لا ينطبق ذلك على قارئ الرواية مثلاً.
أما بالنسبة للغة فإن اللغة في العرض المسرحي تتحلل إلى لغات مختلفة وهناك خاصية سيميائية للمسرح تزيد من حدة إشكالية اللغة فيه حيث أن المشهد بجوانبه المختلفة من تشكيل مكاني وإضاءة وملابس وإيحـاءات وعنـاصر أخرى يـقوم بـدور
مجموعة العلامات المتكافئة أو المتقاطعة مع العلامات اللغوية وحول ذلك يذكر كيرايلام مايلي:-
"يتميز العرض المسرحي باستخدامه لقائمة متناهية العدد من الدوال لتوليد عدد لا متناه من الوحدات الثقافية، وهذه القدرة التوليدية الفعالة التي يملكها الدال المسرحي تعود جزئياً إلى اتساع دلالات المصاحبة وهذا يفسر التعدد الدلالي للعلامة المسرحية. (6).
إن اللغة في العرض المسرحي تتحول من حالة نقل- المعنى إلى أداء –توصيل- إلى جانب الكثير من الأدوات والصور المسرحية التي تشكل جميعاً لغة المسرح.
ومن خلال ما مر ذكره يمكننا إجراء مقارنة بين النص الأدبي- المكتوب والعرض المسرحي لنستخلص الفروقات الآتية :
1- إن النص الأدبي وجود تاريخي بينما لا يمتلك العرض مثل هذا الوجود خارج حدود تحققه.
2- النص مدونة كتابية مستقرة في حين نجد العرض عمل غير تدويني إنه نظام متحرك عابر وزائل بانتهاء مدة العرض.
3- يمتاز النص بثبات أبعاده كافة لكن العرض متغير الأبعاد ومختلف من تجربة إلى تجربة أخرى.
4-النص الأدبي ذو حساسية ضعيفة لحظة القراءة ويتم إدراكه بصفة خيالية أما العرض فهو منظومة شديدة الحساسية نتيجة حالة التجسيد للعمل في المكان المسرحي، أي التحقق العادي للأثر وبذلك يكون ادراك العرض عياني ومباشر.
5- وجود النص بالقوة بينما يكون وجود العرض بالفعل.
6- النص مسرحه الخيال/والمخيلة أما العرض فمسرحه الواقع.
7- النص عالم فيه الكثير من الافتراض بينما يكون مجال الافتراض محدد في العرض المسرحي.
8-الدال في النص يكون على مثال مرسله الوحيد، بينما يكون المرسل في العرض متغير وتعدد، وهو دال ومدلول في الوقت نفسه خلافاً لزمانه الخاص ومؤثراً في زمن ومكان متلقيه.
المصادر:
1-أمبرتو أيكو- سيمياء العرض ص 203.
2-محمد المعزوز-خاصية التعدد ومستوى التشغيل في المسرح ،ملحق انوال الثقافي. المغرب.
3-زياد جلال: مدخل إلى السيمياء في المسرح ص 104 .
4-ميهاي نادين- التأويلية.
5-ليشت فيشت- العرض المسرحي كمعنى للنص الدرامي.ص 123 .