منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    من لسانيات الجملة إلى لسانيات النص-3-

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    من لسانيات الجملة إلى لسانيات النص-3- Empty من لسانيات الجملة إلى لسانيات النص-3-

    مُساهمة   الأربعاء ديسمبر 30, 2009 11:51 am

    من لسانيات الجملة إلى لسانيات النص-3-

    (1/1)

    siham:
    وبهذا فإن لسانيات الخطاب تختلف عن لسانيات الجملة في كونها تجاوزتها فرأت ضرورة دراسة الخطاب بكل ملابساته الخطاب ومقام الخطاب والملفوظ والتلفظ... كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
    2 ـ لسانيات التلفظ LINGUISTIQUE DE L'ENONCIA TION
    يتأسس منظور بنفينيست E.BENVENISTE من خلال رؤيته للغة بوصفها نظاماً مجرداً أو طاقة مخزونة في ذهن الإنسان وهي لا تتحول إلى كلام حقيقي ولا إلى نص أو خطاب إلا من خلال عملية التلفظ أو التحدث ذاتها (32). وهنا يمكن أن نتحدث عن مصطلحين أساسيين هما:
    الملفوظ ENONCE والتلفظ أو التحدث ENONCIATION فيعرف الملفوظ بكونه مجموع الوقائع الكلامية أو اللغوية التي يقوم بها المتكلم وهو تمثيل جزئي للتلفظ يؤديه المتلفظ مؤكداً أو آمراً أو مفترضاً.
    ويرى لا ينس LYNES "الملفوظ على أنه وحدة قابلة للوصف اللساني"(33). وأشار هاريس إلى أن "الملفوظ هو كل جزء من أجزاء الكلام يقوم به متكلم وقبل هذا الجزء وبعده يوجد صمت من قبل هذا المتكلم"(34).
    نلاحظ من خلال هذه التعريفات تداخلاً بين الجملة والملفوظ فكأنهما شيء واحد؛ فهي وحدة كبرى قابلة للوصف النحوي والملفوظ وحدة كبرى قابلة للوصف اللساني، وإن كان يوجد فرق بين الوصفين؛ فالوصف النحوي يعد مستوى من مستويات الوصف اللساني الذي يشمل مستويات وصفية أخرى متعلقة بالأصوات والمعجم والصرف والدلالة.
    ولكن يوجد من الدارسين من يرى أنه يمكن أن نصف الجملة وصفاً لسانياً هي الأخرى؛ فهي وحدة التحليل اللساني كما أشرنا في البداية، وعليه فكأنه لا يوجد فرق بين الجملة والملفوظ إن صح التعبير. ((وبهذا التحديد يصبح الملفوظ باعتباره كلاماً منجزاً وحدة متكاملة دلالياً، لكن هذه الوحدة لها تجليات كثيرة قد تتجاوز الجملة فتصبح خطاباً...))(35).
    وإذا كانت الجملة تؤدي معنى مستقلاً بالفهم ـ كما سبق ذكره ـ بالنسبة للسامع فإن الملفوظ هو أيضاً يؤدي دوراً إبلاغياً باعتباره كلاماً منجزاً يشكل وحدة متكاملة دلالياً.
    لم يكتف بنفينيست بالوقوف عند حدود "الملفوظ" بل تعداه إلى ((مفهوم التلفظ وهو يعني الفعل الذاتي في استعمال اللغة: إنه فعل حيوي في إنتاج نص ما كماقال بل للملفوظ باعتباره المنجز والمنغلق والمستقل عن الذات التي أنجزته))(36).
    يضيف بنفنيست ـ هنا ـ مصطلحاً آخر هو التلفظ إلى جانب الملفوظ، ويعني به عملية إحداث الكلام ويصفه بأنه فعل حيوي في إنتاج نص ما، هذا النص يقابل الملفوظ الذي يتميز بكونه منجزاً منغلقاً ومستقلاً عن الذات التي أنجزته، معنى هذا أن الملفوظ يتعلق بالكتابة ومنحصراً بين نقطة بداية ونقطة نهاية، بينما التلفظ عملية نشطة تتعلق بممارسة المتكلم للكلام؛ أي أنه هو التحدث ويتعلق بالجانب المنطوق من اللغة، ولذلك ذهب "بنفينيست" إلى أن موضوع الدراسة ليس الملفوظ بل التلفظ، وبهذا يمكن أن ندرسه ضمن مضامين نظرية التواصل ووظائف اللغة. إن التلفظ ـ عند بنفينيست ـ عملية فردية فريدة في كل الظروف والحالات، وهي ليست جوهرية في صيغة النص ودلالته فقط وإنما هي أيضاً وراء بنية وحدات لغوية تعبر عن مفاهيم إنسانية أساسية كمفهوم الشخص والزمان والمكان(37).
    لقد ميز بنفينيست بين مستويين من الكلام:
    الأول يخص مستوى القصة التاريخية
    PLAN D’ENONCIATION DU RECIT HISTORIQUE .
    والثاني يخص مستوى الخطاب والحديث:
    PLAN D’ENONCIATION DU DISCOURS
    وقد أصبح هذا المفهوم من أشهر الأدوات اللسانية التي تم استعمالها في تعليم قواعد اللغة الفرنسية وفي تحليل النصوص ودراستها أسلوبياً(38).
    وبناء على ما سبق عرف بنفينيست الخطاب بأنه ((الملفوظ المنظور إليه من وجهة آليات وعمليات اشتغاله في التواصل [وهو] كل تلفظ يفترض متكلماً ومستمعاً وعند الأول هدف التأثير على الثاني بطريقة ما....))(39). نلاحظ في هذا التعريف ـ أن بنفينيست ـ قد استعمل مصطلحين أساسيين مقابلين للخطاب:
    الأول: الخطاب ملفوظ منظور إليه من وجهة آليات وعمليات اشتغاله في التواصل.
    والثاني: الخطاب تلفظ يفترض متكلماً ومستمعاً وعند الأول هدف التأثير على الثاني بطريقة ما.
    إن الملفوظ هو ماتم إنجازه والتحدث به أما التلفظ فهو ما في طور الإنجاز وبهذا فإن بنفينيست يدرس بالدرجة الأولى ما يتعلق بظواهر المشافهة بالتعبير العربي القديم أو بالتخاطب، وبذلك يتجاوز هو الآخر، ثنائية سوسير المشهورة "لسان/كلام" التي أقصت الكلام من الدراسة واهتمت باللسان وحددت موضوع اللسانيات بالجملة لقد قلب بنفينيست تصور سوسير عندما قال:
    "إن الجملة لا تشكل في صلب ملفوظ أكبر سوى وحدة صغرى للخطاب وأننا مع الجملة نبرح ميدان اللغة بوصفها نظاماً من الأدلة ونلج عالماً آخر هو اللغة بوصفها أداة للتخاطب التي تتجلى في الخطاب"(40).
    وبهذا فإن عملية التحليل عند بنفينيست تتعدى الخطاب كبنية لغوية وخالصة إلى الظروف المحيطة المختلفة المتعلقة بإنتاجه، مما يتعلق بالمتكلم وكيفية تأديته لخطابه وكيفية تلقي المخاطب لـه وخصوصياتهما المرجعية ومواقفهما في مكان وزمان محددين.
    لعل هذا يتشابه مع تعريف "باتريك شارودو P.CHARAUDEAU" للخطاب، ففي رأيه، هو ماتكون من ملفوظ وموقف تواصلي وأن الملفوظ يستلزم استعمالاً لغوياً عليه إجماع؛ أي قد تواضع عليه المستعملون للغة وأن هذا الاستعمال يؤدي دلالة معينة وذلك كما يلي:
    ملفوظ + موقف تواصلي = خطاب
    ↓ ↓
    استعمال عملية إجماع (وضع) نوعية
    ↓ ↓
    دلالة معنى (41).
    لقد حاول شارودو أن يستثمر ما يسمى بتظافر الاختصاصات INTERDISCI PLINARITE في تحليل الخطاب مثل: علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والأثنولوجيا؛ يقول باتريك شارودو: "انطلاقاً من إشكالية لغوية، أحاول إقامة غدو ورواح بين النموذج النظري الذي اجتهد في بنائه والمقاربات اللسانية الأخرى أو مقاربات أخرى داخل العلوم الاجتماعية التي تعنى بمشاكل اللغة في الواقع... لا أتناول مفاهيم التخصصات الأخرى كما هي، بل ابتلعها وأهضمها كي أرى إلى أي مدى يمكن أن تخدم إشكالية تحليل الخطاب...
    إن ما أنا بحاجة إليه هو دراسات الدلاليين SEMONTICIENS والتداوليين PRAGMATICIENS وأبحاث كل أولئك الذين يعنون بعلم دلالة الحديث/ التلفظ SEMANTIQUE DE L'ENONCIATION وذلك بالعودة المنتظمة إلى بنفينيست.
    إن بنفينيست من الناس الذين أقرأ لهم بانتظام لأنه أول من أعمل النظر في حديث اللغة L'ENONCIATION DE LA LANGUE ولا أحد قيض لـه التوفيق في استعادة التمييز الذي اقترحه بين علم الدلالة والسيميائيات"(42).
    هكذا تحدث شارودو بغية تحقيق هدف وهو محاولة تشييد نموذج لوصف اشتغال اللغة باعتبارها رهان التواصل الاجتماعي أو النفساني ـ الاجتماعي (43).
    وذهب كريستيان بايلون CHRISTION BAYLON(44) إلى أن مصطلح "خطاب" ـ في السنوات الأخيرة ـ صار يستعمل في ميدان الأدب بالمصطلحين التاليين:
    ـ الكلام داخل السياق.
    ـ والنص.
    المصطلح الأول توظفه الاهتمامات الجديدة الخاصة باثنو غرافيا الكلام وعلم الاجتماع اللغوي وفي بعض الأحيان البراغماتية والمصطلح الثاني توظفه الاهتمامات نفسها الخاصة بتحليل الخطاب وكذلك الاهتمامات الخاصة بما يسمى نحو النصوص، وقد سجل مقارنتين مختلفتين عن بعضهما هما:
    ـ المقاربة الفرنسية "L'APPROCHE FRANCAISE"
    ـ والمقاربة الأنجلو سكسيونية "L’APPROCHE ANGLO-SAXONNE"
    وذلك كما يلي:
    الخطاب-المقاربة الفرنسية-المقاربة الأنجلو ـ سكسيونية
    نوعه-كتابي في إطار مؤسسي-الحديث الشفوي اليومي المتواتر
    أهدافه المتوقعة-رؤية نصية تفسر الشكل البنوي للموضوع-رؤية تواصلية تصف الاستعمال
    طريقته-البنوية-فاعلية نفسية واجتماعية
    منبعه أو أصله-اللسانيات-الأنثروبولوجيا
    -
    يتبـــــع

    مجلة الموقف الأدبي - مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 401 أيلول 2004


    --
    فهرس العدد
    فهرس الدوريات


    نلاحظ أن المقاربة الأنجلو ـ سكسيونية في نظرة بايلون تركز على الخصوصيات الداخلية للخطاب بما فيها الانسجام والتماسك والدقة وهي ترفض كل ماهو خارج عن الخطاب بما في ذلك السياق الاجتماعي والإطار الذي يوظف الخطاب، وتصنف أساساً هذه المقاربة إجمالاً في واحد من الحدين التاليين:
    ـ يشتغل المحلل بنص موضوعي مجرد من أي شحنة إيديولوجية أو عاطفة وبعيداً عن سلسلة الخطابات التي ينتمي إليها.‏
    ـ يشتغل المحلل بالنص في المستوى العقلي فقط ويبين الخصوصيات التركيبية للخطاب من خلال أمثلة.‏
    وأما المقاربة الفرنسية كما سماها بايلون فقد بدأت مع كتابات "باختين BAKHTINE" الذي أدخل في البراغماتية LA PRAGMATIQUE واللسانيات الأفكار السياسية ونظرية الفعل الاجتماعي في تأثرها بالماركسية.‏
    ويعد هذا ـ في نظر بعض الدارسين ـ مساهمة ذات قيمة وواقعية في تطور اللسانيات الاجتماعية "SOCIOLINGUISTIQUE" وهي تتابع حالياً في أعمال "ديكرو DUCROT" وأيضاً في أعمال دارسين آخرين يعدون أعمالهم عناصر نظرية عامة في السلوك التواصلي والفعل الاجتماعي، وفي نظرهم اختيار الأفعال الكلامية LES ACTES DE PAROLES والنصوص خارج السياق ماهي إلا مرحلة وسيطة ولكنها ضرورية في فهم الطبيعة الاجتماعية والكلام ويمكن أن نذكر هنا كلاً من "جون أوستين J.AUSTIN وجون سورل J.SEAREL" في أفعال الكلام و"بول قرايس P.GRICE" في ما سماه "حكم الحديث".‏
    ولكي نحصل على صورة كاملة للغة في السياق لا بد من دراسة العلاقات مابين الخطابات والنصوص ومعرفة أن الوظيفة الاجتماعية للخطاب تتغير بمكان الإرسال و ما يحيط بها من ملابسات غير لسانية مما لـه دخل بدورة التخاطب وأحوال إحداث الخطاب ويعود الفضل في هذا إلى الاهتمامات التي جاءت من جهات مختلفة: فلسفة اللغة واللسانيات الاجتماعية وبخاصة الأنثروبولوجيا اللغوية.‏
    وإذا عدنا إلى التراث اللغوي العربي فإننا نجد العرب القدامى قد أعاروا اهتماماً متزايداً بدور المتكلم وتصرفاته بحسب أغراضه وبمقتضى الحال وأحوال السامع وغير ذلك مما لـه أهمية بعملية التخاطب(45).‏
    وإذا كنا قد لاحظنا التداخل بين الجملة والملفوظ وبين الملفوظ والتلفظ والخطاب فإن هذا التداخل لا ينتهي بل يستمر بين الخطاب والنص؟ فأيهما أشمل؟ وماهي الصفات المميزة لكل منهما؟...‏
    إن محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب منا البحث في تعريف النص؟..ومن خلال ذلك يمكن أن نتحدث عن مفاهيم لسانيات النص أو علم النص أو نحو النص.‏
    3 ـ النص: TECTE‏
    توجد تعريفات عديدة للنص لا يمكن حصرها وكل تعريف يعكس وجهة نظر صاحبه والمنطلقات النظرية والخلفيات المعرفية التي ينطلق منها وسنعرض هنا لمفهوم النص بالتحليل والنقد من خلال مجموعة من التعريفات مبرزين التداخل الموجود بين النص والخطاب ومحاولين الإجابة عن الأسئلة المطروحة أعلاه.‏
    فالنص هو" ما تنقرئ فيه الكتابة وتنكتب فيه القراءة"(46). وتذهب "جوليا كريستيفا J.KRISTEVA" إلى أن النص ((جهاز شبه لساني "PARALINGUISTIQUE يعيد توزيع نظام اللسان "LANGUE" عن طريق ربطة بالكلام "PAROLE" التواصلي رامياً بذلك إلى الإخبار المباشر مع مختلف أنماط الملفوظات السابقة والمعاصرة)) (47).‏
    ويرى "بول ريكور P.RECOEUR" أن النص ((خطاب تم تثبيته بواسطة الكتابة))(48). إن كل تعريف من هذه التعريفات يحيلنا إلى ما يناسب وجهة نظره فالتعريف الأول ركز على أن النص نقرأ فيه الكتابة ونكتب فيه القراءة وهو لم يخرج عن إطار المكتوب.‏
    والتعريف الثاني لـ"جوليا كريستيفا" يحدد النص كإنتاجية "PRODUCTIVITE" وعلاقته باللسان الذي يحصل فيه هي علاقة توزيعية؛ أي علاقة هدم وبناء على رأي الأستاذ سعيد بقطين. ثم هو أيضاً مجموعة نصوص متبادلة أو متناصة، إذ نجد في النص الواحد ملفوظات مأخوذة من نصوص عديدة غير النص الأصلي.‏
    ويؤكد "بول ريكور" على تثبيت النص بواسطة الكتابة؛ أي أن النص هو ما نكتبه.‏
    وانصب اهتمام "JAKOBSON" على دراسة وظائف اللغة وفي رأيه أن عملية التحليل تتأسس على العناصر التالية:‏
    المخاطِب والمخاطَب والخطاب ومقام الخطاب وقناة التخاطب ووضع الخطاب "CODE".‏
    وتتولد عن هذه العناصر وظائف هي:‏
    ـ الوظيفة المرجعية‏
    F.REFERENTIELLE‏

    (1/1)

    siham:
    وبهذا فإن لسانيات الخطاب تختلف عن لسانيات الجملة في كونها تجاوزتها فرأت ضرورة دراسة الخطاب بكل ملابساته الخطاب ومقام الخطاب والملفوظ والتلفظ... كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
    2 ـ لسانيات التلفظ LINGUISTIQUE DE L'ENONCIA TION
    يتأسس منظور بنفينيست E.BENVENISTE من خلال رؤيته للغة بوصفها نظاماً مجرداً أو طاقة مخزونة في ذهن الإنسان وهي لا تتحول إلى كلام حقيقي ولا إلى نص أو خطاب إلا من خلال عملية التلفظ أو التحدث ذاتها (32). وهنا يمكن أن نتحدث عن مصطلحين أساسيين هما:
    الملفوظ ENONCE والتلفظ أو التحدث ENONCIATION فيعرف الملفوظ بكونه مجموع الوقائع الكلامية أو اللغوية التي يقوم بها المتكلم وهو تمثيل جزئي للتلفظ يؤديه المتلفظ مؤكداً أو آمراً أو مفترضاً.
    ويرى لا ينس LYNES "الملفوظ على أنه وحدة قابلة للوصف اللساني"(33). وأشار هاريس إلى أن "الملفوظ هو كل جزء من أجزاء الكلام يقوم به متكلم وقبل هذا الجزء وبعده يوجد صمت من قبل هذا المتكلم"(34).
    نلاحظ من خلال هذه التعريفات تداخلاً بين الجملة والملفوظ فكأنهما شيء واحد؛ فهي وحدة كبرى قابلة للوصف النحوي والملفوظ وحدة كبرى قابلة للوصف اللساني، وإن كان يوجد فرق بين الوصفين؛ فالوصف النحوي يعد مستوى من مستويات الوصف اللساني الذي يشمل مستويات وصفية أخرى متعلقة بالأصوات والمعجم والصرف والدلالة.
    ولكن يوجد من الدارسين من يرى أنه يمكن أن نصف الجملة وصفاً لسانياً هي الأخرى؛ فهي وحدة التحليل اللساني كما أشرنا في البداية، وعليه فكأنه لا يوجد فرق بين الجملة والملفوظ إن صح التعبير. ((وبهذا التحديد يصبح الملفوظ باعتباره كلاماً منجزاً وحدة متكاملة دلالياً، لكن هذه الوحدة لها تجليات كثيرة قد تتجاوز الجملة فتصبح خطاباً...))(35).
    وإذا كانت الجملة تؤدي معنى مستقلاً بالفهم ـ كما سبق ذكره ـ بالنسبة للسامع فإن الملفوظ هو أيضاً يؤدي دوراً إبلاغياً باعتباره كلاماً منجزاً يشكل وحدة متكاملة دلالياً.
    لم يكتف بنفينيست بالوقوف عند حدود "الملفوظ" بل تعداه إلى ((مفهوم التلفظ وهو يعني الفعل الذاتي في استعمال اللغة: إنه فعل حيوي في إنتاج نص ما كماقال بل للملفوظ باعتباره المنجز والمنغلق والمستقل عن الذات التي أنجزته))(36).
    يضيف بنفنيست ـ هنا ـ مصطلحاً آخر هو التلفظ إلى جانب الملفوظ، ويعني به عملية إحداث الكلام ويصفه بأنه فعل حيوي في إنتاج نص ما، هذا النص يقابل الملفوظ الذي يتميز بكونه منجزاً منغلقاً ومستقلاً عن الذات التي أنجزته، معنى هذا أن الملفوظ يتعلق بالكتابة ومنحصراً بين نقطة بداية ونقطة نهاية، بينما التلفظ عملية نشطة تتعلق بممارسة المتكلم للكلام؛ أي أنه هو التحدث ويتعلق بالجانب المنطوق من اللغة، ولذلك ذهب "بنفينيست" إلى أن موضوع الدراسة ليس الملفوظ بل التلفظ، وبهذا يمكن أن ندرسه ضمن مضامين نظرية التواصل ووظائف اللغة. إن التلفظ ـ عند بنفينيست ـ عملية فردية فريدة في كل الظروف والحالات، وهي ليست جوهرية في صيغة النص ودلالته فقط وإنما هي أيضاً وراء بنية وحدات لغوية تعبر عن مفاهيم إنسانية أساسية كمفهوم الشخص والزمان والمكان(37).
    لقد ميز بنفينيست بين مستويين من الكلام:
    الأول يخص مستوى القصة التاريخية
    PLAN D’ENONCIATION DU RECIT HISTORIQUE .
    والثاني يخص مستوى الخطاب والحديث:
    PLAN D’ENONCIATION DU DISCOURS
    وقد أصبح هذا المفهوم من أشهر الأدوات اللسانية التي تم استعمالها في تعليم قواعد اللغة الفرنسية وفي تحليل النصوص ودراستها أسلوبياً(38).
    وبناء على ما سبق عرف بنفينيست الخطاب بأنه ((الملفوظ المنظور إليه من وجهة آليات وعمليات اشتغاله في التواصل [وهو] كل تلفظ يفترض متكلماً ومستمعاً وعند الأول هدف التأثير على الثاني بطريقة ما....))(39). نلاحظ في هذا التعريف ـ أن بنفينيست ـ قد استعمل مصطلحين أساسيين مقابلين للخطاب:
    الأول: الخطاب ملفوظ منظور إليه من وجهة آليات وعمليات اشتغاله في التواصل.
    والثاني: الخطاب تلفظ يفترض متكلماً ومستمعاً وعند الأول هدف التأثير على الثاني بطريقة ما.
    إن الملفوظ هو ماتم إنجازه والتحدث به أما التلفظ فهو ما في طور الإنجاز وبهذا فإن بنفينيست يدرس بالدرجة الأولى ما يتعلق بظواهر المشافهة بالتعبير العربي القديم أو بالتخاطب، وبذلك يتجاوز هو الآخر، ثنائية سوسير المشهورة "لسان/كلام" التي أقصت الكلام من الدراسة واهتمت باللسان وحددت موضوع اللسانيات بالجملة لقد قلب بنفينيست تصور سوسير عندما قال:
    "إن الجملة لا تشكل في صلب ملفوظ أكبر سوى وحدة صغرى للخطاب وأننا مع الجملة نبرح ميدان اللغة بوصفها نظاماً من الأدلة ونلج عالماً آخر هو اللغة بوصفها أداة للتخاطب التي تتجلى في الخطاب"(40).
    وبهذا فإن عملية التحليل عند بنفينيست تتعدى الخطاب كبنية لغوية وخالصة إلى الظروف المحيطة المختلفة المتعلقة بإنتاجه، مما يتعلق بالمتكلم وكيفية تأديته لخطابه وكيفية تلقي المخاطب لـه وخصوصياتهما المرجعية ومواقفهما في مكان وزمان محددين.
    لعل هذا يتشابه مع تعريف "باتريك شارودو P.CHARAUDEAU" للخطاب، ففي رأيه، هو ماتكون من ملفوظ وموقف تواصلي وأن الملفوظ يستلزم استعمالاً لغوياً عليه إجماع؛ أي قد تواضع عليه المستعملون للغة وأن هذا الاستعمال يؤدي دلالة معينة وذلك كما يلي:
    ملفوظ + موقف تواصلي = خطاب
    ↓ ↓
    استعمال عملية إجماع (وضع) نوعية
    ↓ ↓
    دلالة معنى (41).
    لقد حاول شارودو أن يستثمر ما يسمى بتظافر الاختصاصات INTERDISCI PLINARITE في تحليل الخطاب مثل: علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والأثنولوجيا؛ يقول باتريك شارودو: "انطلاقاً من إشكالية لغوية، أحاول إقامة غدو ورواح بين النموذج النظري الذي اجتهد في بنائه والمقاربات اللسانية الأخرى أو مقاربات أخرى داخل العلوم الاجتماعية التي تعنى بمشاكل اللغة في الواقع... لا أتناول مفاهيم التخصصات الأخرى كما هي، بل ابتلعها وأهضمها كي أرى إلى أي مدى يمكن أن تخدم إشكالية تحليل الخطاب...
    إن ما أنا بحاجة إليه هو دراسات الدلاليين SEMONTICIENS والتداوليين PRAGMATICIENS وأبحاث كل أولئك الذين يعنون بعلم دلالة الحديث/ التلفظ SEMANTIQUE DE L'ENONCIATION وذلك بالعودة المنتظمة إلى بنفينيست.
    إن بنفينيست من الناس الذين أقرأ لهم بانتظام لأنه أول من أعمل النظر في حديث اللغة L'ENONCIATION DE LA LANGUE ولا أحد قيض لـه التوفيق في استعادة التمييز الذي اقترحه بين علم الدلالة والسيميائيات"(42).
    هكذا تحدث شارودو بغية تحقيق هدف وهو محاولة تشييد نموذج لوصف اشتغال اللغة باعتبارها رهان التواصل الاجتماعي أو النفساني ـ الاجتماعي (43).
    وذهب كريستيان بايلون CHRISTION BAYLON(44) إلى أن مصطلح "خطاب" ـ في السنوات الأخيرة ـ صار يستعمل في ميدان الأدب بالمصطلحين التاليين:
    ـ الكلام داخل السياق.
    ـ والنص.
    المصطلح الأول توظفه الاهتمامات الجديدة الخاصة باثنو غرافيا الكلام وعلم الاجتماع اللغوي وفي بعض الأحيان البراغماتية والمصطلح الثاني توظفه الاهتمامات نفسها الخاصة بتحليل الخطاب وكذلك الاهتمامات الخاصة بما يسمى نحو النصوص، وقد سجل مقارنتين مختلفتين عن بعضهما هما:
    ـ المقاربة الفرنسية "L'APPROCHE FRANCAISE"
    ـ والمقاربة الأنجلو سكسيونية "L’APPROCHE ANGLO-SAXONNE"
    وذلك كما يلي:
    الخطاب-المقاربة الفرنسية-المقاربة الأنجلو ـ سكسيونية
    نوعه-كتابي في إطار مؤسسي-الحديث الشفوي اليومي المتواتر
    أهدافه المتوقعة-رؤية نصية تفسر الشكل البنوي للموضوع-رؤية تواصلية تصف الاستعمال
    طريقته-البنوية-فاعلية نفسية واجتماعية
    منبعه أو أصله-اللسانيات-الأنثروبولوجيا
    -
    يتبـــــع

    مجلة الموقف الأدبي - مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 401 أيلول 2004


    --
    فهرس العدد
    فهرس الدوريات


    نلاحظ أن المقاربة الأنجلو ـ سكسيونية في نظرة بايلون تركز على الخصوصيات الداخلية للخطاب بما فيها الانسجام والتماسك والدقة وهي ترفض كل ماهو خارج عن الخطاب بما في ذلك السياق الاجتماعي والإطار الذي يوظف الخطاب، وتصنف أساساً هذه المقاربة إجمالاً في واحد من الحدين التاليين:
    ـ يشتغل المحلل بنص موضوعي مجرد من أي شحنة إيديولوجية أو عاطفة وبعيداً عن سلسلة الخطابات التي ينتمي إليها.‏
    ـ يشتغل المحلل بالنص في المستوى العقلي فقط ويبين الخصوصيات التركيبية للخطاب من خلال أمثلة.‏
    وأما المقاربة الفرنسية كما سماها بايلون فقد بدأت مع كتابات "باختين BAKHTINE" الذي أدخل في البراغماتية LA PRAGMATIQUE واللسانيات الأفكار السياسية ونظرية الفعل الاجتماعي في تأثرها بالماركسية.‏
    ويعد هذا ـ في نظر بعض الدارسين ـ مساهمة ذات قيمة وواقعية في تطور اللسانيات الاجتماعية "SOCIOLINGUISTIQUE" وهي تتابع حالياً في أعمال "ديكرو DUCROT" وأيضاً في أعمال دارسين آخرين يعدون أعمالهم عناصر نظرية عامة في السلوك التواصلي والفعل الاجتماعي، وفي نظرهم اختيار الأفعال الكلامية LES ACTES DE PAROLES والنصوص خارج السياق ماهي إلا مرحلة وسيطة ولكنها ضرورية في فهم الطبيعة الاجتماعية والكلام ويمكن أن نذكر هنا كلاً من "جون أوستين J.AUSTIN وجون سورل J.SEAREL" في أفعال الكلام و"بول قرايس P.GRICE" في ما سماه "حكم الحديث".‏
    ولكي نحصل على صورة كاملة للغة في السياق لا بد من دراسة العلاقات مابين الخطابات والنصوص ومعرفة أن الوظيفة الاجتماعية للخطاب تتغير بمكان الإرسال و ما يحيط بها من ملابسات غير لسانية مما لـه دخل بدورة التخاطب وأحوال إحداث الخطاب ويعود الفضل في هذا إلى الاهتمامات التي جاءت من جهات مختلفة: فلسفة اللغة واللسانيات الاجتماعية وبخاصة الأنثروبولوجيا اللغوية.‏
    وإذا عدنا إلى التراث اللغوي العربي فإننا نجد العرب القدامى قد أعاروا اهتماماً متزايداً بدور المتكلم وتصرفاته بحسب أغراضه وبمقتضى الحال وأحوال السامع وغير ذلك مما لـه أهمية بعملية التخاطب(45).‏
    وإذا كنا قد لاحظنا التداخل بين الجملة والملفوظ وبين الملفوظ والتلفظ والخطاب فإن هذا التداخل لا ينتهي بل يستمر بين الخطاب والنص؟ فأيهما أشمل؟ وماهي الصفات المميزة لكل منهما؟...‏
    إن محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب منا البحث في تعريف النص؟..ومن خلال ذلك يمكن أن نتحدث عن مفاهيم لسانيات النص أو علم النص أو نحو النص.‏
    3 ـ النص: TECTE‏
    توجد تعريفات عديدة للنص لا يمكن حصرها وكل تعريف يعكس وجهة نظر صاحبه والمنطلقات النظرية والخلفيات المعرفية التي ينطلق منها وسنعرض هنا لمفهوم النص بالتحليل والنقد من خلال مجموعة من التعريفات مبرزين التداخل الموجود بين النص والخطاب ومحاولين الإجابة عن الأسئلة المطروحة أعلاه.‏
    فالنص هو" ما تنقرئ فيه الكتابة وتنكتب فيه القراءة"(46). وتذهب "جوليا كريستيفا J.KRISTEVA" إلى أن النص ((جهاز شبه لساني "PARALINGUISTIQUE يعيد توزيع نظام اللسان "LANGUE" عن طريق ربطة بالكلام "PAROLE" التواصلي رامياً بذلك إلى الإخبار المباشر مع مختلف أنماط الملفوظات السابقة والمعاصرة)) (47).‏
    ويرى "بول ريكور P.RECOEUR" أن النص ((خطاب تم تثبيته بواسطة الكتابة))(48). إن كل تعريف من هذه التعريفات يحيلنا إلى ما يناسب وجهة نظره فالتعريف الأول ركز على أن النص نقرأ فيه الكتابة ونكتب فيه القراءة وهو لم يخرج عن إطار المكتوب.‏
    والتعريف الثاني لـ"جوليا كريستيفا" يحدد النص كإنتاجية "PRODUCTIVITE" وعلاقته باللسان الذي يحصل فيه هي علاقة توزيعية؛ أي علاقة هدم وبناء على رأي الأستاذ سعيد بقطين. ثم هو أيضاً مجموعة نصوص متبادلة أو متناصة، إذ نجد في النص الواحد ملفوظات مأخوذة من نصوص عديدة غير النص الأصلي.‏
    ويؤكد "بول ريكور" على تثبيت النص بواسطة الكتابة؛ أي أن النص هو ما نكتبه.‏
    وانصب اهتمام "JAKOBSON" على دراسة وظائف اللغة وفي رأيه أن عملية التحليل تتأسس على العناصر التالية:‏
    المخاطِب والمخاطَب والخطاب ومقام الخطاب وقناة التخاطب ووضع الخطاب "CODE".‏
    وتتولد عن هذه العناصر وظائف هي:‏
    ـ الوظيفة المرجعية‏
    F.REFERENTIELLE‏ cherry

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 6:13 am