منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    دور الجملة المجازية في تشكيل دلالة النص الشعري

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    دور الجملة المجازية في تشكيل دلالة النص الشعري Empty دور الجملة المجازية في تشكيل دلالة النص الشعري

    مُساهمة   الجمعة ديسمبر 17, 2010 2:22 pm




    دور الجملة المجازية في تشكيل دلالة النص الشعري
    الكاتب د. محروس بريك



    النص : في المدح - تأبط شرًّا([1])
    إنِّي لمُهدٍ مِن ثَنَائِي فَقَاصِدٌ * بِه لابنِ عمِّ الصدقِ شمسِ بن مالكِ
    ([2])
    أهزُّ بِه فِي ندوةِ الحي عِطْفَهُ * كما هزَّ عِطفِي بالهِجَانِ الأَوَارِكِ
    قليلُ التَّشَكِّي للمُهِمِّ يُصِيبُهُ * كثيرُ الهوى شَتَّى النَّوَى والمَسَالِكِ

    يظلُّ بِمَومَاةٍ ويُمسِي بغيرها * جَحِيشًا وَيَعْرَورِي ظُهُورَ المَهَالِكِ
    ويسبقُ وفدَ الريحِ مِن حيثُ يَنتَحِي * بِمُنخَرِقٍ مِن شَدَّهِ المُتَدَارِكِ
    إذا حَاصَ عَينيهِ كَرَى النومِ لم يَزَلْ * لَه كَالِىءٌ مِنْ قلبِ شَيحَانَ فَاتِكِ
    إذا طلعَتْ أُولَى العَدِىِّ فَنَفْرُهُ * إِلى سَلَّةٍ مِن صَارِمِ الغَربِ بَاتِكِ
    إذا هزَّهُ فِي عَظمِ قِرْنٍ تَهَلَّلَتْ * نَوَاجِذُ أَفْوَاهِ المَنَايَا الضَّوَاحِكِ
    يَرَى الوَحشَةَ الأُنسَ الأَنِيسَ ويَهْتدِي * بحَيثُ اهتَدَتْ أمُّ النُّجُومِ الشَّوَابِكِ
    ([3])



    لما كان هذا النص نصاً فنياً ، ولما كانت أبياته آخذًا بعضها بحُجُز بعض –
    ساغ لنا أن نقول إن جمَلَه المجازية تؤثر في الجمل الحقيقية التي تجاورها
    ، وتتأثر بها في الوقت نفسه ؛ ومن ثَمّ تعد دلالات تلك الجمل الحقيقية
    ليست دلالات حقيقية مطلقة ، وإنما هي دلالات حقيقية يشوبها شيء من المجاز .
    والنص في مدح أحد الصعاليك وهو شمس بن مالك ، والشاعر صعلوك كذلك . وهذا
    الانتساب المشترك يجعل المتلقي يتوقف عند حقيقة كون النص في مدح هذا
    الصعلوك على جهة التحديد . فقد يكون شمس بن مالك مجرد مثال للصعلوك
    الحقيقي ، وقد يكون مجرد رمز لفئة الصعاليك ؛ فمدحه إنما هو مدح لهذا
    الجنس من الناس ، وقد يُراد أن يمدح الشاعرُ نفسَه من خلال مدحه صعلوكا
    آخر . والنص بعد هذا كله – وإن كان ظاهره المدح – يعد وصفا للصعلوك المثال
    الذي يُقتدى به .
    ولم يكن هناك بُدّ - لوصف مثل هذا الصعلوك الذي يكاد
    ينتمي إلى عالم المجاز لا إلى عالم الحقيقة – من أن يكون للجمل المجازية
    دور في تشكيل صورة ذلك الصعلوك .
    وقد احتوت هذه القصيدة على مجموعة
    من الجمل المجازية التي يمكننا من خلالها بيان حركة الدلالة داخل النص .
    وبنيت أكثر المجازات على علاقة الإضافة ؛ إذ لم تخل جملة مجازية من إضافة
    على جهة المجاز سوى جملة واحدة. ولعل دوران القصيدة حول غرض واحد كان سببا
    في عدم تنوع العلاقات المشكلة للمجاز في هذا النص . ومن ثم تصبح لهذه
    العلاقة خصوصية في هذه القصيدة ؛ تلك الخصوصية هي استغلال الشاعر دلالة
    الإضافة على معنى ( مِن ) لبيان الجنس ، ليستأنف أجناسا جديدة تنتسب إلى
    عالم القصيدة أكثر من انتسابها إلى عالم الواقع .
    ويجابهنا الشاعر
    بإضافة مجازية في أول أبيات القصيدة هي قوله ( ابن عم الصدق ) ، والإضافة
    في هذا المركب الإضافي قد تكون على معنى اللام للاختصاص أو الاستحقاق على
    جهة المجاز ؛ فإذا ما كان المراد الدلالة على اختصاص الممدوح – دون غيره –
    بكونه ابن عم الصدق ، فسيكون هذا الانتماء إلى الصدق هو الدافع والمحرك
    لكل الصفات التي اتسم بها هذا الصعلوك النموذج، والتي أوردها الشاعر في
    الأبيات التالية . أما إذا كان المراد الدلالة على الاستحقاق فإن المعنى
    ينصرف إلى أن هذه الصفات هي التي أهَّـلت ذلك الصعلوك لأن ينتسب إلى الصدق
    . فعلى معنى الاختصاص يصبح الشاعر مجرد مخبر عن هذا الانتساب ، في حين أن
    معنى الاستحقاق يفضي إلى أن يكون الشاعر هو الذي خلع على صعلوكه هذا
    الانتساب لأن صفاته تؤهله لذلك .
    إن ورود هذا المركب الإضافي المجازي في مطلع القصيدة يعد إجمالا يومئ إلى التفصيل الذي يتلوه على مدار أبيات القصيدة .
    والذي يسترعي الانتباه أن هناك من الجمل ما صاغه الشاعر على جهة الحقيقة ؛
    نحو وصف الممدوح بأنه قلما يشكو ما نزل به من الخطوب ، وأنه كثير الهمم ،
    مختلف الشئون ، وأنه كثير الجولان في المفاوز يعيش فيها وحيدا ...إلى غير
    ذلك من الصفات التي وردت على جهة الحقيقة . لكن مجاورة هذه الجمل للجمل
    المجازية جعلها تتأثر بها وتؤثر فيها . فمن كانت تلك صفاته ، على جهة
    الحقيقة ، أحرى بأن يركب ظهور المهالك ، على جهة المجاز . فكأن الجمل
    الحقيقية توطئة تنبئ عن هذا المجاز وتفضي إليه .
    لم يكن مستغرباً
    – إذن – أن يعدل الشاعر عن الحقيقة إلى المجاز الخالـص ، وبخاصة في تلك
    الصفات التي ينفرد بها ممدوحه ؛ نحو وصفـه بأنه ( يعروري ظهور المهالك ) ؛
    أي : يركبها . فمَن ذلك الرجل الذي يستطيع أن يتخذ ظهور المهالك مطية إلى
    مراده ؟! إنها لا شك صفة لا يشركه فيها غيره .
    وهذه الجملة لا تمتنع
    من جهة الفاعلية ، لكنها ممتنعة من جهة علاقة المفعولية ؛ إذ لا يتصور أن
    يمتطي هذا الفاعل أو غيره ( ظهور المهالك ) على جهة الحقيقة . لكن السبب
    الحقيقي في تحول علاقة المفعولية إلى المجاز هو تقييد المفعول به ( ظهور )
    بالإضافة إلى ( المهالك ) ، ولو جاء الكلام ( يعروري ظهورا ) لما كان شيئا
    . وكذلك لو استبدل بكلمة ( المهالك ) كلمة أخرى تقبل الدخول في علاقة
    دلالية حقيقية مع هذا المضاف ؛ كأن يقال ( ظهور الإبل أو نحـوها ) – لكان
    كلاما ساقطا لا معنى له .
    فإتيان الإضافة في هذا المركب ( ظهور
    المهالك ) على جهة المجاز قد حولت الجملة برمتها إلى المجاز ؛ إذ استُأنف
    بهـذا التقييد جنس جديد من (الظهور) ، إنها ليست ظهورا عادية تنتمي إلى
    ذلك النوع الذلول . لكنها تنتمي إلى جنس المهالك ؛ على اعتبار أن الإضافة
    – هنا – على معنى ( من ) لبيان الجنس .
    فإذا كان الممدوح قد تعود ركوب
    هذه الظهور – وذلك هو معنى التجدد والحدوث المستفاد من التعبير بالفعل
    المضارع : يعروري – ففي ذلك ما فيه من المبالغة وبيان مدى شراسة هذا الرجل
    وجراءته .
    ثم يعطف الشاعر على هذه الجملة المجازية جملة مجازية أخرى
    هي قوله ( يسبق وفد الريح ) ؛ وهذه الجملة تتفق مع سابقتها في البناء
    النحوي إذ صيغت كلتا الجملتين كما يلي : ( فعل مضارع + فاعل مستتر "هو" +
    مفعول به جاء على جهة المركب الإضافي المجازي ) . وهذا يوحي بأن الدلالة
    العامة للجملتين واحدة ؛ فإذا كان الممدوح قد تعود ركوب ظهور المهالك ،
    فلا بأس أن يجعله الشاعر يسبق وفد الريح على جهة التجدد والحدوث كذلك .
    والإضافة في قوله ( وفد الريح ) بمعنى ( مِن ) لبيان الجنس كذلك ؛
    فالتقييد استأنف جنسا جديدا من الوفود ليس كتلك الوفود المعهودة في عالم
    الواقع .
    وإنما اعتبرنا الإضافة على معنى ( من ) في التركيبين ( ظهور
    المهالك – وفد الريح ) ، وليست بمعنى اللام كما كان الحال في ( ابن عم
    الصدق ) – في مطلع القصيدة – لأن هذين التركيبين ليسا مرادين في ذاتهما ،
    وإنما لكونهما في موقع المفعول به. فالشاعر لا يعنيه إثبات ظهور للمهالك
    بقدر ما يعنيه أن يمتطي الشاعر هذه الظهور ، وكذلك لا يعنيه إثبات وفد
    للريح بقدر عنايته بأن يسبق الشاعر ذلك الوفد .
    وذلك بخلاف انصراف
    عناية الشاعر إلى المركب الإضافي ( ابن عم الصدق ) بغض النظر عن علاقته
    بغيره من العناصر النحوية في الجملة ؛ فالشاعر يعنيه – في المقام الأول –
    إثبات أن للصدق ابن عم هو ذلك الممدوح .
    ثم ينتقل الشاعر إلى بيان صفة
    أخرى من الصفات التي ينفرد بها هذا الممدوح ، وذلك بيانه أن هذا الرجل لم
    يزل متيقظا حتى إذا نامت عينه ظل قلبه متيقظا .
    وقد صاغ البيتَ الذي
    احتوى هذا المعنى – وكذلك البيتان التاليان – صياغة شرطية ، وبنى جملة
    الشرط : ( حَاصَ عينيه كرى النوم ) بناء مجازيا ؛ والمجاز هنا من جهة
    علاقتي الفاعلية والمفعولية كلتيهما . وقد أسند الشاعر الخياطة إلى الكرى
    – أي النوم الخفيف – ليتحقق معنى أن هذا الممدوح لا ينام ، إنما يظل
    مستيقظا حتى يكون الكرى هو الذي يؤثر في عينيه فيخيطهما . ثم يأتي دور
    جملة الجواب لتبين أن للممدوح قلبا ، يصفه – على جهة المجاز – بأنه فـاتك
    ، وهو الذي يفاجئ غيره بالمكروه . فإذا ما أثر الكرى في عيني الممدوح ظل
    قلبه مستيقظا لا ينام .
    وكما بنى الشاعر جملة الشرط بناء مجازيا
    فيما سبق ، نجده يبنـي جملة الجواب : ( تهللت نواجذ أفواه المنايا الضواحك
    ) بناء مجازيا ، وهي جواب قوله عن سيف الممدوح : ( إذا هزه في عظم قرن )
    . وقد تحقق المجاز من جهة الفاعلية والإضافة والنعت ، لكن تكمن مجازية
    هذه الجملة في التركيب الإضافـي ( أفواه المنايا ) ؛ إذ يعد هذا التقييد
    المجازي استئنافا لجنس جديد من أجناس الأفواه ؛ إنها من جنس المنايا ،
    فالإضافة – هنا – علـى معنى ( مِن ) لبيان الجنس .
    ولو حُذفت كلمة (
    المنايا ) وأصبح الكلام ( تهللت نواجذ أفواهٍ ضواحك )، لما كان شيئا . ولو
    استُبدل بكلمة ( المنايا ) كلمةٌ من حقل دلالي مختلف ، تقبل الدخول في
    علاقة الإضافة مع كلمة ( أفواه ) على جهة الحقيقة – لانصرفت علاقتا
    الفاعلية والنعت إلى الحقيقة .
    وقد صيغت هذه الصورة صياغة شرطية
    للاستفادة من ذلك التلازم بين جملتي الشرط والجواب ؛ فضربُ هذا الممدوح
    بسيفه يستتبعه تهلل المنايا وبدوّ نواجذها فرحا ، ذلك أنها على يقين من
    أنه إذا ضربَ بسيفه أهلكَ قرينه وقدمه هدية للمنايا .
    إن جُمَل هذا
    النص – والمجازية منها على وجه أخص - تضع أمامنا صورة مكتملة الأركان
    لذلك الصعلوك المثال ، الذي يفخر الشاعر بأن يكونه .
    ----------------------------
    ([1]) انظر : ديوان الحماسة بشرح التبريزي ، ج1 صـ22-23 ( دار القلم ، بيروت ، د.ت.).
    ([2]) رواية البيت الأول ( إني ) بخرم التفعيلة الأولى ، لتتحول من ( فعولن ) إلى ( عولن ) .
    ([3]) عِطف كل شيء : جانبه ، الهجان : الإبل الكريمة ، الأوارك : التي
    ترعى شجر الأراك ، النوى : الخطوب ، الموماة : المفازة التي لا ماء فيها ،
    الجحيش : المنفرد ، يعروري : يركب . المنخرق : السريع الواسع . المتدارك :
    المتلاحق ؛ ومعناه أنه لخفته ونشاطه يسبق الريح من حيث يقصد بعدو وجرى
    سريع متسع متلاحق. حاص : خاط ، الكالئ : الحافظ . الشيحان : الحازم .
    الفاتك : الذي يفاجئ غيره بالمكروه . العدى : الرجالة يعدون قدام
    الجيش . الغرب : حد السيف . الباتك : القاطع . الشوابك : النجوم .





    المصــدر:

    http://www.voiceofarabic.net/index.php?option=com_content&view=article&id=633:2010-04-16-21-32-47&catid=100:2008-07-04-08-24-15&Itemid=35

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 07, 2024 8:53 am