التشكل الأسطوري داخل المعمار الروائي 3
الهوامش والتعليقات:
ك . ك . راثفين : الأسطورة ، ترجمة صادق الخليلي ، منشورات عويدات ، بيروت – لبنان ، الطبعة 01 ، سنة 1981 ، 148 صفحة ، ص 195
25 ك. ك . راثفين : الأسطورة ، صص 56 – 57 .
علم الأغراض هو ذلك الفرع من الدراسات الأدبية ، الذي
يستهوي الذين ينزعون إلى شيئ أكثر طموحا من الواجب المتواضع للأسطوري في
جمع الأساطير وتحقيقها بكل أشكالها المتنوعة . إن علم دراسة الأساطير فرع
دراسي بين أيدي رجال الأدب المقارن ، ويؤلف جانبا من جوانب تاريخ الماهية
Stoffgeschichte . يختار علماء الأغراض عادة تلك القصص التي لها ارتباط
بواحد من أكثر الشخوص شهرة في الأساطير الكلاسيكية ، ثم يدرسون ما يطرأ
على تلك الشخصية أثناء قيام الأدباء على اختلاف مشاربهم بإعادة حكايته منذ
القديم حتى الحاضر . انظر للمزيد ك, ك راثفين : الأسطورة ، ترجمة جعفر
صادق الخليلي ، ص 119 .
26 ك.ك.رائيفين : الأسطورة ، صص 121-123 .
وجه سيجموند فرويد سؤالا إلى ( ويلهلم فلايس ) يقول فيه : "
أيمكنك أن تتصور ما هي الأساطير الأندوسايكية ؟ " ، وهذا بعد شهرين من
إطلاعه على نظرية عقدة أوديب التي لم سمع بها العالم إلا بعد ثلاث سنوات .
وشرح فرويد ذلك ، بأن إدراك الفرد أجهزته العضوية إدراكا داخليا غامضا
يستثير عنده خيالات خادعة تتصور طبيعيا في الخارج ، وتدخل بنحو مميز إلى
المستقبل وإلى عالم ما وراء ذلك. وهذه التخيلات الناشئة كليا عن هذا
التصور النفسي تشمل أفكارنا عن ( الخلو د ، الثواب والعقاب ، وعالم ما بعد
الموت ) ، وهي جميعا وبكل بساطة منعكسات ذهنية عن النفس الداخلية : النفس
– الأسطورة . و أول ما اكتشفه سيجموند فرويد هو ميكانيكية التصور الفاعلة
هذه ، أثناء دراسته لحالات جنون الاضطهاد ، والتي اطلع عليها ( فلايس ) في
جانفي عام 1895 . ثم ظهرت في مقال له سنة 1896 حول العصاب الدفاعي ، وبعد
خمس سنوات أمكنه – أي فرويد – استخدام مفتاح جنون الاضطهاد لفتح مغاليق
الأسطورة أيضا ؛ ففي بحثه علم النفس المرضي في الحياة اليومية الصادر سنة
1901 ، يعلن فرويد بكل وضوح عن اعتقاده بأن جانبا كبيرا من المظهر
الأسطوري للعالم ، والذي يمتد عميقا في أحداث الديانات ليس سوى علم نفس
تصور العالم الخارجي . وأن واجب العالم النفساني كما جاء في كتابه الطوطم
والمحرم الصادر سنة 1913 ، هو أن يعكس العملية ويعيد إلى العقل البشري ما
تعلمه لنا الروحية عن طبيعة الأشياء . وينظر فرويد إلى الأساطير باعتبارها
ترسبات ناتجة عن تفاعلات اللاوعي ، بحيث يرى مثلا أن قصة ( نارسيس ) ترمز
من خلال التحليل النفسي إلى ارتكاس عصابي وأطلق عليه من الناحية المرضية
اسم النرجسية وذلك في مقالته عن ليونادرو دافينتشي ، الصادرة عام 1910 ،
كما أن مصير الرجل الذي أصيب بالعمى لاختلاسه النظر إلى ( الليدي كوديفا )
، سمح لفرويد بتكوين رؤية واضحة عن نظريته عن تشوش الرؤية النفسي . وإذا
كانت الأساطير بروزا للتصورات ؛ فمن أي جزء من العقل تبرز ؟ يرى فرويد أن
منبعها اللاوعي ، الذي يتصوره كقبو خزنت فيه خيالات جنسية لا يكاد العقل
الواعي يعلم عنها شيئا ، وبحسب ذلك ؛ فالأساطير في رأي فرويد تحرر من
الجنس بما لا يقل عما ضمنه العالم ( ر. ب . نايت ) في مقال عن عبادة
بارايابوس صادر بلندن قبل ذلك سنة 1786 . أما العالم ( يانك ) فقد عارض
ذلك ؛ ففي البداية تقبل نظرية بروز التصورات ولكنه أجرى عليها تعديلا بعد
ذلك بقوله أن العقل الباطن ناقل للصور البدائية وليس طاردا لها ، ثم خطوة
جذرية أخرى وهي اختيار ( يانك ) رفض النموذج الفرويدي عن اللاوعي ،
مستبدلا إياه بمستويين من اللاوعي ، أحدهما علوي أو سطحي وأطلق عليه
اصطلاح اللاوعي الشخصي ويقع مباشرة تحت طبقة الوعي ، وهو وعاء المكبوتات ،
وهذا يتفق وتصورات فرويد عن المكبوتات القابعة في اللاشعور ، وتحت هذا
المستوى يوجد المستوى الثاني والذي أطلق عليه اللاوعي الجماعي والذي
تستعصي مغاليقه على الأساليب الفرويدية للتحليل النفسي وهي تلك التي
تتمظهر في زلات اللسان وتداعي الكلمات و استكناه المعاني الرمزية للأشياء
، ، وهذا المستوى من اللاوعي الجمعي يؤلف قاعدة فوق شخصية دائمة الحضور في
كل فرد ، وأطلق ( يانك ) على هذا اللاوعي الجمعي اسم الأنماط الأولية سنة
1919 ، وهذه الأنماط الأولية هي المسؤولة عن صناعة الصور النمطية في
الأساطير وفي الأحلام وفي الفن والأدب ومعنى ذلك أنه لا توجد أـفكار فطرية
أو قبلية ، بل توجد إمكانات أو استعدادات فطرية لتكوين التصورات وتحديد
المعالم والأطر للتخيلات البشرية ؟ ولذا فمفاهيم ( يانك ) استرعت انتباه
الأدباء أكثر من مفاهيم فرويد ، وهذا ما دفع بالنقاد والباحثين
الأنثروبولوجيين بطرح التساؤل عن كيفية إمكان شعوب وأمم متباعدة في المكان
والزمان من وضع قصص متشابهة إلى حد كبير . ومن هنا هل الأسطورة تتسم
بالعالمية أم لا ؟ وهل الأسطورة فعلا تخضع لقانون التكرار الأزلي ؟ ومن
ثم هل نحن أمام حالات تماثل حقيقي وكلي أم هي حالات تشابه وكفى ؟ ومن ثم
فالذي يرى بأن الأساطير تتشابه إلى حد التماثل الأقصى ، هذا يعني أن
الأساطير سواء ، لأن جميع الناس سواء ، وبالتالي تلغى الخصوصية وميزة
التفرد والتنوع الثقافي لأننا هنا أمام آلية نفسية وميكانيكية برمجية
واحدة ، أما أصحاب الرأي المعارض يرفضون فكرة التشابه المبنية أساسا على
مقولة الانتقاء أو الانتخابية، إذ كثير من ذوي التوجه المسيحي والذين
يؤمنون بأن الحركة التاريخية في خط متقدم غير قابل للارتداد ولا إلى قانون
الدور والتكرار، ومن هنا نفهم مقولة هنري برغسون المسيحي المتصوف الخالدة
: أن المرء لا يستحم في ماء النهر مرتين ، وبأن الزمن نهر متدفق ، وأيضا
تصريحات ( أونك ) بأن ما نعرفه في هذا الكون لا يوجد فيه تكرار حقيقي أبدا
، إذ كل شيء في نشوء فعال ، وإنما نحن نرى ما يشبه التكرار إن لم نتمعن
جيدا في النظر إلى الظواهر . وهذا إن دل على شيء إنما يدل على تلك الرؤية
الفلسفية الغربية الممزوجة بالموروث اليوناني القديم وهي فكرة رفض القدرية
والعقاب الأبدي لصخرة سيزيف ، وبأن لا شيء جديد بل هو قديم متجدد ؟ للمزيد
انظر : ك. ك. راثفين : الأسطورة ، ترجمة جعفر صادق الخليلي ، صص 34 – 45 ،
وأيضا : مصطفى غالب : هنري برجسون ، منشورات دار مكتبة الهلال الطبعة
الثانية ، بيروت – لبنان ، 1982 ، 156 صفحة ، فصل هنري برجسون والحياة
والشعور ، وفصل برجسون والجهد العقلي وأيضا فصل برجسون والديمومة ، وكذلك
مرة أخرى مصطفى غالب في كتابه الجنس عند فرويد ، منشورا مكتبة الهلال ،
بيروت – لبنان ، الطبعة الرابعة ، 1982 ، 191 صفحة . و سيجموند فرويد في
كتاب الأحلام ، عرض وتقديم مصطفى غالب ، منشورات مكتبة الهلال ، بيروت
لبنان ، الطبعة الرابعة 1982 ، 157 صفحة . كما نضيف كتاب الشخصية الناجحة
لمصطفى غالب ، منشورات مكتبة الهلال الطبعة الثالثة ، 1982 ، 145 صفحة
خاصة في مبحث الأنماط الأولية و مبحث اللاشعور الجمعي ، ومبحث القناع
.
27 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، دار الحداثة للنشر والتوزيع والطباعة ، بيروت – لبنان ، ص 30 .
28 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، الدار العربية للكتاب ، ليبيا ، سنة 1988 ، ص 11 .
29 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 34 .
30 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 37 .
31 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 109 .
32 المرجع السابق ، ( ن . ص )
33 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 43 .
34 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 43 .
35 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 44 .
36 المرجع السابق ، ص 13
37 المرجع السابق ، ص 23
38 المرجع السابق ، ( ن . ص ) ، وجاء في الموسوعة الفلسفية لمجموعة من العلماء والأكاديميين الروس والتي ترجمها سمير كرم ما يلي :
" الأساطير شكل من الأشكال الشفهية للفلكلور من أخص خصائص القدماء .
والأساطير هي حكايات تولدت في المراحل الأولى للتاريخ ، لم تكن صورها
الخيالية ( الآلهة ، الأبطال الأسطوريون ، الأحداث الجسام الخ ) إلا
محاولات لتعميم وشرح الظواهر المختلفة للطبيعة والمجتمع . إن الأساطير
كلها تتغلب على قوى الطبيعة وتجعلها ثانوية وتشكلها في الخيال وبمساعدة
الخيال ، ومن ثم فإن الأساطير تختفي مع بزوغ سيادة حقيقية على قوى
الطبيعة( ... ) لكنها كانت تعكس في الوقت نفسه الآراء الأخلاقية والموقف
الجمالي للإنسان بالنسبة للواقع ." الموسوعة الفلسفية ، ترجمة سمير كرم ،
الطبعة الخامسة ، دار الطليعة للطباعة والنشر ، بيروت – لبنان ، 1985 ، ص
23 مادة الأساطير .
39 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 17 .
40 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 18 .
41 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 19 .
42 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 20 .
إن المعالجة البنائية للأساطير ، قد تشكل نسغها من الفطريات
اللسانية الجديدية لفرديناند دي سوسير ، و ذلك من خلال مقولة ( التعاقب /
التزامن ) أو المعروفة ب ( التطورية / التزامنية ) وأيضا ب ( الدياكرونية
/ السانكرونية ) ، والمفردة الأكثر استعمالا هي مفردة ( التاريخي ) ،
والتي مفادها أن كل لحظة من الزمن يمكن أن تحطم إلى العناصر النووية
المكونة لها ، وكل واحد من هذه العناصر لا يدرك بمفرده تماما إلا ضمن
إطاره العام الذي أوجده أي ضمن شروط ماضيه الخاص به . وهذا يشبه إلى حد
كبير حزمة أسلاك الهاتف ؛ فهي مربوطة في حزمة معا ، ولكنها منفصلة في
اتصال كل منها بنقطة في الماضي البعيد . أما الأسلوب التزامني فإنه يتجاهل
التاريخ الفردي الخاص بكل عنصر بمفرده ، ويركز على على الوشيجة والعلاقة
الرابطة بين هذه العناصر في أية لحظة من الزمن . فبدلا من نزع غلاف كل سلك
بمفرده عن حزمة الأسلاك ؛ فإنك تقطع الحزمة على شكل عرضي لترى ترتيب
النهايات المقطوعة ، والأسلوب التزامني يشبه لعبة الشطرنج ، كما يقول دي
سوسير : إن لك أن تدخل اللعبة في أية مرحلة تشاء ، وأن تعرف الموقف بكل
دقة ، دون أن تكون ثمة ضرورة لمعرفتك المواقع السابقة لكل قطعة قبل دخولك
، لأن المهم هو الموقع الراهن لكل قطعة بالنسبة لمواقع القطع الأخرى .
وبهذا المعنى ؛ فأي عنصر لغوي منفرد لا يمكن أن يوجد بمعزل عن غيره ، لأن
هويته تتقرر بالمجموعة التي تضمه ، وهو يحافظ على تلك الهوية بالوقوف موقف
المعارض للعناصر المجاورة المتبقية . إن إعادة تعريف علم النطق بالطريقة
التي اقترحها دي سوسير مكنت الباحثين في التطور التاريخي من دراسة علم
الأصوات لينفصلوا عن الأسلوب التزامني في دراسة الفونيمية . إن أهمية وحدة
الأفكار أو الأنساق من الوجهة التطبيقية مفيدة في تطورية تاريخ الأفكار
ومن رواد هذا الاتجاه نجد ( آرثر او . لوفجوي ) ، وينصح ( آلان دانديز )
الباحثين في الفنون الشعبية بأن يتجاوزوا بواعث الفونيمية التزامنية ،
ووفق هذا التصور قدم ( يوجين دروفمان ) دراسته عن القصصية في أغنية رولان
، وفي قصيدة السيد ، وكذلك الأمر نفسه مع كلود ليفي شتراوس في دراسته عن
الأسطورية في أساطير هنود أمريكا الجنوبية . إن الباحث البنوي ( البنائي )
يؤكد مثلا على دراسة أسطورة الخلق وأسطورة عدن باعتبارهما وحدتي تزامن ضمن
المجموع الديني المعروف باسم ( سفر التكوين ) ، وذلك بغية تشخيص التشابه
في ( سفر التكوين ) ككل ، بدلا من جمع المتشابهات عن أجزاء قائمة بذاتها
تؤدي في النهاية إلى مجموعة واسعة من الأصوات مثل ( الغصن الذهبي ) ، ولذا
يقول ليفي شتراوس : " إن الوحدات الصحيحة التي تتألف منها الأسطورة ليست
العلائق المنعزلة ، بل حزم من تلك العلائق ، والشكل الحزمي لهذه العلائق
هو الوحيد الذي يمكن استخدامه وجمعه حتى ينتج عنه معنى . " وعليه فالنص
الموجود لسفر التكوين يؤلف كلا بنائيا ، ولعل المعنى المزعوم لهذا الكل
يكون مدعاة دهشة أولئك الذين اعتادوا على استخلاص المعاني بالانتقاء
الصوتي للأجزاء ، بدلا من انتقائها من بناءات كلية فونيمية ، لذلك عندما
نجد تحليل شتراوس يؤدي إلى كشف تلك المجموعات ثنائية التضاد ، ولكل مجموعة
رتبتها التوسطية ، مثل السماء توسطية بين الماء الذي يعلو الفلك والماء
الذي تحته ، ومثل حواء وسيطة بين آدم الإنسان والحيوان ، وعند تحليل
محتويات قصص منفصلة للكشف عن الشكل الهيكلي لهذا النظام ، قد يكتشف
البنائي أن أسطورياته تتجاوز وظيفتها الوصفية من خلال ايجاد امكانات
تفسيرية لا يصل إليها القارئ العادي الذي لا يجرؤ على مفارقة التتابع
القصصي في امتداده الخطي . فهل الأفعى مثلا في سفر التكوين هي أنثى كما ظل
أعداء المرأة أصحاب الرؤية الإنجيلية الضيقة ، الذين كانوا مختلفين في
طبيعتها إن كانت شيطانا في صورة بشرية ، أم هي بحسب التفسير الفرويدي
تمثل القضيب ( العضو الذكري ) ؟ لكننا نجد ( إدموند ليج ) يمارس طريقة (
ليفي شتراوس ) بشكل معكوس ؛ فهو يحدد سلفا وسيطه ، ثم يبحث عن الأقطاب
التي يتجه إليها الوسيط ، ويلاحظ على التحليل البنوي ( البنائي ) للأسطورة
شيء من الارباك يعترض ذلك التأويل الدائري ، إذ يبدو أن الوصايا الضمنية
التي يكشفها ليفي شتراوس في الأسطورة ناشئة من الفرضية الثنائية التي
يبرزها كي يفسرها . ولذا يقول شتراوس : " إن الغرض من الأسطورة هو ايجاد
نموذج منطقي قادر على قهر التناقض "، ومعنى ذلك أن الأسطورة تسعى للتوسط
بين التناقضات في الخبرة افنسانية ، وإن منطق الأسطورة عند ليفي شتراوس
أساسا هو القاعدة ثلاثية القوائم : ( الموضوعة – نقيض الموضوعة – مركب
الموضوعة ) ، ويضيف إدموند ليدج توضيحا آخر بأن ثنائية التضاد أمر جوهري
وميزة خاصة بالتفكير البشري ولكن عند الشعوب غير الأوروبية . ولقد قام
ليفي شتراوس بالتعاون مع ( رومان جاكبسون ) بدراسة لسوناتة ( بودلير ) "
قطط " ، لأنه سبق وأن ميز بين الشعر الذي لا يمكن أن يترجم والأسطورة التي
يمكن ترجمتها ، وما يلاحظ على قصيدة بودلير وجود تضاد ثنائي في البيت
الأول ، بين حبيبين متقدين حرارة وباحثين قساة ، مما يستدعي التحليل
البنائي ، فقام شتراوس وجاكبسون بتفكيك وتركيب القصيدة بضع مرات ، مرتبين
أجزاءها في تنظيمات متنوعة ، وما يميز قراءتهما لبودلير كون شكل بناء
القصيدة المرئي يتكرر دون وعي ، المرة بعد المرة في سياق اللبنة البنائية
غير المرئية في خطة القافية وفي قواعد النحو وفي الجنس وغيرها . هذا هو
البعد الأسطوري للقصيدة كما يفهمه ليفي شتراوس ، لأن وظيفة التكرار هي أن
يمنح بنية الأسطورة جلاءها ، وهو بهذا يقدم لنا قراءة منفتحة ، قراءة
منتجة لتجربة جديدة ولمعرفة مضافة عن معرفتنا السابقة . للمزيد انظر ،
ك.ك. راثفين : السطورة ، صص67 – 74 . وانظر كلود ليفي شتراوس : الإناسة
البنيانية ، ترجمة حسن قبيسي ، مركز الإنماء القومي ، بيروت – بنان ، سنة
1990 ، 391 صفحة .
43 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 22 .
44 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 41 .
45 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 98 .
46 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي الحديث ، ص 13 .
47 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 15 .
48 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 15 .
هناك اتجاهات نقدية أخرى للأسطورة ، ومنها ، نجد التوجه
الطبيعي والذي يرى في الأساطير إمكانية تقديم قراءة للتاريخ الطبيعي ، عن
الإنسان والحيوان والطبيعة والكون ، وهذا وفق مقولة ( سيسرو ) " أن هذه
الأساطير العديمة التقوى تضم تحت أضرحتها ، قطعا ، نظرية علمية ذكية "
وأيضا مقولة ( فونتني ) " إن كل أدوار الإستحالة هي فيزياء العهود الأولى
" ، وهذا يعني تقديم قراءة علمية للنصوص الأسطورية ليس باعتبارها مادة
للأدب والفن فقط ، بل باعتبارها مادة للفكر تكتنز كافة الخبرات الإنسانية
عن الإنسان والكون والحياة ، فهي مصدر هام للمعرفة البشرية الحالية عن
كيفية التفكير المعرفي لدى الإنسان الأول ما قبل فجر التاريخ ، أي قبل
ظهور الحضارات الإنسانية الكبرى ، وهذا التوجه حكمته معطيات التفكير
العلمي الذي ساد خلال القرن التاسع عشر ، على أساس أن المرحلة الأولى التي
مر بها الفكر البشري هي المرحلة الأسطورية كما يقول بذلك أجوست كونت ،
وعلى أساس من هذا الفهم ، عرف التوجه الطبيعي في دراسة الأساطير عدة
مفاهيم تفسيرية للأساطير ، هناك تفسير يرى أن الأساطير ما هي إلا قراءة
للتاريخ الطبيعي كما مر معنا سابقا عند كل من سيسرو و فونتني ، بل حتى بعض
المسيحيين أمثال ( السير والتر رالي ) كانوا يرون أن أسماء الآلهة الوثنية
ما هي في حقيقة الأمر سوى أسماء " القوى الطبيعية والسماوية " ، وهناك
التوجه التنجيمي ، ومن رواده ( جورج سانديز ) الذي رأى في إشارة ( أوفيد )
إلى ارتكاب فينوس الزنا مع مارس ، إنما هي إفادة تنجيمية من خلال اتحاد
مارس ( الحار ) بفينوس ( الرطوبة المعتدلة ) ، ويقول ( نيسكاروب ) في
مكتابعاته لتعليقات ( مارسيليو فيسينو ) على محاورات أفلاطون " أن الزاوية
التي تفصل بين العاشقين في لوحة ( فينوس ومارس ) التي رسمها ( بوتيشيلي )
( في المتحف الوطني ) ، يقصد بها إبراز البعد الزاوي الثلاثي في اقتران
نجميهما ، أو كما ذهب ( شارل فرانسوا دو بوي ) في كتابه ( أصل العبادات –
باريس 1794 ) على أن البروج هي الرحم التي حملت بجميع الأساطير ، وفي
ولادات هرقل الأثنتي عشر إشارة إلى حقائق فلكية أثناء مسيرة الشمس في مدار
البروج ( دخول الشمس في برج الأسد ، فيما يقتل هرقل أسد نيميا ، ...الخ )
، أو كما جاء في استنتاجات ( هالبوخ ) في كتابه ( نظام الطبيعة – لندن
1770 ) عن الأسطورة " يمكن القول بأنها إبنة الفلسفة الطبيعية ، زوقها
الشعر بتمويهاته ، ولا هدف لها سوى وصف الطبيعة و أجزائها "، وهناك التوجه
الجغرافي والجيولوجي ، والذي مثله كل من ( ثيجينيز الريجومي ) القائل
بامكانية فهم الألوهيات الوثنية القديمة على أساس أنها ترميز لعناصر
الطبيعة الأساسية ، وبذلك قد يفهم سبب تضاربها وفق ( نظرية المتضادات ) ؛
فإله البحر ( بوسيدون ) هو الماء ، و ( أبللو ) النار ، و ( هيرا ) الهواء
، وبعد قرن من الزمان تابع ( أمبيدو وكلس ) التوجه ذاته في رسالته الشعرية
عن الطبيعة ؛ فاتخذت العناصر الأربعة أسماء أسطورية ، وظلت ( هيرا ) ثمثل
الهواء ، ولكن ( زوس المضيء ) أصبح رمزا للنار ، أما الأرض يمثلها (
أيدنيوس ) إله العالم السفلي ، والماء تمثله حورية مجهولة باكية تدعى (
نستيس ) . أو ما فعله ( جون راسكين ) في دراسته ( ملكة الهواء – لندن 1869
) ، لما أحال مضمون الأساطير على معطيات علم الظواهر الجوية، ومن ناحية
أخرى هناك التوجه الكيميائي ومن دعاة هذا التوجه نجد ( سليمان تريسموسين )
في كتابه ( الصوفة الذهبية - رورشاخ سنة 1598 ) ، و كوميدية ( بن جونسون )
( الكيمياوي – سنة 1610 ) التي يهجو فيها الدجل في أعمال ( ساتل ) و بعده
جاء ( روبرت نابير ) وتعرض لموضوع الصوفة في كتابه ( كشف لغز الصوفة
الذهبية ) ، و ( مايكل ماير ) في كتابه ( أتلانتا المهزومة – أوبنهايم سنة
1618 ) ، و ( يوهان يواكيم بخر ) وضع كتابه ( كيمياء أوديب – أمستردام
1664 ) ، وآخر محاولة لقراءة الأسطورة القديمة باعتبارها لغة كيمياء خفية
كانت على يد ( أنطوان برنيتي ) في مؤلفه ( المعجم الأسطوري الهرمزي –
باريس 1787 ) . انظر ، ك.ك.راثفين : الأسطورة ، صص 22 – 33 .
49 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 91 .
50 محي الدين صبحي ، النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 91 .
يرى بعض الباحثين المهتمين بموضوع الأسطورة أنها في حقيقة
الأمر ، ليست سوى تحويرا للغة البشرية ، وقد وجد من علماء فقه اللغة
المقارن من اهتموا بدراسة الساطير انطلاقا من التحليل الفيليلوجي للنصوص
الأسطورية ، ومن أمثلة ذلك أن هناك أسطورة تقول بأن حيوان القندس عند
مطاردته من طرف القناصين وتضييق الخناق عليه ، كان يلجأ إلى قضم خصيتيه
ادراكا منه بأن مطارديه سيتركونه لذلك السبب ، وردت هذه المعلومات في كتاب
بعنوان ( كتاب الحيوانات – لندن سنة 1945 ) من وضع ( ت . ه . وايت ) ، حيث
سمي طلب الماء باسمه اللاتيني ( كاسترو / Castro ،، إذن جاءت تسمية
الحيوان ( كاستر ) من قيامه بفعل ( الإخصاء ) لنفسه ، ويعلق ( ايزودور )
في ( علم الاشتقاق ) في مادة Castores a Castrando : " لا يعرف أحد كيف
انتشرت هذه الأسطورة عن القندس بادئ ذي بدء ، إلا أن من الموثوق به هو أن
الذي ابتدعها لم يفحص هذا الحيوان بدقة بالمرة ، ولو فعل ذلك لعلم أن
خصيتي ذكر الحيوان داخليتان ؛ فلا يمكن قطعهما بالقضم " . ولعل الأسطورة
وضعت لتفسير الإسم اللاتيني للحيوان وفق المنطق ذاته الذي بموجبه تقررت
تسمية المعلم في قصة ( موك تورتل ) : " لقد أطلقنا عليه اسم ( السلحفاة )
لأنه كان يعلمنا " ، ولقد بدأ التحليل الشكلي لهذه الفرضية في البدايات
الأولى على يد ( أفلاطون ) في ( كراتيلاس ) حيث بحث في ما إذا كانت
الأسماء التي تطلق على الأشياء قد اختيرت اعتباطا وهو نفسه رأي علماء
الأجناس وعلماء اللغة المحدثين ، أو أن الأسماء قد اختيرت أصلا لتمثل
طبيعة تلك المسميات وهو ما يذهب إليه أفلاطون وأغلب الشعراء والروائيين .
ويعقد ( كاسيير ) مقارنة بين الكلمتين الإغريقية واللاتينية الدالتين على
( القمر ) بهدف توضيحه لكيفية اللغة في التدليل على مفهوم الشيء وليس على
الشيء في ذاته ، يقول : " فالكلمة عند الإغريق كانت تعني ( الذي يقيس ) ،
فيما كانت عند الرومان تعني ( اللامع ) ، يعتبر بعض المؤرخين لتاريخ
الأفكار والعلوم أن ما عرف من علم باسم ( علم الأسطورة / الميثولوجيا ) في
القرن التاسع عشر ، إنما كان نتاجا معرفيا متطورا عن نظرية ( اللغة الهند
– أوروبية ) بفضل تلك الدراسات الفيلولوجية المقارنة بين السنسكريتية
والإغريقية واللاتينية بحسب مفاهيم ( السير ويليام جونز ) سنة 1786 ، ثم
اصطلاح النحو المقارن على يد ( فردريك شليكل ) عام 1808 ، وتلاه قانون (
كريم ) سنة 1822 ، وقانون ( ورنر ) في 1875 ، لشرح التطورات الصوتية التي
جرت على كل لغة من الأصل الهندي – الأوروبي ، ومنذ البداية تم تقؤير ما
إذا كان التشابه اللفظي في مختلف اللغات تصادفيا ، أم أنه أشكال متقاربة
ضمن عائلة كبيرة واحدة ، ونحن في رأينا من وجهة نظر متفحصة أن هذا التصنيف
خاضع للمقولة الأرسطية المنطقية ( جنس الأجناس ، الجنس العام ، النوع ) ،
وذهب ( ماكس موللر ) في كتابه ( الميثولوجيا المقارن – سنة 1856 ) إلى
اعتبار أساطير ( الفيدا ) بالنسبة للأساطيرالمقارنة كالسنسكريتية بالنسبة
للنحو المقارن ، ومؤدى آرائه في نهاية المطاف أن منشأ الأسطورة هو ضرب من
ضروب التلاعب بالألفاظ ، ولقد امتدت تأثيرات ( ماكس موللر ) إلى كل من (
أي . ب . تايلر ) و ( و . أي . كلاديستون ) و ( ر . ف . ليتلد يل ) و (
ستيفان مالارميه ) ومعظم الرمزيين الفرنسيين على أساس أن منشأ الأسطورة
راجع إلى تفوق الكلمة على الفكرة في خلق الشعر ، وهذا ما دفع ب( جون كرو
رانسوم ) في كتابه ( جسد العالم – نيويورك 1938 ) يقول : " الأسطورة
مجازاستولدتها الاستعارة ) . انظر بالتفصيل ما جاء في كتاب ك.ك. راثفين :
الأسطورة ، صص 53 – 61 .، ويذهب عبد المنعم تليمة في كتابه ( مقدمة في
نظرية الأدب ) إلى اعتبار الأسطورة هي حالة اغتراب عن الطبيعة ، ( مقدمة
في نظرية الأدب ) ، الطبعة الثالثة ، دار العودة بيروت – لبنان ، سنة 1983
، 240 صفحة .
51 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 26 .
52 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 26 .
53 عبد المنعم تليمة : مدخل إلى نظرية الأدب ، ص 44 ، هامش رقم 1 .
54 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 105 .
55 محي الدين صبحي ، النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 103 .
56 داود محمد : البعد الأنثروبولوجي للنص الأدبي ، ضمن عدد خاص : أي
مستقبل للأنثروبولوجيا في الجزائر ، تحت إشراف نذير معروف و فوزي وخديجة
عادل ، منشورات مركز البحث في الأنثربولوجيا الإجتماعية والثقافية ، (
الكراسك ) بوهران ، سنة 2002 ، ص 99 .
57 داود محمد : البعد الأثروبولوجي للنص الأدبي ، ص 101 .
58 محمد داود : البعد الأنثروبولوجي للنص الأدبي ، ص 103 .
59 محمد داود : البعد الأنثروبولوجي للنص الأدبي ، ص 105 .
60 سعيدي محمد : الإسم ، دلالته ومرجعيته ، مقاربة أنثروبولوجية ، أي مستقبل للأنثروبولوجيا في الجزائر ، ص 125
61 أحمد طالب : الإلتزام في القصة القصيرة الجزائرية المعاصرة ، منشورات ديوان المطبوعات الجامعية ، ص 159
62 إدريس بوذيبة : الرؤيا والبنية في روايات الطاهر وطار ، منشورات جامعة
منتوري _ قسنطينة ، الطبعة الأولى ، سنة 2000 ، 304 صفحة ، صص 236 – 237 .
63 إدريس بوذيبة : الرؤيا والبنية ، ص 254 .
64 إدريس بوذيبة : الرؤيا والبنية ، ص 258 .
65 إدريس بوذيبة : الرؤيا والبنية ، ص ص 259 .
66 حسين خمري : سيميائية الخطاب الروائي ، مجلة الحداثة ، العدد الرابع ( 04 ) ، جامعة وهران ، سنة 1994 ، صص 177 .
67 حسين خمري : سيميائية الخطاب الروائي ، صص 179 - 180 .
68 حسين خمري : سيميائية الخطاب الروائي ، صص 191 - 192
69 حسين خمري : سيميائية الخطاب ،صص 131 – 132 .
70 حسين خمري : سيميائية الخطاب الروائي ، صص 165 – 166 .
71 المرجع نفسه ، ص 171 .
72 أحم طالب : الإلتزام في القصة القصيرة الجزائرية ،ص 106 .
73 عبد المنعم تليمة : مقدمة في نظرية الأدب ، ص 29 .
74 عبد المنعم تليمة : مقدمة في نظرية الأدب ، ص 30 .
75 أحلام مستغانمي : ذاكرة الجسد ، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ، موفم للنشر ، سنة 1999 ، ص 11 .
76 أحلام مستغانمي : ذاكرة الجسد ، ص 320 .
77 أحلام مستغانمي : الرواية ، ص 22 .
78 أحلام : الرواية ، ص 252
79 أحلام ، الرواية ، ص 220 .
80 عبد المنعم تليمة : مدخل إلى نظرية الأدب ، ص 31 .
81 عبد المنعم تليمة : مدخل إلى نظرية الأدب ، ص 33 .
82 أحلام ، الرواية صص 120 – 121 .
83 عبد المنعم تليمة : مدخل إلى نظرية الأدب ، ص 33 .
84 عبد المنعم تليمة : مدخل إلى نظرية الأدب ، صص 81 – 83 .
الهوامش والتعليقات:
ك . ك . راثفين : الأسطورة ، ترجمة صادق الخليلي ، منشورات عويدات ، بيروت – لبنان ، الطبعة 01 ، سنة 1981 ، 148 صفحة ، ص 195
25 ك. ك . راثفين : الأسطورة ، صص 56 – 57 .
علم الأغراض هو ذلك الفرع من الدراسات الأدبية ، الذي
يستهوي الذين ينزعون إلى شيئ أكثر طموحا من الواجب المتواضع للأسطوري في
جمع الأساطير وتحقيقها بكل أشكالها المتنوعة . إن علم دراسة الأساطير فرع
دراسي بين أيدي رجال الأدب المقارن ، ويؤلف جانبا من جوانب تاريخ الماهية
Stoffgeschichte . يختار علماء الأغراض عادة تلك القصص التي لها ارتباط
بواحد من أكثر الشخوص شهرة في الأساطير الكلاسيكية ، ثم يدرسون ما يطرأ
على تلك الشخصية أثناء قيام الأدباء على اختلاف مشاربهم بإعادة حكايته منذ
القديم حتى الحاضر . انظر للمزيد ك, ك راثفين : الأسطورة ، ترجمة جعفر
صادق الخليلي ، ص 119 .
26 ك.ك.رائيفين : الأسطورة ، صص 121-123 .
وجه سيجموند فرويد سؤالا إلى ( ويلهلم فلايس ) يقول فيه : "
أيمكنك أن تتصور ما هي الأساطير الأندوسايكية ؟ " ، وهذا بعد شهرين من
إطلاعه على نظرية عقدة أوديب التي لم سمع بها العالم إلا بعد ثلاث سنوات .
وشرح فرويد ذلك ، بأن إدراك الفرد أجهزته العضوية إدراكا داخليا غامضا
يستثير عنده خيالات خادعة تتصور طبيعيا في الخارج ، وتدخل بنحو مميز إلى
المستقبل وإلى عالم ما وراء ذلك. وهذه التخيلات الناشئة كليا عن هذا
التصور النفسي تشمل أفكارنا عن ( الخلو د ، الثواب والعقاب ، وعالم ما بعد
الموت ) ، وهي جميعا وبكل بساطة منعكسات ذهنية عن النفس الداخلية : النفس
– الأسطورة . و أول ما اكتشفه سيجموند فرويد هو ميكانيكية التصور الفاعلة
هذه ، أثناء دراسته لحالات جنون الاضطهاد ، والتي اطلع عليها ( فلايس ) في
جانفي عام 1895 . ثم ظهرت في مقال له سنة 1896 حول العصاب الدفاعي ، وبعد
خمس سنوات أمكنه – أي فرويد – استخدام مفتاح جنون الاضطهاد لفتح مغاليق
الأسطورة أيضا ؛ ففي بحثه علم النفس المرضي في الحياة اليومية الصادر سنة
1901 ، يعلن فرويد بكل وضوح عن اعتقاده بأن جانبا كبيرا من المظهر
الأسطوري للعالم ، والذي يمتد عميقا في أحداث الديانات ليس سوى علم نفس
تصور العالم الخارجي . وأن واجب العالم النفساني كما جاء في كتابه الطوطم
والمحرم الصادر سنة 1913 ، هو أن يعكس العملية ويعيد إلى العقل البشري ما
تعلمه لنا الروحية عن طبيعة الأشياء . وينظر فرويد إلى الأساطير باعتبارها
ترسبات ناتجة عن تفاعلات اللاوعي ، بحيث يرى مثلا أن قصة ( نارسيس ) ترمز
من خلال التحليل النفسي إلى ارتكاس عصابي وأطلق عليه من الناحية المرضية
اسم النرجسية وذلك في مقالته عن ليونادرو دافينتشي ، الصادرة عام 1910 ،
كما أن مصير الرجل الذي أصيب بالعمى لاختلاسه النظر إلى ( الليدي كوديفا )
، سمح لفرويد بتكوين رؤية واضحة عن نظريته عن تشوش الرؤية النفسي . وإذا
كانت الأساطير بروزا للتصورات ؛ فمن أي جزء من العقل تبرز ؟ يرى فرويد أن
منبعها اللاوعي ، الذي يتصوره كقبو خزنت فيه خيالات جنسية لا يكاد العقل
الواعي يعلم عنها شيئا ، وبحسب ذلك ؛ فالأساطير في رأي فرويد تحرر من
الجنس بما لا يقل عما ضمنه العالم ( ر. ب . نايت ) في مقال عن عبادة
بارايابوس صادر بلندن قبل ذلك سنة 1786 . أما العالم ( يانك ) فقد عارض
ذلك ؛ ففي البداية تقبل نظرية بروز التصورات ولكنه أجرى عليها تعديلا بعد
ذلك بقوله أن العقل الباطن ناقل للصور البدائية وليس طاردا لها ، ثم خطوة
جذرية أخرى وهي اختيار ( يانك ) رفض النموذج الفرويدي عن اللاوعي ،
مستبدلا إياه بمستويين من اللاوعي ، أحدهما علوي أو سطحي وأطلق عليه
اصطلاح اللاوعي الشخصي ويقع مباشرة تحت طبقة الوعي ، وهو وعاء المكبوتات ،
وهذا يتفق وتصورات فرويد عن المكبوتات القابعة في اللاشعور ، وتحت هذا
المستوى يوجد المستوى الثاني والذي أطلق عليه اللاوعي الجماعي والذي
تستعصي مغاليقه على الأساليب الفرويدية للتحليل النفسي وهي تلك التي
تتمظهر في زلات اللسان وتداعي الكلمات و استكناه المعاني الرمزية للأشياء
، ، وهذا المستوى من اللاوعي الجمعي يؤلف قاعدة فوق شخصية دائمة الحضور في
كل فرد ، وأطلق ( يانك ) على هذا اللاوعي الجمعي اسم الأنماط الأولية سنة
1919 ، وهذه الأنماط الأولية هي المسؤولة عن صناعة الصور النمطية في
الأساطير وفي الأحلام وفي الفن والأدب ومعنى ذلك أنه لا توجد أـفكار فطرية
أو قبلية ، بل توجد إمكانات أو استعدادات فطرية لتكوين التصورات وتحديد
المعالم والأطر للتخيلات البشرية ؟ ولذا فمفاهيم ( يانك ) استرعت انتباه
الأدباء أكثر من مفاهيم فرويد ، وهذا ما دفع بالنقاد والباحثين
الأنثروبولوجيين بطرح التساؤل عن كيفية إمكان شعوب وأمم متباعدة في المكان
والزمان من وضع قصص متشابهة إلى حد كبير . ومن هنا هل الأسطورة تتسم
بالعالمية أم لا ؟ وهل الأسطورة فعلا تخضع لقانون التكرار الأزلي ؟ ومن
ثم هل نحن أمام حالات تماثل حقيقي وكلي أم هي حالات تشابه وكفى ؟ ومن ثم
فالذي يرى بأن الأساطير تتشابه إلى حد التماثل الأقصى ، هذا يعني أن
الأساطير سواء ، لأن جميع الناس سواء ، وبالتالي تلغى الخصوصية وميزة
التفرد والتنوع الثقافي لأننا هنا أمام آلية نفسية وميكانيكية برمجية
واحدة ، أما أصحاب الرأي المعارض يرفضون فكرة التشابه المبنية أساسا على
مقولة الانتقاء أو الانتخابية، إذ كثير من ذوي التوجه المسيحي والذين
يؤمنون بأن الحركة التاريخية في خط متقدم غير قابل للارتداد ولا إلى قانون
الدور والتكرار، ومن هنا نفهم مقولة هنري برغسون المسيحي المتصوف الخالدة
: أن المرء لا يستحم في ماء النهر مرتين ، وبأن الزمن نهر متدفق ، وأيضا
تصريحات ( أونك ) بأن ما نعرفه في هذا الكون لا يوجد فيه تكرار حقيقي أبدا
، إذ كل شيء في نشوء فعال ، وإنما نحن نرى ما يشبه التكرار إن لم نتمعن
جيدا في النظر إلى الظواهر . وهذا إن دل على شيء إنما يدل على تلك الرؤية
الفلسفية الغربية الممزوجة بالموروث اليوناني القديم وهي فكرة رفض القدرية
والعقاب الأبدي لصخرة سيزيف ، وبأن لا شيء جديد بل هو قديم متجدد ؟ للمزيد
انظر : ك. ك. راثفين : الأسطورة ، ترجمة جعفر صادق الخليلي ، صص 34 – 45 ،
وأيضا : مصطفى غالب : هنري برجسون ، منشورات دار مكتبة الهلال الطبعة
الثانية ، بيروت – لبنان ، 1982 ، 156 صفحة ، فصل هنري برجسون والحياة
والشعور ، وفصل برجسون والجهد العقلي وأيضا فصل برجسون والديمومة ، وكذلك
مرة أخرى مصطفى غالب في كتابه الجنس عند فرويد ، منشورا مكتبة الهلال ،
بيروت – لبنان ، الطبعة الرابعة ، 1982 ، 191 صفحة . و سيجموند فرويد في
كتاب الأحلام ، عرض وتقديم مصطفى غالب ، منشورات مكتبة الهلال ، بيروت
لبنان ، الطبعة الرابعة 1982 ، 157 صفحة . كما نضيف كتاب الشخصية الناجحة
لمصطفى غالب ، منشورات مكتبة الهلال الطبعة الثالثة ، 1982 ، 145 صفحة
خاصة في مبحث الأنماط الأولية و مبحث اللاشعور الجمعي ، ومبحث القناع
.
27 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، دار الحداثة للنشر والتوزيع والطباعة ، بيروت – لبنان ، ص 30 .
28 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، الدار العربية للكتاب ، ليبيا ، سنة 1988 ، ص 11 .
29 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 34 .
30 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 37 .
31 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 109 .
32 المرجع السابق ، ( ن . ص )
33 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 43 .
34 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 43 .
35 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 44 .
36 المرجع السابق ، ص 13
37 المرجع السابق ، ص 23
38 المرجع السابق ، ( ن . ص ) ، وجاء في الموسوعة الفلسفية لمجموعة من العلماء والأكاديميين الروس والتي ترجمها سمير كرم ما يلي :
" الأساطير شكل من الأشكال الشفهية للفلكلور من أخص خصائص القدماء .
والأساطير هي حكايات تولدت في المراحل الأولى للتاريخ ، لم تكن صورها
الخيالية ( الآلهة ، الأبطال الأسطوريون ، الأحداث الجسام الخ ) إلا
محاولات لتعميم وشرح الظواهر المختلفة للطبيعة والمجتمع . إن الأساطير
كلها تتغلب على قوى الطبيعة وتجعلها ثانوية وتشكلها في الخيال وبمساعدة
الخيال ، ومن ثم فإن الأساطير تختفي مع بزوغ سيادة حقيقية على قوى
الطبيعة( ... ) لكنها كانت تعكس في الوقت نفسه الآراء الأخلاقية والموقف
الجمالي للإنسان بالنسبة للواقع ." الموسوعة الفلسفية ، ترجمة سمير كرم ،
الطبعة الخامسة ، دار الطليعة للطباعة والنشر ، بيروت – لبنان ، 1985 ، ص
23 مادة الأساطير .
39 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 17 .
40 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 18 .
41 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 19 .
42 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 20 .
إن المعالجة البنائية للأساطير ، قد تشكل نسغها من الفطريات
اللسانية الجديدية لفرديناند دي سوسير ، و ذلك من خلال مقولة ( التعاقب /
التزامن ) أو المعروفة ب ( التطورية / التزامنية ) وأيضا ب ( الدياكرونية
/ السانكرونية ) ، والمفردة الأكثر استعمالا هي مفردة ( التاريخي ) ،
والتي مفادها أن كل لحظة من الزمن يمكن أن تحطم إلى العناصر النووية
المكونة لها ، وكل واحد من هذه العناصر لا يدرك بمفرده تماما إلا ضمن
إطاره العام الذي أوجده أي ضمن شروط ماضيه الخاص به . وهذا يشبه إلى حد
كبير حزمة أسلاك الهاتف ؛ فهي مربوطة في حزمة معا ، ولكنها منفصلة في
اتصال كل منها بنقطة في الماضي البعيد . أما الأسلوب التزامني فإنه يتجاهل
التاريخ الفردي الخاص بكل عنصر بمفرده ، ويركز على على الوشيجة والعلاقة
الرابطة بين هذه العناصر في أية لحظة من الزمن . فبدلا من نزع غلاف كل سلك
بمفرده عن حزمة الأسلاك ؛ فإنك تقطع الحزمة على شكل عرضي لترى ترتيب
النهايات المقطوعة ، والأسلوب التزامني يشبه لعبة الشطرنج ، كما يقول دي
سوسير : إن لك أن تدخل اللعبة في أية مرحلة تشاء ، وأن تعرف الموقف بكل
دقة ، دون أن تكون ثمة ضرورة لمعرفتك المواقع السابقة لكل قطعة قبل دخولك
، لأن المهم هو الموقع الراهن لكل قطعة بالنسبة لمواقع القطع الأخرى .
وبهذا المعنى ؛ فأي عنصر لغوي منفرد لا يمكن أن يوجد بمعزل عن غيره ، لأن
هويته تتقرر بالمجموعة التي تضمه ، وهو يحافظ على تلك الهوية بالوقوف موقف
المعارض للعناصر المجاورة المتبقية . إن إعادة تعريف علم النطق بالطريقة
التي اقترحها دي سوسير مكنت الباحثين في التطور التاريخي من دراسة علم
الأصوات لينفصلوا عن الأسلوب التزامني في دراسة الفونيمية . إن أهمية وحدة
الأفكار أو الأنساق من الوجهة التطبيقية مفيدة في تطورية تاريخ الأفكار
ومن رواد هذا الاتجاه نجد ( آرثر او . لوفجوي ) ، وينصح ( آلان دانديز )
الباحثين في الفنون الشعبية بأن يتجاوزوا بواعث الفونيمية التزامنية ،
ووفق هذا التصور قدم ( يوجين دروفمان ) دراسته عن القصصية في أغنية رولان
، وفي قصيدة السيد ، وكذلك الأمر نفسه مع كلود ليفي شتراوس في دراسته عن
الأسطورية في أساطير هنود أمريكا الجنوبية . إن الباحث البنوي ( البنائي )
يؤكد مثلا على دراسة أسطورة الخلق وأسطورة عدن باعتبارهما وحدتي تزامن ضمن
المجموع الديني المعروف باسم ( سفر التكوين ) ، وذلك بغية تشخيص التشابه
في ( سفر التكوين ) ككل ، بدلا من جمع المتشابهات عن أجزاء قائمة بذاتها
تؤدي في النهاية إلى مجموعة واسعة من الأصوات مثل ( الغصن الذهبي ) ، ولذا
يقول ليفي شتراوس : " إن الوحدات الصحيحة التي تتألف منها الأسطورة ليست
العلائق المنعزلة ، بل حزم من تلك العلائق ، والشكل الحزمي لهذه العلائق
هو الوحيد الذي يمكن استخدامه وجمعه حتى ينتج عنه معنى . " وعليه فالنص
الموجود لسفر التكوين يؤلف كلا بنائيا ، ولعل المعنى المزعوم لهذا الكل
يكون مدعاة دهشة أولئك الذين اعتادوا على استخلاص المعاني بالانتقاء
الصوتي للأجزاء ، بدلا من انتقائها من بناءات كلية فونيمية ، لذلك عندما
نجد تحليل شتراوس يؤدي إلى كشف تلك المجموعات ثنائية التضاد ، ولكل مجموعة
رتبتها التوسطية ، مثل السماء توسطية بين الماء الذي يعلو الفلك والماء
الذي تحته ، ومثل حواء وسيطة بين آدم الإنسان والحيوان ، وعند تحليل
محتويات قصص منفصلة للكشف عن الشكل الهيكلي لهذا النظام ، قد يكتشف
البنائي أن أسطورياته تتجاوز وظيفتها الوصفية من خلال ايجاد امكانات
تفسيرية لا يصل إليها القارئ العادي الذي لا يجرؤ على مفارقة التتابع
القصصي في امتداده الخطي . فهل الأفعى مثلا في سفر التكوين هي أنثى كما ظل
أعداء المرأة أصحاب الرؤية الإنجيلية الضيقة ، الذين كانوا مختلفين في
طبيعتها إن كانت شيطانا في صورة بشرية ، أم هي بحسب التفسير الفرويدي
تمثل القضيب ( العضو الذكري ) ؟ لكننا نجد ( إدموند ليج ) يمارس طريقة (
ليفي شتراوس ) بشكل معكوس ؛ فهو يحدد سلفا وسيطه ، ثم يبحث عن الأقطاب
التي يتجه إليها الوسيط ، ويلاحظ على التحليل البنوي ( البنائي ) للأسطورة
شيء من الارباك يعترض ذلك التأويل الدائري ، إذ يبدو أن الوصايا الضمنية
التي يكشفها ليفي شتراوس في الأسطورة ناشئة من الفرضية الثنائية التي
يبرزها كي يفسرها . ولذا يقول شتراوس : " إن الغرض من الأسطورة هو ايجاد
نموذج منطقي قادر على قهر التناقض "، ومعنى ذلك أن الأسطورة تسعى للتوسط
بين التناقضات في الخبرة افنسانية ، وإن منطق الأسطورة عند ليفي شتراوس
أساسا هو القاعدة ثلاثية القوائم : ( الموضوعة – نقيض الموضوعة – مركب
الموضوعة ) ، ويضيف إدموند ليدج توضيحا آخر بأن ثنائية التضاد أمر جوهري
وميزة خاصة بالتفكير البشري ولكن عند الشعوب غير الأوروبية . ولقد قام
ليفي شتراوس بالتعاون مع ( رومان جاكبسون ) بدراسة لسوناتة ( بودلير ) "
قطط " ، لأنه سبق وأن ميز بين الشعر الذي لا يمكن أن يترجم والأسطورة التي
يمكن ترجمتها ، وما يلاحظ على قصيدة بودلير وجود تضاد ثنائي في البيت
الأول ، بين حبيبين متقدين حرارة وباحثين قساة ، مما يستدعي التحليل
البنائي ، فقام شتراوس وجاكبسون بتفكيك وتركيب القصيدة بضع مرات ، مرتبين
أجزاءها في تنظيمات متنوعة ، وما يميز قراءتهما لبودلير كون شكل بناء
القصيدة المرئي يتكرر دون وعي ، المرة بعد المرة في سياق اللبنة البنائية
غير المرئية في خطة القافية وفي قواعد النحو وفي الجنس وغيرها . هذا هو
البعد الأسطوري للقصيدة كما يفهمه ليفي شتراوس ، لأن وظيفة التكرار هي أن
يمنح بنية الأسطورة جلاءها ، وهو بهذا يقدم لنا قراءة منفتحة ، قراءة
منتجة لتجربة جديدة ولمعرفة مضافة عن معرفتنا السابقة . للمزيد انظر ،
ك.ك. راثفين : السطورة ، صص67 – 74 . وانظر كلود ليفي شتراوس : الإناسة
البنيانية ، ترجمة حسن قبيسي ، مركز الإنماء القومي ، بيروت – بنان ، سنة
1990 ، 391 صفحة .
43 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 22 .
44 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 41 .
45 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 98 .
46 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي الحديث ، ص 13 .
47 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 15 .
48 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 15 .
هناك اتجاهات نقدية أخرى للأسطورة ، ومنها ، نجد التوجه
الطبيعي والذي يرى في الأساطير إمكانية تقديم قراءة للتاريخ الطبيعي ، عن
الإنسان والحيوان والطبيعة والكون ، وهذا وفق مقولة ( سيسرو ) " أن هذه
الأساطير العديمة التقوى تضم تحت أضرحتها ، قطعا ، نظرية علمية ذكية "
وأيضا مقولة ( فونتني ) " إن كل أدوار الإستحالة هي فيزياء العهود الأولى
" ، وهذا يعني تقديم قراءة علمية للنصوص الأسطورية ليس باعتبارها مادة
للأدب والفن فقط ، بل باعتبارها مادة للفكر تكتنز كافة الخبرات الإنسانية
عن الإنسان والكون والحياة ، فهي مصدر هام للمعرفة البشرية الحالية عن
كيفية التفكير المعرفي لدى الإنسان الأول ما قبل فجر التاريخ ، أي قبل
ظهور الحضارات الإنسانية الكبرى ، وهذا التوجه حكمته معطيات التفكير
العلمي الذي ساد خلال القرن التاسع عشر ، على أساس أن المرحلة الأولى التي
مر بها الفكر البشري هي المرحلة الأسطورية كما يقول بذلك أجوست كونت ،
وعلى أساس من هذا الفهم ، عرف التوجه الطبيعي في دراسة الأساطير عدة
مفاهيم تفسيرية للأساطير ، هناك تفسير يرى أن الأساطير ما هي إلا قراءة
للتاريخ الطبيعي كما مر معنا سابقا عند كل من سيسرو و فونتني ، بل حتى بعض
المسيحيين أمثال ( السير والتر رالي ) كانوا يرون أن أسماء الآلهة الوثنية
ما هي في حقيقة الأمر سوى أسماء " القوى الطبيعية والسماوية " ، وهناك
التوجه التنجيمي ، ومن رواده ( جورج سانديز ) الذي رأى في إشارة ( أوفيد )
إلى ارتكاب فينوس الزنا مع مارس ، إنما هي إفادة تنجيمية من خلال اتحاد
مارس ( الحار ) بفينوس ( الرطوبة المعتدلة ) ، ويقول ( نيسكاروب ) في
مكتابعاته لتعليقات ( مارسيليو فيسينو ) على محاورات أفلاطون " أن الزاوية
التي تفصل بين العاشقين في لوحة ( فينوس ومارس ) التي رسمها ( بوتيشيلي )
( في المتحف الوطني ) ، يقصد بها إبراز البعد الزاوي الثلاثي في اقتران
نجميهما ، أو كما ذهب ( شارل فرانسوا دو بوي ) في كتابه ( أصل العبادات –
باريس 1794 ) على أن البروج هي الرحم التي حملت بجميع الأساطير ، وفي
ولادات هرقل الأثنتي عشر إشارة إلى حقائق فلكية أثناء مسيرة الشمس في مدار
البروج ( دخول الشمس في برج الأسد ، فيما يقتل هرقل أسد نيميا ، ...الخ )
، أو كما جاء في استنتاجات ( هالبوخ ) في كتابه ( نظام الطبيعة – لندن
1770 ) عن الأسطورة " يمكن القول بأنها إبنة الفلسفة الطبيعية ، زوقها
الشعر بتمويهاته ، ولا هدف لها سوى وصف الطبيعة و أجزائها "، وهناك التوجه
الجغرافي والجيولوجي ، والذي مثله كل من ( ثيجينيز الريجومي ) القائل
بامكانية فهم الألوهيات الوثنية القديمة على أساس أنها ترميز لعناصر
الطبيعة الأساسية ، وبذلك قد يفهم سبب تضاربها وفق ( نظرية المتضادات ) ؛
فإله البحر ( بوسيدون ) هو الماء ، و ( أبللو ) النار ، و ( هيرا ) الهواء
، وبعد قرن من الزمان تابع ( أمبيدو وكلس ) التوجه ذاته في رسالته الشعرية
عن الطبيعة ؛ فاتخذت العناصر الأربعة أسماء أسطورية ، وظلت ( هيرا ) ثمثل
الهواء ، ولكن ( زوس المضيء ) أصبح رمزا للنار ، أما الأرض يمثلها (
أيدنيوس ) إله العالم السفلي ، والماء تمثله حورية مجهولة باكية تدعى (
نستيس ) . أو ما فعله ( جون راسكين ) في دراسته ( ملكة الهواء – لندن 1869
) ، لما أحال مضمون الأساطير على معطيات علم الظواهر الجوية، ومن ناحية
أخرى هناك التوجه الكيميائي ومن دعاة هذا التوجه نجد ( سليمان تريسموسين )
في كتابه ( الصوفة الذهبية - رورشاخ سنة 1598 ) ، و كوميدية ( بن جونسون )
( الكيمياوي – سنة 1610 ) التي يهجو فيها الدجل في أعمال ( ساتل ) و بعده
جاء ( روبرت نابير ) وتعرض لموضوع الصوفة في كتابه ( كشف لغز الصوفة
الذهبية ) ، و ( مايكل ماير ) في كتابه ( أتلانتا المهزومة – أوبنهايم سنة
1618 ) ، و ( يوهان يواكيم بخر ) وضع كتابه ( كيمياء أوديب – أمستردام
1664 ) ، وآخر محاولة لقراءة الأسطورة القديمة باعتبارها لغة كيمياء خفية
كانت على يد ( أنطوان برنيتي ) في مؤلفه ( المعجم الأسطوري الهرمزي –
باريس 1787 ) . انظر ، ك.ك.راثفين : الأسطورة ، صص 22 – 33 .
49 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 91 .
50 محي الدين صبحي ، النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 91 .
يرى بعض الباحثين المهتمين بموضوع الأسطورة أنها في حقيقة
الأمر ، ليست سوى تحويرا للغة البشرية ، وقد وجد من علماء فقه اللغة
المقارن من اهتموا بدراسة الساطير انطلاقا من التحليل الفيليلوجي للنصوص
الأسطورية ، ومن أمثلة ذلك أن هناك أسطورة تقول بأن حيوان القندس عند
مطاردته من طرف القناصين وتضييق الخناق عليه ، كان يلجأ إلى قضم خصيتيه
ادراكا منه بأن مطارديه سيتركونه لذلك السبب ، وردت هذه المعلومات في كتاب
بعنوان ( كتاب الحيوانات – لندن سنة 1945 ) من وضع ( ت . ه . وايت ) ، حيث
سمي طلب الماء باسمه اللاتيني ( كاسترو / Castro ،، إذن جاءت تسمية
الحيوان ( كاستر ) من قيامه بفعل ( الإخصاء ) لنفسه ، ويعلق ( ايزودور )
في ( علم الاشتقاق ) في مادة Castores a Castrando : " لا يعرف أحد كيف
انتشرت هذه الأسطورة عن القندس بادئ ذي بدء ، إلا أن من الموثوق به هو أن
الذي ابتدعها لم يفحص هذا الحيوان بدقة بالمرة ، ولو فعل ذلك لعلم أن
خصيتي ذكر الحيوان داخليتان ؛ فلا يمكن قطعهما بالقضم " . ولعل الأسطورة
وضعت لتفسير الإسم اللاتيني للحيوان وفق المنطق ذاته الذي بموجبه تقررت
تسمية المعلم في قصة ( موك تورتل ) : " لقد أطلقنا عليه اسم ( السلحفاة )
لأنه كان يعلمنا " ، ولقد بدأ التحليل الشكلي لهذه الفرضية في البدايات
الأولى على يد ( أفلاطون ) في ( كراتيلاس ) حيث بحث في ما إذا كانت
الأسماء التي تطلق على الأشياء قد اختيرت اعتباطا وهو نفسه رأي علماء
الأجناس وعلماء اللغة المحدثين ، أو أن الأسماء قد اختيرت أصلا لتمثل
طبيعة تلك المسميات وهو ما يذهب إليه أفلاطون وأغلب الشعراء والروائيين .
ويعقد ( كاسيير ) مقارنة بين الكلمتين الإغريقية واللاتينية الدالتين على
( القمر ) بهدف توضيحه لكيفية اللغة في التدليل على مفهوم الشيء وليس على
الشيء في ذاته ، يقول : " فالكلمة عند الإغريق كانت تعني ( الذي يقيس ) ،
فيما كانت عند الرومان تعني ( اللامع ) ، يعتبر بعض المؤرخين لتاريخ
الأفكار والعلوم أن ما عرف من علم باسم ( علم الأسطورة / الميثولوجيا ) في
القرن التاسع عشر ، إنما كان نتاجا معرفيا متطورا عن نظرية ( اللغة الهند
– أوروبية ) بفضل تلك الدراسات الفيلولوجية المقارنة بين السنسكريتية
والإغريقية واللاتينية بحسب مفاهيم ( السير ويليام جونز ) سنة 1786 ، ثم
اصطلاح النحو المقارن على يد ( فردريك شليكل ) عام 1808 ، وتلاه قانون (
كريم ) سنة 1822 ، وقانون ( ورنر ) في 1875 ، لشرح التطورات الصوتية التي
جرت على كل لغة من الأصل الهندي – الأوروبي ، ومنذ البداية تم تقؤير ما
إذا كان التشابه اللفظي في مختلف اللغات تصادفيا ، أم أنه أشكال متقاربة
ضمن عائلة كبيرة واحدة ، ونحن في رأينا من وجهة نظر متفحصة أن هذا التصنيف
خاضع للمقولة الأرسطية المنطقية ( جنس الأجناس ، الجنس العام ، النوع ) ،
وذهب ( ماكس موللر ) في كتابه ( الميثولوجيا المقارن – سنة 1856 ) إلى
اعتبار أساطير ( الفيدا ) بالنسبة للأساطيرالمقارنة كالسنسكريتية بالنسبة
للنحو المقارن ، ومؤدى آرائه في نهاية المطاف أن منشأ الأسطورة هو ضرب من
ضروب التلاعب بالألفاظ ، ولقد امتدت تأثيرات ( ماكس موللر ) إلى كل من (
أي . ب . تايلر ) و ( و . أي . كلاديستون ) و ( ر . ف . ليتلد يل ) و (
ستيفان مالارميه ) ومعظم الرمزيين الفرنسيين على أساس أن منشأ الأسطورة
راجع إلى تفوق الكلمة على الفكرة في خلق الشعر ، وهذا ما دفع ب( جون كرو
رانسوم ) في كتابه ( جسد العالم – نيويورك 1938 ) يقول : " الأسطورة
مجازاستولدتها الاستعارة ) . انظر بالتفصيل ما جاء في كتاب ك.ك. راثفين :
الأسطورة ، صص 53 – 61 .، ويذهب عبد المنعم تليمة في كتابه ( مقدمة في
نظرية الأدب ) إلى اعتبار الأسطورة هي حالة اغتراب عن الطبيعة ، ( مقدمة
في نظرية الأدب ) ، الطبعة الثالثة ، دار العودة بيروت – لبنان ، سنة 1983
، 240 صفحة .
51 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 26 .
52 حلاوي يوسف : الأسطورة في الشعر العربي ، ص 26 .
53 عبد المنعم تليمة : مدخل إلى نظرية الأدب ، ص 44 ، هامش رقم 1 .
54 محي الدين صبحي : النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 105 .
55 محي الدين صبحي ، النقد الأدبي بين الأسطورة والعلم ، ص 103 .
56 داود محمد : البعد الأنثروبولوجي للنص الأدبي ، ضمن عدد خاص : أي
مستقبل للأنثروبولوجيا في الجزائر ، تحت إشراف نذير معروف و فوزي وخديجة
عادل ، منشورات مركز البحث في الأنثربولوجيا الإجتماعية والثقافية ، (
الكراسك ) بوهران ، سنة 2002 ، ص 99 .
57 داود محمد : البعد الأثروبولوجي للنص الأدبي ، ص 101 .
58 محمد داود : البعد الأنثروبولوجي للنص الأدبي ، ص 103 .
59 محمد داود : البعد الأنثروبولوجي للنص الأدبي ، ص 105 .
60 سعيدي محمد : الإسم ، دلالته ومرجعيته ، مقاربة أنثروبولوجية ، أي مستقبل للأنثروبولوجيا في الجزائر ، ص 125
61 أحمد طالب : الإلتزام في القصة القصيرة الجزائرية المعاصرة ، منشورات ديوان المطبوعات الجامعية ، ص 159
62 إدريس بوذيبة : الرؤيا والبنية في روايات الطاهر وطار ، منشورات جامعة
منتوري _ قسنطينة ، الطبعة الأولى ، سنة 2000 ، 304 صفحة ، صص 236 – 237 .
63 إدريس بوذيبة : الرؤيا والبنية ، ص 254 .
64 إدريس بوذيبة : الرؤيا والبنية ، ص 258 .
65 إدريس بوذيبة : الرؤيا والبنية ، ص ص 259 .
66 حسين خمري : سيميائية الخطاب الروائي ، مجلة الحداثة ، العدد الرابع ( 04 ) ، جامعة وهران ، سنة 1994 ، صص 177 .
67 حسين خمري : سيميائية الخطاب الروائي ، صص 179 - 180 .
68 حسين خمري : سيميائية الخطاب الروائي ، صص 191 - 192
69 حسين خمري : سيميائية الخطاب ،صص 131 – 132 .
70 حسين خمري : سيميائية الخطاب الروائي ، صص 165 – 166 .
71 المرجع نفسه ، ص 171 .
72 أحم طالب : الإلتزام في القصة القصيرة الجزائرية ،ص 106 .
73 عبد المنعم تليمة : مقدمة في نظرية الأدب ، ص 29 .
74 عبد المنعم تليمة : مقدمة في نظرية الأدب ، ص 30 .
75 أحلام مستغانمي : ذاكرة الجسد ، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ، موفم للنشر ، سنة 1999 ، ص 11 .
76 أحلام مستغانمي : ذاكرة الجسد ، ص 320 .
77 أحلام مستغانمي : الرواية ، ص 22 .
78 أحلام : الرواية ، ص 252
79 أحلام ، الرواية ، ص 220 .
80 عبد المنعم تليمة : مدخل إلى نظرية الأدب ، ص 31 .
81 عبد المنعم تليمة : مدخل إلى نظرية الأدب ، ص 33 .
82 أحلام ، الرواية صص 120 – 121 .
83 عبد المنعم تليمة : مدخل إلى نظرية الأدب ، ص 33 .
84 عبد المنعم تليمة : مدخل إلى نظرية الأدب ، صص 81 – 83 .