منتدى معمري للعلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى معمري للعلوم

منتدى يهتم بالعلوم الحديثة والمعاصرة، خاصة منها العلاقة بين الطب الأصلي والطب المازي او كما يسمى الطب البديل - ولا أرام بديلا -،كما يختص منتداي في كل ما يختص بتحليل الخطاب: الأدبي والعلمي، ونظرية المحاكاة: سواء في الطب أو علم التغذية او في الفن.


    جمالية المضمون في ضوء النقد السوسيولوجي

    avatar


    تاريخ التسجيل : 31/12/1969

    جمالية المضمون في ضوء النقد السوسيولوجي Empty جمالية المضمون في ضوء النقد السوسيولوجي

    مُساهمة   الخميس يناير 07, 2010 12:52 am



    جمالية المضمون في ضوء النقد
    السوسيولوجي



    الأستاذ: فاتح حمبلي


    أستاذ محاضر-
    جامعة العربي بن مهيدي ام البواقي-الجزائر





    hamblifateh1@gmail.com






    تتناول الدراسة البحث في إشكالية العلاقة بين الكتابة الأدبية كفن، و النقد
    السوسيولوجي ،الذي يستند في أحكامه على نظريات علم الاجتماع ،وعلى الفكر
    الإيديولوجي الاشتراكي و تحاول الدراسة أن تحلل و تناقش مقولة أنصار النقد
    السوسيولوجي القائمة على تأسيس جمالية خاصة، تعلي من شأن المضمون الاجتماعي في النص
    الأدبي على حساب تجريده من عناصره الفنية الأخرى .



    Abstract :

    Literary
    writing insight of sociological criticism




    The study under focus takes into
    consideration the problematique between the literary writing as an art and the
    sociological criticism , which is based in its judgements on theories of
    sociology and idiological thinking , The case study , tries to discuss



    The vien point of sociological criticism
    , based on pertinence content.





    إشكالية الموضوع

    :



    تحاول اليوم كل مدرسة نقدية أن ترسم صورة ما عن الأدب , فلما لا تنهض مدرسة النقد
    السوسيولوجي ببعض ذلك ؟ وما المانع الذي يحول دون قيام النقد السوسيولوجي بتأسيس
    جمالية خاصة تقوم على المضمون في الكتابة الأدبية ؟



    يرى فريق من أنصار النقد السوسيولوجي , أن الأدب
    تعبير عن المجتمع , وبالتالي فإن المجتمع هو الذي يشكل العمل الفني في الكتابة
    الأدبية , ويحدد قيمتها الجمالية , وعليه يكون النقد السوسيولوجي هو المنهج الأمثل
    لتناول النصوص الأدبية على أساس أن الكتابة الأدبية ليست في حقيقتها إلا امتدادا
    للمجتمع الذي تكتب عنه , وتكتب فيه معا , فمن العسير فصل الظاهرة الأدبية عن
    الظاهرة الاجتماعية .



    بينما يرى فريق آخر
    أن النقد السوسيولوجي موضوعه هو تتبع المضامين الاجتماعية في الكتابة الأدبية , ومن
    ثم فإن الأحكام التي يصدرها لا تعدو أن تكون أحكاما معيارية , وقيمية , لا تفيد
    الكتابة الأدبية في شيء , وفي احسن الأحوال تجردها من جمالياتها , التي هي أوكد
    خصائصها , وتحشرها في عالم الأفكار , وتجنح بها نحو المضمون , الذي مهما كان جميلا
    فإنه يظل متوقفا على الإطار اللغوي والأسلوبي , فبدون الشكل الخارجي تظل جمالية
    المضمون روحا بلا جسد .



    تأتي هذه المداخلة لتبحث إشكالية العلاقة بين الكتابة
    الأدبية كفن و النقد السوسيولوجي الذي يستند في أحكامه على نظريات علم الاجتماع .



    1- غائية النقد السوسيولوجي ( جمالية
    المضمون ) :



    النقد في ضوء
    الاتجاه السوسيولوجي رسالة , ورسالته هداية الأدباء إلى ما يجب أن يعملوه , وللنقاد
    بهذا الاعتبار سلطة روحية على الأدباء , ذلك أن آفة النقد العربي القديم كما يقول
    طه إبراهيم : " إنه ظل سلبيا فلم يحدث حدثا في الأدب , ولم يؤثر يوما في الشعراء ,
    وكل ما جد من المذاهب , و التغييرات الوضعية كان منشأه الأدباء أنفسهم " (1)
    , وآية ذلك أن الدعوة إلى تحضير الشعر وإبعاد روح البداوة عنه , لم تأت على قلم
    ناقد وإنما جاءت على لسان شاعر , هو أبو نواس الذي كان همه أن يبحث في العلاقة بين
    الأدب والمجتمع ويحاول أن يلائم بينهما , فليست – إذا- ثورته التي بدت , وكأنها
    تستهدف بناء القصيدة إلا ثورة من أجل تعبير الشعر عن المجتمع .



    إن أولئك الذين
    يجردون الكتابة يحاولون تجريد الكتابة الأدبية من غايتها الاجتماعية , من دعاة الفن
    للفن , أو أصحاب النقد التأثري ممن يتكئون على الشكل أكثر من المضمون , حتى كل
    هؤلاء لا يمكن أن يكون الكلام عندهم في الأدب لأجل الكلام , كما أنهم يعترفون بأن
    الأديب لا يكتب لنفسه فقط , والفن لا يخلو بأية حال من الطابع الاجتماعي الخاص به
    الذي يميز عصر إنتاجه فإذا كان الفن لعبا فهو لعب منظم له أهدافه الاجتماعية
    (2)
    .



    فالكتابة إذا عند
    النقاد السوسيولوجيين لا بد أن تحمل مضمونا اجتماعيا على نحو ما حتى بالسلب عبر
    شرايين العمل الأدبي , فقد يتنوع التعبير عن هذا المضمون بالمغزى الخلقي , أو
    الغاية الإنسانية أو حتى النزعة السياسية والإيديولوجية , ولكنهم في شتى الأحوال
    يؤكدون على أن هذا المضمون الاجتماعي لا ينبغي أن يقحم على العمل الأدبي من خارجه ,
    بل يجب أن ينبثق من داخله , أي عن طريق التصوير دون حاجة إلى الإفصاح عن مشاعر
    الكاتب الخاصة , أو الدعوى إلى علاج بعينه , وهم يعتقدون أن توصيل الرسالة على هذا
    النحو ربما من أنجع طرائق الفن وأشقها معا , لأن الكاتب مطالب أن يجمع بين أمرين :
    تصوير واقع المجتمع تصويرا يعيد خلقه من جديد على نحو حي ثم ترتيب هذا الواقع
    المصور بحيث يثير القارئ ويولد الأثر الذي يهدف إليه الكاتب (3)



    2- النقد السوسيولوجي في ضوء المدرسة
    الماركسية التقليدية:



    يعتقد الكثير من
    الماركسيين أن الأدب ينبغي أن يعبر عن طموحات وآمال الطبقات الكادحة في المجتمع ,
    ويعنى بحل مشكلاتها في مواجهة الطبقة البرجوازية المتحكمة في وسائل الإنتاج ,
    فالأديب الماركسي لا يعدو أن يكون كالمحارب يشهر سلاح قلمه في وجه أعداء
    البروليتاريا , والنقد يصبح بلا جدوى إذا اقتصر على تحليل النصوص فقط , فالأولى
    نقد العمل الأدبي على أساس أنـه جـزء مـن النظام الاجتماعي فيبين كيف وجد هذا العمل
    ؟ وما علاقته بالأنظمة الأخرى ؟ وما الأهداف التي يرمي إليها ؟ (4)



    علـى الرغم مـن
    تشديد الماركسيين علـى اجتماعية العمل الأدبي , إلا أن ذلك لا يعني إهمالهم للفن ,
    أو أن الأدب لا مكان له في أبجديات مقولاتهم , فقد جاء جان فرينل " Jean Frinel
    " فأكد عناية رموز الماركسية بالأدب من خلال نشره لنصوص أدبية لكل من ماركس ,
    وانجلس ولنين (5) مما يثبت اهتمام هؤلاء الزعماء بالأدب كرسالة اجتماعية
    وإيديولوجية سياسية




    ميز الماركسيون بين
    البنية التحتية Infrastructure
    والبنية
    الفوقية
    suprafrastructure في
    تركيبية المجتمع فالبنية التحتية تعني فـي زعمهم وسائل الإنتاج ومـا يتمخض عنها
    مـن علاقات اجتماعية واقتصادية , وأن إنتاج الحياة المادية هو الذي يتحكم في علاقة
    الإنسان بالطبيعة , وهو الذي يعمل على تشكيل بنى المجتمع , وكل تحول في القوى
    المنتجة يؤدي حتما إلى تحويل في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية , أي مما يعني أن
    حركة التاريخ والمجتمع خاضعتان لفكرة الصراع الذي يحدث في عالم الاقتصاد والمادة ,
    لا ما يحدث في عالم الأفكار , أما البنية الفوقية فتشمل عندهم مجموعة مكونة من
    النظم السياسية والثقافية والأدبية و الاجتماعية , وهي انعكاس للبنية التحتية التي
    هي الأساس الحقيقي الذي يشاد عليه البناء الفقهي والسياسي , والذي تتناسب معه كل
    الصور المحددة للوعي الاجتماعي "فليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم , بل على العكس
    من ذلك وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم" (6) .




    فالكتابة الأدبية
    حسب ما سبق في وعي النقد الماركسي يجب أن تكون معبرة عن إيديولوجية المجتمع ,
    ونتيجة لذلك فإن النقد هو الآخر يجب أن يقوم على ملاحظة العلاقات الجدلية بين
    البنيتين الفوقية والتحتية .



    فالعمل الأدبي بوصفه
    جزءا من المذهب الفكري والماركسي , تعبير عن رؤية الكاتب لما حوله من وجهة نظر تتصل
    بحقيقة من الحقائق , وهذه الحقيقة ليست في طبيعتها فردية بل اجتماعية , فطريقة
    تفكير لطائفة من الناس تفرض نفسها على أفراد تلك الطبقة من الأدباء فيشعرون بها
    ويعبرون عنها في أعمالهم الأدبية , والكتابة الأدبية المقبولة عندهم هي التي لها
    القدرة على التعبير عن المجتمع , وعن صراع الطبقات فيه , وعن مدى عناية هذه الطبقات
    الاجتماعية بتأويل الكتابة الأدبية والاشتغال بها وعلى هذا النحو يفسر العمل
    الأدبي على أساس مضمونه الاجتماعي , ولا قيمة تذكر فيه لحياة الكاتب لأن الغاية
    الأولى منه هو وضعه في مكانه من البيئة الاجتماعية مع بيان العوامل الاقتصادية
    المتحكمة فيه (7)



    فالأديب في نظر النقد الماركسي لا يكتب من أجل المتعتة والتسلية , ولكن يكتب من أجل
    تسجيل واقع اقتصادي معين مرتبط بتطور التاريخ , وبالتالي فإن جمالية الكتابة تكاد
    تكون مهملة في أذهان النقاد الماركسيين , أو ربما تتقهقر إلى المرتبة الأخيرة بعد
    ولوعهم بالمضمون الاجتماعي , وإفراطهم في العناية بهم على حساب الشكل مما أفضى بعد
    ذلك إلى ولادة الاتجاهات البنيوية والشكلية التي تطرفت هي الأخرى في رفضها للمضمون
    بشكل مطلق . وهذا ما أكد عليه جيدانوف Andrey Jadanouv
    من أن " الأدب السوفياتي منحاز لأنه لا يوجد ولا يمكن أن يوجد في عصور الصراع
    الطبقي سوى أدب طبقي وأدب هادف وأدب سياسي "(Cool




    إن النظرية الأدبية الماركسية التقليدية تقوم على افتراض أن الكتابة الأدبية يجب
    فهمها في علاقتها بين الواقع التاريخي والاجتماعي في ضوء التفسير الماركسي لذلك
    الواقع , وترى أن القاعدة الاقتصادية لمجتمع ما تحدد طبيعة الإيديولوجيا والمؤسسات
    والممارسات مثل الأدب , التي تكون البنية الفوقية لذلك المجتمع , ومن ثم تتبنى
    النظرية الأدبية الماركسية وجهة النظر القائلة بوجود علاقة جبرية مباشرة بين البنية
    التحتية والبنية الفوقية , وهو ما يعني النظر إلى الكتابة الأدبية التي
    تحددها القاعدة الاقتصادية على أساس مبدأ السببية (9)



    فإذا كان الأديب محكوم عليه الالتزام بهذه العلاقة الجبرية , فإن مهمة الناقد هو
    الآخر تنحصر في محاسبة هذا الأديب على هذا الأساس وبالتالي فإن الكتابة الأدبية
    تتحول إلى وثيقة اجتماعية واقتصادية , ويتحول العمل النقدي تبعا لذلك إلى قوانين
    تطرح في سوق النقد قبل الشروع في الممارسة النقدية , وهذا الذي طبقه النقاد
    الماركسيون على العديد من الكتاب وفي مقدمتهم شكسبير من ذلك المنظور المحدود
    (10)



    لاشك أن حرمان النص الأدبي من استقلاليته الذاتية وربطه ربطا جبريا , بالبنية
    التحتية أدى إلى فقدانه الكثير من أدبيته وجماليته , وبهذا المنطق في التعامل مع
    النص الأدبي وضع النقد الماركسي التقليدي نفسه في مأزق كبير أدركه الكثير من النقاد
    الماركسيين فيما بعد وحاولوا تبريره , أو التخفيف من حدته بإدخال شيء من المرونة
    عليه بما يسمح للعمل الأدبي من المحافظة على بعض جمالياته وتجميل صورة النقد
    الماركسي إزاء موقفه من الأدب والنقد على حد سواء , وهذا الذي سعى الماركسيون الجدد
    إلى الدفاع عنه .



    3- النقد السوسيولوجي في ضوء المدرسة
    الماركسية الجديدة :



    أدرك عقلاء النقد الماركسي الجديد تلك الفجوة الحاصلة بين تحليل النص باعتباره عمل
    أدبيا تحكمه قيم الأدب وجمالياته , وبين النص كمضمون اجتماعي , ويعد جورج لوكاتش
    George
    lukacs من
    أبرز الماركسيين الذين نادوا بـردم تلك الفجوة بيـن الأدب والحقائـق الاقتصادية
    والاجتماعية وذلك فـي كتابه " معنى الواقعية المعاصرة " الذي نشر عام 1957 .



    انطلق لوكاتش في نظريته من الواقعية الاشتراكية الصارمة لكنه طور نظرتها إلى
    العمل الأدبي تطويرا ينطوي على قدر كبير من العمق , فذهب إلى أن العمل الأدبي
    الواقعي لا بد أن يكشف عن نمط التناقضات التي تقف وراء مضمون اجتماعي معين وظلت
    نظرته ماركسية في إلحاحه على الطبيعة المادية والتاريخية لبنية المجتمع , واستخدم
    لوكاتش مصطلح الانعكاس "Reflection
    استخداما متميزا ويعني عنده أن العمل الأدبي ( الرواية على وجه
    الخصوص ) لا يعكس الواقع الاجتماعي بوصف مظهره الخارجي السطحي فحسب , بل بمعنى أنه
    يقدم انعكاسا أكثر صدقا وحيوية وفعالية للواقع , فالانعكاس معناه تشكيل بنية ذهنية
    تصاغ في كلمات وعادة ما يكون لدى الناس انعكاسا للواقع لا يقتصر على الموضوعات
    الخارجية , إنما يشمل الطبيعة الإنسانية والعلاقات الاجتماعية , فالعمل الأدبي لا
    يعكس الظواهر الفردية المنعزلة بل يعكس العملية المتكاملة في الحياة , ومـع ذلك يظل
    القارئ دائما علـى وعي بأن العمل الأدبي ليس الواقع نفسه , ولكنه شكل خاص من أشكال
    انعكاسه (11) , وبهذا فالنص التاريخي والإيديولوجي ليس حاضرا بشكل مباشر
    في النص الأدبي ولكن حضوره يكون بإعادة بنائه وكتابته بطريقة مختلفة (12)
    وبهذه النظرة وفر النقد الماركسي الجديد نوعا من الحرية والمرونة للأديب والناقد
    على حد سواء .



    وبعد لوكاتش جاء أصحاب مدرسة فرانكفورت وعلى رأسهم تيودرو أورلو Theodore Adorno
    الذي رفض نظرة لوكاتش الواقعية مؤكدا على أن الأدب لا يتصل
    اتصالا مباشرا بالواقع على نحو ما يفعل العقل , فتباعد الفن عن الواقع هو الذي
    يكسبه قوته ودلالاته الخاصة , وليس الشكل الأدبي مجرد انعكاس للشكل السائد في
    المجتمع وإنما هو وسيلة خاصة لتجاوز الواقع , وبرهن على صحة نظريته من انطلاقه في
    تحليل مسرحية بيكيت التي لا تملك في مضمونها إلا التعبير عن القشور الجوفاء للفردية
    والقوالب المفتتة للغة (13)




    أما الناقد لويس
    ألتوسير
    Louis Althusser فقد أثر تأثيرا
    بالغا في النظرية الأدبية الماركسية خصوصا في فرنسا وبريطانيا , وذلك بإنجازه
    الفكري الذي يرتبط ارتباطا واضحا بالبنيوية وما بعد البنيوية , فقد تباعدت آراء
    ألتوسير في الأدب والفن تباعدا ملحوظا عن المدرسة النقدية الماركسية القديمة , فهو
    يرفض معالجة الفن بوصفه شكلا من أشكال الإيديولوجيا ويضع الأدب في مكان يتوسط ما
    بين الإيديولوجيا والمعرفة العلمية , فالعمل الأدبي العظيم لا يزودنا بفهم ذهني عن
    الواقع ولكنه في الوقت ذاته مجرد تعبير عن إيديولوجية طبقة من الطبقات , فالأدب
    يحقق نوع من التباعد الخيالي عن الإيديولوجيا نفسها التي تغذيه مما يجعله قادرا على
    تجاوز إيديولوجية الكاتب الذي كتبه (14) .




    يذهب الناقد
    الماركسي إيجيلتون Terry Eagleton
    في كتابه النقد والإيديولوجيا إلى ضرورة قطع النقد عن المرحلة
    الإيديولوجية لكي يصبح علما ومن ثم يمكن تحديد العلاقة بين الأدب والإيديولوجيا ,
    ذلك لأن العمل الأدبي لا يعكس الواقع التاريخي بل يمارس أعماله على الإيديولوجيا
    لينتج تأثرا بهذا الواقع , قد يبدو النص الأدبي حـرا في علاقته بالواقع ولكنه لا
    يتمتع بهذه الحرية فما يتصل باستخدامه الإيديولوجية بكل أشكالها السياسية
    والاجتماعية والدينية , ويعني ذلك أن المضامين الاجتماعية التي ينتجها النص الأدبي
    إعادة لما صنعته الإيديولوجية بالواقع , وتبعا لذلك فإن النقد لا يهتم بقوانين
    الشكل الأدبي وحدها , أو بالنظرية الإيديولوجية إنما يهتم بما يسميه إيجيلتون
    قوانين إنتاج الخطابات الإيديولوجية من حيث هي أدب(15) .




    رفض الناقد لوسيان جولدمان Lucien Goldmen
    تلميذ جورج
    لوكاتش الفكرة القائلة بأن النص الأدبي إبداع فردي , وذهب إلى أن النص الأدبي يقوم
    على أبنية ذهنية تتجاوز الفرد إلى جماعات أو طبقات محددة , فتظل هذه الرؤى الفكرية
    التي يتبناها المجتمع تتغير استجابة للواقع المتغير حولها .




    ويكشف جولدمان في كتابه الشهير " الإله الخفي " رؤيته النقدية للعمل الأدبي
    ومقومات جمالياته ويؤسس لما يعرف فيما بعد باسم البنيوية التوليدية , فالعمل الأدبي
    في نظره عبارة عن رؤيا للعالم " تركز على الطابع الاجتماعي للإبداع غير أن العمل
    الأدبي لا يمثل القيم الفكرية للمجتمع بأكمله , بل يتضمن بنية ذهنية فقط لإحدى
    التصورات الموجودة في الواقع , والتي تتبناها فئة دون أخرى وتبقى حرية الكاتب هي
    بالأساس عملية تشكيل جمالي " (16)



    فإذا كان العمل الأدبي هو رؤية للعالم – حسب رأي جولدمان - لا يعني هذا أن وظيفته
    هي عبارة عن انعكاس بسيط وتلقائي للواقع , إذ هي أعمق من ذلك نظرا للضرورات
    الجمالية التي تتحكم في الصياغة الفنية , وقد تمكن جولدمان من تطبيق نظريته على
    مجموعة من الأعمال الأدبية كترجيديا راسين ,وفلسفة باسكال , والمجموعة الاجتماعية
    المسماة بنبلاء الرداء Noblesse de la robe
    ) وخلص إلى أن البطل الروائي في هذه الأعمال أضحى بطلا شكليا
    فقد قيمته الإنسانية نتيجة للتطور الحاصل في الطبقة البرجوازية وهو ما يعبر عن غربة
    وعزلة الفرد في المجتمع الرأسمالي (17) .




    وخلاصة القول أن المدارس النقدية الماركسية على اختلاف توجهاتها ومواقفها من
    الكتابة الأدبية تشددا ومرونة لم تصل كلها إلى إقصاء الجانب الجمال في الكتابة أو
    حرمان النص الأدبي من ممارسة سلطته الفنية على القراء كما لم تصل إلى تحقيق ما
    كانت تصبو إليه من تأسيس جمالية تقوم على المضمون الاجتماعي على حساب الشكل الفني .















    4- مسألة الحرية والالتزام في ضوء
    النقد السوسيولوجي:



    صحيح أن المدرسة النقدية الاجتماعية لم تزد النقد الأدبي إلا ثراء وذلك بظهور مدارس
    نقدية أخرى ثارت على اجتماعية الأدب وتمكنت من إنتاج كتابات أدبية راقية , وهذه ما
    كانت لتكون لو لم تكن المدارس النقدية الاجتماعية .



    يرى أنصار النقد
    الاجتماعي أن منهجهم النقدي " هو الأمثل لتناول النصوص الأدبية وذلك على أساس أن
    الكتابة ليست في حقيقتها إلا امتدادا للمجتمع الذي يكتب عنه كما أنها ليست نتيجة
    لذلك غلا عكسا أمينا لكل الآمال التي تصطرع لدى الناص في ذلك المجتمع " (18)



    إذا كانت تلك رؤية النقد الاجتماعي لوظيفة نقد الأدب فإن المدارس النقدية الأخرى
    أعادت طرح تساؤلات جوهرية حول وظيفة الكتابة الأدبية ووظيفة الأديب , فهل يمكن
    اعتبار الأدب مجرد إبداع من أجل التسلية والمتعة ؟ أم أنه إبداع من أجل التربية
    والتوجيه ؟ وهل الأديب حر في أن يلتزم بقضايا مجتمعه وما هو نوع الالتزام وحدود تلك
    الحرية ؟



    ترفض المدارس النقدية المخاصمة للمدرسة النقدية السوسيولوجية تطاول هذه الأخيرة على
    جمالية الكتابة الأدبية ومحاولة تجريدها من العنصر الفني الذي يعد من أوكد خواصها
    الأساسية , فالأدب ليس مجرد مضمون اجتماعي مطروح في الطريق , كما عبر عن ذلك قديما
    ( الجاحظ) , لأن المضمون وحده لا يمكنه أن يكون معيارا للتفاضل بين المبدعين ,
    فالذي يميز الأديب عن غيره هو قدرته على " إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج
    " (19)



    فوظيفة الأدب في زعم هؤلاء ليس بما يحمل من أفكار فذلك شأن الفلسفة ولكن بما يتحلى
    من جمال الأسلوب وأناقة التعبير وروعة البيان والتصوير فالشاعر في رأي جون كوهين
    Jean Cohen " ليس شاعرا لأنه يفكر أو يحس ولكن لأنه يقول "
    (20)



    أجاب بعض أنصار النقد الاجتماعي في الوطن العربي على تلك التساؤلات السالفة الذكر
    في أن حرية الأديب تكمن في انسجام مشاعره مع مشاعر مجتمعه , وتلازم تجربته الفنية
    مع تجربة المجتمع الذي يحيا فيه , فحرية الأديب لا تكتمل إلا إذا اتسعت لتشمل
    الحرية الاجتماعية (21) , غير أن هذه الحرية في رأي محمود العالم لا
    تعني أننا " نحمل على الأدباء بالقسر والإفتعال ولسنا نحجز على حريتهم في التعبير ,
    ولسنا نطالبهم بإثقال ضمائرهم بغير ما تنفعل به , ولسنا نقول لهم اجعلوا من أدبكم
    وفنكم شعارات ثورية أو حلولا اجتماعية أو تقارير سياسية , فالالتزام في الأدب والفن
    ليس نقيضا للحرية
    ولا يمكن أن
    يتم على حساب الأدب والفن " (22) , فالالتزام في الأدب وعي واقتناع وليس
    نفاقا وخداعا , وهذا الذي أكده جورج لوكاتش في قوله " لو أجبرنا الفن على إتباع
    مسالك نحددها له مسبقا وطبقا لتصورات نظرية مجردة لما حصلنا إلا على تقارير
    ستالينية " (23)



    ففي مواجهة أنصار الفن للفن اعترف أنصار النقد الاجتماعي بأن الأدب الخالص هو بدوره
    انعكاس معين للطبقة التي تعلنه (24) ويعتقد عبد المنعم تليمة أن نظرية
    الفن للفن هي التي رفعت الأديب إلى برجه العاجي بعيدا عن المجتمع وحولت الحرية إلى
    قيمة عليا مجردة وصورت الأديب كرجل عاجز عن تغيير مجتمعه (25).



    إذا كانت نظرة بعض النقاد السوسيولوجيين هي إقصاء الفن من دائرة الأدب الاجتماعي ,
    وقصره على الالتزام فقط بالمضامين الاجتماعية , فإن بعضهم الآخر يرى أنه " ليس
    هناك أدب ملتزم وأدب غير ملتزم , وليس هناك أدب هادف وأدب غير هادف , فكل أدب وكل
    فن يتضمن رأيا وحكما وموقفا , سواء كان رمزيا أو رومنطيقيا أو انطباعيا أو سرياليا
    أو واقعيا وسواء أراد الفنان أو الأديب ذلك أو لم يرد , سواء أكان واعيا أم غير
    واع "(26)



    إذا فليس هناك فن وأدب بغير رسالة (27) لأن كل أدب يحتوي على مضمون محدد
    , له دلالته الاجتماعية فالاختلاف ليس في الالتزام أو عدمه وإنما الاختلاف في
    المضمون الاجتماعي لكل أدب ولكل فن (28) .



    يقف أنصار الواقعية الاشتراكية موقفا محايدا إزاء حرية الأديب والتزامه , فهم
    ينكرون عليه الحرية المطلقة التي تدفعه إلى الهروب من المجتمع , وتجرد عمله الأدبي
    من كل مضمون اجتماعي هادف , كما ينكرون عليه إقحام ذاتيته بالتحليل أو التفسير حين
    يلتزم بتصوير مجتمعه إذ يؤكدون على أن تصويره للمجتمع ينبغي أن يكون تصويرا محايدا
    , أشبه ما يكون بالتصوير الفوتوغرافي , فوظيفة الأديب في زعم هؤلاء النقاد هي تقرير
    الحقيقة الواقعية بتصويرها كاملة دون تدخل منه ,ثم نترك للقارئ استنتاج مغزاها ,
    ومثل هذا التصور الحيادي للواقع هو سر إعجابهم بقصص الفرنسي بلزاك (29)



    أما الذين ينكرون على النقد السوسيولوجي تدخله في الحكم على الكتابة الأدبية , فمن
    منطلق أن الأدب ليس مكلفا أن يتحدث عـن صراع الطبقات ولا عن النهضات الصناعية , كما
    أن الأديب ليس خطيبا يدعو إلى الفضيلة , وليس مؤرخا أو عالم اجتماع , فإذا كتب
    الأديب عن مجتمع ما , فينبغي أن يكون مضمون العمل الأدبي نابعا عن تجربة فنية ذاتية
    لا موضوعا ناتجا عن تأثير ميكانيكي فج يكتب عنه كشيء مفروض عليه من المجتمع , لأن
    ذلك لا يعني إلا موت هذا الأديب وهو حي يرزق (30) ولذلك يتهم رولان بارت
    النقد السوسيولوجي بأنه نقد عقيم وذلك بتبنيه شرحا ميكانيكيا للأعمال الأدبية
    وإصداره إحكاما في صورة أوامر (31).




    خلاصة القول :



    نخلص مما سبق أن النقد السوسيولوجي على اختلاف مدارسه ومذاهب نقاده , حاول أن يؤسس
    جمالية تقوم على المضمون الاجتماعي للعمل الأدبي في إهمال متعمد للقيم الجمالية
    الأخرى , لكنه لم يفلح في جهوده لأن وظيفة العمل الأدبي لو كانت مجرد عرض مضامين
    لكان البحث الاجتماعي أفيد منه , ولو كان مجرد تصوير لمعطيات الواقع الاجتماعي
    تصويرا فوتوغرافيا , لكانت الجرائد والمجلات أعلى قيمة من كل الأنواع الأدبية , ولو
    أتخذ العمل الأدبي كوثيقة تاريخية أو اجتماعية فحسب , لكان العمل الأدبي الرديء
    فنيا أكثر أهمية مـن ناحية الدلالات الاجتماعية مـن الأعمال الأدبية الفنية الرفيعة
    , ولو كانت مهمة الأديب تحصر في التعبير عن المجتمع فقط " لكان الفلاحون وعوام
    الناس كتابا كبارا وشعراء عظاما بما لهم من أفكار وبما يمتلكون من تجارب الحياة ,
    ولعل هذا أن يكون من البراهين المفحمة على أن جمالية المضمون – التي نادى بها
    النقاد السوسيولوجيون - تظل روحا بلا جسد ولا أحد يعرف وجود روح دون جسد "
    (32)



    فالعمل الأدبي الناجح هو الذي لا يتأرجح مضمونه أو شكله على الآخر , لأن العلاقة
    بين المضمون والشكل لا تكون علاقة متآزرة متسقة إلا في الأعمال الأدبية الناجحة ,
    أما الأعمال الأدبية الفاشلة فهي تلك التي يقوم مضمونها وصياغتها على تخلخل وعدم
    اتساق , فالأدب - إذا - ثمرة اختيار الأديب لعناصر فنه مـن الواقع الاجتماعي ,
    وهـو ليس اختيارا تعسفيا أو عفويا وإنما هو اختيار يوجهه فكر الأديب وشعوره , كما
    أنه اختيار محدود بتجارب هذا الأديب وخبرته عن المجتمع والحياة.




    الهوامش والمراجع مرتبة حسب ظهورها



    (1)- طه . أحمد
    إبراهيم . تاريخ النقد الأدبي عند العرب . مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر .
    القاهرة :1937 م . ص113 .



    (2)- هلال . محمد
    غنيمي . النقد الأدبي الحديث . ط1 . دار العودة .بيروت : 1982 م . ص 356 .



    (3)- مندور . محمد .
    في الأدب والنقد . ط1 . القاهرة : 1949 . ص 38 .



    (4) – زكي . أحمد
    كمال . النقد الأدبي الحديث . أصوله واتجاهاته . دار النهضة العربية . بيروت : 1980
    م . ص 200 .



    (5)-
    Jean. Michel Palmier. Sur l'art et la litterature de lénine . coll 1018.N° 988 .



    (6)- هلال . محمد
    غنيمي . المرجع السابق . ص 331.



    (7)- المرجع نفسه .
    ص 334 .



    (Cool- رامان . سلدن . النظرية الأدبية المعاصرة . ترجمة جابر عصفور . دار قباء
    للطباعة والنشر والتوزيع .القاهرة : 1998 م . ص 55 (9)- حمودة . عبد العزيز .
    دراسات في سلطة النص .عالم المعرفة . مطابع السياسة . الكويت : 2003 . ص 229 .



    (10)- المرحع نفسه .
    ص 230 .



    - انتقد الكاتب الماركسي الكونت تولستوي أعمال شكسبير لأنه اهتم
    فيها بالملوك والإقطاعيين وأهمل الطبقات



    الكادحة
    وأنكر الجمال في الفن الذي لا يساعد على الخير .



    (11)- رامان .سلدن .
    المرجل السابق . ص 55 .



    (12)- حمودة . عبد
    العزيز . المرجع السابق . ص 237 .



    (13)- رامان . سلدن
    . المرجع السابق . ص 63 .



    (14) – المرجع نفسه
    . ص 69 .



    (15)- المرجع نفسه .
    ص 73 .



    (16)- عمرو . عيلان
    . الإيديولوجيا وبنية الخطاب " دراسة سوسيوبنائية في روايات عبد الحميد هدوقة "
    .منشورات جامعة منتوري.قسنطينة : 2001 م . ص 58 .



    (17)- المرجع نفسه .
    ص 60 .



    (18)- مرتاض . عبد
    المالك . مقال في مجلة المجاهد الأسبوعي . الصادر في 6 سبتمبر 1999 م . ص 16 .



    (19)- الجاحظ . كتاب الحيوان . ط3. تحقيق عبد السلام هارون . دار الكتاب
    العربي . بيروت :1969 م . ج3 . ص 131 .



    نقلا عن الدكتور عبد
    المالك مرتاض . (20)-
    Jean Cohen .structure du langage Poétique .P42 . في كتابه نظرية
    النقد . ص 112 .






    (21)- العالم .
    محمود أمين . معارك فكرية . دار الهلال . القاهرة : 1970 م . ص 393 .



    (22)- العالم .
    محمود أمين . الثقافة والثورة . ط1 . دار الأدب .بيروت : 1970 م . ص 54 .



    (23)- أمير.إسكندر.
    حوار مع اليسار الأوروبي المعاصر . كتاب الهلال . عدد 232 .جوان 1970 . ص 238 .



    (24)- مجموعة مقالات
    لأدباء ونقاد روس . الواقعية الاشتراكية في الأدب والفن . ط1 . ترجمة محمد مستجير
    مصطفى . دار الثقافة الجديدة . القاهرة : 1976 م . ص 53 .



    (25)- عطية. أحمد
    محمد . الالتزام والثورة في الأدب العربي الحديث . ط1 . دار العودة . بيروت :1974 م
    . ص 11 .



    (26)- العالم .محمود
    أمين . الثقافة والثورة . ص 47.46.



    (27)- المرجع نفسه .
    ص 54 .



    (28)- العالم محمود
    أمين . معارك فكرية . ص 237 .



    (29)- هلال. محمد
    غنيمي . المرجع السابق . ص 336 .



    (30)- مرتاض . عبد
    المالك . في نظرية النقد . دار هومة . الجزائر : 2002 . ص 129 .



    (31)- المرجع نفسه .
    ص 129 .



    (32)- المرجع نفسه .
    ص 132 .





      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 08, 2024 8:12 am