نصية الصيغة السردية:
على عكس الشكلانيين لا يقيم "جنيت" تمايزا واضحا بين الصيغة والخطاب، "لأن دورهما يكمن فقط في حكي قصة أو نقل أحداث حقيقية أو متخيلة"( ) ولا يتعدى مفهوم الصيغة عنده "أنواع الخطاب المستعملة من طرف السارد"( ) وهو ما يجعل من الصيغة عنصرا سرديا كباقي العناصر، فلا يمكن للصيغة أن تتحقق إلا داخل الخطاب الروائي/النص الإبداعي، وتحققها مرهونة بالسارد نفسه، ولتوضيح هذه المسألة يلجأ جنيت إلى المقارنة بين خطاب أفلاطون وخطاب هوميروس؛ فتوصل إلى أن خطاب هوميروس خطاب منقول يحاكي الشخصيات، بينما يعد خطاب أفلاطون خطابا غير مباشر لأنه لا يحاكي، بل يلجأ إلى صيغ الإيهام مثل الحذف أو الزيادة...وهو ما يجعل من صيغته عنصرا سرديا وسيطا ( ) ومن هنا يميز "جنيت" تبعا للصيغة بين أنواع من الخطابات السردية:
1- الخطاب المسرود: يعتمد صيغة إخبار بعيدة (الحديث بصيغة الغائب).
2- الخطاب غير المباشر: أسلوب المحاكاة المباشرة.
3- الخطاب المنقول المباشر: وهو المحاكاة التامة للخبر.
تبعا لهذا التقسيم – الذي نعتبره غير مضبوط بما يكفي- فإن الصيغة تتخذ هي الأخرى أساليب متعددة تتصل بالسارد، فالصيغة إذا إما محاكية للحدث بشكل تام (إخبار مطابق) أو محاكاة جزئية (يتدخل السارد فيها بالتخييل) وإما بعيدة يقرر الحدث فيها شخصية أخرى تنوب عن السارد، ومن ثم يتضح لنا أن الصيغة عند "جنيت" هي العلاقة بين السرد واللغة، خاصة أن جنيت يتحدث عن مفهوم آخر استقاه في نظرنا من النحو الألماني دون أن يشير إليه وهو مفهوم "Polumodalité "(كذا !)( ) مع أنه يشير إلى تطبيق هذا المفهوم على كتابات "بروست" من خلال ربطه بين التبئير والصيغة، فيؤكد كون تلك الممارسة تراوح بين الصيغ الثلاث للتبئير من إرادة الوعي عند البطل إلة إرادة الوعي عند الراوي لتستقر بين الفينة والأخرى على الشخصيات في اختلافها( ).
إذا حاولنا تلخيص موقف "جنيت "من الصيغة- رغم ما في التلخيص من جناية على الفكر- فإن الصيغة ليست سوى مجموع الطرق التي يؤدى بها الخبر، وحتى وقت قريب كان هذا التعريف مقبولا، وإلا فإن المشكلة التي تصادفنا اليوم تتعلق بالسرد والعرض في علاقتهما باللغة، ذلك أن السرد هو فعل من أفعال اللغة لأنه يحاكي مضمونها بشكل من الأشكال وبالتالي تطرح مشكلة الحدود الدقيقة بين هذه الصيغ، لذلك يصر جنيت على التمييز بين فعل الحكي المنتمي أصلا للغة وفعل العرض الذي هو مشهد حركي في أصله، وهو تمييز يفهم في اللغة الفرنسية في الفرق بين الفعلين "Raconter "و"Montrer "، فالتمييز بين الفعلين غير دقيق لأن الفعل "عَرَضَ" لا يمكنه بشكل طبيعي أن يدل على أقوال الشخصيات ( )، ومنه إذا حاولنا الجمع بين الفعلين فإن الإيحاء الأول الذي يمكن ملاحظته بكل وضوح هو أن العرض يصبح ذا طابع مشهدي، وبالتالي لا نستطيع التمييز بين ما ينتمي للسرد أي إلى اللغة وبين ما ينتمي إلى التشخيص أو النصوص الشفوية( ).
إذا رجعنا إلى سعيد يقطين نجد أنه يتبنى موقف "تودوروف" الذي يعرف الصيغة على الشكل التالي: الصيغة هي: " الطريقة التي بواسطتها يقدم لنا الراوي القصة"( )، ومن هنا فإن القصة/الحدث المحكي يقدم بطريقتين: طريقة السرد وطريقة العرض.
1- صيغ السرد:
1.1- صيغة الخطاب المسرود: يندمج فيم المتكلم/السارد مع لحظة الحكي، دون نظر إلى الماضي.
2.1- صيغة المسرود الذاتي: يحكي السارد أحداثا وقعت في الماضي دون أن يمتزج بها، هنا الذات لا تتوحد بالحدث.
2- صيغ العرض:
1.2- صيغة الخطاب المعروض: يتحدث السارد مباشرة إلى متلق مباشر دون تدخل الراوي.
2.2- صيغة المعروض غير المباشر: نفس الحالة المتقدمة مع فارق يتمثل في أن الراوي يتدخل بتعليقات توجه السرد في اتجاه معين.
3.2- صيغة المعروض الذاتي: الحالة التي يتحدث فيها السارد مباشرة إلى نفسه عن حدث يجري في لحظة إنجاز الكلام.
لكن يلاحظ يقطين أن هذه الصيغ التي اقترحها لا يمكنها أن تكون جامعة مانعة لمختلف أنواع الخطابات السردية فيدخل مجموعة أخرى من الصيغ يطلق عليها الصيغ المنقولة أو صيغ النقل، تحدث هذه الحالة عندما يتم الحكي عن طريق آخر غير السارد كأن يتحدث البطل من خلال ما سمعه من السارد الأصل، فيصل الحدث إلى المتلقي عن طريق الواسطة.
3- صيغ النقل:
1.3- صيغة المنقول المباشر: نقل الحدث عن طريق الواسطة بحرفيته دون تدخل بزيادة ولا نقصان.
2.3- صيغة المنقول غير المباشر: نقل الحدث عن طريق الواسطة لكن يتدخل الناقل في الحدث بالنقص أو بالزيادة.
ما يلاحظ على هذا النموذج أنه يفصل بين السرد والعرض، وقد رأينا سابقا في الفقرات المتقدمة صعوبة الفصل إن لم نقل استحالتها في كثير من النصوص السردية، إذ العرض والسرد عمليتان تتمان معا في وقت واحد وقد تتخذ بعدا جماليا بحيث إذا تم إلغاء عنصر منهما فسد العنصر الآخر كما يحدث مثلا في العروض السردية المسرحية.
3- الرؤية باعتبارها وجهة نظر:
لتحديد مفهوم الرؤية انطلق "تودوروف" من مفهوم "الجهة"(aspect )، على أساس أن الرؤية هي " الطريقة التي بواسطتها تدرك القصة عن طريق الراوي، وذلك في علاقته بالمتلقي"( )، وهكذا يحدد تودوروف "الرؤية" من خلال علاقة الحدث بالراوي:
1- الرؤية من الخلف: الراوي يعرف كل شيء عن الحكي وعن الشخصيات.
2- الرؤية مع/ أو الرؤية المرافقة: حالة تساوي المعرفة فالراوي لا يعرف أكثر مما تعرف باقي الشخصيات.
3- الرؤية من الخارج: معرفة الراوي أقل من معرفة الشخصيات.
واضح من خلال هذه النمذجة أن تودوروف يسعى للتبسيط أكثر مما يحتمله الجانب التطبيقي، ذلك أننا على مستوى التطبيق نجد أنفسنا مدفوعين للتعامل مع وجهة النظر في تعقيدها بشكل مختلف، ذلك "أن المسألة تتخذ على المستوى العملي التطبيقي، مظهرا آخر مغايرا، وأكثر تعقيدا، مما ستبدو عليه في المستوى النظري الذي يسعى دائما ليكون واضحا وبسيطا، لأمن التجربة الروائية علمتنا ذالك، فليس هناك نماذج لوجهات نظر مرسومة على أساس شكل واحد، ومدعمة بانسجام محض، ولكن لنتجنب أن ننساق بعيدا يجب علينا أن نتصرف هنا بالطريقة الأكثر تبسيطية"( )
أما في ما يتعلق بِـ"جيرار جنيت" فقد استبعد مفهوم "الرؤية" لطابعها البصري وعوضها بمفهوم البؤرة( )، وهكذا نجده يميز بين ثلاثة أنواع من التبئير تبعا لعلاقة السارد بالحدث وهي:
1- محكي ذو تبئير داخلي ثابت: (récit à focalisation interne fixe )، وخاصيته أن الراوي يعرف كل شيء- كما رأينا مع تودوروف- عن شخصياته.
2- محكي ذو تبئير داخلي متنوع:(récit à focalisation interne variable )، يبدأ السرد مُبَأَّرا على شخصية محددة ثم ينتقل إلى شخصية أخرى ليعود في آخر المطاف إلى الشخصية التي ابتدأ منها.
3- محكي ذو تبئير داخلي متعدد:(récit à focalisation interne multiple )، يتم فيه عرض الحدث الواحد مرات عديدة من وجهات نظر شخصيات متعددة ومختلفة ( ).
إذا تأملنا ما قام به كل من "تودوروف" و"جنيت" نستنتج أنهما يصدران عن وجهة نظر واحدة وإن اختلفت مصطلحاتهم، فما قام به "جنيت" لا يعدو أن يكون ترجمة أمينة لما قام به "تودوروف".
يميز سعيد يقطين في الرؤية بين " الصوت" و"الشكل"، بحيث يقسم الشكل إلى قسمين تبعا لوضعيته: براني الحكي وجواني الحكي، في حين يقسم الصوت إلى عناصر أربعة هي: الرؤية السردية وخارج الحكي وداخل الحكي وذاتي الحكي، وهكذا نجد أنفسنا أمام علاقات متشابكة بين الصوت والشكل نلخصها في المعادلات التالية:
عندما يقترن الصوت بالشكل يتخذ إحدى العلاقات السردية التالية:
1- الصوت رؤية سردية ïبراني خارجي،براني داخلي جواني داخلي، جواني ذاتي.
2- الصوت خارج الحكي ï ناظم خارجي.
3- الصوت داخل الحكي ï ناظم داخلي، فاعل داخلي.
4- الصوت ذاتي الحكي: ï فاعل ذاتي.
من خلال المعادلات السابقة يمكن الحديث ببساطة عن رؤية برانية خارجية وهي تقابل عند "جنيت" التبئير الصفر.ورؤية برانية داخلية تقابل عند "جنيت" التبئير الخارجي، ورؤية جوانية داخلية وذاتية تقابلان عند "جنيت" التبئير الداخلي.( ) وهكذا نستنتج أن موقف سعيد يقطين لم يأت بالجديد في، بل أكثر من ذلك قام بتعقيد مفهوم الرؤية بإدخال تفريعات وقيود قد تحتاج إلى تطبيقات من النصوص الروائية لإثبات مدى صلابتها النظرية.
على عكس الشكلانيين لا يقيم "جنيت" تمايزا واضحا بين الصيغة والخطاب، "لأن دورهما يكمن فقط في حكي قصة أو نقل أحداث حقيقية أو متخيلة"( ) ولا يتعدى مفهوم الصيغة عنده "أنواع الخطاب المستعملة من طرف السارد"( ) وهو ما يجعل من الصيغة عنصرا سرديا كباقي العناصر، فلا يمكن للصيغة أن تتحقق إلا داخل الخطاب الروائي/النص الإبداعي، وتحققها مرهونة بالسارد نفسه، ولتوضيح هذه المسألة يلجأ جنيت إلى المقارنة بين خطاب أفلاطون وخطاب هوميروس؛ فتوصل إلى أن خطاب هوميروس خطاب منقول يحاكي الشخصيات، بينما يعد خطاب أفلاطون خطابا غير مباشر لأنه لا يحاكي، بل يلجأ إلى صيغ الإيهام مثل الحذف أو الزيادة...وهو ما يجعل من صيغته عنصرا سرديا وسيطا ( ) ومن هنا يميز "جنيت" تبعا للصيغة بين أنواع من الخطابات السردية:
1- الخطاب المسرود: يعتمد صيغة إخبار بعيدة (الحديث بصيغة الغائب).
2- الخطاب غير المباشر: أسلوب المحاكاة المباشرة.
3- الخطاب المنقول المباشر: وهو المحاكاة التامة للخبر.
تبعا لهذا التقسيم – الذي نعتبره غير مضبوط بما يكفي- فإن الصيغة تتخذ هي الأخرى أساليب متعددة تتصل بالسارد، فالصيغة إذا إما محاكية للحدث بشكل تام (إخبار مطابق) أو محاكاة جزئية (يتدخل السارد فيها بالتخييل) وإما بعيدة يقرر الحدث فيها شخصية أخرى تنوب عن السارد، ومن ثم يتضح لنا أن الصيغة عند "جنيت" هي العلاقة بين السرد واللغة، خاصة أن جنيت يتحدث عن مفهوم آخر استقاه في نظرنا من النحو الألماني دون أن يشير إليه وهو مفهوم "Polumodalité "(كذا !)( ) مع أنه يشير إلى تطبيق هذا المفهوم على كتابات "بروست" من خلال ربطه بين التبئير والصيغة، فيؤكد كون تلك الممارسة تراوح بين الصيغ الثلاث للتبئير من إرادة الوعي عند البطل إلة إرادة الوعي عند الراوي لتستقر بين الفينة والأخرى على الشخصيات في اختلافها( ).
إذا حاولنا تلخيص موقف "جنيت "من الصيغة- رغم ما في التلخيص من جناية على الفكر- فإن الصيغة ليست سوى مجموع الطرق التي يؤدى بها الخبر، وحتى وقت قريب كان هذا التعريف مقبولا، وإلا فإن المشكلة التي تصادفنا اليوم تتعلق بالسرد والعرض في علاقتهما باللغة، ذلك أن السرد هو فعل من أفعال اللغة لأنه يحاكي مضمونها بشكل من الأشكال وبالتالي تطرح مشكلة الحدود الدقيقة بين هذه الصيغ، لذلك يصر جنيت على التمييز بين فعل الحكي المنتمي أصلا للغة وفعل العرض الذي هو مشهد حركي في أصله، وهو تمييز يفهم في اللغة الفرنسية في الفرق بين الفعلين "Raconter "و"Montrer "، فالتمييز بين الفعلين غير دقيق لأن الفعل "عَرَضَ" لا يمكنه بشكل طبيعي أن يدل على أقوال الشخصيات ( )، ومنه إذا حاولنا الجمع بين الفعلين فإن الإيحاء الأول الذي يمكن ملاحظته بكل وضوح هو أن العرض يصبح ذا طابع مشهدي، وبالتالي لا نستطيع التمييز بين ما ينتمي للسرد أي إلى اللغة وبين ما ينتمي إلى التشخيص أو النصوص الشفوية( ).
إذا رجعنا إلى سعيد يقطين نجد أنه يتبنى موقف "تودوروف" الذي يعرف الصيغة على الشكل التالي: الصيغة هي: " الطريقة التي بواسطتها يقدم لنا الراوي القصة"( )، ومن هنا فإن القصة/الحدث المحكي يقدم بطريقتين: طريقة السرد وطريقة العرض.
1- صيغ السرد:
1.1- صيغة الخطاب المسرود: يندمج فيم المتكلم/السارد مع لحظة الحكي، دون نظر إلى الماضي.
2.1- صيغة المسرود الذاتي: يحكي السارد أحداثا وقعت في الماضي دون أن يمتزج بها، هنا الذات لا تتوحد بالحدث.
2- صيغ العرض:
1.2- صيغة الخطاب المعروض: يتحدث السارد مباشرة إلى متلق مباشر دون تدخل الراوي.
2.2- صيغة المعروض غير المباشر: نفس الحالة المتقدمة مع فارق يتمثل في أن الراوي يتدخل بتعليقات توجه السرد في اتجاه معين.
3.2- صيغة المعروض الذاتي: الحالة التي يتحدث فيها السارد مباشرة إلى نفسه عن حدث يجري في لحظة إنجاز الكلام.
لكن يلاحظ يقطين أن هذه الصيغ التي اقترحها لا يمكنها أن تكون جامعة مانعة لمختلف أنواع الخطابات السردية فيدخل مجموعة أخرى من الصيغ يطلق عليها الصيغ المنقولة أو صيغ النقل، تحدث هذه الحالة عندما يتم الحكي عن طريق آخر غير السارد كأن يتحدث البطل من خلال ما سمعه من السارد الأصل، فيصل الحدث إلى المتلقي عن طريق الواسطة.
3- صيغ النقل:
1.3- صيغة المنقول المباشر: نقل الحدث عن طريق الواسطة بحرفيته دون تدخل بزيادة ولا نقصان.
2.3- صيغة المنقول غير المباشر: نقل الحدث عن طريق الواسطة لكن يتدخل الناقل في الحدث بالنقص أو بالزيادة.
ما يلاحظ على هذا النموذج أنه يفصل بين السرد والعرض، وقد رأينا سابقا في الفقرات المتقدمة صعوبة الفصل إن لم نقل استحالتها في كثير من النصوص السردية، إذ العرض والسرد عمليتان تتمان معا في وقت واحد وقد تتخذ بعدا جماليا بحيث إذا تم إلغاء عنصر منهما فسد العنصر الآخر كما يحدث مثلا في العروض السردية المسرحية.
3- الرؤية باعتبارها وجهة نظر:
لتحديد مفهوم الرؤية انطلق "تودوروف" من مفهوم "الجهة"(aspect )، على أساس أن الرؤية هي " الطريقة التي بواسطتها تدرك القصة عن طريق الراوي، وذلك في علاقته بالمتلقي"( )، وهكذا يحدد تودوروف "الرؤية" من خلال علاقة الحدث بالراوي:
1- الرؤية من الخلف: الراوي يعرف كل شيء عن الحكي وعن الشخصيات.
2- الرؤية مع/ أو الرؤية المرافقة: حالة تساوي المعرفة فالراوي لا يعرف أكثر مما تعرف باقي الشخصيات.
3- الرؤية من الخارج: معرفة الراوي أقل من معرفة الشخصيات.
واضح من خلال هذه النمذجة أن تودوروف يسعى للتبسيط أكثر مما يحتمله الجانب التطبيقي، ذلك أننا على مستوى التطبيق نجد أنفسنا مدفوعين للتعامل مع وجهة النظر في تعقيدها بشكل مختلف، ذلك "أن المسألة تتخذ على المستوى العملي التطبيقي، مظهرا آخر مغايرا، وأكثر تعقيدا، مما ستبدو عليه في المستوى النظري الذي يسعى دائما ليكون واضحا وبسيطا، لأمن التجربة الروائية علمتنا ذالك، فليس هناك نماذج لوجهات نظر مرسومة على أساس شكل واحد، ومدعمة بانسجام محض، ولكن لنتجنب أن ننساق بعيدا يجب علينا أن نتصرف هنا بالطريقة الأكثر تبسيطية"( )
أما في ما يتعلق بِـ"جيرار جنيت" فقد استبعد مفهوم "الرؤية" لطابعها البصري وعوضها بمفهوم البؤرة( )، وهكذا نجده يميز بين ثلاثة أنواع من التبئير تبعا لعلاقة السارد بالحدث وهي:
1- محكي ذو تبئير داخلي ثابت: (récit à focalisation interne fixe )، وخاصيته أن الراوي يعرف كل شيء- كما رأينا مع تودوروف- عن شخصياته.
2- محكي ذو تبئير داخلي متنوع:(récit à focalisation interne variable )، يبدأ السرد مُبَأَّرا على شخصية محددة ثم ينتقل إلى شخصية أخرى ليعود في آخر المطاف إلى الشخصية التي ابتدأ منها.
3- محكي ذو تبئير داخلي متعدد:(récit à focalisation interne multiple )، يتم فيه عرض الحدث الواحد مرات عديدة من وجهات نظر شخصيات متعددة ومختلفة ( ).
إذا تأملنا ما قام به كل من "تودوروف" و"جنيت" نستنتج أنهما يصدران عن وجهة نظر واحدة وإن اختلفت مصطلحاتهم، فما قام به "جنيت" لا يعدو أن يكون ترجمة أمينة لما قام به "تودوروف".
يميز سعيد يقطين في الرؤية بين " الصوت" و"الشكل"، بحيث يقسم الشكل إلى قسمين تبعا لوضعيته: براني الحكي وجواني الحكي، في حين يقسم الصوت إلى عناصر أربعة هي: الرؤية السردية وخارج الحكي وداخل الحكي وذاتي الحكي، وهكذا نجد أنفسنا أمام علاقات متشابكة بين الصوت والشكل نلخصها في المعادلات التالية:
عندما يقترن الصوت بالشكل يتخذ إحدى العلاقات السردية التالية:
1- الصوت رؤية سردية ïبراني خارجي،براني داخلي جواني داخلي، جواني ذاتي.
2- الصوت خارج الحكي ï ناظم خارجي.
3- الصوت داخل الحكي ï ناظم داخلي، فاعل داخلي.
4- الصوت ذاتي الحكي: ï فاعل ذاتي.
من خلال المعادلات السابقة يمكن الحديث ببساطة عن رؤية برانية خارجية وهي تقابل عند "جنيت" التبئير الصفر.ورؤية برانية داخلية تقابل عند "جنيت" التبئير الخارجي، ورؤية جوانية داخلية وذاتية تقابلان عند "جنيت" التبئير الداخلي.( ) وهكذا نستنتج أن موقف سعيد يقطين لم يأت بالجديد في، بل أكثر من ذلك قام بتعقيد مفهوم الرؤية بإدخال تفريعات وقيود قد تحتاج إلى تطبيقات من النصوص الروائية لإثبات مدى صلابتها النظرية.