يف تساهم كل من المدرسة والأسرة في تنشئة الأفراد وتنمية المجتمع ؟ - امحمد عليلوش
الكاتب/ أنفاس
أنفاس 1 - تقديم :
تعتبر المدرسة الوسيلة التي اصطنعها المجتمع بجانب الأسرة لنقل الحضارة ونشر الثقافة وتوجيه الأبناء الوجهة الاجتماعية الصحيحة كي يكتسبوا من العادات الفكرية والعاطفية والاجتماعية التي لا تساعدهم فحسب على التكيف الصحيح في المجتمع بل كذلك على التقدم بهذا المجتمع، فالمدرسة والأسرة هما إذن المؤسستان التي اصطنعها المجتمع للإشراف على العملية الاجتماعية.ولهذا فهما الوسيلتان التي من خلالهما يمرر الإنسان لأجيال المستقبل تجربته الماضية ثم مخططاته ومشروعاته المستقبلية والتي تدخل بشكل عام ضمن ما يسمى بالبرامج التربوية ، بشكل ضمني كما هو الشأن في كل أسرة ، أو بشكل مهيكل ومنظم كما في المدرسة ... لكن استقلال المؤسستين واختلاف طبيعتهما على مستوى التركيبة وكذلك الإمكانات ثم التسيير والتدبير ، جعلهما ( وفي نظر الكثير) يختلفان ولا يتعاونان بشكل مستمر لتحقيق الهدف الفعلي لكل واحدة منهما والذي هو في الأصل هدف مشترك . ولأن المجتمعات تختلف في تراثها الاجتماعي ونظمها السياسية والاقتصادية تبعا لاختلاف مناهجها الفسلفية العامة ورؤيتها للإنسان والحياة بصفة عامة، ولكل أفراد المجتمع رغبة أكيدة في الحفاظ على كيان مجتمع بما فيه من قيم وأساليب معيشة وهي القيم المستمدة من خبرتهم عن الأجيال وحياتهم الاجتماعية لذلك فهو يرى بقاءها واستمرارها من أجل بقاءه.
فالمدرسة والأسرة تعتبران المؤسستان التربويتان الأكثر أهمية بين بقية المؤسسات الأخرى، نظرا لدورهما الفعال في العمل الهادف والمنظم تبعا لأهداف المجتمع وفلسفته ككل. إذن فما هو هذا الدور ؟ وهل يمكن أن تكون هناك تربية صحيحة بدون مدارس ؟ وماهو دور الأسرة ؟ وما علاقة المدرسة بالأسرة ؟ وكيف تساهم كل من المدرسة والأسرة في تنمية المجتمع ؟ وفي التنشئة الاجتماعية للأفراد ؟
2 - مفهوم المدرسة :
يرجع أصل لفظ المدرسة école إلى الأصل اليوناني schole والذي يقصد به وقت الفراغ الذي يقضيه الناس مع زملائهم أو لتثقيف الذهن[1]. فتطور هذا اللفظ بعد ذلك ليشير إلى التكوين الذي يعطى في شكل جماعي مؤسسي ، أو إلى المكان الذي يتم فيه التعليم ، ليصبح لفظ المدرسة يفيد حاليا تلك المؤسسة الاجتماعية التي توكل إليها مهمة التربية الحسية والفكرية والأخلاقية للأطفال والمراهقين في شكل يطابق متطلبات المكان والزمان...
أما مفهوم المدرسة بالتحديد فقد ظهر اثر الانتقال الذي عرفه الفعل التربوي من مهمة تتكلف بها الأسرة إلى مهمة عمومية وذلك في المرحلة الهيلينية [2] . لتصبح المدرسة تلك المؤسسة العمومية التي يعهد إليها دور التنشئة الاجتماعية للأفراد وفق منهاج وبرنامج يحددهما المجتمع حسب فلسفته...والمدرسة بشكل عام مؤسسة عمومية أو خاصة ، تخضع لضوابط محددة ، تهدف من خلالها إلى تنظيم فاعلية العنصر البشري، بحيث تنتج وتفعل وفق إطار منظم يضبط مهام كل فئة ، ويجعلها تقوم بعملها الخاص لكي يصب في الإطار العام ويحقق الأهداف والغايات والمرامي المرغوبة منه.
فالمدرسة هي السبيل الوحيد الذي يلج إليه الأطفال منذ صغرهم ، بعد الأسرة التي تمثل المدرسة الأولى، إلى أن يلتحقوا بسوق الشغل وبالتالي فهي بمثابة معمل لتكوين الموارد البشرية ، وهي كذلك فضاء يلتقي فيه الأطفال والراشدون حيث توفر لهم فرص التفاعل فيما بينهم ، غير أنها ليست سوى مؤسسة اجتماعية من بين المؤسسات الأخرى ، وقد تدعي لنفسها الانغلاق على الذات بدعوى نظمها وقوانينها ، غير أن هذا الانغلاق ظاهري فقط لأنها تعكس مختلف التيارات الاجتماعية بكيفية شعورية أو لا شعورية ، ولكنها تعمد إلى تربية وتكوين والجيها وفق الثقافة التي تمثلها كمؤسسة مدرسية ، انها تبعا لهذا تشكل عامل توحيد ، عامل لم وجمع مختلف الطبقات الاجتماعية وصهر أفكارها وبلورتها بقدر الإمكان عبر خطابها التربوي.
3- وظائف المدرسة :
تلعب المدرسة كمؤسسة اجتماعية بجانب الأسرة ، عدة ادوار لها وزنها التاريخي ، وتتميز بوظائفها عن باقي المؤسسات الأخرى لأنها تلامس مختلف جوانب الإنسان وذلك لأنسنته وجعله ذلك الكائن الذي يعرف ذاته أولا ثم يكتشف الأخر ثانيا . وإذا ما نظرنا إلى هذه الوظائف نجدها متعددة ومتشعبة نظرا لتعدد أغراض وأهداف الكائن البشري فمنها ما هو تربوي وتعليمي ثم إداري، اجتماعي وأمني ، تكويني وإيديولوجي ، إرشادي وتوجيهي ، ثقافي إشعاعي ، تواصلي اقتصادي...وتتجلى كذلك مهمة المدرسة والأسرة في التأثير على سلوك الأفراد تأثيرا منظما يرسمه لهما المجتمع، والمدرسة من حيث هي كذلك تنصب وظيفتها الرئيسية على سلوك الناشئة، ويقاس مدى تحقيقها لوظيفتها بمدى التغيير الذي تنجح في تحقيقه في سلوك أبناءها ومن ثم كان ضروريا أن ينظر إليها نظرة شمولية كنظرتنا نحو المجتمع برمته وأن تكون في مقدمة كل سياسة إصلاحية للمجتمع وأن ينظر إليها كمرجعية لكل تغيير أو تغير قد تعرفه باقي القطاعات والجوانب الأخرى لحياة الفرد ... فالمدرسة في أساسها مؤسسة اجتماعية أنشأها المجتمع لإشراف على عملية التنشئة الاجتماعية ولذلك فإن أي تصور لهذه المؤسسة يجب أن يراجع داخل إطار هذا التصور الاجتماعي ولاشك أن هذا التصور الأساسي يملي دراسة علاقة المتعلم بغيره من المتعلمين وعلاقة المتعلم بالمدرسين وعلاقة المتعلم بالإدارة التربوية و بالتنظيم العام في المدرسة من حيث أنها الإطار الاجتماعي التي لها علاقة بما تحتويه من عناصر بشرية وما يوجد خارجها من تنظيمات اجتماعية أخرى بما فيها الأسرة. وبشكل عام يمكن القول بان المدرسة هي المؤسسة التي بفضلها يكتشف الفرد ذاته ومجتمعه ومن خلالها وعبرها يجب الخروج إليه، وهنا يمكن الإشارة إلى ابرز وظائف المدرسة على الشكل التالي :
أ ) الوظيفة التعليمية التكوينية:
في إطار هذه الوظيفة تقوم المدرسة بتعليم الأطفال القراءة والكتابة والحساب مع إكسابهم وتلقينهم المعارف الدينية والتاريخية والأدبية والعلمية واللغوية ، عبر برامج ومقررات محددة حسب مختلف المواد المخصصة لكل مستوى وبشكل تدريجي ابتداء من التعليم الأولي إلى التعليم العالي مرورا بالأساسي والإعدادي والثانوي . كما تسعى المدرسة خلال كل مرحلة تعليمية تحقيق وإكساب التلاميذ كفايات تواصلية ، استراتيجية، منهجية ، تكنولوجية وثقافية ؛ وقيم ترتبط بالعقيدة وبالهوية الحضارية وبثقافة حقوق الإنسان والمبادئ الكونية . وتهدف المدرسة بشكل عام خلال هذه الوظيفة تعليم وتكوين الفرد بشكل يجعله مندمجا في الحياة العامة ومتفتحا على الأخر .لكن من خلال التجارب السابقة والحالية يلاحظ ان المدرسة قد انحرفت عن سكتها التعليمية والتربوية نظرا لصعوبة هذه الوظيفتين وكذلك لعدم توفر الشروط الضرورية للأعداد والتكوين العلمي والمهاري والمنهجي ، ولعدم توفر شروط التأهل للاندماج في الحياة الاجتماعية . فالمدرسة اليوم وجدت نفسها في حرج وأمام منافسة شديدة ولازدياد تطور الفنون المعرفية الأخرى ، وتأثير الصورة بشكل خاص . وبذلك لم تعد المدرسة تحتل نفس المكانة السابقة (بجانب المؤسسة الدينية) التي كانت تحتلها من حيث السلطة والاحتكار المعرفي ، ولأن تطور وسائل الاتصال والإعلام وظهور الكومبيوتر و شبكة الانترنيت بمختلف برامجها وأنظمتها ، مع انتشار التعليم المبرمج والتعليم عن بعد والقنوات التعليمية ...كله هذا ما زعزع مكانة المدرسة وجعل قيمتها في تدهور مستمر ، وهذا له اثر بليغ على المتعلمين وبالتالي على المجتمع ومستقبله .فالمجتمعات التي أدركت هذا التغير الذي وقع على القنوات المعرفية وعلى المدارس ، تمكنت من مسايرة المنافسة التي تواجهها المدرسة فتربط كل جديد بالمدرسة مما جعل هذه الأخيرة لم تحس يوما ما بزعزعة وظيفتها التعليمية والتكوينية ، فتقدم البحث العلمي وتوفير التراكم العلمي الجيد يمكن المجتمعات من تحديد ملامح وحاجات ورغبات واهتمامات وميولات أطفالها ، وبالتالي انسجام كل سياسة تعليمية مع ظروف الواقع الذي يتطور بسرعة ، عكس المدرسة المغربية التي مازالت ذات طابع تقليدي سواء في طرق التدريس أو على مستوى الوسائل الديداكتيكية وحتى الجانب المعرفي والمنهجي ، مما جعلها تفقد مكانتها في حلبة الصراع التعليمي والتربوي .فواقع المدارس المغربية اليوم يؤكد هذا الطرح : فعدم تطور البنيات المدرسية بشكل يوازي ارتفاع نسبة التمدرس ، فنجم عن ذلك اكتظاظ مهول بالأقسام ( قد وصل إلى 54 تلميذ في القسم الواحد أما قسم 40 تلميذ فقد أصبح عاديا ) إضافة إلى نقص في التجهيزات وأطر التدريس ، أما ما زاد الطين بلة هي تلك الخريطة التربوية التي تحدد لكل أستاذ عدد التلاميذ الذين سيشملهم التكرار كما تحرص على أن تكون نسبة النجاح مرتفعة وأن تفوق في غالب الأحيان ما يزيد عن 90°/° (خاصة في التعليم الابتدائي الذي يعتبر الركيزة الأساسية ) وهذا ما ينتج لنا تلاميذ لا يعرفون القراءة والكتابة رغم أنهم في مستويات دراسية عالية (السادسة أو السابعة وحتى التاسعة ...) وذلك بسبب تراكم أخطاء الخريطة المدرسية . فكثرة نسبة التلاميذ في القسم الواحد وارتفاع نسبة الذين يعانون من التخلف الدراسي يشكل مشكلا وعائقا تربويا كبيرا على التواصل والتفاهم بين المدرس و التلاميذ .
ب ) الوظيفة التربوية :
بجانب الوظيفة التعليمية والتكوينية فان للمدرسة وظيفة أساسية وشاملة استمدتها من الأسرة تتجلى في تربية الأطفال تربية تجعلهم يحترمون مجتمعاتهم ويندمجون مع مختلف المؤسسات الاجتماعية الأخرى ، وبفضلها يكتسبون قيم إنسانية وهوياتية تتأقلم مع متطلبات المجتمع ، وبفضل الفلسفة التربوية التي تنهجها المدرسة كمؤسسة عمومية يمكن للمجتمع التطور والسير نحو ما هو أفضل أو العكس الإصابة بالركود والتخبط في مشاكل جمة .
فصلاح المجتمع ينطلق من صلاح المدرسة وكل خطأ يرتكب داخل جدران هذا الحقل سيكون له اثر بليغ على مستقبل الدولة برمتها ، فعلاقة المدرسة بالمجتمع علاقة الأم بابنها ، وعلاقة السائق بسيارته وعلاقة القائد بجماعته ، فالمدرسة هي مقود التطور والتقدم ومفتاح التغيير ، وعبر المدرسة يمكن كذلك ان نصنع مجتمعا متخلفا ومجتمعا مسالما كما نريد .ولهذا فعندما نتحدث عن إصلاح التعليم وبالتالي المدرسة ، علينا أن ننظر إلى مستقبل الأمة وماذا نريد فعلا من مجتمعنا ؟ هل نريده مجتمعا متقدما ؟ ديمقراطيا ؟ متفتحا ؟ يحب وطنه ؟ غيور عليه ؟ يعتز بهويته ؟ قد يدفع ثمن حياته دفاعا عن وطنه ؟ أم مجتمعا متخلفا لا يحب وطنه ؟ و لايعير أي اهتمام لنفسه و لا لوطنه ؟ مجتمعا متفاوتا في كل المستويات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية ؟ وحتى من حيث الملكية والمواقع الجغرافية ؟
ان المدرسة هي الحل الوحيد والباب الأول الذي يمكن من خلاله ان نفبرك فردا ثم أسرة وبالتالي مجتمعا كاملا ، فداخل المدرسة نجد كل الأطفال ينحدرون من كل الأسر كسفراء لها ، وهم الذين سيصبحون رجال الغد .فإذا قمنا بتربيتهم بشكل جيد وعلى تربية مستقبلية لأنهم خلقوا لزمن غير زماننا ، نضمن مجتمعا منسجما ومتقدما . عكس ما وجدناه وما نجده داخل المدرسة المغربية، التي تتخبط في أزمات متتالية ومستمرة وبالتالي تحصد خسائر جسيمة لا يمكن للمجتمع المغربي تفاديها ولو بالقروض الدولية.فهي خسارة تربوية ترسخت في شخصية الفرد المغربي الذي يفضل الهجرة والموت في البحر عن الصمود والنضال من اجل الإصلاح التام ، شخصية الفرد المغربي الذي لا يعرف النظام بل لا يحبه ، ويفضل الفوضى أحيانا عن احترام القوانين ، الفرد المغربي الذي لا يميز بين الواجب والحق . الفرد المغربي الذي يفضل أن يتمتع بجنسية أجنبية عوض جنسيته الأصلية... إنها حقائق مرة وواقعية لا يمكن تنكرها أو جهلها ، فكل فرد وطئت قدمه المدرسة تجده يحس بمرارة الواقع المغربي وبأزمة التعليم بالخصوص .
ت ) الوظيفة الإيديولوجية :
لقد تبين لنا من خلال الممارسة الميدانية وكذلك من خلال الفلسفة التربوية التي تتبعها كل دولة اتجاه مدارسها، أن للمدرسة وظيفة أخرى تكتسي طابعا إيديولوجيا لكونها تعتبر أداة للإدماج وقنطرة تمرر من خلالها الدولة سياساتها الأمنية وهي أداة لهيمنة الوظيفة الرسمية لنقل المعارف ... وهي كما قال السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو في كتاب مع باسرون : إعادة الإنتاج la reproduction ، أداة لإعادة إنتاج الثقافة والنظام السائد ، وهي جهاز إيديولوجي مهمته نقل وترسيخ أفكاره المهيمنة وذلك لإعادة إنتاج تقسيمات المجتمع الرأسمالي وجعل النخبوية عملا مشروعا ، وبالتالي إعادة إنتاج القيم والعلاقات الاجتماعية السائدة . وهكذا فالنظام التربوي في نظر بورديو يشكل عنفا رمزيا قصدي لكنه مفروضا من طرف سلطة ذات نسق ثقافي سائد ، وهكذا فالوظيفة الإيديولوجية للمدرسة تتجلى في كونها مؤسسة للترويض الاجتماعي وإعادة إنتاج نفس أنماط الفكر والسلوك المرغوب فيهما من طرف المجتمع .
إن للمدرسة عدة وظائف رئيسية يرتبط بعضها ببعض خاصة في عصرنا الحاضر الذي يمتاز بالتغييرات الإجتماعية السريعة والتقدم المطرد في ميدان العلم والاختراع، والتشابك المتزايد في أساليب المعيشة وعادات الناس وتقاليدهم ،إلا أن المدرسة الوطنية التي تضع مهمة التربية والتعليم في مقدمة أولوياتها، تحاول التوفيق بين مختلف الوظائف دون أن تطغى وظيفة على أخرى وأن تضع مستقبل المجتمع برمته كغاية كبرى. ولهذا فنجد أن من ابرز الأدوار التي يجب على المدرسة ، ان تقوم بها سعيا لتحقيق أهدافها كمؤسسة تربوية واجتماعية نجد [3] :
1- نقل الثرات الثقافي: إن تحليل معنى المجتمع والثقافة وعلاقة الشخصية بهما يبرز لنا أهمية العملية الاجتماعية التي تنتقل بها آداب السلوك العامة والقيم والمعاني والأنماط الثقافية من جيل إلى جيل. وطبيعة الحياة الاجتماعية للأفراد من حيث الاختلاف في أعمارهم واختفاء بعضهم وظهور بعضهم الآخر يجعل عملية النقل عملية اجتماعية ضرورية لاستمرار النضج الاجتماعي.
غير أن هذه العملية ليست آلية، فالمجتمعات المتمدنة قد تسير إلى الوراء إن لم تبدل جهودا حقيقية في سبيل نقل التراث الثقافي من جيل إلى جيل. لهذا يبدو أن الحاجة إلى التعليم أمر بديهي في المجتمعات لاستمرار وجودها وتطورها. فالناس يعيشون في جماعة بفضل ما يشتركون فيه من أشياء عامة وبفضل عملية الاتصال والنقل التي يحصلون بها على الأشياء المشتركة العامة التي تجعل منهم جماعة، وهذه الأشياء المشتركة العامة هي الأهداف والمعتقدات والآمال والمعارف والمفاهيم المشتركة، وهذه كلها تساعد على إيجاد عقلية متشابهة بين أفراد الجماعة لأن النقل والإيصال الذي يتضمن مشاركة الأفراد في تفهم مشترط هو الذي يحقق اتجاهات عقلية وانفعالية متشابهة. أي طريقة متشابهة للاستجابة لتوقعات الحياة ومطالبها.
إن قيم المجتمع على التماسك في إطار أهداف مشتركة يعني هذا أكثر من التعاون بهم، وفهم متطلباتهم وحاجاتهم ومساعدتهم على فهم أعراضه وحاجاته، ومعنى هذا كله ضرورة توافر ما نسميه "بالإجماع" الذي لا يمكن وجوده إلا عن طريق عمليات النقل والاتصال الاجتماعي. فعملية النقل قد تتم بطريقة واعية الذي نعمله ويمكنه عن طريقها أن يواجه مواقف الحياة على أساس من التبصر والمعرفة وتزويده بما يلزم من المواقف المختلفة من معارف ومهارات سبق أن تثبت صحتها من خبرات أجيال أخرى. وقد تتم هذه العملية بالضغط الاجتماعي أو الدعاية أو بأي نوع آخر من التعليم، ولهذا فإن المدرسة وبجانبها مختلف المؤسسات المكلفة بالتربية ، تواجه عدة مشكلات لقيامها بهذه الوظيفة. ومن الأمور التي ينبغي مراعاتها بالنسبة لهذه الوظيفة هي اختيار الجوانب التي لها قيمة في التراث الاجتماعي بالنسبة للشخص وكذلك اختبار العناصر التي تضمن تكاملا في اتجاهات الفرد ومفاهيمه.
2- التبسيط: لما كانت المدينة الحديثة (الحضارة) تمتاز بالتعقيد فإن من العسير أن تنتقل عناصرها إلى الصغار الناشئين، لهذا فعلى المدارس تقسيمها إلى أقسام وتصنيفها وتبسيطها. ووظيفة المدرسة التربوية هي ان توفر بيئة مبسطة تناسب أعمار التلاميذ واستعداداتهم فتختار العناصر الأساسية التي يتمكنون من الاستجابة إليها وتنظم برامجها بحيث تزودهم خلال أطوار نموهم المختلفة بالمعارف والمهارات التي تزيد من بصرهم في مواقف الحياة.
3- الانتقاد والاختبار: من وظائف التربية والمدرسة ان تختار بين الاتجاهات والقيم والعادات والمعارف التي توجد في المجتمعات على أساس التمييز بين المرغوب فيه وغير المرغوب فيه ذلك ان كل مجتمع يتضمن الكثير من العناصر المختلفة والأفكار المتنوعة والقيم المتعارضة، ولما كانت المدرسة هي أداة المجتمع في تنمية اتجاهات وقيم مرغوب فيها في ضوء أهداف معينة كان من وظيفتها القيام بتدعيم الجيد من العناصر والقيم وتزويد الصغار الناشئين بها لمواجهة مواقف حياتهم في بيئتهم الاجتماعية، وكلما ارتقى المجتمع وتعددت مصالحه أدرك أمامه مسؤولية مزدوجة:
الأولى: العمل على نقل العناصر الطيبة في تراث وما حققته الأجيال السابقة.
الثانية: استخدام العناصر الجيدة الملقاة لبناء مستقبل أفضل.
4- الاقتصاد الثقافي: المدرسة في هذا العصر تجد نفسها أمام وظيفة جديدة تفرضها عليها طبيعة التغييرات الجدرية التي يتميز بها هذا العصر. فقد تراكم التراث الثقافي بشكل لم يسبق له مثيل، واتسع نطاقه باتساع نطاق الخبرات الإنسانية وتشابكها وسهولة انتقال نتائجها وتفرع فروع المعرفة المختلفة. وليس معنى الاقتصاد الثقافي اختزال التراث الثقافي لسهولة نقله والاقتصار على جانب منه دون جوانب أخرى، بل أنه يعني الاختيار والتمييز بين العناصر القديمة والجديدة وتحقيق التكامل السليم بين فروع المعرفة، مع جعل هذا الرصيد بعد ذلك سهلة التناول. وعلى هذا فالمدرسة مطالبة لقيامها هذه الوظيفة بابتكار الوسائل والأساليب الجديدة وتنظيم المادة الدراسية وتقديمها وتوصيلها للناشئين.
5- التماسك الاجتماعي وتدويب الفوارق بين الطبقات: ومن الوظائف الاجتماعية للمدرسة (عكس الوظيفة الإيديولوجية المعتمدة ) إيجاد حالة من التوازن بين عناصر البيئة الاجتماعية، وذلك بأن تتبع المدرسة لكل فرد الفرصة لتحرير من قيود طبقته الاجتماعية التي ولد فيها وأن يكون أكثر اتصالا وتفاعلا مع بيئته الشاملة، ذلك أن المجتمع الحديث يتضمن في الواقع جماعات كثيرة وهناك أيضا الطبقات الاجتماعية والمذاهب الدينية ولكنها تتفاوت في العادات والتقاليد والآمال والقيم بين أفراد المجتمع الواحد وكل هذه الطبقات لها تأثير على اتجاهات الأطفال الناشئين.
6- تنمية أنماط اجتماعية جديدة: إن أول خطوة لتحقيق المدرسة لهذه الوظيفة هي تنمية الوعي بين الأطفال والشباب بالفرق بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، وتتطلب هذه الوظيفة أساسا مبنيا وافرا من المعرفة ومن المعلومات عن الوسائل الاجتماعية الأخرى المختلفة، وتكوين اتجاهات علمية جديدة متحررة من التعصب والجمود لتقويم هذه المعارك واستنباط أساليب ومفاهيم جديدة تكون أساسا لتصور مستقبلي فعال.
7- تنمية الإطار القومي: فالمدرسة بطبيعتها الاجتماعية والخلقية تحمل دائما في الإطار القومي والذي منه تستمد فلسفتها واتجاهاتها والتي على ضوئه ينبغي أن تختار خبراتها التعليمية التي تعني المواطنين الناشئين. فعلى المدرسة أن تحافظ على الإطار القومي كما عليها أن تساهم في تطوير هذا الإطار وتنميته لإخضاعه للدراسة والفكر في ضوء ما يشهده المجتمع من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية.
8- الابتكار والخلق: إذا كانت نقطة البداية للمدرسة هي الإنسان: الفرد. فإن موضوعها هو طبيعة الفرد من حيث نموه، فطبيعة الفرد ليست ثابتة محددة بعوامل بيئية ثابتة أو أنها فطرية تحكمها عوامل غريزية جامدة، وإنما هي طبيعة مرنة متكاملة في تفاعلها. ووظيفة المدرسة هي أن تمكن الفرد من الخروج عند حدود جماعته الأولية إلى حدود الجماعات الكبيرة مع قوة في تغيير هذه الجماعة والإضافة إليها والمشاركة فيها مشاركة ايجابية وذلك بفكر خلاق ومبدع في ثقافته وبيئته. وقد تعد هذه الوظيفة أعلى وظائف التربية المدرسية خاصة في المجتمعات التي تعيش تغيرات سريعة تحتاج من الأفراد خلقا وإبداعا وابتكارا وتجديدا في أساليب حياتهم.
4 - مفهوم الأسرة ووظائفها :
تعتبر الأسرة من أولى الحاجات الطبيعية التي يلجأ إليها الإنسان ، ولضرورتها الطبيعية لاستمرار الجنس البشري وكذلك لتوفير الأمن والحماية الضروريين ، فان الكائن البشري يعمل بشكل تلقائي على إنشاء الأسرة ، ونظرا لأهمية الأسرة كمكون اجتماعي ، وكأول اجتماع تدعو إليه الطبيعة كما أكد الفيلسوف أرسطو ، فقد تعددت التعاريف التي أشار إليها العلماء بمختلف تخصصاتهم من السوسيولوجيا والانتربولوجيا وحتى في ميدان التربية وندرج هنا بعض التعاريف كنماذج:
- تعريف لوك Lock.H : الأسرة جماعة من الأفراد تربط بينهم رابطة الدم أو التبني ، ويعيشون في منزل مستقل ، ويتواصلون فيما بينهم عبر تفاعل مستمر ، كما يؤدون أدوارا اجتماعية خاصة بكل واحد منهم ، باعتباره زوجا أو ابنا أو ابنة أو أما أو أختا بحيث يتكون نتيجة ذلك ثقافة مشتركة .[4]
- تعريف ليتري Littré : تتكون الأسرة من مجموعة أشخاص يحملون الفصيلة الدموية نفسها ، ويعيشون تحت سقف واحد ، كما تتكون بوجه خاص من أب وأم وأطفال .[5]
- الأسرة مجموعة اجتماعية تربط بينها روابط القرابة أو الزواج ، وهي شكل اجتماعي له وجود في كل المجتمعات البشرية . وتقوم الأسرة ، من الوجهة النظرية ، بتوفير الحماية والأمن والتنشئة الاجتماعية لأعضائها .هذا ، وتختلف بنية الأسرة ونوع الحاجات التي تشبعها لأفرادها باختلاف المجتمعات وباختلاف المراحل التاريخية .[6]
كما يستخدم مفهوم الأسرة كذلك للدلالة على الخصائص البنيوية والوظيفية والنشاطات الاجتماعية التي تتم في رحاب وحدة ترابية وسكنية واقتصادية ومعايشة تشمل الزوج والزوجة والأولاد غير المتزوجين عكس العائلة الذي يشير إلى وحدة في القرابة تشمل الأصول والفروع التي ترتبط بنسب الأب سواء في شكلها الممتد أو شكلها المركب .
أما عن وظائف الأسرة فهي أولا المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل لغة أمه والمشي وبعض الأخلاق والقيم ، ومن خلال أسرته يكتشف نفسه ومحيطه ، فهي التي تمنحه الهوية والأمان والحنان .وبالتالي فهي تلعب نفس وظائف المدرسة كلها بالإضافة إلى كونها المسؤول الأول والأخير لنجاح تنشئة الفرد ، وكما قلنا في التعريف بأنها الرحم الاجتماعي للطفل والتي يعود إليه الطفل لتضميد كل جراحه التي قد يسببها العالم الخارجي بسبب المعانات والضغوطات . ومن هنا فالأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع وهي المسؤولة عن قوة أو ضعف البنية المجتمعية العامة ، لكونها تقوم بوظيفة الأمن لأفرادها ووظيفة التضامن بينهم ووظيفة التكوين والتنشئة الاجتماعية ، ووظيفة المراقبة والتربية...فهي بالتالي مؤسسة شمولية تؤدي مختلف الأدوار ، إلا أن الوضع في الوقت الراهن قد تقلصت فيه هذه الوظائف ومعها مسؤوليات الأسرة فتحولت بذلك هذه الأخيرة من مركز دائرة التربية إلى عنصر أو طرف مشارك في العمل التربوي. وبسبب هذا الانتقال في الدور جعل الأسرة تفقد توازنها وصدارتها الاجتماعية.مما فرض عليها أن تعيد النظر في علاقاتها مع مختلف الأطراف المشاركة في العمل التربوي من مدرسة وشارع ووسائل الإعلام .
5 - مفهوما التنمية و التنشئة الاجتماعية.
أ - مفهوم التنمية :
لقد نشأ مفهوم التنمية وترعرع في الغرب سواء عن طريق سوسيولوجيا الغرب أو عن طريق الهيأت الدولية ، وهذه النشأة بطبيعة الحال لا تخلو من إيديولوجية ، حيث جميع المصطلحات المستعملة ونوعية ميادين التنمية لها منحى خاص من وراءها أغراض إيديولوجية تحركها .ولقد ظهر مفهوم التنمية لأول مرة في بريطانيا مثلا سنة 1944 ، وذلك في تقرير اللجنة الاستشارية للتعليم ، و صدر أول تعريف منظم لتنمية المجتمع خلال مؤتمر " كامبردج" الصيفي حول الإدارة الإفريقية سنة 1948 . وقد عرفت التنمية بأنها " حركة تستهدف تحقيق حياة أحسن للمجتمع المحلي نفسه من خلال المشاركة الايجابية للأهالي ، وإذا أمكن من خلال مبادرة المجتمع المحلي " . وفي سنة 1954 تبنى مؤتمر " استردج" للتنمية الاجتماعية الصيغة العامة للتعريف السابق أي أن التنمية الاجتماعية هي " حركة مصححة لتحقيق حياة أحسن للمجتمع ككل عن طريق المشاركة الفعالة ..." .
وهكذا فقد ظهرت فكرة تنمية المجتمع لأول مرة في الوكالات والمجالس المتخصصة داخل الأمم المتحدة في دراسة منظمة سنة 1950. واتخذ المجلس الاقتصادي والاجتماعي في شهر مايو 1955 قرارا باعتبار منهج المجتمع وسيلة للتقدم الاجتماعي في المجتمعات النامية والمتخلفة. وصدر أول كتاب يعرف هذا المفهوم في أول دراسة منتظمة سنة 1955 وهو تعريف يذهب الى أن عملية التنمية للمجتمع هي العملية المصممة لخلق ظروف التقدم الاجتماعي والاقتصادي معا في المجتمع عن طريق مشاركة الأهالي ايجابيا في هذه العملية. ليأتي بعد ذلك تعريف ثاني سنة 1956 حيث أن تنمية المجتمع هي تلك العملية التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية ولمساعدتها على الاندماج في حياة الأمة والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر .
وما يمكن استنتاجه من التعريفين هو انه يشيران إلى افتراض أن المجتمعات المحلية تحتوي على طاقات بشرية تحتاج إلى التنظيم والتوجيه من جهة ثم أن هناك إمكانيات مادية تحتاج إلى التنظيم والاستثمار من جهة أخرى .كما يركز التعريفان على ضرورة المساعدة الذاتية وكذلك على عدم قدرة المجتمعات المحلية تحمل ثقل كافة عملية التنمية .
وإذا ما عدنا إلى تعريف التنمية ، فانه كما قلنا يوجد اختلاف بين العلماء حسب نظرتهم الى هذا المفهوم . فنجد مثلا روستوف Rostow يعرف التنمية بأنها عملية تخلي المجتمعات المتخلفة على السمات التقليدية السائدة فيها والتبني للخصائص السائدة في المجتمعات المتقدمة . أما عبد المنعم شوقي فيقول : " إن عملية التنمية هي ذلك الشكل المعقد من الإجراءات والعمليات المتتالية ... التي يقوم بها الإنسان في مجتمع ما من خلال عمل تغيير مقصود وموجه يهدف إلى إشباع حاجة." وبالنسبة لكارل ماركس : " فالتنمية هي تلك العملية الثورية التي تتضمن تغييرات جديدة جذرية وشاملة في البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى القانونية زيادة الى نمط الحياة وأساليب العيش والقيم الثقافية ." وهنا يؤكد كارل ماركس كذلك أن البلدان الأكثر تقدما من الناحية الصناعية تمثل المستقبل الخاص بالنسبة للبلدان الأقل تقدما . ويقول سميلسرSmelser : إن التحديث والتنمية هي عملية تتضمن عدة تحولات في متغيرات الحياة مثل التكنولوجيا وذلك عن طريق تقدم هذا الميدان وتعقيده أكثر ...والسكان عن طريق التمدن والتحضر والزراعة بالمزيد من المنتوجات التجارية وعلى صعيد الأسرة ثم الدين بمزيد من العلمانية ." أما بالدوينBaldwin فان عملية التنمية لديه تحتاج إلى توفير معدلات عالية من النمو في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .
وبشكل عام فان مفهوم التنمية مفهوم شاسع ويختلف الباحثين في تعريفه ، ولكن ما لا يمكن نفيه أن هذه العملية هي عملية معقدة متشعبة الجوانب ، تضم الجانب الاقتصادي ، الاجتماعي ، السياسي والثقافي . والمفهوم العام لهذه العملية هو أنها مجموعة من العمليات المخططة والموجهة لتحقيق التغيير الجدري في المجتمع ، وذلك لتحسين الظروف الاجتماعية ، الاقتصادية ، السياسية والثقافية لأفراد المجتمع.
ب- مفهوم التنشئة الاجتماعية:
يعتبر مفهوم التنشئة الاجتماعية من المفاهيم التي لا يمكن تحديده بدقة ، ولكن يمكن النظر إليه كغاية يسعى كل مجتمع تحقيقها لدى كل فرد ينتمي إلى هذا المجتمع. فكلمة التنشئة قد تدل على التربية الشاملة والتكوين وتمكن الفرد من استدماج (Intégration ) أنماط سلوكية وعادات ومعايير ودلالات وقيم ، عندما يقيم العلاقة بين فئة من الفاعلين من جهة ومجموعة من الأفعال من جهة ثانية.أما الاجتماعية فهي إعطاء الصبغة الاجتماعية للتنشئة وبالتالي أن تنطلق من المجتمع وتعود لخدمته مرة أخرى ، ولهذا يمكن القول أن التنشئة الاجتماعية بمثابة مشروع اجتماعي تهيمن عليه مجموعة من القيم والمعايير والنظم ، والهدف منه خلق علاقات بين الأفراد المكونة للمجتمع لتسهيل دمجها داخل هذا المجتمع .ويعرف الباحث مصطفى حدية التنشئة الاجتماعية في كتابه "سيرورة التنشئة الاجتماعية في الوسط الحضري بالمغرب" بأنها : "تلك السيرورة المستقرة من التغيرات التي تطرأ على الفرد في مختلف مراحل حياته وتهدف إلى إدماجه جزئيا أو كليا داخل المجتمع ." ويعني بها كذلك عملية اكتساب القيم والمعايير والتمثلات الاجتماعية ...عن طريق آلية الإدماج ولغرض تحقيق تكيف الفرد مع سياق اجتماعي يتسم بالدينامية والتغير .[7]
وهنا يمكن التمييز بين تنشئة اجتماعية أولية وتنشئة اجتماعية ثانوية حسب تعبير كل من بيرجي Berger ولوكمان Luckman [8] ، حيث بفضل التنشئة الأولية يصير الفرد عضوا في المجتمع ، وتتم بالدرجة الأولى داخل الأسرة وفي البنيات الاجتماعية الصغرى التي يتيحها الوسط الاجتماعي . كما تعتبر القاعدة الأساسية التي يجب على التنشئة الثانوية أن تتبعها لتكون فعالة. ولكون هذه الأخيرة تشمل كل السيرورات اللاحقة التي بفضلها يتعرف الفرد على مجالات جديدة من العالم الموضوعي بعد أن صار اجتماعيا بفضل التنشئة الأولية[9].وهنا يمكن القول بان الأسرة والمدرسة (خاصة التعليم الأساسي) يشكلان ويعتبران مؤسسات للتنشئة الأولية ومنهما ينطلق الفرد ويكتسب القواعد الأولية التي تمكنه من الاندماج والانفتاح في وعلى المجتمع .فما هي إذن علاقة المدرسة بالأسرة ؟
6 - المدرسة والأسرة : أية علاقة ؟
إذا كان الدور الاجتماعي لكل من المدرسة والأسرة يتجلى في التنشئة الاجتماعية للأفراد عن طريق التربية فان علاقتهما يجب أن تنطلق من هذا المنظور الأساسي.وعلاقة الأسرة بالمدرسة لا يجب أن تبقى علاقة سطحية تتجلى أساسا في أن الأسرة هي التي تزود المدرسة بالمادة الأولية أي التلميذ وبالتالي فعملية الإنتاج (أي التربية) كلها على عاتق المدرسة، بل يجب أن تكون علاقة شاملة تنبني على أنهما شريكان في عملية الإنتاج وفي التوزيع وفي الرأسمال وبالتالي شريكان في الربح وفي الخسارة في حالة حدوثها . و بالرغم من التغييرات التي تحدث في الأسرة والمجتمعات الحديثة فهي مازالت إحدى المؤسسات ذات الأثر البعيد في المجتمع ففي المنزل يتعلم الطفل اللغة ويكتسب بعض الاجتهادات ويكون رأيه عن ما هو صحيح أو خاطئ. والنواة الأولى للطفل هي النواة التكوينية لحياته وأثرها يلازم الطفل حتى يدخل إلى المدرسة لذلك فتربية المدرسة هي امتداد لتربية الطفل في المنزل. وقد أوضحت عدة دراسات أجريت لمعرفة أثر المنزل على نمو سلوك الطفل حيث أن كثيرا من مظاهر سلوك الفرد ما هو إلا انعكاس لحياته المنزلية كنظافة المنزل مثلا تنعكس على مظهر وملبس الطفل وعلامات الكلام عن الوالدين.
وإذا كان تأثير المنزل على تنشئة الفرد يظهر عليه ، فإن على المدرسة واجب معرفة البيئة المنزلية للطفل حتى يمكنها إدراك العوامل المختلفة المتداخلة في شخصيته. كما أنها لا يمكن أن تستثمر في عملها التربوي ما لم يتعاون الآباء معها عن طريق أمدادها بالمعلومات المختلفة عن مميزات الطفل وحاجاته ...الخ ومن هنا يمكن القول أن المدرسة والأسرة كمؤسستين للتنشئة الاجتماعية للأطفال ، يوجدان في وضعية المنافسة مع بقية المؤسسات التي يقبل عليها الأطفال مثل التلفاز وشبكة الانترنيت والشارع ، وبالتالي وجب عليهما تظافرالجهود والتنسيق بشكل معقلن لمواجهة تلك المنافسة الشرسة . كما يجب علينا أن ننظر إلى المدرسة والأسرة بأنهما الوسيلتان الأساسيتان لتحقيق تنشئة اجتماعية جيدة للفرد وبالتالي بواسطتهما يمكن ضمان تنمية المجتمع بفضل تلك المكتسبات والكفايات التي تم غرسها في الفرد بفضل كل من الآسرة والمدرسة .فكل إصلاح تربوي وجب عليه أن ينطلق من هاتين المؤسستين الاجتماعيتين وبشكل موازي للتطور والتغير الذي يقع على المجتمع .ولكونهما من سيضمن لنا تنمية بشرية مستدامة .
7 - الخاتمة :
إن علاقة المدرسة بالأسرة يجب أن ترتكز على مبادئ التواصل والتفاعل المتبادل والشراكة الفعالة ، مع تسخير كل الإمكانيات والوسائل والسبل الكفيلة لتفعيل هذه العلاقة على مستوى التطبيق والممارسة . وتبقى المدرسة هي التي يجب عليها أن تخطو الخطوة الأولى نحو هذا الانفتاح وعليها أن تعمل جاهدة على جعل الأسرة تلتحق بها وتشاركها هموم عملها ، كما يجب عليها أن تنفتح أيضا على باقي مكونات المحيط وذلك بتفعيل جميع الإجراءات التشريعية والقانونية التي تمكنها من تحقيق هذا الانفتاح ، كما جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مجال الشراكة والتمويل وكذلك في مختلف المجالس التي تحدثها المؤسسة من مجلس التدبير الذي يشارك فيه ممثل مجالس الجماعات ثم رئيس جمعية أباء وأولياء التلاميذ ، إلى باقي المجالس الأخرى التعليمي والتربوي .
الهوامش :
- مجلة علوم التربية العدد 28 فبراير 2005 .
- الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، منشورات المركز المغربي للاعلام .دجنبر 2003 .
- مجلة فضاءات تربوية العدد الثالث مارس 1997 .ص 103 .
-المدرسة المغربية والمنتوج القيمي الأخلاقي ، عبد الباقي داود .سلسلة التكوين التربوي .العدد 10 السنة 1999.
- الطفل والعلاقات الأسرية . د احمد أوزي الطبعة الأولى 2002.
-L’école à l’épreuve de la sociologie » Anne van Haecht , 111 et sv .
- جورج توما الخوري ، سيكولوجية الأسرة . دار الجيل بيروت ص 14 .
- ماذا عن علوم التربية ؟ امحمد عليلوش ، بحث تربوي سنة 1997.
-الموسوعة الالكترونية انكارتا 1999.
[b]
الكاتب/ أنفاس
أنفاس 1 - تقديم :
تعتبر المدرسة الوسيلة التي اصطنعها المجتمع بجانب الأسرة لنقل الحضارة ونشر الثقافة وتوجيه الأبناء الوجهة الاجتماعية الصحيحة كي يكتسبوا من العادات الفكرية والعاطفية والاجتماعية التي لا تساعدهم فحسب على التكيف الصحيح في المجتمع بل كذلك على التقدم بهذا المجتمع، فالمدرسة والأسرة هما إذن المؤسستان التي اصطنعها المجتمع للإشراف على العملية الاجتماعية.ولهذا فهما الوسيلتان التي من خلالهما يمرر الإنسان لأجيال المستقبل تجربته الماضية ثم مخططاته ومشروعاته المستقبلية والتي تدخل بشكل عام ضمن ما يسمى بالبرامج التربوية ، بشكل ضمني كما هو الشأن في كل أسرة ، أو بشكل مهيكل ومنظم كما في المدرسة ... لكن استقلال المؤسستين واختلاف طبيعتهما على مستوى التركيبة وكذلك الإمكانات ثم التسيير والتدبير ، جعلهما ( وفي نظر الكثير) يختلفان ولا يتعاونان بشكل مستمر لتحقيق الهدف الفعلي لكل واحدة منهما والذي هو في الأصل هدف مشترك . ولأن المجتمعات تختلف في تراثها الاجتماعي ونظمها السياسية والاقتصادية تبعا لاختلاف مناهجها الفسلفية العامة ورؤيتها للإنسان والحياة بصفة عامة، ولكل أفراد المجتمع رغبة أكيدة في الحفاظ على كيان مجتمع بما فيه من قيم وأساليب معيشة وهي القيم المستمدة من خبرتهم عن الأجيال وحياتهم الاجتماعية لذلك فهو يرى بقاءها واستمرارها من أجل بقاءه.
فالمدرسة والأسرة تعتبران المؤسستان التربويتان الأكثر أهمية بين بقية المؤسسات الأخرى، نظرا لدورهما الفعال في العمل الهادف والمنظم تبعا لأهداف المجتمع وفلسفته ككل. إذن فما هو هذا الدور ؟ وهل يمكن أن تكون هناك تربية صحيحة بدون مدارس ؟ وماهو دور الأسرة ؟ وما علاقة المدرسة بالأسرة ؟ وكيف تساهم كل من المدرسة والأسرة في تنمية المجتمع ؟ وفي التنشئة الاجتماعية للأفراد ؟
2 - مفهوم المدرسة :
يرجع أصل لفظ المدرسة école إلى الأصل اليوناني schole والذي يقصد به وقت الفراغ الذي يقضيه الناس مع زملائهم أو لتثقيف الذهن[1]. فتطور هذا اللفظ بعد ذلك ليشير إلى التكوين الذي يعطى في شكل جماعي مؤسسي ، أو إلى المكان الذي يتم فيه التعليم ، ليصبح لفظ المدرسة يفيد حاليا تلك المؤسسة الاجتماعية التي توكل إليها مهمة التربية الحسية والفكرية والأخلاقية للأطفال والمراهقين في شكل يطابق متطلبات المكان والزمان...
أما مفهوم المدرسة بالتحديد فقد ظهر اثر الانتقال الذي عرفه الفعل التربوي من مهمة تتكلف بها الأسرة إلى مهمة عمومية وذلك في المرحلة الهيلينية [2] . لتصبح المدرسة تلك المؤسسة العمومية التي يعهد إليها دور التنشئة الاجتماعية للأفراد وفق منهاج وبرنامج يحددهما المجتمع حسب فلسفته...والمدرسة بشكل عام مؤسسة عمومية أو خاصة ، تخضع لضوابط محددة ، تهدف من خلالها إلى تنظيم فاعلية العنصر البشري، بحيث تنتج وتفعل وفق إطار منظم يضبط مهام كل فئة ، ويجعلها تقوم بعملها الخاص لكي يصب في الإطار العام ويحقق الأهداف والغايات والمرامي المرغوبة منه.
فالمدرسة هي السبيل الوحيد الذي يلج إليه الأطفال منذ صغرهم ، بعد الأسرة التي تمثل المدرسة الأولى، إلى أن يلتحقوا بسوق الشغل وبالتالي فهي بمثابة معمل لتكوين الموارد البشرية ، وهي كذلك فضاء يلتقي فيه الأطفال والراشدون حيث توفر لهم فرص التفاعل فيما بينهم ، غير أنها ليست سوى مؤسسة اجتماعية من بين المؤسسات الأخرى ، وقد تدعي لنفسها الانغلاق على الذات بدعوى نظمها وقوانينها ، غير أن هذا الانغلاق ظاهري فقط لأنها تعكس مختلف التيارات الاجتماعية بكيفية شعورية أو لا شعورية ، ولكنها تعمد إلى تربية وتكوين والجيها وفق الثقافة التي تمثلها كمؤسسة مدرسية ، انها تبعا لهذا تشكل عامل توحيد ، عامل لم وجمع مختلف الطبقات الاجتماعية وصهر أفكارها وبلورتها بقدر الإمكان عبر خطابها التربوي.
3- وظائف المدرسة :
تلعب المدرسة كمؤسسة اجتماعية بجانب الأسرة ، عدة ادوار لها وزنها التاريخي ، وتتميز بوظائفها عن باقي المؤسسات الأخرى لأنها تلامس مختلف جوانب الإنسان وذلك لأنسنته وجعله ذلك الكائن الذي يعرف ذاته أولا ثم يكتشف الأخر ثانيا . وإذا ما نظرنا إلى هذه الوظائف نجدها متعددة ومتشعبة نظرا لتعدد أغراض وأهداف الكائن البشري فمنها ما هو تربوي وتعليمي ثم إداري، اجتماعي وأمني ، تكويني وإيديولوجي ، إرشادي وتوجيهي ، ثقافي إشعاعي ، تواصلي اقتصادي...وتتجلى كذلك مهمة المدرسة والأسرة في التأثير على سلوك الأفراد تأثيرا منظما يرسمه لهما المجتمع، والمدرسة من حيث هي كذلك تنصب وظيفتها الرئيسية على سلوك الناشئة، ويقاس مدى تحقيقها لوظيفتها بمدى التغيير الذي تنجح في تحقيقه في سلوك أبناءها ومن ثم كان ضروريا أن ينظر إليها نظرة شمولية كنظرتنا نحو المجتمع برمته وأن تكون في مقدمة كل سياسة إصلاحية للمجتمع وأن ينظر إليها كمرجعية لكل تغيير أو تغير قد تعرفه باقي القطاعات والجوانب الأخرى لحياة الفرد ... فالمدرسة في أساسها مؤسسة اجتماعية أنشأها المجتمع لإشراف على عملية التنشئة الاجتماعية ولذلك فإن أي تصور لهذه المؤسسة يجب أن يراجع داخل إطار هذا التصور الاجتماعي ولاشك أن هذا التصور الأساسي يملي دراسة علاقة المتعلم بغيره من المتعلمين وعلاقة المتعلم بالمدرسين وعلاقة المتعلم بالإدارة التربوية و بالتنظيم العام في المدرسة من حيث أنها الإطار الاجتماعي التي لها علاقة بما تحتويه من عناصر بشرية وما يوجد خارجها من تنظيمات اجتماعية أخرى بما فيها الأسرة. وبشكل عام يمكن القول بان المدرسة هي المؤسسة التي بفضلها يكتشف الفرد ذاته ومجتمعه ومن خلالها وعبرها يجب الخروج إليه، وهنا يمكن الإشارة إلى ابرز وظائف المدرسة على الشكل التالي :
أ ) الوظيفة التعليمية التكوينية:
في إطار هذه الوظيفة تقوم المدرسة بتعليم الأطفال القراءة والكتابة والحساب مع إكسابهم وتلقينهم المعارف الدينية والتاريخية والأدبية والعلمية واللغوية ، عبر برامج ومقررات محددة حسب مختلف المواد المخصصة لكل مستوى وبشكل تدريجي ابتداء من التعليم الأولي إلى التعليم العالي مرورا بالأساسي والإعدادي والثانوي . كما تسعى المدرسة خلال كل مرحلة تعليمية تحقيق وإكساب التلاميذ كفايات تواصلية ، استراتيجية، منهجية ، تكنولوجية وثقافية ؛ وقيم ترتبط بالعقيدة وبالهوية الحضارية وبثقافة حقوق الإنسان والمبادئ الكونية . وتهدف المدرسة بشكل عام خلال هذه الوظيفة تعليم وتكوين الفرد بشكل يجعله مندمجا في الحياة العامة ومتفتحا على الأخر .لكن من خلال التجارب السابقة والحالية يلاحظ ان المدرسة قد انحرفت عن سكتها التعليمية والتربوية نظرا لصعوبة هذه الوظيفتين وكذلك لعدم توفر الشروط الضرورية للأعداد والتكوين العلمي والمهاري والمنهجي ، ولعدم توفر شروط التأهل للاندماج في الحياة الاجتماعية . فالمدرسة اليوم وجدت نفسها في حرج وأمام منافسة شديدة ولازدياد تطور الفنون المعرفية الأخرى ، وتأثير الصورة بشكل خاص . وبذلك لم تعد المدرسة تحتل نفس المكانة السابقة (بجانب المؤسسة الدينية) التي كانت تحتلها من حيث السلطة والاحتكار المعرفي ، ولأن تطور وسائل الاتصال والإعلام وظهور الكومبيوتر و شبكة الانترنيت بمختلف برامجها وأنظمتها ، مع انتشار التعليم المبرمج والتعليم عن بعد والقنوات التعليمية ...كله هذا ما زعزع مكانة المدرسة وجعل قيمتها في تدهور مستمر ، وهذا له اثر بليغ على المتعلمين وبالتالي على المجتمع ومستقبله .فالمجتمعات التي أدركت هذا التغير الذي وقع على القنوات المعرفية وعلى المدارس ، تمكنت من مسايرة المنافسة التي تواجهها المدرسة فتربط كل جديد بالمدرسة مما جعل هذه الأخيرة لم تحس يوما ما بزعزعة وظيفتها التعليمية والتكوينية ، فتقدم البحث العلمي وتوفير التراكم العلمي الجيد يمكن المجتمعات من تحديد ملامح وحاجات ورغبات واهتمامات وميولات أطفالها ، وبالتالي انسجام كل سياسة تعليمية مع ظروف الواقع الذي يتطور بسرعة ، عكس المدرسة المغربية التي مازالت ذات طابع تقليدي سواء في طرق التدريس أو على مستوى الوسائل الديداكتيكية وحتى الجانب المعرفي والمنهجي ، مما جعلها تفقد مكانتها في حلبة الصراع التعليمي والتربوي .فواقع المدارس المغربية اليوم يؤكد هذا الطرح : فعدم تطور البنيات المدرسية بشكل يوازي ارتفاع نسبة التمدرس ، فنجم عن ذلك اكتظاظ مهول بالأقسام ( قد وصل إلى 54 تلميذ في القسم الواحد أما قسم 40 تلميذ فقد أصبح عاديا ) إضافة إلى نقص في التجهيزات وأطر التدريس ، أما ما زاد الطين بلة هي تلك الخريطة التربوية التي تحدد لكل أستاذ عدد التلاميذ الذين سيشملهم التكرار كما تحرص على أن تكون نسبة النجاح مرتفعة وأن تفوق في غالب الأحيان ما يزيد عن 90°/° (خاصة في التعليم الابتدائي الذي يعتبر الركيزة الأساسية ) وهذا ما ينتج لنا تلاميذ لا يعرفون القراءة والكتابة رغم أنهم في مستويات دراسية عالية (السادسة أو السابعة وحتى التاسعة ...) وذلك بسبب تراكم أخطاء الخريطة المدرسية . فكثرة نسبة التلاميذ في القسم الواحد وارتفاع نسبة الذين يعانون من التخلف الدراسي يشكل مشكلا وعائقا تربويا كبيرا على التواصل والتفاهم بين المدرس و التلاميذ .
ب ) الوظيفة التربوية :
بجانب الوظيفة التعليمية والتكوينية فان للمدرسة وظيفة أساسية وشاملة استمدتها من الأسرة تتجلى في تربية الأطفال تربية تجعلهم يحترمون مجتمعاتهم ويندمجون مع مختلف المؤسسات الاجتماعية الأخرى ، وبفضلها يكتسبون قيم إنسانية وهوياتية تتأقلم مع متطلبات المجتمع ، وبفضل الفلسفة التربوية التي تنهجها المدرسة كمؤسسة عمومية يمكن للمجتمع التطور والسير نحو ما هو أفضل أو العكس الإصابة بالركود والتخبط في مشاكل جمة .
فصلاح المجتمع ينطلق من صلاح المدرسة وكل خطأ يرتكب داخل جدران هذا الحقل سيكون له اثر بليغ على مستقبل الدولة برمتها ، فعلاقة المدرسة بالمجتمع علاقة الأم بابنها ، وعلاقة السائق بسيارته وعلاقة القائد بجماعته ، فالمدرسة هي مقود التطور والتقدم ومفتاح التغيير ، وعبر المدرسة يمكن كذلك ان نصنع مجتمعا متخلفا ومجتمعا مسالما كما نريد .ولهذا فعندما نتحدث عن إصلاح التعليم وبالتالي المدرسة ، علينا أن ننظر إلى مستقبل الأمة وماذا نريد فعلا من مجتمعنا ؟ هل نريده مجتمعا متقدما ؟ ديمقراطيا ؟ متفتحا ؟ يحب وطنه ؟ غيور عليه ؟ يعتز بهويته ؟ قد يدفع ثمن حياته دفاعا عن وطنه ؟ أم مجتمعا متخلفا لا يحب وطنه ؟ و لايعير أي اهتمام لنفسه و لا لوطنه ؟ مجتمعا متفاوتا في كل المستويات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية ؟ وحتى من حيث الملكية والمواقع الجغرافية ؟
ان المدرسة هي الحل الوحيد والباب الأول الذي يمكن من خلاله ان نفبرك فردا ثم أسرة وبالتالي مجتمعا كاملا ، فداخل المدرسة نجد كل الأطفال ينحدرون من كل الأسر كسفراء لها ، وهم الذين سيصبحون رجال الغد .فإذا قمنا بتربيتهم بشكل جيد وعلى تربية مستقبلية لأنهم خلقوا لزمن غير زماننا ، نضمن مجتمعا منسجما ومتقدما . عكس ما وجدناه وما نجده داخل المدرسة المغربية، التي تتخبط في أزمات متتالية ومستمرة وبالتالي تحصد خسائر جسيمة لا يمكن للمجتمع المغربي تفاديها ولو بالقروض الدولية.فهي خسارة تربوية ترسخت في شخصية الفرد المغربي الذي يفضل الهجرة والموت في البحر عن الصمود والنضال من اجل الإصلاح التام ، شخصية الفرد المغربي الذي لا يعرف النظام بل لا يحبه ، ويفضل الفوضى أحيانا عن احترام القوانين ، الفرد المغربي الذي لا يميز بين الواجب والحق . الفرد المغربي الذي يفضل أن يتمتع بجنسية أجنبية عوض جنسيته الأصلية... إنها حقائق مرة وواقعية لا يمكن تنكرها أو جهلها ، فكل فرد وطئت قدمه المدرسة تجده يحس بمرارة الواقع المغربي وبأزمة التعليم بالخصوص .
ت ) الوظيفة الإيديولوجية :
لقد تبين لنا من خلال الممارسة الميدانية وكذلك من خلال الفلسفة التربوية التي تتبعها كل دولة اتجاه مدارسها، أن للمدرسة وظيفة أخرى تكتسي طابعا إيديولوجيا لكونها تعتبر أداة للإدماج وقنطرة تمرر من خلالها الدولة سياساتها الأمنية وهي أداة لهيمنة الوظيفة الرسمية لنقل المعارف ... وهي كما قال السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو في كتاب مع باسرون : إعادة الإنتاج la reproduction ، أداة لإعادة إنتاج الثقافة والنظام السائد ، وهي جهاز إيديولوجي مهمته نقل وترسيخ أفكاره المهيمنة وذلك لإعادة إنتاج تقسيمات المجتمع الرأسمالي وجعل النخبوية عملا مشروعا ، وبالتالي إعادة إنتاج القيم والعلاقات الاجتماعية السائدة . وهكذا فالنظام التربوي في نظر بورديو يشكل عنفا رمزيا قصدي لكنه مفروضا من طرف سلطة ذات نسق ثقافي سائد ، وهكذا فالوظيفة الإيديولوجية للمدرسة تتجلى في كونها مؤسسة للترويض الاجتماعي وإعادة إنتاج نفس أنماط الفكر والسلوك المرغوب فيهما من طرف المجتمع .
إن للمدرسة عدة وظائف رئيسية يرتبط بعضها ببعض خاصة في عصرنا الحاضر الذي يمتاز بالتغييرات الإجتماعية السريعة والتقدم المطرد في ميدان العلم والاختراع، والتشابك المتزايد في أساليب المعيشة وعادات الناس وتقاليدهم ،إلا أن المدرسة الوطنية التي تضع مهمة التربية والتعليم في مقدمة أولوياتها، تحاول التوفيق بين مختلف الوظائف دون أن تطغى وظيفة على أخرى وأن تضع مستقبل المجتمع برمته كغاية كبرى. ولهذا فنجد أن من ابرز الأدوار التي يجب على المدرسة ، ان تقوم بها سعيا لتحقيق أهدافها كمؤسسة تربوية واجتماعية نجد [3] :
1- نقل الثرات الثقافي: إن تحليل معنى المجتمع والثقافة وعلاقة الشخصية بهما يبرز لنا أهمية العملية الاجتماعية التي تنتقل بها آداب السلوك العامة والقيم والمعاني والأنماط الثقافية من جيل إلى جيل. وطبيعة الحياة الاجتماعية للأفراد من حيث الاختلاف في أعمارهم واختفاء بعضهم وظهور بعضهم الآخر يجعل عملية النقل عملية اجتماعية ضرورية لاستمرار النضج الاجتماعي.
غير أن هذه العملية ليست آلية، فالمجتمعات المتمدنة قد تسير إلى الوراء إن لم تبدل جهودا حقيقية في سبيل نقل التراث الثقافي من جيل إلى جيل. لهذا يبدو أن الحاجة إلى التعليم أمر بديهي في المجتمعات لاستمرار وجودها وتطورها. فالناس يعيشون في جماعة بفضل ما يشتركون فيه من أشياء عامة وبفضل عملية الاتصال والنقل التي يحصلون بها على الأشياء المشتركة العامة التي تجعل منهم جماعة، وهذه الأشياء المشتركة العامة هي الأهداف والمعتقدات والآمال والمعارف والمفاهيم المشتركة، وهذه كلها تساعد على إيجاد عقلية متشابهة بين أفراد الجماعة لأن النقل والإيصال الذي يتضمن مشاركة الأفراد في تفهم مشترط هو الذي يحقق اتجاهات عقلية وانفعالية متشابهة. أي طريقة متشابهة للاستجابة لتوقعات الحياة ومطالبها.
إن قيم المجتمع على التماسك في إطار أهداف مشتركة يعني هذا أكثر من التعاون بهم، وفهم متطلباتهم وحاجاتهم ومساعدتهم على فهم أعراضه وحاجاته، ومعنى هذا كله ضرورة توافر ما نسميه "بالإجماع" الذي لا يمكن وجوده إلا عن طريق عمليات النقل والاتصال الاجتماعي. فعملية النقل قد تتم بطريقة واعية الذي نعمله ويمكنه عن طريقها أن يواجه مواقف الحياة على أساس من التبصر والمعرفة وتزويده بما يلزم من المواقف المختلفة من معارف ومهارات سبق أن تثبت صحتها من خبرات أجيال أخرى. وقد تتم هذه العملية بالضغط الاجتماعي أو الدعاية أو بأي نوع آخر من التعليم، ولهذا فإن المدرسة وبجانبها مختلف المؤسسات المكلفة بالتربية ، تواجه عدة مشكلات لقيامها بهذه الوظيفة. ومن الأمور التي ينبغي مراعاتها بالنسبة لهذه الوظيفة هي اختيار الجوانب التي لها قيمة في التراث الاجتماعي بالنسبة للشخص وكذلك اختبار العناصر التي تضمن تكاملا في اتجاهات الفرد ومفاهيمه.
2- التبسيط: لما كانت المدينة الحديثة (الحضارة) تمتاز بالتعقيد فإن من العسير أن تنتقل عناصرها إلى الصغار الناشئين، لهذا فعلى المدارس تقسيمها إلى أقسام وتصنيفها وتبسيطها. ووظيفة المدرسة التربوية هي ان توفر بيئة مبسطة تناسب أعمار التلاميذ واستعداداتهم فتختار العناصر الأساسية التي يتمكنون من الاستجابة إليها وتنظم برامجها بحيث تزودهم خلال أطوار نموهم المختلفة بالمعارف والمهارات التي تزيد من بصرهم في مواقف الحياة.
3- الانتقاد والاختبار: من وظائف التربية والمدرسة ان تختار بين الاتجاهات والقيم والعادات والمعارف التي توجد في المجتمعات على أساس التمييز بين المرغوب فيه وغير المرغوب فيه ذلك ان كل مجتمع يتضمن الكثير من العناصر المختلفة والأفكار المتنوعة والقيم المتعارضة، ولما كانت المدرسة هي أداة المجتمع في تنمية اتجاهات وقيم مرغوب فيها في ضوء أهداف معينة كان من وظيفتها القيام بتدعيم الجيد من العناصر والقيم وتزويد الصغار الناشئين بها لمواجهة مواقف حياتهم في بيئتهم الاجتماعية، وكلما ارتقى المجتمع وتعددت مصالحه أدرك أمامه مسؤولية مزدوجة:
الأولى: العمل على نقل العناصر الطيبة في تراث وما حققته الأجيال السابقة.
الثانية: استخدام العناصر الجيدة الملقاة لبناء مستقبل أفضل.
4- الاقتصاد الثقافي: المدرسة في هذا العصر تجد نفسها أمام وظيفة جديدة تفرضها عليها طبيعة التغييرات الجدرية التي يتميز بها هذا العصر. فقد تراكم التراث الثقافي بشكل لم يسبق له مثيل، واتسع نطاقه باتساع نطاق الخبرات الإنسانية وتشابكها وسهولة انتقال نتائجها وتفرع فروع المعرفة المختلفة. وليس معنى الاقتصاد الثقافي اختزال التراث الثقافي لسهولة نقله والاقتصار على جانب منه دون جوانب أخرى، بل أنه يعني الاختيار والتمييز بين العناصر القديمة والجديدة وتحقيق التكامل السليم بين فروع المعرفة، مع جعل هذا الرصيد بعد ذلك سهلة التناول. وعلى هذا فالمدرسة مطالبة لقيامها هذه الوظيفة بابتكار الوسائل والأساليب الجديدة وتنظيم المادة الدراسية وتقديمها وتوصيلها للناشئين.
5- التماسك الاجتماعي وتدويب الفوارق بين الطبقات: ومن الوظائف الاجتماعية للمدرسة (عكس الوظيفة الإيديولوجية المعتمدة ) إيجاد حالة من التوازن بين عناصر البيئة الاجتماعية، وذلك بأن تتبع المدرسة لكل فرد الفرصة لتحرير من قيود طبقته الاجتماعية التي ولد فيها وأن يكون أكثر اتصالا وتفاعلا مع بيئته الشاملة، ذلك أن المجتمع الحديث يتضمن في الواقع جماعات كثيرة وهناك أيضا الطبقات الاجتماعية والمذاهب الدينية ولكنها تتفاوت في العادات والتقاليد والآمال والقيم بين أفراد المجتمع الواحد وكل هذه الطبقات لها تأثير على اتجاهات الأطفال الناشئين.
6- تنمية أنماط اجتماعية جديدة: إن أول خطوة لتحقيق المدرسة لهذه الوظيفة هي تنمية الوعي بين الأطفال والشباب بالفرق بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، وتتطلب هذه الوظيفة أساسا مبنيا وافرا من المعرفة ومن المعلومات عن الوسائل الاجتماعية الأخرى المختلفة، وتكوين اتجاهات علمية جديدة متحررة من التعصب والجمود لتقويم هذه المعارك واستنباط أساليب ومفاهيم جديدة تكون أساسا لتصور مستقبلي فعال.
7- تنمية الإطار القومي: فالمدرسة بطبيعتها الاجتماعية والخلقية تحمل دائما في الإطار القومي والذي منه تستمد فلسفتها واتجاهاتها والتي على ضوئه ينبغي أن تختار خبراتها التعليمية التي تعني المواطنين الناشئين. فعلى المدرسة أن تحافظ على الإطار القومي كما عليها أن تساهم في تطوير هذا الإطار وتنميته لإخضاعه للدراسة والفكر في ضوء ما يشهده المجتمع من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية.
8- الابتكار والخلق: إذا كانت نقطة البداية للمدرسة هي الإنسان: الفرد. فإن موضوعها هو طبيعة الفرد من حيث نموه، فطبيعة الفرد ليست ثابتة محددة بعوامل بيئية ثابتة أو أنها فطرية تحكمها عوامل غريزية جامدة، وإنما هي طبيعة مرنة متكاملة في تفاعلها. ووظيفة المدرسة هي أن تمكن الفرد من الخروج عند حدود جماعته الأولية إلى حدود الجماعات الكبيرة مع قوة في تغيير هذه الجماعة والإضافة إليها والمشاركة فيها مشاركة ايجابية وذلك بفكر خلاق ومبدع في ثقافته وبيئته. وقد تعد هذه الوظيفة أعلى وظائف التربية المدرسية خاصة في المجتمعات التي تعيش تغيرات سريعة تحتاج من الأفراد خلقا وإبداعا وابتكارا وتجديدا في أساليب حياتهم.
4 - مفهوم الأسرة ووظائفها :
تعتبر الأسرة من أولى الحاجات الطبيعية التي يلجأ إليها الإنسان ، ولضرورتها الطبيعية لاستمرار الجنس البشري وكذلك لتوفير الأمن والحماية الضروريين ، فان الكائن البشري يعمل بشكل تلقائي على إنشاء الأسرة ، ونظرا لأهمية الأسرة كمكون اجتماعي ، وكأول اجتماع تدعو إليه الطبيعة كما أكد الفيلسوف أرسطو ، فقد تعددت التعاريف التي أشار إليها العلماء بمختلف تخصصاتهم من السوسيولوجيا والانتربولوجيا وحتى في ميدان التربية وندرج هنا بعض التعاريف كنماذج:
- تعريف لوك Lock.H : الأسرة جماعة من الأفراد تربط بينهم رابطة الدم أو التبني ، ويعيشون في منزل مستقل ، ويتواصلون فيما بينهم عبر تفاعل مستمر ، كما يؤدون أدوارا اجتماعية خاصة بكل واحد منهم ، باعتباره زوجا أو ابنا أو ابنة أو أما أو أختا بحيث يتكون نتيجة ذلك ثقافة مشتركة .[4]
- تعريف ليتري Littré : تتكون الأسرة من مجموعة أشخاص يحملون الفصيلة الدموية نفسها ، ويعيشون تحت سقف واحد ، كما تتكون بوجه خاص من أب وأم وأطفال .[5]
- الأسرة مجموعة اجتماعية تربط بينها روابط القرابة أو الزواج ، وهي شكل اجتماعي له وجود في كل المجتمعات البشرية . وتقوم الأسرة ، من الوجهة النظرية ، بتوفير الحماية والأمن والتنشئة الاجتماعية لأعضائها .هذا ، وتختلف بنية الأسرة ونوع الحاجات التي تشبعها لأفرادها باختلاف المجتمعات وباختلاف المراحل التاريخية .[6]
كما يستخدم مفهوم الأسرة كذلك للدلالة على الخصائص البنيوية والوظيفية والنشاطات الاجتماعية التي تتم في رحاب وحدة ترابية وسكنية واقتصادية ومعايشة تشمل الزوج والزوجة والأولاد غير المتزوجين عكس العائلة الذي يشير إلى وحدة في القرابة تشمل الأصول والفروع التي ترتبط بنسب الأب سواء في شكلها الممتد أو شكلها المركب .
أما عن وظائف الأسرة فهي أولا المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل لغة أمه والمشي وبعض الأخلاق والقيم ، ومن خلال أسرته يكتشف نفسه ومحيطه ، فهي التي تمنحه الهوية والأمان والحنان .وبالتالي فهي تلعب نفس وظائف المدرسة كلها بالإضافة إلى كونها المسؤول الأول والأخير لنجاح تنشئة الفرد ، وكما قلنا في التعريف بأنها الرحم الاجتماعي للطفل والتي يعود إليه الطفل لتضميد كل جراحه التي قد يسببها العالم الخارجي بسبب المعانات والضغوطات . ومن هنا فالأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع وهي المسؤولة عن قوة أو ضعف البنية المجتمعية العامة ، لكونها تقوم بوظيفة الأمن لأفرادها ووظيفة التضامن بينهم ووظيفة التكوين والتنشئة الاجتماعية ، ووظيفة المراقبة والتربية...فهي بالتالي مؤسسة شمولية تؤدي مختلف الأدوار ، إلا أن الوضع في الوقت الراهن قد تقلصت فيه هذه الوظائف ومعها مسؤوليات الأسرة فتحولت بذلك هذه الأخيرة من مركز دائرة التربية إلى عنصر أو طرف مشارك في العمل التربوي. وبسبب هذا الانتقال في الدور جعل الأسرة تفقد توازنها وصدارتها الاجتماعية.مما فرض عليها أن تعيد النظر في علاقاتها مع مختلف الأطراف المشاركة في العمل التربوي من مدرسة وشارع ووسائل الإعلام .
5 - مفهوما التنمية و التنشئة الاجتماعية.
أ - مفهوم التنمية :
لقد نشأ مفهوم التنمية وترعرع في الغرب سواء عن طريق سوسيولوجيا الغرب أو عن طريق الهيأت الدولية ، وهذه النشأة بطبيعة الحال لا تخلو من إيديولوجية ، حيث جميع المصطلحات المستعملة ونوعية ميادين التنمية لها منحى خاص من وراءها أغراض إيديولوجية تحركها .ولقد ظهر مفهوم التنمية لأول مرة في بريطانيا مثلا سنة 1944 ، وذلك في تقرير اللجنة الاستشارية للتعليم ، و صدر أول تعريف منظم لتنمية المجتمع خلال مؤتمر " كامبردج" الصيفي حول الإدارة الإفريقية سنة 1948 . وقد عرفت التنمية بأنها " حركة تستهدف تحقيق حياة أحسن للمجتمع المحلي نفسه من خلال المشاركة الايجابية للأهالي ، وإذا أمكن من خلال مبادرة المجتمع المحلي " . وفي سنة 1954 تبنى مؤتمر " استردج" للتنمية الاجتماعية الصيغة العامة للتعريف السابق أي أن التنمية الاجتماعية هي " حركة مصححة لتحقيق حياة أحسن للمجتمع ككل عن طريق المشاركة الفعالة ..." .
وهكذا فقد ظهرت فكرة تنمية المجتمع لأول مرة في الوكالات والمجالس المتخصصة داخل الأمم المتحدة في دراسة منظمة سنة 1950. واتخذ المجلس الاقتصادي والاجتماعي في شهر مايو 1955 قرارا باعتبار منهج المجتمع وسيلة للتقدم الاجتماعي في المجتمعات النامية والمتخلفة. وصدر أول كتاب يعرف هذا المفهوم في أول دراسة منتظمة سنة 1955 وهو تعريف يذهب الى أن عملية التنمية للمجتمع هي العملية المصممة لخلق ظروف التقدم الاجتماعي والاقتصادي معا في المجتمع عن طريق مشاركة الأهالي ايجابيا في هذه العملية. ليأتي بعد ذلك تعريف ثاني سنة 1956 حيث أن تنمية المجتمع هي تلك العملية التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية ولمساعدتها على الاندماج في حياة الأمة والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر .
وما يمكن استنتاجه من التعريفين هو انه يشيران إلى افتراض أن المجتمعات المحلية تحتوي على طاقات بشرية تحتاج إلى التنظيم والتوجيه من جهة ثم أن هناك إمكانيات مادية تحتاج إلى التنظيم والاستثمار من جهة أخرى .كما يركز التعريفان على ضرورة المساعدة الذاتية وكذلك على عدم قدرة المجتمعات المحلية تحمل ثقل كافة عملية التنمية .
وإذا ما عدنا إلى تعريف التنمية ، فانه كما قلنا يوجد اختلاف بين العلماء حسب نظرتهم الى هذا المفهوم . فنجد مثلا روستوف Rostow يعرف التنمية بأنها عملية تخلي المجتمعات المتخلفة على السمات التقليدية السائدة فيها والتبني للخصائص السائدة في المجتمعات المتقدمة . أما عبد المنعم شوقي فيقول : " إن عملية التنمية هي ذلك الشكل المعقد من الإجراءات والعمليات المتتالية ... التي يقوم بها الإنسان في مجتمع ما من خلال عمل تغيير مقصود وموجه يهدف إلى إشباع حاجة." وبالنسبة لكارل ماركس : " فالتنمية هي تلك العملية الثورية التي تتضمن تغييرات جديدة جذرية وشاملة في البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى القانونية زيادة الى نمط الحياة وأساليب العيش والقيم الثقافية ." وهنا يؤكد كارل ماركس كذلك أن البلدان الأكثر تقدما من الناحية الصناعية تمثل المستقبل الخاص بالنسبة للبلدان الأقل تقدما . ويقول سميلسرSmelser : إن التحديث والتنمية هي عملية تتضمن عدة تحولات في متغيرات الحياة مثل التكنولوجيا وذلك عن طريق تقدم هذا الميدان وتعقيده أكثر ...والسكان عن طريق التمدن والتحضر والزراعة بالمزيد من المنتوجات التجارية وعلى صعيد الأسرة ثم الدين بمزيد من العلمانية ." أما بالدوينBaldwin فان عملية التنمية لديه تحتاج إلى توفير معدلات عالية من النمو في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .
وبشكل عام فان مفهوم التنمية مفهوم شاسع ويختلف الباحثين في تعريفه ، ولكن ما لا يمكن نفيه أن هذه العملية هي عملية معقدة متشعبة الجوانب ، تضم الجانب الاقتصادي ، الاجتماعي ، السياسي والثقافي . والمفهوم العام لهذه العملية هو أنها مجموعة من العمليات المخططة والموجهة لتحقيق التغيير الجدري في المجتمع ، وذلك لتحسين الظروف الاجتماعية ، الاقتصادية ، السياسية والثقافية لأفراد المجتمع.
ب- مفهوم التنشئة الاجتماعية:
يعتبر مفهوم التنشئة الاجتماعية من المفاهيم التي لا يمكن تحديده بدقة ، ولكن يمكن النظر إليه كغاية يسعى كل مجتمع تحقيقها لدى كل فرد ينتمي إلى هذا المجتمع. فكلمة التنشئة قد تدل على التربية الشاملة والتكوين وتمكن الفرد من استدماج (Intégration ) أنماط سلوكية وعادات ومعايير ودلالات وقيم ، عندما يقيم العلاقة بين فئة من الفاعلين من جهة ومجموعة من الأفعال من جهة ثانية.أما الاجتماعية فهي إعطاء الصبغة الاجتماعية للتنشئة وبالتالي أن تنطلق من المجتمع وتعود لخدمته مرة أخرى ، ولهذا يمكن القول أن التنشئة الاجتماعية بمثابة مشروع اجتماعي تهيمن عليه مجموعة من القيم والمعايير والنظم ، والهدف منه خلق علاقات بين الأفراد المكونة للمجتمع لتسهيل دمجها داخل هذا المجتمع .ويعرف الباحث مصطفى حدية التنشئة الاجتماعية في كتابه "سيرورة التنشئة الاجتماعية في الوسط الحضري بالمغرب" بأنها : "تلك السيرورة المستقرة من التغيرات التي تطرأ على الفرد في مختلف مراحل حياته وتهدف إلى إدماجه جزئيا أو كليا داخل المجتمع ." ويعني بها كذلك عملية اكتساب القيم والمعايير والتمثلات الاجتماعية ...عن طريق آلية الإدماج ولغرض تحقيق تكيف الفرد مع سياق اجتماعي يتسم بالدينامية والتغير .[7]
وهنا يمكن التمييز بين تنشئة اجتماعية أولية وتنشئة اجتماعية ثانوية حسب تعبير كل من بيرجي Berger ولوكمان Luckman [8] ، حيث بفضل التنشئة الأولية يصير الفرد عضوا في المجتمع ، وتتم بالدرجة الأولى داخل الأسرة وفي البنيات الاجتماعية الصغرى التي يتيحها الوسط الاجتماعي . كما تعتبر القاعدة الأساسية التي يجب على التنشئة الثانوية أن تتبعها لتكون فعالة. ولكون هذه الأخيرة تشمل كل السيرورات اللاحقة التي بفضلها يتعرف الفرد على مجالات جديدة من العالم الموضوعي بعد أن صار اجتماعيا بفضل التنشئة الأولية[9].وهنا يمكن القول بان الأسرة والمدرسة (خاصة التعليم الأساسي) يشكلان ويعتبران مؤسسات للتنشئة الأولية ومنهما ينطلق الفرد ويكتسب القواعد الأولية التي تمكنه من الاندماج والانفتاح في وعلى المجتمع .فما هي إذن علاقة المدرسة بالأسرة ؟
6 - المدرسة والأسرة : أية علاقة ؟
إذا كان الدور الاجتماعي لكل من المدرسة والأسرة يتجلى في التنشئة الاجتماعية للأفراد عن طريق التربية فان علاقتهما يجب أن تنطلق من هذا المنظور الأساسي.وعلاقة الأسرة بالمدرسة لا يجب أن تبقى علاقة سطحية تتجلى أساسا في أن الأسرة هي التي تزود المدرسة بالمادة الأولية أي التلميذ وبالتالي فعملية الإنتاج (أي التربية) كلها على عاتق المدرسة، بل يجب أن تكون علاقة شاملة تنبني على أنهما شريكان في عملية الإنتاج وفي التوزيع وفي الرأسمال وبالتالي شريكان في الربح وفي الخسارة في حالة حدوثها . و بالرغم من التغييرات التي تحدث في الأسرة والمجتمعات الحديثة فهي مازالت إحدى المؤسسات ذات الأثر البعيد في المجتمع ففي المنزل يتعلم الطفل اللغة ويكتسب بعض الاجتهادات ويكون رأيه عن ما هو صحيح أو خاطئ. والنواة الأولى للطفل هي النواة التكوينية لحياته وأثرها يلازم الطفل حتى يدخل إلى المدرسة لذلك فتربية المدرسة هي امتداد لتربية الطفل في المنزل. وقد أوضحت عدة دراسات أجريت لمعرفة أثر المنزل على نمو سلوك الطفل حيث أن كثيرا من مظاهر سلوك الفرد ما هو إلا انعكاس لحياته المنزلية كنظافة المنزل مثلا تنعكس على مظهر وملبس الطفل وعلامات الكلام عن الوالدين.
وإذا كان تأثير المنزل على تنشئة الفرد يظهر عليه ، فإن على المدرسة واجب معرفة البيئة المنزلية للطفل حتى يمكنها إدراك العوامل المختلفة المتداخلة في شخصيته. كما أنها لا يمكن أن تستثمر في عملها التربوي ما لم يتعاون الآباء معها عن طريق أمدادها بالمعلومات المختلفة عن مميزات الطفل وحاجاته ...الخ ومن هنا يمكن القول أن المدرسة والأسرة كمؤسستين للتنشئة الاجتماعية للأطفال ، يوجدان في وضعية المنافسة مع بقية المؤسسات التي يقبل عليها الأطفال مثل التلفاز وشبكة الانترنيت والشارع ، وبالتالي وجب عليهما تظافرالجهود والتنسيق بشكل معقلن لمواجهة تلك المنافسة الشرسة . كما يجب علينا أن ننظر إلى المدرسة والأسرة بأنهما الوسيلتان الأساسيتان لتحقيق تنشئة اجتماعية جيدة للفرد وبالتالي بواسطتهما يمكن ضمان تنمية المجتمع بفضل تلك المكتسبات والكفايات التي تم غرسها في الفرد بفضل كل من الآسرة والمدرسة .فكل إصلاح تربوي وجب عليه أن ينطلق من هاتين المؤسستين الاجتماعيتين وبشكل موازي للتطور والتغير الذي يقع على المجتمع .ولكونهما من سيضمن لنا تنمية بشرية مستدامة .
7 - الخاتمة :
إن علاقة المدرسة بالأسرة يجب أن ترتكز على مبادئ التواصل والتفاعل المتبادل والشراكة الفعالة ، مع تسخير كل الإمكانيات والوسائل والسبل الكفيلة لتفعيل هذه العلاقة على مستوى التطبيق والممارسة . وتبقى المدرسة هي التي يجب عليها أن تخطو الخطوة الأولى نحو هذا الانفتاح وعليها أن تعمل جاهدة على جعل الأسرة تلتحق بها وتشاركها هموم عملها ، كما يجب عليها أن تنفتح أيضا على باقي مكونات المحيط وذلك بتفعيل جميع الإجراءات التشريعية والقانونية التي تمكنها من تحقيق هذا الانفتاح ، كما جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مجال الشراكة والتمويل وكذلك في مختلف المجالس التي تحدثها المؤسسة من مجلس التدبير الذي يشارك فيه ممثل مجالس الجماعات ثم رئيس جمعية أباء وأولياء التلاميذ ، إلى باقي المجالس الأخرى التعليمي والتربوي .
الهوامش :
- مجلة علوم التربية العدد 28 فبراير 2005 .
- الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، منشورات المركز المغربي للاعلام .دجنبر 2003 .
- مجلة فضاءات تربوية العدد الثالث مارس 1997 .ص 103 .
-المدرسة المغربية والمنتوج القيمي الأخلاقي ، عبد الباقي داود .سلسلة التكوين التربوي .العدد 10 السنة 1999.
- الطفل والعلاقات الأسرية . د احمد أوزي الطبعة الأولى 2002.
-L’école à l’épreuve de la sociologie » Anne van Haecht , 111 et sv .
- جورج توما الخوري ، سيكولوجية الأسرة . دار الجيل بيروت ص 14 .
- ماذا عن علوم التربية ؟ امحمد عليلوش ، بحث تربوي سنة 1997.
-الموسوعة الالكترونية انكارتا 1999.
[b]