معنى السيميائية لغةً :
السِّيمَاء والسِّيمِيَاء، بياء زائدة: لفظان مترادفان لمعنى واحد. وقد ورد ذلك في كتاب الله ، لكن مقصوراً غير ممدود، أي بلا همز، هكـذا: (سِـيمَا). قال ـ تعالى ـ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29]. وقال ـ سبحانه ـ: {تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273].
والسِّيمَاءُ في معاجم اللغة: هي العلامة، أو الرمز الدال على معنى مقصود؛ لربط تواصلٍ ما . فهي إرسالية إشارية للتخاطب بين جهتين أو أكثر، فلا صدفة فيها ولا اعتباط .
والسُّومة والسيمة والسيماء والسيمياء: العلامة، والخيل المسوَّمة: هي التي عليها السمة، وقد يجيء السيما والسيميا ممدودين، وأنشد لأسيد:
غلام رماه الله بالحسـن يافعـاً له سـيمياء لا تشـقّ على البَصَـرْ
كأن الثريـا عُلِّقت فوق نحـره وفي جيده الشِّعرَى، وفي وجهِهِ القَمَرْ
(له سيمياء لا تشق على البصر) أي يفرح به من ينظر إليه.( مختار الصحاح ولسان العرب والقاموس المحيط ، مادة : سوم).
معنى السيميائية اصطلاحًا :
السيميائية أو السيميولوجيا هي " دراسة حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية " ( بنكراد ، 2003) . وهي في حقيقتها " كشف واستكشاف لعلاقات دلالية غير مرئية من خلال التجلي المباشر للواقعة ، إنها تدريب للعين على التقاط الضمني والمتواري والمتمنِّع ، لا مجرد الاكتفاء بتسمية المناطق أو التعبير عن مكنونات المتن " ( بنكراد ، 2003) .
التحليل السيميائي للنصوص الأدبية :
يقصد بالتحليل السيميائي للنص الأدبي دراسة هذا النص من جميع جوانبه دراسة سيميائية تغوص في أعماقه ، وتستكشف مدلولاته المحتملة ، مع محاولة ربط النص بالواقع ، وما يمكن الاستفادة وأخذ العبر منه .
وأود قبل البدء في التطرق إلى جوانب التحليل السيميائي أن أنوه إلى أن التحليل السيميائي يتأثر بدرجة كبيرة بشخصية من يقوم بالتحليل وبالظروف المحيطة به ؛ ولذلك فإن التحليل السيميائي لنص معين قد يختلف من شخص إلى آخر، ومن منطقة لأخرى ، ومن فترة زمنية لأخرى ؛ وهو بذلك مجال خصب للإبداع ، فلا قيود عليه إلا أن تكون هناك دلائل في التحليل المقترح على صحة ما ذهب إليه من قام بعملية التحليل .
كما أود أن أنوه إلى أن التحليل السيميائي يركز على جانبين : 1- الرمزية والدلالات 2- ربط النص بالواقع ، ولكن ليس بالضرورة أن يقتضي ذلك التطبيق الدقيق على أشخاص بعينهم أو أماكن بعينها أو قضية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو فكرية بعينها .
1ـ سيميائية العنوان والغلاف والإهداء :
بدأت الكتب الصادرة من بطون المطابع تتبارى فيما بينها حول جماليات العتبات الأولى لها ، ويقصد هنا بالعتبات الأولى الغلاف والعنوان والإهداء ، بل راح الكتَّاب أنفسهم يضعون شروطاً بينهم وبين دور النشر حول اختيار نوع الغلاف والألوان الذي يحتويها ، وأي لوحة يمكن أن تتصدر الكتاب ، وأي فنان يمكن التعاون معه . وكما كان للغلاف دوره كان للعنوان مكانته عند المؤلف ، وعادة ما يكون الباب الموصد عند المؤلف حين يفكر في اختيـار العنوان ، لأن الكاتب يفكر في مشروع الكتاب وتفاصيله من فصول وأبواب ، ويترك العنوان فيما بعد ، وخصوصاً إذا كان الكتاب بعيداً عن الدراسة الأكاديمية ، فضلاً عن طبيعة سرد العنوان الذي يبين مدى ارتباط المؤلف والكتاب والمهدى له .
وهذا التباري في الاختيار والتأكيد عليه جعل المتلقي / الناقد يقرأ اللوحة والعنوان والإهداء قراءة نقدية تحليلية بوصفها العتبات الأولى التي ترشده إلى متن النص ، قراءة وتأملاً ومقارنة وتحليلاً ، في ضوء ذلك العالم الواسع المتمركز في فضاء الكتاب أو خارجه ؛ لذا تأتي بعض الأحايين دراسة العتبات الأولى والأخيرة من منطلق المدخل النقدي المقارن لمتن الكتاب .
يحترم المبدع والناقد والكاتب ، في شتى فنون المعرفة والثقافة ، عمله فيسعى إلى احترام الفنون الأخرى ، مثل : الفن التشكيلي لما يؤمن به من تمازج بين الفنون والمعارف ، فالفنون الإنسانية تكمل بعضها بعضاً ، مما يفرض على المؤلف أهمية الاختيار للغلاف والعنوان والإهداء معاً .
من هنا نجد الكتب القديمة التي كانت ولاتزال تخرج من المطابع تخلو من اللوحات التشكيلية أو الاهتمام بالعنوان ، لأن ما كان في القديم يأتي من دون لوحات فنية إلا ببعض الخطوط والأشكال التي يتعمد صاحب الدار وضعها ، أما العنوان فقد كان متجهاً نحو العناوين البلاغية والسجعية . فهؤلاء لا ينظرون إلى الناحية الشكلية وثقافة الصورة بقدر ما يضعون الاعتبار إلى المتن .
وعلى هذا فقد خرجت معظم كتب التراث والحضارة والتراجم خاليـة من فنية الغلاف ، واقتصر الأمر على التجليد المقوى والعنوان واسم المؤلف المتضمن الاسم والقبيلة أو العشيرة أو الكنية ، غير أن الإصدارات الحديثة ، وتحديداً الإصدارات الإبداعية ، مثل : الرواية والقصة والشعر والمسرحية فإنها ترى ضرورة الاهتمام بالجانب الشكلي المعني بالعتبات الأولى ، وراحت دور النشر تتفق مع العديد من الفنانين التشكيليين لوضع لوحاتهم على أغلفة إصداراتها ،متفقة مع البعض لدراسة التمازج والارتباط بين المتن أو العنوان بوصفهما نصين مكتوبين مهتمين بثقافة الكلمة وبين اللوحة التشكيلية التي تتمازج معهما أو تتقاطع بوصفها مهتمة بثقافة الصورة .
وعلى هذا الأساس نرى أهمية اللوحة التشكيليـة في العمل الإبداعي المكتوب ؛ لأنها بنية مكونة من كليات خاصة وقواعد متمفصلـة يمكن أن تخضع للتحليل والقراءة النقديـة ـ كما تقول جوليا كرستيفا في مقالة اللغة المرئية : التصوير . وهذه البنية هي لغة خطوط وأشكال وألوان ، ومن خلال هذه اللغة يمكن إظهار الواقع أو التعبير عنه أو الإحالة إليه ، بل تحيل هذه اللوحة الفنية إلى ذوات ووحدات تركيبية ودلالية تتناثر هنا أو هناك في فضاء النص المكتوب .
وإذا كانت العلاقة حتمية بين لغة اللوحة التشكيلية وبين العنوان أو بين الإهداء ، فهذا يعني أن تشاكل أو تماثل اللوحة أو العنوان يتم مع نموذج ثقافي موجود في حياتنا مسبقاً ، أي موجود في مخزوننا المعرفي الثقافي المرئي أو المقروء ، سواء أكان ذلك خارجاً من ثقافة المؤلف أم من ثقافة الفنان ، لذا فالصورة التي تبرز الكتاب الإبداعي هي عبارة عن علاقة بين أنا / الصورة والآخر / النص في ظل رغبات الانزياحات التي يمكن أن يقوم بها المتلقي لتمثيل هذا العمل كله مع الواقع المعيش والمرجعي .
من هنا أكد د0 هـ0 باجو بقوله : " من المغري جداً اعتبار الصورة شيئاً مماثلاً ومطابقاً للواقع ، لكن هذا معناه الوقوع مباشرة في فخ { الوهم المرجعي } الذي غالباً ما أدانته ورفضته الدراسات النقدية".
غير أن أية لوحة فنية ستوضع على غلاف الكتاب لتدخل عالم العتبات الأولى لهذا الكتاب أو ذاك هي في حقيقة الأمر لا تمثل واقعاً بقدر ما تكون نموذجاً بين العالم المرجعي واللغة التي تستند إليها مجموعة من النصوص المختلفة التي قد تتقاطع أو قد تتباين ، وهذا يعني أن اللوحة ذات دلالة أو دوال للنص الذي سيقرأ فيما بعد .
أما العنوان فمن البديهي أن يكون أمر اختياره من قبل المؤلف ، وقد يتدخل بعض المقربين المهتمين بشأن الإبداع ليطرحوا وجهات النظر فيما يرون من دلالات العنوان . فالمؤلف على يقين أن ينظر إلى العنوان بوصفه مجموعة من الدوال ، بحيث ينظر له من ناحية التركيب والدلالة وفعل التأويل ؛ لأنه إحدى العتبات الأولى لمتن النص .
ولذلك يحاول المؤلف أن يعطي عنوان عمله مسحة فنية تبعد العمل عن البنية السطحية بقدر الإمكان عندما يقوم بنسجه ، سواء من خلال الصورة الذهنية ، أو من خلال متخيله الذهني ؛ لذلك قد يأخذك العنوان إلى تأكيدات داخل النص ضمن مجموعة من السياقات أو بعضها ، كسياقات الحدث أو الوصف أو التركيب اللغوي أو الدلالي فكرياً أو حياتياً ، وهذا يعني أن العنوان يدخل بك في عوالم عديدة ومحطات كثيرة في هيكل العمـل وجسده بشكل مباشر أو غير مباشر ؛ لذا يقول رولان بارت : "العنوان هو نظام دلالي سيميولوجي يحمل في طياته قيماً أخلاقية واجتماعية وأيديولوجية " .
ولأن العنوان ذو دلالات وعلامات رامزة للنص أو لجزء منه ؛ فإن دراسة العنوان تأتي وفق ما يتميز به من وظائف بصرية وجمالية وترويجية أو إغرائية ودلالية ؛ لهذا يطرح الدارس على نفسه الكثير من التساؤلات تجاه العنوان ، مثل : هل العنوان مفتاح النص ؟ أمأخوذ من المادة النصية ؟ أجاء محض صدفة من المؤلف ؟ ما نوع الدلالات التي يحملها العنوان ؟ كيف تتم عملية تأويله ؟ ممَّ يتكون ؟ أهو جملة اسمية أم فعلية ؟ أهو عنوان بارز على الصفحـة أم محفور فيها ؟ وخصوصاً إذا عرفنـا أن العنـوان هو " أعلى اقتصاد لغوي ممكن ليفرض أعلى فاعلية تلقٍّ ممكنة " ، وهذا ما أكده محمود عبد الوهاب حين قـال : " إن العنوان على المستوى اللغوي يعتبر مقطعاً لغوياً يعلو في النص وتتحكم فيه قواعد نحوية وسيميائية " .
وحين نأتي إلى الإهداء فمن الطبيعي أن يكون الإهداء الذي يظهر في الصفحات الأولى من بدايـة الكتب المؤلفـة أو المترجمة على شكل فني مدون ، إما بخط اليـد أو بالحاسوب ، يعبر عن ذوقٍ رفيع للكاتب ، وتقديرٍ منه بحق الآخرين ، واحترامه لدور من له شأن عنده ، أياً كان هذا الشأن ، وهذا الإهداء سواء كان إلى أشخاص معينين أو مؤسسات أو جهات أو دول أو غير ذلك ، تبقى نية الكاتب مرهونة بالتقدير تجاه من يُهدى له العمل الإنتاجي ، بل قد يصل الأمر إلى نسق التوافق بين طبيعة الإهداء وما هو منتج والجهة التي يُهدى لها ، كما أن متن الكتاب قد يفرض إهداءً معيناً سواء أكان مرتبطاً بالحزن والألم ، أم بالفرح والغبطة ، أم بدلالات يراها الكاتب ذات علاقة بينها وبين مفردات الإهداء.
2 ـ سيميائية الأسماء :
للتسمية في التراث العربي سمات ودلالات تحدث عنها قديماً الجاحظ في أكثر من موضع . ولذلك استدعى الاهتمام بأسماء الشخصيات التي لا شك أنها اختيرت عن قصد، بحيث تشير إلى دلالة معينة يوحي بها الاسم بعد أن تتضح صورته في ذهن المتلقي. فاسم مثل "سكينة"، لا ريب أنه يوحي إلى أن المسمى يتسم بالسكينة والوقار والهيبة... واسم كـ"عبد الودود"، و"عبد الباقي"، و"عبد الحميد" ـ وكلها مركبة من "عبد" واسم من أسماء الله الحسنى ـ تدل ولا شك على أن هذه الأسماء الدينية لها مقام في الوسط الاجتماعي.
ولعل في قصة نداء المجهول التي كتبها محمود تيمور ما يدل على ذلك ( عبد الجليل ، 1982 ، 43 – 45 ) ، وإن شئت فانظر إلى الأشخاص الذين نسَبَ إليهم أحداث القصة تجد " مجاعص " و" مِس إيفانس " و " يوسف الصافي " و"الأستاذ كنعان " و " الشيخ عاد " و" حبيبًا " . وأية تسمية تلك التي يمكن أن يسمَّى بها هذا المجاعص سوى أنه حريٌّ بهذا الاسم بما فيه من جرس صوتي خليق بهذا الاسم أو الوصم إن شئت ، فهو طبلٌ أجوف يُصدِرُ عجيجًا ولا ترى له طحنًا ، يقول ويسرف في القول ، ويزعم ويسرف في الزعم ، دون أن تحس لما يقول فعلاً ، ودون أن تلمس لما يرسل ترجمة ، يرى أنه الدليل في هذه الصحراء ، وهي منه براء ، ويدَّعي أنه الشجاع المقدام وهو الجبان الهَلوع .
أما " مس إيفانس eva " فهناك قديس يدعى " إيف Yves " وهو الذي نصر مقاطعة بريتاني غرب فرنسا ، وله فيها كنيسة مشهورة ، والشق الأول من الاسم يعني حواء ، وهو بذا يحمل معاني القوة والضعف والرقة والمغامرة ما تجده ماثلاً مترجمًا ؛ فهي التي وفدت فأثرت في باقي الشخصيات وقادتها إلى هاوية محقَّقة تنفيذًا لرغبة خاصة بها مما تجد صداه في القصة .
وما يوسف الصافي في واقعه سوى هذا الأثر الدلالي لقصة يوسف عليه السلام الواردة في القرآن الكريم ، الذي تتعلق بجماله النساء ، فهو مدعاة للشغف ، ومثار للأسى والحزن على نفسه وعلى كل من حوله ، وبذلت مس إيفانس في سبيله ما بذلت .
والأستاذ كنعان هذا الاسم الدال على البيئة التي ينتمي إليها ، والكاشف عن شخصيته المنطوية التي لا تبغي استشرافًا ، ولا تريد استطلاعًا ، إنما هو بما يعرف راضٍ .
والشيخ عاد ، هذا الرجل الوقور الذي يواجه الأحداث بطبعٍ هادئ ، وعقلٍ متزن ، وتفكيرٍ متَّئد ، وتمضي الرحلة ليلقى مجاعص حتفه ، ولتتركهم مس إيفانس لاستفساراتهم وتأملاتهم ، وحدسهم وتظنُّنهم ، فيما سلكته من مسلك ، ولا يعود مع الكاتب سوى الشيخ الذي لا يصلح له سوى " عاد " اسمًا .
وشخصية حبيب الذي يتنقَّل بين الرواد من مختلف الجنسيات ، لم يكن بد من أن يكون فعيلاً ؛ دلالةً على هذه المبالغة في دنيا الحُب ، ولم يكن بد من أن يكون بمعنى مفعول ؛ دلالةً على أن هذا الحب واقعًا عليه وليس صادرًا منه .
3 ـ سيميائية الصور :
إنّ مفهوم الصورة وإنتاجها قائم على مجموعة من الرموز والدلالات التي تضعنا أمام إشكاليّة اللغة التشكيلية ، وهي لغة مرئيّة متطوّرة عبر آليات القراءة وتنوّعها. ولأننا اعتبرنا أنّ بنية لغتنا خطّية ومتواصلة، بحيث تصلنا المعلومات شفويّا أو كتابيّا ، الواحدة تلوالأخرى على امتداد الخيط الزمني ؛ فإنّ إدراكنا للصورة شامل ومتزامن ، فالمعلومات تنكشف أمامنا في آن واحد . ذلك أنّ القراءة ناتجة عن مسار العين التي تتنقّل بين الرموز لتؤّسس محور الرؤية .
هذا المسار شخصي وغير محدود في بدايته ، وهو الشيء الذي يجعل من الصورة أحيانا أداة تواصل غير مكتملة . إذ إنّها تمتصّ قراءات وتأويلات مختلفة ناتجة عن طبيعتها المعقّدة .
والقراءة تعني اختراق الحدود التقريريّة ( الظاهر ) ، في محاولة للكشف عن الإيحاء ( الباطن ) لاستخلاص مختلف العلاقات بين العناصر التشكيليّة والأنساق التعبيريّة . وتتولّد عن ذلك عمليّة التفكيك لكلّ مركّبات الأثر الفنّي ونسيجه الداخلي بغية استجلاء ماتخفيه الرموز والدلالات . وفي الأثناء تتحدّد قناة التواصل بين الباث ( الفنان) والمتلقّي (القارئ) عبر الخطاب . ( راضية العرفاوي )
تتميز الصورة بالغموض كما تحمل معاني متعددة ، يضاف إلى ذلك أن الرسالة التي تنقلها لا يمكن فك رموزها توًا . على النقيض من ذلك نجد أن الرسالة اللسانية قادرة على تحقيق تواصل خال من اللبس .
فيما يتعلق بغموض الرسالة البصرية نقول إن غموضها يعتبر على الأجدر ميزة أكثر مما هو عيب . كما أن غموض الصور يشكل غناها ، فالصور تنقل دلالات ، ومن الصعب أن نعرف ماذا تعني، وكيف تقوم بذلك .
لقد وفرت السميولوجيا الأيقونية – باعتباره علمًا حديثًا نسبيا- إمكانية دراسة الصورة في ذاتها. ترتكز سميولوجية الصورة على مناهج تحليل مستعارة من اللسانيات ، مادامت هذه الأخيرة قد بلغت درجة من النضج العلمي : إنها تَعتبِرُ الصورة نسقًا يحمل في نفس الوقت الدلالة والتواصل . وعليه فإنها تعالج الصورة كنسق يمكن أن نتحكم علميًا في قوانين اشتغاله .
هكذا يمكن أن نعتبر الصورة كالإشارة ، أي أنها أداة تكمن وظيفتها في نقل الرسائل ، وهو ما يفترض وجود سَنَنٍ تنتج بمقتضاه تلك الرسائل . إن فك رموز الرسائل يحتم امتلاك سَنَن ، وبدون ذلك لن نتقدم بخطى حثيثة في قراءة الصورة .
هناك موقفان متناقضان ، حسب تصور Thibault-Laulan، من الصورة ، فمن جهة هناك التأمل الذي يحيل على المظهر الصوري للصورة ، وهناك من جهة أخرى الفعل الذي يرتكز على فهم وتشخيص وفك رموز الرسالة ، وهو الأمر الذي يحيل على مضمون الرسالة .
يتعلق الأمر في الحالة الأولى بالقراءة الإستاتيكية (الساكنة ) ما هو ظاهر وباد. وهو ما نسميه في اللسانيات بالإيحاء ، أما في الحالة الثانية فإننا نتحدث عن قراءة دلالية (ما معنى هذا) .
نجد هذين المستويين من القراءة ضمن كل أشكال التواصل بالصور، سواء تعلق الأمر بالإعلان الإشهاري أو بالقصص المصورة أو بالتلفزة. إن لغات الصورة كيفما كانت ، لها جميعها نقطة انطلاق مشتركة : الارتكاز على الإدراك البصري .
بيد أننا لا نكتفي أبدًا ، أمام صورة أو فيلم ، باستعمال الإدراك البصري وحده ، إذ إن هذا النشاط يكون مرفوقًا دائمًا باستثمار خيالي- أقل أو أكثر قوة - يعمل على استكمال النظرة الخالصة .
لا توجد قواعد لغة خاصة بالصورة الخالصة ؛ لأن اللغة الأيقونية غير مختزلة في سَنَنٍ موحد قابل لأن يطبَّق على كل الرسائل السمعية البصرية ؛ ففي الحد الذي يفك فيه رمز الصورة على كلٍّ من المستوى الأيقوني والمستوى الاجتماعي ، تتجاوز الصورة الإطار الصوري . إن الموضوع السمعي البصري يقدَّم للمتفرج كنسيج ، يستقبل منه في بداية الأمر إدراكًا بصريًا عامًا ، بعد ذلك يبحث عن تشخيص الدلالات المعروفة سابقًا . ومع ذلك ، فإنه يقوم ، في الواقع ، باكتشاف متدرج للعلامات.(...). ترتكز كل رسالة سمعية بصرية على عدد كبير من الرموز التي توجد بمعزل عن الرسالة ، ومجموع ذلك يكون الرسالة. وهناك صنفان كبيران من الرموز :
أ- الرموز التخصيصية، وهي الرموز المختصة بنمط التعبير المستعمل ، مثال ذلك :"الكرة" في القصة المصورة .
ب- الرموز غير التخصيصية (غير المحددة) ، وهي الرموز الحاملة لدلالات تُعدَّل بواسطة نمط التعبير الذي يقع عليه الاختيار ، ومن ثم فهي تشكِّل على الخصوص رموزًا "سوسيوثقافية" مثال ذلك : سيارة ، لباس ، بحيث يحيلان مباشرة علي قيمة اجتماعية وثقافية .
في الفوتوغرافيا تعكس الصورة في كليَّتها الواقع ، كما يصعب فصل كل ما يدخل في صياغة الدلالات عن هذا التمثيل . يتعلق الأمر بضبط الصورة ، وبالضوء ، وبزاوية التقاط الصورة ، وبعمق المجال . . . إلخ. هكذا لا نجد دائمًا الواقع في الرسالة الأيقونية ، وإنما نجد الدلالات التماثلية للواقع التي يعاد اشتغالها بواسطة الرموز التخصيصية . وعليه يظهر معنى الرسالة الأيقونية عندما يصبح المشاهد قادرًا على ترجمة الرسالة ، وإعادة المجهول معلومًا ، وجمع المعطيات البصرية ضمن معرفة موجودة سابقا. ( جوديت لازار : الصورة )
4 ـ سيمياء الزمان والمكان والعلاقة بينهما :
لعل من الفضول العلمي أن نستفسر عن الزمن الذي حدثت فيه هذه الرواية ، وإلى أي مدى كانت تعود إلى الوراء لإبراز العناصر السردية ذات العلاقة بالمسرود ، ورغبة في إظهار المسرود له . قد يعود الزمن في بعض الأعمال الأدبية إلى الوراء بعشرات السنين، فيضطرب في الامتداد عبر الماضي الطويل ، ويسمى بالزمن التاريخي ، كما يتجسد ذلك في كلام (جلال الدين) في رواية " حمامة سلام " ، وهو الطالب الأزهري ، خطب في مسجد القرية يوم الجمعة بدل الإمام الغائب ، فقال: " لقد وقع العالم في حرب طاحنة لا يعلم إلا الله مداها... حرب على رأسها هتلر الذي أصبح اسمه يتردد على الألسن" . (بلقاسم دفة : التحليل السيميائي للبنى السردية ) .
إن العلاقة التي تربط الزمان بالمكان هي علاقة تكامل ، فكل منهما يكمل الآخر، ومن ثم لا وجود لأحدهما دون الآخر ، بمعنى أن هذه العلاقة أساسية ؛ لأنها تشخص جدلية في الحياة ، وتشخص جدلية الواقع الروائي في حد ذاته . والجدير بالملاحظة ، أن الزمن والمكان في رواية الزلزال مثلاً متداخلان ، متمازجان ، حاضران حضورًا دائمًا ، قد يستحيل معه تناول أحدهما بمعزل عن الآخر...وإن كنا قد سمحنا لأنفسنا بهذا الأمر، فإنما يكون ذلك على المستوى الإجرائي لا غير. ( كرومي لحسن :حركية الزمان وجمالية المكان ) .
5ـ الوظائف السردية للشخصيات :
يقصد بالوظيفة السردية للشخصية ما تمثله هذه الشخصية من شخصيات لها ملامحها الخاصة في المجتمع ، دون الخوض فيما قامت به هذه الشخصية في النص من أدوار ، إنما نستنبط من هذه الأدوار الموجودة في النص الدور الذي تمثله هذه الشخصية في المجتمع .
فهناك مثلاً : الطيب ، الخبيث ، الانتهازي ، الوقور ، فاعل الخير ، المنافق ، الغوِيّ، الناصح الأمين ، الاستبدادي ، الظالم ، المتكبر ، . . . إلخ ( في الرجال ) .
كما أن هناك ربة البيت ، الأم المهتمة بأبنائها ، الزوجة المتفانية في خدمة زوجها ، البنت المدللة ، المرأة اللعوب ، المرأة المترجلة ، . . . ( في النساء ) .
وهناك القائد الفذ ، الزعيم المتسلط ، الحاكم العادل ، العميل للعدو . . . إلخ ( في السياسة ) . وهكذا .
6 ـ سيميائية البناء الخارجي للشخصيات :
يقصد بالبناء الخارجي للشخصية الملامح الخارجية لهذه الشخصية : شكل الوجه وحجمه ، شكل العينين ولونهما ، شكل الأنف ، العنق ، طول الشخص ، عرضه ، ما يلبسه ، مشيته ، طبيعة تحركه ، جلسته ، نبرات صوته . . . إلخ .
وهنا ليس المقصود مجرد وصف لهذه الملامح ، إنما ما يمكن أن نستنبطه من دلالات من هذه الملامح ، وما يمكن أن تشير إليه هذه الملامح من معانٍ ضمنية يريد الكاتب أن يوصلنا إليها .
7 ـ سيمياء الملامح الداخلية للشخصيات :
يقصد بالملامح الداخلية للشخصية الصفات النفسية والعقلية والفكرية والاجتماعية والخُلُقية والعقائدية التي تتمتع بها الشخصية في النص نفسه ، مثل : الانطواء ، العصبية، الغيرة ، الذكاء ، الإهمال ، سعة الأفق ، سعة الاطلاع ، البلادة ، السخاء ، الكرم ، التدين ، الإلحاد ، التعصب ، التسامح ، مساعدة المحتاجين ، الشراهة ، القسوة ، التكبر ، التواضع . . . إلخ .
إن التعرف على هذه الملامح ، تساعدنا في التعرف على ما يرمي إليه الكاتب من ذكر مثل هذه الملامح ، وخاصة التركيز على واحدةٍ أو أكثر منها في النص ، وبالتالي يساعدنا في الدراسة السيميائية للنص بصورة أفضل .
ملاحظة هناك كتب جمة تحدتث عن التحليل السيمائي من بينها على سبيل التمثيل لا الحصر :
مدخل إلى السيميائية السردية ، لسعيد بنكراد
مقدمة في السيميائية السردية للدكتور رشيد بن مالك
السيميائية أصولها و قواعدها لدكتور رشيد بن مالك
تحليل الخطاب السردي و الشعري للدكتور بشير عبد العالي
الإشتغال العاملي للدكتور السعيد بوطاجين
و كتب أخرى للدكتور عبد الحميد بورايو و الدكتور عبد المالك مرتاض و سعيد يقطين و محمد مفتاح وعبد الفتاح كيليطو و الدكتور مولاي علي بوخاتم و الدكتور أحمد يوسف....إلخ و موقع سعيد بنكراد لمجلة علامات السيميائية و موقع Robert marty.fr الخاصة بالدراسات السيميائية
ابن الواحات
14-12-2008, 08:36 AM
جزاك الله خيرا أخي (( السيميائي )) .
حبذا لو دعمت مشاركتك بمثال تطبيقي للتحليل السيميائي.
ولتكن قصة قصيرة .
عطية العمري
28-04-2009, 09:28 AM
السلام عليكم ورحمة الله
أولاً : أشكركم على موقعكم الرائع والمفيد
ثانيًا : موضوع ( التحليل السيميائي للنصوص الأدبية ) هو من إعدادي ومنشور في العديد من المواقع ، فكان الأولى الإشارة إلى أنه منقول أو الإشارة إلى الكاتب الأصلي
ثالثًا : سأوافيكم بأمثلة تطبيقية على هذا التحليل تباعًا ـ إن شاء الله ـ وهي حول نصوص من كتاب الصف العاشر ( المطالعة والنصوص ) المقرر في فلسطين ، وأبدأ بالموضوع التالي:
تحليل سيميائي مقترح لنص " سباق العِقبان والنسور "
من كتاب " المطالعة والنصوص "
للصف العاشر الأساسي في فلسطين / الجزء الثاني
عطية العمري
مقدمة :
النص الذي بين أيدينا عبارة عن قصة قصيرة ، تقوم على الفكرة ، وهي قصة رمزية على لسان الطيور، وتهدف إلى تعميق الوعي الوطني ، ومؤلفها فؤاد حجازي أديب عربي معاصر من مواليد المنصورة بمصر ، وقصته التي بين أيدينا من مجموعته القصصية ( الأسد ينظر في المرآة ) الصادرة عام 1990م الموجهة للفتيان .
والسيميائية أو السيميولوجيا هي " دراسة حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية " ( بنكراد ، 2003 ) . وهي في حقيقتها " كشف واستكشاف لعلاقات دلالية غير مرئية من خلال التجلي المباشر للواقعة ، إنها تدريب للعين على التقاط الضمني والمتواري والمتمنِّع ، لا مجرد الاكتفاء بتسمية المناطق أو التعبير عن مكنونات المتن " ( بنكراد ، 2003) .
وقد تمت الاستعانة في هذا التحليل بعدة دراسات عربية وأجنبية لعل من أبرزها :
1- دراسة سعيد بنكراد ( 2003 ) بعنوان : " السيميائيات : مفاهيمها وتطبيقاتها " .
2- دراسة بلقاسم دفة ( 2003 ) بعنوان : التحليل السيميائي للبنى السردية في رواية (( حمامة سلام)) للدكتور نجيب الكيلاني .
3- دراسة سعد بوفلاقة ( 2000 ) بعنوان : " التحليل النصي لجزء من بائية ابن خفاجة الأندلسي " .
وسيتم في هذا التحليل تناول النقاط التالية :
1- سيميائية العنوان 2- سيميائية الصور الواردة مع النص 3- سيميائية البناء الداخلي للشخصيات الواردة في النص 4- سيميائية البناء الخارجي للشخصيات 5- سيميائية الزمان والمكان 6- سيميائية الأحداث 7- سيميائية بعض العبارات الواردة في النص .
وأود قبل البدء في هذا التحليل أن أنوه إلى أن التحليل السيميائي يتأثر بدرجة كبيرة بشخصية من يقوم بالتحليل وبالظروف المحيطة به ؛ ولذلك فإن التحليل السيميائي لنص معين قد يختلف من شخص إلى آخر ، ومن منطقة لأخرى ، ومن فترة زمنية لأخرى ؛ وهو بذلك مجال خصب للإبداع ، فلا قيود عليه إلا أن تكون هناك دلائل في التحليل المقترح على صحة ما ذهب إليه من قام بعملية التحليل .
كما أود أن أنوه إلى أن التحليل السيميائي يركز على جانبين : 1- الرمزية والدلالات 2- ربط النص بالواقع ، ولكن ليس بالضرورة أن يقتضي ذلك التطبيق الدقيق على أشخاص بعينهم أو أماكن بعينها أو قضية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو فكرية بعينها .
1 ـ سيميائية العنوان :
اهتم علم السيمياء بالعنوان في النصوص الأدبية ؛ باعتباره علامة إجرائية ناجحة في مقاربة النص بغية استقرائه وتأويله ( دفة 2003 ) . والنص الذي بين أيدينا هو بعنوان " سباق العقبان والنسور " ، وهذا العنوان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمضمون النص ؛ فهو يتحدث عن سباق جرى بين مجموعة من العقبان ومجموعة من النسور ، ولكن يجب التنويه إلى عدة ملاحظات على هذا العنوان منها :
1- يتضح من العنوان أن هذا السباق لم يكن سِباقاً في جو من الألفة والمحبة وحسن الجوار ، ولكنه في جو من التنافس غير الشريف والطمع ومحاولة الاعتداء على حقوق الآخرين . ولعل اختيار العقبان والنسور له دلالته الخاصة على ذلك ، فهو سباق بين طيور جارحة تتميز بالقوة والشدة ، ولو كان سباقاً بين مجموعتين من الحمام ، أو بين البلابل والحساسين مثلاً لاختلفت الدلالات .
2- لا يتضح من العنوان طبيعة هذا السباق ، وإن كان يفهم ضمناً أنه سباق في الجو نظراً لأنه سباق بين طيور .
3- لقد اختار الكاتب أن يكون سباقًا بين العقبان والنسور ، والمعروف أن النسور أقوى وأشد من العقبان ، والنسر هو الذي يطلق عليه ملك الجو ، فلم يكن السباق إذن بين قوتين متوازنتين ، وهو بذلك يعكس طبيعة الصراع الأبدي بين الأقوياء والضعفاء ، وربما لو اختار الكاتب أن يكون سباقًا بين النسور والحمائم مثلاً لكان أقرب إلى الواقع ؛ لأن العقبان ليست ضعيفة ولكنها أقل قوة من النسور فقط .
4- المقصود بالسباق هنا ليس سباقاً عادياً ، إنما المقصود منه صراع بين قوي وضعيف ، وإن كان في ظاهره سباقاً .
5- لعل اختيار النسور بالذات ، تلك الطيور الفتاكة ، التي لاتحسب حسابًا لأحد ، ربما جاء ليرمز إلى من يطلقون على أنفسهم القوة التي لا تُقهر ، والقوة التي جعلت لنفسها حقًا في أن تحتل أي بلد وتعتدي على أي بلد دون أن يملك أحد أن يقول لها : لماذا ؟ أما اختيار العقبان بالذات فربما يرمز إلى الدول العربية التي عندها مواطن قوة كثيرة لم تستغلها وتخيلت أنها لا قِبَل لها بتلك القوة التي لا تقهر ، فجاء هذا النص ليصحح المفاهيم ويوضح أنها _ لكي تتغلب على القوة التي لا تقهر ـ عليها أن تثق بنفسها وبإمكاناتها ومقدَّراتها .
2 ـ سيميائية الصور :
يمكن القول إن ما ترمز إليه الصور المصاحبة للنص بمكوناتها وأشكالها وألوانها تكاد تتطابق مع عنوان النص ، فالصورة الأولى جاءت مرافقة لمقدمة النص ، والتي عنونت بعنوان " بين يدي النص " ، واحتلت هذه الصورة جزءًا لا بأس به من الصفحة ، وفيها مجموعة من النسور تواجه مجموعة من العقبان تنظر إلى بعضها البعض في حدة وغضب ؛ ليؤكد أنه صراعٌ وليس سباقًا . وفي أسفل الصورة صقر طائر في الجو ليدلل على طبيعة السباق ، وهو أنه سباق طيران في الجو. ولعل اختيار اللون الأسود لهذه الصورة جاء ليدلل على الحقد والكراهية التي تؤطر هذا السباق ، أو بالأحرى هذا الصراع .
أما الصورة الثانية فإنها تشمل نسرين ، يفرد أحدهما جناحيه ، مستعرضاً قوته ، رافعاً رأسه إلى أعلى ، وبجانبه نسر آخر يقف ضاماً جناحيه خافضاً رأسه . ولعل المقصود بالنسر الأول تلك القوة العظمى التي تستعرض قوتها على العالم كله ، أما النسر الآخر فهو تلك القوة التي تستمد قوتها من القوة الأولى ، وتعيش في حمايتها ، ولكنهما على أية حال نسران من نفس الفصيلة ، ومن تلك الفئة الظالمة الباغية . وقد لوِّنت الصورة باللون الأزرق؛ ربما لتشير إشارة واضحة إلى تلك القوتين ، فالعلم الأمريكي يحتوي على اللون الأزرق ، والعلم الإسرائيلي كله باللون الأزرق ، حتى علم الأمم المتحدة هو باللون الأزرق .
وأما الصورة الثالثة فهي صورة لنسر وصقر طائرين أثناء السباق ، وكل منهما يرفع رأسه إلى أعلى ؛ دليلاً على رغبته في التغلب والانتصار على الآخر ؛ وهذا يدلل على أن من هو أقل قوة لم يستسلم للأقوى منه أو يخضع له . ووجود شمس الصباح بحجم كبير في أعلى الصورة ، واللون الأزرق للنسر والصقر في أسفلها يدلل على أن شمس الحرية والنصر ستشرق حتماً . ولكن كان من الأفضل تلوين الصقر بلون مخالف للون النسر .
أما الصورة الرابعة فهي للنسور في نهاية السباق ، لا تبدو ملامحها جيداً ، دليلاً على حيرتها وحزنها مما يوحي بأنها خسرت هذا السباق ، كما أنها تنظر في اتجاه واحد بعيداً ، مما يوحي بأنها ستغادر المكان إلى مكان آخر . أما اختيار اللون الرمادي لهذه الصورة فله دلالاته أيضًا ؛ " فاللون الرمادي هو مزيج من الأبيض والأسود ، النور والظلمة ، الوضوح والغموض ، الأمل واليأس . ومن دلالات هذا اللون أنه علامة على الغموض والفوضى ، وعلى اختلاط الأمور ، وعدم الاستقرار " ( كرير 2004 ) . وهو ما يدل على الغموض الذي ينتظر مستقبل هذا القوي المتجبر بعد أن فوجئ بعجزه عن فرض إرادته على الجميع .
3 ـ سيميائية البناء الداخلي الشخصيات :
وردت في النص عدة شخصيات هي : قائد النسور ، قائد العقبان ، العقاب الحكيم ، أحد النسور ، العقبان التي اشتركت في السباق ، النسور التي اشتركت في السباق ، بقية النسور ، رئيس فريق العقبان التي اشتركت في السباق ، جميع العقبان في المنطقة ، الطيور والحيوانات من أهل الجبل .
ونبدأ بقائد النسور ، فهو الذي يقود جماعته للاعتداء على الآخرين والاستيلاء على ممتلكاتهم واحتلال وطنهم ، وهو بذلك يمثل رئيس تلك الدولة العظمى التي تريد فرض هيمنتها على الآخرين . ولكنه يشاور باقي النسور في أمر المسابقة حين عرض عليه حكيم العقبان ذلك ، إنه ينادي بالديمقراطية ، ويطبقها على أفراد شعبه فقط ، أما الآخرون فعليهم القبول بما يمليه عليهم . ولكن هذا القائد حين يجد أن حساباته لم تكن صحيحة ، وأنه هُزم مرتين من حيث توقع النصر ، لا يجد بدًا من التخلي عن أطماعه في هذا المكان بالذات ، ولربما فكر في مكان آخر يكون أصحابه أقل قوةً ، أو أقل عزيمةً في مقاومة المحتل .
أما قائد العقبان فعلى النقيض من الأول ، إنه يمثل القائد الذي يقود شعبه إلى النصر ، وهو القائد الذي لا يجد غضاضةً في مشاورة أهل الرأي والمشورة ( العقاب الحكيم ) ، إنه القائد الذي يحلم به الجميع ليخلصهم من نير الاحتلال ، ولو كان هذا الاحتلال أقوى عددًا وعدة . فهذا العقاب القائد استطاع أن يطرد النسور التي احتلت أوكار العقبان، رغم أن النسور أقوى وأصلب عودًا من العقبان . كما أنه على اتصال وثيق بجنوده وقواته المسلحة ( العقبان المشتركة في السباق ) ، يرفع من معنوياتهم حين يتعرضون للهزيمة ( الجولة الأولى من السباق )، ويبصِّرهم بمكامن القوة التي لديهم والتي يمكن أن يستغلوها لتحقيق النصر ، ويدفعهم إلى عدم الاغترار بالنفس حين يحققون النصر ( الجولة الثانية ) ؛ حتى يحققوا مزيداً من الانتصارات . إنه القائد الحكيم الحريص على شعبه الذي يعرف نفسه ويعرف عدوه معرفةً جيدة ، ورغم ذلك لا يستبد برأيه ، ولكنه يشاور من هم أهلٌ للمشورة ، إنه القائد الذي نحن جميعاً في الدول العربية والإسلامية ، بحاجة ماسة إليه .
أما العقاب الحكيم فيمثل مستشاري القائد أو الرئيس ، فهذا العقاب يتميز بالذكاء والحكمة ومعرفة قدرات شعبه وقدرات عدوه ، وعندما يجد أن عدوه أقوى منه ، لا يجزع أو يتنازل أو يستسلم ، بل يفكر تفكيراً عملياً يقلب به موازين القوى لصالح بلده وشعبه ، إن الكاتب كما لو يريد أن يقول لنا : إن هذه الصفات هي التي يجب أن تتوافر في مستشاري الرئيس أو القائد ، إن كنا حقاً نريد تحقيق النصر .
ثم تطالعنا شخصية أحد النسور الذي أراد أن ينصح قائده بقوله : " ولكن . . . إذا خسرنا السباق؟" ، فلا يجد من قائده المتعجرف إلا التهكم والسخرية والتأكيد على أنهم منصورون لا محالة . إن هذا النسر يمثل صوت الشعب في البلاد التي يكون للزعيم أو القائد فيها الكلمة الأولى والأخيرة ، حيث لا يؤبه لهذا الصوت ؛ فتكون الخسارة والندامة على الجميع .
أما العقبان التي اشتركت في السباق فتمثل الجندي الذي يضحى في سبيل وطنه ، الواثق من قائده وتوجيهاته إليه، الذي لا ينهار لأول هزيمة يتعرض لها ، بل يستجمع قوته ، ويستغل جميع إمكاناته ، فيحقق النصر على عدوه ، ويطرده من أرضه . إنه الجندي الذي نُعِدُّه ليوم النصر القادم .
وأما النسور التي اشتركت في السباق ، فتمثل الجيش الذي يدَّعي أنه لا يُقهر ، إنه واثق من نفسه إلى حد الغرور والاستهتار بقوة خصمه ، ولما انتصر في الجولة الأولى ، اعتقد أنه منصور إلى الأبد ، ولكنه فوجئ بأن تعرض للهزيمة ( في الجولة الثانية ) ، فلم يستفد من هذه التجربة ، ولم يأخذ منها العبر ، فتعرض إلى هزيمة ثانية اضطرته إلى الإقلاع عن احتلال بلاد الآخرين ونهب خيراتهم .
أما قائد فرقة العقبان التي اشتركت في السباق فكان يتمتع بصفة القائد العسكري الممتاز؛ لقد تمالك نفسه بعد الهزيمة (في الجولة الأولى )، وأخذ ـ بالاشتراك مع العقاب الحكيم ـ في لوم العقبان بلطف دون تعنيف، وأتاح المجال للعقاب الحكيم ليرشدهم، وينبههم إلى مصادر القوة لديهم لاستغلالها، مما كان له الدور الأكبر في حسم نتيجة السباق لصالحهم.
وهناك بقية العقبان التي جاءت في نهاية السباق ، مما أعطت دعما معنويًا للعقبان التي كانت في المنطقة، ورادعاً للعدو فأدرك أنه أمام قوة أكبر من القوة التي يراها في المنطقة ، إنها ترمز لأبناء الشعب في الشتات ، الذين عليهم أن يقدموا الدعم المادي والمعنوي لوطنهم وشعبهم في صراعه ضد أعدائه ، لا أن يبقوا بعيداً وكأن الأمر لا يعنيهم .
أما بقية الحيوانات والطيور من أهل الجبل ، التي جاءت في نهاية السباق أيضاً ، فتمثل الدول العربية والإسلامية، لقد تكاتفت وجاءت لتساعد العقبان في صراعها مع النسور ، مما جعل قائد النسور يحسب لها حساباً ، فلولا قدومها لتحول السباق إلى صراع دموي ستكون العقبان هي الخاسرة فيه ، ولكن حينما رأى قائد النسور هذه الحيوانات أدرك أنه لا قِبَل له بها ؛ قرر الانسحاب وترك المنطقة لأصحابها . وكأن الكاتب يقول : إنه لا غنى لأية دولة عربية أو إسلامية عن باقي الدول العربية والإسلامية في صراعها ضد أعدائها .
4 ـ سيميائية البناء الخارجي للشخصيات :
لم يفصِّل الكاتب كثيرًا في الوصف الخارجي لشخصيات القصة ، ما عدا ما قاله قائد النسور : انظر إلى مخالبنا القوية ، وانظر إلى مخالبهم الضعيفة ، وانظر إلى مناقيرنا الحادة ، وانظر إلى مناقيرهم المعقوفة . وهذا يدلل على أن النسور أقوى من العقبان من الناحية المادية ؛ مما دفعهم إلى محاولة احتلال أوكار العقبان .
5 ـ سيميائية الزمان والمكان :
اختار الكاتب أن تكون أوكار العقبان مكانًا لأحداث قصته ، فهذا المكان يمثل الوطن الذي يعيش فيه أهله في أمن وأمان ، حتى يداهمهم عدو طامع يريد احتلاله واستغلال خيراته وثرواته . ثم اختار أن تكون هذه الأوكار " في أرضٍ ذات جوٍّ معتدل ، ساطعةٍ شمسها " ، في طريق رحلة الطيور السنوية كل شتاء " هربًا من ثلوج أوروبا إلى دفء إفريقية " . إننا نفهم من هذا الوصف بأن المكان يوجد في منطقة الشرق الأوسط ، في حين أن النسور المعتدية الطامعة قدمت من أوروبا ، فليس من الغريب أن نستنتج أن المكان المختار يمثل إحدى دول الشرق الأوسط التي يطمع الغرب في احتلالها ونهب خيراتها . واختار الكاتب أيضاً أن تكون منطقة جبلية تحيط بها السهول ، وأن يبدأ السباق من قمة جبل إلى السهول المحيطة لإحضار الفرائس ، ومن ثم العودة إلى قمة الجبل ، حتى تكون نتيجة السباق واضحة مرأيةً للجميع ، لا يمكن الطعن فيها .
أما الزمان ، فاختار الكاتب له الشتاء ، عندما تقوم الطيور المهاجرة برحلتها السنوية "هربًا من ثلوج أوروبا إلى دفء إفريقية" ، والشتاء في هذه المنطقة معتدل يغري أهل أوروبا بالقدوم إليها ، فهي قد تمثل أحد أسباب الأطماع الاستعمارية في الوطن العربي .
6- سيميائية الأحداث :
تبدأ الأحداث بمجموعة من العقبان ، تعيش في أوكارها آمنةً مطمئنة ، كأي شعب حر مستقل يعيش في وطنه ، وبلغ من الأمن والأمان فيه ، أن خرج الجميع لجلب الطعام ، ولم يتركوا أحدًا يحرس المكان . وعند عودتها من رحلتها اليومية لجلب الطعام ، وجدت مجموعة من النسور القادمة " من أوروبا " قد احتلت هذه الأوكار دون وجه حق ، اللهم إلا أن هذا المكان أعجبها ، وأنها تملك القوة الكافية للسيطرة عليه ، وطرد أهله منه . وعندما استهجنت العقبان ذلك ، واستفسرت عن السبب ، أجابها قائد النسور إجابة المتعالي المتكبر الذي لا يملك إلا منطق القوة " أنهم قرروا الاستيطان في هذه الجبال"، فما دام الأسياد قد قرروا فما على العبيد إلا أن يخضعوا لرغبات أسيادهم . وليس ذلك فحسب ، بل " طلب من العقبان أن تبحث لها عن مكانٍ آخر " . وحينما حاول قائد العقبان أن يكلمه بمنطق العقل وقال له : " هل هذا جزاؤنا أن أتحنا لكم فرصةً للراحة ، وإصابة شيء من الغذاء قبل مواصلة رحلتكم ؟ " ، ما كان من قائد النسور إلا أن " شمخ بمنقاره ناحية السماء ، وقال : لماذا يتحتم علينا الرحيل ؟ ارحلوا أنتم ، وسوف نستضيفكم إذا حضرتم في أي وقت " . وهكذا صار المعتدي هو صاحب الحق ، وأصبح أهل البلاد الأصليين ضيوفًا فقط في وطنهم ، ولكن لا يحق لهم الإقامة الدائمة فيه . ثم بعد أن كرر قائد العقبان تأكيده بأن هذا وطنهم ، لم يكن من النسور إلا أن رفرفت بأجنحتها ، وأبرزت مخالبها ، استعراضًا لقوتها ، فالمسيطر هنا منطق القوة وليس منطق الحق .
ماذا تفعل العقبان ، وقد احتُلت أوكارها ، ولا قِبَل لها بطرد المحتل بالقوة ، فهو أقوى منها بكثير ، هل تستسلم وتترك وطنها نهبًا للعدو المحتل ؟ هل تقاتل عدوها ولو كان في ذلك فناؤها ؟ هنا نظر حكيم العقبان ـ مستشار القائد ـ فوجد أن موازين القوى ليست في صالحه ، فلا يوجد في المنطقة من يساعد العقبان ، بل بالعكس لا توجد إلا الطيور المهاجرة التي قد تساعد النسور إذا لزم الأمر . فلا بد إذن من الحيلة ، واتباع الوسائل السلمية ، ولكن دون تفريط بالحقوق ، بل يجب إبقاء الهدف الأساسي ـ وهو التحرير ـ نصب أعين العقبان جميعًا. اقترح العقاب الحكيم على قائد النسور إجراء سباق بين خمسة نسور وخمسة عقبان ، والفريق الفائز يكون من حق أهله الإقامة في هذا المكان ، فابتسم قائد النسور لأنه واثق من نفسه ومن جماعته لدرجة الغرور ، وأكد هذا التوجه أحد النسور عندما قال : " لن نخسر شيئًا ، انظر إلى مخالبنا القوية ، وانظر إلى مخالبهم الضعيفة ، وانظر إلى مناقيرنا الحادة ، وانظر إلى مناقيرهم المعقوفة " . إنه منطق القوة الذي يحكم دائمًا تصرفات العتاة المتجبرين في الأرض .
طارت النسور وضحكت ، دون أن تستعد للسباق ، بينما اجتمعت العقبان للتشاور في الأمر ، وهنا يبرز أحد العقبان معترضًا : " هذه بلادنا من قديم الأزل ، فلماذا نُخضع إقامتنا فيها لنتيجة سباق قد نخسره ؟ " . وقد يبدو كلامه منطقيًا ، ولكن العقاب الحكيم يقنعه ـ دون اللجوء لفرض رأيه ـ أنه ما من حل آخر ، " ثم من قال إن العقبان تخسر سباقًا فوق جبالها ؟! " . فالعقاب الحكيم ركز على الروح المعنوية ، وأراد أن لا يكون ضعف العقبان ماديًا قياسًا إلى قوة النسور ، سببًا في الهزيمة النفسية للعقبان .
تَمَّ تحديد شروط السباق ، ومنها أن من يفُز في مرتين يكن له حق الإقامة . وابتدأ السباق ، فكان النصر حليف النسور في الجولة الأولى ، فأخذت النسور نشوة النصر ، بينما لم تحطم الهزيمة العقبان معنويًا ، بل كانت الهزيمة حافزًا لمراجعة أوضاعهم، وتحديد أسباب هزيمتهم ، لإمكانية تغيير خططهم الحربية ، واكتشفت العقبان أن السبب الرئيس كان التفاوت في الروح المعنوية بين الفريقين ، فقد كانت النسور أثناء السباق تبث روح اليأس لدى العقبان " . لذلك قام العقاب الحكيم ، بتشجيعهم ، ولكي يكون تشجيعه مقنعًا ، ذكر لهم بعض المزايا التي يتمتعون بها دون النسور، ومن أهمها أنهم أهل المنطقة ، ويعرفون مساربها والتيارات الهوائية بين الجبال ، فلا بد أن يستغلوا هذه الميزة لصالحهم . إن هذا يجب أن لا يكون غائبًا عن أي شعب يقاوم محتليه ، فأهل مكة أدرى بشعابها .
ابتدأت الجولة الثانية من السباق ، فكان النصر حليف العقبان هذه المرة ، لأن النسور أخذتها نشوة النصر، أما العقبان فقد استفادت من أخطائها السابقة . ولكن العقاب الحكيم حذَّر العقبان من أن يقعوا فيما وقع فيه النسور في الجولة الأولى ، فقال لهم : " إياكم أن تتعالوا على النسور ، لما تحقق من نصر في المرة السابقة ، انسوا ذلك تمامًا ، وأرونا همتكم ، وأحِدّوا من أبصاركم ، واستجمِعوا كل قواكم" . أما قائد النسور فكان رد فعله التوبيخ لمجموعة النسور ، وتوعَّدهم بالطرد من جماعة النسور إذا لم يفوزوا في المرة القادمة ، ولم يشجعهم ، ولم يعطهم توجيهات خاصة للاستفادة من أخطائهم . وكان نتيجة كل ذلك أن كان النصر حليف العقبان في الجولة الثالثة أيضًا . وفي ذلك توجيه للقادة والدول والشعوب في كيفية التصرف في كل من حالتي النصر والهزيمة .
من المنطقي أن يكون المكان من نصيب العقبان ، بناء على شروط السباق التي تم الاتفاق عليها ، ولكن القوي لا يلتزم بالقوانين إلا إذا كانت في صالحه ، فقد استعدَّت النسور للانقضاض على العقبان . وهنا حضرت جميع العقبان ( التي تمثل المواطنين في الشتات ) ، كما حضرت جميع الطيور والحيوانات من أهل الجبل ( التي تمثل دول الجوار ) ؛ فأدرك قائد النسور أنه لو نشبت معركة لكسبتها العقبان ؛ فطأطأ رأسه ، وأشار للنسور وباقي الطيور الحليفة بالرحيل . وفي ذلك عبرة عميقة وضحها العقاب الحكيم بعد أن هنأ قائد العقبان حين قال : " حسنًا فعلت الغربان القادمة من البلاد المجاورة حين وقفت في صفنا " .
7 ـ سيميائية بعض العبارات الواردة في النص :
سوف نناقش فيما يلي الدلالات والإشارات المحتملة لبعض العبارات الواردة في النص كنموذج ، ويمكن لمن أراد أن يبحث في سيميائية عبارات أخرى في ضوء الفهم العام والتفصيلي لمضمن النص :
1 ـ " استفسرت العقبان عن سبب ذلك ، فأخبرهم قائد النسور أنهم قرروا الاستيطان في هذه الجبال " : أي أنهم ليست لديهم أدلة على أحقيتهم بهذه البلاد ، ولكن منطق القوة يقضي بأنه ما دام القوي قد قرر شيئًا ، فما على الضعيف إلا أن يقبل ذلك صاغرًا ، ولو كان في ذلك هلاكه وطرده من أوطانه . وهذا هو المبدأ السائد في العالم في هذه الأيام ، والأمثلة من الواقع أكثر من أن تُحصى .
2 ـ " شمخ قائد النسور بمنقاره ناحية السماء " : دليل على الكبرياء والتعالي على الآخرين ، والاستهتار بهم ، والاغترار بقوته . فالأقوياء في هذا العالم غرتهم قوتهم ، فتكبروا على خلق الله ، واستهانوا بهم ، ولم يتورعوا عن نهب خيراتهم بغير وجه حق .
3 ـ " أدرك عقاب حكيم أن كارثةً سوف تحدث للعقبان ، إذا تقابل الفريقان " : وهذا دليل على أنه يجب تحديد موازين القوى قبل اتخاذ قرار بمحاربة العدو ، فإن كانت موازين القوى في غير صالحنا ، فكرنا بحلول بديلة ، بشرط عدم التنازل عن الحقوق الثابتة .
4 ـ " ابتسم قائد النسور " : دليل على السخرية من اقتراح العقاب الحكيم ، وعلى ثقته بأن النسور سوف تفوز في السباق لا محالة . وهذا منطق القوي دائمًا في هذه المعمورة .
5 ـ " وطلب ـ قائد النسور ـ مهلة يشاور فيها باقي النسور " : دليل على أنه يطبق الديموقراطية على أبناء جنسه فقط ، أما الشعوب الأخرى فإن معاملتها تكون بالقهر والتسلط .
6 ـ " طارت النسور وضحكت " : دليل على اغترارها بقوتها ، واستهتارها بالعقبان وقوتها ، وسخريتها من هذه العقبان .
7 ـ " سرعان ما عادت النسور تحمل فرائس من حيوانات ضخمة ، تلوَّت بين مناقيرها ، عاجزة عن الإفلات ، وقد سالت من بعضها الدماء " : دليل على قوة النسور ، وعلى أنها فازت في الجولة الأولى عن جدارة .
8 ـ " وبعد قليل جاءت العقبان ، وقد حملت فرائس من حيوانات هزيلة