الزمن السردي في انشودة المطر
الاستاذ سالم عبد النبي العقابي
الاستاذة نجوى محمد جمعة البياتي
المقدمـة
بسم الله الرحمن الرحيم
يعد الزمن من العناصر المهمة في الفن القصصي، فلا يمكن ان تحدث عملية القص دون وجود حيز من الزمان . ولوجوده في السرد اهمية كبيرة فهو ( عنصر اساسي في القصة، وبدون الزمن لايمكن أن تستقيم، وعلاقة القصة بالزمن علاقة مزدوجة، فالقصة تصاغ في داخل الزمن ، و الزمن يصاغ في داخل القصة )(1) و لا يمكن أن تسرد القصة دون تحديد زمنها .
ويرتبط عنصر الزمن بعناصر السرد الاخرى ـ الاحداث ، الشخصيات ، المكان ـ فلايمكن دراسة الزمن إلا عبر الاحداث التي تجري فيه ، فالحدث ( اقتران فعل بزمن )(2) والزمن ( مدى بين الافعال )(3) . ويرتبط ـ الزمن ـ بالشخصية ارتباطاً وثيقاً وقد يتغير مساره بتغيرها في السرد ( فظهور اكثر من شخصية رئيسة في القصة يقتضي الانتقال من واحدة الى اخرى وترك الخط الزمني الاول للتعرف على ما تفعله الشخصية الثانية اثناء معايشة الاولى لحياتها )(4) . ولا يمكن أن نغفل ارتباطه ـ أي الزمان ـ بالمكان فكل قصة لابد أن تشتمل على عنصرين متلازمين هما الزمان و المكان فالأول يمثل الاحداث نفسها و الثاني يمثل الخلفية التي تقع فيها الاحداث(5) .
وبعد أن بينا اهمية الزمن وعلاقته بعناصر السرد الاخرى لابد أن نقف عند تقسيم الشكلانيين الزمن على قسمين هما : (6)
1 ـ زمن المتن الحكائي وهو ( زمن تعاقبي خطي ليس من طبيعته حدوث شروخ فيه ، يضع لحظة في موضوع سابق أو لاحـق لحدوثـها )(7) .
2 ـ زمن المبنى الحكائي وهو ( زمن تعاقبي تحديداً يبدأ لحظة النطق وينتهي لحظة توقف الشاعر )( .
ويستدعي فهم تلك الثنائية ( زمن المتن وزمن المبنى ) ، تحليل النص السردي على وفق ثلاثة ضروب من العلاقات .
1 ـ ( العلاقات بين النظام الزمني لتتابع الاحداث في الحكاية والنظام الزمني لترتيبها في النص .
2 ـ العلاقات بين الديمومة النسبية للاحداث في الحكاية و ديمومة النص أي (طوله) .
3 ـ علاقات التواتر و العلاقات بين طاقة التكرار في الحكاية وطاقة التكرار في النص )(9) . وسنحاول ـ في ثنايا البحث ـ تبيان أنماط تلك العلاقات الزمنية.
أولاً : مستوى الترتيب
ويعني ( الصلات بين الترتيب الزمني لتتابع الاحداث في القصة والترتيب الزمني الكاذب لتنظيمها في الحكاية )(10) ، فعندما لا يرتب الكاتب ـ الضمني ـ الاحداث في الزمنين ، وينتقل ـ اثناء السرد ـ من الماضي الى الحاضر أو العكس يستعمل تقنيتين سرديتين تتمثل في الاسترجاع والاستباق .
أ ـ الاسترجــاع :
ويسميه جينيت analepse ويعني ( إيقاف السارد لمجرى تطور أحداثه ليعود لاستحضار أو استدكار أحداث ماضية )(11) ، لم تدخل في الاطار الزمني للمحكي الاول، وقد يسمي اللواحق ويعني ( ايراد حدث سابق للنقطة الزمنية التي بلغها السرد )(12) . وقد تسمى ـ ايضا هذه العملية بالاستذكار (التذكر) وهو ( احتيال ارادي وجهد فكري لاستعادة ما اندرس ولا وجود له الا في الانسان وهو استرجاع يعيد الذكريات بالاستدعاء محددا بالزمان والمكان )(13) . و الاعتماد على الذاكرة ـ هنا ـ ( هو من التقنيات المستحدثة في الرواية ، و وضع الاسترجاع في نطاق منظور الشخصية يصبغه بصبغة خاصة، ويعطيه مذاقاً عاطفياً )(14) .
وقد يستخدم ـ الاسترجاع ـ لربط ( حادثة بسلسلة من الحوادث المماثلة لها ، ثم تذكر في النص الروائي من باب الاختصار )(15) ، أو لتقديم شخصية جديدة على مسرح الاحداث و التعرف على ماضيها وطبيعة علاقتها بالشخصيات الاخرى(16) . وللاسترجاع وظائف عدة هي :
1 ـ إعطاء معلومات عن ماضي عنصر من عناصر الحكاية ( شخصية ، اطار ، عقدة ) .
2 ـ سد ثغرة حصلت في النص القصصي أي استدراك متاخر لاسقاط سابق مؤقت ويسمى هذا الصنف اللواحق المتممة او الإحالات analepses completives ourenvois .
3 ـ تذكير بأحداث ماضية وقع ايرادها فيما سبق من السرد أي عودة السارد بصفة صريحة أو ضمنية الى نقطة زمنية وردت من قبل ويسمى هذا الصنف باللواحق المكررة أوالتذكير analepses completives ou renvois ) ولهذه اللواحق وظيفة مهمة جداً رغم ضعف حجمها النصي وكونها مقاطع نصية لا تساعد على تقدم سير الاحداث اذ هي تبرز القيمة الدلالية الخاصة لبعض عناصر الحكاية .
وقد يساعد هذا الصنف من اللواحق على القيام بين وضعيتين كأن يقارن السارد بين وضعية البطل الحالية و وضعيته في بداية الحكاية سواء أكان ذلك لابراز تشابه الوضعيتين أم اختلافهما كما ترد هذه اللواحق في السرد تذكيراً بأحداث سابقة لتأويلها تأويلاً جديداً حسب معطيات جديدة متأتية من الاحداث الواردة بعدها )(17) .
4 ـ ( العودة الى شخصيات ظهرت بإيجاز في الافتتاحية ولم يتسع المقام لعرض خلفيتها او تقديمها000 والعودة الى شخصية اختفت فترة ثم ظهرت ثانية على مسرح الاحداث ويريد الكاتب ان يعرفنا ما حدث لها اثناء غيابها )(18) .
ولو تأملنا الديوان جيداً لوجدناه زاخراً بهذه الحركة الزمنية وحسبنا أن نورد مقاطع عدة فيه توضح تلك الحركة. ففي قصيدة( المبغى) استرجع الشاعر الاحداث الماضية عندما قال :
بالأمس كان العيد ، عيد الزهورْ :
الـزادُ تحثوه الربى ، والخمور ii،
والــرقـص ، والاغـنـيـات
والــحــب iiوالـكـركـرات
ثــم انـتهى ألا بـقايا iiطـيور
تـلـتقط الـحـب ، iiوإلادمـاء
مـما نـماه الـحقلُ طـيرٌ iiوشاء
وغير اطفال يطوفون أُور : (19)
يمثل التيار الوعي ـ في هذا النص ـ أفضل طريقة لتجسيد تلك التقنية ـ أي االاسترجاع ـ فالراوي عاد بذاكرته الى الوراء عبر هذا التيار واستدعى ما حدث بالامس ، عندما مرت ايام العيد ، ايام الزهور والرقص والغناء ، وسرعان ما تلاشت تلك الايام ، لكن تعلق الراوي بذلك الماضي جعل ذاكرته مشدودة الى الوراء تتخيل تلك الايام الجميلة و ترفض ايام الحزن والشقاء .
و تـرفض ايام الحزن والشقاء ii.
الـعيدُ ، مـن قال انتهى عيدُنا ii؟
فـلـتملا الـدنـيا iiأنـاشـيدُنا
فالأرض مازالت بعيدٍ تدور (20)
مازال الراوي متعلقاً بذلك الماضي مستذكراً اياه قائلاً :
بالامس كان العيد، عيد الزهور ،
والــيـومُ ؟ مــا نـفـعل ؟
نـــزرع ام نـقـتلُ ii؟(21)
وتتجلى التقنية نفسها في قصيدة المسيح بعد الصلب يبدأ الراوي بسرد الاحداث مستذكراً الصلب وما جرى فيه قائلا :
بـعـدما أنـزلـوني ، سـمـعت iiالـرياحْ
فــي نـواحٍ طـويلٍ تـسفُ الـنخيلْ ii،
والـخـطى وهـي تـنأى . إذن فـالجراحْ
والصليبُ الدي سمروني عليه طوال الأصيلْ
لـم تـمُتني . وانـصتُ : كـان iiالـعويل
ْيـعـبر الـسـهل بـيني وبـين iiالـمدينة
مــثـل حــبـل يــشـد iiالـسـفينة
وهـي تـهوي الـى الـقاع . كـان النواح
مـثل خـيط مـن الـنور بـين iiالـصباح
والـدجى، فـي سـماء الـشتاء iiالـحزينة
تـم تـغفو عـلى مـا تُحس ، iiالمدينة(22)
لقد لجأ الراوي ـ هنا ـ الى تلك التقنية ليفصل وقائع الصلب ـ بعد أن تقنع بقناع السيد المسيح (عليه السلام) ـ فبعدما انتهى الصلب وانزل لم يمت بل كان احساسه موجوداً، فهو يسمع كل شيء ، ويشعر بابتعاد خطى من صلبوه، ثم قال ، ان ذلك التعذيب لم ينه حياته فهو لم يمت لأنه كان يسمع صوت العويل ـ والعويل هنا رمز لصوت الراوي ـ الصوت الذي انقد الامة من الضياع ، من الغرق فهو خيط النور الذي سيوصلهم الى النجاة من ذلك الواقع الحزين . كل هذه الوقائع لم تحدث في الزمن الحاضر ، بل هي احداث ماضية اعادها الراوي الى الاذهان ـ لحظة السرد ـ واكد مضي تلك الاحداث عندما قال :
أو ما صلبوني أمس ؟(23)
وعلى الرغم من عودتة الى الماضي البعيدـ ماضي الحكايةـلم ينس الحاضر ـ حاضر السرد ـ عندما قال :
فــهـل أنـــا فـــي قــبـري ii؟
فـلـيـأتوا أنـــي فـــي iiقـبـري
فهل أنا الان عريان في قبري المظلم: (24)
بعد ذلك عاد الى الوراء واسترجع ما مضى فقال :
كنت بالامس التفُ كالظن ، كالبرعم ii،
تحت أكفاني الثلج ، يخضلُ زهرُ الدم ii،
كـنتُ كـالظل بـين الـدجى والنهار
ذلك الموتُ ، موتي ، وما أكبره ! (25)
(ب) الاستبــاق :
ويسميه جينيت Prolepse ( وهو عملية سردية تتمثل في ايراد حدث آت أو الاشارة اليه مسبقاً )(26) ( وتشيع في النصوص الشعرية ذات الطابع السردي لان الشعر غالباً ما يسمح باستشراف افاق المستقبل أو الهجس به )(27) ، وغالباً ما يأتي ( بشكل حلم منبئ أو نبوءة أو افتراضات صحيحة أو غير صحيحة بصدد المستقبل )(28) ، وهو ( أقل انتشارا من الاسترجاع لكنه ليس أقل منه أهمية ، فقد يوجد في العنوان الذي يخبرنا مسبقاً بالطابع الحزين للحكاية )(29)
وللاستباق وظائف عدة هي :
1 ـ سد ثغرة لاحقة في النص
2 ـ الانباء بما سيحدث لاحقاً من أحداث
3 ـ خلق حالة انتظار وترقب عند القارئ(30)
وعندما تتبعنا الديوان وجدناه زاخراً بهذه التقنية وسوف نجتزئ منه المقاطع التي توضح علامات الاستباق ففي قصيدة (تموز جيكور) استهل الراوي المقطع الثاني بالاستباق فقال :
جـيكور ... سـتولدُ جيكورُ ii:
الـنَّـور سـيُورق والـنُورُ ii.
جـيكور سـتولد من جُرْحي ii،
مـن غصة موتي ، من ناري ii:
سـيـفيض الـبيْدر بـالقمح ،
والـجرْن سـيضحك للصبحِ ii،
والـقـريـةُ داراً عــن iiدار
ِتـتـماوج انـغـاماً حـلوة ii،
و الـشيخ يـنامُ على الربوه ii؟
والنخلُ يوسوس اسراري (31) .
قال جينيت ( ان الحكاية بضمير المتكلم أحسن ملاءمة للاستشراف من أي حكاية اخرى )(32) لأن الراوي عندما يسرد قصة حياته ويقترب من النهاية يعلم ما وقع قبل لحظة بداية السرد وبعدها، وفي الوقت نفسه يستطيع الاشاره الى الحوادث اللاحقة دون اخلال بمنطقية النص ولا منطقية التسلسل الزمني )(33) . وهذا ما تجسد ـ فعلاً ـ في هذا النص، فالراوي الذاتي استهل المقطع الثاني بنبوءته بولادة جيكور ـ ستولد جيكورـ بل استبشر خيراً بتلك الولادة ـ النورُ سيورق والنور ـ ثم اشار الى وجوده في السرد عندما تحدث بضمير المتكلم ـ جيكور ستولد من جُرحي ، من غصة موتي وناري . كل هذه النبوءات أشارت الى الزمن اللاحق، الى الصورة المستقبلية لولادة جيكور ، فهي ستولد غداً ، وسيورق النور ، وسيفيض البيدر بالقمح 000 الخ. وكل ذلك هو دلالات مستقبلية وصورة مشرقة لما سيحدث غداً . ويبدو أن مهارة الراوي في استخدام الجمل الشعرية التي اشارت للمستقبل ، وحضور حرف السين بشكل واضح في النص و دلالته على المستقبل، جعلتنا نشعر أن ذلك الافتراض التوقعي ـ ولادة جيكور ـ أمر سيحصل ـ فعلاً ـ في المستقبل القريب جداً، وقد تأكد ذلك في نهاية المقطع .
جـيـكور سـتـولد .. iiلـكـني
لـن أخـرج فـيها مـن سـجني
فــي لـيـل الـطين iiالـممدود
لن ينبض قلبي كاللحْنِ في الاوتار ،
لـن يخفق فيه سوى الدودِ . (34)
والمفارقة في هذا النص أن الراوي افتتح المقطع بآمال و احلام سرعان ما تلاشت بعد لحظات وعاد جو الحزن والتشاؤم من جديد ـ جيكور ستولد لكني لن اخرج من سجني ... الخ ـ وكأن كل ما حدث هو أحلام وان تحققت فلن تغير من الواقع المؤلم شيئاً، وربما قصد الشاعر أنه ككائن تأريخي سيموت، ولكن مدينتة الفاضلة ستنبعث بتضحيته وستتحقق أحلامه فيها عندما قال :
ان موتي انتصار
وفي قصيدة المخبر سرد الراوي حكايته ـ بضمير المتكلم ـ فوصف نفسه بالحقير و الغراب الذي يقتات من جثث الفراخ فقال :
أنـــا مـــا تــشـاء : أنـــا iiالـحـقـيرْ
صـباغ احـذية الـغزاة ، وبـائع الـدم iiوالـضمير
لـلـظـالـمـين ، انـــــا iiالـــغــراب
يقتات من جثث الفراخ. أنا الدمار أنا الخراب ! (35)
وسرعان ما ترك رسم صورته في لحظة السرد وأنتقل الى رسم صورته في المستقبل لتبقى عالقة في الاذهان مهما طال الزمن .
لـكن لـي مـن مقلتي اذا تتبعتا iiخطاك
وتـقرتا قسمات وجهك وارتعاشك iiإبرتين
سـتـنـسـجان لـــك الــشـراكْ
وحواشي الكفن الملطخ بالدماء ، وجمرتين
تـروعان رؤاك إن لـم iiتـحرقاك!(36)
ثم يتابع سرده مؤكداً تلك الصورة :
سـيـعلمون مــن هــو الــذي فـي iiضـلالْ
ولآينا صدأُ القيود.. لاينا صدأ القيود .. لاينا ...(37)
ويستمر الراوي بالسرد بين الوصف في الماضي والتنبؤ بالمستقبل الاتي حتى يختتم الاحداث فيقول :
إنــي سـأحـيـا لا رجـــاء ولا اشـتـيـاق ولانــزوع ii،
لا شيء غير الرعب والقلق الممض على المصير ، ساء المصير(38)
ثانياً : مستوى المدة
يوضح هذا المستوى العلاقات بين المدة النسبية للاحداث في الحكاية ومدة السرد(39) ، ويكشف ( عن مجموعة من الاشكال ، أو التقنيات السردية التي تقودنا الى استقصاء سرعة السرد و التغيرات التي تحدث على نسقه من تعجيل أو تبطئة )(40) ، فتقنيتان منهما تعجل السرد ( المجمل ، الحذف ) وتقنيتان تبطئ السرد ( المشهد ، الوقفة ) . وسنفصل تلك التقنيات الاربع بالشكل الاتي :
(1) تقنيتا التعجيل
وتختص تلك التقنيتا ن بتسريع حركة السرد وتتجلى في (المجمل والحذف) .
أ ـ المجمــل
ويسميه جينيت Sommaire وهو ( شكل من أشكال السرد يكمن في تلخيص حوادث عدة ايام أو عدة شهور أو سنوات في مقاطع معدودات وفي صفحات قليلة دون الخوض في ذكر تفاصيل الأشياء أو الأقوال )(41) ، او كما قال تودروف هو ( وحدة من زمن الحكاية تقابلها وحدة اقل من زمن الكتابة )(42) . ولا يحدث التلخيص ـ هنا ـ بنسبة واحدة بل قد يطول او يقصر حسب اهمية الاحداث المسرودة ، ويستعمل لاداء وظائف عدة هي :
1 ـ ( المرور السريع على فترات زمنية طويلة .
2 ـ تقديم عام للمشاهد والربط بينهما .
3 ـ تقديم عام لشخصية جديدة .
4 ـ عرض الشخصيات الثانوية التي لا يتسع النص لمعالجتها معالجة تفصيلية .
5 ـ الاشارة السريعة الى الثغرات الزمنية وما وقع فيهـا مـن احداث (43) .
ولنا في قصيدة ( عرس في القرية ) خير مثال لتلك التقنية .
مـثـلما تـنـفض الـريحُ ذر iiالـنُضارْ
عـن جـناح الـفراشة ، مـات iiالـنهار
الـــنــهــار iiالـــطــويــل
ْفاحصدوا يا رفاقي ، فلم يبق ألا القليل(44)
فقول الراوي هنا ـ مات النهار ـ اشارة الى زمن مسكوت عنه ، زمن مختزل ، فهو لم يوضح كم هي الفترة الزمنية التي انتهى فيها ذلك النهار ومات، ولو وضحها لاحتاج الى فترة طويلة ، لذلك اختزل تلك الاحداث ومر عليها سريعاً دون التفصيل فيها . وفي قصيدة قافلة الضياع لخص الراوي الاحداث التي سردها ولم يسهب في ذكرها ربما لعدم اهميتها او لعدم استيعاب المتن السردي لها ، فقال :
مـن يـدفن الـموتى لـنعرف أننا بشر جديدْ ii!
في كل شهر من شهور الجوع يومئ يوم عيد(45)
فشهور الجوع ـ هنا ـ زمن سكت عنه الراوي ولم يحدده بالايام او الساعات ، بل استحال على الراوي أن يقص كل الاحداث التي مرت في تلك الشهور وكثفها بخلاصة مبسطة .
ب ـ الحــذف
ويسميه جينيت Lellipse ( وهو الجزء المسقط من الحكاية أي المقطع المسقط في النص من زمن الحكاية، سواء نص السارد على ديمومة هذا الإسقاط كأن يقول (ومرت خمس سنوات) أم لا كما في الجملة المألوفة في القصص الشعبية التونسية مشى زمان وجاء زمان )(46) ( و يعُد اكثر و اشد اشكال السرد سرعة )(47) ، ويقسم على نوعين :
أ ـ الحذف الصريح . ويعرف باشارة كاتبه الصريحة اليه .
ب ـ الحذف الضمني . وهو حذف لا يصرح به الكاتب على عكس السابق ، وانما يترك مسألة استخلاصه أو التعرف عليه لمؤهلات القارئ وذكائه )(48) ( كأن يعبر عن ذلك من خلال النقاط المتتابعة ، أو ما يسمى بتقنية البياض )(49) . وقد زخرت قصيدة( المومس العمياء ) بهذين النوعين معاً، تجلى النوع الاول في النص الاتي : **
عـشرون عـاماً قد مضين ، وانت غرثى تأكلين
بـنـيك مــن سـغبٍ ، و ظـمأى iiتـشربين
َحليب ثديك وهو ينزف من خياشيم الجنين !(50)
لقد حذف الراوي ـ في هذا النص ـ عشرين سنة ، لم يسهب في ذكر احداثها بل اختزلها واكتفى كلمة واحدة ليعبر عن كل ما حدث ، وقد ادى هذا الاختزال الى تسريع حركة السرد . واتضح النوع الثاني في النص نفسه :
وكــــــزارع لـــهـــم iiالـــبــذورَ
و راحَ يــقــتــلــع iiالــــجــــذور
مـن جـوعهِ ، وأتـى الـربيع فما تفتحت الزهورُ
ولا تـنـفـسـت الـسـنـابـل فــيــه . . ii.
لـــيــس ســـــوى الـصـخـورِسـوى
الـــرمـــال ، ســـــوى iiالـــفــلاه
خُـنْتِ الـحياة بـغير عـلمك في اكتداحك للحياه ii!
كـم رد مـوتَك عـنكِ مـوتُ بـنيك .إنك تقطعين
حــبـل الـحـيـاة لـتـنـقضيه و iiتـضـفري
حبلاً سواه ، حبلاً به تتعلقين على الحياة : تضاجعينَ
ولا ثـمـار ســوى ، الـدمـوع ، وتـأكـلينَ ii،
وتـسهرين ولا عـيون ، وتـصرخين ولا شـفاه ii،
وغـــــداً . بــحـبـلـك تُـشـنـقـيـن ii!
وغـداً . وأمس. . . والف أمس كأنما مسح الزمان
حـــدود مـالـك فـيـه مــن مــاض وات
ثــــــم دار ، فــــــلا iiحـــــدود
مـا بـين لـيلك والنهار ، وليس ثم ، سوى الوجود
سـوى الـظلام، ووطء اجساد الزبائن ، والنقود ii،
ولا زمـان سوى الاريكة والسرير ، iiولامكان !(51)
أما الحذف هنا فلم يصرح به الراوي بل تم الاستدلال عليه من خلال الثغرات في التسلسل الزمني او من وجود تقنية البياض في النص السردي ، فعندما جاء الربيع لم تتفتح الازهار ولم تتنفس السنابل فيه ولم . . . ولم . . . الخ .
ففي هذا البياض حذف الراوي بقية الاحداث ولم يسردها و كأن المتلقي فهم مضمون ما يقال، فالمتلقي ـ هنا ـ شارك السارد في العملية التخيلية التي سُردت له، ولم يبق بمنأى عما سرد له، ويستمر وجود الحذف الزمني باستمرار متابعـة الراوي لسـرد الاحداث ومخاطبة المومس العمياءً :
وغـداً بـحبلك iiتُـشنقين
وغدا ً. وأمس . . . (52)
ثم سكت الراوي وتابع
. . والـف امس فكأنما مسح iiالزمان
حدود مالك فيه من ماضٍ وات (53)
وهكذا وظّفت تلك التقنية في هذا النص على نحو بارع حيث شارك المتلقي السارد في خياله وفي تصوراته و كأنه فهم المضمون دون ان يذكر له .
2 ـ تقنيتا الإبطاء (التبطئة)
وتختص تلك التقنيتان بالتقليل من سرعة السرد أي تهدئة السرد و تتجلى في ( المشهد والوقفة ) .
أ ـ المشــهد
ويسميه جينيت Scene وهو عبارة عن ( فعل محدد ـ حدث مفرد ـ يحدث في زمان ومكان محددين ، ويستغرق من الوقت الذي لا يكون فيه أي تغيير في المكان ، أو أي قطع في استمرارية الزمن )(54) وهو عكس الخلاصة فإذا كانت هذه الاخيرة اختصاراً لاحداث عدة في اقل عدد من الصفحات فإن المشهد عبارة عن تركيز و تفصيل للأحداث بكل دقائقها )(55) ، أي انه يتمحور حول الاحداث المهمة المشكلة للعمود الفقري للنص الحكائي، فالراوي لا يظهر هنا بل يترك الاحداث تتحدث عن نفسها دون تدخل منه، مما يكسب هذه المقاطع طابعاً مسرحياً مقابل الطابع السردي الصرف الذي تتصف به الخلاصة، وهوما ينعكس على مستوى القراءة على شكل إحساس بالمشاركة فيما يحدث(56) . ( ويعطي المشهد للقارئ إحساسا بالمشاركة الحادة بالفعل إذ انه يسمع عنه معاصراً وقوعه كما يقع بالضبط و في لحظة وقوعه، لا يفصل بين الفعل وسماعه ، سوى البرهة التي يستغرقها صوت الروائي في قوله )(57) . ويتجسد المشهد في ( الحوار حيث يغيب الراوي و يتقدم الكلام كحوار بين صوتين، وفي مثل هذه الحالة، تعادل مدة الزمن على مستوى الوقائع الطول الذي تستغرقه على مستوى القول )(58) ، أو قد يكون ( حادثة عرضية 000 أو قصة داخل قصة أوسع مرتبطة بالفعل الرئيس لكنها ليست جزءاً متمماً له )(59) . وتمثل قصيدة ( أغنية في شهر آب ) انموذجاً ـ فضلاً عن قصائد اخرى ـ لتلك التقنية .
تــمـوز يــمـوت عــلـى iiالأفُــق
وتــغـور دمـــاه مـــع iiالـشـفـق
فـــي الـكـهف الـمـعتم . iiوالـظـلماء
ْنــقــالـة اســعــاف iiســــوداءْ
و كـــأن الـلـيـل قـطـيـع iiنـسـاءْ
كــحــل وعــبــاءاتُ ســــودُ ii.
الـــلـــيـــل iiخـــــبــــاءُ
الــلــيـلُ نـــهــارٌ iiمــســدود
ُنـاديـت مـربـية الأطـفـال الـزنجية ii:
الــلـيـل آتـــى يـــا مـرجـانـة
فـأضيئي الـنور . ومـاذا؟ إنـي iiجـوعانة
و . . نـسـيـت أمــا مــن أغـنـية ii؟
بِـــمَ يــهـذر هـــذا الـمـذيـاعُ ii؟
فـي لـندن مـوسيقى جـاز ، يـا مرجانة ii،
فـألـيـهـا . . إنــــي iiفــرحـانـة
والــجــاز مـــن الـــدمِ iiايــقـاعُ
تــمــوز يــمــوت و iiمــرجـانـة
كـالـغـابة تــربـض بــردانـة . . ii.
وتــقــولُ ، ويـخـذلـها االـنـفـسُ ii:
( الـليل ، الـخنزير الشرس ، الليل شقاءْ ! ii)
مـرجـانة . . هــل قــرع الـجـرسُ ؟
فــتـقـول ويـخـذلـهـا ا لـنـفـسُ :
( في الباب نساء ) وتعد القهوة مرجانة (60) .
وهكذا تمسرحت الأحداث امام اعيننا وسارت ببطء شديد من اول وهلة، وعلى الرغم من أن القصيدة كلها رموز وإيحاءات ـ فقد بدأت بإشارة رمزية إلى موت إله الخصب والنار ( تموز ) ـ إلا أن المتلقي عاش الأحداث مع السارد لحظة بلحظة ، وكأنها وقعت على مرأى منه على خشبة المسرح لاسيما المقطع الثاني عندما قال :
نــاديــت مــربـيـة iiالاطــفــال
الــلـيـل أتـــى يـــا iiمُـرجـانـة
فأضيئي النور . . وماذا ؟ أني جوعانة ؟(61)
ولاحظنا ـ هنا ـ أن زمن السرد قد تطابق مع زمن الحكاية و لا يمكن أن يحدث هذا التطابق الا في هذه التقنية .
ب ـ الوقفــة
وتسمى Pausc وهي تقنية سردية توقف ( سير الزمن تماماً بغية وصف شيء ما أو التأمل في صورة ما )(62) وتقوم على ( الابطاء المفرط في عرض الاحداث لدرجة يبدو معها و كأن السرد قد توقف عن التنامي مفسحا المجال امام السارد لتقديم الكثير من التفاصيل الجزئية على مدى صفحات و صفحات )(63) . وتمثل قصيدة (حفار القبور) ـ فضلاً عن قصائد أخرى ـ انموذجا لتلك التقنية . فهي تتألف من أربعة مقاطع ، زخر كل مقطع منها بالوصف ، وقد توقف الزمن في المقطع الاول عندما بدأ الراوي بالوصف قائلا :
ضوء الاصيل يغيم ، كالحلم الكئيب ، على القبور
واهٍ ، كـما ابـتسم اليتامى ، أو كما بهتتْ iiشُموع
فـي غـيهب الـذكرى يُـهوم ظلهُن على iiدموعْ
والـمدْرجُ الـنائي تـهب عليه أسراب الطيورِ ،
كـالعاصفات الـسود ، كـالأشباح في بيت قديم
ْبـــــرزتْ لــتُـرعـب iiسـاكـنـيـه
مــــن غــرفــةٍ ظـلـمـاء iiفــيـه
وتـثاءب الـطللُ الـبعيد يـحدق الـليل البهيمْ
مـن يـأبه الاعـمى ومن شباكه الخربِ البليدِ ii.
والــجــو يـمـلـؤه iiالـنـعـيبْ...(64)
واستمر الراوي بالوصف في المقطع الثاني فأوقف سير الزمن ـ كذلك ـ عندما قال :
الـنور يـنضح مـن نـوافذ حـانةٍ عبرَ iiالطريقِ
وتـــكــاد رائـــحــة iiالــخــمـورْ
تـلقي ، عـلى الـضوء المشبعِ بالدخان iiوبالفتورْ
ظــلاً كـألوان حـيارى واهـياتٍ مـن حـريق
نـاءٍ . تـهوم في الدجى الضافي على وجهٍ iiحزين
وتـــلــوح اشـــبــاحٌ iiعـــجــافُ
خلفَ الزجاج . . تهيم في الضوء السرابي الغريق .
ويـشدُ حـفار الـقبور عـلى الـزجاجة باليمين ii،
وكـــمــن يـــحــاذر او iiيــخــافُ
يـرنو الـى الـدرب الـمنقط بالمصابيح iiالضئال
وتـحركت شـفتاه في بطء وغمم في iiانخذال(65)
وهكذا توقف الزمن السردي ـ في هذا المقطع أيضاً ـ عندما شرع الراوي في وصف الاشياء والشخصيات بينما علق ـ بصورة مؤقتة ـ تسلسل احداث الحكاية .
ثالثاً : مستوى التواتر
ويسمىrecit ويعني ( مسألة تكرار بعض احداث المتن الحكائي على مستوى السرد )(66) ، ويتمثل ( في العلاقة بين العملية السردية للحدث ، و التشكيل الزمني فاذا كان التتابع الزمني يعنى بحركية المسار الزمني ... فان التواتر يعنى بطبيعة هذا المسار )(67) . وقد ادخل جينيت هذا المفهوم لاول مرة 1972(68) و يُعدُ ( مظهراً من المظاهر الأساسية للزمنية السردية )(69) ، وينشأ عن هذا المظهر الزمني ثـلاث حالات(70) :
1 ـ التواتر المفرد : حيث يروى مرة واحدة ما وقع مرة واحدة .. ويسمي recit singulatif
2 ـ التواتر التكراري : حيث يروى اكثر من مرة ما حدث مرة واحدة . ويسمى recit repetitif
3 ـ التواتر التعددي : حيث يروى مرة واحدة ما حدث عدة مرات. ويسمى recit iteratif
وسيوجز البحث الاشارة الى تلك الحالات مع التطبيق *
1 ـ الحالة الاولى : التواتر المفرد
( وهو الأكثر استعمالاً في النصوص القصصية )(71) وفيه تتطابق الحكاية مع المحكي ، أي أن الراوي هنا يسرد حدثاً واحداً ، ولا يجد ضرورة لاعادة سرده مرة ثانية ، فالزمن هنا لا يتكرر الا مرة واحدة لعدم تكرار سرد الحدث . وسنقف عند إنموذج من الديوان ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ في قصيدة ( جيكور و المدينة ) قال الراوي :
وتـلـتـفُ حـولـي دروب الـمـدينة :
حـبـالاً مــن الـطين يـمضغن iiقـلبي
ويـعطين عـن جـمرةٍ فـيه ، طـينة ii،
حبالاً من النار يجلدْن عُري الحقول الحزينة
ويـحُـرقن جـيكور فـي قـاع iiروحـي
ويـزعـن فـيـها رمــاد iiالـضـغينة
دروبٌ تــقـول الاسـاطـيـر iiعـنـها
عـلـى مـوقـد نـام : مـا عـاد iiمـنها
ولا عــاد مـن ضـفة الـموت سـارٍ ii،
كــــأن الــصــدى iiوالـسـكـينة
جـنـاحـا ابـــي الـهـول فـيـها ii،
جـناحان من صخرةٍ في ثراها iiدفينة(72)
الراوي الذاتي ـ هنا ـ سرد مرة واحدة ما حدث مرة واحدة ومن ثم ورد الزمن بصيغة منفردة ولم تظهر حاجة في تكراره .
2 ـ الحالة الثانية : التواتر التكراري
وقد يروى الحدث ـ في هذه الحالة ـ ( مرات عديدة بتغير الاسلوب وغالباً باستعمال وجهات نظر مختلفة أو حتى باستبدال الراوي الاول للحدث بغيره من شخصيات الحكاية )(73) . وتتضح هذه الحالة في قصائد عدة من الديوان ، سيقف البحث على إنموذج واحد منها في قصيدة ( المغرب العربي ) :
فالراوي ـ هنا ـ كرر جملة ( قرأت اسمي على صخرة ) اكثر من مرة بينما الحدث واحد وهو ( قراءة الاسم على صخرة ) وبتكرار سرد الحدث الواحد يتكرر الزمن تبعاً لذلك .
قـــرأتُ اســمـي عــلـى iiصــخـرة
هــنـا فـــي وحــشـة الـصـحـراء
عـــلــى آجـــــرةٍ حــمــراء ii،
عـلى قـبرٍ . فـكيف يحس إنسانٌ يرى قبره ii؟
قـــرأت أســمـي عــلـى صـخـرة ii،
عـلـى قـبـرين بـيـنهما مــدى iiأجـيالْ
يــجــعـل هـــــذه iiالــحــفـرة
تـضم أثـنين : جـد ابـي ومـحضُ iiرمـال
ْقـــرأتُ اســمـي عـلـى صـخـرة ii...
و بــيـن اسـمـيـن فـــي iiالـصـحراء
ْتــنــفـس عـــالــم iiالاحـــيــاء
كما يجري دمُ الاعراف بين النبض والنبض(74)
3 ـ الحالة الثالثة . التواتر التعددي
ويعني ( حالة التكثيف السردي للزمن الطويل الممتد الذي تشعر به الذات لكن السارد يختزله في العملية السردية في جمل او فقرات او تعبيرات موجزة، ويقترن بالاحداث النمطية وهي الاحداث المألوفة التي مرت بها الذات كل يوم وكل اسبوع )(75) والمقطع النصي الواحد ـ في هذه الحالة ـ يتحمل ( تواجدات عديدة لنفس الحدث على مستوى الحكاية )(76) وتمثل ( رسالة من مقبرة ) إنموذجاً لتلك الحالة فضلاً عن قصائد أخرى في الديوان .
وعند بابي يصرخ الجائعون :
في خُبزكَ اليومي دفء iiالدماء
فاملأ لنا ، في كل يوم ، iiوعاء
من لحمك الحي الذي iiنشتهيه
فـنـكهة الـشـمس iiفـيـه
وفـيه طـعم iiالـهواء!(77)
فعبارة كل يوم ـ هنا ـ تدل على التكثيف الزمني الشديد عوضاً عن تكرار هذا الحدث ـ ملء الوعاء ـ الذي يكرر ـ بدوره ـ الزمن السردي في هذا النص .
الخاتمـــة
تبين فيما سبق مما عرضناه من النصوص أن المؤلف الضمني في مجموعة انشودة المطر، وبإيحاء من المؤلف الحقيقي ـ السياب ـ استعمل في قصائده كل التقنيات الزمنية الخاصة بالسرد و في كل المستويات ـ الترتيب والمدة و التواتر ـ ولم يكن هذا التنوع عشوائياً بل هو تنوع مقصود سعى المؤلف ـ الضمني ـ اليه ، فقد انتقل من حركة زمنية الى أخرى و لاهداف محددة سنوضحها فيما يلي :
في تقنية الاسترجاع، تعلقت الشخصيات بالماضي تعلقاً كبيراً اذ استرجعت كل الاحداث الماضية بين الحين والاخر ولم تترك ذلك الماضي وربما يعود ذلك الى اصالة الماضي وأثره في الشخصيات القصصية و قد تجلى ذلك واضحاً في اغلب قصائد الديوان .
وعلى الرغم من استرجاع ذلك الماضي، تنبأت الشخصيات بالمستقبل القريب لذلك بدت تقنية الاستباق واضحة في قصائد عدة في الديوان ، وربما كان الهدف هو تنويع الزمن السردي بين استرجاع للماضي بكل احداثه وصوره وبين استباق للمستقبل بكل احداثه ـ ايضاً ـ وصوره .
والحال نفسه في استخدام التقنيات الزمنية الاخرى ، فلم تلخص الاحداث وتطوى الايام و الايام الا لعدم اهميتها في حياة الشخصية ، لذلك ترك المؤلف ـ وأعني الضمني ـ سردها وتجاهل احداثاً كثيرة وقعت في تلك الايام ولم يقف عندها بل سرع الزمن السردي فيها .
وفي الوقت الذي سُرع الزمن في نصوص معينة أبطئ في نصوص اخرىو توقف في نصوص اخرى و ربما يعود ذلك الى كثرة الوصف في النصوص السردية ، اما تكرار النصوص و العبارات السردية ـ في مستوى التواتر ـ فيبدو أن اهمية الاحداث هي السبب الرئيس وراء هذا التكرار ، فعندما يرغب المؤلف بتسليط الضوء على حدث معين ـ ومهم ـ يكرره بين الحين والاخر ليشد انتباه القارئ ـ الضمني ـ اليه ، والعكس صحيح في عدم تكرار تلك النصوص .
الهوامــــش
1 ـ الزمان والمكان في قصة العهد القديم : احمد عبد اللطيف حماد ، مجلة عالم الفكر ، الكويت، مج 16، عدد 3 ، 1985 ، 65 .
2 ـ دراسات في القصة العربية الحديثة : محمد زغلول سلام ، منشأة المعارف الاسكندرية ، د . ت ، 11 .
3 ـ الأزمنة والأمكنة : ج 1 ، ابو علي المرزوقي ، دار المعارف العثمانية ، الهند 1332 هـ ، 141 .
4 ـ بناء الرواية ، دراسة مقارنة في ثلاثية نجيب محفو ظ:سيزا قاسم ، دار التنوير للطباعة والنشر ، بيروت لبنان ، 1985 ، 50 .
5 ـ ينظر : المصدر نفسه ، 102 .
6 ـ ينظر : نظرية المنهج الشكلي ، نصوص الشكلانيين الروس ، ت . ابراهيم الخطيب ، مؤسسة الابحاث العربية و الشركة المغربية للناشرين المتحدين ، بيروت لبنان ، 1998 ، 179 ـ 180 .
7 ـ الرؤى المقنعة ، نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهلي ، د . كمال أبو ديب ، الهيئة المصرية للكتاب ، د . ط ، 1986 ، 606 .
8 ـ المكان نفسه .
9 ـ مدخل الى نظرية القصة : جميل شاكر ، سمير المرزوقي ، دار الشؤون الثقافية العامة ( افاق عربية ) بغداد ، 1996 ، 74 ـ 75 .
10 ـ خطاب الحكاية ، بحث في المنهج ، جيرار جينيت ، ت . محمد معتصم ، عبد الجليل الازدي، عمر حلي ، ط 2 ، 1997 ، 46 .
11 ـ مستويات دراسة النص الروائي : عبدالعالي بو طيب ، مطبعة الامنية دمشق الرباط ، ط 1 ، 1999 ، ص153 .
12 ـ مدخل الى نظرية القصة ، مصدر سابق ، 76 ـ 77 .
13 ـ ينظر بناء الرواية ، مصدر سابق ، 60 .
14 ـ المقدمة التذكرية في الشعر الاندلسي : د . حميدة صالح البلداوي ، مجلة كلية التربية للبنات ، عدد 12 ، سنة 2001 ، 63 .
15 ـ نقلاً عن مستويات دراسة النص الروائي ، مصدر سابق ، 154 ، G .Genette : op . et . p . 90 .
16 ـ ينظر : المصدر نفسه ، 156 .
17 ـ مدخل الى نظرية القصة ، مصدر سابق ، 91 .
18 ـ بناء الرواية ، مصدر سابق ، 60 .
19 ـ ديوان السياب ، بيروت ، دار العودة ، 1971 ، 451-452 .
20 ـ المكان نفسه .
21 ـ المكان نفسه .
22 ـ نفسه ، 457 ـ 458 .
23 ـ نفسه ، 457 .
24 ـ نفسه ، 460 .
25 ـ نفسه ، 460 ـ 461 .
26 ـ مدخل الى نظرية القصة ، مصدر سابق 76 .
27 ـ البنى السردية في شعر الستينات العراقي دراسة نصية : خليل شيرزاد علي ، رسالة ماجستير مطبوعة على الالة الكاتبة ، كلية التربية ، الجامعة المستنصرية ، 1999 ، 77 و البنى السردية في شعر السبعينات العراقي : شيماء ستار جبار ، رسالة ماجستير مطبوعة على الالة الكاتبة ، كلية التربية للبنات ، جامعة بغداد 2002 ، و البنية السردية في شعر نزار القباني: انتصار جويد عيدان، رسالـة ماجستيـر مطبوعـة على الالـة الكاتبـة، كليـة التربيـة للبنـات ، جامعة بغداد ، 2002 ، 88 .
28 ـ نظرية المنهج الشكلي ، مصدر سابق ، 179 .
29 ـ نظرية السرد من وجهة النظرالى التبئير : مجموعة من النقاد، ت مصطفى ناجي، منشورات الحوار الاكاديمي ، دار الخطابي للطباعة و النشر ، الدار البيضاء ، 1989 ، 124 .
30 ـ ينظر : مدخل الى نظرية القصة ، مصدر سابق ، 80 .
31 ـ الديوان ، 411 ـ 412 .
32 ـ خطاب الحكاية ، مصدر سابق ، 76 .
33 ـ ينظر : مستويات النص الروائي ، مصدر سابق ، 157 .
34 ـ الديوان ، 412 .
35 ـ نفسه ، 338 .
36 ـ نفسه ، 338 ـ 339 .
37 ـ المكان نفسه .
38 ـ نفسه ، 342 .
39 ـ ينظر : مدخل الى نظرية القصة ، مصدر سابق ، 75 .
40 ـ البنية السردية في شعر نزار القباني ، مصدر سابق ، 90 .
41 ـ مستويات دراسة النص الروائي ، مصدر سابق 166 ، وينظر البنى السردية في شعر الستينات العراقي ، دراسة نصية ، مصدر سابق 78 .
42 ـ نقلاً عن مستويات دراسة النص السردي 166 ، Todorov . Et . D . Duorot : op cit, P401 .
43 ـ بناء الرواية ، مصدر سابق ، 78 .
44 ـ الديوان ، 344 .
45 ـ نفسه 373 .
46 ـ مدخل الى نظرية القصة ، مصدر سابق 89 .
47 ـ قراءات في الادب والنقد ، د . شجاع العاني ، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، 2000 ، 171 .
48 ـ مستويات دراسة النص الروائي ، مصدر سابق 165 ، وينظر نظرية السرد من وجهة النظر الى التبئير ، مصدر سابق ، 127 .
49 ـ البينة السردية في شعر يوسف الصائغ ، مقاربة نصية محمد احمد عبد الوهاب الشريدة ، رسالة ماجستير مطبوعة على الالة الكاتبة ، كلية التربية ، جامعة البصرة 2002 ، 32 . * لقد زخرت تلك القصيدة بالتقنيات الزمنية الاخرى ( استرجاع ، استباق ، خلاصة ) . * هناك مقاطع اخرى في القصيدة تكرر فيها هذان النوعان لكن البحث اكتفى بهذين المقطعين .
50 ـ الديوان ، 539 .
51 ـ الديوان ، 539 ـ 540 .
52 ـ المكان نفسه .
53 ـ المكان نفسه .
54 ـ بناء المشهد الروائي : ليون سيرميليان ، ت فاضل ثامر ، مجلة الثقافة الاجنبية ، بغداد ، عدد 3 سنة (7) ، 1987 ، 78 .
55 ـ مستويات دراسة النص الروائي ، مصدر سابق ، 163 .
56 ـ ينظر قضايا الرواية الجديدة ، جان ريكاردو ، ت صباح الجهيم ، وزارة الثقافة والارشاد القومي ، دمشق 253 .
57 ـ مستويات دراسة النص الروائي ، مصدر سابق، 168 ـ 169 ، وينظر : بناء الرواية ، مصدر سابق ، 91 ، وقضايا الرواية الجديدة ، مصدر سابق ، 253 .
58 ـ بناء المشهد الروائي ، مصدر سابق ، 80 .
59 ـ الفضاء الروائي عند جبرا ابراهيم جبرا ابراهيم جنداري جمعة ، رسالة دكتوراه مطبوعة على الالة الكاتبة ، كلية الاداب، جامعة البصرة ، 1986 ، 124 .
60 ـ الديوان ، 328 ـ 329 ـ 330 .
61 ـ نفسه ، 329 .
62 ـ البنى السردية في شعر الستينات العراقي ، دراسة نصية ، مصدر سابق ، 79 .
63 ـ مستويات دراسة النص الروائي ، مصدر سابق ، 170 .
64 ـ الديوان 543 ـ 544 .
65 ـ نفسه ، 554 .
66 ـ مستويات دراسة النص الروائي ، مصدر سابق 174 .
67 ـ بناء الزمن في الرواية المعاصرة ، رواية تيار الوعي انموجاً ، 1967 ـ 1994 د . مراد عبد الرحمن مبروك ، د . ط . مطابع الهيأة العامة المصرية للكتاب ، 123 .
68 ـ ينظر نظرية السرد من وجهة النظر الى التبئير ، مصدر سابق ، 128 .
69 ـ خطاب الحكاية ، مصدر سابق ، 129 .
70 ـ ينظر نظرية السرد من وجهة النظر الى التبئير ، مصدر سابق 128 .
* ترجمة كل المصطلحات أخذت عن كتاب خطاب الحكاية لجيرار جينيت .
71 ـ مدخل الى نظرية القصة ، مصدر سابق ، 82 .
72 ـ الديوان ، 414 .
73 ـ مدخل الى نظرية القصة ، مصدر سابق 83 .
74 ـ الديوان ، 394 ، 396 ، 400 .
75 ـ بناء الزمن في الرواية المعاصرة ، مصدر سابق 146 .
76 ـ مدخل الى نظرية القصة ، مصدر سابق 84 .
77 ـ الديوان ، 390 .