رواية (فضاء الجسد) لثريا نافع
(فضاءالجسد) رواية للكاتبة الصحفية ثريا نافع الفلسطينية الأصل ، المصريةالجنسية ، صدرت عام 2006 عن دار الرحاب للنشر في بيروت ، وقد ذيلت المؤلفةعنوانها بعنوان آخر هو تفسير لمحتوى الرواية لتشير إلى أن هذه الروايةتصوير لمحنة إنسان من الجنس الثالث …الجنس الثالث ( الخنثى ) هو فكرة الرواية التي أدخلتنا من خلالهاالروائية إلى عالم يضج بالتناقضات وبالحيرة الإنسانية الوجودية ، وذلك عبرشخصية البطل (نداء) … وهي إذ ذاك لاتطرح محنة هذا الإنسان على بساطالرواية لتشير إلى المشكلات والمنغصات التي تحف بحياة هذه الشخصية وحسب ،وإنما لتدلل على غير قضية من قضايا هذا المجتمع الذكوري ولتقفز إلى قضاياأكبر وأعم أولها جروح الأمة العربية والواقع العربي بأمراضه النفسيةوالاجتماعية وآخرها قضية قبول الآخر مهما كانت جنسيته أو دينه أو جنسه .من خلال أحداث الرواية تتكشف للقارئ ليس أزمة الجسد عند (نداء) وحسبوإنما أزمات أجساد أخرى منتهكة اجتماعياً وشرعياً ، لابل تطرح أزمة جسدأكبر ، وهو جسد الأرض المنتهك عبر الاحتلال …فهي عندما تشير بداية إلى زمن ولادة (نداء) تؤطر الحدث بزمن أسود هوزمن مذابح صبرا وشاتيلا (قبل أن يجف مداد التعهد الأمريكي لحماية أرواحالفلسطينيين في مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة كانت خطة الانقضاض قدرسمت على العزّل من المدنيين.. سكان المعسكر من قبل شارون - وبالتعاون معحزب الكتائب - فانقضوا بلا وازع على المخيم، ونفذوا إبادة جماعية لمدنيينعزل كان سوء حظهم أن جعلهم من ساكنيه! - اقتحام الدبابات الإسرائيليةالمخيم بمساعدة الكتائبيين - وفي غياب تام للشرعية العربية - وصمت مهينكالعادة.. أعملوا في ساكنيه من النساء والأطفال والشيوخ قتلاً وحرقاًوذبحاً وتقطيعاً!) ..أما المكان فلم يكن هناك في لبنان وإنما في بيت لحم التي تقع (تحت قدميمدينة القدس مسقط رأس المسيح عليه السلام، تنتشر فيها حقول القمح والشعيروالزيتون والكروم ) ..والمكانان محتلان نهشت جسديهما أنياب الاحتلالالصهيوني الغاشم .في هذه الرواية تدخل الكاتبة في عوالم شخصيات شاذة لتلامس التابوهبذكاء وبقدرة فنية خلاقة ولغة شاعرية استطاعت من خلالها كشف دواخل هذهالشخصيات عبر علاقاتها المحرمة اجتماعياً أو الشاذة جنسياً ، لا لتلقياللوم عليها أو لتثير غرائز المتلقي وإنما لتلقي باللائمة على المجتمعوضيق نظرته إلى الأنثى وعدم انفتاحه على الآخر ، أكان هذا الآخر جنساً أمهوية أم ديناً .ولعل الكلمة التي كتبها الشيخ عبد السلام البسيوني على غلاف الرواية الأخير تدلل بوضوح على مضمون الرواية ، إذ قال :( إلى عش الدبابير، أو جحيم الممنوعات، دخلت ثريا نافع وهي بكاملوعيها، لتمس من خلال هذه الرواية عدداً من التابوهات أو المحرمات بحساسية،وحرفية، واقتدار، وبمكر الأنثى وحساسيتها وذكائها نجحت نجاحاً باهراً فيتخطي الألغام، أو القفز من فوقها، أو زرعها في أثناء عباراتها، بحيث لاتضبطها أبداً متلبسة بجرم مشهود!لقد تناولت العلاقات الشاذة بين الذكور، وبين الإناث السحاقيات. وتأملتالتعامل مع اليهود، وجلدت الذهنية العربية التي رفعت التقاليد على الدينوالعقل والمنطق والمصلحة، ورصدت هموم طائفة برزخية، تائهة بين الجنةوالنار، بين جنة وضوح الهوية، ونار النكران الاجتماعي، وندالة النظرة،ونفاق الأقنعة الاجتماعية الغشاشة.مست ثريا نافع ذلك كله دون أن تفضح، أو تجرح، أو تسيء أو تتطاول، كأنهاالنار التي تعالج ولا تحرق، فكيف نجحت هذا النجاح في روايتها الأولى؟! )فمن خلال قضية الخنثى (نداء) التي عالجتها الكاتبة في الرواية تبرز لنامجموعة العلاقات السائدة في المجتمع العربي ، وكيف ينظر هذا المجتمع إلىهذه الشخصية التي تتعرض للابتزاز الجنسي والتحرش وخاصة في المؤسسةالتعليمية ، أكان ذلك من قبل مدير المدرسة أم من قبل الزملاء ، ولكنالكاتبة في هذه الرواية تنحاز للأنثى ، لا لأنها أنثى ، وإنما للظلم الذيتتعرض له ، ولرهافة الأحاسيس التي تلقيها على كاهل (نداء) لتشير إلى أنصوت الأنثى في داخله كان أقوى من صوت الذكر وفي هذا إشارة نفسية بالغةالدلالة ، يوضحها المونولوج الداخلي الذي جاء على لسان نداء :( من قال بأني أريد دحر الأنثى داخلي ، بريء ، وتشعرني بآلام الآخرينوأحزانهم ؟ هذا ماكنت أود الصراخ به ، لكنني ضبطت نفسي ، وقمعتها أكثر منمرة … والغريب أنني لا أشعر في قرارة نفسي أنه تصرف خاطئ ، لأنه كان يحدثفي نطاق ضيق ، وبشكل غير متعمد ، وبشعور فطري … ) .في التصوير الدقيق لأحداث الرواية وسير الشخصية فيها ، لايقف القارئموقف نفور من هذه الشخصية وإنما يتعاطف معها ، لأنها تمتلك من الحس الدفينالعميق مالا يمتلكه آخرون ، وهي أقرب للأنثى منها إلى الذكر من حيثالملامح والشكل والمشاعر والأحاسيس ، وخاصة فيما يتعلق بمشاعرها تجاهالذكر … ولهذا تنتاب هذه الشخصية الكثير من المشاعر المتضاربة والمتناقضة، وفي الوقت نفسه نجد أنها تشق لنفسها طريقاً في الحياة من خلال الجدوالمثابرة والتثقيف الذاتي والعمل في غير مجال ، حتى لتبرز نجاحات على غيرصعيد ، ولكنها لاتفلت من مثالب النظرة الاجتماعية التي تجعلها فريسة لغيرصياد ، لكن العفاف يغلف هذه الشخصية في كل مراحل حياتها فلا تنقاد للشذوذولا للخطيئة ، وإنما تبحث عن إيجاد جنس محدد لها من خلال العلاج عن طريقالهرمونات الذكرية التي كان لامفر منها لأنها رغبة الأب القاسي في أن يكونله ولد يحمل اسمه ، ورغبة الأم التي لم تجد مناصاً من التخلي عن هذهالرغبة حتى بعد موت الأب ، ورغبة المجتمع الذي ينظر إلى الذكر غير نظرتهإلى الأنثى … الأمر الذي شكل مزيداً من الضغوط النفسية على شخصية نداءومزيداً من المعاناة والألم والضياع ، لكن وجود الأخت (سحر) مايشكل سنداًقوياً لهذه الشخصية في كل مراحل حياتها أكان ذلك في الصغر أم في مرحلةالدراسة ، أم في مرحلة العمل ..إلا أن النهاية المأساوية لهذه الشخصية وهيالانتحار كان مردها البحث عن أسباب الخلاص من حياة جحيم وألم وقسوة ونفاقوصراع نفسي إلى حياة أخرى حيث (عالم بلا ذكور وبلا إناث ) .تتعدد أمكنة الرواية فتكون البداية في بيت لحم حيث الطفولة المقهورة منقبل الأب الطاغي وعدم قبوله حالة ابنه المريض ، وحيث المدرسة والشارعوالمنزل ، مروراً بعمان في الأردن للعمل في محل لبيع العطورات واللوازمالنسائية ، ثم دول الخليج للعمل في تصميم المواقع الإلكترونية … وفي كلهذه الأمكنة لاتخلو أحداث الرواية من التشويق الذي يفضي بالعديد منالمواقف التي تشير إلى استغلال هذه الشخصية أكان من قبل الرجل أم من قبلالأنثى …إن أهم ماتطرحه الرواية هو فكرة قبول الآخر ، إذ نجد تعايشاً مابينالديانات المختلفة وذلك في مكان الرواية الأول ( بيت لحم ) فصديقات الأم (الشركسية ) هن مسيحيات ويهوديات ومسلمات لتؤكد هذه الفكرة ، ثم نظرةالمجتمع لشخصية نداء ، هذا الاسم الذي أطلقت من خلاله الروائية نداءهالقبوله شكلاً وجنساً …فهي إذ تقول في مقدمتها للرواية :(إلى كل من تألم من عدم فهم الآخرين له وعدم احترام اختلافه عنهم.إلى قلوب غسلت بيد السماء لتصبح مفروشة بالعبير الطيب لكل الاختلافات.إلى كل من حمل أو يحمل بين جنباته شعلة الإنسانية التي أبدًا لا تفرق بين شكل أو لون أو عرق أو دين.أهديكم حكاية "نداء" علها تكون عبرة لكل من يقسو على الآخر ولكل من لايدرك بأن هناك من يتدثر برجفة الألم والخوف دون أن يعلم الآخرين ).لقد برعت الكاتبة في التصوير وفي كشف جوانب مهمة في هذه الشخصية ، وفيالغوص في مشاعر وأحاسيس الأنثى ، وفي رصد علاقات عديدة تدخل في دائرةالمحرمات وخاصة تلك المتمثلة في نماذج ساقطة اجتماعياً كنهال وهويدا وآمالفي أثناء تصويرها لحياة كل منها على حدة ، والأسباب التي دفعت كل واحدةمنهن إلى انتهاج طريق الرذيلة والخطأ ، وهي في هذا تلقي اللوم على المجتمعوعلى الرجل وعلى السلطة الذكورية في المجتمعات العربية .إلا أن مايؤخذ على هذه الرواية وقوعها في فخ التناقض في بعض الأمور وهي : أنهاأشارت إلى أم نداء في البداية على أنها شركسية ، ثم نراها تشير في سياقالرواية إلى أنها أرمنية ، وربما كان هذا الأمر سهواً جاء من الكاتبةوربما جهلاً بأصول كل من الشركس والأرمن . اللهجةالتي يتحدث بها جهاد زميل نداء في المدرسة كانت مصرية تارة وتارة أخرىفلسطينية ، مع العلم بأن المكان هو مدرسة في بيت لحم ، وهنا كان علىالروائية أن تنطق هذه الشخصية بمفردات اللهجة الفلسطينية فقط .على أن الرواية ناجحة فنياً وذات لغة شاعرية ، وفيها معلومات علميةدقيقة عن مرض شخصية نداء شرحته الكاتبة من دون إفاضة أو زيادة … وقد تنوعتطرائق السرد فيها ابتداء بلسان الأخت (سحر) مروراً وانتهاء بلسان الراويالبطل ، مابين سرد للحدث ومونولوج داخلي يشكل أكثر الأنماط غنى وكشفاًللذات والنفس الإنسانية المتربعة فيه ، ولتقاليد المجتمع البالية وأنظمتهالفاسدة ، ولمأساة الجرح الفلسطيني ، ولكل ماسلطت الرواية أضواءها عليه …وهو مايعبر عنه المونولوج الأخير في الرواية :(تذكرت بيت لحم وجروح طفولتي ومراتعها..تذكرت خيباتنا العربية.. وكبواتنا الكثيرة.. وأنظمتنا الفاسدة..تذكرت تقاليد قومي التي أبداً لم تنصفني..تذكرت من هم في مثل حالتي.. وتحسرت عليهم.. في ظل عالم يكفر بحكم الله وخلقه..تذكرت كيف يدفعهم المجتمع إلى سلوك طريق الانحراف بدلا من التميز وإثبات الذات..) .
(فضاءالجسد) رواية للكاتبة الصحفية ثريا نافع الفلسطينية الأصل ، المصريةالجنسية ، صدرت عام 2006 عن دار الرحاب للنشر في بيروت ، وقد ذيلت المؤلفةعنوانها بعنوان آخر هو تفسير لمحتوى الرواية لتشير إلى أن هذه الروايةتصوير لمحنة إنسان من الجنس الثالث …الجنس الثالث ( الخنثى ) هو فكرة الرواية التي أدخلتنا من خلالهاالروائية إلى عالم يضج بالتناقضات وبالحيرة الإنسانية الوجودية ، وذلك عبرشخصية البطل (نداء) … وهي إذ ذاك لاتطرح محنة هذا الإنسان على بساطالرواية لتشير إلى المشكلات والمنغصات التي تحف بحياة هذه الشخصية وحسب ،وإنما لتدلل على غير قضية من قضايا هذا المجتمع الذكوري ولتقفز إلى قضاياأكبر وأعم أولها جروح الأمة العربية والواقع العربي بأمراضه النفسيةوالاجتماعية وآخرها قضية قبول الآخر مهما كانت جنسيته أو دينه أو جنسه .من خلال أحداث الرواية تتكشف للقارئ ليس أزمة الجسد عند (نداء) وحسبوإنما أزمات أجساد أخرى منتهكة اجتماعياً وشرعياً ، لابل تطرح أزمة جسدأكبر ، وهو جسد الأرض المنتهك عبر الاحتلال …فهي عندما تشير بداية إلى زمن ولادة (نداء) تؤطر الحدث بزمن أسود هوزمن مذابح صبرا وشاتيلا (قبل أن يجف مداد التعهد الأمريكي لحماية أرواحالفلسطينيين في مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة كانت خطة الانقضاض قدرسمت على العزّل من المدنيين.. سكان المعسكر من قبل شارون - وبالتعاون معحزب الكتائب - فانقضوا بلا وازع على المخيم، ونفذوا إبادة جماعية لمدنيينعزل كان سوء حظهم أن جعلهم من ساكنيه! - اقتحام الدبابات الإسرائيليةالمخيم بمساعدة الكتائبيين - وفي غياب تام للشرعية العربية - وصمت مهينكالعادة.. أعملوا في ساكنيه من النساء والأطفال والشيوخ قتلاً وحرقاًوذبحاً وتقطيعاً!) ..أما المكان فلم يكن هناك في لبنان وإنما في بيت لحم التي تقع (تحت قدميمدينة القدس مسقط رأس المسيح عليه السلام، تنتشر فيها حقول القمح والشعيروالزيتون والكروم ) ..والمكانان محتلان نهشت جسديهما أنياب الاحتلالالصهيوني الغاشم .في هذه الرواية تدخل الكاتبة في عوالم شخصيات شاذة لتلامس التابوهبذكاء وبقدرة فنية خلاقة ولغة شاعرية استطاعت من خلالها كشف دواخل هذهالشخصيات عبر علاقاتها المحرمة اجتماعياً أو الشاذة جنسياً ، لا لتلقياللوم عليها أو لتثير غرائز المتلقي وإنما لتلقي باللائمة على المجتمعوضيق نظرته إلى الأنثى وعدم انفتاحه على الآخر ، أكان هذا الآخر جنساً أمهوية أم ديناً .ولعل الكلمة التي كتبها الشيخ عبد السلام البسيوني على غلاف الرواية الأخير تدلل بوضوح على مضمون الرواية ، إذ قال :( إلى عش الدبابير، أو جحيم الممنوعات، دخلت ثريا نافع وهي بكاملوعيها، لتمس من خلال هذه الرواية عدداً من التابوهات أو المحرمات بحساسية،وحرفية، واقتدار، وبمكر الأنثى وحساسيتها وذكائها نجحت نجاحاً باهراً فيتخطي الألغام، أو القفز من فوقها، أو زرعها في أثناء عباراتها، بحيث لاتضبطها أبداً متلبسة بجرم مشهود!لقد تناولت العلاقات الشاذة بين الذكور، وبين الإناث السحاقيات. وتأملتالتعامل مع اليهود، وجلدت الذهنية العربية التي رفعت التقاليد على الدينوالعقل والمنطق والمصلحة، ورصدت هموم طائفة برزخية، تائهة بين الجنةوالنار، بين جنة وضوح الهوية، ونار النكران الاجتماعي، وندالة النظرة،ونفاق الأقنعة الاجتماعية الغشاشة.مست ثريا نافع ذلك كله دون أن تفضح، أو تجرح، أو تسيء أو تتطاول، كأنهاالنار التي تعالج ولا تحرق، فكيف نجحت هذا النجاح في روايتها الأولى؟! )فمن خلال قضية الخنثى (نداء) التي عالجتها الكاتبة في الرواية تبرز لنامجموعة العلاقات السائدة في المجتمع العربي ، وكيف ينظر هذا المجتمع إلىهذه الشخصية التي تتعرض للابتزاز الجنسي والتحرش وخاصة في المؤسسةالتعليمية ، أكان ذلك من قبل مدير المدرسة أم من قبل الزملاء ، ولكنالكاتبة في هذه الرواية تنحاز للأنثى ، لا لأنها أنثى ، وإنما للظلم الذيتتعرض له ، ولرهافة الأحاسيس التي تلقيها على كاهل (نداء) لتشير إلى أنصوت الأنثى في داخله كان أقوى من صوت الذكر وفي هذا إشارة نفسية بالغةالدلالة ، يوضحها المونولوج الداخلي الذي جاء على لسان نداء :( من قال بأني أريد دحر الأنثى داخلي ، بريء ، وتشعرني بآلام الآخرينوأحزانهم ؟ هذا ماكنت أود الصراخ به ، لكنني ضبطت نفسي ، وقمعتها أكثر منمرة … والغريب أنني لا أشعر في قرارة نفسي أنه تصرف خاطئ ، لأنه كان يحدثفي نطاق ضيق ، وبشكل غير متعمد ، وبشعور فطري … ) .في التصوير الدقيق لأحداث الرواية وسير الشخصية فيها ، لايقف القارئموقف نفور من هذه الشخصية وإنما يتعاطف معها ، لأنها تمتلك من الحس الدفينالعميق مالا يمتلكه آخرون ، وهي أقرب للأنثى منها إلى الذكر من حيثالملامح والشكل والمشاعر والأحاسيس ، وخاصة فيما يتعلق بمشاعرها تجاهالذكر … ولهذا تنتاب هذه الشخصية الكثير من المشاعر المتضاربة والمتناقضة، وفي الوقت نفسه نجد أنها تشق لنفسها طريقاً في الحياة من خلال الجدوالمثابرة والتثقيف الذاتي والعمل في غير مجال ، حتى لتبرز نجاحات على غيرصعيد ، ولكنها لاتفلت من مثالب النظرة الاجتماعية التي تجعلها فريسة لغيرصياد ، لكن العفاف يغلف هذه الشخصية في كل مراحل حياتها فلا تنقاد للشذوذولا للخطيئة ، وإنما تبحث عن إيجاد جنس محدد لها من خلال العلاج عن طريقالهرمونات الذكرية التي كان لامفر منها لأنها رغبة الأب القاسي في أن يكونله ولد يحمل اسمه ، ورغبة الأم التي لم تجد مناصاً من التخلي عن هذهالرغبة حتى بعد موت الأب ، ورغبة المجتمع الذي ينظر إلى الذكر غير نظرتهإلى الأنثى … الأمر الذي شكل مزيداً من الضغوط النفسية على شخصية نداءومزيداً من المعاناة والألم والضياع ، لكن وجود الأخت (سحر) مايشكل سنداًقوياً لهذه الشخصية في كل مراحل حياتها أكان ذلك في الصغر أم في مرحلةالدراسة ، أم في مرحلة العمل ..إلا أن النهاية المأساوية لهذه الشخصية وهيالانتحار كان مردها البحث عن أسباب الخلاص من حياة جحيم وألم وقسوة ونفاقوصراع نفسي إلى حياة أخرى حيث (عالم بلا ذكور وبلا إناث ) .تتعدد أمكنة الرواية فتكون البداية في بيت لحم حيث الطفولة المقهورة منقبل الأب الطاغي وعدم قبوله حالة ابنه المريض ، وحيث المدرسة والشارعوالمنزل ، مروراً بعمان في الأردن للعمل في محل لبيع العطورات واللوازمالنسائية ، ثم دول الخليج للعمل في تصميم المواقع الإلكترونية … وفي كلهذه الأمكنة لاتخلو أحداث الرواية من التشويق الذي يفضي بالعديد منالمواقف التي تشير إلى استغلال هذه الشخصية أكان من قبل الرجل أم من قبلالأنثى …إن أهم ماتطرحه الرواية هو فكرة قبول الآخر ، إذ نجد تعايشاً مابينالديانات المختلفة وذلك في مكان الرواية الأول ( بيت لحم ) فصديقات الأم (الشركسية ) هن مسيحيات ويهوديات ومسلمات لتؤكد هذه الفكرة ، ثم نظرةالمجتمع لشخصية نداء ، هذا الاسم الذي أطلقت من خلاله الروائية نداءهالقبوله شكلاً وجنساً …فهي إذ تقول في مقدمتها للرواية :(إلى كل من تألم من عدم فهم الآخرين له وعدم احترام اختلافه عنهم.إلى قلوب غسلت بيد السماء لتصبح مفروشة بالعبير الطيب لكل الاختلافات.إلى كل من حمل أو يحمل بين جنباته شعلة الإنسانية التي أبدًا لا تفرق بين شكل أو لون أو عرق أو دين.أهديكم حكاية "نداء" علها تكون عبرة لكل من يقسو على الآخر ولكل من لايدرك بأن هناك من يتدثر برجفة الألم والخوف دون أن يعلم الآخرين ).لقد برعت الكاتبة في التصوير وفي كشف جوانب مهمة في هذه الشخصية ، وفيالغوص في مشاعر وأحاسيس الأنثى ، وفي رصد علاقات عديدة تدخل في دائرةالمحرمات وخاصة تلك المتمثلة في نماذج ساقطة اجتماعياً كنهال وهويدا وآمالفي أثناء تصويرها لحياة كل منها على حدة ، والأسباب التي دفعت كل واحدةمنهن إلى انتهاج طريق الرذيلة والخطأ ، وهي في هذا تلقي اللوم على المجتمعوعلى الرجل وعلى السلطة الذكورية في المجتمعات العربية .إلا أن مايؤخذ على هذه الرواية وقوعها في فخ التناقض في بعض الأمور وهي : أنهاأشارت إلى أم نداء في البداية على أنها شركسية ، ثم نراها تشير في سياقالرواية إلى أنها أرمنية ، وربما كان هذا الأمر سهواً جاء من الكاتبةوربما جهلاً بأصول كل من الشركس والأرمن . اللهجةالتي يتحدث بها جهاد زميل نداء في المدرسة كانت مصرية تارة وتارة أخرىفلسطينية ، مع العلم بأن المكان هو مدرسة في بيت لحم ، وهنا كان علىالروائية أن تنطق هذه الشخصية بمفردات اللهجة الفلسطينية فقط .على أن الرواية ناجحة فنياً وذات لغة شاعرية ، وفيها معلومات علميةدقيقة عن مرض شخصية نداء شرحته الكاتبة من دون إفاضة أو زيادة … وقد تنوعتطرائق السرد فيها ابتداء بلسان الأخت (سحر) مروراً وانتهاء بلسان الراويالبطل ، مابين سرد للحدث ومونولوج داخلي يشكل أكثر الأنماط غنى وكشفاًللذات والنفس الإنسانية المتربعة فيه ، ولتقاليد المجتمع البالية وأنظمتهالفاسدة ، ولمأساة الجرح الفلسطيني ، ولكل ماسلطت الرواية أضواءها عليه …وهو مايعبر عنه المونولوج الأخير في الرواية :(تذكرت بيت لحم وجروح طفولتي ومراتعها..تذكرت خيباتنا العربية.. وكبواتنا الكثيرة.. وأنظمتنا الفاسدة..تذكرت تقاليد قومي التي أبداً لم تنصفني..تذكرت من هم في مثل حالتي.. وتحسرت عليهم.. في ظل عالم يكفر بحكم الله وخلقه..تذكرت كيف يدفعهم المجتمع إلى سلوك طريق الانحراف بدلا من التميز وإثبات الذات..) .